الحمد لله الغفور الذي ستر بستره وأجمل، الشكور الذي عم ببره وأجزل، الرحيم الذي أتم إحسانه على المؤمنين وأكمل، الواحد الأحد القدوس الصمد الأول المنفرد بالعز والكمال فلا ينتقص عزه ولا يتحول، الحي العليم القدير السميع البصير المتكلم بكلام قديم لا يتغير ولا يتبدل، أحمده على ما أنعم وأكرم وتفضل
واشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد وهو على كل شيء قدير
تبارك الله في علياء عزته
|
**
|
وجل معنى فليس الوهم يحويه
|
وجوده سابق لا شيء يشبهه
|
**
|
ولا شريك له لا شك لي فيه
|
لا كون يحصره لا عون ينصره
|
**
|
لا كشف يظهره لا جهر يبديه
|
لا دهر يخلقه لا نقص يلحقه
|
**
|
لا نقل يسبقه لا عقل يدريه
|
سبحانه وتعالى في جلالته
|
**
|
وجل لطفا وعزا في تعاليه
|
وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وشفيعنا محمد عبد الله ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه الذي أوحى اليه الكتاب ونزّل، ونهج للمتقين طريق الهداية وسهل.
يا مصطفى من قبل نشأة أدم
|
**
|
والكون لم يفتح له إغلاق
|
أيروم مخلوق ثناؤك بعدما
|
**
|
أثنى على أخلاقك الخلاق
|
وعلى آله وأصحابه ومن سار على نهجه وتمسك بسنته واقتدى بهديه واتبعهم بإحسان إلى يوم الدين ونحن معهم يا أرحم الراحمين
العناصر
أولاً: نبذة عن أخلاق النبي r
ثانياً: صور من الجوانب الإنسانية في حياة النبي
ثالثاً: كيف نحيي المشاعر الإنسانية
الموضوع
أولاً: نبذة عن أخلاق النبي r
لقد شاء الله تبارك وتعالى بحكمته وفضله أن يختار نبيه محمداً r من بين البشر كلهم أجمعين، ويصطفيه، ويخصه من الخصائص، بما لم يخص به أحداً من العالمين.
حتى كان r قدوةً للناس -كلهم أجمعين -في كل شيء قال تعالى: " لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً " "الأحزاب 21".
فإنك إن نظرت إلى رسول الله r نبياً ورسولاً؛ وجدته المقدم على أنبياء الله تعالى، ورسله فهو سيدهم وأفضلهم وخاتمهم وإن نظرت إليه معلماً وجدته أفضل المعلمين، وإذا نظرت إليه خطيباً، وجدته المتحدث، الذي يصل قوله إلى كل قلب، وإن نظرت إليه زوجاً وجدته خير الأزواج لأهله، وإن نظرت إليه أباً، وجدته خير الآباء، وأحسنهم تعليما وإن نظرت إليه مقاتلاً، وجدته المقاتل الشجاع، وإن نظرت إليه كصاحب خلق وجدته متربع على عرش الأخلاق بأسرها.
قال تعالى: (وإنك لعلى خلق عظيم) وتأمل معي كيف خاطبه الله عز وجل، لم يقل له وإنك لذو خلق عظيم، ولم يقل له وإنك لصاحب خلق عظيم، لم يقل له وإن أخلاقك عظيمة، لم يقل ربنا له ذلك وإنما قال له (وإنك لعلى خلق عظيم) خاطبه بحرف (على) الذي يفيد الاستعلاء فكأنه r متربع على عرش الأخلاق بأسرها.
فالأخلاق إذا ذكرت كان رسول الله عنوانها، والأخلاق إذا ذكرت كان رسول الله أستاذها، والأخلاق إذا ذكرت كان رسول الله سيدها.
يا سيد السادات يا من قدره
|
**
|
لا تستطيع له الورى إدراك
|
ماذا يقول الناس فيك
|
**
|
وربهم بأتم تربية له رباك
|
حلاك بالخلق العظيم وفضله
|
**
|
الفضل العظيم عليك ما أعلاك
|
آواك من يتم وأعطاك الغنى
|
**
|
ولدينه الدين القويم هداك
|
شكرا لك اللهم أنت كفلته
|
**
|
نعم الكفيل تقدست أسماك
|
1-مدحه الله في خلقه: قال تعالى (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) القلم
2-خلقه القران: لما سئلت السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها عن أخلاق النبي r من سعيد بن هشام بن عامر حين قدم المدينة، قَالَت له: أَلَستَ تَقرَأُ القُرآنَ؟ قُال: بَلَى، قَالَت: فَإِنَّ خُلُقَ نَبِيِّ اللَّهِ r كَانَ القُرآنَ "([1])
3-وصف الصحابة لخلقه: عن أنس قال: خدمت رسول الله -r -عشر سنين فما قال لي: " أف " قط، ولا قال لشيء فعلته: لم فعلته؟ ولا لشيء لم أفعله: ألا فعلته؟ وكان -r -أحسن الناس خلقا، ولا مسست خزا، ولا حريرا، ولا شيئا كان ألين من كف رسول الله -r -ولا شممت مسكا ولا عطرا كان أطيب من عرق رسول الله r" ([2])
4-أكثر الناس حياءً: كان أكثر الناس حياء فعن أَبَي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -t-قال: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ r أَشَدَّ حَيَاءً مِنْ الْعَذْرَاءِ فِي خِدْرِهَا، وَكَانَ إذَا كَرِهَ شَيْئًا عَرَفْنَاهُ فِي وَجْهِهِ"([3])
5-آثر أمته بدعوته المستجابة: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: " لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ، فَتَعَجَّلَ كُلُّ نَبِيٍّ دَعْوَتَهُ، وَإِنِّي اخْتَبَأْتُ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَهِيَ نَائِلَةٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِي لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا " ([4])
6-لم ينتقم لنفسه قط: عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: "مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ r شَيْئًا قَطُّ بِيَدِهِ وَلَا امْرَأَةً وَلَا خَادِمًا إِلَّا أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَمَا نِيلَ مِنْهُ شَيْءٌ قَطُّ فَيَنْتَقِمَ مِنْ صَاحِبِهِ إِلَّا أَنْ يُنْتَهَكَ شَيْءٌ مِنْ مَحَارِمِ اللَّهِ فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ "([5])
7-حياته قبل البعثة: لما رأى جبريل أول مرة ونزل عليه بالوحي قال لخديجة -رضي الله عنها-: وقد جاءها يرجف، ولم يكن يعهد ذلك من قبل يقول: "دثروني" "لقد خشَيتُ على نفسي" فقالت زوجه الأولى خديجة بنت خويلد -رضي الله عنها-: "" كَلَّا أَبْشِرْ فَوَاللَّهِ لَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا وَاللَّهِ إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ وَتَصْدُقُ الْحَدِيثَ وَتَحْمِلُ الْكَلَّ وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ وَتَقْرِي الضَّيْفَ وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ " ([6])
ثانياً: صور من الجوانب الإنسانية في حياة النبي
أ-إنسانيته مع زوجاته:
عن عائشة رضي الله عنها: أنها كانت مع رسول الله r في سفر وهي جارية (قالت: لم أحمل اللحم ولم أبدن) فقال لأصحابه: تقدموا (فتقدموا) ثم قال: تعالي أسابقك فسابقته فسبقته على رجلي فلما كان بعد (وفي رواية: فسكت عني حتى إذا حملت اللحم وبدنت ونسيت) خرجت معه في سفر فقال لأصحابه تقدموا: (فتقدموا) ثم قال: تعالي أسابقك ونسيت الذي كان وقد حملت اللحم فقلت: كيف أسابقك يا رسول الله! وأنا على هذا الحال؟ فقال: لتفعلن فسابقته فسبقني ف (جعل يضحك و) قال: هذه بتلك السبقة. ([7])
1-خدمة أهله: عن إبراهيم عن الأسود قال: سألت عائشة ما كان النبي r يصنع في يته؟ قالت كان يكون في مهنة أهله تعني خدمة أهله فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة ([8])
2-حلمه r معهن: عن عمر بن الخطاب t، قال: «كنَّا معشر قريشٍ نغلب النِّساء، فلمَّا قدمنا على الأنصار إذا قومٌ تغلبهم نساؤهم؛ فطفق نساؤنا يأخذن من أدب نساء الأنصار، فصخبت على امرأتي، فراجعتني، فأنكرت أن تراجعني. قالت: ولم تنكر أن أراجعك؟ فو الله إنَّ أزواج النَّبيِّ r ليراجعنه، وإنَّ إحداهنَّ لتهجره اليوم حتَّى اللَّيل. فأفزعني ذلك، وقلت لها: قد خاب من فعل ذلك منهنَّ. ثمَّ جمعت عليَّ ثيابي، فنزلت، فدخلت على حفصة، فقلت لها: أي حفصة، أتغاضب إحداكنَّ النَّبيَّ r اليوم حتى اللَّيل؟!قالت: نعم. فقلت: قد خبت وخسرت!!فتأمنين أن يغضب الله لغضب رسوله r فتهلكي"([9])
و(طفق): شرع وبدأ، و(فصخبت): الصخب: الضجة واختلاط الأصوات عند الخصام.).
وعن عائشة رضى الله عنها، قالت قال لي رسول الله r: «إنِّي لأعلم إذا كنت عنِّي راضيةً، وإذا كنت عليَّ غضبى". قالت: فقلت: من أين تعرف ذلك؟ فقال: «أمَّا إذا كنت عنِّي راضيةً؛ فإنَّك تقولين: لا وربِّ محمَّدٍ، وإذا كنت عليَّ غضبى؛ قلت: لا وربَّ إبراهيم". قالت: قلت: أجل، والله، يا رسول الله، ما أهجر إلَّا اسمك"([10])
3-معالجة الأمور بلطف: وعن أنس قال كان النبي r عند بعض نسائه فأرسلت إحدى أمهات المؤمنين بصحفة فيها طعام فضربت التي النبي r في بيتها يد الخادم فسقطت الصحافة فانفلقت فجمع النبي r فلق الصفحة ثم جعل يجمع فيها الطعام الذي كان في الصحافة ويقول (غارت أمكم) ثم حبس لخادم حتى أتي بصحفة من عند التي هو في بيتها فدفع الصحفة الصحيحة إلى التي كسرت صحفتها وأمسك المكسورة في بيت التي كسرت "([11]).
ب-إنسانيته مع أبناءه:
1-كان r يخفض لهم جناحه : ويفهم طبيعتهم السنية؛ فيداعبهم ويلاطفهم ويقبلهم، ويحتضنهم ويصبر عليهم، ويكره أن يقطع عليهم مرحهم وسعادتهم حتى ولو كان بين يدي الله تعالى
فعن عبد الله بن شداد عن أبيه قال خرج علينا رسول الله r في إحدى صلاتي العشاء وهو حامل حسنا أو حسينا فتقدم رسول الله r فوضعه ثم كبر للصلاة فصلى فسجد بين ظهراني صلاته سجدة أطالها قال أبي فرفعت رأسي وإذا الصبي على ظهر رسول الله r وهو ساجد فرجعت إلى سجودي فلما قضى رسول الله r الصلاة قال الناس يا رسول الله إنك سجدت بين ظهراني صلاتك سجدة أطلتها حتى ظننا أنه قد حدث أمر أو أنه يوحى إليك قال كل ذلك لم يكن ولكن ابني ارتحلني فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته ([12])
2-رحمته بهم: وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ الأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ أَبْصَرَ النَّبِىَّ -r- يُقَبِّلُ الْحَسَنَ فَقَالَ إِنَّ لِي عَشَرَةً مِنَ الْوَلَدِ مَا قَبَّلْتُ وَاحِدًا مِنْهُمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r: «إِنَّهُ مَنْ لاَ يَرْحَمْ لاَ يُرْحَمْ» ([13]).
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: جاء أعرابي إلى النبي r فقال تقبلون الصبيان؟ فما نقبلهم فقال النبي r ( أو أملك لك أن نزع الله من قلبك الرحمة) ([14]).
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ t قَالَ دَخَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r عَلَى أَبِي سَيْفٍ الْقَيْنِ وَكَانَ ظِئْرًا لِإِبْرَاهِيمَ u فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ r إِبْرَاهِيمَ فَقَبَّلَهُ وَشَمَّهُ ثُمَّ دَخَلْنَا عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِبْرَاهِيمُ يَجُودُ بِنَفْسِهِ فَجَعَلَتْ عَيْنَا رَسُولِ اللَّهِ r تَذْرِفَانِ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ t وَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ يَا ابْنَ عَوْفٍ إِنَّهَا رَحْمَةٌ ثُمَّ أَتْبَعَهَا بِأُخْرَى فَقَالَ r إِنَّ الْعَيْنَ تَدْمَعُ وَالْقَلْبَ يَحْزَنُ وَلَا نَقُولُ إِلَّا مَا يَرْضَى رَبُّنَا وَإِنَّا بِفِرَاقِكَ يَا إِبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ) ([15])
3-تخفيف الصلاة من أجلهم: عن أنس بن مالك t أن رسول الله r قال: "إِنِّي لَأَدْخُلُ فِي الصَّلَاةِ وَأَنَا أُرِيدُ إِطَالَتَهَا فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ فَأَتَجَوَّزُ فِي صَلَاتِي مِمَّا أَعْلَمُ مِنْ شِدَّةِ وَجْدِ أُمِّهِ مِنْ بُكَائِهِ"([16])
4-قطع الخطبة من أجلهم: عن بريدة قال: كان رسول الله r يخطبنا إذ جاء الحسن والحسين عليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران فنزل رسول الله r من المنبر فحملهما ووضعهما بين يديه ثم قال: " صدق الله " إنما أموالكم وأولادكم فتنة " نظرت إلى هذين الصبيين يمشيان ويعثران فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما " ([17])
الرحمةُ المهداةُ جاء مبشِّرا
|
**
|
ولأفضلِ الأديان قام فأنـــــذرا
|
ولأكرمِ الأخلاق جاء مُتمِّمًا
|
**
|
يدعو لأحسنِها ويمحو المنكرا
|
صلى عليه اللهُ في ملكوته
|
**
|
ما قام عبدٌ في الصلاة وكبـــّرا
|
آواك من يتم وأعطاك الغنى
|
**
|
ولدينه الدين القويم هداك
|
شكرا لك اللهم أنت كفلته
|
**
|
نعم الكفيل تقدست أسماك
|
5-العطف عليهم: عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -r- صَلاَةَ الأُولَى ثُمَّ خَرَجَ إِلَى أَهْلِهِ وَخَرَجْتُ مَعَهُ فَاسْتَقْبَلَهُ وِلْدَانٌ فَجَعَلَ يَمْسَحُ خَدَّىْ أَحَدِهِمْ وَاحِدًا وَاحِدًا - قَالَ - وَأَمَّا أَنَا فَمَسَحَ خَدِّى - قَالَ - فَوَجَدْتُ لِيَدِهِ بَرْدًا أَوْ رِيحًا كَأَنَّمَا أَخْرَجَهَا مِنْ جُؤْنَةِ عَطَّارٍ"([18])
ج-إنسانيته مع أصحابه:
1-كان يحب أصحابه ويبدأهم بالسلام: ويكنيهم ويدعوهم بأحب الأسماء إليهم، بل كان يقف لخدمتهم ويجهد نفسه لراحتهم وكان يسأل عن أخبارهم ويتفقد أحوالهم، ويدعو لغائبهم، ويزور مريضهم ويشيع جنائزهم، ويصلي عليهم، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -r- كَانَ مِمَّا يَقُولُ لأَصْحَابِهِ «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ رُؤْيَا فَلْيَقُصَّهَا أَعْبُرْهَا لَهُ». قَالَ فَجَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ رَأَيْتُ ظُلَّةً. بِنَحْوِ حَدِيثِهِمْ"([19]) ومعنى الظلة: السحابة التي لها ظل
2-يرق لحالهم فيحزن قلبه وتدمع عينه وتتفطر نفسه: فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ اشْتَكَى سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ شَكْوَى لَهُ فَأَتَى رَسُولُ اللَّهِ -r- يَعُودُهُ مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَسَعْدِ بْنِ أَبِى وَقَّاصٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ وَجَدَهُ فِى غَشِيَّةٍ فَقَالَ «أَقَدْ قَضَى». قَالُوا لاَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَبَكَى رَسُولُ اللَّهِ -r- فَلَمَّا رَأَى الْقَوْمُ بُكَاءَ رَسُولِ اللَّهِ -r- بَكَوْا فَقَالَ «أَلاَ تَسْمَعُونَ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُعَذِّبُ بِدَمْعِ الْعَيْنِ وَلاَ بِحُزْنِ الْقَلْبِ وَلَكِنْ يُعَذِّبُ بِهَذَا -وَأَشَارَ إِلَى لِسَانِهِ -أَوْ يَرْحَمُ» ([20])
ومعنى الغشية: ما يغشاه من شدة كرب الموت، قضى: مات
د-إنسانيته مع الضعفاء: فعَنْ جَابِرٍ، قَالَ: لَمَّا رَجَعَتْ إِلَى رَسُولِ اللهِ r مُهَاجِرَةُ الْبَحْرِ، قَالَ: "أَلاَ تُحَدِّثُونِي بِأَعَاجِيبِ مَا رَأَيْتُمْ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ؟ قَالَ فِتْيَةٌ مِنْهُمْ : بَلَى ، يَا رَسُولَ اللهِ ، بَيْنَا نَحْنُ جُلُوسٌ مَرَّتْ بِنَا عَجُوزٌ مِنْ عَجَائِزِ رَهَابِينِهِمْ ، تَحْمِلُ عَلَى رَأْسِهَا قُلَّةً مِنْ مَاءٍ ، فَمَرَّتْ بِفَتًى مِنْهُمْ ، فَجَعَلَ إِحْدَى يَدَيْهِ بَيْنَ كَتِفَيْهَا ، ثُمَّ دَفَعَهَا فَخَرَّتْ عَلَى رُكْبَتَيْهَا ، فَانْكَسَرَتْ قُلَّتُهَا ، فَلَمَّا ارْتَفَعَتِ الْتَفَتَتْ إِلَيْهِ ، فَقَالَتْ : سَوْفَ تَعْلَمُ يَا غُدَرُ إِذَا وَضَعَ اللَّهُ الْكُرْسِيَّ ، وَجَمَعَ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ ، وَتَكَلَّمَتِ الأَيْدِي وَالأَرْجُلُ ، بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ، فَسَوْفَ تَعْلَمُ كَيْفَ أَمْرِي وَأَمْرُكَ عِنْدَهُ غَدًا. قَالَ: يَقُولُ رَسُولُ اللهِ r : صَدَقَتْ، صَدَقَتْ كَيْفَ يُقَدِّسُ اللَّهُ أُمَّةً لاَ يُؤْخَذُ لِضَعِيفِهِمْ مِنْ شَدِيدِهِمْ؟" ([21])
وعَنْ سَعْدٍ قَالَ كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ r سِتَّةَ نَفَرٍ فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ لِلنَّبِيِّ r: اطْرُدْ هَؤُلَاءِ لَا يَجْتَرِئُونَ عَلَيْنَا قَالَ وَكُنْتُ أَنَا وَابْنُ مَسْعُودٍ وَرَجُلٌ مِنْ هُذَيْلٍ وَبِلَالٌ وَرَجُلَانِ لَسْتُ أُسَمِّيهِمَا فَوَقَعَ فِي نَفْسِ رَسُولِ اللَّهِ r مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقَعَ فَحَدَّثَ نَفْسَهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ:" وَلَا تَطْرُدْ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ "([22])
1-قضاء حوائجهم: عن أنس قال "كانت الأمة من إماء المدينة لتأخذ بيد رسول الله "r" فتنطلق به حيث شاءت"([23])
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى t قَالَ: " كَانَ النَّبِيُّ r لَا يَأْنَفُ وَلَا يَسْتَنْكِفُ أَنْ يَمْشِيَ مَعَ الْأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ فَيَقْضِيَ لَهُمَا حَاجَتَهُمَا "([24])
2-رفع قدرهم: عَنْ سَهْلٍ، قَالَ: مَرَّ رَجُلٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ r، فَقَالَ: مَا تَقُولُونَ فِي هَذَا؟ قَالُوا: حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ يُنْكَحَ، وَإِنْ شَفَعَ أَنْ يُشَفَّعَ، وَإِنْ قَالَ أَنْ يُسْتَمَعَ، قَالَ: ثُمَّ سَكَتَ، فَمَرَّ رَجُلٌ مِنْ فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ: مَا تَقُولُونَ فِي هَذَا؟ قَالُوا: حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ لَا يُنْكَحَ، وَإِنْ شَفَعَ أَنْ لَا يُشَفَّعَ، وَإِنْ قَالَ أَنْ لَا يُسْتَمَعَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : " هَذَا خَيْرٌ مِنْ مِلْءِ الْأَرْضِ مِثْلَ هَذَا "([25])
3-الشعور بحالهم: ولشعوره r بأزمة الفقر هذه، وما تُورِثُه في نفس الإنسان من ضعف، تَحرَّك قلبه لهؤلاء الفقراء، مع أنه عاش حياته كفردٍ منهم، وكما تقول أم المؤمنين عائشة: "مَا شَبِعَ آلُ مُحَمَّدٍ r مِنْ طَعَامٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ حَتَّى قُبِضَ" ([26])
4-الوصية بهم: عَنِ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ قَالَ مَرَرْنَا بِأَبِى ذَرٍّ بِالرَّبَذَةِ وَعَلَيْهِ بُرْدٌ وَعَلَى غُلاَمِهِ مِثْلُهُ فَقُلْنَا يَا أَبَا ذَرٍّ لَوْ جَمَعْتَ بَيْنَهُمَا كَانَتْ حُلَّةً. فَقَالَ إِنَّهُ كَانَ بَيْنِى وَبَيْنَ رَجُلٍ مِنْ إِخْوَانِى كَلاَمٌ وَكَانَتْ أَمُّهُ أَعْجَمِيَّةً فَعَيَّرْتُهُ بِأُمِّهِ فَشَكَانِى إِلَى النَّبِىِّ -r- فَلَقِيتُ النَّبِىَّ -r- فَقَالَ « يَا أَبَا ذَرٍّ إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ ». قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ سَبَّ الرِّجَالَ سَبُّوا أَبَاهُ وَأُمُّهُ. قَالَ «يَا أَبَا ذَرٍّ إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ هُمْ إِخْوَانُكُمْ جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ فَأَطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَأْكُلُونَ وَأَلْبِسُوهُمْ مِمَّا تَلْبَسُونَ وَلاَ تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ» ([27])
ذ-إنسانيته مع المخطئين
1-إقناعهم بالحق وصبره عليهم: عن أبي أمامة قال: إن فتى شابا اتى النبي r فقال : يا رسول الله! ائذن لي بالزنى. فأقبل القوم عليه فزجروه وقالوا مه مه! فقال: ادنه. فدنا منه قريبا. قال: فجلس. قال أتحبه لأمك؟ قال: لا والله جعلني الله فداك. قال: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم. قال أفتحبه لابنتك؟ قال: لا والله يا رسول الله! جعلني الله فداك. قال: ولا الناس يحبونه لبناتهم. قال أتحبه لأختك؟ قال: لا والله جعلني الله فداك. قال: ولا الناس يحبونه لأخواتهم. قال أتحبه لعمتك؟ قال: لا والله جعلني الله فداك. قال: ولا الناس يحبونه لعماتهم. قال أتحبه لخالتك؟ قال: لا والله جعلني الله فداك. قال: ولا الناس يحبونه لخالاتهم. قال: فوضع يده عليه وقال: اللهم! اغفر ذنبه وطهر قلبه وحصن فرجه. فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء ([28])
وعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ t قَالَ: قَامَ أعرَابِّي فَبَالَ في الْمَسْجِدِ، فَتَنَاوَلَهُ النَّاسُ فَقَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ – r -: " دَعُوهُ وَهَرِيْقُوا عَلَى بَوْلِهِ سَجْلاً مِنْ مَاءٍ، أوْ ذَنُوباً مِنْ مَاءٍ، فَإِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ وَلَم تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ "([29])
2-الثناء على التائب منهم: عن بُرَيْدَةَ t قال: جَاءَتْ الْغَامِدِيَّةُ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي قَدْ زَنَيْتُ فَطَهِّرْنِي وَإِنَّهُ رَدَّهَا فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَ تَرُدُّنِي لَعَلَّكَ أَنْ تَرُدَّنِي كَمَا رَدَدْتَ مَاعِزًا فَوَاللَّهِ إِنِّي لَحُبْلَى قَالَ إِمَّا لَا فَاذْهَبِي حَتَّى تَلِدِي فَلَمَّا وَلَدَتْ أَتَتْهُ بِالصَّبِيِّ فِي خِرْقَةٍ قَالَتْ هَذَا قَدْ وَلَدْتُهُ قَالَ اذْهَبِي فَأَرْضِعِيهِ حَتَّى تَفْطِمِيهِ فَلَمَّا فَطَمَتْهُ أَتَتْهُ بِالصَّبِيِّ فِي يَدِهِ كِسْرَةُ خُبْزٍ فَقَالَتْ هَذَا يَا نَبِيَّ اللَّهِ قَدْ فَطَمْتُهُ وَقَدْ أَكَلَ الطَّعَامَ فَدَفَعَ الصَّبِيَّ إِلَى رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَحُفِرَ لَهَا إِلَى صَدْرِهَا وَأَمَرَ النَّاسَ فَرَجَمُوهَا فَيُقْبِلُ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ بِحَجَرٍ فَرَمَى رَأْسَهَا فَتَنَضَّحَ الدَّمُ عَلَى وَجْهِ خَالِدٍ فَسَبَّهَا فَسَمِعَ نَبِيُّ اللَّهِ r سَبَّهُ إِيَّاهَا فَقَالَ مَهْلًا يَا خَالِدُ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ تَابَهَا صَاحِبُ مَكْسٍ لَغُفِرَ لَهُ ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَصَلَّى عَلَيْهَا وَدُفِنَتْ"([30])
3-تعليمهم مع عدم التقليل من شأنهم: وعنَ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيِّ ، قَالَ : بَيْنَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r ، إِذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ ، فَقُلْتُ : يَرْحَمُكَ اللَّهُ ، فَرَمَانِي الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ- نظروا إلى بحدة وشدة، الرجل لا يعلم أن الحكم نسخ فلقد كان الصحابة قبل ذلك يسلمون على النبي r فى الصلاة فيرد النبي r عليهم السلام، ثم نسخ النبي هذا الحكم ونهى عن الكلام في الصلاة، وجاء هذا الرجل ولا يعرف أن الحكم قد نسخ فوقف في الصلاة، فلما عطس رجل فى الصلاة فقال له: يرحمك الله فرماه القوم بأبصارهم يقول معاوية بن أبى الحكم السلمى: فَقُلْتُ : وَاثُكْلَ أُمِّيَاهْ ، مَا شَأْنُكُمْ تَنْظُرُونَ إِلَيَّ ؟ .. كل هذا فى الصلاة. واثكل أمياه فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ بِأَيْدِيهِمْ عَلَى أَفْخَاذِهِمْ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ يُصَمِّتُونَنِي، لَكِنِّي سَكَتُّ، فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ r قال: فَبِأَبِي هُوَ وَأُمِّي، مَا رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ، وَلَا بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ، فَوَاللَّهِ مَا كَهَرَنِي وَلَا ضَرَبَنِي وَلَا شَتَمَنِي إنما قال لي:" " إِنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ، لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ، إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ "([31])
ر-إنسانيته مع أعداءه:
1-الدعاء لهم: من معالم إنسانيته الرائعة أنه رغم خلافه مع قومه وظلمهم له، وتعديهم عليه، وتآمرهم بالقتل والإبعاد والتحريض إلا أنه لم يضق صدره بهم ذرعا، ودعا عليهم؛ بل كان يفتح يديه، ويبتهل إلى ربه قائلا: (اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون) كما ورد عن ابن مسعود قال: كأني أنظر إلى رسول الله r يحكي نبيا من الأنبياء ضربه قومه فأدموه وهو يمسح الدم عن وجهه ويقول: " اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون " ([32])
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ قَالَ «إِنِّى لَمْ أُبْعَثْ لَعَّانًا وَإِنَّمَا بُعِثْتُ رَحْمَةً» ([33])
2-الحسرة والألم على حالهم : وكاد أن يهلك نفسه من الحسرة والألم وكثرة الفكر، وطول الهم، وبذل الجهد عله أن ينقذ حياتهم من الكفر وآخرتهم من النار، والقرآن يشير إلى ذلك بقوله: (فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الحَدِيثِ أَسَفاً) الكهف.
3-رد الإساءة بالحسنى: عن عائشة رضي الله عنها قالت للنبي r " يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ أَتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ أَشَدَّ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ فَقَالَ « لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ وَكَانَ أَشَدَّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ الْعَقَبَةِ إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِى عَلَى ابْنِ عَبْدِ يَالِيلَ بْنِ عَبْدِ كُلاَلٍ فَلَمْ يُجِبْنِى إِلَى مَا أَرَدْتُ فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِى فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلاَّ بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ فَرَفَعْتُ رَأْسِى فَإِذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِى فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ فَنَادَانِى فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الْجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ قَالَ فَنَادَانِى مَلَكُ الْجِبَالِ وَسَلَّمَ عَلَىَّ. ثُمَّ قَالَ يَا مُحَمَّدُ إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ وَأَنَا مَلَكُ الْجِبَالِ وَقَدْ بَعَثَنِى رَبُّكَ إِلَيْكَ لِتَأْمُرَنِى بِأَمْرِكَ فَمَا شِئْتَ إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمُ الأَخْشَبَيْنِ ». فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -r: «بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلاَبِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا» ([34])
وعن أنس بن مالك t قال : كنت أمشي مع النبي r وعليه برد نجراني غليظ الحاشية فأدركه أعرابي فجذبه جذبة شديدة حتى نظرت إلى صفحة عاتق النبي r قد أثرت به حاشية الرداء من شدة جذبته ثم قال مر لي من مال الله الذي عندك فالتفت إليه فضحك ثم أمر له بعطاء " ([35])
ومعنى (برد) نوع من الثياب. (نجراني) نسبة إلى نجران بلد في اليمن. (الحاشية) الجانب وحاشية الثوب جانبه وكذلك الحاشية من كل شيء. (فجذبه) شده. (صفحة) صفحة كل شيء وجهه وجانبه وناحيته ومثله الصفح. (عاتق) هو ما بين المنكب والعنق.
4-زيارتهم: عن ثابت عن أنس t قال : كان غلام يهودي يخدم النبي r فمرض فأتاه النبي t يعوده فقعد عند رأسه فقال له (أسلم). فنظر إلى أبيه وهو عنده فقال له أطع أبا القاسم t فأسلم فخرج النبي t وهو يقول (الحمد لله الذي أنقذه من النار) ([36])
5-حفظ عهدهم وتحريم نقضه: عن عبد الله بن عمرو t :عن النبي t قال " مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا " ([37])
وقال عن عمرو بن الحمق t قال سمعت رسول الله r " أَيُّمَا رَجُلٍ أَمِنَ رَجُلا عَلَى دَمِهِ ثُمَّ قَتَلَهُ، فَأَنَا مِنَ الْقَاتِلِ بَرِيءٌ، وَإِنْ كَانَ الْمَقْتُولُ كَافِرًا "([38])
ز-إنسانيته بالحيوان: كان r يعتبر الحيوان كيانا معتبرا ذا روح يحس بالجوع ويشعر بالعطش، ويتألم بالمرض والتعب، ويدركه ما يدرك الإنسان من أعراض الجسد؛ لذا رأيناه r تتألم نفسه ويرق قلبه لحيوان ألم به الجوع ونال منه الجهد
1-الحيوان: فعن سهل بن الحنظلية - t - قال : «مر رسول الله r على بعير قد لصق ظهره ببطنه؛ فقال: «اتقوا الله في هذه البهائم المعجمة فاركبوها صالحة وكلوها صالحة» ([39])
وعن عبد الله بن جعفر t قال : أردفني رسول الله r خلفه ذات يوم فأسر إلي حديثا لا أحدث به أحدا من الناس وكان أحب ما استتر به رسول الله r لحاجته هدفا أو حايش نخل فدخل حائطا لرجل من الأنصار فإذا فيه جمل فلما رأى النبي r حن وذرفت عيناه فأتاه رسول الله r فمسح ذفراه فسكت فقال: من رب هذا الجمل لمن هذا الجمل فجاء فتى من الأنصار فقال: لي يا رسول الله. فقال: ألا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها فإنه شكى إلي أنك تجيعه وتدئبه"([40])
وعن عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -r- قَالَ «عُذِّبَتِ امْرَأَةٌ فِى هِرَّةٍ سَجَنَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ فَدَخَلَتْ فِيهَا النَّارَ لاَ هِىَ أَطْعَمَتْهَا وَسَقَتْهَا إِذْ حَبَسَتْهَا وَلاَ هِىَ تَرَكَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ» ([41])
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r: «بَيْنَمَا كَلْبٌ يُطِيفُ بِرَكِيَّةٍ قَدْ كَادَ يَقْتُلُهُ الْعَطَشُ إِذْ رَأَتْهُ بَغِىٌّ مِنْ بَغَايَا بَنِى إِسْرَائِيلَ فَنَزَعَتْ مُوقَهَا فَاسْتَقَتْ لَهُ بِهِ فَسَقَتْهُ إِيَّاهُ فَغُفِرَ لَهَا بِهِ» ([42])
2-الطيور: عن أبي مسعود t قال كنا مع رسول الله r في سفر فانطلق لحاجته فرأينا حمرة معها فرخان فأخذنا فرخيها فجاءت الحمرة فجعلت تعرش فجاء النبي r فقال من فجع هذه بولديها ردوا ولديها إليها ورأى قرية نمل قد حرقناها فقال من حرق هذه قلنا نحن قال إنه لا ينبغي أن يعذب بالنار إلا رب النار» ([43])
ثالثاً: كيف نحيي المشاعر الإنسانية:
ألا ما أحوجَ البشريّةَ إلى هذهِ المعاني الإسلاميّةِ السّامية، وما أشدَّ افتقارَ الناسِ إلى التخلُّق بالرّحمة التي تُضمِّد جراحَ المنكوبين، وتحثّ على القيامِ بحقوقِ الوالدَين والأقربين، والتي تواسِي المستضعَفين، وتحنو على اليتامَى والعاجِزين، وتحافِظ على حقوقِ الآخرين، وتحجز صاحبَها عن دِماء المعصومين من المسلمين وغير المسلمين، وتصون أموالَهم مِن الدّمار والهلاك، وتحثّ على فِعل الخيراتِ ومجانبَة المحرّمات.
1 ـ قراءة كتاب الله عز وجل: قال العلماء: إن الرحمة لا تدخل إلى قلبٍ قاسٍ، والقلوب لا تلين إلا بكلام الله، ولا تنكسر إلا بوعد الله ووعيده وتخويفه وتهديده، فمن أكثر تلاوة القرآن، وأكثر من تدبر القرآن كسر الله قلبه ودخلت فيه الرحمة.
2 ـ تذكر مشاهد الآخرة: فإن العبد إذا تذكر مشاهد الآخرة، وصور نفسه كأنه قائمٌ بين يدي الله تجادل عنه حسنته، ويقف بين يدي الله عز وجل وقد نشر له ديوانه، وبدت له أقواله وأفعاله، إذا تصور مثل هذه المواقف قادته إلى الله وحببت إلى قلبه الخير وجعلت أشجانه وأحزانه كلها في طاعة الله ومرضاته.
3 ـ معرفة سيرة النبي r والسلف الصالح: فقراءة سيرة النبي r والسلف الصالح، الأئمة المهديين من الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، والوقوف على ما كانوا عليه من الأخلاق الجميلة والآداب الكريمة، كل ذلك يحرك القلوب إلى المشاعر العظيمة الجياشة نحو الآخرين ويجعل فيها شوقاً إلى الإحسان إلى الناس، وتفريج كرباتهم، وقل أن تجلس في مجلس فيذكر فيه كريمٌ بكرمه، أو يذكر المحسن فيه بإحسانه إلا خشع قلبك.
فهذه أمنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها يأتيها عطاؤها من أمير المؤمنين معاوية رضي الله عن الجميع وهي صائمة ثلاثون ألف درهم وهي في أشد الحاجة، فتوزعها على الفقراء إلى فلان وآل فلان، ولم تبق منها شيئاً حتى غابت عليها الشمس، فالتمست طعاماً تفطر عليه فلم تجد. فسير الرجال وسير الصالحين وسير الأخيار تحرك القلوب إلى الخير، والله تعالى يقول في كتابه: وَكُلّاً نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ "هود 120".
فالله يثبت قلوب الصالحين على الصلاح والبر ما سمعوا بأمرٍ صالح وما سمعوا بسيرة عبدٍ صالح، نسأل الله العظيم أن يجعل لنا ولكم في ذلك أوفر العظة والعبرة.
4 -معاشرة الرحماء: انظر في إخوانك وخلانك، فمن وجدت فيه الرحمة ورقة القلب وسرعة الاستجابة لله، فاجعله أقرب الناس منك، فإن الأخلاق تعدي، فإذا عاشر العبد الصالحين أحس أنه في شوق للرحمة، وأحس أنه في شوق للإحسان إلى الناس، ودعاه ذلك إلى التشبه بالأخيار، فكم من قرينٍ اقترن بقرينه، كان من أقسى الناس قلباً، فأصبح ليناً لان قلبه بصحبة الصالحين. كان عمر بن الخطاب t وأرضاه أشد الناس قلباً وأعظمهم صلابة، فلما دخل الإسلام، كان من أرحم الناس بالمسلمين t وأرضاه؛ لأنه عاشر رسول الأمة وإمام الرحماء فتأثر به، حتى قال العلماء رحمهم الله: كان أرحم الناس بالناس بعد رسول الله r.
5-الاختلاط بالضعفاء، والمساكين، وذوي الحاجة فإنَّه ممَّا يرقِّق القلب، ويدعو إلى الرَّحْمَة والشفقة بهؤلاء وغيرهم.
وصلِّ اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد
تعليقات: (0) إضافة تعليق