الحمد لله الذي
جعل محبة سيدنا محمد ﷺ من الإيمان، وجعل سنته طريق لدخول الجنان.
وأشهد أن لا إله
إلا الله وحده لا شريك له أمر بمحبة النبي العدنان.
وأشهد أن محمداً
عبده ورسوله خير من صلى وصام، - صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الكرام.
بأبي وأمي أنت يا خير الورى
يا خاتم الرسل الكرام محمد لك يا رسول الله صدق محبة لك يا رسول الله صدق محبة لك يا رسول الله صدق محبة |
**
**
**
**
**
|
وصلاة ربي والسلام معطرا
بالوحي والقرآن كنت مطهرا وبفيضها شهد اللسان وعبرا فاقت محبة من على وجه الثرى لا تنتهي أبدا ولن تتغيرا([1]) |
العناصر
أولًا: أهمية محبة النبي
ﷺ
ثانيًا: نماذج من حب الصحابة
للنبي ﷺ
ثالثًا: دلائل محبتنا لنبينا
ﷺ
الموضوع
أولًا: أهمية محبة
النبي ﷺ
لا يكتمل إيمان في قلب مسلم حتى يقدم حب النبي على نفسه
وماله ووالده وولده لأن
محبته من محبة الله عز وجل قال تعالي:" قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ
وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ
اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا
أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ
فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي
الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ"(التوبة/24).
أي قل -يا أيها الرسول- للمؤمنين: إن
فَضَّلتم الآباء والأبناء والإخوان والزوجات والقرابات والأموال التي جمعتموها
والتجارة التي تخافون عدم رواجها والبيوت الفارهة التي أقمتم فيها، إن فَضَّلتم
ذلك على حب الله ورسوله والجهاد في سبيله فانتظروا عقاب الله ونكاله بكم. والله لا
يوفق الخارجين عن طاعته ([2]).
وعن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ هِشَامٍ ، قَالَ : كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ
، وَهُوَ آخِذٌ بِيَدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ : يَا
رَسُولَ اللَّهِ ، لَأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا مِنْ
نَفْسِي ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ : " لَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، حَتَّى
أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ نَفْسِكَ " ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ : فَإِنَّهُ
الْآنَ وَاللَّهِ لَأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: " الْآنَ يَا عُمَرُ " ([3])
الوصول
لدرجة عالية من الإيمان: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ،
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ( لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ
إِلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) ([4])
قال ابن بطال والقاضي عياض وغيرهما رحمة الله عليهم المحبة ثلاثة أقسام
محبة إجلال وإعظام كمحبة الوالد ومحبة شفقة ورحمة كمحبة الولد ومحبة مشاكلة
واستحسان كمحبة سائر الناس فجمع ﷺ أصناف المحبة في محبته.
من علامات الإيمان: قال تعالى: { وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ
حُبًّا لِلَّهِ } ( البقرة: 165 ).
الوصول
إلى حلاوة الإيمان: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ؛ عَنْ النَّبِيِّ
ﷺ قَالَ:" ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ ، وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ ؛ أَنْ يَكُونَ
اللَّهُ وَرَسُولُهُ ، أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا ، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ
لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا
يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ ." ([5])
(وجد بهن حلاوة الإيمان) قال العلماء رحمهم الله معنى حلاوة الإيمان
استلذاذ الطاعات وتحمل المشقات في رضي الله عز وجل ورسوله ﷺ وإيثار ذلك على عرض
الدنيا ومحبة العبد ربه سبحانه وتعالى بفعل طاعته وترك مخالفته وكذلك محبة رسول
الله ﷺ (يعود أو يرجع في الكفر) فمعناه يصير وقد جاء العود والرجوع بمعنى الصيرورة.
وقال ابن أبي جمرة
رحمه الله: “إنما عبّر بالحلاوة لأن الله شبه الإيمان بالشجرة في قوله تعالى:مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ(سورة إبراهيم،24)، فالكلمة هي كلمة الإخلاص، والشجرة
أصل الإيمان، وأغصانها اتباع الأمر واجتناب النهي، وورقها ما يهتم به المؤمن من
الخير، وثمرها عمل الطاعات، وحلاوة الثمار جنيها، وغاية كماله تناهي نضج الثمرة
وبه تظهر حلاوتها”.
وقال البيضاوي رحمه الله: (وإنما
جعل هذه الأمور الثلاثة عنوانًا لكمال الإيمان لأن المرء إذا تأمل أن المنعم
بالذات هو الله تعالى، وأن لا مانح ولا مانع في الحقيقة سواه، وأن ما عداه وسائط،
وأن الرسول هو الذي يبين له مراد ربه، اقتضى ذلك أن يتوجه بكليته نحوه، فلا يحب
إلا ما يحب، ولا يحب من يحب إلا من أجله، وأن يتيقن أن جملة ما وعد وأوعد حق
يقينًا، ويخيل إليه الموعود كالواقع، فيحسب أن مجالس الذكر رياض الجنة، وأن العود
إلى الكفر إلقاء في النار )
موافقة
مراد الله تعالى في محبته: لما كان رسول الله ﷺ هو أحب
الخلق الى الله تعالى فقد اتخذه خليلا وأثنى عليه مالم يثن على غيره كان لزاما على
كل مسلم أن يحب ما يحب الله وذلك من تمام محبته سبحانه.
سبب لدخول الجنة: عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، قَالَ: " كُلُّ أُمَّتِي
يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ أَبَى، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَنْ
يَأْبَى؟، قَالَ: مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ
أَبَى ([6])
المرء مع من أحب: فعَنْ
أَنَسٍ t أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ ﷺعَنِ
السَّاعَةِ، فَقَالَ: مَتَى السَّاعَةُ؟، قَالَ: " وَمَاذَا أَعْدَدْتَ
لَهَا؟ " قَالَ: لَا شَيْءَ إِلَّا أَنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ﷺ،
فَقَالَ: " أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ ". قَالَ أَنَسٌ: فَمَا الحكماء: بِشَيْءٍ فَرَحَنَا بِقَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ: "
أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ "، قَالَ أَنَسٌ: فَأَنَا
أُحِبُّ النَّبِيَّ ﷺ وَأَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ مَعَهُمْ
بِحُبِّي إِيَّاهُمْ وَإِنْ لَمْ أَعْمَلْ بِمِثْلِ أَعْمَالِهِمْ "([7])
وعَنْ أَبِي ذَرٍّ؛ قلتُ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ! الرَّجُلُ يُحِبُّ الْقَوْمَ وَلَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَلْحَقَ
بِعَمَلِهِمْ؟ قَالَ: أَنْتَ يَا أَبَا ذَرٍّ! مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ".
قُلْتُ: إِنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، قَالَ: " أَنْتَ مَعَ مَنْ
أَحْبَبْتَ، يَا أَبَا ذر) ([8])
أكثر
الناس حبًا لرسول الله ﷺ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «مِنْ أَشَدِّ
أُمَّتِي لِي حُبًّا، نَاسٌ يَكُونُونَ بَعْدِي، يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ رَآنِي
بِأَهْلِهِ وَمَالِهِ» ([9])
ثانيًا: نماذج من حب
الصحابة للنبي ﷺ
حياة
رسول الله ﷺ عندهم أهم من حياتهم : كان أبو بكر ليلة
انطلق مع رسول الله ـ ﷺ ـ إلى الغار، كان يمشي بين يديه ساعة، ومن خلفه ساعة، فسأله،
فقال: أذكر الطلب (ما يأتي من الخلف) فأمشي خلفك، وأذكر الرصد (المترصد في الطريق)
فأمشي أمامك، فقال ﷺ: ( لو كان شيء أحْبَبْتَ أن تُقتل دوني؟ )، قال: أي والذي بعثك
بالحق، فلما انتهيا إلى الغار قال: مكانك يا رسول الله حتى أستبرئ لك الغار، فاستبرأه.
لقد ضرب الصديق
رضي الله عنه مثلاً رائعاً في أن المحبة مبادئ ومواقف، وليست شعارات وأقوالاً؛ وهكذا
المحبة الحقيقية, ولله در من قال:
جزى الله الشدائد
كل خير .............. عرفت بها عدوي من صديقي
وذكرابن إسحاق: في
قصة قتل زيد بن الدثنة اجتمع رهط من قريش ، فيهم أبو سفيان بن حرب ؛ فقال له أبو
سفيان حين قدم ليقتل : أنشدك الله يا زيد ، أتحب أن محمدا عندنا الآن في مكانك
نضرب عنقه ، وأنك في أهلك ؟ قال : والله ما أحب أن محمدا الآن في مكانه الذي هو
فيه تصيبه شوكة تؤذيه ، وأني جالس في أهلي ([10])
البقاء
مع رسول الله ﷺ في كل وقت: من
شدة تعلقهم برسول الله ﷺ أن أحدهم تمنى ألا يفارق رسول الله ﷺ لا في الدنيا ولا في
الآخرة فعن عَائِشَةَ قَالَتْ : جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ : يَا رَسُولَ
اللَّهِ ، إِنَّكَ لَأَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ
نَفْسِي وَأَهْلِي وَوَلَدِي ، وَإِنِّي لأَكُونُ فِي الْبَيْتِ ، فَأَذْكُرَكَ فَمَا
أَصْبِرُ حَتَّى آتِيكَ ، فَأَنْظُرُ إِلَيْكَ ، وَإِذَا ذَكَرْتُ مَوْتِي وَمَوْتَكَ
عَرَفْتُ أَنَّكَ إِذَا دَخَلْتَ الْجَنَّةَ رُفِعْتَ مَعَ النَّبِيِّينَ ، وَإِنِّي
وَإِذَا دَخَلْتُ الْجَنَّةَ خَشِيتُ أَنْ لَا أَرَاكَ ، فَلَمْ يَرُدَّ رَسُولُ اللَّهِ
ﷺ شَيْئًا حَتَّى نَزَلَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِهَذِهِ الآيَةِ : {وَمَنْ
يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ
مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ
رَفِيقًا }» (النساء: 69) ([11])
مشهد
بين يدي معركة بدر الكبرى: عَنْ
أَنَسٍ بن مالك t أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ شَاوَرَ حِينَ بَلَغَهُ إِقْبَالُ أَبِي
سُفْيَانَ، قَالَ: فَتَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ. ثُمَّ تَكَلَّمَ
عُمَرُ، فَأَعْرَضَ عنه فقام سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، فَقَالَ: إِيَّانَا تُرِيدُ
يَا رَسُولَ اللَّهِ؟!. وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ أَمَرْتَنَا أَنْ
نُخِيضَهَا الْبَحْرَ لَأَخَضْنَاهَا، وَلَوْ أَمَرْتَنَا أَنْ نَضْرِبَ
أَكْبَادَهَا إِلَى بَرْكِ الْغِمَادِ لَفَ عَلْنَا، قَالَ: فَنَدَبَ رَسُولُ
اللَّهِ ﷺ النَّاسَ، فَانْطَلَقُوا حَتَّى نَزَلُوا بَدْرًا"([12]).
قال العلماء:
فَلَمَّا عَرَضَ الْخُرُوج لِعِيرِ أَبِي سُفْيَان، أَرَادَ أَنْ يَعْلَم
أَنَّهُمْ يُوَافِقُونَ عَلَى ذَلِكَ، فَأَجَابُوهُ أَحْسَنَ جَوَاب
بِالْمُوَافَقَةِ التَّامَّة، فِي هَذِهِ الْمَرَّة وَغَيْرهَا.
في غزوة أحد: فَقَدْ تَجَلَّتْ
مَحَبَّةُ الأَصْحَابِ لِنَبِيِّهِمْ - ﷺ - فِي أَبْهَى حُلَلِهَا وَأَصْدَقِ
صُوَرِهَا.
خَلُصَ المُشْرِكُونَ إِلَى رَسُولِ اللهِ، وَرَكَضُوا
إِلَيْهِ، وَتَقَدَّمُوا نَحْوَهُ، فَأَصْبَحَ سَيِّدَ المُرْسَلِينَ، وَحَبِيبَ
رَبِّ العَالَمِينَ هَدَفًا لِسِلاحِ المُشْرِكِينَ، مِنْهُمْ مَنْ يَرْمِيهِ بِالرُّمْحِ،
وَمِنْهُمْ مَنْ يَتَقَدَّمُ نَحْوَهُ بِالسَّيْفِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقْذِفُهُ
بِالحِجَارَةِ، حَتَّى شُجَّ وَجْهُهُ وَكُسِرَتْ رَبَاعِيَّتُهُ وَغَارَتْ
حَلَقَةُ المِغْفَرِ فِي وَجْهِهِ.
هُنَا انْتَفَضَ الصَّحَابَةُ، وَقَاتَلُوا دُونَ
النَّبِيِّ - ﷺ - فَقَاتَلُوا قِتَالَ الأُسُودِ الضَّارِيَةِ بَلْ أَشَدَّ،
فَهَذَا أَبُو دُجَانَةَ يَتَتَرَّسُ عَلَى رَسُولِ اللهِ - ﷺ - وَيَحْمِيهِ،
حَتَّى صَارَ ظَهْرُهُ كَالقُنْفُذِ مِنَ السِّهَامِ.
وَهَذَا طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ يُتَرِّسُ
نَفْسَهُ حَوْلَ النَّبِيِّ - ﷺ - وَيَدُورُ حَوْلَهُ لِيَتَلَقَّى بِجَسَدِهِ
السِّهَامَ، وَضَرَبَاتِ السُّيُوفِ، وَطَعَنَاتِ الرِّمَاحِ، حَتَّى ضُرِبَتْ
يَدُهُ، فَقُطِعَتْ أَصَابِعُهُ، فَقَاَل: حَسِّ! فَقَالَ النَّبِيُّ - ﷺ -: (لَوْ
قُلْتَ: بِسْمِ اللَّهِ، لَرَفَعَتْكَ الْمَلَائِكَةُ وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ) ([13])، وَظَلَّ يُقَاتِلُ دُونَ النَّبِيِّ - ﷺ - حَتَّى
شُلَّتْ يَدُهُ، وَسَقَطَ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ مِنْ كَثْرَةِ الجِرَاحِ،
والنَّبِيُّ - ﷺ - يَقُولُ: أَوْجَبَ طَلْحَةُ، أَوْجَبَ طَلْحَةُ؛ ([14]) أَيْ: وَجَبَتْ
لَهُ الجَنَّةُ.
تَقُولُ عَائِشَةُ: كَانَ أَبُو بَكْرٍ إِذَا ذَكَرَ يَوْمَ
أُحُدٍ يَقُولُ: ذَلِكَ اليَوْمُ كُلُّهُ لِطَلْحَةَ.
وَاسْتَمَاتَ سَعْدُ بْنُ الرَّبِيعِ فِي الدِّفَاعِ
عَنِ النَّبِيِّ - ﷺ - حَتَّى أَثْخَنَهُ المُشْرِكُونَ فَأَسْقَطُوهُ صَرِيعًا،
فَأَدْرَكَهُ أَحَدُ الصَّحَابَةِ وَهُوْ يَلْفِظُ أَنْفَاسَهُ الأَخِيرَةَ،
وَهُوَ يَقُولُ: "لَا عُذْرَ لَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ إِنْ خُلِصَ إِلَى
رَسُولِ اللهِ - ﷺ - وَفِيكُمْ عَيْنٌ تَطْرِفُ"!
خوفهم على رسول الله ﷺ أكثر من أنفسهم: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: «لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ انْهَزَمَ
نَاسٌ مِنَ النَّاسِ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، وَأَبُو طَلْحَةَ بَيْنَ يَدَيِ
النَّبِيِّ ﷺ مُجَوِّبٌ عَلَيْهِ بِحَجَفَةٍ»، قَالَ: «وَكَانَ أَبُو طَلْحَةَ
رَجُلًا رَامِيًا، شَدِيدَ النَّزْعِ، وَكَسَرَ يَوْمَئِذٍ قَوْسَيْنِ أَوْ
ثَلَاثًا»، قَالَ: " فَكَانَ الرَّجُلُ يَمُرُّ مَعَهُ الْجَعْبَةُ مِنَ
النَّبْلِ، فَيَقُولُ: انْثُرْهَا لِأَبِي طَلْحَةَ "، قَالَ: "
وَيُشْرِفُ نَبِيُّ اللهِ ﷺ يَنْظُرُ إِلَى الْقَوْمِ، فَيَقُولُ أَبُو طَلْحَةَ:
يَا نَبِيَّ اللهِ، بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، لَا تُشْرِفْ، لَا يُصِبْكَ سَهْمٌ
مِنْ سِهَامِ الْقَوْمِ، نَحْرِي دُونَ نَحْرِكَ "، قَالَ: «وَلَقَدْ
رَأَيْتُ عَائِشَةَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ، وَأُمَّ سُلَيْمٍ وَإِنَّهُمَا
لَمُشَمِّرَتَانِ، أَرَى خَدَمَ سُوقِهِمَا، تَنْقُلَانِ الْقِرَبَ عَلَى
مُتُونِهِمَا، ثُمَّ تُفْرِغَانِهِ فِي أَفْوَاهِهِمْ، ثُمَّ تَرْجِعَانِ
فَتَمْلَآَنِهَا، ثُمَّ تَجِيئَانِ تُفْرِغَانِهِ فِي أَفْوَاهِ الْقَوْمِ،
وَلَقَدْ وَقَعَ السَّيْفُ مِنْ يَدَيْ أَبِي طَلْحَةَ إِمَّا مَرَّتَيْنِ
وَإِمَّا ثَلَاثًا مِنَ النُّعَاسِ» ([15])
(مجوب عليه بحجفة) أي مترس عنه
ليقيه سلاح الكفار وأصل التجويب الاتقاء بالجوب كثوب وهو الترس، (شديد النزع) أي
شديد الرمي بالسهام، (الجعبة) هي الكنانة التي تجعل فيها السهام
(لا تشرف) أي لا تتشرف من أعلى موضع أي لا تتطلع، (نحري دون نحرك) أي أقرب
منه والنحر أعلى الصدر وموضع القلادة منه وقد يطلق على الصدر أيضا والجملة دعائية
أي جعل الله نحري أقرب إلى السهام من نحرك لأصاب بها دونك، (خدم سوقهما) الواحدة
خدمة وهي الخلخال والسوق جمع ساق، (على متونهما) أي على ظهورهما، (من النعاس) هو
النعاس الذي من الله به على أهل الصدق واليقين من المؤمنين يوم أحد فإنه تعالى لما
علم ما في قلوبهم من الغم وخوف كره الأعداء صرفهم عن ذلك بإنزال النعاس عليهم لئلا
يوهنهم الغم والخوف ويضعف عائمهم قال تعالى {ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا
يغشى طائفة منكم} ([16])
في صلح الحديبية: لمّا قدم عُرْوَةُ بْنُ
مَسْعُودٍ مفاوضا للنبيّ ﷺ من طرف قريش وحلفائها:... ثُمَّ إِنَّ عُرْوَةَ جَعَلَ
يَرْمُقُ أَصْحَابَ النَّبِيِّ ﷺ بِعَيْنَيْهِ، قَالَ: فَوَالله مَا تَنَخَّمَ
رَسُولُ الله ﷺ نُخَامَةً إِلَّا وَقَعَتْ فِي كَفِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ، فَدَلَكَ
بِهَا وَجْهَهُ وجلده وإذا أَمَرَهُمْ ابْتَدَرُوا أمره وإذا تَوَضَّأَ كَادُوا
يَقْتَتِلُونَ عَلَى وضوئه وإذا تَكَلَّمَ خَفَضُوا أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَهُ، وَمَا
يُحِدُّونَ إِلَيْهِ النَّظَرَ تَعْظِيمًا له فرجع عُرْوَةُ إِلَى أَصْحَابِهِ،
فَقَالَ: أَيْ قَوْمِ، وَالله لَقَدْ وَفَدْتُ عَلَى الْمُلُوكِ، وَوَفَدْتُ عَلَى
قَيْصَرَ، وَكِسْرَى، وَالنَّجَاشِيِّ، وَالله إِنْ رَأَيْتُ مَلِكًا قَطُّ
يُعَظِّمُهُ أَصْحَابُهُ مَا يُعَظِّمُ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ ( ﷺ ) مُحَمَّدًا
......."([17])
لا يقع شعر رسول الله
ﷺ على الأرض: عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: لَقَدْ «رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ وَالْحَلَّاقُ
يَحْلِقُهُ، وَأَطَافَ بِهِ أَصْحَابُهُ، فَمَا يُرِيدُونَ أَنْ تَقَعَ شَعْرَةٌ
إِلَّا فِي يَدِ رَجُلٍ» ([18]) ، وهذا يدل على حبهم الشديد لرسول الله ﷺ.
بكاء من شدة الحب: عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: لَمَّا بَعَثَهُ
رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِلَى الْيَمَنِ خَرَجَ مَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُوصِيهِ
وَمُعَاذٌ رَاكِبٌ وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَمْشِي تَحْتَ رَاحِلَتِهِ فَلَمَّا
فَرَغَ قَالَ: يَا مُعَاذُ إِنَّكَ عَسَى أَنْ لَا تَلْقَانِي بَعْدَ عَامِي هَذَا
وَلَعَلَّكَ أَنْ تَمُرَّ بِمَسْجِدِي هَذَا وَقَبْرِي " فَبَكَى مُعَاذٌ
جَشَعًا لِفِرَاقِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ ثُمَّ الْتَفَتَ فَأَقْبَلَ بِوَجْهِهِ
نَحْوَ الْمَدِينَةِ فَقَالَ: «إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِيَ الْمُتَّقُونَ مَنْ
كَانُوا وَحَيْثُ كَانُوا» ([19])
مؤذن رسول الله ﷺ: هذا بلال -رضي الله عنه- ذهب إلى
بلاد الشام بعد وفاة النبي ﷺ، وكان يقول: لم أطق أن أبقى في المدينة بعد وفاة الرسول
ﷺ، وكان إذا أراد أن يؤذن وجاء إلى: “أشهد أن محمدًا رسول الله” تخنقه عَبْرته، فيبكي،
فمضى إلى الشام وذهب مع المجاهدين، ورجع بعد سنوات، ثم دخل إلى مسجد رسول الله ﷺ، وحان
وقت الأذان، فأذن بلال، فبكى، وأبكى الصحابة بعد انقطاعٍ طويل غاب فيه صوت مؤذن رسول
الله ﷺ، فتذكروا بلالاً وأذانه، وتذكروا رسول الله ﷺ.
حب سواد t للنبي ﷺ: قال ابن إسحاق: وحدثني حبان بن واسع
بن حبان عن أشياخ من قومه: أن رسول الله ﷺ عدل صفوف أصحابه يوم بدر، وفي يده قدح يعدل
به القوم، فمر بسواد بن غزية - حليف بني عدي بن النجار - وهو مستنتل من الصف، فطعن
في بطنه بالقدح، وقال: " استو يا سواد "، فقال: يا رسول الله! أوجعتني وقد
بعثك الله بالحق والعدل، فأقدني. قال: فكشف رسول الله ﷺ عن بطنه، وقال: " استقد
"، قال: فاعتنقه فقبل بطنه، فقال : " ما حملك على هذا يا سواد؟ " قال:
يا رسول الله! حضر ما ترى، فأردت أن يكون آخر العهد بك: أن يمس جلدي جلدك! فدعا له
رسول الله ﷺ بخير) ([20])
وصفهم محبتهم لرسول الله ﷺ: عَمْرُو بْنُ العَاصِ عِنْدَ مَوْتِهِ يَصِفُ شِدَّةَ
مَحَبَّتِهِ لِلنَّبِيِّ - ﷺ - فَيُخْبِرُ مَنْ حَوْلَهُ بِمَا يَدُورُ فِي
كَوَامِنِ نَفْسِهِ تُجَاهَ هَذَا النَّبِيِّ العَظِيمِ فَيَقُولُ: "وَاللهِ
مَا كَانَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ رَسُولِ الله - ﷺ - وَلاَ أَجَلَّ فِي
عَيْنِي مِنْهُ، وَمَا كُنْتُ أُطِيقُ أَنْ أَمْلأَ عَيْنَيَّ مِنْهُ إِجْلالاً
لَهُ، وَلَوْ سُئِلْتُ أَنْ أَصِفَهُ مَا اسْتَطَعْتُ؛ لِأَنِّي لَمْ أَكُنْ
أَمْلَأُ عَيْنَيَّ مِنْهُ"
وسئل سيدنا على -رضي
الله عنه-: كيف كان حُبكم لرسول الله- ﷺ- ؟ قال: كان والله أحب إلينا من أموالنا
وأولادنا وآبائنا وأمهاتنا، ومن الماء البارد على الظمأ. رضي الله عن صحابة رسول
الله أجمعين فقد تغلغلت محبة رسول الله في قلوبهم فلم يحبوا شيئاً في الدنيا مهما
كان أمره ومهما كانت مكانته أعظم من حبهم لرسول الله- ﷺ-.
حب الجزع لرسول الله ﷺ وحنينه إليه: جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، يَقُولُ: «كَانَ
المَسْجِدُ مَسْقُوفًا عَلَى جُذُوعٍ مِنْ نَخْلٍ، فَكَانَ النَّبِيُّ ﷺ إِذَا
خَطَبَ يَقُومُ إِلَى جِذْعٍ مِنْهَا، فَلَمَّا صُنِعَ لَهُ المِنْبَرُ وَكَانَ
عَلَيْهِ، فَسَمِعْنَا لِذَلِكَ الجِذْعِ صَوْتًا كَصَوْتِ العِشَارِ، حَتَّى
جَاءَ النَّبِيُّ ﷺ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا فَسَكَنَتْ» ([21])
فَإِذَا كَانَ الجَمَادُ وَهُوَ الأَصَمُّ قَدْ أَحَبَّهُ،
فَكَيْفَ بِمَنْ خَالَطَهُ وَعَايَشَهُ وَعَامَلَهُ، وَاللهِ لَوْ ذَابَتِ
القُلُوبُ فِي أَحْشَائِهَا، وَتَفَتَّتَتِ الأَكْبَادُ فِي أَجْوَافِهَا شَوْقًا
إِلَى النَّبِيِّ ﷺ مَا كَانَتْ وَرَبِّي مَلُومَةً.
بعض الأسباب الجالبة لمحبة النبي ﷺ:
-تعظيم محبة
الله تعالى.
-قراءة سيرته
ﷺ: اقرءوا السيرة، وعلموها أبناءكم. قال السلف: “كانوا يعلموننا مغازي رسول الله ﷺ
كما يعلموننا الآية من القرآن”.
-تذكر الأجر
العاجل في الدنيا والآجل في الآخرة بمحبة النبي ﷺ.
-تولّي
الصحابة رضوان الله عليهم، والإكثار من ذكر سيرتهم.
-تعظيم السنة
النبوية: حتى إذا قيل قال رسول الله ﷺ يكون منك ما كان من الصحابة.. يقول الراوي
كانوا إذا قيل: قال النبي ﷺ: اشرأبت الأعناق، وشخصت الأبصار، وأصغت الأسماع.. لا
انصراف ولا التفات ولا تحرك، بل احترام وإجلال لرسول الله ﷺ.
-إجلال المحبين
للسنة والعاملين بها: كل محدّثٍ، وكل عاملٍ بسنة، وكل ملتزمٍ للسنة نحبه؛ لأنه
يذكرنا برسول الله ﷺ.
- الذبّ
عن السنة والدفاع عنه
ثالثًا: دلائل محبتنا لنبينا ﷺ
وجوب التأسي به: يقول الله تعالي: "لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ
أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ واليوم الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ
كَثِيرًا"(الأحزاب/21)
تعصي الإله وأنت تزعم حبه *** هذا لعمري في القياس بديع
لو كان حبك صادقا لأطعته *** إن المحب لمن يحب مطيع
فالصادق في حب النبي ﷺ، هو من
أطاعه واقتدى به، وآثر ما يحبه الله ورسوله على هوى نفسه.
وإن مما يؤسف له أن مفهوم محبة الرسول عليه الصلاة والسلام قد فسد
وانحرف عند كثير من المسلمين، وخصوصاً في هذه العصور المتأخرة، فبعد أن كانت هذه
المحبة تعني إيثار الرسول ﷺ على كل مخلوق، وطاعته واتباعه، صار مفهومها عند البعض
عبادته ودعاؤه، وتأليف الصلوات المبتدعة، وعمل الموالد، وإنشاد القصائد والمدائح
في الاستغاثة به، وصرف وجوه العبادة إليه من دون الله عز وجل، وبعد أن كان تعظيم
الرسول الله ﷺ بتوقيره والأدب معه، صار التعظيم عندهم هو الغلو فيه بإخراجه عن حد
البشرية، ورفعه إلى مرتبة الألوهية، وكل ذلك من الفساد والانحراف الذي طرأ على
معنى المحبة ومفهومها. ومن ذلك ما يفعله كثير من المسلمين في الثاني عشر من شهر
ربيع الأول من الاحتفال بذكرى المولد النبوي، والاجتماع لإنشاد القصائد والمدائح،
التي ربما اشتملت على الأمور الشركية المحرمة، وقد يصاحب ذلك الاختلاط بين الرجال
والنساء، وسماع الملاهي، ونحو ذلك مما لم يشرعه الله ولا رسوله ﷺ، ولم يكن عليه
سلف الأمة، ولو كان خيرا لسبقونا إليه. إن المحبة أخي المسلم ليست ترانيم تغنى ولا
قصائد تنشد ولا كلمات تقال، ولكنها طاعة لله ولرسوله ﷺ، وعمل بالمنهج الذي حمله
ودعا إليه، وإلا فأي تعظيم أو محبة للنبي ﷺ لدى من شك في خبره، أو استنكف عن
طاعته، أو تعمد مخالفته، أو ابتدع في دينه، فاحرص على فهم المحبة فهما صحيحا وأن
يكون الرسول ﷺ قدوتك في كل أقوالك وأفعالك ففي ذلك الخير لك في الدنيا والآخرة،
قال الله جل وعلا: لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم
الآخر وذكر الله كثيرا(الأحزاب: 21).
وجوب طاعته وتجنب من مخالفته: قرن طاعته بطاعته فقال تعالي: "مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ
أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا"(النساء/80)
وجعل طاعته علامة للفوز
بالجنة فقال تعالي: "وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا
عَظِيمًا"(الأحزاب/71).
وهي كذلك سبب لرحمة الله تعالى: قال تعالي "وَأَطِيعُوا اللَّهَ
وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ "آل عمران
وحذر من مخالفته فقال تعالى " فَلْيَحْذَرِ
الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ
عَذَابٌ أَلِيمٌ) النور، وجعل مخالفته سبب للضلال فقال تعالي
"وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا "الأحزاب
قال الإمام ابن القيم في نويته:
شرطُ المحبةِ أن توافِقَ مَنْ تحبَّ
فإذا ادَّعيتَ له المحبةَ مع خلافِكَ أتحبُّ أعداء الحبيب وتدَّعي وكذا تُعادي جَاهدًا أَحبَابَه |
**
**
**
**
|
على محبَّته بلا عِصيانِ
ما يُحبُّ فأنت ذو بُهتانِ حُبًّا له ما ذاك في إمكان أين المحبَّةُ يا أخا الشيطانِ |
وجوب توقيره: لم يكتفي القرآن الكريم في تكريم النبي الخاتم محمد ﷺ بوجوب طاعته
ومحبته بل أوجب أيضاً-التزام توقيره وتعظيمه، ويكفي في ذلك قوله تعالي في مطلع
سورة الحجرات:" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ
يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ
النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ
تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ
أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ
لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ "(الحجرات/1-3)
وجوب الصلاة عليه ﷺ: قال تعالي:" إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى
النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا"(الأحزاب/56).
وقد اوجب الله عز وجل الصلاة علي النبي ﷺ تكريماً له كما ذكر جمهور
العلماء ففي تفسير أبي السعود لهذه الآية: "يصلون على النبي قيل الصلاة من
الله الرحمة ومن الملائكة الاستغفار وقال ابن عباس t أراد أن الله يرحمه والملائكة يدعون له وعنه
أيضا يصلون يبركون وقال أبو العالية صلاة الله تعالى عليه ثناؤه عليه عند الملائكة
وصلاتهم دعاؤهم له ..أي يعتنون بما فيه خيره وصلاح أمره ويهتمون بإظهار شرفه
وتعظيم شأنه وذلك من الله سبحانه بالرحمة ومن الملائكة بالدعاء والاستغفار يأيها
الذين آمنوا صلوا عليه اعتنوا انتم أيضا بذلك فإنكم أولى به وسلموا تسليما قائلين
اللهم صل على محمد وسلم أو نحو ذلك وقيل المراد بالتسليم انقياد أمره والآية دليل
على وجوب الصلاة والسلام عليه مطلقا من غير تعرض لوجوب التكرار وعدمه([22]).
صلى عليه الله في
ملكوته
|
**
|
ما قام عبد في الصلاة
وكبرا
|
صلى عليه الله في
ملكوته
|
**
|
ما عاقب الليل النهار
وأدبرا
|
صلى عليه الله في
ملكوته
|
**
|
ما دارت الأفلاك أو
نجم سرا
|
وعليه من لدن الإله
تحية
|
**
|
روح وريحان بطيب أثمرا
|
ومن كثرة حبهم
لرسول الله ﷺ كانوا يكثرون من الصلاة عليه، عن
أُبَيِّ بن كعبٍ: كَانَ رسول الله ﷺ إِذَا ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ قَامَ،
فَقَالَ: ﴾يَا أَيُّهَا النَّاسُ، اذْكُرُوا اللهَ، جَاءتِ الرَّاجِفَةُ،
تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ، جَاءَ المَوْتُ بِمَا فِيهِ، جَاءَ المَوْتُ بِمَا
فِيهِ﴾ قُلْتُ: يَا رسول الله، إنِّي أُكْثِرُ الصَّلاَةَ عَلَيْكَ، فَكَمْ
أجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلاَتِي؟ فَقَالَ: ﴾مَا شِئْتَ﴾ قُلْتُ: الرُّبُع، قَال: ﴾مَا
شِئْتَ، فَإنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ﴾ قُلْتُ: فَالنِّصْف؟ قَالَ: ﴾مَا
شِئْتَ، فَإنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ﴾ قُلْتُ: فالثُّلُثَيْنِ؟ قَالَ: ﴾مَا
شِئْتَ، فَإنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ﴾ قُلْتُ: أجعَلُ لَكَ صَلاَتِي كُلَّهَا؟
قَالَ: ﴾إذاً تُكْفى هَمَّكَ، وَيُغْفَر لَكَ ذَنْبكَ﴾ ﴿[23]﴾
قال الملا علي القاري ﴿[24]﴾: ﴿أجعل لك صلاتي كلها﴾ أي أصرف بصلاتي عليك جميع
الزمن الذي
كنت أدعو
فيه لنفسي. ﴿تكفي همك﴾ قال الأبهري: أي إذا صرفت جميع زمان دعائك في الصلاة عليّ
كفيت ما يهمك.
وقال التور بشتى: معنى الحديث كم أجعل لك من
دعائي الذي أدعو به لنفسي.
فقال: ﴿إذن تكفي همك﴾ أي ما أهمك من أمر دينك
ودنياك؛ وذلك لأن الصلاة عليه مشتملة على ذكر الله وتعظيم الرسول، والاشتغال بأداء
حقه عن أداء مقاصد نفسه ﴾، فمهما كان بك من هم فأكثر من الصلاة على رسول الله بقلب
حاضر وتأكد ان الله على كل شيء قدير.
أن
تحب بقلبك ما يحبه الله ورسوله: قال
ابن رجب رحمه الله :فمن أحب الله ورسوله محبةً صادقةً من قلبه؛ أوجب له ذلك أن يحب
بقلبه ما يحبه الله ورسوله، ويكره ما يكره الله ورسوله، ويرضى ما يرضى الله ورسوله،
ويسخط ما يسخط الله ورسوله، وأن يعمل بجوارحه بمقتضى هذا الحب والبغض؛ فإن عمل بجوارحه
شيئًا يخالف ذلك بأن ارتكب بعض ما يكرهه الله ورسوله، أو ترك بعض ما يحب الله ورسوله
مع وجوبه والقدرة عليه، دلّ ذلك على نقص محبته الواجبة، فعليه أن يتوب من ذلك، ويرجع
إلى تكميل المحبة الواجبة ([25]).
عدم الغلو في محبته ﷺ: سئل الإمام ابن باز رحمه الله عن الغلو في المحبة
فقال:
الغلو الزيادة بأن
تفعل شيء ما شرعه الله، هذا غلو، تقول: غلى القدر إذا ارتفع الماء بسبب النار،
الغلو معناه الزيادة في غير المشروع، يقول النبي -ﷺ- (إياكم والغلو في الدين فإنما
أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين) ([26])، والله يقول -سبحانه-: {يَا أَهْلَ الكِتَابِ لاَ تَغْلُوا
فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الحَقَّ} [النساء: 171]
، فالغلو الزيادة في المحبة، في الأعمال التي شرعها الله، يقال له: غلو، مثلاً
تقول الله افترض علينا خمس صلوات، أنا أحط سادسة ........ وأوجبها على الناس، أنت
مثلاً سلطان أو أمير تقول: ..... زيادة خير صلاة سادسة هذا ما يجوز، الرسول -ﷺ-
يقول: (مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ) ([27]) هذا غلو، أو تقول: أنا أحب النبي -ﷺ- فأدعوه من دون
الله، أقول يا رسول الله اشفي مريضي وانصرني بعد موته، هذا غلو، ..... الله،
الرسول -ﷺ- قال: ادعو الله، أمرك أن تدعو الله، ما أمرك أن تدعوه، أمرك أن تدعو
الله، والله يقول: (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ )[غافر: 60]، فعليك أن
تدعو الله لا تسأل الرسول، ويقول -جل وعلا-: (وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا
آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا
يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ) [المؤمنون: 117]، فدعاء غير الله من الأموات
والأشجار والأحجار حتى النبي كفر أكبر، هذا من الغلو, ومن الغلو أن تزيد فيما شرع
الله من سائر العبادات، شرع الله أن توسل بأسماء الله وصفاته وبالأعمال الصالحة،
تزيد أنت توسل بجاه النبي، أو ببركة النبي، أو بحق النبي، هذا بدعة هذا غلو، لكن
توسل بالأعمال الصالحة، بحبك للنبي نعم، اللهم إني أسألك بحب نبيك، بمحبتي نبيك،
بإيماني بنبيك هذا طيب، هذه وسيلة شرعية، لكن بجاه نبيك هذه ماله أصل، بحق نبيك
هذا ما هو مشروع، ببركة نبيك هذا ما هو مشروع، المشروع أن تتوسل بمحبتك، بإيمانك
به، باتباعك له، بطاعتك له، هذه الوسيلة الشرعية، أو بأسماء الله وصفاته أو
بالإيمان بالله ورسوله.
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، سَمِعَ عُمَرَ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَقُولُ عَلَى المِنْبَرِ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ:
«لاَ تُطْرُونِي، كَمَا أَطْرَتْ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ، فَإِنَّمَا أَنَا
عَبْدُهُ، فَقُولُوا عَبْدُ اللَّهِ، وَرَسُولُهُ» ([28])
(لا تطروني) من الإطراء وهو الإفراط في المديح ومجاوزة الحد فيه وقيل هو
المديح بالباطل والكذب فيه. (كما أطرت النصارى ابن مريم) أي بدعواهم فيه الألوهية
وغير ذلك].
الاتباع دليل محبة
الله عزّ وجلّ ورسوله ﷺ ([29]):
للمحبّة طرفان هما: المحبّ والمحبوب،
وفيما يتعلّق بمحبّة الله عزّ وجلّ فإنّ طرفيها هما: محبّة العبد ربّه ومحبّة الرّبّ لعبده، ودليل الأولى هي اتّباع المصطفى ﷺ. أمّا الثّانية
فهي ثمرة ذلك الاتّباع ويؤكّد ذلك قول الله تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ
اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ
وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (آل عمران/ 31) ، ولذلك أطلق على هذه الآية
الكريمة آية المحبّة، يقول أبو سليمان الدّارانيّ: لمّا ادّعت القلوب محبّة الله
عزّ وجلّ أنزل الله هذه الآية محنة (أي
اختبارا وامتحانا لهذه القلوب) . ومعنى هذه الآية- كما يقول الطّبريّ- قل يا محمّد
لوفد نصارى نجران إن كنتم تزعمون أنّكم تحبّون الله فحققوا قولكم الّذي تقولونه إن
كنتم صادقين باتّباعكم إيّاي فإنّكم تعلمون أنّي رسول الله إليكم كما كان عيسى-
عليه السّلام- رسولا إلى من أرسله الله إليهم . وقد فسّر بعضهم المحبّة بالاتّباع
والطّاعة من جانب العباد ومحبّة الله لعباده بإنعامه عليهم بالغفران فقال: محبّة
العبد لله ورسوله طاعته لهما واتّباعه أمرهما ومحبّة الله للعباد إنعامه عليهم
بالغفران «3» . وقال سهل بن عبد الله: علامة حبّ الله حبّ القرآن وعلامة حبّ
القرآن حبّ النّبيّ ﷺ، وعلامة حبّ النّبيّ ﷺ حبّ السّنّة، وعلامة ذلك كلّه حبّ
الآخرة «4» ، وهذه الآية الكريمة حاكمة على كلّ من ادّعى محبّة الله وليس هو على
الطّريقة المحمّديّة بأنّه كاذب في نفس الأمر حتّى يتّبع الشّرع المحمّديّ والدّين
النّبويّ في جميع أقواله وأفعاله، والمراد ب يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ أنّه يحصل لكم
فوق ما طلبتم من محبّتكم إيّاه وهو محبّته إيّاكم وهذا أعظم من الأوّل إذ ليس
الشّأن أن تحبّ إنّما الشّأن أن تحبّ .
يقول ابن القيّم- رحمه الله تعالى- في
قوله تعالى في الآية السّابقة: يحببكم الله إشارة إلى دليل المحبّة وثمرتها
وفائدتها فدليلها وعلامتها اتّباع الرّسول ﷺ وفائدة الاتّباع وثمرته محبّة الله
عزّ وجلّ فإذا لم تحصل المتابعة فليست المحبّة بحاصلة، وقال أيضا: وعلى ذلك فإنّه
لا تنال محبّة الله عزّ وجلّ إلّا باتّباع الحبيب ﷺ ، والخلاصة أنّ الاتّباع علامة على صدق العبد
في حبّه لله تعالى وأنّ ثمرة هذا الاتّباع هي محبّة الله عزّ وجلّ وغفرانه.
الدفاع عنه ﷺ :
إن الدفاع عن رسول الله ونصرته علامة من علامات المحبة والإجلال، وقد سطر الصحابة أروع الأمثلة وأصدق الأعمال في الدفاع
رسول الله وفدائه بالأموال والأولاد والأنفس في المنشط والمكره .كما قال تعالى
" للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله
ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون"
والدفاع عن النبي ﷺ بعد موته أنواع نذكر منها
: نصرة دعوته ورسالته بكل ما يملك المرء من مال ونفس، والدفاع عن سنته ﷺ :بحفظها وتنقيحها وحمايتها ورد الشبهات عنها, نشر سنته ﷺ وتبليغها..........
وصلِّ اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
إعداد: الشيخ أحمد أبو عيد
0109 809 58 54
نسألكم الدعاء
تعليقات: (0) إضافة تعليق