الحمد لله العلي الأعلى، أعطى كل شيء
خلقه ثم هدى، ووفق العباد للهدى، فمنهم من ضلَّ ومنهم من اهتدى، نحمده على نعمه وآلائه،
ونشكره على فضله وإحسانه، فالخير منه والشر ليس إليه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده
لا شريك له؛ ما أَحَدٌ أَصْبَرُ على أَذًى سَمِعَهُ منه يَدَّعُونَ له الْوَلَدَ ثُمَّ
يُعَافِيهِمْ وَيَرْزُقُهُمْ، آمنا به، وعليه توكلنا، وإليه أنبنا وإليه المصير.
وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله؛ أوذي فصبر،
وظفر فشكر، أقام الحجة، وأوضح المحجة، وأرسى دعائم الملة، فمن تبع سنته رشد، ومن حاد
عنها زاغ وهلك، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه؛ لا يحبهم إلا مؤمن، ولا
يشنؤهم إلا منافق، أئمة هدى وفضل، ودعاة خير ورشد، ترضى عنهم ربهم سبحانه في قرآن يتلى
إلى آخر الزمان، على رغم أنوف أهل البدعة والنفاق، وارض اللهم على التابعين لهم بإحسان
إلى يوم الدين.
العناصر
أولًا: دلائل
عالمية رسالة الإسلام
ثانيًا: بعض
مظاهر عالمية الرسالة
الموضوع
أولًا: دلائل عالمية رسالة الإسلام
الله تعالى رب العالمين: لقد جاءت
أول آيات المصحف لتؤكد تلك العالمية، وأن الله تعالى رب لكل الناس، وليس رباً
للعرب أو المسلمين فقط، قال تعالى : { الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2)}
سورة الفاتحة .
قال الزجاج:
معنى العالمين كل ما خلق الله كما قال : وهو رب كل شيء، وهو جامع كل عالم ،قال ولا
واحد لعالم من لفظه لأن عالماً جمع أشياء مختلفة فإن جعل عالم لواحد منها صار
جمعاً لأشياء متفقة ([1])،
وقال ابن
عباس : رب الجن والإنس ،وقال قتادة رب الخلق كلم.
والعجيب
أن سورة الفاتحة التي بدأها الله تعالى بتقريره للحقيقة الكبرى بأنه رب العالمين،
تلك السورة أوجب الإسلام على المسلم قراءتها في كل ركعة من ركعات الصلاة فرضاً
كانت أم نفلاً، وجعلها ركناً من أركان الصلاة تبطل الصلاة بتركه.
الإسلام دين الفِطرة: قال تعالى: ﴿ فَأَقِمْ
وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا
لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ
النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [الروم:
3]، وقال تعالى ﴿ وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ
بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ
أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ
إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ ﴾ ]الأعراف: 172]
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ كَانَ
يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ،
فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ وَيُمَجِّسَانِهِ، كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ
بَهِيمَةً جَمْعَاءَ، هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ؟» ثُمَّ يَقُولُ: أَبُو
هُرَيْرَةَ وَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: {فِطْرَةَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا
لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ} [الروم: 30] الْآيَةَ ([2])
(الفطرة) قال المازري قيل هي ما أخذ عليهم في أصلاب
آبائهم وإن الولادة تقع عليها حتى يحصل التغيير بالأبوين وقيل هي ما قضى عليه من سعادة
أو شقاوة يصير إليها وقيل هي ما هيئ له (كما تنتج البهيمة بهيمة) بضم التاء الأولى
وفتح الثانية ورفع البهيمة ونصب بهيمة ومعناه كما تلد البهيمة بهيمة جمعاء أي مجتمعة
الأعضاء سليمة من نقص لا توجد فيها جدعاء وهي مقطوعة الأذن أو غيرها من الأعضاء ومعناه
أن البهيمة تلد بهيمة كاملة الأعضاء لا نقص فيها وإنما يحدث فيها الجدع والنقص بعد
ولادتها] .
الإسلام هو الدِين الذي
أمر يه الله تبارك وتعالى
-:الإسلام
دين الله ونِظامه الذي ارتَضاه لعباده، وأَوحى إلى أنبيائه بتبليغه للناس؛ قال
تعالى: ﴿ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ
الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ
مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ
فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾ (آل عمران: 19)
فالإسلام
هو دين الله - سبحانه وتعالى - الذي ارتضاه الله - سبحانه وتعالى - لهذه البشرية،
فالخير في اتِّباع تعاليمه، وتطبيق أحكامه؛ قال تعالى: ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ
قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ
الْمُسْلِمِينَ ﴾ (فصلت: 33(
وقال
تعالى: ( أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ
اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا ﴾ [النساء: 82]
جعل
الله الإسلام ظاهرا على الدين كله: قال تعالى:
[هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى
الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (33)] سورة التوبة
وقال تعالى:
[هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى
الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (28) ] سورة الفتح
، أي هو الذي أرسل رسوله محمدًا ﷺ، بالبيان الواضح ودين الإسلام؛ ليُعْليه على
الملل كلها، وحسبك -أيها الرسول- بالله شاهدًا على أنه ناصرك ومظهر دينك على كل
دين ([3]).
موافقته للعلم الصحيح،
والعقل السليم: فهو دين يعتني بالعلم ويمجِّد
العلماء، ويحترم العقل ويخاطب عقول العقلاء. وقد بين جل وعلا مكانة العلم والعقل
ومنزلة أهلهما فقال سبحانه:
﴿ وَتِلْكَ الأْمْثَالُ نَضْرِبُهَا
لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ الْعَالِمُونَ ﴾ [ العنكبوت: 43]
بلوغ
الإسلام والمسلمين جميع أقطار الأرض: عَنْ
ثَوْبَانَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: [ إِنَّ اللهَ زَوَى لِي الْأَرْضَ،
فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا، وَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا
مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا، وَأُعْطِيتُ الْكَنْزَيْنِ الْأَحْمَرَ وَالْأَبْيَضَ،...]
([4]) (زوى) أي جمع
(الكنزين الأحمر والأبيض) المراد بالكنزين الذهب والفضة والمراد كنزا كسرى وقيصر
ملكي العراق والشام.
ديـن شامـل: شرع الله
سبحانه وتعالى للأمة دينًا شاملاً في أحكامه وتشريعاته للثقلين من الجن والإنس،
ولكل تصرفاتهم وعلاقاتهم، حيثما كانوا؛ فوق أي أرض وتحت كل سماء. يقول المولى جل
وعلا: ﴿ وَنَزَّلْنَا
عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ ﴾ [النحل: 89]،
فهو (دين
ودولة، وهو عقيدة وعبادة، وهو حكم وقضاء، وشريعة وقانون، ومصحف وسيف، وجهاد ودعوة،
وسياسة واقتصاد، وعلم وخلق وتوجيه).
بشَّر
سيدنا عيسى عليه السلام بنبينا محمد ﷺ : قال تعالى:{
وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ
اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ
وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ
بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (6)} سورة الصف
واذكر -أيها
الرسول لقومك- حين قال عيسى بن مريم لقومه: إني رسول الله إليكم، مصدِّقًا لما جاء
قبلي من التوراة، وشاهدًا بصدق رسول يأتي من بعدي اسمه «أحمد» ، وهو محمد ﷺ،
وداعيًا إلى التصديق به، فلما جاءهم محمد ﷺ بالآيات الواضحات، قالوا: هذا الذي
جئتنا به سحر بيِّن ([5]).
وعَنْ
خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ، عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُمْ قَالُوا: يَا
رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنَا عَنْ نَفْسِكَ، قَالَ: «دَعْوَةُ أَبِي إِبْرَاهِيمَ،
وبًشْرى عِيسَى، وَرَأَتْ أُمي حِينَ حَمَلَتْ بِي كَأَنَّهُ خَرَجَ مِنْهَا نُورٌ
أَضَاءَتْ لَهُ قُصُورُ بُصْرَى مِنْ أَرْضِ الشَّامِ» ([6])
أرسل الله النبي ﷺ إلى
الناس جميعا: قال
الله تعالى: ( قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي
رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ
وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ
وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ) (الأعراف: 158).
جعله الله للعالمين نذيرا: قال تعالى: ( تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ
الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا) )الفرقان:1).
أرسله الله رحمة للعالمين: قال تعالى:( وَمَا
أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ) (الأنبياء: 107)،
أخذ الله العهد والميثاق على جميع الأنبياء والرسل
بالإيمان به: قال تعالى: ( وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ
النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ
مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ
وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا
وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ * فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ
هُمُ الْفَاسِقُونَ ) (آل عمران: 81 : 82(
قال ابن كثير في تفسيره:
" قال علي بن أبي طالب وابن عمه عبد الله بن عباس ـ رضي
الله عنهما ـ: ما بعث الله نبيا من الأنبياء إلا أخذ عليه الميثاق، لئن بُعِثَ
محمد وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه، وأمره أن يأخذ الميثاق على أمته: لئن بعث محمد ﷺ وهم
أحياء ليؤمنن به ولينصرنه " ([7]) .
أرسل الله نبيه ﷺ إلى
الناس كافة: قال تعالى: ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا
وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (28) ) [سورة
سبأ]
وقال تعالى: ﴿لِيُنْذِرَ
مَنْ كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ( سورة يس
عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: " فُضِّلْتُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ
بِسِتٍّ: أُعْطِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ، وَأُحِلَّتْ
لِيَ الْغَنَائِمُ، وَجُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ طَهُورًا وَمَسْجِدًا، وَأُرْسِلْتُ
إِلَى الْخَلْقِ كَافَّةً، وَخُتِمَ بِيَ النَّبِيُّونَ " ([8])
ويقابل هذا بعثة الأنبياء السابقين إلى أقوام محددين كما
قال تعالى: { لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا
إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ
غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (59)} سورة
الأعراف
وقال تعالى: { وَإِلَى
عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ
إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ (65)} سورة الأعراف، وقال تعالى:{ وَإِلَى
ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ
إِلَهٍ غَيْرُهُ} سورة الأعراف، وهكذا سائر الأنبياء السابقين.
بعثته ﷺ لم تكن للإنس وحدهم بل كانت للجن كذلك: قال تعالي:
{ قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا
قُرْآَنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآَمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا
أَحَدًا }(الجنّ: 1: 2 )
قل -أيها
الرسول-: أوحى الله إليَّ أنَّ جماعة من الجن قد استمعوا لتلاوتي للقرآن، فلما
سمعوه قالوا لقومهم: إنا سمعنا قرآنًا بديعًا في بلاغته وفصاحته وحكمه وأحكامه
وأخباره، يدعو إلى الحق والهدى، فصدَّقنا بهذا القرآن وعملنا به، ولن نشرك بربنا
الذي خلقنا أحدًا في عبادته. ([9])
وقال تعالى: { وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الجِنِّ
يَسْتَمِعُونَ القُرْآَنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا
إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ * قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ
مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الحَقِّ وَإِلَى
طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ * يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللهِ وَآَمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ
لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * وَمَنْ لَا يُجِبْ دَاعِيَ
اللهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَولِيَاءُ أُولَئِكَ
فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ }( الأحقاف 29 : 32 ) .
واذكر -أيها
الرسول- حين بعثنا إليك، طائفة من الجن يستمعون منك القرآن، فلما حضروا، ورسول
الله ﷺ يقرأ، قال بعضهم لبعض: أنصتوا; لنستمع القرآن، فلما فرغ الرسول من تلاوة
القرآن، وقد وعَوه وأثَّر فيهم، رجعوا إلى قومهم منذرين ومحذرين لهم بأس الله، إن
لم يؤمنوا به. ([10])
تحقق
ما أخبر به النبي ﷺ خارج حدود شبه الجزية العربية: قال البراء: لما كان يوم الخندق عرضت لنا في بعض الخندق صخرة لا تأخذ منها
المعاول، فاشتكينا ذلك لرسول الله ﷺ، فجاء وأخذ المعول فقال: بسم الله ثم ضرب
ضربة، وقال: الله أكبر، أعطيت مفاتيح الشام، والله إني لأنظر قصورها الحمر الساعة،
ثم ضرب الثانية فقطع آخر، فقال: الله أكبر، أعطيت فارس، والله إني لأبصر قصر
المدائن الأبيض الآن، ثم ضرب الثالثة، فقال: بسم الله، فقطع بقية الحجر، فقال:
الله أكبر، أعطيت مفاتيح اليمن، والله إني لأبصر أبواب صنعاء من مكاني ([11])
.
وقد فتح
المسلمون هذا البلاد وتحقق ما أخبر به النبي ﷺ .
رسائله
ﷺ إلى الملوك والرؤساء : أرسل رسول الله ﷺ برسائل إلى
الكثير من الملوك والرؤساء، وقد دخل يعضهم في الإسلام، واعترض بعضهم، ومن بين هذه
الرسائل رسالته إلى إلى كسرى ملك فارس «بسم الله الرحمن الرحيم» من محمد رسول الله
إلى كسرى عظيم فارس، سلام على من اتبع الهدى، وآمن بالله ورسوله، وشهد أن لا إله
إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وأدعوك بدعاية الله، فإني أنا
رسول الله إلى الناس كافة، لينذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين، فأسلم تسلم،
فإن أبيت فإن إثم المجوس عليك.
واختار لحمل
هذا الكتاب عبد الله بن حذافة السهمي، فدفعه السهمي إلى عظيم البحرين، ولا ندري هل
بعث عظيم البحرين رجلا من رجالاته، أم بعث عبد الله السهمي، وأيا ما كان فلما قرىء
الكتاب على كسرى مزقه، وقال في غطرسة: عبد حقير من رعيتي يكتب اسمه قبلي، ولما بلغ
ذلك رسول الله ﷺ قال: مزق الله ملكه، وقد كان كما قال، فقد كتب كسرى إلى باذان
عامله على اليمن: ابعث إلى هذا الرجل الذي بالحجاز رجلين من عندك جلدين، فليأتياني
به. فاختار باذان رجلين ممن عنده، وبعثهما بكتاب إلى رسول الله ﷺ يأمره أن ينصرف
معهما إلى كسرى، فلما قدما المدينة، وقابلا النبي ﷺ قال أحدهما: إن شاهنشاه (ملك
الملوك) كسرى قد كتب إلى الملك باذان يأمره أن يبعث إليك من يأتيه بك، وبعثني إليك
لتنطلق معي، وقال قولا تهديديا، فأمرهما النبي ﷺ أن يلاقياه غدا.
وفي ذلك
الوقت كانت قد قامت ثورة كبيرة ضد كسرى من داخل بيته بعد أن لاقت جنوده هزيمة
منكرة أمام جنود قيصر، فقد قام شيرويه بن كسرى على أبيه فقتله، وأخذ الملك لنفسه،
وكان ذلك في ليلة الثلاثاء لعشر مضين من جمادى الأولى سنة سبع ، وعلم رسول الله ﷺ الخبر من الوحي، فلما غدوا
عليه أخبرهما بذلك: فقالا: هل تدري ما تقول؟ إنا قد نقمنا عليك ما هو أيسر، أفنكتب
هذا عنك، ونخبره الملك. قال: نعم أخبراه ذلك عني، وقولا له إن ديني وسلطاني سيبلغ
ما بلغ كسرى! وينتهي إلى منتهى الخف والحافر. وقولا له: إن أسلمت أعطيتك ما تحت
يدك، وملكتك على قومك من الأبناء، فخرجا من عنده حتى قدما على باذان فأخبراه
الخبر، وبعد قليل جاء كتاب بقتل شيرويه لأبيه، وقال له شيرويه في كتابه: انظر
الرجل الذي كان كتب فيه أبي إليك، فلا تهجه حتى يأتيك أمري، وكان ذلك سببا في
إسلام باذان ومن معه من أهل فارس باليمن([12])
كل من يكذب رسول الله ﷺ سيكون من أهل النار: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ أَنَّهُ
قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ
هَذِهِ الْأُمَّةِ يَهُودِيٌّ، وَلَا نَصْرَانِيٌّ، ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ
بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ، إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ» ([13])
أنزل الله القرآن للعالمين: قال تعالى: (وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (52)
) [سورة القلم] ، أي وما القرآن إلا موعظة وتذكير للعالمين من
الإنس والجن.
وقال تعالى: (إِنْ
هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (27)) [سورة التكوير]
عموم
النداء في كثير من آيات القرآن: قال تعالى:
[يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ
قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21)] سورة البقرة
وقال تعالى:
[يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ
فَآمِنُوا خَيْرًا لَكُمْ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (170) ] سورة
النساء
وقال تعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ
الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ) (البقرة:185)
ويقول تعالى :﴿وَلَقَدْ
ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَل لَعَلَّهُمْ
يَتَذَكَّرُونَ) الزمر:27
تصديق
العلم لما جاء به القرآن: ومن ذلك
أ- إخبار
الله بضيق التنفس عند الصعود إلى أعلى الضغط الجوي ، يقول سبحانه: ﴿ فَمَنْ
يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإْسْلاَمِ وَمَنْ يُرِدْ
أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي
السَّمَاءِ ﴾ [الأنعام: 125]، فهذه حقيقة علمية حديثة.
ب- أخبر الله عن موجين فيه: الموج الذي
نراه، وموج آخر داخل البحار لم يكتشفه العلماء إلا حديثًا، فقد قال سبحانه: ﴿ أَوْ
كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ
فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ
يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ
نُورٍ ﴾ [النور: 40]. ولما سمع بحار إنجليزي بهذه الآية سأل هل
ركب محمد البحر؟ فلما قيل له: لا. آمن على الفور، وقال: إن ما ذكره محمد ﷺ إنما هو
من عند الله، وليس من تلقاء نفسه.
ج- مراحل خلق الإنسان بدءًا بأصله وهو من
تراب ثم أحوال الجنين في بطن أمه، قال سبحانه: ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإْنْسَانَ
مِنْ سُلاَلَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي
قَرَارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً
فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا
الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ
أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ﴾ (المؤمنون: 12 – 14)
وجاء الطب
الحديث بما يوافق تلك الحقائق التي نزلت على النبي ﷺ قبل أربعة عشر قرنًا، حتى
أسلم عدد من علماء الأجنة.
الكعبة المشرفة قبلة
للعالمين: الكعبة
المشرفة كذلك هي قبلة لجميع الخلق ، وبركة وهداية لكل الناس ، قال تعالى : ( إِنَّ
أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى
لِلْعَالَمِينَ (96) ) سورة آل عمران.
ثانيًا: بعض مظاهر
عالمية الرسالة
المساواة
بين الناس جميعا كأسنان المشط: قال تعالى:{
يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى
وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ
اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)} سورة
الحجرات
يا أيها
الناس إنَّا خلقناكم من أب واحد هو آدم، وأُم واحدة هي حواء، فلا تفاضل بينكم في
النسب، وجعلناكم بالتناسل شعوبًا وقبائل متعددة؛ ليعرف بعضكم بعضًا، إن أكرمكم عند
الله أشدكم اتقاءً له. إن الله عليم بالمتقين، خبير بهم ([14]).
أخي المسلم في كل مكان وبلـد * * *
أنت مني وأنا منك كروح في جسد
وحدة قد شادها
الله أضاءت للأبـد* * *وتسامت بشعار قل هـو الله أحـد
يا أخي
المسلم إنا دعاة الحق المبين * * * ورسول الله وافى رحمة للعالميـن
وكتاب الله
يهدي بسنـاه الحائريـن * * * وهو للكون ضياء وهدى للعالميـن
يا أخي
المسلم والإسلام دين للإله * * * في حماه قد تساوى كل فرد بسواه
فبلال كعلي
ليس من فـرق تـراه * * * كلنا لله عبـد ولـه تعلـوا الجبـاه
وأمرهم
بالحفاظ على بعضهم ولا يؤذي بعضهم بعضا فعن ابن عمر قال صعد رسول الله ﷺ المنبر
فنادى بصوت رفيع فقال ﴿يا معشر من أسلم بلسانه ولم يفض الإيمان إلى قلبه لا تؤذوا
المسلمين ولا تعيروهم ولا تتبعوا عوراتهم فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله
عورته ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله قال ونظر ابن عمر يوما إلى البيت أو إلى الكعبة فقال ما أعظمك وأعظم
حرمتك والمؤمن أعظم حرمة عند الله منك﴾ ﴿[15]﴾
التوازُن والوسطيَّة: التوازُن بين مُتطلبات الرُّوح
ومُتطلبات المادة، التوازُن بين أفكار الإنسان وخيالاته، التوازُن بين علوم الشرع
وعلوم الحياة، التوازُن بين الدُّنيا والآخِرة، التوازن بين المثاليَّة
والواقعيَّة، التوازُن بين الحُقوق والواجبات، التوازُن بين النزعة الفردية
والمَصلحة الاجتماعيَّة؛ قال تعالى: ﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا
وُسْعَهَا ﴾ [البقرة: 286]، وقال تعالى: ﴿ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ
الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ﴾ [القصص:
77]، وهكذا اتَّسمتْ حضارة الإسلام بالتوازُن والوسطية ([16]).
الاعتصام بالله ونبذ الفرقة والإختلاف: لقوله تعالى:﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ
اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ
كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا
وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ
اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾" سورة آل عمران:
103، فالاعتصام بحبل الله أي يعصمك من الضلالة، قال صاحب المنازل: الاعتصام بحبل
الله هو المحافظة على طاعته، مراقبا لأمره
ونهايته الفشل: كما قال تعالى "لاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ
وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ" الأنفال 46.
بيان سعة رحمة
الله تعالى: قال الله -عز وجل -: "وَرَحْمَتِي
وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ" "الأعراف"
وقال تعالى:
"قُل لِّمَن مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُل لِلّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ
الرَّحْمَةَ." الأنعام 12، وقال تعالى: "وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ
يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ
الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ
وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ""الأنعام: 54".
دعوة الناس جميعا إلى حسن الخلق: عن
أبي هريرة؛ أن رسول الله ﷺ قال: " إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق "([18]) ، وقد وقف العلماء عند هذا الحديث
قائلين: لماذا حصر النبي بعثته في مكارم الأخلاق مع أنه بعث بالتوحيد والعبادات
وهي أرفع منزلة وأهم من الأخلاق؟!!
والجواب:
أن التوحيد والعبادات شرعت من أجل ترسيخ مكارم الأخلاق بين أفراد المجتمع، فالغاية
والحكمة الجليلة من تشريع العبادات هي غرس الأخلاق الفاضة وتهذيب النفوس؛ كما هو
معلوم في الصلاة والزكاة والصوم والحج وغيرها
دعوة الناس جميعا إلى العفو والمسامحة: قال تعالى -:﴿ وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ
ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ
كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ﴾"فصلت: 34".
وقال
تعالى" خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ
"، لما نزلت قال رسول الله ﷺ:
"ما هذا يا جبريل؟" قال: إن الله أمرك أن تعفو عمن ظلمك، وتعطي من حرمك،
وتصل من قطعك." ([19])
ولذلك
ضرب بالأحنف بن قيس المثل في الحلم والصفح، فقيل له: كيف وصلت إلى هذه المنزلة؟
فقال: ما آذاني أحد إلا أخذت في أمره بإحدى ثلاث: إن كان فوقي عرفت له فضله، وإن
كان مثلي تفضّلت عليه، وإن كان دوني أكرمت نفسي عنه.
الدعوة إلى السعي في الأرض طلبا للرزق: قال تعالى (هُوَ الَّذِي جَعَلَ
لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ
وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ) سورة الملك
وقوله
تعالى (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ
فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) سورة
الجمعة
وكان
سيدنا عِرَاكُ بْنُ مَالِكٍ t إِذَا صَلَّى الْجُمُعَةَ انْصَرَفَ
فَوَقَفَ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَجَبْتُ دَعْوَتَكَ
وَصَلَّيْتُ فَرِيضَتَكَ، وَانْتَشَرْتُ كَمَا أَمَرْتَنِي، فَارْزُقْنِي مِنْ
فَضْلِكَ وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ.
وعَنْ
كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ t أَنَّ رَجُلاً مَرَّ عَلَى النَّبِيِّ (ﷺ)
فَرَأَى أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ (ﷺ) مِنْ جَلَدِهِ وَنَشَاطِهِ مَا أَعْجَبَهُمْ
، فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللهِ لَوْ كَانَ هَذَا فِي سَبِيلِ اللهِ!! فَقَالَ
رَسُولُ اللهِ (ﷺ): "إِنْ كَانَ يَسْعَى عَلَى وَلَدِهِ صِغَارًا فَهُوَ فِي
سَبِيلِ اللهِ، وَإِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى عَلَى أَبَوَيْنِ شَيْخَيْنِ
كَبِيرَيْنِ فَفِي سَبِيلِ اللهِ، وَإِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى عَلَى نَفْسِهِ
لِيَعِفَّهَا فَفِي سَبِيلِ اللهِ، وَإِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى عَلَى أَهْلِهِ
فَفِي سَبِيلِ اللهِ، وَإِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى تَفَاخُرًا وَتَكَاثُرًا فَفِي
سَبِيلِ الطَّاغُوتِ"([20])
الدعوة إلى التعاون على البر والتقوى: قال تعالى:(وَتَعَاوَنُوا عَلَى
الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ
وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ سورة المائدة
الدعوة إلى إقامة العدل بين الناس جميعا: فها هو نبينا ﷺ يغضب من حِبِّهِ أسامة بن زيد حينما كلمه في شأن المرأة
المخزومية التي سرقت مُعَنِّفًا له، فعن عَائِشَةَ، أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ
شَأْنُ الْمَرْأَةِ الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ، فَقَالَ: وَمَنْ
يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللهِ ﷺ فَقَالُوا: وَمَنْ يَجْتَرِى عَلَيْهِ إِلاَّ
أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، حِبُّ رَسُولِ اللهِ ﷺ فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ، فَقَالَ
رَسُولُ اللهِ ﷺ: أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللهِ ثُمَّ قَامَ
فَاخْتَطَبَ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ
كَانُوا، إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ
الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ؛ وَايْمُ اللهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ
ابْنَةَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ، لَقَطَعْتُ يَدَهَا﴾ ﴿[21]﴾، درس
في المساواة أمام قانون الله، فكأني به ﷺ يقول: ألا فلتعلم يا أسامة أن المخزومية
الحسيبة النسيبة مثلها مثل الأمة الحبشية الغريبة، فالإسلام يا قد سوَّى بين عمر
القرشي وبلال الحبشي وصهيب الرومي وسلمان الفارسي كلهم في الحقوق والواجبات
سواء، ثم قرر ﷺ قاعدة عظيمة حينما قال
﴿وَأيْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ ﷺ سَرَقَتْ لَقَطَعَ
مُحَمَّدٌ يَدَهَا﴾ .
النهى عن كل صور الفساد: قال
تعالى (وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً
وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ) الأعراف.
النهي عن الكذب و قول الزور: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي
بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ ﷺ فَقَالَ: «أَلَا
أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ؟» ثَلَاثًا «الْإِشْرَاكُ بِاللهِ،
وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ - أَوْ قَوْلُ الزُّورِ -»
وَكَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ مُتَّكِئًا، فَجَلَسَ فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى
قُلْنَا: لَيْتَهُ سَكَتَ» ([22])
[(الزور) أصله تحسين الشيء ووصفه بخلاف صفته
حتى يخيل إلى من سمعه أو رآه أنه بخلاف ما هو به فهو تمويه الباطل بما يوهم أنه
حق]
المنهج الإسلامي يَحمِل
مُقوِّمات الحياة الراشِدة: فالإسلام هو الدين الذي ارتضاه الله لخلقِه، والإسلام يَحمل في
تعاليمه كل مُقوِّمات الحياة الراشدة الكريمة؛ قال تعالى: ﴿ فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا
الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ
وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ ﴾ [قريش: 3، 4]، وقال تعالى: ﴿ وَلَوْ
أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ
السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ﴾ [الأعراف: 96]، وقال تعالى: ﴿ وَلَوْ
أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ
رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ ﴾ [المائدة:
66]، وقال تعالى على لسان نوح - عليه السلام -: ﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ
إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ
مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ
وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ﴾ [نوح:
10، 12]، وقال - جل شأنه -: ﴿ وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى
الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا ﴾ [الجن: 16]، وقال
تعالى: ﴿ وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ
ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ
قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ ﴾ [هود: 52]، وهذه الحَقيقة تَغفُل
عنها كلُّ المذاهب الوضعيَّة.
وصلِّ اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
إعداد: الشيخ أحمد أبو عيد
0109 809 58 54
نسألكم الدعاء
تعليقات: (0) إضافة تعليق