الحمد لله رب العالمين المنفرد بالقدم والبقاء والعظمة والكبرياء والعز الذي لا يرام، الصمد الذي لا بصوره العقل ولا يحده الفكر ولا تدركه الأفهام، القدوس الذي تنزه عن أوصاف الحدوث فلا يوصف بعوارض الأجسام الغني عن جميع المخلوقات فالكل مفتقر إليه وهو الغني على الدوام، سبق الزمان فلا يقال متى كان، وخلق المكان فلا يقال أين كان فتبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام.
واشهد إن لا اله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد وهو علي كل شيء قدير، اله عز من اعتز به فلا يضام، وذل من تكبر عن أمره ولقي الآثام، استغفر الله مما كان من زللي ومن ذنوبي وإفراطي وإصراري.
وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وشفيعنا محمد عبد الله ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه
صلوا على خيـر الأنام محمـد ** إن الصلاة عليه نور يعقد
من كان صلى عليه قاعد يغفر له ** قبل القيام وللمتاب يجدد
وكذلك إن صلى عليه وهو قائما ** يغفر له قبل القعود ويرشد
وعلى اله وأصحابه ومن سار على نهجه وتمسك بسنته واقتدى بهديه واتبعهم بإحسان إلي يوم الدين ونحن معهم يا أرحم الراحمين
العناصر
أولاً: تكريم الله للنبي صلى الله عليه وسلم
ثانياً: نبذة عن أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم
ثالثاً: صور من إنسانيته مع زوجاته وصحابته
رابعًا: كيف نحيي المشاعر الإنسانية
الموضوع
أولا: تكريم الله للنبي صلى الله عليه وسلم
زكاه ربه في كل شيء: زكاه في عقله فقال: (مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى) "النجم: 2"
وزكاه في بصره فقال: (مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى) "النجم: 17"، وزكاه في فؤاده فقال: (مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى) "النجم: 11"، وزكاه في صدره فقال: (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ) "الشرح: 1"، وزكاه في ذكره فقال: (وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ) "الشرح: 4"، وزكاه في علمه فقال: (عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى) "النجم: 5"، وزكاه في صدقه فقال: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى) "النجم: 3".
ثم أعطاه البشارة الكبرى والنعمة العظمي حيث زكاه كله فقال: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيم) "القلم"
اشتق الله له أسماءً من أسمائه الحسني: قال تعالي: "لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ"(التوبة/128).
قرن الله تعالى اسم نبيه باسمه في مواطن كثيرة: كما في شهادة الحق والدخول بالإسلام، ويصدح بها على المآذن إلى قيام الساعة.
وضم الإله اسم النبي إلى اسمه
**
إذا قال في الخمس المؤذن أشهد
وشق له من اسمه ليجلـــــــــه
**
فذو العرش محمود وهذا محمـد
عصمه الله من الأعداء: قال تعالى (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) المائدة 67
وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَحْرُسُ حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ سورة المائدة آية 67، فَأَخْرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رَأْسَهُ مِنَ الْقُبَّةِ، فَقَالَ لَهُمْ: " أَيُّهَا النَّاسُ، انْصَرِفُوا فَقَدْ عَصَمَنِي اللَّهُ " ([1])
لم يخاطبه الله باسمه المجرد كما خاطب سائر الأنبياء:
مثل قوله تعالى لسيدنا يحي (يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً) مريم 12
وقوله تعالى لسيدنا ادم u "وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ) البقرة 35
وقوله تعالى لسيدنا عيسى u (إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ)، وقوله تعالى لسيدنا موسى u (وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى) طه
وقوله تعالى لسيدنا إبراهيم u (وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ* قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي
الْمُحْسِنِينَ) الصافات ، وقوله تعالى لسيدنا زكريا u (يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيّاً) مريم. ، وقوله تعالى لسيدنا داود u (يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ) ص 26
بل ناداه بأحب الأسماء إليه، باللقب الدال على تعظيمه وتكريمه بعز النبوة وشرف الرسالة، فقال تعالى (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) المائدة ، وقال تعالى (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً) الأحزاب 45
تفضيله على الأنبياء بعدة خصال: عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-قَالَ «فُضِّلْتُ عَلَى الأَنْبِيَاءِ بِسِتٍّ أُعْطِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ وَأُحِلَّتْ لِىَ الْغَنَائِمُ وَجُعِلَتْ لِىَ الأَرْضُ طَهُورًا وَمَسْجِدًا وَأُرْسِلْتُ إِلَى الْخَلْقِ كَافَّةً وَخُتِمَ بي النَّبِيُّونَ» ([2]).
وجوب الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم: قال تعالي:" إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا"(الأحزاب/56).
وقد اوجب الله عز وجل الصلاة علي النبي صلى الله عليه وسلم تكريماً له كما ذكر جمهور العلماء ففي تفسير أبي السعود لهذه الآية: "يصلون على النبي قيل الصلاة من الله الرحمة ومن الملائكة الاستغفار وقال ابن عباس t أراد أن الله يرحمه والملائكة يدعون له وعنه أيضا يصلون يبركون وقال أبو العالية صلاة الله تعالى عليه ثناؤه عليه عند الملائكة وصلاتهم دعاؤهم له ..أي يعتنون بما فيه خيره وصلاح أمره ويهتمون بإظهار شرفه وتعظيم شأنه وذلك من الله سبحانه بالرحمة ومن الملائكة بالدعاء والاستغفار يأيها الذين آمنوا صلوا عليه اعتنوا انتم أيضا بذلك فإنكم أولى به وسلموا تسليما قائلين اللهم صل على محمد وسلم أو نحو ذلك وقيل المراد بالتسليم انقياد أمره والآية دليل على وجوب الصلاة والسلام عليه مطلقا من غير تعرض لوجوب التكرار وعدمه([3]).
صلى عليه الله في ملكوته
**
ما قام عبد في الصلاة وكبرا
صلى عليه الله في ملكوته
**
ما عاقب الليل النهار وأدبرا
صلى عليه الله في ملكوته
**
ما دارت الأفلاك أو نجم سرا
وعليه من لدن الإله تحية
**
روح وريحان بطيب أثمرا
أول من يقرع باب الجنة ويدخلها: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم: «أَنَا أَكْثَرُ الأَنْبِيَاءِ تَبَعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ يَقْرَعُ بَابَ الْجَنَّةِ» ([4]).
أعطاه الله نهر الكوثر: قال تعالى (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ) الكوثر
وعَنْ أَنَسٍ، قَالَ: " بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ بَيْنَ أَظْهُرِنَا، إِذْ أَغْفَى إِغْفَاءَةً، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مُتَبَسِّمًا، فَقُلْنَا: مَا أَضْحَكَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: أُنْزِلَتْ عَلَيَّ آنِفًا سُورَةٌ، فَقَرَأَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ: ﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ ﴾ سورة الكوثر ، ثُمَّ قَالَ: أَتَدْرُونَ مَا الْكَوْثَرُ؟ فَقُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: فَإِنَّهُ نَهْرٌ، وَعَدَنِيهِ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ خَيْرٌ كَثِيرٌ، هُوَ حَوْضٌ تَرِدُ عَلَيْهِ أُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، آنِيَتُهُ عَدَدُ النُّجُومِ، فَيُخْتَلَجُ الْعَبْدُ مِنْهُمْ، فَأَقُولُ: رَبِّ إِنَّهُ مِنْ أُمَّتِي، فَيَقُولُ: مَا تَدْرِي مَا أَحْدَثَتْ بَعْدَكَ؟ ([5])
ولو وزنت به عرب وعجــــــــم
**
جعلت فداه ما بلغوه وزنـــــــــاً
إذا ذكر الخليل فذا حبيـــــــــــب
**
عليه الله في القرآن أثنـــــــــى
هو صاحبُ الخلقِ الرفيعِ على المدى
**
نجي العرش مفتقراً لتغنـــــــى
وإن الله كلم ذاك وحيــــــــــــــاً
**
وكلم ذا مخاطبة وأثنـــــــــــــى
ولو قابلت لفظة لن ترانـــــــي
**
لـ"ما كذب الفؤاد" فهمت معنى
فموسى خر مغشياً عليــــــــــه
**
وأحمد لم يكن ليزيغ ذهنـــــــــاً
وإن ذكروا سليمانًا بملـــــــــك
**
فحاز به الكنوز وقد عرضنـــــا
فبطحا مكة ذهباً أباهــــــــــــــا
**
يبيد الملك واللذات تفنـــــــــــى
وإن يك درع داود لبوســـــــــاً
**
يقيه من اتّقاء البأس حصنـــــا
فدرع محمد القرآن لمــــــــــــا
**
تلا: "والله يعصمك" اطمــــأنا
وأغرق قومه في الأرض نوح
**
بدعوةِ: لا تذر أحداً فأفنـــــــى
ودعوة أحمد: رب اهد قومــي
**
فهم لا يعلمون كما علمنــــــــا
وكل المرسلين يقول: نفســـي
**
وأحمد: أمتي إنساً وجنـــــــــا
وكل الأنبياء بدور هـــــــــدي
**
وأنت الشمس أكملهم وأهـــدى
ثانياً: نبذة عن أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم
لقد شاء الله تبارك وتعالى بحكمته وفضله أن يختار نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم من بين البشر كلهم أجمعين، ويصطفيه، ويخصه من الخصائص، بما لم يخص به أحداً من العالمين.
حتى كان صلى الله عليه وسلم قدوةً للناس -كلهم أجمعين -في كل شيء قال تعالى: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً ﴾ الأحزاب 21.
فإنك إن نظرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً؛ وجدته المقدم على أنبياء الله تعالى، ورسله فهو سيدهم وأفضلهم وخاتمهم وإن نظرت إليه معلماً وجدته أفضل المعلمين، وإذا نظرت إليه خطيباً، وجدته المتحدث، الذي يصل قوله إلى كل قلب، وإن نظرت إليه زوجاً وجدته خير الأزواج لأهله، وإن نظرت إليه أباً، وجدته خير الآباء، وأحسنهم تعليما وإن نظرت إليه مقاتلاً، وجدته المقاتل
الشجاع، وإن نظرت إليه كصاحب خلق وجدته متربع على عرش الأخلاق بأسرها.
قال تعالى: ﴿وإنك لعلى خلق عظيم﴾ وتأمل معي كيف خاطبه الله عز وجل، لم يقل له وإنك لذو خلق عظيم، ولم يقل له وإنك لصاحب خلق عظيم، لم يقل له وإن أخلاقك عظيمة، لم يقل ربنا له ذلك وإنما قال له ﴿وإنك لعلى خلق عظيم﴾ خاطبه بحرف ﴿على﴾ الذي يفيد الاستعلاء فكأنه صلى الله عليه وسلم متربع على عرش الأخلاق بأسرها، فالأخلاق إذا ذكرت كان رسول الله عنوانها، والأخلاق إذا ذكرت كان رسول الله أستاذها، والأخلاق إذا ذكرت كان رسول الله سيدها.
يا سيد السادات يا من قدره
**
لا تستطيع له الورى إدراك
ماذا يقول الناس فيك
**
وربهم بأتم تربية له رباك
حلاك بالخلق العظيم وفضله
**
الفضل العظيم عليك ما أعلاك
آواك من يتم وأعطاك الغنى
**
ولدينه الدين القويم هداك
شكرا لك اللهم أنت كفلته
**
نعم الكفيل تقدست أسماك
مدحه الله في خلقه: قال تعالى ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ القلم
خلقه القران: لما سئلت السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها عن أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم من سعيد بن هشام بن عامر حين قدم المدينة، قَالَت له:﴿ أَلَستَ تَقرَأُ القُرآنَ؟ قُال: بَلَى، قَالَت: فَإِنَّ خُلُقَ نَبِيِّ اللَّهِ
وصف الصحابة لخلقه: عن أنس قال: خدمت رسول الله -صلى الله عليه وسلم -عشر سنين فما قال لي: ﴿ أف ﴾ قط، ولا قال لشيء فعلته: لم فعلته؟ ولا لشيء لم أفعله: ألا فعلته؟ وكان -صلى الله عليه وسلم -أحسن الناس خلقا، ولا مسست خزا، ولا حريرا، ولا شيئا كان ألين من كف رسول الله -صلى الله عليه وسلم -ولا شممت مسكا ولا عطرا
أكثر الناس حياءً: كان أكثر الناس حياء فعن أَبَي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -t-قال: ﴿كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَشَدَّ حَيَاءً مِنْ الْعَذْرَاءِ فِي خِدْرِهَا، وَكَانَ إذَا كَرِهَ شَيْئًا عَرَفْنَاهُ فِي وَجْهِهِ﴾﴿[8]﴾
آثر أمته بدعوته المستجابة: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ﴿ لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ، فَتَعَجَّلَ كُلُّ نَبِيٍّ دَعْوَتَهُ، وَإِنِّي اخْتَبَأْتُ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَهِيَ نَائِلَةٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِي لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا ﴾ ﴿[9]﴾
لم ينتقم لنفسه قط: عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: ﴿مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَيْئًا قَطُّ بِيَدِهِ وَلَا امْرَأَةً وَلَا خَادِمًا إِلَّا أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَمَا نِيلَ مِنْهُ شَيْءٌ قَطُّ فَيَنْتَقِمَ مِنْ صَاحِبِهِ إِلَّا أَنْ يُنْتَهَكَ شَيْءٌ مِنْ مَحَارِمِ اللَّهِ فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ﴾﴿[10]﴾
سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الرسول الإنسان: إذا نظرنا إلى الشخص الذي جسد الله فيه الإسلام، وجعله مثالاً حيًّا لتعاليمه، وكان خُلُقه القرآن، نستطيع أن نصفه بأنّه "الرسول الإنسان"، وسيرته ليست سيرة إله، ولا بعض إله، ولا ملاكٍ متجردٍ من اللحم والدم، بل هي سيرة النبيّ الإنسان، والقرآن الكريم حريص كل الحرص في شتى المناسبات على تأكيد إنسانيّة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، بمثل قوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [الكهف].
حياته قبل البعثة: لما رأى جبريل أول مرة ونزل عليه بالوحي قال لخديجة -رضي الله عنها-: وقد جاءها يرجف، ولم يكن يعهد ذلك من قبل يقول:﴿دثروني لقد خشَيتُ على نفسي﴾ فقالت زوجه الأولى خديجة بنت خويلد -رضي الله عنها-:﴿ كَلَّا أَبْشِرْ فَوَاللَّهِ لَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا وَاللَّهِ إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ وَتَصْدُقُ الْحَدِيثَ وَتَحْمِلُ الْكَلَّ وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ وَتَقْرِي الضَّيْفَ وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ ﴿[11]﴾
ثالثًا: صور من الجوانب الإنسانية في حياة النبي
أ-إنسانيته مع زوجاته:
التسابق معهن: عن عائشة رضي الله عنها: أنها كانت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر وهي جارية ﴿قالت: لم أحمل اللحم ولم أبدن﴾ فقال لأصحابه: تقدموا ﴿فتقدموا﴾ ثم قال: تعالي أسابقك فسابقته فسبقته على رجلي فلما كان بعد ﴿وفي رواية: فسكت عني حتى إذا حملت اللحم وبدنت ونسيت﴾ خرجت معه في سفر فقال لأصحابه تقدموا: ﴿فتقدموا﴾ ثم قال: تعالي أسابقك ونسيت الذي كان وقد حملت اللحم فقلت: كيف أسابقك يا رسول الله! وأنا على هذا الحال؟ فقال: لتفعلن فسابقته فسبقني فجعل يضحك وقال: هذه بتلك السبقة. ﴿[12]﴾
خدمة أهله: عن إبراهيم عن الأسود قال: سألت عائشة ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع في يته؟ قالت كان يكون في مهنة أهله تعني خدمة أهله فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة ﴿[13]﴾
حلمه صلى الله عليه وسلم معهن: عن عمر بن الخطاب t، قال: ﴿كنَّا معشر قريشٍ نغلب النِّساء، فلمَّا قدمنا على
الأنصار إذا قومٌ تغلبهم نساؤهم؛ فطفق نساؤنا يأخذن من أدب نساء الأنصار، فصخبت على امرأتي، فراجعتني، فأنكرت أن تراجعني. قالت: ولم تنكر أن أراجعك؟ فو الله إنَّ أزواج النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ليراجعنه، وإنَّ إحداهنَّ لتهجره اليوم حتَّى اللَّيل. فأفزعني ذلك، وقلت لها: قد خاب من فعل ذلك منهنَّ. ثمَّ جمعت عليَّ ثيابي، فنزلت، فدخلت على حفصة، فقلت لها: أي حفصة، أتغاضب إحداكنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم اليوم حتى اللَّيل؟!قالت: نعم. فقلت: قد خبت وخسرت!!فتأمنين أن يغضب الله لغضب رسوله صلى الله عليه وسلم فتهلكي)﴿[14]﴾ و﴿طفق﴾: شرع وبدأ، و﴿فصخبت﴾: الصخب: الضجة واختلاط الأصوات عند الخصام.﴾.
وعن عائشة رضى الله عنها، قالت قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ﴿إنِّي لأعلم إذا كنت عنِّي راضيةً، وإذا كنت عليَّ غضبى﴾. قالت: فقلت: من أين تعرف ذلك؟ فقال: ﴿أمَّا إذا كنت عنِّي راضيةً؛ فإنَّك تقولين: لا وربِّ محمَّدٍ، وإذا كنت عليَّ غضبى؛ قلت: لا وربَّ إبراهيم﴾. قالت: قلت: أجل، والله، يا رسول الله، ما أهجر إلَّا اسمك﴾﴿[15]﴾
معالجة الأمور بلطف: وعن أنس قال ﴿كان النبي صلى الله عليه وسلم عند بعض نسائه فأرسلت إحدى أمهات المؤمنين بصحفة فيها طعام فضربت التي النبي صلى الله عليه وسلم في بيتها يد الخادم فسقطت الصحافة فانفلقت فجمع النبي صلى الله عليه وسلم فلق الصفحة ثم جعل يجمع فيها الطعام الذي كان في الصحافة ويقول ﴿غارت أمكم﴾ ثم حبس لخادم حتى أتي بصحفة من عند التي هو في بيتها فدفع الصحفة الصحيحة إلى التي كسرت صحفتها وأمسك المكسورة في بيت التي كسرت ﴾ ﴿[16]﴾.
الرحمةُ المهداةُ جاء مبشِّرا
**
ولأفضلِ الأديان قام فأنـــــذرا
ولأكرمِ الأخلاق جاء مُتمِّمًا
**
يدعو لأحسنِها ويمحو المنكرا
صلى عليه اللهُ في ملكوته
**
ما قام عبدٌ في الصلاة وكبـــّرا
آواك من يتم وأعطاك الغنى
**
ولدينه الدين القويم هداك
شكرا لك اللهم أنت كفلته
**
نعم الكفيل تقدست أسماك
ب-إنسانيته مع أصحابه:
كان يحب أصحابه ويبدأهم بالسلام: ويكنيهم ويدعوهم بأحب الأسماء إليهم، بل كان يقف لخدمتهم ويجهد نفسه لراحتهم وكان يسأل عن أخبارهم ويتفقد أحوالهم، ويدعو لغائبهم، ويزور مريضهم ويشيع جنائزهم، ويصلي عليهم، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ مِمَّا يَقُولُ لأَصْحَابِهِ ﴿مَنْ رَأَى مِنْكُمْ رُؤْيَا فَلْيَقُصَّهَا أَعْبُرْهَا لَهُ﴾. قَالَ فَجَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ رَأَيْتُ ظُلَّةً. بِنَحْوِ حَدِيثِهِمْ.﴿[17]﴾ ومعنى الظلة: السحابة التي لها ظل.
إرضائه لهم وتطييبه لخاطرهم: لما أعطى رسول الله صلى الله عليه و سلم ما أعطي من تلك العطايا في قريش وقبائل العرب ولم يكن في الأنصار منها شيء وجد هذا الحي من الأنصار في أنفسهم حتى كثرت فيهم القالة حتى قال قائلهم : لقي رسول الله صلى الله عليه و سلم قومه فدخل عليه سعد بن عبادة فقال : يا رسول الله إن هذا الحي من الأنصار وجدوا عليك في أنفسهم لما صنعت في هذا الفيء الذي أصبت قسمت في قومك وأعطيت عطايا عظاما في قبائل العرب ولم يكن في هذا الحي من الأنصار شيء . قال : " فأين أنت من ذلك يا سعد ؟ " . قال : يا رسول الله ما أنا إلا امرؤ من قومي وما أنا من ذلك . قال : " فاجمع لي قومك في هذه الحظيرة " . قال : فجاء رجل من المهاجرين فتركهم وجاء آخرون فردهم فلما اجتمعوا أتاه سعد فقال : قد اجتمع لك هذا الحي من الأنصار قال : فأتاهم رسول الله صلى الله عليه و سلم فحمد الله وأثنى عليه بالذي هو له أهل ثم قال : يا معشر الأنصار ما قالة بلغتني عنكم ؟ ووجدة وجدتموها في أنفسكم ؟ ألم تكونوا ضلالا فهداكم الله بي وعالة فأغناكم الله وأعداء فألف بين قلوبكم، قالوا : بل الله ورسوله أمن وأفضل قال : " ألا تجيبوني يا معشر الأنصار ؟ " . قالوا : وبماذا نجيبك يا رسول الله ولله ولرسوله المن والفضل ؟ قال : " أما والله لو شئتم لقلتم فلصدقتم ولصدقتم أتيتنا مكذبا فصدقناك ومخذولا فنصرناك وطريدا فآويناك وعائلا فواسيناك . أوجدتم في أنفسكم يا معشر الأنصار في لعاعة من الدنيا ؟ تألفت قوما ليسلموا ؟ ووكلتكم إلى إسلامكم ألا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس بالشاة والبعير وترجعون برسول الله صلى الله عليه و سلم في رحالكم ؟ فوالذي نفس محمد بيده إنه لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار ولو سلك الناس شعبا لسلكت شعب الأنصار اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار " قال : فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم وقالوا : رضينا برسول الله صلى الله عليه و سلم قسما وحظا . ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه و سلم وتفرقوا ([18]) .
يرق لحالهم فيحزن قلبه وتدمع عينه وتتفطر نفسه: فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ اشْتَكَى سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ شَكْوَى لَهُ فَأَتَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَعُودُهُ مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَسَعْدِ بْنِ أَبِى وَقَّاصٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ وَجَدَهُ فِى غَشِيَّةٍ فَقَالَ ﴿أَقَدْ قَضَى﴾. قَالُوا لاَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَبَكَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَلَمَّا رَأَى الْقَوْمُ بُكَاءَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بَكَوْا فَقَالَ ﴿أَلاَ تَسْمَعُونَ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُعَذِّبُ بِدَمْعِ الْعَيْنِ وَلاَ بِحُزْنِ الْقَلْبِ وَلَكِنْ يُعَذِّبُ بِهَذَا -وَأَشَارَ إِلَى لِسَانِهِ -أَوْ يَرْحَمُ﴾ ﴿[19]﴾ ، ومعنى الغشية: ما يغشاه من شدة كرب الموت، قضى: مات.
رابعًا: كيف نحيي المشاعر الإنسانية:
ألا ما أحوجَ البشريّةَ إلى هذهِ المعاني الإسلاميّةِ السّامية، وما أشدَّ افتقارَ الناسِ إلى التخلُّق بالرّحمة التي تُضمِّد جراحَ المنكوبين، وتحثّ على القيامِ بحقوقِ الوالدَين والأقربين، والتي تواسِي المستضعَفين، وتحنو على اليتامَى والعاجِزين، وتحافِظ على حقوقِ الآخرين، وتحجز صاحبَها عن دِماء المعصومين من المسلمين وغير المسلمين، وتصون أموالَهم مِن الدّمار والهلاك، وتحثّ على فِعل الخيراتِ ومجانبَة المحرّمات.
قراءة كتاب الله عز وجل: قال العلماء: إن الرحمة لا تدخل إلى قلبٍ قاسٍ، والقلوب لا تلين إلا بكلام
الله، ولا تنكسر إلا بوعد الله ووعيده وتخويفه وتهديده، فمن أكثر تلاوة القرآن، وأكثر من تدبر القرآن كسر الله قلبه ودخلت فيه الرحمة.
الإقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم: قال تعالى: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21) ﴾ الأحزاب
تذكر مشاهد الآخرة: فإن العبد إذا تذكر مشاهد الآخرة، وصور نفسه كأنه قائمٌ بين يدي الله تجادل عنه حسنته، ويقف بين يدي الله عز وجل وقد نشر له ديوانه، وبدت له أقواله وأفعاله، إذا تصور مثل هذه المواقف قادته إلى الله وحببت إلى قلبه الخير وجعلت أشجانه وأحزانه كلها في طاعة الله ومرضاته.
معرفة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح: فقراءة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح، الأئمة المهديين من الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، والوقوف على ما كانوا عليه من الأخلاق الجميلة والآداب الكريمة، كل ذلك يحرك القلوب إلى المشاعر العظيمة الجياشة نحو الآخرين ويجعل فيها شوقاً إلى الإحسان إلى الناس، وتفريج كرباتهم، وقل أن تجلس في مجلس فيذكر فيه كريمٌ
بكرمه، أو يذكر المحسن فيه بإحسانه إلا خشع قلبك.
فهذه أمنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها يأتيها عطاؤها من أمير المؤمنين معاوية رضي الله عن الجميع وهي صائمة ثلاثون ألف درهم وهي في أشد الحاجة، فتوزعها على الفقراء إلى فلان وآل فلان، ولم تبق منها شيئاً حتى غابت عليها الشمس، فالتمست طعاماً تفطر عليه فلم تجد. فسير الرجال وسير الصالحين وسير الأخيار تحرك القلوب إلى الخير، والله تعالى يقول في كتابه: وَكُلّاً نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ ﴾هود ، فالله يثبت قلوب الصالحين على الصلاح والبر ما سمعوا بأمرٍ صالح وما سمعوا بسيرة عبدٍ صالح.
معاشرة الرحماء: انظر في إخوانك وخلانك، فمن وجدت فيه الرحمة ورقة القلب وسرعة الاستجابة لله، فاجعله أقرب الناس منك، فإن الأخلاق تعدي، فإذا عاشر العبد الصالحين أحس أنه في شوق للرحمة، والإحسان إلى الناس، ودعاه ذلك إلى التشبه بالأخيار، فكم من قرينٍ اقترن بقرينه، كان من أقسى الناس قلباً، فأصبح ليناً لان قلبه بصحبة الصالحين. كان عمر بن الخطاب t وأرضاه أشد الناس قلباً وأعظمهم صلابة، فلما دخل الإسلام، كان من أرحم الناس بالمسلمين t وأرضاه؛ لأنه عاشر رسول الأمة وإمام الرحماء فتأثر به.
الاختلاط بالضعفاء، والمساكين، وذوي الحاجة فإنَّه ممَّا يرقِّق القلب.
وصلِّ اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
إعداد: الشيخ احمد أبو عيد
01098095854
01096786769
%%%%%%%%
الحمد لله رب العالمين المنفرد بالقدم والبقاء والعظمة والكبرياء والعز الذي لا يرام، الصمد الذي لا بصوره العقل ولا يحده الفكر ولا تدركه الأفهام، القدوس الذي تنزه عن أوصاف الحدوث فلا يوصف بعوارض الأجسام الغني عن جميع المخلوقات فالكل مفتقر إليه وهو الغني على الدوام، سبق الزمان فلا يقال متى كان، وخلق المكان فلا يقال أين كان فتبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام.
واشهد إن لا اله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد وهو علي كل شيء قدير، اله عز من اعتز به فلا يضام، وذل من تكبر عن أمره ولقي الآثام، استغفر الله مما كان من زللي ومن ذنوبي وإفراطي وإصراري.
وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وشفيعنا محمد عبد الله ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه
صلوا على خيـر الأنام محمـد ** إن الصلاة عليه نور يعقد
من كان صلى عليه قاعد يغفر له ** قبل القيام وللمتاب يجدد
وكذلك إن صلى عليه وهو قائما ** يغفر له قبل القعود ويرشد
وعلى اله وأصحابه ومن سار على نهجه وتمسك بسنته واقتدى بهديه واتبعهم بإحسان إلي يوم الدين ونحن معهم يا أرحم الراحمين
العناصر
أولاً: تكريم الله للنبي صلى الله عليه وسلم
ثانياً: نبذة عن أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم
ثالثاً: صور من إنسانيته مع زوجاته وصحابته
رابعًا: كيف نحيي المشاعر الإنسانية
الموضوع
زكاه ربه في كل شيء: زكاه في عقله فقال: (مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى) "النجم: 2"
وضم الإله اسم النبي إلى اسمه
|
**
|
إذا قال في الخمس المؤذن أشهد
|
وشق له من اسمه ليجلـــــــــه
|
**
|
فذو العرش محمود وهذا محمـد
|
لم يخاطبه الله باسمه المجرد كما خاطب سائر الأنبياء:
صلى عليه الله في ملكوته
|
**
|
ما قام عبد في الصلاة وكبرا
|
صلى عليه الله في ملكوته
|
**
|
ما عاقب الليل النهار وأدبرا
|
صلى عليه الله في ملكوته
|
**
|
ما دارت الأفلاك أو نجم سرا
|
وعليه من لدن الإله تحية
|
**
|
روح وريحان بطيب أثمرا
|
ولو وزنت به عرب وعجــــــــم
|
**
|
جعلت فداه ما بلغوه وزنـــــــــاً
|
إذا ذكر الخليل فذا حبيـــــــــــب
|
**
|
عليه الله في القرآن أثنـــــــــى
|
هو صاحبُ الخلقِ الرفيعِ على المدى
|
**
|
نجي العرش مفتقراً لتغنـــــــى
|
وإن الله كلم ذاك وحيــــــــــــــاً
|
**
|
وكلم ذا مخاطبة وأثنـــــــــــــى
|
ولو قابلت لفظة لن ترانـــــــي
|
**
|
لـ"ما كذب الفؤاد" فهمت معنى
|
فموسى خر مغشياً عليــــــــــه
|
**
|
وأحمد لم يكن ليزيغ ذهنـــــــــاً
|
وإن ذكروا سليمانًا بملـــــــــك
|
**
|
فحاز به الكنوز وقد عرضنـــــا
|
فبطحا مكة ذهباً أباهــــــــــــــا
|
**
|
يبيد الملك واللذات تفنـــــــــــى
|
وإن يك درع داود لبوســـــــــاً
|
**
|
يقيه من اتّقاء البأس حصنـــــا
|
فدرع محمد القرآن لمــــــــــــا
|
**
|
تلا: "والله يعصمك" اطمــــأنا
|
وأغرق قومه في الأرض نوح
|
**
|
بدعوةِ: لا تذر أحداً فأفنـــــــى
|
ودعوة أحمد: رب اهد قومــي
|
**
|
فهم لا يعلمون كما علمنــــــــا
|
وكل المرسلين يقول: نفســـي
|
**
|
وأحمد: أمتي إنساً وجنـــــــــا
|
وكل الأنبياء بدور هـــــــــدي
|
**
|
وأنت الشمس أكملهم وأهـــدى
|
ثانياً: نبذة عن أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم
لقد شاء الله تبارك وتعالى بحكمته وفضله أن يختار نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم من بين البشر كلهم أجمعين، ويصطفيه، ويخصه من الخصائص، بما لم يخص به أحداً من العالمين.
حتى كان صلى الله عليه وسلم قدوةً للناس -كلهم أجمعين -في كل شيء قال تعالى: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً ﴾ الأحزاب 21.
فإنك إن نظرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً؛ وجدته المقدم على أنبياء الله تعالى، ورسله فهو سيدهم وأفضلهم وخاتمهم وإن نظرت إليه معلماً وجدته أفضل المعلمين، وإذا نظرت إليه خطيباً، وجدته المتحدث، الذي يصل قوله إلى كل قلب، وإن نظرت إليه زوجاً وجدته خير الأزواج لأهله، وإن نظرت إليه أباً، وجدته خير الآباء، وأحسنهم تعليما وإن نظرت إليه مقاتلاً، وجدته المقاتل
الشجاع، وإن نظرت إليه كصاحب خلق وجدته متربع على عرش الأخلاق بأسرها.
قال تعالى: ﴿وإنك لعلى خلق عظيم﴾ وتأمل معي كيف خاطبه الله عز وجل، لم يقل له وإنك لذو خلق عظيم، ولم يقل له وإنك لصاحب خلق عظيم، لم يقل له وإن أخلاقك عظيمة، لم يقل ربنا له ذلك وإنما قال له ﴿وإنك لعلى خلق عظيم﴾ خاطبه بحرف ﴿على﴾ الذي يفيد الاستعلاء فكأنه صلى الله عليه وسلم متربع على عرش الأخلاق بأسرها، فالأخلاق إذا ذكرت كان رسول الله عنوانها، والأخلاق إذا ذكرت كان رسول الله أستاذها، والأخلاق إذا ذكرت كان رسول الله سيدها.
يا سيد السادات يا من قدره
|
**
|
لا تستطيع له الورى إدراك
|
ماذا يقول الناس فيك
|
**
|
وربهم بأتم تربية له رباك
|
حلاك بالخلق العظيم وفضله
|
**
|
الفضل العظيم عليك ما أعلاك
|
آواك من يتم وأعطاك الغنى
|
**
|
ولدينه الدين القويم هداك
|
شكرا لك اللهم أنت كفلته
|
**
|
نعم الكفيل تقدست أسماك
|
مدحه الله في خلقه: قال تعالى ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ القلم
خلقه القران: لما سئلت السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها عن أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم من سعيد بن هشام بن عامر حين قدم المدينة، قَالَت له:﴿ أَلَستَ تَقرَأُ القُرآنَ؟ قُال: بَلَى، قَالَت: فَإِنَّ خُلُقَ نَبِيِّ اللَّهِ
وصف الصحابة لخلقه: عن أنس قال: خدمت رسول الله -صلى الله عليه وسلم -عشر سنين فما قال لي: ﴿ أف ﴾ قط، ولا قال لشيء فعلته: لم فعلته؟ ولا لشيء لم أفعله: ألا فعلته؟ وكان -صلى الله عليه وسلم -أحسن الناس خلقا، ولا مسست خزا، ولا حريرا، ولا شيئا كان ألين من كف رسول الله -صلى الله عليه وسلم -ولا شممت مسكا ولا عطرا
أكثر الناس حياءً: كان أكثر الناس حياء فعن أَبَي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -t-قال: ﴿كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَشَدَّ حَيَاءً مِنْ الْعَذْرَاءِ فِي خِدْرِهَا، وَكَانَ إذَا كَرِهَ شَيْئًا عَرَفْنَاهُ فِي وَجْهِهِ﴾﴿[8]﴾
آثر أمته بدعوته المستجابة: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ﴿ لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ، فَتَعَجَّلَ كُلُّ نَبِيٍّ دَعْوَتَهُ، وَإِنِّي اخْتَبَأْتُ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَهِيَ نَائِلَةٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِي لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا ﴾ ﴿[9]﴾
لم ينتقم لنفسه قط: عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: ﴿مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَيْئًا قَطُّ بِيَدِهِ وَلَا امْرَأَةً وَلَا خَادِمًا إِلَّا أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَمَا نِيلَ مِنْهُ شَيْءٌ قَطُّ فَيَنْتَقِمَ مِنْ صَاحِبِهِ إِلَّا أَنْ يُنْتَهَكَ شَيْءٌ مِنْ مَحَارِمِ اللَّهِ فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ﴾﴿[10]﴾
سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الرسول الإنسان: إذا نظرنا إلى الشخص الذي جسد الله فيه الإسلام، وجعله مثالاً حيًّا لتعاليمه، وكان خُلُقه القرآن، نستطيع أن نصفه بأنّه "الرسول الإنسان"، وسيرته ليست سيرة إله، ولا بعض إله، ولا ملاكٍ متجردٍ من اللحم والدم، بل هي سيرة النبيّ الإنسان، والقرآن الكريم حريص كل الحرص في شتى المناسبات على تأكيد إنسانيّة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، بمثل قوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [الكهف].
حياته قبل البعثة: لما رأى جبريل أول مرة ونزل عليه بالوحي قال لخديجة -رضي الله عنها-: وقد جاءها يرجف، ولم يكن يعهد ذلك من قبل يقول:﴿دثروني لقد خشَيتُ على نفسي﴾ فقالت زوجه الأولى خديجة بنت خويلد -رضي الله عنها-:﴿ كَلَّا أَبْشِرْ فَوَاللَّهِ لَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا وَاللَّهِ إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ وَتَصْدُقُ الْحَدِيثَ وَتَحْمِلُ الْكَلَّ وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ وَتَقْرِي الضَّيْفَ وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ ﴿[11]﴾
ثالثًا: صور من الجوانب الإنسانية في حياة النبي
أ-إنسانيته مع زوجاته:
التسابق معهن: عن عائشة رضي الله عنها: أنها كانت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر وهي جارية ﴿قالت: لم أحمل اللحم ولم أبدن﴾ فقال لأصحابه: تقدموا ﴿فتقدموا﴾ ثم قال: تعالي أسابقك فسابقته فسبقته على رجلي فلما كان بعد ﴿وفي رواية: فسكت عني حتى إذا حملت اللحم وبدنت ونسيت﴾ خرجت معه في سفر فقال لأصحابه تقدموا: ﴿فتقدموا﴾ ثم قال: تعالي أسابقك ونسيت الذي كان وقد حملت اللحم فقلت: كيف أسابقك يا رسول الله! وأنا على هذا الحال؟ فقال: لتفعلن فسابقته فسبقني فجعل يضحك وقال: هذه بتلك السبقة. ﴿[12]﴾
خدمة أهله: عن إبراهيم عن الأسود قال: سألت عائشة ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع في يته؟ قالت كان يكون في مهنة أهله تعني خدمة أهله فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة ﴿[13]﴾
حلمه صلى الله عليه وسلم معهن: عن عمر بن الخطاب t، قال: ﴿كنَّا معشر قريشٍ نغلب النِّساء، فلمَّا قدمنا على
الأنصار إذا قومٌ تغلبهم نساؤهم؛ فطفق نساؤنا يأخذن من أدب نساء الأنصار، فصخبت على امرأتي، فراجعتني، فأنكرت أن تراجعني. قالت: ولم تنكر أن أراجعك؟ فو الله إنَّ أزواج النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ليراجعنه، وإنَّ إحداهنَّ لتهجره اليوم حتَّى اللَّيل. فأفزعني ذلك، وقلت لها: قد خاب من فعل ذلك منهنَّ. ثمَّ جمعت عليَّ ثيابي، فنزلت، فدخلت على حفصة، فقلت لها: أي حفصة، أتغاضب إحداكنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم اليوم حتى اللَّيل؟!قالت: نعم. فقلت: قد خبت وخسرت!!فتأمنين أن يغضب الله لغضب رسوله صلى الله عليه وسلم فتهلكي)﴿[14]﴾ و﴿طفق﴾: شرع وبدأ، و﴿فصخبت﴾: الصخب: الضجة واختلاط الأصوات عند الخصام.﴾.
وعن عائشة رضى الله عنها، قالت قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ﴿إنِّي لأعلم إذا كنت عنِّي راضيةً، وإذا كنت عليَّ غضبى﴾. قالت: فقلت: من أين تعرف ذلك؟ فقال: ﴿أمَّا إذا كنت عنِّي راضيةً؛ فإنَّك تقولين: لا وربِّ محمَّدٍ، وإذا كنت عليَّ غضبى؛ قلت: لا وربَّ إبراهيم﴾. قالت: قلت: أجل، والله، يا رسول الله، ما أهجر إلَّا اسمك﴾﴿[15]﴾
معالجة الأمور بلطف: وعن أنس قال ﴿كان النبي صلى الله عليه وسلم عند بعض نسائه فأرسلت إحدى أمهات المؤمنين بصحفة فيها طعام فضربت التي النبي صلى الله عليه وسلم في بيتها يد الخادم فسقطت الصحافة فانفلقت فجمع النبي صلى الله عليه وسلم فلق الصفحة ثم جعل يجمع فيها الطعام الذي كان في الصحافة ويقول ﴿غارت أمكم﴾ ثم حبس لخادم حتى أتي بصحفة من عند التي هو في بيتها فدفع الصحفة الصحيحة إلى التي كسرت صحفتها وأمسك المكسورة في بيت التي كسرت ﴾ ﴿[16]﴾.
الرحمةُ المهداةُ جاء مبشِّرا
|
**
|
ولأفضلِ الأديان قام فأنـــــذرا
|
ولأكرمِ الأخلاق جاء مُتمِّمًا
|
**
|
يدعو لأحسنِها ويمحو المنكرا
|
صلى عليه اللهُ في ملكوته
|
**
|
ما قام عبدٌ في الصلاة وكبـــّرا
|
آواك من يتم وأعطاك الغنى
|
**
|
ولدينه الدين القويم هداك
|
شكرا لك اللهم أنت كفلته
|
**
|
نعم الكفيل تقدست أسماك
|
ب-إنسانيته مع أصحابه:
كان يحب أصحابه ويبدأهم بالسلام: ويكنيهم ويدعوهم بأحب الأسماء إليهم، بل كان يقف لخدمتهم ويجهد نفسه لراحتهم وكان يسأل عن أخبارهم ويتفقد أحوالهم، ويدعو لغائبهم، ويزور مريضهم ويشيع جنائزهم، ويصلي عليهم، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ مِمَّا يَقُولُ لأَصْحَابِهِ ﴿مَنْ رَأَى مِنْكُمْ رُؤْيَا فَلْيَقُصَّهَا أَعْبُرْهَا لَهُ﴾. قَالَ فَجَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ رَأَيْتُ ظُلَّةً. بِنَحْوِ حَدِيثِهِمْ.﴿[17]﴾ ومعنى الظلة: السحابة التي لها ظل.
إرضائه لهم وتطييبه لخاطرهم: لما أعطى رسول الله صلى الله عليه و سلم ما أعطي من تلك العطايا في قريش وقبائل العرب ولم يكن في الأنصار منها شيء وجد هذا الحي من الأنصار في أنفسهم حتى كثرت فيهم القالة حتى قال قائلهم : لقي رسول الله صلى الله عليه و سلم قومه فدخل عليه سعد بن عبادة فقال : يا رسول الله إن هذا الحي من الأنصار وجدوا عليك في أنفسهم لما صنعت في هذا الفيء الذي أصبت قسمت في قومك وأعطيت عطايا عظاما في قبائل العرب ولم يكن في هذا الحي من الأنصار شيء . قال : " فأين أنت من ذلك يا سعد ؟ " . قال : يا رسول الله ما أنا إلا امرؤ من قومي وما أنا من ذلك . قال : " فاجمع لي قومك في هذه الحظيرة " . قال : فجاء رجل من المهاجرين فتركهم وجاء آخرون فردهم فلما اجتمعوا أتاه سعد فقال : قد اجتمع لك هذا الحي من الأنصار قال : فأتاهم رسول الله صلى الله عليه و سلم فحمد الله وأثنى عليه بالذي هو له أهل ثم قال : يا معشر الأنصار ما قالة بلغتني عنكم ؟ ووجدة وجدتموها في أنفسكم ؟ ألم تكونوا ضلالا فهداكم الله بي وعالة فأغناكم الله وأعداء فألف بين قلوبكم، قالوا : بل الله ورسوله أمن وأفضل قال : " ألا تجيبوني يا معشر الأنصار ؟ " . قالوا : وبماذا نجيبك يا رسول الله ولله ولرسوله المن والفضل ؟ قال : " أما والله لو شئتم لقلتم فلصدقتم ولصدقتم أتيتنا مكذبا فصدقناك ومخذولا فنصرناك وطريدا فآويناك وعائلا فواسيناك . أوجدتم في أنفسكم يا معشر الأنصار في لعاعة من الدنيا ؟ تألفت قوما ليسلموا ؟ ووكلتكم إلى إسلامكم ألا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس بالشاة والبعير وترجعون برسول الله صلى الله عليه و سلم في رحالكم ؟ فوالذي نفس محمد بيده إنه لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار ولو سلك الناس شعبا لسلكت شعب الأنصار اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار " قال : فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم وقالوا : رضينا برسول الله صلى الله عليه و سلم قسما وحظا . ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه و سلم وتفرقوا ([18]) .
يرق لحالهم فيحزن قلبه وتدمع عينه وتتفطر نفسه: فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ اشْتَكَى سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ شَكْوَى لَهُ فَأَتَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَعُودُهُ مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَسَعْدِ بْنِ أَبِى وَقَّاصٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ وَجَدَهُ فِى غَشِيَّةٍ فَقَالَ ﴿أَقَدْ قَضَى﴾. قَالُوا لاَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَبَكَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَلَمَّا رَأَى الْقَوْمُ بُكَاءَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بَكَوْا فَقَالَ ﴿أَلاَ تَسْمَعُونَ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُعَذِّبُ بِدَمْعِ الْعَيْنِ وَلاَ بِحُزْنِ الْقَلْبِ وَلَكِنْ يُعَذِّبُ بِهَذَا -وَأَشَارَ إِلَى لِسَانِهِ -أَوْ يَرْحَمُ﴾ ﴿[19]﴾ ، ومعنى الغشية: ما يغشاه من شدة كرب الموت، قضى: مات.
رابعًا: كيف نحيي المشاعر الإنسانية:
ألا ما أحوجَ البشريّةَ إلى هذهِ المعاني الإسلاميّةِ السّامية، وما أشدَّ افتقارَ الناسِ إلى التخلُّق بالرّحمة التي تُضمِّد جراحَ المنكوبين، وتحثّ على القيامِ بحقوقِ الوالدَين والأقربين، والتي تواسِي المستضعَفين، وتحنو على اليتامَى والعاجِزين، وتحافِظ على حقوقِ الآخرين، وتحجز صاحبَها عن دِماء المعصومين من المسلمين وغير المسلمين، وتصون أموالَهم مِن الدّمار والهلاك، وتحثّ على فِعل الخيراتِ ومجانبَة المحرّمات.
قراءة كتاب الله عز وجل: قال العلماء: إن الرحمة لا تدخل إلى قلبٍ قاسٍ، والقلوب لا تلين إلا بكلام
الله، ولا تنكسر إلا بوعد الله ووعيده وتخويفه وتهديده، فمن أكثر تلاوة القرآن، وأكثر من تدبر القرآن كسر الله قلبه ودخلت فيه الرحمة.
الإقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم: قال تعالى: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21) ﴾ الأحزاب
تذكر مشاهد الآخرة: فإن العبد إذا تذكر مشاهد الآخرة، وصور نفسه كأنه قائمٌ بين يدي الله تجادل عنه حسنته، ويقف بين يدي الله عز وجل وقد نشر له ديوانه، وبدت له أقواله وأفعاله، إذا تصور مثل هذه المواقف قادته إلى الله وحببت إلى قلبه الخير وجعلت أشجانه وأحزانه كلها في طاعة الله ومرضاته.
معرفة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح: فقراءة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح، الأئمة المهديين من الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، والوقوف على ما كانوا عليه من الأخلاق الجميلة والآداب الكريمة، كل ذلك يحرك القلوب إلى المشاعر العظيمة الجياشة نحو الآخرين ويجعل فيها شوقاً إلى الإحسان إلى الناس، وتفريج كرباتهم، وقل أن تجلس في مجلس فيذكر فيه كريمٌ
بكرمه، أو يذكر المحسن فيه بإحسانه إلا خشع قلبك.
فهذه أمنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها يأتيها عطاؤها من أمير المؤمنين معاوية رضي الله عن الجميع وهي صائمة ثلاثون ألف درهم وهي في أشد الحاجة، فتوزعها على الفقراء إلى فلان وآل فلان، ولم تبق منها شيئاً حتى غابت عليها الشمس، فالتمست طعاماً تفطر عليه فلم تجد. فسير الرجال وسير الصالحين وسير الأخيار تحرك القلوب إلى الخير، والله تعالى يقول في كتابه: وَكُلّاً نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ ﴾هود ، فالله يثبت قلوب الصالحين على الصلاح والبر ما سمعوا بأمرٍ صالح وما سمعوا بسيرة عبدٍ صالح.
معاشرة الرحماء: انظر في إخوانك وخلانك، فمن وجدت فيه الرحمة ورقة القلب وسرعة الاستجابة لله، فاجعله أقرب الناس منك، فإن الأخلاق تعدي، فإذا عاشر العبد الصالحين أحس أنه في شوق للرحمة، والإحسان إلى الناس، ودعاه ذلك إلى التشبه بالأخيار، فكم من قرينٍ اقترن بقرينه، كان من أقسى الناس قلباً، فأصبح ليناً لان قلبه بصحبة الصالحين. كان عمر بن الخطاب t وأرضاه أشد الناس قلباً وأعظمهم صلابة، فلما دخل الإسلام، كان من أرحم الناس بالمسلمين t وأرضاه؛ لأنه عاشر رسول الأمة وإمام الرحماء فتأثر به.
الاختلاط بالضعفاء، والمساكين، وذوي الحاجة فإنَّه ممَّا يرقِّق القلب.
وصلِّ اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
إعداد: الشيخ احمد أبو عيد
01098095854
01096786769
%%%%%%%%
تعليقات: (0) إضافة تعليق