خطب الأئمة عن: النبي القدوة ﷺ معلما ومربيا
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبد الله ورسوله إمام النبيين
وبعد
فهذه خطب الأئمة عن " النبي القدوة ﷺ معلما ومربيا "
وفقني الله تعالى لجمعها ووضعها في ملف واحد من غير تعديل في محتوى أي خطبة لتكون زادًا ينتفع به المسلمين في كل أقطار الأرض،
وعلى كل قارئ أن يتبين بنفسه صحة الأحاديث والقصص الواردة فيها
والله أسأل أن يجعل ذلك العمل خالصًا لوجهه، وأن يجعله في ميزان حسناتنا جميعًا.
لتصفح الخطب بسهوله اضغط على عنوان الخطبة ستفتح مباشرة بإذن الله
المحتويات
1. النبي القدوة معلما ومربيا مع زوجاته
3. إنا كفيناك المستهزئين للشيخ أحمد أبو عيد
4. حياة رسول الله ﷺ فيها القدوة والمثل الأعلى للشيخ مكرم عبداللطيف
5. ’هـــــــذا رســــــول اللـــــــه محمـــــــد القدوة والمثل للشيخ - محمد جودة
6. المعلم الأعظم رسول الله للشيخ محمد عبد التواب سويدان
7. الرَّسُولُ الْقُدْوَةَ مُرَبَّيَاً وَمُعَلِّمَاً ﷺ للشخ عبدالناصر بليح
8. النبي ﷺ القدوة معلما ومربيا د خالد بدير
9. سيد الخلق معلما ومربيا ﷺ للشيخ أبو سيف الأزهري
10. النبي القدوة (ﷺ) معلما ومربيا للشيخ / محمد حســــــن داود
11. شمولية القدوة في حياة نبي الأسوة ﷺ للشيخ السيد مراد سلامة
12. النبي القدوة معلما ومربيا للشيخ كمال المهدي
13. النبيُّ ﷺ قدوة ومعلما ومربيا للشيخ ثروت سويف
النبي القدوة ﷺ معلما ومربيا مع زوجاته
الحمد لله الأول قبل كل أول والآخر بعد كل آخر، الظاهر بما أبدع فدليل وجوده ظاهر، الباطن فلا يخفى عليه ما هجس في الضمائر.
واشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد وهو على كل شيء قدير شهادة أعدها من أكبر نعمه وعطائه، وأعدها وسيلة إلى يوم لقاءه
يا حبيب القلب ما لي سواك | ** ** | فارحم اليوم مذنبا أتاكَ |
وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وشفيعنا محمد عبد الله ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه اختاره من أطيب العناصر، واصطفاه من أنجب العشائر، واختصه من أشرف الذخائر، وأدار على من عاده أفظع الدوائر.
يا سيدي يا رسول الله:
رباك ربك جـل من رباك | ** ** | ورعاك في كنف الهدى وحماك |
وعلى آله وأصحابه ومن سار على نهجه وتمسك بسنته واقتدى بهديه واتبعهم بإحسان إلى يوم الدين ونحن معهم يا أرحم الراحمين.
العناصر
أولًا: وصية الله ورسوله بالنساء ثانيًا: حاله ﷺ مع زوجاته
ثالثًا: إنهاء المشاكل بلطف
الموضوع
أولًا: وصية الله ورسوله بالنساء
اعلم أن الزواج نعمة عظيمة: لا بد من التأكيد على أن الإسلام شرع الزواج كنعمة عظيمة ومنّة من الله عز وجل، ففي الزواج يجد الإنسان السكن والراحة والرحمة والمودة، حيث يقول سبحانه وتعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)، «سورة الروم: الآية 21، وهكذا يؤكد الشرع الحكيم، أن في الزواج سكناً ورحمة وهدوءاً وسعادة وسكينة وقرة عين لكلا الزوجين، بالأبناء كنعمة عظيمة من نعم الرحمن علينا، كذلك في الزواج أجرٌ عظيم وثواب جزيل لمن أصلح نيَّته وأطاع ربَّه في زوجته وأبنائه، وكذلك المرأة تحصل على الثواب العظيم إن هي اتقت الله في زوجها وأبنائها، ولأن الحياة لا تخلو من المشكلات، فقد تحدث الخلافات الزوجية لكن لا بد أن يعي كل زوج أو زوجة أن الخلافات قد تمر كسحابة صيف». وتضيف النجار: «الأصل أن تظل السكينة تسود العلاقة الزوجية مهما حدث من منغصات وقد تستمر وتتفاقم دون داع وهنا لا بد من وقفة، فالخلافات لا تعرف المنزل الذي تربى فيه الزوج والزوجة على خلق الإسلام، فمن تربى على خلق الدين الحنيف سيعي حق الآخر عليه، وسيعمل ما في وسعه لإرضائه ابتغاء وجه الله.
المعاشرة بالمعروف: قال تعالى: ( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) (النساء).
هلاَّ تعلم شبابنا أن الحياة بين الزوجين ينبغي أن تُؤسَّس على المعاشرة بالمعروف، والكلمة الطيبة، والبسمة الصادقة، والمداعبة بين الزوجين - التي أسَّسها الدين، وبينها سيِّد الأولين والآخرين.
وصية رسول الله r بالنساء: قال رسول الله r (فَاتَّقُوا اللهَ فِي النِّسَاءِ، فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللهِ) ([1])
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ، فَإِنَّ المَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلاَهُ، فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ، فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ» ([2])
(استوصوا بالنساء) تواصوا فيما بينكم بالإحسان إليهن. (ضلع) أحد عظام الصدر والمعنى أن في
خلقهن عوجا من أصل الخلقة. (أعوج شيء في الضلع أعلاه) أي وكذلك المرأة عوجها الشديد في
خلقها وفكرها. (تقيمه) تجعله مستقيما. (كسرته) أي وكذلك المرأة إن أردت منها الاستقامة التامة في الخلق أدى الأمر إلى طلاقها.
بعض الأزواج بعد الزواج يريد أن تتغير زوجته من عادتها وأحوالها التي عاشت عليها لفترات طويلة إلى عاداته وأحواله هو وهذا أمر لا يمكن حدوثه بسهوله لذا ينبغي قبول المرأة على ما هي عليه وإلا تهدمت البيوت وكثر الطلاق فلذا ينبغي التنازل عن بعض الأمور من الطرفين حتى تسير الأمور على خير حال.
لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً :عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ» أَوْ قَالَ: «غَيْرَهُ»([3])
(لا يفرك مؤمن مؤمنة) قال أهل اللغة فركه يفركه إذا أبغضه والفرك البغض.
بعد أن طلق أحد الدعاة زوجته وللمرة الأولى ، قال لها : أذهبي إلى بيت أهلك، فقالت : لن أذهب إلى بيت أهلي ، ولن أخرج من هذا البيت إلا بحتف أنفي !!
فقال لها : لقد طلقتك ، ولا حاجة لي بك ، أخرجي من بيتي، فقالت : لن أخرج ، ولا يجوز لك أخراجي من البيت حتى أخرج من العدة وعليك النفقة .
فقال : هذه جرأة ووقاحة وقلة حياء ، قالت : لست أكثر تأديبا من قول الله جل جلاله : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا } (الطلاق : 1) .
فنفض عباءته بشدة، وأدبر غاضبا ، وهو يقول في تذمر :والله شئ لا يطاق ، أما هي ، فابتسمت وكأن شيئا لم يحدث ، وجمعت أمرها ، فكانت تتعمد في كل يوم : تجمير البيت (تبخيره بالطيب) ، وتأخذ زينتها عن آخرها ، وتتعطر ، وتجلس له في البيت ، في طريق خروجه ودخوله ، فلم يقاوم لأكثر من خمسة أيام ، وعاد اليها راغبا....
وفي ذات يوم : تأخرت في إعداد الفطور ، فقال لها معنفا": هذا تقصير منك في حقي عليك ، وهو ليس من سلوك المرأة المؤمنة ، فقالت له : احمل أخاك المؤمن على سبعين محمل من الخير، وحسن الظن من أفضل السجايا ، وأنه من راحة البال وسلامة الدين، ومن حسُن ظنُه بالناس حاز منهم المحبة ؟!
فقال لها : هذا كلام لا ينفع في تبرير التقصير، أيرضيك أن أخرج بدون فطور ؟!
فقالت له :من صفات المؤمن الحق القناعة بما قسم الله عز وجل ولو كان قليلا. قال الرسول الأعظم الأكرم ( ﷺ ) : «قَدْ أَفْلَحَ مَنْ أَسْلَمَ، وَرُزِقَ كَفَافًا، وَقَنَّعَهُ اللهُ بِمَا آتَاهُ» ([4])
فقال : لن آكل أي شيء ، فقالت : أنت لم تتعلم الدرس.
لم يلتفت الشيخ إلى كلام زوجته ، وخرج غاضبا من بيته ،ولم يكلمها حتى بعد عودته إلى البيت، وفي الليل هجر فراشها ، فنام أسفل السرير ، واستمر على هذا الحال ، لعشر ليالي بأيامها .
وكانت في النهار تهيئ له طعامه وشرابه ، وتقوم على عادتها بجميع شؤونه ، وفي الليل : تتزين ، وتتعطر ، وتنام في فراشها، إلا أنها لا تكلمه عن قصد وتدبير .
وفي الليلة الحادية عشر ، نام في أول الأمر كعادته أسفل السرير ، ثم صعد إلى سريره ، فضحكت وقالت له :لماذا جئت ؟ فقال لها : لقد انقلبت !!
فقالت : ينقلبون من الأعلى إلى الأسفل ، وليس من الأسفل إلى الأعلى ، فقال وهو يبتسم :المغناطيس فوق السرير ، أقوى من جاذبية الأرض .
ثم قال في بهجة وسرور: لو أن كل النساء مثلك لما طلق رجل زوجته ،ولحلت جميع المشاكل في البيوت، لقد كنت لي نعم المعين على طاعة الله عزّ وجلّ فجزاك الله عني خير الجزاء ، ولا فرّق الله بيننا.
هكذا ينتصر الحلم على الغضب.
ثانيًا: حاله ﷺ مع زوجاته
خيركم لأهله: عن عائشة رضى الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي وَإِذَا مَاتَ صَاحِبُكُمْ فَدَعُوهُ» ([5]) .
في مهنة أهله: عن عروة قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: مَا كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَعْمَلُ فِي بَيْتِهِ؟ قَالَتْ: "يَخْصِفُ نَعْلَهُ ، وَيَعْمَلُ مَا يَعْمَلُ الرَّجُلُ فِي بَيْتِهِ". (وفي رواية قَالَتْ: "مَا يَصْنَعُ أَحَدُكُمْ فِي بيته؛ يخص النعل، ويرقع الثوب، ويخيط" ([6])، يخصف نعله: يخرزها
وعن عَمْرَةَ: قِيلَ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: مَاذَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَعْمَلُ فِي بَيْتِهِ؟ قَالَتْ: " كَانَ بَشَرًا مِنَ الْبَشَرِ؛ يَفْلِي ثَوْبَهُ، وَيَحْلِبُ شَاتَهُ" ([7]).
وعَنِ الأَسْوَدِ، قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ مَا كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَصْنَعُ فِي بَيْتِهِ؟ قَالَتْ: «كَانَ يَكُونُ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ - تَعْنِي خِدْمَةَ أَهْلِهِ - فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ خَرَجَ إِلَى الصَّلاَةِ» ([8])
(خدمة أهله) أي يساعدهن فيما هن عليه من عمل.
التصريح بالحب بالقول والفعل: عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: مَا غِرْتُ عَلَى نِسَاءِ النَّبِيِّ ﷺ، إِلَّا عَلَى خَدِيجَةَ وَإِنِّي لَمْ أُدْرِكْهَا، قَالَتْ: وَكَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ إِذَا ذَبَحَ الشَّاةَ، فَيَقُولُ: «أَرْسِلُوا بِهَا إِلَى أَصْدِقَاءِ خَدِيجَةَ» قَالَتْ: فَأَغْضَبْتُهُ يَوْمًا، فَقُلْتُ: خَدِيجَةَ فَقَالَ: رَسُولُ اللهِ ﷺ «إِنِّي قَدْ رُزِقْتُ حُبَّهَا» ([9])
بيان فضائلهن: عَنْ أَبِي مُوسَى t، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: " كَمَلَ مِنَ الرِّجَالِ كَثِيرٌ، وَلَمْ يَكْمُلْ مِنَ النِّسَاءِ: إِلَّا آسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ، وَمَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ، وَإِنَّ فَضْلَ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ " ([10])
(كمل) تناهى في جميع الفضائل التي تكون للجنس عامة. (الثريد) الخبز المكسر الذي وضع عليه اللحم والمرق. (سائر) باقي الأنواع من الطعام
وقد اختار الرسول ضرب المثل بالثريد لتقريب المعنى وزيادة بيانه، قال ابن القيم: الثريد مركَّب من لحم وخبز واللحم سيد الآدام، والخبز سيد الأقوات، فإذا اجتمعا لم يكن بعدها غاية، وهو ما يفيد أن الثريد كان يمثل على عهد رسول الله أفضل الطعام فكانت أمنا عائشة بذلك أفضل النساء.
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: مَا غِرْتُ عَلَى أَحَدٍ مِنْ نِسَاءِ النَّبِيِّ ﷺ، مَا غِرْتُ عَلَى خَدِيجَةَ، وَمَا رَأَيْتُهَا، وَلَكِنْ كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يُكْثِرُ ذِكْرَهَا، وَرُبَّمَا ذَبَحَ الشَّاةَ ثُمَّ يُقَطِّعُهَا أَعْضَاءً، ثُمَّ يَبْعَثُهَا فِي صَدَائِقِ خَدِيجَةَ، فَرُبَّمَا قُلْتُ لَهُ: كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي الدُّنْيَا امْرَأَةٌ إِلَّا خَدِيجَةُ، فَيَقُولُ «إِنَّهَا كَانَتْ، وَكَانَتْ، وَكَانَ لِي مِنْهَا وَلَدٌ» ([11])
(صدائق) جمع صديقة. (كانت وكانت) أي يذكر صفاتها وفضائلها.
تطييب خاطرهن بالطيب من القول: عَنْ أَنَسٍ قَالَ: بَلَغَ صَفِيَّةَ أَنَّ حَفْصَةَ قَالَتْ: بِنْتُ يَهُودِيٍّ فَبَكَتْ فَدَخَلَ عَلَيْهَا النَّبِيُّ ﷺ وَهِيَ تَبْكِي فَقَالَ: «مَا يُبْكِيكِ؟» فَقَالَتْ: قَالَتْ لِي حَفْصَةُ: إِنِّي ابْنَةُ يَهُودِيٍّ فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «إِنَّك ابْنة نَبِيٍّ وَإِنَّ عَمَّكِ لَنَبِيٌّ وَإِنَّكِ لَتَحْتَ نَبِيٍّ فَفِيمَ تَفْخَرُ عَلَيْكِ؟» ثُمَّ قَالَ: «اتَّقِي اللَّهَ يَا حَفْصَة» ([12]).
يَتَّكِئُ على احداهن: عَنْ مَنْصُورِ بْنِ صَفِيَّةَ، أَنَّ أُمَّهُ، حَدَّثَتْهُ أَنَّ عَائِشَةَ حَدَّثَتْهَا أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ: «كَانَ يَتَّكِئُ فِي حَجْرِي وَأَنَا حَائِضٌ، ثُمَّ يَقْرَأُ القُرْآنَ» ([13]) ، (يتكئ) من الاتكاء وهو الجلوس متمكنا أو الميل في القعود مع الاعتماد على شيء والمراد هنا أنه ﷺ كان يضع رأسه في حجرها. (حجري) حضني وهو ما دون الإبط إلى الكشح وهو ما بين الخاصرة إلى الضلع الخلف.
يضع فاهُ على موضع طعامهن وشُربهن: عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: (كُنْتُ أَشْرَبُ وَأَنَا حَائِضٌ، ثُمَّ أُنَاوِلُهُ النَّبِيَّ ﷺ فَيَضَعُ فَاهُ عَلَى مَوْضِعِ فِيَّ، فَيَشْرَبُ، وَأَتَعَرَّقُ الْعَرْقَ وَأَنَا حَائِضٌ، ثُمَّ أُنَاوِلُهُ النَّبِيَّ ﷺ فَيَضَعُ فَاهُ عَلَى مَوْضِعِ فِيَّ» وَلَمْ يَذْكُرْ زُهَيْرٌ فَيَشْرَبُ) ([14])
(أتعرق العرق) هو العظم الذي عليه بقية من لحم هذا هو الأشهر في معناه وقال أبو عبيد هو القدر من اللحم وقال الخليل هو العظم بلا لحم وجمعه عراق بضم العين ويقال عرقت العظم وتعرقته وأعترقته إذا أخذت عنه اللحم بأسنانك.
يغتسل مع احداهن من إناء واحد: عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَالنَّبِيُّ ﷺ مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ، مِنْ قَدَحٍ يُقَالُ لَهُ الفَرَقُ» ([15])
(قدح) إناء يشرب به. (الفرق) مكيال كان معروفا لديهم يسع صاعين والصاع مكيال أيضا]
وعَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَرَسُولُ اللهِ ﷺ مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ، تَخْتَلِفُ أَيْدِينَا فِيهِ مِنَ الْجَنَابَةِ» ([16]) ، تختلف فيه أيدينا: يدخل يديه وأخرج يدي وقد تلامس أيدينا بعضنا.
وعَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: " كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَرَسُولُ اللهِ ﷺ مِنْ إِنَاءٍ بَيْنِي وَبَيْنَهُ وَاحِدٍ، فَيُبَادِرُنِي حَتَّى أَقُولَ: دَعْ لِي، دَعْ لِي. قَالَتْ: وَهُمَا جُنُبَانِ " ([17])
تُسرِّح احداهن شعر النبي ﷺ: عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: «كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يُصْغِي إِلَيَّ رَأْسَهُ وَهُوَ مُجَاوِرٌ فِي المَسْجِدِ، فَأُرَجِّلُهُ وَأَنَا حَائِضٌ» ([18])
(يصغي) يدني ويميل رأسه. (مجاور) معتكف. (فأرجله) فأسرحه
يُقبِّل وهو صائم: عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: «إِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لَيُقَبِّلُ بَعْضَ أَزْوَاجِهِ وَهُوَ صَائِمٌ»، ثُمَّ ضَحِكَتْ ([19])(ضحكت) تنبيها إلى أنها صاحبة القضية ليكون أبلغ في الثقة بحديثها.
يناديهن بأحب الأسماء وأفضلها: عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: إِنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَوْمًا: «يَا عَائِشَ، هَذَا جِبْرِيلُ يُقْرِئُكِ السَّلاَمَ» فَقُلْتُ: وَعَلَيْهِ السَّلاَمُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، تَرَى مَا لاَ أَرَى «تُرِيدُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ» ([20])
(يقرئك السلام) يسلم عليك، فناداها بتصغير الاسم تحببا وأقرأها سلام ربها.
إن لهذا الباب، باب المدح بالنسبة للزوجين، أثر طيب في النفوس، وتشجيع على القيام بأمور الحياة وواجباتها في جو من الإيجابية وبنفس راضية غير متذمرة مهما بلغ العناء، بل وفيه تشجيع على الارتقاء وتجويد العمل فضلا وتحببا، فإن غاب ثَقُل العمل وتآكل حتى ليقتصر على الواجب دون الفضل، ويوشك - مع مرور الوقت- أن يمس الواجب أيضا فيدخل الزوجان في علاقة شد وجذب تهدد بناء الأسرة لا قدر الله تعالى.
يسابقهن: عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَنَّهَا كَانَتْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي سَفَرٍ قَالَتْ: فَسَابَقْتُهُ فَسَبَقْتُهُ عَلَى رِجْلَيَّ فَلَمَّا حَمَلْتُ اللَّحْمَ سَابَقْتُهُ فَسَبَقَنِي قَالَ: «هَذِهِ بِتِلْكَ السَّبْقَةِ» ([21])
فهذا يدل على تكرار الأمر، فسبقت السيدة عائشة رضي الله عنها، النبي ﷺ في المرة الأولى لأنها ما زالت صغيرة، ثم كرر الأمر مرة أخرى فسبقها النبي ﷺ لأنها قد حملت اللحم وأصبحت سمينة.
إسعادهن: عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ، قَالَتْ : دَخَلَ الْحَبَشَةُ الْمَسْجِدَ يَلْعَبُونَ ، فَقَالَ لِي : " يَا حُمَيْرَاءُ ، أَتُحِبِّينَ أَنْ تَنْظُرِي إِلَيْهِمْ ؟ " ، فَقُلْتُ : نَعَمْ ، فَقَامَ بِالْبَابِ ، وَجِئْتُهُ ، فَوَضَعْتُ ذَقَنِي عَلَى عَاتِقَهُ ، فَأَسْنَدْتُ وَجْهِي إِلَى خَدِّهِ ، قَالَتْ : وَمِنْ قَوْلِهِمْ يَوْمَئِذٍ : أَبَا الْقَاسِمِ طَيِّبًا ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: " حَسْبُكِ " ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، لا تَعْجَلْ ، فَقَامَ لِي ، ثُمَّ قَالَ : " حَسْبُكِ " ، فَقُلْتُ : لا تَعْجَلْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَتْ : وَمَا لِي حُبُّ النَّظَرِ إِلَيْهِمْ ، وَلَكِنِّي أَحْبَبْتُ أَنْ يَبْلُغَ النِّسَاءَ مَقَامُهُ لِي ، وَمَكَانِي مِنْهُ ([22])
استشارتهن: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِأَصْحَابِهِ: «قُومُوا فَانْحَرُوا ثُمَّ احْلِقُوا»، قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا قَامَ مِنْهُمْ رَجُلٌ حَتَّى قَالَ ذَلِكَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، فَلَمَّا لَمْ يَقُمْ مِنْهُمْ أَحَدٌ دَخَلَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ، فَذَكَرَ لَهَا مَا لَقِيَ مِنَ النَّاسِ، فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، أَتُحِبُّ ذَلِكَ، اخْرُجْ ثُمَّ لاَ تُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ كَلِمَةً، حَتَّى تَنْحَرَ بُدْنَكَ، وَتَدْعُوَ حَالِقَكَ فَيَحْلِقَكَ، فَخَرَجَ فَلَمْ يُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ نَحَرَ بُدْنَهُ، وَدَعَا حَالِقَهُ فَحَلَقَهُ، فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ قَامُوا، فَنَحَرُوا وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَحْلِقُ بَعْضًا حَتَّى كَادَ بَعْضُهُمْ يَقْتُلُ بَعْضًا غَمًّا ([23])
مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللهِ ﷺ شَيْئًا قَطُّ بِيَدِهِ: عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللهِ ﷺ شَيْئًا قَطُّ بِيَدِهِ، وَلَا امْرَأَةً، وَلَا خَادِمًا، إِلَّا أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَمَا نِيلَ مِنْهُ شَيْءٌ قَطُّ، فَيَنْتَقِمَ مِنْ صَاحِبِهِ، إِلَّا أَنْ يُنْتَهَكَ شَيْءٌ مِنْ مَحَارِمِ اللهِ، فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ» ([24]) (نيل منه) أي أصيب بأذى من قول أو فعل (إلا أن ينتهك) استثناء منقطع معناه لكن إذا انتهكت حرمة الله انتصر لله تعالى وانتقم ممن ارتكب ذلك وانتهاك حرمته تعالى هو ارتكاب ما حرمه.
ثالثًا: إنهاء المشاكل بلطف
خروجه للبقيع ليلا: عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ بْنِ الْمُطَّلِبِ، أَنَّهُ قَالَ يَوْمًا: أَلَا أُحَدِّثُكُمْ عَنِّي وَعَنْ أُمِّي قَالَ: فَظَنَنَّا أَنَّهُ يُرِيدُ أُمَّهُ الَّتِي وَلَدَتْهُ، قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: أَلَا أُحَدِّثُكُمْ عَنِّي وَعَنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: قَالَتْ: لَمَّا كَانَتْ لَيْلَتِي الَّتِي كَانَ النَّبِيُّ ﷺ فِيهَا عِنْدِي، انْقَلَبَ فَوَضَعَ رِدَاءَهُ، وَخَلَعَ نَعْلَيْهِ، فَوَضَعَهُمَا عِنْدَ رِجْلَيْهِ، وَبَسَطَ طَرَفَ إِزَارِهِ عَلَى فِرَاشِهِ، فَاضْطَجَعَ، فَلَمْ يَلْبَثْ إِلَّا رَيْثَمَا ظَنَّ أَنْ قَدْ رَقَدْتُ، فَأَخَذَ رِدَاءَهُ رُوَيْدًا، وَانْتَعَلَ رُوَيْدًا، وَفَتَحَ الْبَابَ فَخَرَجَ، ثُمَّ أَجَافَهُ رُوَيْدًا، فَجَعَلْتُ دِرْعِي فِي رَأْسِي، وَاخْتَمَرْتُ، وَتَقَنَّعْتُ إِزَارِي، ثُمَّ انْطَلَقْتُ عَلَى إِثْرِهِ، حَتَّى جَاءَ الْبَقِيعَ فَقَامَ، فَأَطَالَ الْقِيَامَ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ انْحَرَفَ فَانْحَرَفْتُ، فَأَسْرَعَ فَأَسْرَعْتُ، فَهَرْوَلَ فَهَرْوَلْتُ، فَأَحْضَرَ فَأَحْضَرْتُ، فَسَبَقْتُهُ فَدَخَلْتُ، فَلَيْسَ إِلَّا أَنِ اضْطَجَعْتُ فَدَخَلَ، فَقَالَ: «مَا لَكِ؟ يَا عَائِشُ، حَشْيَا رَابِيَةً» قَالَتْ: قُلْتُ: لَا شَيْءَ، قَالَ: «لَتُخْبِرِينِي أَوْ لَيُخْبِرَنِّي اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ» قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، فَأَخْبَرْتُهُ، قَالَ: «فَأَنْتِ السَّوَادُ الَّذِي رَأَيْتُ أَمَامِي؟» قُلْتُ: نَعَمْ، فَلَهَدَنِي فِي صَدْرِي لَهْدَةً أَوْجَعَتْنِي، ثُمَّ قَالَ: «أَظَنَنْتِ أَنْ يَحِيفَ اللهُ عَلَيْكِ وَرَسُولُهُ؟» قَالَتْ: مَهْمَا يَكْتُمِ النَّاسُ يَعْلَمْهُ اللهُ، نَعَمْ، قَالَ: " فَإِنَّ جِبْرِيلَ أَتَانِي حِينَ رَأَيْتِ، فَنَادَانِي، فَأَخْفَاهُ مِنْكِ، فَأَجَبْتُهُ، فَأَخْفَيْتُهُ مِنْكِ، وَلَمْ يَكُنْ يَدْخُلُ عَلَيْكِ وَقَدْ وَضَعْتِ ثِيَابَكِ، وَظَنَنْتُ أَنْ قَدْ رَقَدْتِ، فَكَرِهْتُ أَنْ أُوقِظَكِ، وَخَشِيتُ أَنْ تَسْتَوْحِشِي، فَقَالَ: إِنَّ رَبَّكَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَأْتِيَ أَهْلَ الْبَقِيعِ فَتَسْتَغْفِرَ لَهُمْ "، قَالَتْ: قُلْتُ: كَيْفَ أَقُولُ لَهُمْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ " قُولِي: السَّلَامُ عَلَى أَهْلِ الدِّيَارِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَيَرْحَمُ اللهُ الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنَّا وَالْمُسْتَأْخِرِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ بِكُمْ لَلَاحِقُونَ " ([25])
(إلا ريثما) معناه إلا قدر ما (أخذ رداءه رويدا) أي قليلا لطيفا لئلا ينبهها (ثم أجافه) أي أغلقه وإنما فعل ذلك ﷺ في خفية لئلا يوقظها ويخرج عنها فربما لحقتها وحشة في انفرادها في ظلمة الليل (فجعلت درعي في رأسي) درع المرأة قميصها (واختمرت) أي ألقيت على رأسي الخمار وهو ما تستر به المرأة رأسها (وتقنعت إزاري) هكذا هو في الأصول إزاري بغير باء في أوله وكأنه بمعنى لبست إزاري فلهذا عدى بنفسه (فأحضر فأحضرت) الإحضار العدو أي فعدا فعدوت فهو فوق الهرولة (ما لك يا عائش حشيا رابية) يجوز في عائش فتح الشين وضمها وهما وجهان جاريان في كل المرخمات وحشيا معناه قد وقع عليك الحشا وهو الربو والتهيج الذي يعرض للمسرع في مشيه والمحتد في كلامه من ارتفاع النفس وتواتره يقال امرأة حشياء وحشية ورجل حشيان وحشش قيل أصله من أصاب الربو حشاه رابية أي مرتفعة البطن (فأنت السواد) أي الشخص (فلهدني) قال أهل اللغة لهده ولهده بتخفيف الهاء وتشديدها أي دفعه.
فانظر كيف تعامل النبي ﷺ معها فلم يعنفها، ولم يرفع صوته عليها مع انها هي المخطئة ولكنه فوق هذا بين لها سبب خروجه، ولم يتركها دون معرفته.
التماس العذر لهن: عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ عِنْدَ بَعْضِ نِسَائِهِ، فَأَرْسَلَتْ إِحْدَى أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِينَ بِصَحْفَةٍ فِيهَا طَعَامٌ، فَضَرَبَتِ الَّتِي النَّبِيُّ ﷺ فِي بَيْتِهَا يَدَ الخَادِمِ، فَسَقَطَتِ الصَّحْفَةُ فَانْفَلَقَتْ، فَجَمَعَ النَّبِيُّ ﷺ فِلَقَ الصَّحْفَةِ، ثُمَّ جَعَلَ يَجْمَعُ فِيهَا الطَّعَامَ الَّذِي كَانَ فِي الصَّحْفَةِ، وَيَقُولُ: «غَارَتْ أُمُّكُمْ» ثُمَّ حَبَسَ الخَادِمَ حَتَّى أُتِيَ بِصَحْفَةٍ مِنْ عِنْدِ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا، فَدَفَعَ الصَّحْفَةَ الصَّحِيحَةَ إِلَى الَّتِي كُسِرَتْ صَحْفَتُهَا، وَأَمْسَكَ المَكْسُورَةَ فِي بَيْتِ الَّتِي كَسَرَتْ) ([26]) (بصحفة) إناء كالقصعة المبسوطة. (فانفلقت) تكسرت. (فلق) قطع جمع فلقة.
إنقاذ الزوجة من أبيها: عَن النعمانِ بن بشيرٍ قَالَ: اسْتَأْذَنَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ فَسَمِعَ صَوْتَ عَائِشَةَ عَالِيًا فَلَمَّا دَخَلَ تَنَاوَلَهَا لِيَلْطِمَهَا وَقَالَ: لَا أَرَاكِ تَرْفَعِينَ صَوْتَكِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَجَعَلَ النَّبِيُّ ﷺ يحجزه وَأَبُو بَكْرٍ مُغْضَبًا. فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ حِينَ خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ: «كَيْفَ رَأَيْتِنِي أَنْقَذْتُكِ مِنَ الرَّجُلِ؟» . قَالَتْ: فَمَكَثَ أَبُو بَكْرٍ أَيَّامًا ثُمَّ اسْتَأْذَنَ فَوَجَدَهُمَا قَدِ اصْطَلَحَا فَقَالَ لَهُمَا: أَدْخِلَانِي فِي سِلْمِكُمَا كَمَا أَدْخَلْتُمَانِي فِي حَرْبِكُمَا فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «قَدْ فَعَلْنَا قَدْ فَعَلْنَا» ([27])
غيرة السيدة عائشة: عَنِ ابْنِ قُسَيْطٍ، حَدَّثَهُ أَنَّ عُرْوَةَ حَدَّثَهُ، أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ ﷺ، حَدَّثَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهَا لَيْلًا، قَالَتْ: فَغِرْتُ عَلَيْهِ، فَجَاءَ فَرَأَى مَا أَصْنَعُ، فَقَالَ: «مَا لَكِ؟ يَا عَائِشَةُ أَغِرْتِ؟» فَقُلْتُ: وَمَا لِي لَا يَغَارُ مِثْلِي عَلَى مِثْلِكَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «أَقَدْ جَاءَكِ شَيْطَانُكِ» قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ أَوْ مَعِيَ شَيْطَانٌ؟ قَالَ: «نَعَمْ» قُلْتُ: وَمَعَ كُلِّ إِنْسَانٍ؟ قَالَ: «نَعَمْ» قُلْتُ: وَمَعَكَ؟ يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: «نَعَمْ، وَلَكِنْ رَبِّي أَعَانَنِي عَلَيْهِ حَتَّى أَسْلَمَ»([28]) ، فلم يجعل هذا الأمر مشكلة كبيرة ويلومها على غيرتها ويعنفها وانما عالج الأمر بلطف، وانتهت المشكلة .
لتأكلِنَّ أو لألطخن وجهكِ: عن يحيى بن عبد الرحمن أن عائشة قالت: أتيت رسول الله - ﷺ - بخزيرة طبختها له، فقلت لسودة والنبي - ﷺ - بيني وبينها، فقلت لها: كلي. فأبت، فقلت: لتأكلِنَّ أو لألطخن وجهك. فأبت، فوضعت يدي في الخزيرة فطليت بها وجهها! فضحك النبي - ﷺ - فوضع فخذه لها وقال لسودة: " الطخي وجهها " فلطخت وجهي، فضحك النبي - ﷺ – أيضاً... ([29]).
الاستماع إليهن مهما طال الحديث: عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا قَالَتْ: جَلَسَ إِحْدَى عَشْرَةَ امْرَأَةً، فَتَعَاهَدْنَ وَتَعَاقَدْنَ أَنْ لَا يَكْتُمْنَ مِنْ أَخْبَارِ أَزْوَاجِهِنَّ شَيْئًا. قَالَتِ الْأُولَى: زَوْجِي لَحْمُ جَمَلٍ غَثٍّ، عَلَى رَأْسِ جَبَلٍ لَا سَهْلٌ فَيُرْتَقَى، وَلَا سَمِينٌ فَيُنْتَقَلَ. قَالَتِ الثَّانِيَةُ: زَوْجِي لَا أَبُثُّ خَبَرَهُ، إِنِّي أَخَافُ أَنْ لَا أَذَرَهُ، إِنْ أَذْكُرْهُ أَذْكُرْ عُجَرَهُ وَبُجَرَهُ. قَالَتِ الثَّالِثَةُ: زَوْجِي الْعَشَنَّقُ، إِنْ أَنْطِقْ أُطَلَّقْ، وَإِنْ أَسْكُتْ أُعَلَّقْ. قَالَتِ الرَّابِعَةُ: زَوْجِي كَلَيْلِ تِهَامَةَ لَا حَرَّ وَلَا قُرَّ، وَلَا مَخَافَةَ وَلَا سَآمَةَ. قَالَتِ الْخَامِسَةُ: زَوْجِي إِنْ دَخَلَ فَهِدَ، وَإِنْ خَرَجَ أَسِدَ، وَلَا يَسْأَلُ عَمَّا عَهِدَ. قَالَتِ السَّادِسَةُ: زَوْجِي إِنْ أَكَلَ لَفَّ، وَإِنْ شَرِبَ اشْتَفَّ، وَإِنِ اضْطَجَعَ الْتَفَّ، وَلَا يُولِجُ الْكَفَّ لِيَعْلَمَ الْبَثَّ. قَالَتِ السَّابِعَةُ: زَوْجِي غَيَايَاءُ أَوْ عَيَايَاءُ طَبَاقَاءُ، كُلُّ دَاءٍ لَهُ دَاءٌ، شَجَّكِ أَوْ فَلَّكِ أَوْ جَمَعَ كُلًّا لَكِ. قَالَتِ الثَّامِنَةُ: زَوْجِي الرِّيحُ رِيحُ زَرْنَبٍ، وَالْمَسُّ مَسُّ أَرْنَبٍ. قَالَتِ التَّاسِعَةُ: زَوْجِي رَفِيعُ الْعِمَادِ طَوِيلُ النِّجَادِ عَظِيمُ الرَّمَادِ، قَرِيبُ الْبَيْتِ مِنَ النَّادِ. قَالَتِ الْعَاشِرَةُ: زَوْجِي مَالِكٌ، وَمَا مَالِكٌ؟ مَالِكٌ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكَ، لَهُ إِبِلٌ كَثِيرَاتُ الْمَبَارِكِ، قَلِيلَاتُ الْمَسَارِحِ، إِذَا سَمِعْنَ صَوْتَ الْمِزْهَرِ أَيْقَنَّ أَنَّهُنَّ هَوَالِكُ. قَالَتِ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ: زَوْجِي أَبُو زَرْعٍ، فَمَا أَبُو زَرْعٍ؟ أَنَاسَ مِنْ حُلِيٍّ أُذُنَيَّ، وَمَلَأَ مِنْ شَحْمٍ عَضُدَيَّ، وَبَجَّحَنِي فَبَجِحَتْ إِلَيَّ نَفْسِي، وَجَدَنِي فِي أَهْلِ غُنَيْمَةٍ بِشِقٍّ، فَجَعَلَنِي فِي أَهْلِ صَهِيلٍ وَأَطِيطٍ وَدَائِسٍ وَمُنَقٍّ، فَعِنْدَهُ أَقُولُ فَلَا أُقَبَّحُ، وَأَرْقُدُ فَأَتَصَبَّحُ، وَأَشْرَبُ فَأَتَقَنَّحُ أُمُّ أَبِي زَرْعٍ، فَمَا أُمُّ أَبِي زَرْعٍ؟ عُكُومُهَا رَدَاحٌ وَبَيْتُهَا فَسَاحٌ، ابْنُ أَبِي زَرْعٍ، فَمَا ابْنُ أَبِي زَرْعٍ؟، مَضْجَعُهُ كَمَسَلِّ شَطْبَةٍ وَيُشْبِعُهُ ذِرَاعُ الْجَفْرَةِ بِنْتُ أَبِي زَرْعٍ، فَمَا بِنْتُ أَبِي زَرْعٍ؟ طَوْعُ أَبِيهَا وَطَوْعُ أُمِّهَا، وَمِلْءُ كِسَائِهَا وَغَيْظُ جَارَتِهَا، جَارِيَةُ أَبِي زَرْعٍ، فَمَا جَارِيَةُ أَبِي زَرْعٍ؟ لَا تَبُثُّ حَدِيثَنَا تَبْثِيثًا، وَلَا تُنَقِّثُ مِيرَتَنَا تَنْقِيثًا، وَلَا تَمْلَأُ بَيْتَنَا تَعْشِيشًا. قَالَتْ: خَرَجَ أَبُو زَرْعٍ وَالْأَوْطَابُ تُمْخَضُ، فَلَقِيَ امْرَأَةً مَعَهَا وَلَدَانِ لَهَا كَالْفَهْدَيْنِ، يَلْعَبَانِ مِنْ تَحْتِ خَصْرِهَا بِرُمَّانَتَيْنِ فَطَلَّقَنِي وَنَكَحَهَا، فَنَكَحْتُ بَعْدَهُ رَجُلًا سَرِيًّا، رَكِبَ شَرِيًّا، وَأَخَذَ خَطِّيًّا، وَأَرَاحَ عَلَيَّ نَعَمًا ثَرِيًّا، وَأَعْطَانِي مِنْ كُلِّ رَائِحَةٍ زَوْجًا، قَالَ: كُلِي أُمَّ زَرْعٍ وَمِيرِي أَهْلَكِ، فَلَوْ جَمَعْتُ كُلَّ شَيْءٍ أَعْطَانِي مَا بَلَغَ أَصْغَرَ آنِيَةِ أَبِي زَرْعٍ. قَالَتْ عَائِشَةُ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ ﷺ: «كُنْتُ لَكِ كَأَبِي زَرْعٍ لِأُمِّ زَرْعٍ» ([30])
(تعاقدن) أخذن على أنفسهن أن يصدقن وتواثقن على ذلك، (غث) شديد الهزال، (فينتقل) لا ينقله الناس إلى بيوتهم لهزاله وتعني بهذا قلة خيره وبخله وهو مع ذلك شامخ بأنف شرس في خلقه متكبر متعجرف، (أبث) أشيع وأظهر حديثه الطويل الذي لا خير فيه، (لا أذره) لا أتركه لطوله ولكثرته فلا أستطيع استيفاءه، (عجره بجره) عيوبه الظاهرة وأسراره الكامنة، أو ظاهرة المستور الحال وباطنه الرديء، (العشنق) السيء الخلق أو الطويل المذموم، (أعلق) أبقى معلقة لا مطلقة فأتزوج غيره ولا ذات زوج فأنتفع به، (تهامة) من التهم وهي ركود الريح، أو المراد مكة تريد أن ليس فيه أذى بل فيه راحة ولذة عيش كليل تهامة معتدل ليس فيه حر مفرط ولا برد قارص، (قر) برد، (سآمة) ملل، (فهد) كالفهد وهو حيوان شديد الوثوب تعني أنه كثير النوم فلا ينتبه إلى ما يلزمها إصلاحه من معايب البيت وقيل تعني أنه يثب عليها وثوب الفهد أي يبادر إلى جماعها من شدة حبه لها فهو لا يصبر عنها إذا رآها، (أسد) تعني أنه إذا صار بين الناس كان كالأسد في الشجاعة، (عهد) لا يتفقد ماله وغيره لكرمه وقيل المراد أن يعاملها معاملة وحشية وهو بين الناس أشد قسوة ولا يسأل عن حالها ولا يكترث بها، (لف) أكثر من الأكل مع التخليط في صنوف الطعام بحيث لا يبقي شيئا، (اشتف) استقصى ما في الإناء، (التف) بثوبه وتنحى عنها فلا يعاشرها
(لا يولج الكف) يولج يدخل أي لا يمد يده إليها ليعلم حزنها وسوء حالها، (البث) الحزن الشديد، (غياياء) لا يهتدي لمسلك يسلكه لمصالحه، (عياياء) لا يستطيع إتيان النساء من العي وهو الضعف
(طباقاء) أحمق تطبق عليه الأمور وقيل يطبق صدره عند الجماع على صدرها فيرتفع عنها أسفله فيثقل عليها ولا تستمتع به، (كل داء له داء) ما تفرق في الناس من العيوب موجود لديه ومجتمع فيه والداء المرض، (شجك) جرحك في رأسك، (فلك) جرحك في أي جزء من بدنك، (جمع كلا لك) الشج والجرح وتعني أنه كثير الضرب وشديد فيه لا يبالي ماذا أصاب به، (المس مس أرنب) أي حسن الخلق ولين الجانب كمس الأرنب إذا وضعت يدك على ظهره فإنك تحس بالنعومة واللين، (ريح زرنب) هو نبت طيب الرائحة تعني أنه طيب رائحة العرق لنظافته وكثرة استعماله الطيب، (رفيع العماد) هو العمود الذي يرفع عليه البيت ويدعم به وهو كناية عن الرفعة والشرف، (طويل النجاد) حمائل السيف وهو كناية عن طول قامته، (عظيم الرماد) أي لكثرة ما يوقد من النار وهو كناية عن الكرم وكثرة الضيوف، (الناد) هو كناية عن الكرم والسؤدد لأن النادي مجلس القوم ومتحدثهم فلا يقرب منه إلا من كان كذلك لأنه يتعرض لكثرة الضيوف، (مالك وما مالك) أي ما أعظم ما يملك، (مالك خير من ذلك) عنده من الصفات ما هو خير من كل ما ذكرتن، (كثيرات المبارك) تبرك كثيرا لتحلب ويسقى حليبها، (قليلات المسارح) لا يتركها تسرح للرعي إلا قليلا حتى يبقى مستعدا للضيوف، (صوت المزهر) الدف الذي يضرب عند مجيء الضيفان، (هوالك) مذبوحات لأنه قد جرت عادته بذلك يضرب الدف طربا بالضيوف ثم يذبح لهم الإبل فالإبل قد اعتادت على هذا وأصبحت تشعر به، (أناس من حلي أذني) حركهما بما ملأهما من ذهب ولؤلؤ، (ملأ من شحم عضدي) سمنني وملأ بدني شحما بكثرة إكرامه وسمن العضدين دليل سمن البدن، (بجحني) عظمني وفرحني (فبجحت إلى نفسي) عظمت عندي، (أهل غنيمة) أصحاب أغنام قليلة وليسوا أصاب إبل ولا خيل، (بشق) مشقة وضيق عيش، (صهيل) صوت الخيل، (أطيط) صوت الإبل أي أصحاب خيل وإبل ووجودهما دليل السعة والشرف، (دائس) يدوس الزرع ليخرج منه الحب وهي البقرة، (منق) يزيل ما يخلط به من قشر ونحوه وتعني أنه ذو زرع إلى جانب ما ذكرت من نعم، (أقبح) لا يرد قولي ولا يقبحه بل يقبله ويستظرفه، (أرقد فأتصبح) أنام حتى الصبيحة وهي أول النهار وتعني أنها ذات خدم يكفونها المؤونة والعمل، (فأتقنح) أي لا أتقلل من مشروبي ولا يقطعه علي شيء حتى أرتوي وفي رواية (فأتقمح) أي أشرب حتى أرتوي وأصبح لا أرغب في الشراب، (عكومها) جمع عكم وهو الوعاء الذي تجمع فيه الأمتعة ونحوها، (رداح) كبيرة وعظيمة، (فساح) واسع كبير وهو دليل سعة الثروة والنعمة، (مضجعه) موضع نومه، (كمسل شطبة) صغير يشبه الجريد المشطوب من قشره أي هو مهفهف كالسيف المسلول من غمده، (الجفرة) الأنثى من المعز إذا بلغت أربعة أشهر وفصلت عن أمها، (ملء كسائها) أي تملأ ثوبها لامتلاء جسمها وسمنتها، (غيظ جارتها) تغيظ ضرتها لجمالها وأدبها وعفتها، (تبث) تذيع وتفشي، (تبثيثا) مصدر بثث، (تنفث) تفسد وتذهب، (ميرتنا) طعامنا وزادنا، (تعشيشا) لا تترك القمامة مفرقة في البيت كأعشاش الطيور وقيل هو كناية عن عفتها وحفظ فرجها فهي لا تملأ البيت وسخا بأخدانها وأطفالها من الزنا وفي رواية (تغشيشا) من الغش أي لا تملؤها بالخيانة بل هي ملازمة للنصح فيما هي فيه، (الأوطاب) جمع وطب وهو وعاء اللبن، (تمخض) تحرك لاستخراج الزبد، (كالفهدين) في الوثوب
(خصرها) وسطها، (برمانتين) ثديين صغيرين حسنين كالرمانتين من حيث الرأس والاستدارة فيهما نوع طول بحيث أذا نامت قربا من وسطها حيث يجلس الولدان، (سريا) شريفا وقيل سخيا، (شريا) جيدا يستشري في سيره أي يمضي فيه بلا فتور ولا انقطاع، (خطيا) منسوبا إلى الخط وهو موضع بنواحي البحرين تجلب منه الرماح، (أراح) من الراحة وهو الإتيان إلى موضع البيت بعد الزوال، (نعما) إبلا ونحوها، (ثريا) كثيرا، (من كل رائحة) من كل شيء يأتيه، (زوجا) اثنين أو صنفا، (ميري أهلك) صليهم وأوسعي عليهم من الطعام، (ما بلغ أصغر أنية أبي زرع) لا يملؤها وهو مبالغة أي كل ما أكرمني به لا يساوي شيئا من إكرام أبي ذرع، (كنت لك كأبي زرع لأم زرع) قال العلماء هو تطييب لنفسها وإيضاح لحسن عشرته إياها ومعناه أنا لك كأبي زرع وكان زائدة أو للدوام كقوله تعالى وكان الله غفورا رحيما أي كان فيما مضى وهو باق كذلك]
فم يتهمها ﷺ (وحاشاه أن يفعل) بالثرثرة والكلام الفارغ، ولا بتضييع وقته الثمين وهو الكثير المشاغل، ولا بهوان ما تقول أمام عظمة ما يفكر فيه، كما يفعل بعض الرجال اليوم، بل استطاع بشفافية نفسه أن يفهم أنها تريد الاستئثار بزوجها لمدة أطول لأن هذا الفعل يسعدها. بل ويلتقط إشاراتها ويرد عليها وتفعل هي كذلك، فيتحول الفعل من مجرد شخص يتكلم والآخر ينصت له إلى استعمال الحكاية فيما يفتل في إذكاء العلاقة العاطفية والتأكيد على المحبة.
على وقع هذا المشهد الرائع، من المشاهد التي طرزت حياة سيدنا وحبيبنا وقرة أعيننا محمد ﷺ الزوجية ورسمت لمؤسسة الزواج صورة بهية لم يبلغنا لها مثيل على مر الأزمان.
أيها الأحباب الكرام: لو تعاملنا كما كان يُعامل النبي ﷺ زوجاته لامتلأت بيوتنا سعادة وفرحا وسرورا.
وصلِّ اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
%%%%%%%%
الْحَمْدُ للهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الآَخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ يَعْلَمُ مَا يَلْجُ فِي الأرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ.
وأشهد أن لا إلاه إلا الله وحده لا شريك له، مَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلاَ تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلاَ يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ، عَالِمِ الْغَيْبِ لاَ يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأرْضِ وَلاَ أَصْغَرُ مِن ذَلِكَ وَلاَ أَكْبَرُ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ.
وأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنا وحَبِيبَنا وعَظِيمَنا وقائِدَنا وقُرَّةَ أَعْيُنِنا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ ورَسُولُهُ صَلَواتُ اللهِ وسَلامُهُ عَلى مُحَمَّدٍ وعَلى كُلِّ رَسُولٍ أَرْسَلَه، صَلَواتُ اللهِ البَرِّ الرَّحِيمِ والْمَلائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ والنَّبِيِّينَ والصِّدِّيقِينَ والشُّهَداءِ والصّالِحِينَ ما سَبَّحَ للهِ مِنْ شَىْءٍ عَلى سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ بْنِ عَبْدِ اللهِ خاتـَمِ النَّبِيِّينَ وسَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ وإِمامِ الْمُتَّقِينَ وحَبِيبِ رَبِّ العالَـمِين.
العناصر
أولًا: نبذة مختصرة عن النبي r ثانيًا: أخرج الناس من الظلمات إلى النور
الموضوع
أولًا: نبذة مختصرة عن اليتيم رسول الله r:([31])
اسمه: محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان الذي يصل نسبه إلى النبي إسماعيل بن النبي إبراهيم عليهما الصلاة والسلام، وأمّه آمنة بنت وهب.
ولادته: ولد رسول الله r عام الفيل في مكة المكرّمة بعد وفاة والده، وكعادة العرب تم إرساله للبادية مع المرضعات، ولما عاد من البادية رأت أمه آمنة بنت وهب وفاء لذكرى زوجها الراحل أن تزور قبره بيثرب، فخرجت من مكة قاطعة رحلة تبلغ خمسمائة كيلو مترا، ومعها ولدها اليتيم- محمد r- وخادمتها أم أيمن، وقيمها عبد المطلب، فمكثت شهرا، ثم قفلت، وبينما هي راجعة إذ يلاحقها المرض، ويلح عليها في أوائل الطريق، فماتت بالأبواء بين مكة والمدينة ليعيش يتيمَ الأب والأم، وعاد به عبد المطلب إلى مكة، وكانت مشاعر الحنو في فؤاده تربو نحو حفيده اليتيم، الذي أصيب بمصاب جديد نكأ الجروح القديمة، فرق عليه رقة لم يرقها على أحد من أولاده، فكان لا يدعه لوحدته المفروضة، بل يؤثره على أولاده، وبعد ثلاث سنين تقريباً توفي جده، فضمه عمّه أبو طالب إلى أولاده وقام على رعايته وتولي شؤونه.
عمله: بدأ يعمل في رعاية الغنم على قراريط لأهل مكة، ثمّ عمل في التجارة حيث كان يأخذه عمه أبو طالب معه في رحلاته التجاريّة، فربحت تجارته وعُرِف بصدقه وأمانته، وسمعت خديجة بنت خويلد بخبره، فأرسلت إليه من يطلب منه تولّي أمور تجارتها، فعرضت عليه أن يخرج في مال لها إلى الشام تاجرا، وتعطيه أفضل ما كانت تعطي غيره من التجار، مع غلام لها يقال له ميسرة، فقبله رسول الله r منها، وخرج في مالها ذلك، وخرج معه غلامها ميسرة حتى قدم الشام.
زواجه: ولما رجع إلى مكة، ورأت خديجة في مالها من الأمانة والبركة ما لم تر قبل هذا، وأخبرها غلامها ميسرة بما رأى فيه r من خلال عذبة، وشمائل كريمة، وفكر راجح، ومنطق صادق، ونهج أمين. وجدت ضالتها المنشودة- وكان السادات والرؤساء يحرصون على زواجها، فتأبى عليهم ذلك- فتحدثت بما في نفسها إلى صديقتها نفيسة بنت منية، وهذه ذهبت إليه r تفاتحه أن يتزوج خديجة، فرضي بذلك، وكلم أعمامه، فذهبوا إلى عم خديجة، وخطبوها إليه، وعلى إثر ذلك تم الزواج، وحضر العقد بنو هاشم ورؤساء مضر، وذلك بعد رجوعه من الشام بشهرين، وأصدقها عشرين بكرة، وكانت سنها إذ ذاك أربعين سنة، وكانت يومئذ أفضل نساء قومها نسبا وثروة وعقلا، وهي أول امرأة تزوجها رسول الله r، ولم يتزوج عليها غيرها حتى ماتت.
أولاده: أولاد الرسول r سبعة، ثلاثة ذكور، وأربع إناث – وهاك البيان بأسمائهم كما يلي: 1 – القاسم وهو الذي يكنى به الرسول r فيقال: أبو القاسم r. 2 – عبد الله، ويقال له: الطاهر والطيب. 3 – إبراهيم وهو أصغر أولاده r، 4 – زينب رضي الله عنها. 5 – رقية رضي الله عنها. 6 – أم كلثوم رضي الله عنها. 7 – فاطمة رضي الله عنها: وهي أحبهن إليه r، وكلهن بنات خديجة رضي الله عنها، فجميع أولاد الرسول r من خديجة رضي الله عنها إلا إبراهيم t فإنه من مارية القبطية رضي الله عنها وليس له من بقية زوجاته ذرية r.
عبادته: لما تقاربت سنه r الأربعين، وكانت تأملاته الماضية قد وسعت الشقة العقلية بينه وبين قومه، حبب إليه الخلاء، فكان يأخذ السويق والماء ويذهب إلى غار حراء في جبل النور، على مبعدة نحو ميلين من مكة- وهو غار لطيف طوله أربعة أذرع، وعرضه ذراع وثلاثة أرباع ذراع من ذراع الحديد- ومعه أهله قريبا منه، فيقيم فيه شهر رمضان، يطعم من جاءه من المساكين، ويقضي وقته في العبادة والتفكير فيما حوله من مشاهد الكون، وفيما وراءها من قدرة مبدعة، وهو غير مطمئن لما عليه قومه من عقائد الشرك المهلهلة، وتصوراتها الواهية، ولكن ليس بين يديه طريق واضح، ولا منهج محدد، ولا طريق قاصد يطمئن إليه ويرضاه.
رسالته: لما تكامل له أربعون سنة- وهي رأس الكمال، وقيل: ولها تبعث الرسل- بدأت آثار النبوة تتلوح وتتلمع له من وراء آفاق الحياة، وتلك الآثار هي الرؤيا الصادقة، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، حتى مضت على ذلك ستة أشهر- ومدة النبوة ثلاث وعشرون سنة، فهذه الرؤيا جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة- فلما كان رمضان من السنة الثالثة من عزلته r بحراء شاء الله أن يفيض من رحمته على أهل الأرض، فأكرمه بالنبوة، وأنزل إليه جبريل بآيات من القرآن من سورة العلق، وبدأ رسول الله r الدعوة إلى الله تعالى.
ثانيًا: أخرج من الظلمات إلى النور
أمر بعبادة الله وترك عبادة الأوثان: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ t، «صَارَتِ الأَوْثَانُ الَّتِي كَانَتْ فِي قَوْمِ نُوحٍ فِي العَرَبِ بَعْدُ أَمَّا وَدٌّ كَانَتْ لِكَلْبٍ بِدَوْمَةِ الجَنْدَلِ، وَأَمَّا سُوَاعٌ كَانَتْ لِهُذَيْلٍ، وَأَمَّا يَغُوثُ فَكَانَتْ لِمُرَادٍ، ثُمَّ لِبَنِي غُطَيْفٍ بِالْجَوْفِ، عِنْدَ سَبَإٍ، وَأَمَّا يَعُوقُ فَكَانَتْ لِهَمْدَانَ، وَأَمَّا نَسْرٌ فَكَانَتْ لِحِمْيَرَ لِآلِ ذِي الكَلاَعِ، أَسْمَاءُ رِجَالٍ صَالِحِينَ مِنْ قَوْمِ نُوحٍ، فَلَمَّا هَلَكُوا أَوْحَى الشَّيْطَانُ إِلَى قَوْمِهِمْ، أَنِ انْصِبُوا إِلَى مَجَالِسِهِمُ الَّتِي كَانُوا يَجْلِسُونَ أَنْصَابًا وَسَمُّوهَا بِأَسْمَائِهِمْ، فَفَعَلُوا، فَلَمْ تُعْبَدْ، حَتَّى إِذَا هَلَكَ أُولَئِكَ وَتَنَسَّخَ العِلْمُ عُبِدَتْ» ([32]) ، (بدومة الجندل) مدينة بين المدينة والعراق وبلاد الشام. (هذيل) قبيلة من قبائل العرب وكذلك مراد وغطيف وهمدان وحمير وذو الكلاع. (بالجوف) اسم واد في اليمن والجوف كل منخفض من الأرض. (أنصابا) جمع نصب وهو حجر أو صنم ينصب تخليدا لذكرى رجل أو غيره. (هلك أولئك) مات الذين نصبوا الأنصاب وكانوا يعلمون لماذا نصبت. (تنسخ العلم) زالت معرفة الناس بأصل نصبها.
ومع أن الله سبحانه قد ميز الإنسان وكرمه على غيره من المخلوقات، وسخر له من النعم ما ظهر منها وما بطن، وفطره على فطرة نقية سليمة، إلا أن كثيراً من الناس انحرفوا عن طريق الفطرة، وأبوا إلا الضلال، واتبعوا الشيطان، العدو القديم، وعبدوا الأصنام بشتى أنواعها، وجميع أصنافها.
لقد عبدت طوائف من العرب الأصنام التي انتقلت إليهم من الأمم السابقة مثل: ودّ، وسواع، ويغوث، ويعوق، ونسر، والتي كانت في قوم نوح، وانتشرت عبادة تلك الأصنام بين القبائل العربية، وكانت العرب تعبد إضافة إلى تلك الأصنام أصنام قريش كاللاَّت، والعزَّى، ومناة، وهبل، وغيرهم.
فلما جاء رسول الله r أخرج الناس من عبادة الأصنام والعباد إلى عبادة رب العباد سبحانه وتعالى، فأخرجهم من الظلمات إلى النور كما قال تعالى: (الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (1)) سورة إبراهيم
وكم تحمل من المتاعب والمشاق في سبيل دعوتهم إلى الله ونبذهم لعبادة الأصنام حتى أتم الله تعالى نوره رغما عن المشركين كما قال تعالى (يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (8) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (9)) سورة الصف
رفع مكانة المرأة وانهاء عادة وأد البنات: وهذه كانت عادة منتشرة في الجاهلية أنه إذا بُشر بأنثى يبقى وجهه مسودا مهموما من سوء هذه البشري كما قال تعالى (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (59)) سورة النحل ، { مُسْوَدّاً} أَيْ كَئِيبًا مِنَ الْهَمِّ {وَهُوَ كَظِيمٌ} سَاكِتٌ مِنْ شِدَّةِ مَا هُوَ فِيهِ مِنَ الْحُزْنِ، {يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ} أَيْ يَكْرَهُ أَنْ يَرَاهُ النَّاسُ، {مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ} أَيْ إِنْ أَبْقَاهَا أَبْقَاهَا مُهَانَةً لَا يُورِّثُهَا وَلَا يَعْتَنِي بِهَا، وَيُفَضِّلُ أَوْلَادَهُ الذُّكُورَ عَلَيْهَا، {أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ} أَيْ يَئِدُهَا وَهُوَ أَنْ يَدْفِنَهَا فِيهِ حَيَّةً كَمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، أَفَمَنْ يَكْرَهُونَهُ هَذِهِ الْكَرَاهَةَ وَيَأْنَفُونَ لِأَنْفُسِهِمْ عَنْهُ يَجْعَلُونَهُ لِلَّهِ؟ {أَلاَ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ} أَيْ بِئْسَ مَا قَالُو. ([33])
وقال تعالى: {وَإِذَا الموءُدة سُئِلَتْ * بأي ذَنبٍ قُتِلَتْ} سورة التكوير والموءُدة هي التي كانت أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَدُسُّونَهَا فِي التُّرَابِ كَرَاهِيَةَ الْبَنَاتِ، فيوم القيامة تسأل الموءُدة عَلَى أَيِّ ذَنْبٍ قُتلت لِيَكُونَ ذَلِكَ تَهْدِيدًا لقاتلها، فإنه إذا سُئِلَ الْمَظْلُومُ فَمَا ظَنُّ الظَّالِمِ إِذًا؟ وَقَالَ ابن عباس: {وإذا الموءُدة سُئِلَتْ} أي سألت أي طالبت بدمها.
فنهى النبي r عن ذلك فعَنِ المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ r: " إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ: عُقُوقَ الأُمَّهَاتِ، وَوَأْدَ البَنَاتِ، وَمَنَعَ وَهَاتِ، وَكَرِهَ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةَ المَالِ " ([34])، (وأد البنات) دفنهن وهن أحياء. (ومنع وهات) منع الواجبات من الحقوق وأخذ ما لا يحل لكم من الأموال أو طلب ما ليس لكم فيه حق.
ولم يُرعى للمرأة كرامتها، حيث يتبرأ الأب من ابنته حين تبلغ سن الثامنة عشرة أو أقل؛ لتخرج هائمة على وجهها تبحث عن مأوى يسترها، ولقمة تسد جوعتها، وربما كان ذلك على حساب الشرف، ونبيل الأخلاق، وهناك الأنظمة التي تعدها مصدر الخطيئة، وتسلبها حقها في الملكية والمسؤولية، وتجعلها تعيش في إذلال واحتقار، وتعدها مخلوقاً نجساً، ومن يجعلون المرأة سلعة يتاجرون بجسدها في الدعايات والإعلانات، وأكثر من ذلك بكثير.
أما في الإسلام فقد كرمها وهي بنت واخت وزوجة وأُم، ووصى بهن رسول الله r في كل مراحل عمرهن فعن أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ r، قَالَ:﴿ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلاَ يُؤْذِي جَارَهُ، وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا فَإِنَّهُنَّ خُلِقْنَ مِنْ ضِلَعٍ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلاَهُ، فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ، فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا ﴾ ﴿[35]﴾
ووضع أسس وقواعد لصيانتهن والحفاظ على عفافهن وكرامتهن وتزويجهن بمن يُرِدْن دون اكراه ......
أمر بكسب المال والرزق من الحلال والابتعاد عن الحرام: قال تعالى: (يَاأَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (168)) البقرة
فأمر بكسب المال الحلال الطيب ووعد بالبركة فيه ، ونهى عن الحرام بأنواعه كالربا والرشوة وسائر المعاملات المحرمة لأنها اكتساب بغير حق وفيها ظلم كبير واعتداء على حقوق الآخرين حيث قال تعالى (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29) وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (30)) النساء.
أمر برعاية الأمانة والعهد: قال تعالى: ) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ (المؤمنون، أي: إذا اؤتمنوا لم يخونوا، يل يؤدونها إلى أهلها، وإذا عاهدوا أو عاقدوا أوفوا بذلك، لا كصفات المنافقين الذين قال فيهم رسول اللهr (آية المنافق ثلاث، إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا أؤتمن خان) ([36]) ، وقال تعالى: " إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا " (النساء)
أمر بحسن الخلق: فالمؤمن لا يسب ولا يشتم أحدا، ويحترم الناس في جميع أحواله، فعن أبي هريرة t قَالَ: سُئلَ رسولُ اللَّهِ r مَا أَكثرُ مَا يُدخِلُ الجَنَّةَ؟ قَالَ: (تَقوى اللَّهِ وحُسنُ الخُلُقِ) قَالَ: وَمَا أَكثرُ مَا يُدخِلُ النَّار؟ قَالَ: (الأجَوفَان: الفَمُ والفَرْجُ) ([37])
فجعله يتصف بصفات حميدة مثل: الحياء، العفة، ويبتعد عنه الصفات الذميمة مثل: الحسد، اقتراف الاثم والمعصية، السرقة، الكذب، النظر الى المحرمات، التجسس على الناس، الغيبة، النميمة، السب والشتم، .. وغيرها.
الاهتمام بالتعليم: لو تدبرت القرآن الكريم لوجدت أن أول آية نزلت من القرآن الكريم هي قوله تعالى (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5)) سورة العلق، وهذا يدل على أهمية العلم لقيام الدول وتطورها، وبدونه لا تقدم ولا تطور.
وقال ابن القيّم: العلم هاد. وهو تركة الأنبياء وتراثهم. وأهله عصبتهم وورّاثهم، وهو حياة القلوب، ونور البصائر، وشفاء الصّدور، ورياض العقول، ولذّة الأرواح، وأنس المستوحشين، ودليل المتحيّرين، وهو الميزان الّذي به توزن الأقوال والأعمال والأحوال. وهو الحاكم المفرّق بين الشّكّ واليقين، والغيّ والرّشاد، والهدى والضّلال. به يعرف الله ويعبد، ويذكر ويوحّد، ويحمد ويمجّد، وبه اهتدى إليه السّالكون.
ومن طريقه وصل إليه الواصلون. ومنه دخل عليه القاصدون. وبه تعرف الشّرائع والأحكام، ويتميّز الحلال والحرام. وبه توصل الأرحام، وبه تعرف مراضي الحبيب، وبمعرفتها ومتابعتها يوصل إليه من قريب. وهو إمام، والعمل مأموم. وهو قائد، والعمل تابع. وهو الصّاحب في الغربة، والمحدّث في الخلوة، والأنيس في الوحشة، والكاشف عن الشّبهة، والغنى الّذي لا فقر على من ظفر بكنزه. والكنف الّذي لا ضيعة على من أوى إلى حرزه. مذاكرته تسبيح، والبحث عنه جهاد. وطلبه قربة. وبذله صدقة ومدارسته تعدل بالصّيام والقيام. والحاجة إليه أعظم منها إلى الشّراب والطّعام.
المساواة بين الناس جميعا: قال تعالى: (يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)) الحجرات
وقال رسول الله r (يا أيها الناس! إن ربكم واحد وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على عجمي ولا عجمي على عربي ولا أحمر على أسود ولا أسود على أحمر إلا بالتقوى * (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) *، ألا هل بلغت؟ قالوا: بلى يا رسول الله! قال: فيبلغ الشاهد الغائب "([38])
فكان الناس يتعالى بعضهم على بعض، ويظن هذا أنه أفضل من أخية فبين للناس أن الفضل إنما هو بالتقوى والعمل الصالح، لا بالقوة والجاه والسلطان .....
ودعا رسول الله r إلى تحرير العبيد وإعطائهم حقوقهم، فتم تحرير الكثير والكثير من العبيد، واعطائهم حريتهم فيعبدوا ربهم بحرية تامة، ويتمتعوا بحقوقهم كغيرهم.
العدل في القضاء والحكم: قال تعالى:﴿ وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كانَ سَمِيعاً بَصِيراً (58) ﴾النساء، وعن أنس بن مالك-t-قال: قال رسول الله r: «إذا حكمتم فاعدلوا، وإذا قتلتم فأحسنوا، فإنّ الله-عزّ وجلّ- محسن يحبّ المحسنين» ([39])
وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -r-قَالَ «اتَّقُوا الظُّلْمَ فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاتَّقُوا الشُّحَّ فَإِنَّ الشُّحَّ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حَمَلَهُمْ عَلَى أَنْ سَفَكُوا دِمَاءَهُمْ وَاسْتَحَلُّوا مَحَارِمَهُمْ» ([40]).
التعاون والاتحاد: عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r- « مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِى تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى » ([41]) ، وعن أَبي موسى - t - ، قَالَ : قَالَ رَسُول الله - r - : (( المُؤْمِنُ للْمُؤْمِنِ كَالبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضَاً )) وشبَّكَ بَيْنَ أصَابِعِهِ ([42])، وقال تعالى: ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ﴾ ( سورة المائدة الآية : 2 )
ونهى عن التنازع فقال تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} الأنفال:46، فإذا اختلفنا فعلينا أن نرجع إلى كتاب الله – تعالى – وإلى سنة رسوله – r – كما قال تعالى: ﴿ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ ﴾النساء.
الإصلاح وحرمة الإفساد: قال تعالى ﴿فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ الأنعام، وقال تعالى ﴿فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾، وقال تعالى ﴿إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُواْ فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ آل عمران89
وأعد العقوبة الأليمة لمن تسول له نفسه بالإفساد فقال تعالى: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (34)) المائدة.
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: قال تعالى﴿ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴿104﴾ آل عمران.
وعن أبي سعيد الخدري عن رسول الله r قال: ﴿مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ﴾ ﴿[43]﴾.
في الحروب:([44]) وصَّى رسول الله r عبد الرحمن بن عوف t عندما أرسله في شعبان سنة 6 هـ إلى قبيلة كلب النصرانية الواقعة بدومة الجندل؛ فقال له: "اغزوا جميعًا في سبيل الله، فقاتلوا من كفر بالله، لا تَغُلُّوا، ولا تَغْدِرُوا، ولا تُمَثِّلُوا، ولا تَقْتُلُوا وَلِيدًا، فهذا عَهْدُ اللهِ وسيرة نبيّه فيكم.
وكَانَ رَسُولُ اللَّهِ r إِذَا بَعَثَ جُيُوشَهُ قَالَ: "اخْرُجُوا بِسْمِ اللَّهِ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ لَا تَغْدِرُوا وَلَا تَغُلُّوا وَلَا تُمَثِّلُوا وَلَا تَقْتُلُوا الْوِلْدَانَ وَلَا أَصْحَابَ الصَّوَامِعِ.
وعَنْ ابن عمر t (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r رَأَى فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ امْرَأَةً مَقْتُولَةً؛ فَأَنْكَرَ ذَلِكَ، وَنَهَى عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ) ([45])
ورغم ما حدث في غزوة أحد من تمثيل المشركين بحمزة بن عبد المطلب t عَمِّ الرسول r، فإنه r لم يُغَيِّر مبدأه، بل حرص على النهي عن المُثلة حتى مع المشركين، ولم يَرِدْ في التاريخ حادثة واحدة تقول: إن المسلمين مَثَّلوا بأحدٍ من أعدائهم.
وقد يَتَّخِذُ البعض قاعدة "المعاملة بالمثل" مبرّرًا لهم ليفعلوا ما يشاءون في أعدائهم، محاربين كانوا أو مدنيّين، ولكنَّ الإسلام لا يُقِرُّ القسوة أو الظلم مهما كانت المبرّرات، ولذلك لا يُطبق هذه القاعدة مع المدنيين للدولة المحاربة، حتى لو آذوا المدنيين في بلادنا!
يقول الله تعالى: {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة: 8].
قال القرطبي رحمه الله: دَلّت الآية على أنّ كُفر الكافر لا يَمنع من العدل معه، وأن المثلة بهم غير جائزة، وإن قَتلوا نساءنا وأطفالنا وغَمُّونا بذلك، فليس لنا أن نقتلهم بمثلة قصدًا لإيصال الغمِّ والحزن إليهم ([46])
فهل في مناهج الأرض مثل منهجنا؟!
ولم تكن حروب الرسول r حروب تخريب كالحروب المعاصرة التي يحرص فيها المتقاتلون من غير المسلمين على إبادة مظاهر الحياة لدى خصومهم، بل كان النبي r والمسلمون يحرصون أشدّ الحرص على الحفاظ على العُمران في كل مكان، ولو كان بلاد أعدائهم؛ فقد جاء في وصية الرسول r لجيش مؤتة:".... ولا تَقْطَعَنَّ شَجَرَةٍ وَلا تَعْقِرَنَّ نَخْلًا ولا تَهْدِمُوا بَيْتًا.
أيها المسلمون: إن هذا القدر الذي ذكرته لا يساوي شيئا فيما فعله رسول الله r عليه وسلم وقام به بأمر الله ليخرج الناس من ظلمات الجهل إلى نور الإيمان والحق والخير ويردهم إلى ربهم ردا جميلا.
** | ولأفضلِ الأديان قام فأنـــــذرا | |
ولأكرمِ الأخلاق جاء مُتمِّمًا | ** | يدعو لأحسنِها ويمحو المنكرا
|
صلى عليه اللهُ في ملكوته | ** | ما قام عبدٌ في الصلاة وكبـــّرا |
وصلِّ اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
%%%%%%%%
إنا كفيناك المستهزئين للشيخ أحمد أبو عيد
الحمد لله الذي أرسى الجبال وأجرى الأنهار، وأنزل الغيث وأنبت الأشجار، وسخر لنا الفلك ومهد لها أمواج البحار، وخلق الشمس والقمر وقلب الليل والنهار، صورنا فأحسن صورنا وجعل لنا السمع والأفئدة والأبصار، وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار.
وأشهد أن لا إله إلا الله القوى الجبار، المستوى على عرشه دون حلول أو مماسة أو استقرار، العظمة رداؤه والكبرياء له إزار، ليس كمثله شيء فلا تصل إلى كنه ذاته العقول والأفكار، اللطيف الخبير فلا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار.
وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله المختار، إمام المتقين والأبرار، المسلم من العيوب والمطهر من الأوضار، المنصور بالرعب على مسيرة شهر في كل الأمصار، إذا جاهد فالسيف في يده بتار، وإذا سالم استوى في أمانه المسلمون والكفار، إذا سئل شيئا أعطاه بغير انتظار، إذا سكت علاه البهاء والوقار، وإذا تكلم خرج من فمه نور كنور الفجر وقت الإسفار، اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه الأخيار، ما تعاقب الليل والنهار، ومادامت الشمس في فلكها والقمر في المدار.
العناصر
أولًا: أسباب ايذائهم للنبي ﷺ ثانيًا: عقوبة من يؤذي رسول الله
ثالثًا: حفظ الله لنبيه ودينه رابعًا: واجبنا نحو نبينا وديننا
خامسًا: نماذج على من آذى رسول الله وكيف كان مآله
الموضوع
أولًا: أسباب ايذائهم للنبي ﷺ
خدم وأعوان للشيطان: قال تعالى: (قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (83) ) (سورة ص)
قال إبليس: فبعزتك -يا رب- وعظمتك لأضلنَّ بني آدم أجمعين، إلا مَن أخلصتَه منهم لعبادتك، وعصمتَه من إضلالي، فلم تجعل لي عليهم سبيلا.
فلا تتعجب أن تجد من يحاربون الله ورسوله ويعاندون لأن الشياطين يسوقونهم سوقا إلى هذا، كما قال تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (112) وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ (113)) سورة الأنعام
أي وكما أن هؤلاء عادوك وعاندوك وأنت تريد هدايتهم جعلنا لكل نبي يبلِّغ عنا أعداء من عتاة الإنس وعتاة الجن الذين يخفون عنك ولا تراهم، يوسوس بعضهم لبعض بكلام مزخرف مُمَوَّه لا حقيقة له، فيلقون بذلك فيهم الغرور بالباطل، وذلك كله بتقدير الله ومشيئته، ولو شاء ما فعلوه، ولكنه لتمحيص قلوب المؤمنين. فاترك الضالين وكفرهم بأقوالهم التي يقترفونها ([47]).
وقال تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا (31) )
أَيْ كَمَا حَصَلَ لَكَ يَا مُحَمَّدُ فِي قَوْمِكَ مِنَ الَّذِينَ هَجَرُوا الْقُرْآنَ، كَذَلِكَ كَانَ في الأمم الماضيين، لِأَنَّ اللَّهَ جَعَلَ لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنَ الْمُجْرِمِينَ، يَدْعُونَ النَّاسَ إِلَى ضَلَالِهِمْ وَكُفْرِهِمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإنس والجن} الآية، ولهذا قال تعالى ههنا: {وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً} أَيْ لِمَنِ اتَّبَعَ رَسُولَهُ وَآمَنَ بِكِتَابِهِ وَصَدَّقَهُ وَاتَّبَعَهُ، فَإِنَّ اللَّهَ هاديه وناصره في الدنيا والآخرة ([48])
انتشار الوهن بين المسلمين: عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «يُوشِكُ الْأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا» . فَقَالَ قَائِلٌ: وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: «بَلْ أَنْتُم يَوْمئِذٍ كثير وَلَكِن غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ وَلَيَنْزِعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمُ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ وَلَيَقْذِفَنَّ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهْنَ» . قَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْوَهْنُ؟ قَالَ: «حُبُّ الدُّنْيَا وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ» ([49])
تخاذل المسلمون عن نصرة نبيهم: فكم أُوذي رسول الله ﷺ ولم يوجد رد فعل من المسلمين ولا حكامهم يزجر هؤلاء عن اساءتهم لنبينا المصطفى ﷺ.
الحقد والحسد على المسلمين: قال تعالى: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ) (المائدة:59(
فأهل الكتاب يعلمون انه رسول الله يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإنما حملهم على سبه وتنقصه الحسد قال تعالى: (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ( والحاسد إنما يضر نفسه قال تعالى: (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكاً عَظِيماً) (سورة النساء)
اتباع المسلمون للغرب في كل شيء: عَن عَطاء بن يسَار عَن أبي سعيد قَالَ: قَالَ رَسُول الله ﷺ " لتتبعن سنَن من قبلكُمْ، شبْرًا بشبرٍ، وذراعاً بِذِرَاع، حَتَّى لَو دخلُوا جُحر ضَب لتبعتموهم " قُلْنَا: يَا رَسُول الله، الْيَهُود وَالنَّصَارَى؟ قَالَ: " فَمن؟ " ([50])
ثانيًا: عقوبة من يؤذي رسول الله
العذاب المهين: قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُواْ كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَقَدْ أَنزَلْنَآ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ (5) يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (6)) سورة المجادلة
يُخْبِرُ تَعَالَى عَمَّنْ شَآقُّواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَعَانَدُوا شَرْعَهُ {كُبِتُواْ كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} أَيْ أُهِينُوا وَلُعِنُوا وَأُخْزُوا كَمَا فُعِلَ بِمَنْ أَشْبَهَهُمْ مِمَّنْ قَبْلَهُمْ، {وَقَدْ أَنزَلْنَآ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ} أي واضحات لا يعاندها ولا يخالفها إلاّ كافر فاجر مكابر، {وَلِلكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ} أَيْ فِي مُقَابَلَةِ مَا اسْتَكْبَرُوا عَنِ اتِّبَاعِ شَرْعِ اللَّهِ، وَالِانْقِيَادِ لَهُ وَالْخُضُوعِ لَدَيْهِ، ثُمَّ قال تعالى: {يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً} وَذَلِكَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ يجمع الله الأولين الآخرين فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ {فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُواْ} أَيْ فيخبرهم بِالَّذِي صَنَعُوا مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ، {أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ} أَيْ ضَبَطَهُ اللَّهُ وَحَفِظَهُ عَلَيْهِمْ، وَهُمْ قد نسوا ما كانوا عملوا، {وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} أَيْ لَا يَغِيبُ عَنْهُ شَيْءٌ وَلَا يَخْفَى وَلَا يَنْسَى([51]).
وقال تعالى: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ( (سورة التوبة:61(
اللعن في الدنيا والآخرة: قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا( (سورة الأحزاب)
أي إن الذين يؤذون الله بالشرك أو غيره من المعاصي، ويؤذون رسول الله بالأقوال أو الأفعال، أبعدهم الله وطردهم مِن كل خير في الدنيا والآخرة، وأعدَّ لهم في الآخرة عذابًا يذلهم ويهينهم.
يذلهم الله: قال تعالى: (نَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ (20) كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (21)) (سورة المجادلة) يَعْنِي الَّذِينَ هُمْ فِي حَدٍّ وَالشَّرْعُ فِي حَدٍّ، أَيْ مُجَانِبُونَ لِلْحَقِّ مُشَاقُّونَ لَهُ، هُمْ فِي نَاحِيَةٍ وَالْهُدَى فِي نَاحِيَةٍ {أُولَئِكَ فِي الأذلين} أي في الأشقياء المبعدين الْأَذَلِّينَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
العقاب الشديد: قال تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (13) ذَلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ (14)) سورة الأنفال
{ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَآقُّواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} أَيْ خَالَفُوهُمَا، فَسَارُوا فِي شَقٍّ، وَتَرَكُوا الشَّرْعَ وَالْإِيمَانَ به واتباعه في شق، ومأخوذ أَيْضًا مِنْ شَقِّ الْعَصَا وَهُوَ جَعْلُهَا فِرْقَتَيْنِ {وَمَن يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} أَيْ هُوَ الطَّالِبُ الْغَالِبُ لِمَنْ خَالَفَهُ وَنَاوَأَهُ لَا يَفُوتُهُ شَيْءٌ، وَلَا يَقُومُ لِغَضَبِهِ شَيْءٌ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَا إِلَهَ غَيْرُهُ وَلَا رَبَّ سِوَاهُ، {ذَلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ بالنار} هَذَا خِطَابٌ لِلْكُفَّارِ، أَيْ ذُوقُوا هَذَا الْعَذَابَ وَالنَّكَالَ فِي الدُّنْيَا وَاعْلَمُوا أَيْضًا أَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ فِي الْآخِرَةِ.
وقال تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (4) ) سورة الحشر
ذلك -الذي أصاب اليهود في الدنيا وما ينتظرهم في الآخرة- لأنهم خالفوا أمر الله وأمر رسوله أشدَّ المخالفة، وحاربوهما وسعَوا في معصيتهما، ومن يخالف الله ورسوله فإن الله شديد العقاب له.
يقطع الله عنهم كل خير: قال تعالى: (إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3)) (سورة الكوثر)
إن مبغضك ومبغض ما جئت به من الهدى والنور، هو المنقطع أثره، المقطوع من كل خير.
ثالثًا: حفظ الله لنبيه ودينه
حفظ الله لنبيه في الغار وسائر حياته: قال تعالى: (إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40)) (سورة التوبة)
يا معشر أصحاب رسول الله ﷺ إن لا تنفروا معه أيها المؤمنون إذا استَنْفَركم، وإن لا تنصروه; فقد أيده الله ونصره يوم أخرجه الكفار من قريش من بلده (مكة) ، وهو ثاني اثنين (هو وأبو بكر الصديق رضي الله عنه) وألجؤوهما إلى نقب في جبل ثور بـ «مكة» ، فمكثا فيه ثلاث ليال، إذ يقول لصاحبه (أبي بكر) لما رأى منه الخوف عليه: لا تحزن إن الله معنا بنصره وتأييده، فأنزل الله الطمأنينة في قلب رسول الله ﷺ، وأعانه بجنود لم يرها أحد من البشر وهم الملائكة، فأنجاه الله من عدوه وأذل الله أعداءه، وجعل كلمة الذين كفروا السفلى. وكلمةُ الله هي العليا، وذلك بإعلاء شأن الإسلام. والله عزيز في ملكه، حكيم في تدبير شؤون عباده. وفي هذه الآية منقبة عظيمة لأبي بكر الصديق رضي الله عنه ([52]).
وحفظه الله يوم أحد والخندق وسائر أحواله.
وعد الله بنصر رسله: قال تعالى: {كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَاْ وَرُسُلِي} أَيْ قَدْ حَكَمَ وَكَتَبَ فِي كتابه الأول، وقدره الذي لا يخالف ولا يمانع ولا يبدل، بأن النصرة له ولكُتُبه وَرُسُلِهِ وَعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، {وَأَنَّ الْعَاقِبَةَ لِّلْمُتَّقِينَ}، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ}، وقال ههنا: {كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَاْ وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} أَيْ كَتَبَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ أَنَّهُ الْغَالِبُ لِأَعْدَائِهِ، وَهَذَا قَدْرٌ مُحْكَمٌ وَأَمْرٌ مُبْرَمٌ أَنَّ الْعَاقِبَةَ وَالنُّصْرَةَ لِلْمُؤْمِنِينَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ([53])
كفاه الله شر الخلق: قال تعالى: (فاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ * إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ) (سورة الحجر) كان نبينا وسيدنا وقرة أعيننا رسول الله -ﷺ- واثقًا في دعوته لا يلتفت إلى من يتنقصه، ولا يلتفت إلى المستهزئين، يعلم -ﷺ- أن الذي يتنقصه -صلوات ربي وسلامه عليه- هو كالذي يرفع بصره إلى الشمس فيسبها، ثم يقذفها بحجر، فلا يلبث أن يسقط الحجر على رأسه فيدمغه.
حسبه الله وكفى: قال تعالى: (يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (64)) (سورة الأنفال)
يا أيها النبي إن الله كافيك، وكافي الذين معك من المؤمنين شرَّ أعدائكم.
وقال تعالى: (أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ(
وقال تعالى: (فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (137) )
أي فإنْ آمن الكفار من اليهود والنصارى وغيرهم بمثل الذي آمنتم به، مما جاء به الرسول، فقد اهتدوا إلى الحق، وإن أعرضوا فإنما هم في خلاف شديد، فسيكفيك الله -أيها الرسول- شرَّهم وينصرك عليهم، وهو السميع لأقوالكم، العليم بأحوالكم.
عصمة الله لنبيه ﷺ حيًا وميتا: قال تعالى: (يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (67)) (سورة المائدة) يا أيها الرسول بلِّغ وحي الله الذي أنزِل إليك من ربك، وإن قصَّرت في البلاغ فَكَتَمْتَ منه شيئًا، فإنك لم تُبَلِّغ رسالة ربِّك، وقد بلَّغ ﷺ رسالة ربه كاملة، فمن زعم أنه كتم شيئًا مما أنزِل عليه، فقد أعظم على الله ورسوله الفرية. والله تعالى حافظك وناصرك على أعدائك، فليس عليك إلا البلاغ. إن الله لا يوفق للرشد مَن حاد عن سبيل الحق، وجحد ما جئت به من عند الله.
لم ولن يتخلى عنه ربه سبحانه: قال تعالى: (وَالضُّحَى (1) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (2) مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى (3)) أقسم الله بوقت الضحى، والمراد به النهار كله، وبالليل إذا سكن بالخلق واشتد ظلامه. ويقسم الله بما يشاء من مخلوقاته، أما المخلوق فلا يجوز له أن يقسم بغير خالقه، فإن القسم بغير الله شرك. ما تركك -أيها النبي- ربك، وما أبغضك بإبطاء الوحي عنك.
ولَلدَّار الآخرة خير لك من دار الدنيا، ولسوف يعطيك ربك -أيها النبي- مِن أنواع الإنعام في الآخرة، فترضى بذلك.
رابعًا: واجبنا نحو نبينا وديننا
الاقتداء به: قال تعالى: (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ (90) ) (سورة الأنعام)
أولئك الأنبياء المذكورون هم الذين وفقهم الله تعالى لدينه الحق، فاتبع هداهم -أيها الرسول- واسلك سبيلهم. قل للمشركين: لا أطلب منكم على تبليغ الإسلام عوضًا من الدنيا، إنْ أجري إلا على الله، وما الإسلام إلا دعوة جميع الناس إلى الطريق المستقيم وتذكير لكم ولكل مَن كان مثلكم، ممن هو مقيم على باطل، لعلكم تتذكرون به ما ينفعكم.
وقال تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21)) (سورة الأحزاب) لقد كان لكم -أيها المؤمنون- في أقوال رسول الله ﷺ وأفعاله وأحواله قدوة حسنة تتأسون بها، فالزموا سنته، فإنما يسلكها ويتأسى بها مَن كان يرجو الله واليوم الآخر، وأكثرَ مِن ذكر الله واستغفاره، وشكره في كل حال.
اتباعه في كل ما أمر: قال تعالى: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (31) قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ (32)) (سورة آل عمران)
التمسك بكتاب الله وسنة رسوله ﷺ: قال تعالى: (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (43)) (سورة الزخرف) فاستمسك -أيها الرسول- بما يأمرك به الله في هذا القرآن الذي أوحاه إليك؛ إنك على صراط مستقيم، وذلك هو دين الله الذي أمر به، وهو الإسلام. وفي هذا تثبيت للرسول ﷺ، وثناء عليه.
وقال تعالى: (وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ (170)) (سورة الأعراف) والذين يتمسَّكون بالكتاب، ويعملون بما فيه من العقائد والأحكام، ويحافظون على الصلاة بحدودها، ولا يضيعون أوقاتها، فإن الله يثيبهم على أعمالهم الصالحة، ولا يضيعها ([54]).
الاستعانة بالصبر والصلاة: قال تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153)) (سورة البقرة) يا أيها المؤمنون اطلبوا العون من الله في كل أموركم: بالصبر على النوائب والمصائب، وبالصبر على ترك المعاصي والذنوب، والصبر على الطاعات والقربات، وبالصلاة التي تطمئن بها النفس، وتنهى عن الفحشاء والمنكر. إن الله مع الصابرين بعونه وتوفيقه وتسديده. وفي الآية: إثبات معيَّة الله الخاصة بالمؤمنين، المقتضية لما سلف ذكره; أما المعية العامة، المقتضية للعلم والإحاطة فهي لجميع الخلق([55]).
ومهما فعلوا فلن يبلغ ضرهم إلا كما قال تعالى: (لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ (111) ) (سورة أل عمران)
لن يضركم هؤلاء الفاسقون من أهل الكتاب إلا ما يؤذي أسماعكم من ألفاظ الشرك والكفر وغير ذلك، وإن يقاتلوكم يُهْزَموا، ويهربوا مولِّين الأدبار، ثم لا ينصرون عليكم بأي حال.
الثقة في نصر الله: قال تعالى: (قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (128)) (سورة الأعراف)
قال موسى لقومه -من بني إسرائيل-: استعينوا بالله على فرعون وقومه، واصبروا على ما نالكم من فرعون من المكاره في أنفسكم وأبنائكم. إن الأرض كلها لله يورثها من يشاء من عباده، والعاقبة المحمودة لمن اتقى الله ففعل أوامره واجتنب نواهيه.
العاقبة للمتقين: قال تعالى: (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (83)) (سورة القصص)
تلك الدار الآخرة نجعل نعيمها للذين لا يريدون تكبرًا عن الحق في الأرض ولا فسادًا فيها. والعاقبة المحمودة -وهي الجنة- لمن اتقى عذاب الله وعمل الطاعات، وترك المحرمات.
المحبة الصادقة لرسول الله ﷺ: لابد أن يكون رسول الله -ﷺ- أحب إلينا من أنفسنا وأموالنا وأبنائنا وأهلنا، وأحب إلينا من الناس أجمعين؛ فعَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: (لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ، وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ) ([56])
وعن عبْدِ اللهِ بنِ هشامٍ قال: كُنّا مَعَ النبيِّ - ﷺ -، وَهْوَ آخِذٌ بيدِ عُمَرَ بنِ الخطّابِ، فقال له عُمرُ: يا رسولَ الله! لأَنتَ أحبُّ إليَّ مِنْ كُلِّ شيءٍ؛ إلا مِنْ نَفْسي، فقال النبيُّ - ﷺ - لَهُ: "لا والذي نَفْسي بِيده، حتى أكونَ أحبَّ إليْكَ مِنْ نَفْسِكَ"، فقالَ لهُ عُمَرُ: فإِنَّهُ الآنَ واللهِ لأَنْتَ أَحَبُّ إليَّ مِنْ نَفْسِي، فقال النبيُّ - ﷺ -: "الآن يا عُمَرُ! " ([57]).
لقد رزق الله -تعالى- نبينا محمدًا -ﷺ- أصحابًا كرامًا عرفوا قدره ومكانته وإجلاله، سئل علي -رضي الله تعالى عنه-: كيف كان حبكم لرسول الله -ﷺ-؟! قال: "كان -والله!- أحب إلينا من أموالنا وأولادنا وآبائنا وأمهاتنا، ومن الماء البارد على الظمأ".
كثرة الصلاة عليه: من مكانته -عليه الصلاة والسلام- أن اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ، صلى عليه ربنا فقال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) (سورة الأحزاب)
كثرة ذكر الله تعالى: قال تعالى: (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ (97) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (98) وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (99) ) (سورة الحجر)
فقد أمر الله رسوله ﷺ بكثرة ذكره والسجود بين يديه مهما كثرت همومه وضاق صدره بسبب ما يسمعه ويراه من إيذاء المشركين له وليداوم على ذلك حتى يلقى الله تعالى.
التعرف على رسول الله: بالتعرف على سيرته ﷺ لتزداد حبا له، وتتخلق بأخلاقه ومعاملاته وسائر أحواله
إنَّ عَلَى المُسلِمِينَ أَن يَدرُسُوا حَيَاتَهُ ﷺ وَسِيرَتَهُ، وَأَن يَنشُرُوا عِلمَهُ وَيُحيُوا سُنَّتَهُ، وَأَن يَدعُوا إِلى هَديِهِ وَطَرِيقَتِهِ، وَأَن يَتَخَلَّقُوا بِأَخلاقِهِ وَيَتَّصِفُوا بما كَانَ عَلَيهِ، فَقَد قَالَ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: ((مَن رَغِبَ عَن سُنَّتي فَلَيسَ مِني)). وَإِنَّكَ لَتَرَى في المُسلِمِينَ اليَومَ تَهَاوُنًا بِالسُّنَنِ وَتَقصِيرًا في الطَّاعَاتِ، بَل وَتَركًا لِلفُرُوضِ وَإِخلالاً بِالوَاجِبَاتِ وَإِضَاعَةً لِلصَّلَوَاتِ وَاتِّبَاعًا لِلشَّهَوَاتِ وَوُقُوعًا في الحَرَامِ وَالشُّبُهَاتِ، فَأَيُّ نُصرَةٍ لِلنَّبيِّ تُرجَى مِن مِثلِ هَؤُلاءِ؟! أَيُّ نُصرَةٍ تُرجَى ممَّن يَترُكُ صَلاةَ الفَجرِ وَيُؤثِرُ النَّومَ؟! أَيُّ نُصرَةٍ تُرجَى ممَّن يَتَهَاوَنُ بِصَلاةِ الجَمَاعَةِ وَيَهجُرُ المَسجِدَ؟! أَيُّ نُصرَةٍ تُرجَى ممَّن يَأكُلُ الرِّبَا وَلا يَسأَلُ عَن حِلِّ المُسَاهَمَاتِ وَالمُعَامَلاتِ مِن حُرمَتِهَا؟! أَيُّ نُصرَةٍ تُرجَى ممَّن لا يَتَوَرَّعُ عَن النَّظَرِ إِلى الحَرَامِ وَاستِمَاعِ الحَرَامِ في قَنَاةٍ أَو جَوَّالٍ أَو مِذيَاعٍ أَو صَحِيفَةٍ؟! وَهَبْ أَنَّكَ قَاطَعتَ سِلَعَ مَنِ استَهزَؤُوا بِالنَّبيِّ ﷺ فَهَل قَاطَعتَ مَعَ ذَلِكَ فِكرَهَم وَعَمَلَهُم؟! هَلِ اجتَنَبتَ مَسَالِكَهُم وَطُرُقَهُم؟! هَلِ استَقَمتَ عَلَى الطَّرِيقَةِ في عَامَّةِ أَمرِكَ وَخَاصَّتِهِ أَم أَنَّ بَيتَكَ يَعُجُّ بِالمَعَاصِي وَالمُنكَرَاتِ وَإِضَاعَةِ الصَّلاةِ وَاتِّبَاعِ الشَّهَوَاتِ؟!.
الدفاع عنه: رسمت الدنمرك استهزاءً، وسب ولعن قسيسهم الأكبر فقال عن نبينا -عليه الصلاة والسلام-: ما جاء محمد إلا بالقتل والدمار.
وانبري شرذمة فجرة من فجرة النصارى وفساقهم، فينتجون فيلمًا يحاولون فيه الاستهزاء برسول الله -ﷺ-، وجمعوا فساقًا يمثلون أدوار الصحابة، دور بلال ودور عمر ودور صحابة كرام، بل دور أمهات المؤمنين.
وفي هذه الأيام قام رئيس فرنسا بإعلان إيذاء رسول الله وتكريم من آذوه، فإن الذي فعله أولئك هو استهزاء بنا جميعًا، استهزاء بالمسلمين، إنه استهزاء بقائدنا الذي نقتدي به في أقوالنا وأفعالنا، ونسمي عليه أبناءنا، ونتنافس في معرفة قصصه وأخباره، ونعلق اسمه في مجالسنا، ونطبع الكتب عن سيرته، هو الذي هدانا الله به إلى الصراط المستقيم، وعلمنا الدين القويم، فلا نرضى أبدًا أن ينبري فجار يستخفون بديننا، لا نرضى أن يتغوطوا على كرامتنا، ولا أن يبولوا على شرفنا، لا نرضى أبدًا أن يستخفوا بديننا ولا بكرامتنا.
أين السياسيون والحكام؟! أين العلماء؟! أين المحاكم؟! لا نرضى -والله- أن يبقى هؤلاء آمنين مطمئنين والفيلم يعرض في دور السينما والقنوات ومواقع الإنترنت، لا نرضى أبدًا! بل نثور، ودون رسول الله -ﷺ- تسحق جماجمنا.
قال تعالى: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُون) (آل عمران:64(
ومن باب العدل أقول: قد سمعنا أصواتًا عادلة من كهنة وقساوسة النصارى المعاصرين ينكرون الاستهزاء بالأنبياء، ويخطئون ما فعلته الشرذمة الجاهلة الحاقدة، ونحن إذ نشكر لهم عدلهم وإنصافهم فإننا نطالبهم بأن يرفعوا الصوت بذلك ببرامج إعلامية، وفتاوى في أبناء دينهم الذين تنقصوا الأنبياء، وأن يصدروا البيانات الواضحة في ذلك، ويتبرؤوا صراحة.
وأنا أعلم يقينًا أن جموعًا من عامة النصارى بينهم وبين المسلمين قرابة، يُسلم الولد وأبوه يبقى على النصرانية، أو مسلم متزوج بنصرانية، أنا أعلم يقينًا أن كثيرًا من النصارى، سواء من نصارى العرب، أو من غيرهم، يحترمون الإسلام، ويُجلون نبينا -ﷺ- وإن لم يتبعوه.
أنا أجزم أن عامة النصارى لا يرضون ما فعلته تلك الشرذمة السمجة المستهزئة برسولنا -ﷺ-.
وليعلم الجميع أن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- لا يضره استهزاء من استهزأ به، لا تضره سخرية من تنقصه: (إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ) (الحجر: 95)
أيها المسلمون: ليس الذي يؤذي النبي -ﷺ- ويسبه ويتنقصه أو يتنقص زوجاته ليسوا هم فقط أولئك النصارى. كلا، بل هم قرؤوا ذلك في كتب الرافضة والشيعة.
أسال الله -سبحانه وتعالى- أن ينتقم لنبينا -عليه الصلاة والسلام-، أسأل الله أن ينتقم لنبيه -عليه الصلاة والسلام-، وأن يعلي قدره، وأن يجل مكانه.
خامسًا: نماذج على من آذى رسول الله وكيف كان مآله
أبو لهب: لما سب أبو له رسول الله ﷺ وقال تبا لك يا محمد ألهذا جمعتنا؟ فجاء الرد الفوري من الله تعالى، قال تعالى: (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1) مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ (2) سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ (3) وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (4) فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ (5) ) (سورة المسد)
خسرت يدا أبي لهب وشقي بإيذائه رسول الله محمدا ﷺ، وقد تحقق خسران أبي لهب، ما أغنى عنه ماله وولده، فلن يَرُدَّا عنه شيئًا من عذاب الله إذا نزل به، سيدخل نارًا جهنم ذات اللَّهب المشتعل، هو وامرأته التي كانت تحمل الشوك، فتطرحه في طريق النبي ﷺ؛ لأذيَّته، في عنقها حبل محكم الفَتْلِ مِن ليف شديد خشن، تُرْفَع به في نار جهنم، ثم تُرْمى إلى أسفلها([58]).
لفظته الأرض مرارًا: عَن أنس قَالَ: كَانَ رجلٌ نَصْرَانِيّا فَأسلم، وَقَرَأَ " الْبَقَرَة " و " آل عمرَان "، وَكَانَ يكْتب للنَّبِي، فَعَاد نَصْرَانِيّا، وَكَانَ يَقُول: مَا يدْرِي مُحَمَّد إِلَّا مَا كتبت لَهُ، فأماته الله، فدفنوه، فَأصْبح وَقد لفظته الأَرْض. فَقَالُوا: هَذَا فِعْل مُحَمَّد وَأَصْحَابه، نبشوا عَن صاحبنا فألقوه، فَحَفَرُوا لَهُ فأعمقوا، فَأصْبح وَقد لفظته الأَرْض. فَقَالُوا: هَذَا فعل مُحَمَّد وَأَصْحَابه، نبشوا عَن صاحبنا فألقوه، فَحَفَرُوا لَهُ وأعمقوا فِي الأَرْض مَا اسْتَطَاعُوا، فَأصْبح وَقد لفظته الأَرْض، فَعَلمُوا أَنه لَيْسَ من النَّاس، فألقوه ([59])..
أعمى ينتقم لرسول الله: عَنْ عُثْمَانَ الشَّحَّامِ قَالَ: كُنْتُ أَقُودُ رَجُلًا أَعْمَى فَانْتَهَيْتُ إِلَى عِكْرِمَةَ فَأَنْشَأَ يُحَدِّثُنَا قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ: (( أَنَّ أَعْمَى كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَكَانَتْ لَهُ أُمُّ وَلَدٍ وَكَانَ لَهُ مِنْهَا ابْنَانِ وَكَانَتْ تُكْثِرُ الْوَقِيعَةَ بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَتَسُبُّهُ فَيَزْجُرُهَا فَلَا تَنْزَجِرُ وَيَنْهَاهَا فَلَا تَنْتَهِي فَلَمَّا كَانَ ذَاتَ لَيْلَةٍ ذَكَرْتُ النَّبِيَّ ﷺ فَوَقَعَتْ فِيهِ فَلَمْ أَصْبِرْ أَنْ قُمْتُ إِلَى الْمِغْوَلِ فَوَضَعْتُهُ فِي بَطْنِهَا فَاتَّكَأْتُ عَلَيْهِ فَقَتَلْتُهَا فَأَصْبَحَتْ قَتِيلًا فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ ﷺ فَجَمَعَ النَّاسَ وَقَالَ أَنْشُدُ اللَّهَ رَجُلًا لِي عَلَيْهِ حَقٌّ فَعَلَ مَا فَعَلَ إِلَّا قَامَ فَأَقْبَلَ الْأَعْمَى يَتَدَلْدَلُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا صَاحِبُهَا كَانَتْ أُمَّ وَلَدِي وَكَانَتْ بِي لَطِيفَةً رَفِيقَةً وَلِي مِنْهَا ابْنَانِ مِثْلُ اللُّؤْلُؤَتَيْنِ وَلَكِنَّهَا كَانَتْ تُكْثِرُ الْوَقِيعَةَ فِيكَ وَتَشْتُمُكَ فَأَنْهَاهَا فَلَا تَنْتَهِي وَأَزْجُرُهَا فَلَا تَنْزَجِرُ فَلَمَّا كَانَتْ الْبَارِحَةُ ذَكَرْتُكَ فَوَقَعَتْ فِيكَ فَقُمْتُ إِلَى الْمِغْوَلِ فَوَضَعْتُهُ فِي بَطْنِهَا فَاتَّكَأْتُ عَلَيْهَا حَتَّى قَتَلْتُهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَلَا اشْهَدُوا أَنَّ دَمَهَا هَدَرٌ ))([60]) .
غلامان ينتقمان لرسول الله ﷺ: عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، أَنَّهُ قَالَ: بَيْنَا أَنَا وَاقِفٌ فِي الصَّفِّ يَوْمَ بَدْرٍ، نَظَرْتُ عَنْ يَمِينِي وَشِمَالِي، فَإِذَا أَنَا بَيْنَ غُلَامَيْنِ مِنَ الْأَنْصَارِ حَدِيثَةٍ أَسْنَانُهُمَا، تَمَنَّيْتُ لَوْ كُنْتُ بَيْنَ أَضْلَعَ مِنْهُمَا، فَغَمَزَنِي أَحَدُهُمَا، فَقَالَ: يَا عَمِّ، هَلْ تَعْرِفُ أَبَا جَهْلٍ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ، وَمَا حَاجَتُكَ إِلَيْهِ يَا ابْنَ أَخِي؟ قَالَ: أُخْبِرْتُ أَنَّهُ يَسُبُّ رَسُولَ اللهِ ﷺ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَئِنْ رَأَيْتُهُ لَا يُفَارِقُ سَوَادِي سَوَادَهُ حَتَّى يَمُوتَ الْأَعْجَلُ مِنَّا، قَالَ: فَتَعَجَّبْتُ لِذَلِكَ، فَغَمَزَنِي الْآخَرُ، فَقَالَ: مِثْلَهَا، قَالَ: فَلَمْ أَنْشَبْ أَنْ نَظَرْتُ إِلَى أَبِي جَهْلٍ يَزُولُ فِي النَّاسِ، فَقُلْتُ: أَلَا تَرَيَانِ؟ هَذَا صَاحِبُكُمَا الَّذِي تَسْأَلَانِ عَنْهُ، قَالَ: فَابْتَدَرَاهُ فَضَرَبَاهُ بِسَيْفَيْهِمَا حَتَّى قَتَلَاهُ، ثُمَّ انْصَرَفَا إِلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَأَخْبَرَاهُ، فَقَالَ: «أَيُّكُمَا قَتَلَهُ؟» فَقَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: أَنَا قَتَلْتُ، فَقَالَ: «هَلْ مَسَحْتُمَا سَيْفَيْكُمَا؟» قَالَا: لَا، فَنَظَرَ فِي السَّيْفَيْنِ، فَقَالَ: «كِلَاكُمَا قَتَلَهُ»، وَقَضَى بِسَلَبِهِ لِمُعَاذِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ، وَالرَّجُلَانِ مُعَاذُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ، وَمُعَاذُ بْنُ عَفْرَاءَ ([61])
خطيب يصبح حامل أحذية: ذكر الشيخ أحمد شاكر -رحمه الله- عن خطيب كان بمصر وكان فصيحًا متكلمًا مقتدرًا، فصلى معه يومًا أحَدُ أمراء مصر بعدما كرّموا طه حسين، فأراد هذا الخطيب أن يمدح هذا الأمير فقال: جاءه الأعمى فما عبس في وجهه ولا تولى، يمدح هذا الأمير ويتنقص نبينا -ﷺ-، قال: فلما انتهت الخطبة والصلاة قام الشيخ محمد شاكر -رحمه الله- أبو أحمد شاكر، قال: "أيها الناس: حسبكم! لا تخرجوا من المسجد، أعيدوا صلاتكم فإنكم صليتم وراء رجل مرتد؛ إذ تنقص رسول الله -ﷺ- أو عرَّض به، لقد ارتد عن الدين، قد صليتم خلف مرتد فأعيدوا صلاتكم".
قال أحمد شاكر: فوالله! ما زالت الأيام بذلك الخطيب حتى أذله الله، ورأيته بعيني يقف عند باب جامع من جوامع مصر يستلم أحذية الناس يحفظها لهم بالقرش والقرشين، صار أقل من خادم! نعم.
ذكر القاضي عياض: أن فقهاء القيروان كان عندهم شاعر اسمه إبراهيم الفزاري كان شاعرًا متفننًا كثير العلوم؛ لكنه كان يستهزئ برسول الله -ﷺ- فأمر القاضي حيي بن عمر بقتله، قال: فأجمع الفقهاء على أنه يقتل ردة، قال: فقتل، وطعن بالسكين وصلب منكسًا على رأسه، قال: فكانوا يحركون الخشبة التي هو معلق عليها من الأعلى، فتنحرف وتجعل ظهره إلى القبلة، قال: فيعدلونه، يريدون أن يموت تجاه القبلة، قال: فيحرفونه فلا تزال الخشبة تنحرف عن القبلة حتى مات وهو على هذا الحال.
وصلِّ اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
نسألكم الدعاء
حياة رسول الله ﷺ فيها القدوة والمثل الأعلى للشيخ مكرم عبداللطيف
عناصر الموضوع:
1-القرآن هوالمصدر الأعظم لحياة رسول الله
2-ماامتازت به حياة الرسول صل الله عليه وسلم
3-نماذج مشرقة من حياة سيد الخلق صل الله عليه وسلم
4-حرص الصحابة على اتباع رسول الله كمنهج حياة
5-بشارة لمن يتخذ رسول الله قدوة
العنصر الأول :القرآن هوالمصدر الأعظم لحياة رسول الله
-------------------------------------------------------
الحقيقة أن الراوي الأول والأعظم لسيرة النبي ﷺ والذين معه، هو القرآن الكريم، فإن المفاصل الكبرى للسيرة النبوية (يُتم النبي، أخلاقه، بداية الدعوة، حال النبي عند نزول الوحي، إنذار الأقربين، الصدع بالدعوة، تكذيب قريش والاستهزاء والتنكيل، الإسراء والمعراج، الهجرة، الغزوات الكبرى بتفصيلها والتعقيب عليها، صلح الحديبية، حديث الإفك، تخرصات المنافقين، زواجه من زينب بنت جحش، اعتزاله نساءه شهراً والتخيير القرآني لهن، خبر تظاهر بعض زوجاته عليه، مواقف الصحابة مع النبي مثل رفع الصوت عند الحجرات وعدم الانصراف المباشر بعد الطعام وحياء النبي منهم، حجاب أمهات المؤمنين، بعض الحوادث والمعاملات والنزاعات التي نشأت داخل مجتمع المدينة مثل الظِهار واللمز في الصدقات والإيثار وغيرها من المواقف، مواضع العتاب القرآني للنبي، وغير ذلك) مجموعة في كتاب الله، ومن اليسير على الدارس أن يجمع مجمل سيرته ﷺ من القرآن الكريم ليحصل على هيكلها كاملاً
ولقدأمرنا القرآن باتباع منهج الأنبياء والرسل بعدما قص علينا طرفاً من سيرهم (قصصهم)مثل قوله تعالى: { {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} } [الأنعام: 90]، { {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ} } [الممتحنة: 4]،
كماأمرنا الله عزوجل بالتأسي برسولنا ﷺ- وقد قص علينا طرفاً جامعاً من سيرته العطرة - فقال تعالى: { {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّـمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} } [الأحزاب: 21]؟
والمتأمل فى السيرة النبوية يجد أنها ترجمة لحياة الإنسان الذي تلقى الوحي الرباني من السماء وفهمه حق الفهم وعمل بمقتضاه حياة كاملة، فكانت حياته هي القرآن أو ترجماناً للقرآن،
هذا الفهم والتطبيق البشري مُصوَباً بالوحي ومُسدَداً بالتوجيه القرآني أمراً ونهياً وتعقيباً وعتاباً، فما سكت القرآن الكريم عن اجتهاد بشري لرسول الله ﷺ خالف الأولى إلا نزلت الآيات البينات: { {عَبَسَ وَتَولَّى} } [عبس: 1]، { {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} } [التحريم: 1]، { {عَفَا اللَّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ} } [التوبة: 43]، { {لَوْلا كِتَابٌ مِّنَ اللَّهِ سَبَقَ لَـمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} } [الأنفال: 68]، { {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ} } [الأحزاب: 37].
فالسيرة النبوية تتجاوز المنجز المادي والمعنوي والتفصيل الدقيق لحياة وشخصية رسول الله ﷺ إلى الفهم الكلي المستقيم والتطبيق البشري في ضوء هذا الفهم لمنهج الدين في الحياة، فهماً وتطبيقاً موجَهاً ومؤيَداً ومصوَباً بالوحي الذي لم ينقطع حتى اكتمال الرسالة، فالسيرة النبوية تتعدى تدوين الوقائع الثابتة كالمغازي والعهود والمواثيق والرسل والبعوث والسرايا والمراسلات والتوجيهات التربوية ومعالجة القضايا والمشكلات المحلية والإقليمية الناشئة في حياة المسلمين الأوائل، إلى عموم فهم الدين وطريقة إقامته في كل موقف من مواقف الحياة.
إذن السيرة هي التفسير العملي للقرآن الكريم، وبالتالي هي انعكاس لمنهج الإسلام ومفهومه الكلي، وتتميز دراسة السيرة النبوية عن دراسة النصوص المقدسة قرآناً وأحاديث، أنها تدرس ثلاثة مستويات تفاعلية من عملية التربية، فهي تدرس التغذية المتنزلة بالوحي، أي المنهج، وهو مجمل التوجيهات (الأوامر، التوصيات، النواهي) التي أمر بها القرآن، وتدرس فهم رسول الله وصحابته للنص القرآني وتطبيقهم السلوكي العملي لهذا الفهم، ثم تدرس التغذية الراجعة وهي مردود النصوص على تنمية شخصية المتلقي وتقويم مقدار التغير في سلوكها إلى المطلب الإيماني الأسمى، وتعزيز الأداء الإيجابي، وكشف الأداء السلبي ومناقشة الأخطاء. وفي بعض المواقف تدرس كذلك الحالة التي كان عليها الإنسان قبل نزول النص، فتضيف لأبعاد الدراسة التربوية بعداً رابعاً.
التنوع فى
. والواقع الذي يجب أن تفرزه الدراسة العميقة للسيرة النبوية، أنها جامعة وعامة وتقبل التباين في الفهم والاستنتاج، حيث أقرت سيرة النبي ﷺ هذا التنوع داخل المجتمع المسلم الأول، كما ما حدث في حادثة صلاة العصر في بني قريظة، فانقسام الصحابة رضوان الله عليهم حيال الأمر النبوي الكريم إلى فريقين، تعامل كل فريق مع النص النبوي بفهم وتطبيق مختلف، علق عليه ابن القيم بقوله: هؤلاء سلف أهل الظاهر، وهؤلاء سلف أصحاب المعاني والقياس
وإقرار النبي لكلا الفريقين، جعل السيرة النبوية ذاتها تنتج تنوعاً واختلافاً - اختلاف تنوع لا تضاد - داخل المجتمع المسلم نفسه. إن نظرة الخليفة عمر للمال غير نظرة عثمان، وعنهما تختلف نظرة أبي ذر الغفاري - رضي الله عن الجميع - وكل نظرة من تلك النظرات تصلح أن تؤسس لنظرية اقتصادية مستقلة ومختلفة، وكل النظريات يقبلها منهج الإسلام وأنتجتها تربية رسول الله ﷺ، بحيث يمكن وصفها بأنها كلها أُنتجت داخل منهج سيرة النبي والذين معه!
وفي السياسة اختلف رجال مجتمع السيرة النبوية كما اختلفوا في الاقتصاد، حتى نظام البيعة للخلافة التي يعتبرها المسلمون ركيزة نظريتهم في السياسة والحكم، عبّر عمر عن هذا الاختلاف بقوله: إن أستخلِف فقد استخلَف من هو خير مني: أبو بكر، وإن أترك فقد ترك من هو خير مني: رسول الله ﷺ. ثم وضع نظام الشورى بين الستة ليصبح ثالث نظام لاختيار الخليفة ينتجه العقل المسلم خلال أقل من خمسة عشر عاماً. ولذلك فإن الخطوط العريضة التي نريد أن نستلهمها من السيرة لإدارة حياتنا المعاصرة يجب أن تكون واسعة وجامعة وعامة تسمح بتعدد الرؤى والاجتهادات والبرامج داخل إطار منهج الإسلام، مع ترك التفاصيل التنظيمية تتنوع بتنوع البيئات وتتطور مع الزمن.
العنصر الثانى: ماامتازت به حياة الرسول صل الله عليه وسلم
----------------------------------------------------
لقد امتازت حياة رسول الله صلي الله عليه وسلم عن سائر البشر.
كيف لا وهو سيد البشر ﷺ
وخلاصة حياة رسول الله صل الله عليه وسلم تتلخص من خلال التتبع لكتب
السيرة النبويةفى نقطتين:
الأولى: أن رسول الله صلي الله عليه وسلم لم يكن يأمر بشيء إلا ويفعله، فكان أكثرَ الخلق التزاماً بالتكليفات التي دعا إليها، وأعظمَهم تطبيقاً لها في كل مجالات العبادات والأخلاق والمعاملات، وكان أوضحَ الناس مثالاً، وكان أصدق الناس عملاً بما يدعو إليه { وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ }.
الثانية: أنه صلي الله عليه وسلم ارتفع بأصحابه إلى تطبيق ما دعا إليه، حتى سما بهم السموَّ الذي لم تعرفه البشرية في تاريخها إلا لماماً.
وعندما نقول سنة الرسول ﷺ، فإننا نقصد طريقته، ومنهاجه، وأسلوبه في الحياة ﷺ، ولا نقصد هنا السنة كما عرفها الفقهاء، وهي: ما ثبت عن النبي ﷺ من غير وجوب، أي النوافل.
و الفقهاء قسموا الأحكام التكليفية التي كُلف بها البشر إلى خمسة أقسام: واجب، وحرام، وسنة، ومكروه، ومباح. ولما نتكلم عن موضوع السنة فليس المقصود بالسنة النافلة،
ولكن المقصود بالسنة كما عَرّفها علماء الأصول، قالوا: السُّنة: هي كل ما نُقِل عن رسول الله ﷺ من قول، أو فعل، أو تقرير.
فكل ما نقل عن رسول الله ﷺ، حتى لو كان المنقول فرضًا أو سنة، لا فرق ما دام قد نقل عن رسول الله ﷺ، سواء كان يسمى فرضًا أو يسمى نافلةً، أصبح اسمه سنة الرسول ﷺ.
القول، أو الفعل، أو التقرير، ويقصد بالقول: أيّ كلمة تكلمها ﷺ، فمثلًا قال: «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ». فأصبحت سنة الرسول ﷺ، قال: «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا».
فأي حديث قاله ينطبق عليه هذا التعريف. ويقصد بالفعل مثل ما نقله الصحابة عن رسول الله ﷺ من أفعال فعلها، كأداء الصلاة، كان يصلي الظهر أربع ركعات، كل ركعة يقرأ الفاتحة، وكل ركعة يركع، ويسجد، من حركة لحركة يقول: "الله أكبر". وفي رفعه من الركوع يقول: "سمع الله لمن حمده".
وكل ما ذكرناه عن النبي ﷺ فيه ما هو فرض، وفيه ما هو نافلة، لكن كل هذه الأشياء تدخل تحت تعريف أفعال الرسول، وبالتالي كلها سنة من سنن الرسول ﷺ.
ويقصد بالتقرير: شيء أقره الرسول ﷺ، بمعنى أن صحابي من الصحابة فعل شيئًا أمام الرسول ﷺ، والرسول سكت عنه، ولم يتكلم، فأصبحت سنة؛
لأن الرسول ﷺ لن يسكت عن باطل. أو أتى أحد الصحابة بشيء، واستحسنه الرسول ﷺ، فأصبح هذا العمل سنة؛
لأن الرسول ﷺ مدح هذا الفعل، حتى ولو لم يفعله الرسول ﷺ. فالسنة من هذا التعريف: هي كل قول، أو فعل، أو تقرير،
والأمثلة لا تحصى؛ لأن الأمثلة كلها عبارة عن حياة الرسول ﷺ بكاملها، فكل كلمة خرجت من فمه ﷺ، وكل حركة تحركها، وكل سكنة سكنها ﷺ، أي ابتسامة ابتسمها، وأي غضبة غضبها ﷺ، وأي أمر حدث أمامه وسكت، أصبح سنة، وكل أمر حدث أمام الرسول ﷺ، ونهى عنه يصبح عكس السنة.
فأنت مطالب أن تعرف كل حياة الرسول لتكون متبع لسنة الرسول ﷺ. نؤكد مرة أخرى أننا لا نقصد بكلمة السنة النوافل، بل نقصد منهج الرسول ﷺ وطريقته في الحياة.
ظاهرة فريدة ليست لأحد الا لسيد البشر
_____________________
وهناك ظاهرة فريدة جدًا ما تكررت في حياة أي إنسان على وجه الأرض،
إلا في حياة رسول الله ﷺ، وهي أنه ليس في حياته ﷺ مطلقًا أي سر، ليس في حياته سر، فكل حياته مكشوفة أمامه لنتعلم كيف نقتدي به، ونقلده،
ولعل هذا هو أحد الحكم التي من أجلها تزوج الرسول ﷺ من إحدى عشرة زوجة، هو لم يجمع أكثر من تسعة في وقت واحد،
لكن هذا العدد هو الذي ينقل كل صغيرة وكبيرة في حياة الرسول ﷺ، كانوا يعيشون معه في البيت، فرأوا كل شيء داخل البيت، زوجة واحدة لا تسطيع أن تنقل كل هذا الكم الضخم من معاملاته،
ومن الحياة الشخصية التي داخل بيت رسول الله ﷺ، والله عز وجل يريد لحياته بكاملها أن تكون مكشوفة، ومعروفة للأمة، وكل نقطة في حياته ﷺ ستضيف شيئا جديدًا.
وبذلك لم يبق أي خبر في حياة الرسول ﷺ لا نعرفه، فكل شيء معروف، وبذلك نستطيع أن نحقق قول الله سبحانه وتعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَاليَوْمَ الآَخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا} [الأحزاب:21].
إذن سنة الرسول ﷺ هي الحياة بأسرها، له سنة ﷺ في كيفية الاعتقاد في الله عز وجل، ولا بد أن نعتقد في الله كما علمنا رسول الله ﷺ، ولو خرجنا عن طريقته لضللنا،
لذا نستطيع القول بأن حياة الرسول ﷺ كلها ذات أهمية، ولم يكن في حياته أشياء خاصة، وأشياء عامة، فكل شيء قاله، أو فعله، أو أقره، هو سنة من سننه ﷺ، فنحن لا نتكلم على حياة إنسان، أو تاريخ إنسان، نحن نتكلم عن دين، نتكلم عن شرع، عن قانون متكامل، عن دستور محكم، نتكلم عن وحي من رب العالمين سبحانه وتعالى
وهذا هو المقصود من السنة في الحديث الذي رواه الإمام أحمد رحمه الله، وابن ماجه عن العرباض بن سارية رضي الله عنه وأرضاه قال: وعظنا رسول الله ﷺ موعظة ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، قلنا: يا رسول الله، إن هذه لموعظة مودع، فماذا تعهد إلينا؟ قال ﷺ: «قَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ لَيْلِهَا كَنَهَارِهَا لَا يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إِلَّا هَالِكٌ».
تركتكم على البيضاء الملة الواضحة النقية، لا يوجد فيها شيء واضح، وشيء مبهم، بل كلها بيضاء، ليس فيها ليل أسود، بل كلها نهار ساطع أبيض.
وبعد هذا الكلام يحذر النبي ﷺ تحذيرًا خطيرا جدًا فيقول: «مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلَافًا». من يطل به العمر سيرى اختلافًا كثيرًا، كزماننا الآن، فما العمل عند الاختلاف، الشرق يقول كذا، والغرب يقول كذا، والمسلمون أنفسهم منهم من يقول كذا، أو كذا، أو كذا، اختلافات، وآراء، ومدارس، ما العمل؟
مليون رأي، من يقول: إن الباليه فن راقي، وأن ما فيه من العري، والإباحية نوع من قمة الإبداع الفني الجميل. ومن يقول: الرشوة إكرامية، أو عمولة، أو سمسرة، ومشي حالك، وكَبّر دماغك. ومن يقول: إن كان لك عند الكلب حاجة قل له يا سيدي. وتسمع أمثلة ما تدل إلا على السلبية المقيتة كمن يقول: (ملناش دعوة يعني إحنا اللي هنصلح الكون يا عم أنا مالي خليني في حالي) وكل فريق من هؤلاء لديه حجة، وعنده منطق، ومن الممكن أن يجادلك ساعة وساعتين، فما العمل عند الاختلاف؟
الرسول ﷺ يقول: «مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي». ولا يعقل أن تكون معنى السنة في الحديث النافلة، بل معناها طريق الحياة، منهج الرسول، كل أمر من أمور الدنيا كلها.
«فعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ». الخلفاء الراشدون سيدنا أبو بكر، وسيدنا عمر، وسيدنا عثمان، وسيدنا علي رضي الله عنهم أجمعين. فإذا تعرض لك أمر في حياتك، ضع مكانك الرسول ﷺ، أو أبو بكر، أو عمر، أو عثمان، أو علي،
ولتنظر ماذا ممكن أن يفعل لو كنت فى مكان به أمر منكر ، كحفلة بالية مثلًا، هل كان سيحضرها الرسول ﷺ؟
هل كان من الممكن أن يسلم على الراقصين والراقصات، ويوزع هدايا؟
ويقول: ما شاء الله على الفن الجميل، والإبداع الراقي. أم كان سيمنعها ويحرمها؟ تخيل أنه ﷺ مكانك، وفي وقتها ستعرف الإجابة.
هذا الكلام ليس سهلًا، بل من الصعب بمكان؛
لذا قال الرسول: «عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِزِ». تمسكوا بكل ما تملكون من قوة، ومن عزيمة بهذه السنة، وبسنة الخلفاء الراشيدن المهديين، وإذا كان التمسك صعبًا، إلا أنه ليس مستحيل،
عضوا عليها بالنواجز، تمسكوا بها، بكل طاقة عندكم.
إن السنة التي نريدها هي التي جات في الحديث الشريف الذي رواه الحاكم، والبيهقي، وابن عبد البر، والإمام مالك عن عمرو بن عوف رضي الله عنه وأرضاه قال: قال رسول الله ﷺ: «تَرَكْتُ فِيكُمْ أَمْرَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا مَا تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا كَتَابَ اللَّهِ، وَسُنَّتِي».
فالسنة في هذا الحديث ليس المقصود بها النافلة، بل المقصود بها حياة الرسول ﷺ كلها.
وفي فهمنا لهذا المعنى الدقيق للسنة نستطيع أن نفهم الحديث الذي رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه وقال فيه ﷺ: «كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ أَبَى». قالوا: يا رسول الله، ومن يأبى أن يدخل الجنة؟ قال: «مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى».
فالمسألة في غاية الخطورة، إن مخالفتك لسنة النبي ﷺ مخاطرة بجنة عرضها السموات والأرض. فمن هذا المنطلق كانت السنة هي المصدر الثاني للتشريع في الإسلام، المصدر الثاني للقانون في الإسلام، للدستور في الإسلام،
فمصدر القانون في الإسلام، أو الدستور في الإسلام أمرين رئيسين: أول أمر: القرآن الكريم، والأمر الثاني: السنة المطهرة. ولا يصلح دستور، أو قانون في الإسلام من غير قرآن وسنة، لا غنى أبدًا عن أحدهما.
ومع كل ما قلناه وتحدثنا عنه، لكن تجد كثيرًا من الناس يعترض على السنة، يقولون: إن القرآن يكفي ولا نحتاج للسنة. يطعنون في قضايا كثيرة جدا جاءت في السنة المطهرة، فتجد من يطعن في الشفاعة، ومن يطعن في الحياة في القبر، ومن يطعن في الهدي الظاهر، ومن يطعن في الحدود، ويتاح لهم مساحة واسعة جدًا في الإعلام،
مع أن الرد عليهم سهل جدًا، وميسور، ومستحيل أن تجد مؤمنًا واحدًا حريصًا على دينه يستطيع أن يستغنى عن السنة.
العنصر الثالث:نماذج مشرقة من حياة سيد الخلق صل الله عليه وسلم
---------------------------------------------------------------
والذى ينظر فى كتب السيرة يجدها ملأى بالنماذج العظيمة والمواقف الرائعة في ذلك كله، سواء في سيرته صلي الله عليه وسلم أو في سيرة الجيل الذي ربّاه على عينه، فكان كلُّ فرد منهم آيةً من آيات نبوته ودليلاً من أدلة صدقه، بل معجزةً ظاهرةً دالةً على كمال رسالته صلي الله عليه وسلم.
وهذا ما لا يتوفر في سيرة أحد من الأنبياء أو المصلحين من قبله ولا من بعده صلي الله عليه وسلم، فعندما يقول النصارى مثلا: إن المسيح عليه السلام يقول: "من ضربك على خدك الأيمن فأدر له خدك الأيسر"، ويقول: "باركوا لاعنيكم وأحبوا أعداءكم". فهل طبق هذا الكلام أحدٌ منهم في السابق أو في هذه الأيام؟! لا والله، وإنما واقعهم يقول: إذا ضربك أحد على خدك الأيمن فاضرب خده الأيمن والأيسر والوجه والقفا، ومزقه مزقا! حتى فيما بينهم في الحروب العالمية وغيرها.
لكن..تعال للحبيب صلي الله عليه وسلم، تجد أنه أتى بدين واقعي، لا يكلفنا فوق ما نطيق، وفي هذا الجانب مثلا تجد الآية {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} [الشورى:40].
ويعلمنا أن العدل يقتضي مقابلة السيئة بعقوبة مثلها، وأن العفو عن المسيء درجة عالية تحتاج عزيمة أمضى وصدراً أوسع، ويدعونا إلى استخدام تلك الدرجة العالية من الإنسانية في موضعها اللائق مع من يستحقها ، وذلك بأن نعفو ونصفح عن المؤمن الذي زلَّ زلةً، وأخطأ خطأً، ولا نعفو ونصفح عن الكافر الذي يحارب دين الله، فيقول تعالى: {وَقَاتِلُوا المُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ الله مَعَ المُتَّقِينَ} [التوبة:36]، ويقول: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة:194].
أي: حينما يكون الكلام مع الكفار الذين يحاربون دين الله، فلا يعقل أن نقول: باركوا لاعنيكم وأحبوا أعداءكم!! وإنما يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ}} [الممتحنة:1]، وهذا هو الكلام المنطقي، أننا لا نتخذ عدو الله وليا، يقول سبحانه: {وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [الممتحنة: 9]. ويقول: {وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ الله لاَ يَهْدِي القَوْمَ الظَّالِمِينَ} [المائدة: 51]. ويقول {لاَ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ الله وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ} [المجادلة:22]. ويقول: {قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي القَوْمَ الفَاسِقِينَ} [التوبة: 24].
وهذا هو الكلام المنطقي. أن أعفو عن أخي إذا زل زلة.. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى المُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِم} [المائدة: 54].
فعندما يخطئ فيّ أخي المسلم، أقول له: سامحك الله، وأقول: إن النبي صلي الله عليه وسلم أُوذي بأكثر من هذا، فأنا أصبر.
أما أن يضربني عدوي، فأقول: أنا صابر وأسامحه، وأتمسك بما يسمونه -زوراً- السلام؛فهذا ليس من المنطق ولا من العقل!!
والمشكلة أن الأمة حين تتنكب طريق رسول الله صلي الله عليه وسلم تجد أن الناس قد قلبوا الآيات، فبدلاً من أن نتمثل قوله تعالى{أَشِدَّاءُ عَلَى الكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح: 29]، نجد العكس من ذلك، أشداء على المؤمنين رحماء على الكافرين!!، وبدلا من أن نتمثل قول رب العزة: {أَذِلَّةٍ عَلَى المُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الكَافِرِينَ} [المائدة: 54]، نجد العكس من ذلك، يقف المسلم أمام الكافر باحترام وأدب وهيبة ويتلطف في الكلام في الوقت الذي يتجبر فيه على إخوانه المؤمنين! فأين المنطق في هذا؟!وقد قال الله تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا}
لم يكن البشير النذير صلي الله عليه وسلم يضيع حقا للأمة عند عدوها، فبمجرد أن نقض يهود بني قينقاع العهد، وكشفوا سوءة المرأة المسلمة؛ حاربهم الرسولُ صلي الله عليه وسلم مباشرةً وأجلاهم عن المدينة، وأيضاً يهود بني النضير نقضوا العهد وأرادوا قتله صلي الله عليه وسلم، فحاربهم وأجلاهم عن المدينة. كذلك يهود بني قريظة نقضوا العهد وحالفوا الأحزاب على رسول الله صلي الله عليه وسلم، فحاربهم وأجلاهم عن المدينة.
وعندما بدأ اليهود في خيبر يؤلبون القبائل على رسول الله صلي الله عليه وسلم، ويعدون العدة لملاقاته، غزاهم وأخرجهم.
وعندما كانت قريش تكيدُ له و للمسلمين كان صلي الله عليه وسلم يخرج مباشرة لحربهم وقتالهم{وَقَاتِلُوا المُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً} [التوبة: 36]. هذا هو المنطق الطبيعي.
عندما يأتي مسلم ويسيء الأدب مع رسول الله صلي الله عليه وسلم، فإنه صلي الله عليه وسلم يقول له: عفوت عنك.. نعم؛ لأن العفو هنا دليل على كرم النفس.
أما العفو عن الأعداء فهو دليلٌ على الذل، ودليلٌ على الهوان؛ ولهذا كان منطقُ الإسلام في كل ما يدعو إليه منطقياً واقعياً يتعامل مع حقائق الأشياء، لا يطلب منك فوق ما تستطيع، ولا يكلفك بمثاليات لا يمكن تطبيقها أبدا.
فالله تعالى كلفنا بتكليفات بإمكاننا أن نفعلها، ونهانا عن أشياء ما أسهل الامتناع عنها، وما نهانا عن شيء إلا وفي تركه مصلحة، وما أمرنا بشيء إلا وفي فعله مصلحة.
تعال إلى سيرة الحبيب صلي الله عليه وسلم، فستجدها تطبيقًا عملياً للمبادئ التي دعا إليها. فعندما قال الله عز وجل: {وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا الله إِنَّ الله خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المائدة: 8]، فإن النبي صلي الله عليه وسلم طبق العدل حتى مع المخالفين! وقال كلمة الحق حتى على أتباعه من المسلمين، وإذا أردنا مثالا، نجد القرآن يقول لهصلي الله عليه وسلم {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ الله وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا وَاسْتَغْفِرْ الله إِنَّ الله كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا وَلَا تُجَادِلْ عَنْ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ الله لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا} [النساء: 107].
فلا يحكم النبي صلي الله عليه وسلم بالهوى ولا يستجيب لمن يريد خداعه عن الحق.وكذلك علم أصحابه تطبيق هذه القيمة؛ حتى نأخذ المثل.
عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ رَسُولَ الله صلي الله عليه وسلم كَانَ يَبْعَثُ عبد الله بن رواحة إِلَى خَيْبَرَ فَيَخْرُصُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ يَهُودِ خَيْبَرَ، قَالَ: فَجَمَعُوا لَهُ حَلْيًا مِنْ حَلْيِ نِسَائِهِمْ، فَقَالُوا لَهُ: هَذَا لَكَ، وَخَفِّفْ عَنَّا، وَتَجَاوَزْ فِي الْقَسْمِ! فَقَالَ عَبْدُ الله بْنُ رَوَاحَةَ: يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ وَالله إِنَّكُمْ لَمِنْ أَبْغَضِ خَلْقِ الله إِلَيَّ، وَمَا ذَاكَ بِحَاملِي عَلَى أَنْ أَحِيفَ عَلَيْكُمْ، فَأَمَّا مَا عَرَضْتُمْ مِنْ الرَّشْوَةِ فَإِنَّهَا سُحْتٌ، وَإِنَّا لَا نَأْكُلُهَا. فَقَالُوا: بِهَذَا قَامَتْ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ [أخرجه مالك مرسلا في كتاب المساقاة، ما جاء في المساقاة، ص703. وأخرجه أحمد موصولا بسند حسن عن جابر [14953].].
فقال سيدنا عبد الله بن رواحة رضي الله عنه كلمة تدل على أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قد ربَّى جيلا نوّر الدنيا وأضاء وجه الحياة، وهذا هو العدل، حتى مع المخالف..
وهكذا كانت سيرته صلي الله عليه وسلم واقعية عملية، طبقها على نفسه، وربى أصحابه على تطبيقها.
أمرنا الإسلام بالاعتدال والواقعية، ولم يأت بمبادئ خيالية لا يستطيع الناس تطبيقها، ولا برهبانية النصارى، التي قال الله عنها: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا} [الحديد: 27]. إنما جاء بدين حق يسهل على الناس تطبيقه، يدعو إلى أخذ الدنيا مع العمل للآخرة، قال تعالى: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلاَ تَبْغِ الفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ المُفْسِدِينَ} [القصص: 77].
بهذا كان الرسول صلي الله عليه وسلم وحده هو القدوة، وهذا معنى قول المصلحين الصالحين. "الرسول قدوتنا"، فلا توجد قدوة تصلح لسائر البشر، عند هذا ولا ذاك، غيره صلي الله عليه وسلم.
فالسيرة التي تصلح للقدوة هي سيرة حبيبك صلي الله عليه وسلم، فأين أنت من التطبيق العملي لهذه السيرة الكريمة؟!!.
هذا ما يجب أن نتداعى إليه، وأن يأمر بعضنا بعضا به. ونسأل الله العظيم كما رزقنا الإيمان به في الدنيا ولم نره، أن يرزقنا يوم القيامة شفاعته، وأن يحشرنا خلفه.
العنصر الرابع :حرص الصحابة على اتباع رسول الله كمنهج حياة
-----------------------------------------------------------------
تعالوا بنا لنرى كيف كان الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم يتعاملون مع السنة ويتبعون الرسول ﷺ؟ كيف كان حرصهم على أن يعرفوا كل نقطة في حياة الرسول ﷺ؟ كم نالهم من التعب من أجل ألا تتركهم سنة من سنن الرسول ﷺ؟
الفاروق عمر رضى الله عنه
روى البخاري ومسلم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه قال: كنت أنا وجار لي من الأنصار في بني أمية بن زيد -هذا الجار هو عتبان بن مالك- وكنا نتناوب النزول على رسول الله ﷺ، ينزل يومًا، وأنزل يومًا، فإذا نزلت جئت بخبر ذلك اليوم من الوحي، وإذا نزل فعل مثل ذلك. فالقضية تهمه وتشغل باله، فحياته لم تقف، بل يعمل، ويتاجر، ويتزوج، لكنه حريص كل الحرص أن يعرف كل نقطة في حياة الرسول ﷺ. إن من يسمع عن قصة سيدنا عمر، أو يسمع عن تاريخ الرسول ﷺ يظن أن سيدنا عمر ليله ونهاره مع الرسول ﷺ، لا يتركه لحظة من لحظات حياته، ولكن الأمر على عكس ذلك، فكانت لهم حياتهم الخاصة، ولكن في نفس الوقت كان حريصًا على معرفة كل شيء في حياة الرسول ﷺ. لماذا لا نتشبه بهم، ونقتفي أثرهم؟ وإذا كنت تختلق أعذارًا بأنه ليس لديك وقت لتفعل كما كان يفعل سيدنا عمر وسيدنا عتبان بن مالك، فمن الممكن أن تقرأ في السنة، وتنقل ما قرأته لجارك، وينقل لك ما قرأه، وتسطيعون أن تقتسموا فروع العلم المختلفة، وتدارسوها، وبذلك تسطيع معرفة منهج، وسنة النبي صلى الله عليك وسلم. إن عمر بن الخطاب وهو من هو، كان يتعلم، ويتعاون لمعرفة السنة النبوية من عتبان بن مالك، يتعاون معه على البر والتقوى، مع أن هذا الجار كثير منا لا يعرفه، فمن منا يعرف عتبان بن مالك؟ فليس أبا بكر، أو عثمان، ومع ذلك سيدنا عمر كان يستفيد منه، وأكيد عمر رضي الله عنه كان يفيده.
عبدالله بن عباس رضى الله عنهما
عبد الله بن عباس رضي الله عنهما كم كان حريصًا على السنة! وكان ينام على باب بيت الصحابة، يحكي عن نفسه، فيقول فيما رواه الدارمي بسند صحيح عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما يقول عن نفسه: لما توفي رسول الله ﷺ، قلت لرجل من الأنصار: يا فلان هلم فلنسأل أصحاب النبي ﷺ، فإنهم اليوم كثير. قال: واعجبا لك يا ابن عباس أترى الناس يحتاجون إليك، أترى الناس يحتاجون إليك وفي الناس أصحاب النبي ﷺ؟ فيقول عبد الله بن عباس: فترك ذلك، وأقبلت أنا -يعني على المسألة- فإن كان ليبلغني الحديث عن الرجل، فآتيه، وهو قائل، فأتوسد ردائي على بابه، فتسفي الريح على وجهي التراب، فيخرج فيراني، فيقول: يا ابن عم رسول الله ﷺ ما جاء بك؟ ألا أرسلت إلي فآتيك. فأقول: لا، أنا أحق أن آتيك. فأسأله عن الحديث. قال ابن عباس رضي الله عنهما: فبقي الرجل، حتى رأني، وقد اجتمع الناس علي. مرت الأيام وعبد الله بن عباس أصبح من علماء المسلمين واجتمع عليه الناس فقال الرجل الانصاري: كان هذا الفتى أعقل مني.
أبو هريرة رضى الله عنه
روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه يقول عن نفسه: إن الناس يقولون أكثر أبو هريرة. يستعجب الناس من رواية أبي هريرة لكل الأحاديث التي عن رسول الله ﷺ، فقد روى أكثر من سبعة آلاف حديث، حتى من عاصره كان يستعجب من هذا الكم الضخم الذي رواه أبو هريرة فقد أسلم في سنة سبعة من الهجرة، لم يصاحب النبي ﷺ أكثر من أربع سنين فقط، لكنه روى أكثر من سبعة آلاف حديث من صحبة أربع سنين فقط مع الرسول ﷺ، أكثر من روى الصحابة، روى أكثر من كل الصحابة الذين عاشوا مع الرسول عشرين سنة، وأكثر من عشرين سنة، فيقول: إن الناس يقولون أكثر أبو هريرة، ولولا آيتان في كتاب الله ما حدثت حديثًا عن رسول الله ﷺ قوله تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ البَيِّنَاتِ وَالهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ . إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة:159-160]. تحذير خطير جدًا للذي يكتم آيات الله عز وجل، أو يكتم أي علم وصل عن طريق رسول الله ﷺ،
فأبو هريرة يخاف من هذا التحذير، فكل معلومة عرفها من الرسول ﷺ أحب أن يقولها، فقال كل الأحاديث التي عرفها، وكيف تسنى لأبي هريرة معرفة هذا الكم الهائل من الأحاديث عن غيره من الصحابة؟ يفسر ذلك أبو هريرة بقوله: إن إخواننا من المهاجرين كان يشغلهم الصفق في الأسواق -يعني التجارة- وإن إخواننا من الأنصار كان يشغلهم العمل بأموالهم، وإني كنت ألزم رسول الله ﷺ بشبع بطني. فكان من الفقراء المحتاجين رضي الله عنه وأرضاه من أهل الصفة، فكان أبو هريرة رضي الله عنه وأرضاه يسد ثغرة مهمة جدًا، وهي نقل الأحاديث النبوية بمفرده كما ذكرنا أكثر من سبعة آلاف حديث، فجلوسه مع النبي ﷺ كان مفيدًا جدًا، ولكن لم يتفرغ كل الصحابة تفرغ أبو هريرة، بل عملوا في سد ثغرات أخرى، وليس المطلوب منك أن تكون كأبي هريرة، وتفرغ نفسك تفرغًا تامًا، وتترك أعمالك، وتجارتك، ولكن يتعاون كل المجتمع على سد كل الثغرات،
فالصحابة لم يتفرغوا كلهم لنقل الحديث كأبي هريرة، لكنهم تعاونوا ليستفيدوا من بعضهم البعض، والصحابة لم يكن عندهم مانع أن يقطعوا المسافات، والمسافات، والبلاد، والبلاد، من أجل معرفة رأي الرسول ﷺ في قضية من القضايا، حرص عجيب على السنة، وهذا المعنى هو الذي نريد ترسيخه فينا
«كَيْفَ وَقَدْ قِيلَ»
. روى البخاري عن عقبة، عن الحاكم رضي الله عنه وأرضاه أحد الصحابة كان يعيش في مكة، والرسول كان يعيش في المدينة، فتزوج عقبة ابنة أبي إيهاب بن عزيز رضي الله عنه، فأتته امرأة، قالت له: إيه، إني قد أرضعت عقبة، والذي تزوج. فقال لها عقبة: ما أعلم أنك أرضعتيني ولا أخبرتيني قبل الزواج. لكنه كان تزوج، فركب إلى رسول الله ﷺ بالمدينة، ذهب من مكة للمدينة ليسأله ﷺ، فسأله ولم يكن يعرف ذلك قبل الزواج، وتزوج، وبعد ما تزوج عرف، فتبسم رسول الله ﷺ، وقال: «كَيْفَ وَقَدْ قِيلَ». يعني أنت عرفت، ثم أمره أن يفارقها، ففارقها عقبة، ونكحت زوجًا غيره، الشاهد هو حرص الصحابة الشديد على رأي رسول الله ﷺ على رأي الشرع، لم يسأل أحد الصحابة في مكة، وينتهي الأمر، ولكنه يسافر من مكة للمدينة خمسمائة كيلوا في الصحراء؛ لكي يسأل عن مسألة واحدة، فالمسألة مهمة، وتستلزم،
(لابد من معرفة رأى الدبن فى كل شئون الحياة )
ليس كل إنسان يحرص هذا الحرص على معرفة رأي الدين. كثير من الناس تسألني عن مسائل طلاق، وزواج، وتعرف منه بعد ما تسمع حكايته أنه طلق قبل ذلك مرة، واثنتين، وثلاثة، ولا يزال مع امرأته، وتسأله كيف ذلك؟ فيقول: سألت واحد أعرفه، وقال لي لو كنت غضبان فليس ذلك بطلاق. ويمر الأمر ببساطة. قضايا ضخمة جدًا في حياة الناس، لكن ببساطة شديدة تؤخذ الأمور، نحن نحتاج أن نبذل مجهودًا ومجهودًا كبيرًا لنعرف رأي الدين في كل قضية من القضايا مهما صغرت هذه القضية في أعيننا، لا بد من معرفة رأي الدين، لا يوجد أمر صغير، وأمر كبير، بل يوجد أمر حلال، وأمر حرام، هذا ما نريد فهمه ودراسته من حياة الصحابة.
حديث القصاص يوم القيامة
( ورحلة جابربن عبدالله فى طلبه )
روى الإمام أحمد، والطبراني، وأبو يعلى رحمهما الله جميعا عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: بلغني حديثًا عن رجل سمعه من رسول الله ﷺ. الرجل سيدنا جابر، ويعيش في المدينة المنورة، سمع أن هناك حديثًا قاله أحد الصحابة في الشام، وكان عبد الله بن أنيس رضي الله عنه وأرضاه من صحابة رسول الله ﷺ ويعيش في الشام، ويريد سيدنا جابر بن عبد الله أن يسمع بنفسه الحديث من عبد الله بن أنيس، وهذا ما يسميه علماء الحديث بعلو السند، بدلًا ما يسمع من فلان عن فلان عن عبد الله بن أنيس، بل يسمع منه مباشرة، فيكون أوثق في المعرفة، يقول: فاشتريت بعيرًا، ثم شددت عليه رحلي، فسرت إليه شهرًا، حتى قدمت عليه الشام، فإذا عبد الله بن أنيس الأنصاري رضي الله عنه، فقلت للبواب: قل له جابر على الباب. فقال: ابن عبد الله؟ فقال: نعم. فخرج يطأ ثوبه، فاعتنقني، واعتنقته، فقلت: حديث بلغني عنك أنك سمعته من رسول الله ﷺ في القصاص، فخشيت أن تموت، أو أموت قبل أن أسمعه. فقال عبد الله بن أنيس: سمعت رسول الله ﷺ يقول: « يُحَشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ- أَوْ قَالَ: الْعِبَادُ- عُرَاةً غُرْلًا بُهْمًا». فقالوا: وما بهمًا؟ فقال: « لَيْسَ مَعَهُمْ شَيْءٌ، ثُمَّ يُنَادِيهِمْ بِصَوْتٍ يَسْمَعُهُ مَنْ بَعُدَ كَمَا يَسْمَعُهُ مَنْ قَرُبَ: أَنَا الْمَلِكُ، أَنَا الدَّيَّانُ، لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ أَنْ يَدْخُلَ وَلَهُ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَقٌّ، حَتَّى أَقُصَّهُ مِنْهُ، وَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ وَلِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ عِنْدَهُ حَقٌّ حَتَّى أَقُصَّهُ مِنْهَ حَتّى اللَّطْمَةُ». فكيف الحال بمن يظلم، ويعذب، ويشرد، بدون وجه حق؟ يقول عبد الله بن أنيس: فقلنا: كيف وإنما نأتي الله عز وجل عراة غرلًا بهما؟ قال ﷺ: «بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ». فأخذه جابر بن عبد الله، ورجع إلى المدينة المنورة،
حديث واحد يا ترى عندنا كم كتاب في المكتبة فيهم أحاديث لرسول الله ﷺ لم نقرأها، ونحتج بأنه لا وقت لدينا، فكيف استطاع جابر بن عبد الله أن يذهب إلى الشام في شهر ويعود في شهر من أجل حديث واحد؟ الفارق أنه يعطي له أهمية كبيرة، أحيانًا يفرغ الإنسان منا نفسه أسبوعًا كاملًا ليذهب فيه للمصيف؛ لأنه يعرف قيمة المصيف، تجد عنده ساعتين يشاهد المباراة؛ لأنه يعرف قيمة المباراة، ومن الممكن يفرغ نفسه نصف يوم ليشاهد المباراة في الإستاد لأن الموضوع له قيمة عنده. فعلى قدر أهمية الموضوع تجد له وقت، فلو أعطيت لدراسة السنة، وعلم رأي الدين في قضية من القضايا أهمية ستجد وقت تعمل كجابر، وغيره من الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم.
أبو أيوت الانصارى
روى أحمد، والبيهقي عن عطاء بن أبي رباح رحمه الله -عطاء من التابعين- يقول: إن أبا أيوب الأنصاري رضي الله عنه وأرضاه رحل إلى عقبة بن عامر رضي الله؛ ليسأله عن حديث سمعه من رسول الله ﷺ -أبو أيوب يعيش في المدينة المنورة، وعقبة بن عامر يعيش في مصر- يقول: فلما قدم إلى منزل مسلمة بن مخلد الأنصاري رضي الله عنه وأرضاه، وكان أمير مصر في ذلك الوقت، خرج إليه، فعانقه، ثم قال له مسلمة: ما جاء بك يا أبا أيوب؟ قال: حديث سمعه عقبة من رسول الله ﷺ في ستر المؤمن، دلني على عقبة أسمع منه الحديث. فقال: نعم. فذهب معه لسيدنا عقبة رضي الله عنه، قال عقبة لما رأى أبا أيوب: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «مَنْ سَتَرَ مُؤْمِنًا فِي الدُّنْيَا عَلَى كُرْبَتِهِ سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ». هذا السطر الذي من أجله جاء أبو أيوب من المدينة المنورة إلى مصر، فيقول راوي الحديث: ثم انصرف أبو أيوب إلى راحلته فركبها راجعًا إلى المدينة. لم يقعد في مصر، ولا لحظة، الهدف عنده واضح جدًا، الهدف عنده أن يعرف السنة، ليس لديه وقت يصرفه في حاجة أخرى،
هؤلاء هم أصحاب رسول الله ﷺ. ليس المقصود أن تسافر من بلد لبلد لتتعلم السنة، وإن كان هذا أحيانًا كثيرًا جدًا يكون مطلوب، لكن المقصود منك أن تكون واسع الاطلاع على الكتب الموجودة في بيتك، وتقرأها، وتشتري إن لم يكن عندك في البيت، احضر درس العلم في مكانك الذي تسكن فيه، واسأل الشيخ الذي تعرفه عن القضايا التي تعرض لك في حياتك من قضايا الإسلام، وما أكثر هذه القضايا؛ لأن هذه القضايا فيها عمرك كله، كل صغيرة وكبيرة في حياتك، هذا هو المقصود من سماع هذه الحكايات عن جيل الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم. الصحابة كانوا يقاطعون من لم يلتزم بالسنة، والمقصود بمقاطعة من لم يلتزم بالسنة: هو مقاطعة من يصر على مخالفة نهج رسول الله ﷺ في حياته، وليس من يترك النافلة.
السنة هي حياة رسول الله ﷺ، أوامر رسول الله ﷺ، أو النواهي التي نهى عنها رسول الله ﷺ، فالصحابة حين يعرفون أحدًا يصر على مخالفة نهج رسول الله ﷺ كانوا يقاطعونه.
روى البخاري، ومسلم، وغيرهما عن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه أنه رأى رجلا يقذف -يعني يرمي طيرًا بحجر بالنبلة- بالمقلاع، فقال له: لا تقذف، فإن رسول الله ﷺ نهى عن القذف، ثم قال: وقال رسول الله ﷺ: «إِنَّه لَا يُصَادُ بِهِ صَيْدٌ، وَلَا يُنْكَى بِهِ عَدُوٌّ». يعني تعلمه لن يفيدك في الصيد، ولن ينفع في الجهاد، لكنها قد تكسر السن، وتفقأ العين، فليس هناك أي مصلحة في استعمال هذا القذف، والطير الذي قذف بالحجارة، لو وقع ميت، لن ينفع أكله، الشرع يسميه وقيذًا، وأكل الوقيذ محرم؛ لأنه مات بقوة الرمي، لم يمت بحدها، فلا توجد مصالح في الموضوع، فالله سبحانه وتعالى لما ذكر المحرمات في الطعام في سورة المائدة ذكر منها {وَالمَوْقُوذَةُ} [المائدة:3]، يعني فهو من أكثر من وجه ممنوع، فعبد الله بن مغفل رأى الرجل يقذف، فأمره ألا يقذف، وفسر ما قاله الرسول ﷺ، ثم رأه بعد ذلك يقذف، بعد ما نصحه، وأمره، ونهاه، فقال له: أحدثك عن رسول الله ﷺ أنه نهى عن القذف، أو كره القذف، وأنت تقذف، لا أكلمك كذا وكذا. في رواية مسلم، قال: لا أكلمك أبدا. في الأول نصحه، ثم لما رآه يقوم بعمل في نظره كبير جدًا، رآه يخالف السنة، قرر أن يقاطعه.
ومن هنا أجاز العلماء أن يُقَاطع الذي يخالف السنة عمدًا، حتى، وإن كانت المقاطعة أكثر من ثلاثة أيام، طبعًا بعد أن يقدم له النصح والإرشاد. اتباع دون سؤال عن الحكمة الشيء العظيم في الصحابة أنهم كانوا يتبعون رسول الله ﷺ حتى دون أن يسألوا عن الحكمة، روى البخاري ومسلم وغيرهما عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه جاء إلى الحجر الأسود، ولا يعرف الحكمة من ذلك يقول: إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت النبي ﷺ يقبلك ما قبلتك. هذه الجملة أسلوب حياة، فالرسول إن قال شيئًا، أو فعله، أعمله حتى لو لم أكن أفهم الحكمة.
فالسنة كانت منهج حياة؛ لذا كانت الحياة سهلة عند الصحابة، ومواطن الحيرة كانت قليلة جدا، يصبح كل الهم هو البحث عن فعل الرسول، أو قول الرسول ﷺ فإذا عرفنا رأيه تتبعناه. روى البخاري عن عمر رضي الله عنه قال: فما لنا وللرَّمَل إنما كنا رأينا به المشركين وقد أهلكهم الله. والرَّمَل هو المشي السريع مع تقارب الخطى، يعنى من ضمن مناسك الحج هذا الكلام أول ما فُعِل كان في عمرة القضاء سنة سبعة هجرية، الرسول ﷺ كان يريد أن يري الكفار قوة المسلمين، فأمر الصحابة بالكشف عن الأكتاف، وبالرَّمَل السريع؛ ليُخَوّف المشركين من قوة المسلمين، فظن عمر انتهاء الأمر الآن؛ لأنه لا يوجد مشركون، كل الجزيرة أسلمت وكل الحجاج مسلمون، فليس له شأن، ثم رجع لنفسه بسرعة، وقال: شيء صنعه النبي ﷺ، فلا نحب أن نتركه. حتى لو قال العقل غير ذلك، لا بد من اتباع عمل الرسول ﷺ.
روى البخاري، ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: اتخذ النبي ﷺ خاتمًا من ذهب -قبل تحريم الذهب على الرجال- فاتخذ الناس خواتيم من الذهب. لم يقل لهم البسوا، لكن الصحابة حريصة على أن تقلد الرسول في كل شيء، ثم بعد ذلك قال: «إِنِّي اتَّخَذْتُ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ، فَنَبَذْتُهُ» . ثم قال: «إِنِّي لَنْ أَلْبَسَهُ أَبَدًا». حُرّم على الرجال، فنبذ الناس خواتيمهم، فالموضوع في غاية البساطة عند الصحابة، فهم لم يسألوا النبي ﷺ الحكمة من لبس الخاتم حينما لبسه، ولم يسألوه عن الحكمة لما نبذه.
روى أبو داود، وأحمد، والدارمي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وأرضاه قال: بينما رسول الله ﷺ يصلي بأصحابه إذ خلع نعليه، فوضعهما عن يساره، فلما رأى ذلك القوم، ألقوا نعالهم، فلما قضى رسول الله ﷺ صلاته، قال: «مَا حَمَلَكُمْ عَلَى إِلْقَاءِ نِعَالِكُمْ؟»، قالوا: رأيناك ألقيت نعليك، فألقينا نعالنا. فقال رسول الله ﷺ: «إِنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ آتَانِي فَأَخْبَرَنِي أَنَّ فِيهِمَا قَذَرٌ. أو قال: أَذًى». خلعهم ﷺ لسبب مؤقت، وهذا السبب ليس عند الصحابة. لكن الشاهد هو حرص الصحابة على الاتباع، لم ينتظروا إلى انتهاء الصلاة، ثم يسألوا، فبمجرد رؤية الرسول يفعل شيئًا، يعملونه. هناك كثير يظنون أن هذا الكلام مبالغة من الصحابة، أبدا الرسول ﷺ ليس مجرد شخص معجبين به، أو انبهر الصحابة بأفعاله، فالرسول ﷺ رسول من الله رب العالمين، كل خطوة من خطواته بأمر من الوحي، أو مراجعة بالوحي، ففي تقليده نحن نعمل ما أراده ربنا سبحانه وتعالى منا، وحينما نعمل ما أراده ربنا سبحانه وتعالى نسعد في الدنيا، ونسعد في الآخرة إن شاء الله، وندخل الجنة التي هي منتهى أحلام المؤمنين، لهذا كان الصحابة يحرصون جدا على تقليد الرسول في كل حركة من حركاته ﷺ
وكان ﷺ حريص جدا على ترسيخ هذا المعنى في قلوب، وعقول الصحابة، فتربى الصحابة على هذه الصورة. موقف من المواقف المهمة في حياة الصحابة يرويه الإمام مالك في موطأه عن عطاء بن يسار رحمه الله، وعطاء من كبار التابعين بالمدينة، روى أن رجل قَبّل امرأته، وهو صائم في رمضان، فوجد من ذلك وجدًا شديدًا -يعني حزن حزنًا كبيرًا يخاف أن يكون قد ارتكب محظورًا- فأرسل امرأته تسأل له عن ذلك. عنده مراقبة داخلية لله عز وجل، حريص أنه يعرف رأي الرسول ﷺ. بعث امرأته تسأل إحدى زوجات الرسول ﷺ، فدخلت الزوجة على أم سلمة زوج النبي ﷺ، فذكرت ذلك لها، فأخبرتها أم سلمة أن رسول الله ﷺ يُقَبّل، وهو صائم فرجعت، فأخبرت زوجها، بذلك فزاده شرًا، وقال: لسنا مثل رسول الله ﷺ، الله يحل لرسوله ﷺ ما شاء. وهذا اجتهاد من الرجل، فرجع امرأته إلى أم سلمة، فوجدت عندها رسول الله ﷺ، فقال رسول الله ﷺ: «مَا لِهَذِهِ الْمَرْأَةِ؟» فأخبرته أم سلمة، فقال رسول الله ﷺ: «أَلَا أَخْبَرْتِيهَا أَنِّي أَفْعَلُ ذَلِكَ». فقالت السيدة أم سلمة له: قد أخبرتها، فذهبت إلى زوجها، فأخبرته، فزاده ذلك شرًا، وقال: لسنا مثل رسول الله ﷺ، الله يحل لرسوله ما شاء. فغضب الرسول غضبًا شديدًا ﷺ، ومواطن الغضب في حياة الرسول ﷺ قليلة جدًا، لا يغضب إلا إذا انتهكت حرمة من حرمات الله عز وجل، وهذا الرجل يشدد على نفسه، ولكن لا بد من تقليد الرسول في كل نقطة من نقاط حياته، قال ﷺ: «وَاللَّهِ إِنِّي لَأَتْقَاكُمْ لِلَّهِ وَأَعْلَمُكُمْ بِحُدُودِهِ». فما فعله رسول الله ﷺ هو الحلال، والذي منعه هو الحرام، من غير تكلف في شيء، فعمله ﷺ في العبادة، في الطاعة، في التقرب إلى الله، وما دام أمر المسلمين به، أو لم يخص به رسول ﷺ، فعلى المسلمين أن يعملوه من غير زيادة، ولا نقصان.
موقف الصديق الاكبر
وهذا الموقف خير دليل على اتباع أوامر النبي ﷺ، الرسول ﷺ أخرج جيشًا لحرب الروم قبل موته بأيام قليلة، ثم مات ﷺ، وارتدت جزيرة العرب بكاملها إلا ثلاث مدن وقرية. وتخوف الناس على المدينة، بل تخوفوا على الإسلام، ولكن في هذا الجو المشحون، والمدينة وضعها في منتهى الخطورة، والجزيرة كلها مرتدة، وقد تهجم على المدينة في أي لحظة، في هذا الجو المشحون أصر أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه على إنفاذ جيش أسامة بن زيد لمحاربة الروم، ولم يوجهه لمحاربة المرتدين، أو لحماية المدينة، بل عمل على إنفاذه لمحاربة الروم، وإن كان خطر المرتدين على المدينة أوقع، ولكن لا بد من إنفاذه؛ لأن مُخْرِجه هو الرسول ﷺ، فجاءت الناس تخاطب الصديق رضي الله عنه وأرضاه ليترك الجيش في المدينة لحمايتها، ولكنه أَبَى، وقال: لو أن الطير تخطفنا، ولو أن السباع حول المدينة، ولو جرت الكلاب بأرجل أمهات المؤمنين ما رددت جيشًا وجهه رسول الله ﷺ ولا حللت لواء عقده. كيف يأمر الرسول بأمر، أو يعمل شيئًا، وأخالفه، وهذا من فهمه رضي الله عنه وأرضاه،
ومن أعظم صفات الصديق رضي الله عنه وأرضاه، دقة الاتباع لرسول الله ﷺ. ولما كلمه الناس، وقالت له: لو عزلت أسامة بن زيد من على رأس الجيش، ووضعت رجلًا آخر كبيرًا في السن مكانه. وكان يكلمه عمر بن الخطاب، فقال له كلمة شديدة جدًا، قال له: ثكلتك أمك يا ابن الخطاب، يؤمره رسول الله ﷺ وأنزعه أنا. فكل خطوات الصديق كانت موفقة، لأنه كان يرى بعين الرسول ﷺ.
إن الصحابة كانت تقلد الرسول ﷺ في أمور لا يجب فيها التقليد، كانت هناك أمور عفوية تلقائية، فعلها الرسول ﷺ مرة أو اثنتين، وقد يفعله الإنسان من غير قصد ولا تعمد، مثل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، عبد الله بن عمر كان يوقف القافلة، وينزل من على ناقته يصلى في بقعة ما أثناء سفرة ركعتين، فاستعجب الناس من هذا الموقف، ولما سئل في ذلك، قال: في هذا المكان صلى رسول الله ﷺ. هذا المكان ليس فيه فضل معين، الرسول ﷺ كان يصلى ركعتين، ركعتين حاجة، أو ركعتين استخارة، لكن سيدنا عبد الله بن عمر رأى الرسول يفعل أمرًا، فهو يقلده في كل نقطة، بل أكثر من ذلك، فذات مرة أوقف القافلة، وكانت القافلة قائمة من راحتها، ولكنه نزل ليتبول في هذا المكان؛ لأنه رأى النبي ﷺ يتبول في هذا المكان. ولا نقلل من هذا الأمر، ولكن ندرك حرصه رضي الله عنه في تتبع كل نقطة في حياة النبي ﷺ، دارت ناقة رسول الله ﷺ دورتين في مكان قبل أن ينيخها، فكان عبد الله بن عمر رضي الله عنه إذا وصل إلى ذلك المكان أدار ناقته دورتين قبل أن ينيخها، فهو مادام قد رأى الرسول ﷺ يفعل ذلك، يفعل مثله. وهذه مبالغة، لكنه مأجور عليها إن شاء الله؛ لأنه حريص على الاتباع، ولا يترك أي أمر، من المفروض أنه إذا كان يتبع في هذه الأمور، فهو من المؤكد يتبع في كل أمر، وهذا هو المهم، وهذا هو السلوك الذي من الممكن أن ينجي صاحبه، وهو ما نريد تعلمه.
الرسول ﷺ كان يخطب فقال للناس بعد ما صعد على المنبر، قال لهم: «اجْلِسُوا». بعض الصحابة كانوا واقفين، فقال لهم: اجلسوا. فسمع ذلك ابن مسعود رضي الله عنه وأرضاه، وكان على باب المسجد، فجلس على باب المسجد، يوجد مكان بداخل المسجد، لكنه سمع كلمة اجلسوا، فنفذ أمر الرسول ﷺ، وجلس على باب المسجد، فرآه الرسول ﷺ، فقال له: «تَعَالَ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ». قد أصبح في تكوين عبد الله بن مسعود، أنه لا يخالف رسول الله ﷺ.
وإذا استعجبتم من كل هذه الأمثلة، أختم به وهو أعجب من كل ما مضى روى مسلم، وغيره عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه وأرضاه أخذ رسول الله ﷺ بيده ذات يوم إلى منزله، فأخرج إليه فلقا من خبز -يعني كسرات من خبز- فقال ﷺ ينادي على زوجاته، فقال: «مَا مِنْ أُدْمٍ». والأُدم هو غموس، وفي رواية إدام. فقالوا: لا إلا شيئا من خل. فقال الرسول ﷺ «فَإِنَّ الْخَلَّ نِعْمَ الْأُدْمِ»، وفي رواية: «نِعْمَ الْأُدْمِ الْخَلُّ، نِعْمَ الْأًدْمِ الْخَلُّ». وانتتهت القصة، وجلس سيدنا جابر يأكل خلًا مع سيدنا الرسول ﷺ. وسمع سيدنا جابر هذه الكلمة، قال: فما زلت أحب الخل منذ سمعتها من نبي الله ﷺ. مع أنه شيء فطري يختلف من إنسان لإنسان، لكنه سمع الرسول يمدح في الخل، ويقول: نعم الأدم الخل. بعدما سمع هذه الكلمة أصبح يحب الخل، ويقول طلحة بن نافع أحد رواة الحديث: ما زلت أحب الخل منذ سمعتها من جابر. فطلحة بن نافع رحمه الله أراد أن يقلد الرسول، حتى في حب الخل، فظل يحب الخل منذ سمع هذا الكلام من جابر، هذا اتباع دقيق لرسول ﷺ وصل أحيانًا إلى حد المبالغة، لكنهم حريصون جميعًا على تقليد الحبيب ﷺ.
الصحابة كانوا يتبعون رسول الله ﷺ؛ لأنهم كانوا يعلمون أن اتباعه هو خير الدنيا، والآخرة، وأنه لا مناص من اتباعه حتى يدخلوا الجنة، وأنهم لو اتبعوا أي مخلوق غيره، فلا سبيل إلى دخول الجنة، إلا خلفه ﷺ، وفوق ذلك الصحابة كانوا يتبعون الرسول؛ لأنهم كانوا يحبونه حبًا لا نستطيع أن نصفه، حتى لا يتخيل أحدنا أنه يخالف سنته، امتنزج حبه بدمائهم، ولحومهم، وعظامهم ﷺ، فأصبح وكأنه فطري مزروع فيهم، فهم يحبونه، ولا بد من أن يتبعوه، وفوق ذلك، وأعظم منه، أنهم كانوا يتبعون الرسول ﷺ؛ لأنهم يحبون الله عز وجل الذي خلقهم، ورزقهم، وأحياهم، ثم يميتهم، وبعد الموت بعث، وبعد البعث حساب، والذي يحاسب هو الله عز وجل، والذي بيده الجنة والنار هو الله عز وجل،
والذي عرفنا سبيل حب الله عز وجل، هو الله عز وجل قال في كتابه: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران:31]. فسبيل حب الله عز وجل هو اتباع الرسول ﷺ، لا نجاة والله بغير اتباع الرسول ﷺ، نسأل الله عز وجل أن يبصرنا بسنة نبينا، وحبينا محمد ﷺ، وأن يضع أقدامنا على الطريق القويم، وأن يجمعنا معه، ومع صحابته في أعلى عليين.
العنصر الخامس :بشارة لمن يتخذ رسول الله قدوة
---------------------------------------------
هذه بشارة لمن يتبع الحبيب صلي الله عليه وسلم، ولمن يتخذه قدوة، يقول رب العزة في محكم كتابه: {يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً} [الإسراء: 71].
أي أنك يوم القيامة تدعى خلف مثلك الأعلى، فإن كان هو سيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم؛ فإنك ستجد نفسك في الصف وراءه، وتدخل من باب أمة محمد صلي الله عليه وسلم، الذي يقول فيه الحبيب المصطفى صلي الله عليه وسلم: "بَابُ أُمَّتِي الَّذِي يَدْخُلُونَ مِنْهُ الْجَنَّةَ عَرْضُهُ مَسِيرَةُ الرَّاكِبِ الْمُجَوِّدِ ثَلَاثًا، ثُمَّ إِنَّهُمْ لَيُضْغَطُونَ عَلَيْهِ حَتَّى تَكَادُ مَنَاكِبُهُمْ تَزُولُ" [أخرجه الترمذي في كِتَاب صِفَةِ الْجَنَّةِ، بَاب مَا جَاءَ فِي صِفَةِ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ 4/590 [2548].].
وبشارة أخرى كريمة يخبرنا بها الحبيب المصطفى صلي الله عليه وسلم، عندما جاءه رَجُلٌ إِلَيه صلي الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله كَيْفَ تَقُولُ فِي رَجُلٍ أَحَبَّ قَوْمًا وَلَمْ يَلْحَقْ بِهِمْ؟ فَقَالَ رَسُولُ الله صلي الله عليه وسلم: "الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ" [أخرجه البخاري عن ابن مسعود في كِتَاب الأدب، بَاب عَلَامَةِ حُبِّ الله عَزَّ وَجَلَّ10/577 [6169].].
وعَنْ أنس بن مالك رضي الله عنه قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ الله صلي الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله مَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ: "وَمَا أَعْدَدْتَ لِلسَّاعَةِ؟" قَالَ: حُبَّ الله وَرَسُولِهِ. قَالَ: "فَإِنَّكَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ" .
قَالَ أَنَسٌ: فَمَا فَرِحْنَا بَعْدَ الْإِسْلَامِ فَرَحًا أَشَدَّ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم : "فَإِنَّكَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ" .
قَالَ أَنَسٌ: "فَأَنَا أُحِبُّ الله وَرَسُولَهُ وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ مَعَهُمْ وَإِنْ لَمْ أَعْمَلْ بِأَعْمَالِهِمْ" [ أخرجه مسلم في كِتَاب البر والصلة والآداب، بَاب الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ 4 /2032 [2639]].
فهلم يا أخي الكريم نجعل رسول الله صلي الله عليه وسلم قدوتنا في كل شيء؛ حتى نُحشر خلفه، ونُدعى وراءه، ونُدعى به يوم القيامة.
بل هلم بنا ندعو الأمم كلها والناس جميعا للاقتداء به والاهتداء بهديه الكريم، فإن رسول الله صلي الله عليه وسلم جاء للناس قاطبة، وحفظ الله دينه وسيرته التي شملت كل ما يحتاجه كل إنسان في قضايا الإيمان والعبادة والمعاملات والآداب والأخلاق، بصورة واضحة قابلةٍ للتحقيق والتطبيق بلا حرج ولا عنت، في توافقٍ تام وانسجامٍ كاملٍ مع الفطرةً والعقل، مع الإيمان الكامل بكل من سبق من الأنبياء والرسل.
وذلك مما يشهد لعالمية دين الإسلام، وعالمية سيرة رسول الإسلام صلي الله عليه وسلم، ومن ثَمّ فإن سائر الأمم مطالبة بالإيمان به، والاقتداء بسيرته، والاهتداء بهداه.صل الله عليه وآله وصحبه وسلم
’هـــــــذا رســــــول اللـــــــه محمـــــــد القدوة والمثل للشيخ - محمد جودة
أولاً : شخصيّة النبي محمد ﷺ :-
ثانياً : أوصاف الرسول الخَلْقية :-
ثالثاً : رجاحة ووفور عقله :-
رابعا : أوصاف الرسول الخُلُقية :-
خامساً : أقوال علماء الغرب في شخصية الرسول :-
سادساً : تكريم الله لنبيه ﷺ :-
الموضوع
الحمد لله الملك القدوس السلام ..... الذي أعطى كل شيء خلقه على الكمال وعلى التمام ..... رفع السماء بلا عمد والأرض وضعها للأنام ..... فيها جنات معروشات وغير معروشات والنخل ذات الأكمام ..... وجبال وظلال ولباس وشراب وطعام
وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير، إلهٌ عزَّ مَن اعتز به فلا يضام ، وذلَّ مَن تكبر عن أمره ولقي الآثام .
وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده المرسل مبشِّرًا ونذيراً ، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيراً .
قُرئ عليه القرآن ففاضت بالدمع عيناه ، وكان ما تقدم وما تأخر من الذنب مغفوراً .
قام الليل حتى تورَّمت قدماه ، وقال : أفلا أكون عبدًا شكوراً .
أكل ورَق الشجر حتى تشقَّقت شفتاه ، وكان لله محتسبًا صبوراً.
جاهد الشرك والمشركين وما لانت له قناة ، وقال مقالة الحق وما نطق زوراً .
فاز بالحسنى مَن آمن وشاهد محياه ، وكل طائع له بات مأجوراً .
ضل مَن شذ عن طريقه وعصاه ، ومن كفر به مات مثبوراً .
وضياء الحبيب قد عمَّ الوجودَ سناه ، والدرة العصماء وقف الزمان حيالها مبهوراً .
وعبير أحمد قد فاق الورود شذاه، وبمسك الختام أصبح اتباع غيره محظوراً .
اللهم صلِّ وسلِّم وبارك عليه وعلى من فاز باتباعه وصحباه ، عدد أنفاس مخلوقاتك شهيقًا وزفيراً .
أما بعد :
أولاً : شخصيّة النبي محمد ﷺ :-
قال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ ، الجمعة: 2
أيها الإخوة المؤمنون : إن الحديث عن سيد الخلق محمد عليه الصلاة والسلام ، مما تنشرح به الصدور، وتُسَرُّ به الخواطر، ويحصل به النفع العميم ، كيف لا والحديثُ عن أفضل الخلق وسيد الأنبياء والمرسلين محمدٍ صلوات ربي وسلامه عليه؟! كيف لا والحديث عن شخصيةٍ نستلهم من مسيرتها ومن هديها كل خير وبر؛ عملًا بقول رب العزة سبحانه: ﴿ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا ﴾ [النور: 54]، وقوله جل وعلا: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ [الأحزاب : 21]
لقد أنكر الله جل وعلا على المشركين حينما استنكفوا عن قبول دعوته عليه الصلاة والسلام ، التي دعاهم فيها إلى توحيد رب العزة جل وعلا، وأن ينبذوا آلهتهم التي أشركوا بها مع الله جل وعلا، مع أنهم عرفوه عن قرب ، وسبروا حاله وحياته عن كثب ، ولذلك أنكر الله عليهم : ﴿ أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ ﴾ [المؤمنون: 69]، ذلكَ أنهم عرفوا أمانتهُ وصدقه وصيانته، ورجاحة عقله وما كان عليه من عظيم الأخلاق التي نشأ عليها، ولذلك هم يعرفونه عن قرب وصدق، يعرفونه بكل تفاصيل حياته عليه الصلاة والسلام، ولكنهم بعد أن عرفوه حسدوه كما قال أبو سفيان رضي الله عنه ، ولهذا قال جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه للنجاشي ملك الحبشة ، لَما وفدوا عليه في هجرته مع المسلمين: (أيها الملك، إن الله بعث فينا رسولًا نعرف نسبه وصدقه وأمانته)، وهكذا أيضًا قال المغيرة بن شعبة رضي الله عنه لما التقى نائب كسرى حين بارزهم، وكذلك قال أبو سفيان قبل أن يسلم لملك الروم هرقل، حين سأله وأصحابه عن صفات النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ونسبه وصدقه وأمانته، وكانوا بعد لا يزالون كفارًا لم يسلموا، ومع ذلك لم يُمكنهم إلا الصدق، فاعترفوا له بذلك .
وإذا كان لا يوجد تعريف واحد محدد للشخصيّة في علم النفس، إلا أنّ هناك العديد من الدراسات والنظريّات التي وضعت تعاريف متعددة للشخصيّة، ومنها :
أنها مجموعة الصفات الجسديّة، والنفسيّة ، والموروثة ، والمكتسبة ، بالإضافة إلى مجموعة القيم والتقاليد، والعواطف التي تتفاعل مع بعضها البعض من خلال تعاملات الشخص المختلفة في الحياة الاجتماعيّة .
ومن هذا يتضح لنا أن ملامح أي شخصية تتكون من عدة جوانب :
الجانب الخَلْقِي الجانب العقلي الجانب الخُلُقِي ( الأخلاقي )
وها نحن نأتي إلى نبذة يسيرة من محاسن صفاته ، ومحاسن آدابه ، ورجاجة عقله ، لتكون لنا نموذجاً نسير عليه حتى نكون على قدم نبينا ﷺ :
ثانياً : أوصاف الرسول الخَلْقية :-
أما صورته وجماله ، وتناسب أعضائه وحسنه ، فقد جاءت الآثار الصحيحة المشهورة بذلك ، وكثر الواصفون لحسن جماله ﷺ ،ومنها على الإجمال ، أنه كان أبيض مشرباً بالحمرة ، أزهر اللون ، ظاهر الوضاءة ، واسع الجبين ، كث اللحية سهل الخدين ، أبيض الأسنان ، إذا تكلم كأن النور ينهمر من فمه .
ويكفي في وصفه قول أبو هريرة رضي الله عنه:’’ ما رأيت شيئاً أحسن من رسول الله ﷺ كأن الشمس تجري في وجهه’’.
ووصفه بعض أصحابه فقال : ’’ كان رسول الله فخماً مفخماً يتلألأ وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر ’’ .
و قال أبو بكررضي الله في وصفه : لئن أعطي سيدنا يوسف شطر الجمال فقد أعطي محمد ﷺ الحسن كلّه
وقال فيه عمه أبو طالب :
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه --- ربيع اليتامى عصمة للأرامل
يلوذ به الهلاك من آل هاشم --- فهم عنده في عصمة وفضائل
قال الصحابي حسان بن ثابت شاعر الرسول في وصف جمال خلقته : و
وأجملَ منكَ لم تر قطّ عينٌ وأكملَ منكَ لم تلد النساء
خُلقت مبرءاً من كل عيبٍ كأنك قد خُلقت كما تشاء
وصدق القائل في وصفه :
أعميت عيني عن الدنيا وزينتها --- فأنت والروح شيء غير مفترق
إذا ذكرتك وافى مقلتـــــي أرق --- من أول الليل حتى مطلع الفــلق
وما تطابقت الأجفان عن ســنةٍ --- إلا وإنــك بين الجــفن والحـــدق
روي أن الحسن البصريُّ كان يصف النبي ﷺ لطلابه : فوصف شعره ، وعينيه ، ويديه ، ولباسه ، حتى وصل إلى نعله وسكت ، !!!!!! ثم قال : ’’ كان له نعلٌ نعلو بذكره”
فقال طالب : كيف نعلو بذكر النعل أيها الإمام ؟
فقال : نعلٌ لم يؤمر صاحبه بخلعه في السماوات العلا ليلة المعراج ، وأُمِرَ موسى بخلعه وهو على الأرض في الوادي المقدس !!!!......
* وقد جمع المسلمون ما توارثوه من وصف خِلقة نبيّهم في كتب كثيرة ،عرفت باسم كتب الشمائل ، وأشهر هذه الكتب هو (الشمائل المحمدية) للترمذي ، حيث ذكر فيه أحاديث كثيرة في وصفه ، وكان مما جاء في هذا الكتاب وغيره :
جسمه: كان قويّ البدن والهمة، مُتوسّط الطول، مكتوف اليدين، له هيبة جسديّه تجعل من يراه يهاب .
لونه : لم يكون أسمر اللون ولا أبيض ، كان متوسط اللون .
عيونه : لونها شديد السواد ، واسع العينين ، من يراه يعتقد أنّه أكحل وهو لا يضع الكحل ، رموشه كثيفة طويلة .
فمه : كان واسع الفم .
أسنانه : متفرّقة رقيقة .
رأسه : كان ضخم الرأس .
شعره : كان أسود اللون ، لم يَكن شعره شديد النعومة ، ولا مُجعّداً ، مُتوسط النعومة .
والعديد من الصفات الخِلقية التي وُجدت لدى سيدنا محمد ﷺ أثناء شبابه ، لازمته حتى موته ، أهمّها أنه مات وهو أسود الشعر، ولم تكن في رسه شعرة واحدة بيضاء اللون ، بَقي شعره كما كان فترة شبابه ، توفي وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء ، وبقيت نضرة وجنتيه وبشرته تُلازمه أيضاً ، كما أنّ خاتم النبوة والتي كانت توجد بين كتفيه بقيت حتى موته ، وهي غدّة توجد فيها عدّة شعرات.
ثالثاً : رجاحة ووفور عقله :-
أما وفور عقله ، وذكاء لبه ، وفصاحة لسانه ، فلا مرية أنه كان أعقل الناس وأذكاهم . ومن تأمل تدبيره أمر بواطن الخلق وظواهرهم ، وسياسة العامة والخاصة ، مع عجيب شمائله ، وبديع سيره ، فضلاً عما أفاضه من العلم ، وقرره من الشرع دون تعلم سبق ، ولا ممارسة تقدمت ، ولا مطالعة للكتب منه ، لم يشك في رجحان عقله ، وثقوب فهمه لأول بديهة ، وهذا ما لا يحتاج إلى تقريره لتحقيقه.
قال وهب بن منبه : قرأت في أحد وسبعين كتاباً ، فوجدت في جميعها أن النبي ﷺ أرجح الناس عقلاً ، وأفضلهم رأياً . وفي رواية أخرى : فوجدت في جميعها أن الله تعالى لم يعط جميع الناس ، من بدء الدنيا إلى انقضائها ، من العقل في جنب عقله ﷺ ، إلا كحبة رمل من بين رمال الدنيا . ويكفيك من ذلك رجاحة عقله عندما حكم بين القبائل قبل البعثة عندما أرادوا إعادة بناء الكعبة فاختلفوا فيمن يرفع الحجر الأسود إلى مكانه فأشار عليهم أن يضعوه على عباءته ، وأن يمسك كل منهم بطرف منها ويرفعوه معاً ، وبذلك نالوا جميعهم شرف رفع الحجر الأسود .
لم يأتِ بحروبٍ مُدمِّرة، وقنابل مُتفجِّرة؛ ليهلكَ الحرثَ والنَّسل، ويبث في الأرض الفساد ؛ إنما جاء رحيمًا متواضعًا ، عطوفًا متقشفًا ، يرأف بعباد الله ، ويخشع في صلاته لجلال الله ، ويُسمعُ لصَدْره أزيرٌ كأَزيزِ المِرْجَل من البُكاء .
أتى بالأوامر الحكيمة التي تكفُل مصالحَ البشر، وتنظيم مُجتمعهم، وترقية حياتِهم بالوسائل المصيبة ، والطُّرُق العجيبة ، والتأثير البليغ في مُعالجة أمراضهم ، وتقويم اعوجاجهم ، وتوجيههم التوجيهَ السَّليم ، ورَبْط قُلوبِهم برابطة الإيمان والمحبَّة، ورغبة الخير والخدمة، وإقامة العدالة الشاملة .
نَشَأَ في جَوٍّ مُفْعَمٍ بالشرك، ولم يتأثرْ بعقائدِ بيئته، وتقاليدِ عشيرته؛ ولكنَّه جاء مُنَزَّهًا عن تلك الرَّواسب، بعيدًا عن تلك الطبائع، نقيَّ الفطرة، وقد نَمَت في نفسه شرائفُ الخصالِ، وجلائل الخلال، تكتنفه الطَّهارة والنَّقاء، والسُّمُوُّ والصَّفاء، اجتمعت في نفسه الفضائلُ، وتلاقت فيها الكمالات، يدعو بلين وحِكْمة ولطف وإباء، ويتحمَّل الأذى بصبر وجَلَدٍ، يعفو ويصفح، لا يصُدُّه جفاءٌ، ولا يَثنيه عن دعوته اضطهادٌ، ولا يتهاون في دقائق الأُمُور، ولا يتغافلْ عن بسائطها، حتَّى غيَّر طبائعَ العربِ الراسخة، وألان القلوبَ القاسية، فكَفَّ المجرم عن إجرامه، والمعتديَ عن اعتدائه، والمقامرَ عن مَيْسِرِه، والفاجرَ عن فُجُوره؛ حتَّى صَفَتِ النُّفوس، وطهرت القُلوب، وزالت الخصومة، وشاعت المحبَّة، وترابطت الأفرادُ والجماعات، وانحسرت النَّقائص، وانزوت الشُّرور، ونَمَتِ الفضائلُ، وازدهر الخير والمعروف، وأصبحَ النَّاس في أبرك العصور، وأسمى حياة، وأهنأ عيش، بفضل شريعة الإسلام، والتدبير النَّبوي الحكيم .
وهؤلاء الذين قبعوا في الصحراء فقراء ضُعفاء ، أصبحوا قادَةً ماهرين ، فأخذوا على أيدي أكبر دول العالم فارس والرُّوم، وفتحوا بلادَهما ، وهذَّبوا شُعوبَهما ، إصلاحٌ - والله - عجيبٌ، وتقويمٌ - والله - غريب، مُدهش في سُرعته ، مُذهل في قوته ، يُحقق سعادة الرُّوح ، ومطالب الجسد ، لم يعهد التاريخُ انقلابًا سريعًا كهذا في كماله وشُمُوله ، وامتداده واتِّساعه في الاعتقادات، والعادات ، والأخلاق ، وشؤون الاجتماع العام ، في أيَّة أُمَّة من أمم الأرض ، وعن يد أيِّ مصلح من المصلحين ، أو رسولٍ من الرُّسل ، قبل سيدنا محمد ﷺ ولن يكون أبدًا .
ولنستمع إلى هذه الشهادة الكريمة من هذه السيدة الصادقة الجليلة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها ، للنبي الكريم محمد ﷺ، عندما فوجئ رسول الله ﷺ بنزول الوحي مع جبرائيل عليه السلام ، لما رجع إلى بيته وهو ترعد فرائصه ، وقد أصابه من الخوف ما أصابه، لعظمة الوحي وجلالة منظره وعظمته ، عظمة جبرائيل حينما رآه سادًّا ما بين الأُفق ، وكان يخشى أن يكون هذه تسلطًا من الجن أو نحوًا من ذلك، فقالت رضي الله عنها: (كلا، والله لا يخزيك الله أبدًا؛ إنك لتصل الرحم، وتَحمل الكَلَّ، وتَكسِب المعدومَ، وتَقري الضيف، وتُعين على نوائب الحق)؛ رواه البخاري في الصحيح، ورواه مسلم ، لقد شهدت له بهذه الشهادة، بعد أن عرفت هذا النبي الكريم، ثم عاشت معه بعد البعثة عشر سنين ، حتى توفيت قبل الهجرة بثلاث سنين رضي الله عنها، وكانت للمصطفى ﷺ وزيرة صدق، ومؤازرة على كل خير وبر، هيأت مالها ودارها وأوقاتها لإعانة هذا النبي الكريم في أعظم رسالة وأجل مهمة .
رابعا : أوصاف الرسول الخُلُقية :-
لقد كان رسول الله ﷺ أحسن الناس خلقاً ، وأجود الناس صدراً وأصدقهم لهجة ، وألينهم عريكة ، وأكرمهم عشرةً ، لقد صدق ملك عمان حينما قال بعد أن التقى به : والله لقد دلني على هذا النبي الأمي ، أنه لا يأمر بخير إلا كان أول آخذ به ، ولا ينهى عن شيء إلا كان أول تارك له ، وأنه يغلب فلا يبطر ، ويُغلب فلا يضجر، ويفي بالعهد ، وينجز الوعد .
لقد رأى أصحابه رأي العين ، كل فضائله ومزاياه ، رأوا طهره وعفافه ، رأوا أمانته واستقامته ، رأوا شجاعته وثباته ، رأوا سمّوه وحنانه ، رأوا عقله وبيانه ، رأوا كماله كالشمس تتألق في رابعة النهار .
ويكفيك من ذلك شهادة رب العالمين فيه إذ يقول
وقالت عائشة رضي الله عنها في وصف خلقه أيضاً:"لم يكن رسول الله فاحشاً ولا متفحشاً ولا يجزي السيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح وقالت: ما انتقم رسول الله ﷺ لنفسه إلا أن تنتهك حرمة الله تعالى ..
إن الذين بهرتهم عظمته لمعذورون ، وإن الذين افتدوه بأرواحهم لهم الرابحون ، فأي إيمان ، وأي عزم ، وأي مضاء ، وأي صدق ، وأي طهر، وأي نقاء، وأي تواضع ، وأي حب وأي وفاء ، وإليك بعض من صفاته وأخلاقه :
عدله ﷺ : بلغ عزّ المسلمين وحكمهم إلى ما وصل إليه بفضل عدلهم، فالعدل أساس الملك، وكان من أهمّ ما يميّز شخصية رسول الله عدله المطلق، وفيما يأتي بعض الأمثلة على عدله:
عدل الرسول مع زوجاته : كان رسول الله عادلاً بين زوجاته في أدقّ الأمور فكان يبيت كلّ ليلةٍ عند واحدةٍ من أمهات الؤمنين ، ومن مواقف رسول الله أنّه كان في بيت أحد زوجاته ، فأرسلت له زوجة أخرى صحيفة فيها طعام ، فأسقطت مًن كان عندها الصحيفة على الأرض فتكسّرت ، فأخذ رسول الله يجمعها ويقول: (غارت أمّكم)، ثمّ أخذ بصحيفة سليمة من بيت التي كسرتها وأرسلها إلى التي كُسرت صحيفتها .
عدل الرسول مع اليهود: حيث كان بين أحد الصحابة ويهودي أرض فجحد اليهودي حقّ الصحابي، فذهبا ليحتكما عند رسول الله، فقال رسول الله للصحابي: (ألك بيّنة)، فقال الصحابي: (لا)، ثمّ قال لليهودي: (احلف)، فقال الصحابي: (يا رسول الله إذا يحلف ويذهب بمالي)، فأنزل الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَـٰئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)،[ سورة آل عمران، آية: 77]وهكذا عَلِم رسول الله -ﷺ- البشريّة أنّ العدل يكون حتى مع الأعداء
عدل الرسول في تطبيق الحدود: حيث إنّه لمّا سرقت امرأة مخزوميّة، فاهتمت قريش لأمرها، فأرسلوا أسامة بن زيد -رضي الله عنه- ليشفع لها عند رسول الله، إذ إنّ أسامة من المقرّبين إلى رسول الله، فغضب رسول الله ثمّ قال: (أتَشفعُ في حدٍّ من حدودِ اللَّهِ، ثمَّ قامَ فاختَطبَ فقالَ: إنَّما أهْلَكَ الَّذينَ من قبلِكُم أنَّهم كانوا إذا سَرقَ فيهمُ الشَّريفُ ترَكوهُ وإذا سرقَ فيهمُ الضَّعيفُ أقاموا عليهِ الحدَّ، وأيمُ اللَّهِ لَو أنَّ فاطمةَ بنتَ محمَّدٍ سرَقَت لقطعتُ يدَها).[ صححه الألباني ، في صحيح الترمذي، عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، الصفحة أو الرقم: 1430، صحيح ] .
تواضعه ﷺ : كان رسول الله مثالاً يُقتدى به في التواضع، والمواقف التي تدلّ على ذلك كثيرة، منها :
* عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ : لا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتِ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ ، إِنَّمَا أَنَا عَبْدٌ ، فَقُولُوا : عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ
* ومن تواضعه ﷺ قوله : ( لا تفضلوني على يونس بن متى ، و لا تفضلوا بين الأنبياء ، و لا تخيروني على موسى ) .
* و قال للذي قال له : يا خير البرية : ذاك إبراهيم .
* عمل الرسول مع أصحابه وكرهه التميّز عليهم؛ حيث رُوي عنه أنّه كان في سفر مع أصحابه فأرادوا إعداد الطعام؛ فقال أحدهم: أنا أذبح الشاة، وقال الآخر: عليّ سلخها، وتكفّل الثالث بشوائها، فقال رسول الله: (عليّ جمع الحطب)، فقالوا: نحن نجمع الحطب ونكفيك العمل يا رسول الله، فقال: (أعلم أنكم تكفوني ، ولكن أكره أن أتميّز عليكم ، وإنّ الله يكره من عبده أن يراه متميّزاً بين أصحابه ) .
* رفض الرسول للملك ؛ وذلك عندما خيّره الله -تعالى- بأن يكون عبداً نبيّاً أم ملكاً نبياً ؛ فاختار أن يكون عبداً نبيّاً .
* تواضع الرسول مع أهله وأصحابه ؛ حيث إنّه لم يقل قط لخادمه أنس بن مالك يوماً : لِما فعلت كذا ، أو لمَ لم تفعل كذا، ولم يضرب عبداً ولا أَمة ، كما كان رسول الله يبتسم في أغلب الأوقات .
رحمته ﷺ :
كان رسول الله -ﷺ- أرحم الناس بالناس، كما قال الله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ)،[ سورة الأنبياء، آية: 107] حيث إنّ رسالة الإسلام جاءت رحمةً للبشرية ، وإنقاذاً للناس من ظلمات الشرك ، ومن صور رحمة الرسول ﷺ :
أنّه ما خيّر بين أمرين إلّا اختار أيسرهما ما لم يكن فيه إثم، وذلك رحمةً بأمته لأنّها ستقتدي به من بعده، وكان يكره ما يشقّ على المسلمين ويُتعبهم كأن المشقة واقعة عليه ، كما قال الله تعالى : (لَقَد جاءَكُم رَسولٌ مِن أَنفُسِكُم عَزيزٌ عَلَيهِ ما عَنِتُّم حَريصٌ عَلَيكُم بِالمُؤمِنينَ رَءوفٌ رَحيمٌ)،[ سورة التوبة، آية: 128 ] .
بالإضافة إلى أنّه كان يحثّ أصحابه على قضاء دين من أفلس، أو مَن خسر في تجارته، ففي يوم من الأيام أُصيب رجل في ثمارٍ ابتاعها، فكثر دَينُه فأمرهم رسول الله -ﷺ- بالصدقة عليه فتصدّق الناس عليه، فلم يبلغ ذلك وفاء دَينِه، فقال رسول الله -ﷺ- لغرمائه: (خذوا ما وجدتُم، وليس لكم إلّا ذلك)،[ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم: 1556، صحيح] .
وبعد أن فتح الله على المسلمين وأصبح بيت المال عامراً بأموال الفيء والغنائم، أصبح رسول الله يكفل سداد دين الصحابة من بيت مال المسلمين، وكان يقول : (ما من مؤمنٍ إلّا وأنا أولى به في الدنيا والآخرةِ، اقرؤوا إن شئتم : النبيُّ أولى بالمؤمنينَ من أنفسِهم، فأيّما مؤمنٍ مات وترك مالاً فليرثه عصبتُه من كانوا، ومن ترك دَيناً أو ضَياعاً فليأتني، فأنا مولاه)، [رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 2399، صحيح ] .
عن أبي بردة بن أبي موسى ، عن أبيه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أنزل الله علي أمانين لأمتي ، وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون فإذا مضيت تركت فيهم الاستغفار . و قال عليه السلام : أنا أمان لأصحابي . قيل : من البدع . و قيل : من الاختلاف و الفتن . قال بعضهم : الرسول صلى الله عليه و سلم هو الأمان الأعظم ما عاش ، و ما دامت سنته باقية فهو باق ، فإذا أميتت سنته فانتظر البلاء و الفتن .
أمّا أتباعه : فنالوا بها كرامة الدنيا والآخرة
وأمّا أعداؤه المحاربون له : فالذين عجّل قتلهم وموتهم خيرٌ لهم من حياتهم لأن حياتهم زيادة في تغليظ العذاب عليهم في الدار الآخرة ، وهم قد كتب الله عليهم الشقاء فتعجيل موتهم خير لهم من طول أعمارهم في الكفر
وأمّا المعاهدون له : فعاشوا في الدنيا تحت ظلّه وعهده وذمته ، وهم أقل شرّاً بذلك العهد من المحاربين لهم
وأمّا المنافقون : فحصل لهم بإظهار الإيمان حقن دمائهم وأموالهم وأهلهم واحترامها ، وجريان أحكام المسلمين عليهم
وأمّا الأمم النائية عنه : فإن الله سبحانه وتعالى رفع برسالته العذاب العامّ عن أهل الأرض
فأصاب كل العالمين النفع برسالته
قال أبو بكر بن طاهر : زين الله تعالى محمداً صلى الله عليه و سلم بزينة الرحمة ، فكان كونه رحمة ، و جميع شمائله و صفاته رحمة على الخلق ، فمن أصابه شيء من رحمته فهو الناجي في الدارين من كل مكروه ، و الواصل فيهما إلى كل محبوب ، ألا ترى أن الله يقول : (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين )، فكانت حياته رحمة ، و مماته رحمة ، كما قال عليه السلام : حياتي خير لكم و موتي خير لكم و كما قال عليه الصلاة و السلام : إذا أراد الله رحمة بأمة قبض نبيها قبلها ، فجعله لها فرطاً و سلفاً . و قال السمرقندي : رحمة للعالمين : يعني للجن و الإنس . و قيل : لجميع الخلق ، للمؤمن رحمة بالهداية ، و رحمة للمنافق بالأمان من القتل ، ورحمة للكافر بتأخير العذاب . قال ابن عباس رضي الله عنهما : هو رحمة للمؤمنين وللكافرين ، إذ عوفوا مما أصاب غيرهم من الأمم المكذبة .
بل إنّ رحمة الرسول تعدّت البشر لتعُم الحيوانات أيضاً كما حدث مع الطائر الذي اشتكى فقدان فراخه ، فأمر رسول الله أصحابه بإعادتها إلى الطائر
حتى جبريل نال من رحمته ﷺ !!! ، حكى أن النبي ﷺ قال لجبريل عليه السلام : هل أصابك من هذه الرحمة شيء ؟ قال : نعم ، كنت أخشى العاقبة فأمنت لثناء الله عز وجل علي بقوله : ’’ذي قوة عند ذي العرش مكين * مطاع ثم أمين’’ [ سورة التكوير / 81 : الآية 20 ـ 21 ] .
صبره ﷺ : صبر عليه الصلاة والسلام ، فكان مضرباً للمثل في ذلك ، فصبّر على اليتم ، والفقر ، والتعب ، والطرد من الوطن ، وتكالب الأعداء ، وصبرعلى من مات من أقاربه وأهله وأصحابه ، وصبر على زينة الدنيا وزخرفها ، وصبر على إغراء المنصب والولاية والرئاسة ، فتركهم وصّد عنهم طلباً لمرضاة الله تعالى ، وهو يذكر الله تعالى إذا حزبه أمرٌ أو اجتمع عليه حزن ، فكان مطئمنًا في صبره واثقًا من الله تعالى ، يحسن ظنّه بالله ويعلم أنّه ناصره لا محالة ، وأنه حسبه وكافيه ، قال تعالى: (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ).[ سورة الأحقاف، آية: 35 ] .
جوده وكرمه ﷺ : أما الجود والكرم والسخاء والسماحة ، فقد خلقت معه منذ أن نشأ عليه الصلاة والسلام ، فقد فاق كل كرماء العرب والعجم ووصفه بذلك كل من عرفه ، قال جابر رضي الله عنه: ما سئل رسول الله ﷺ عن شيء فقال: لا ، وقال ابن عباس رضي الله عنه : كان عليه الصلاة والسلام أجود الناس بالخير وأجود ما يكون في رمضان. وكان إذا لقيه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة .
وروى مسلم عن أنس رضي الله عنه قال: ما سئل رسول الله ﷺ على الإسلام شيئاً قط إلا أعطاه ، فأتاه رجل فسأله ، فأمر له بغنم بين جبلين، فأتى قومه فقال: أسلموا فإن محمداً يعطي عطاء من لا يخاف الفاقة .
شجاعته ﷺ : أما من أخبار شجاعته ﷺ فقد حضر عليه الصلاة والسلام المواقف الصعبة وقد فرَّ الشجعان والأبطال عنه غير مرة وهو ثابت لا يبرح ومقبل لا يدبر ولا يتزحزح وقال فيه بعض الصحابة: إنا كنا إذا اشتد البأس واحمرت الحدق اتقينا برسول الله صلى عليه وسلم فما يكون أحدٌ أقرب إلى العدو منه ، ولقد رأيتني يوم بدر ونحن نلوذ بالنبي ﷺ وهو أقربنا إلى العدو وكان من أشد الناس يومئذ بأساً .
وقال ابن عمر: ما رأيت أشجع ولا أبحر ولا أجود ولا أرضى من رسول الله ﷺ .
حسن عشرته ﷺ : كان رسول الله ﷺ أحسن الناس عشرة وأوسع الناس صدراً وأصدقهم لهجة وقد وصفه بعض أصحاب قائلا كان دائم البشر سهل الخلق لين الجانب ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب ولا فحاش ولا عياب
قال الله تعالى { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ } وكان يجيب من دعاه ، ويقبل الهدية ، قال أنس رضي الله عنه : خدمت رسول الله ﷺ عشر سنين فما قال لي "أف" قط وما قال لشيء صنعته لم صنعته ولا لشيء تركته لم تركته
وقال جرير بن عبد الله رضي الله عنه : "ما حجبني رسول الله ﷺ قط منذ أسلمت ولا رآني إلا تبسم ’’
وكان ﷺ يمازح أصحابه ويخالطهم ويحادثهم ويداعب صبيانهم ويجالسهم في حجره، ويجيب دعوة الحر والعبد والأمة والمسكين، ويعود المرضى في أقصى المدينة ويقبل عذر المعتذر ويبدأ من لقيه بالسلام ويبدأ أصحابه بالمصاحفة، وكان أكثر الناس تبسماً وأطيبهم نفساً ما لم ينزل عليه قرءان أو يعظ أو يخطب، وقال عبد الله بن الحارث: ما رأيت أحداً أكثر تبسماً من رسول الله ﷺ .
عطر اللهم قبره الكريم *** بعرف شذي من صلاة وتسليم
خامساً : أقوال علماء الغرب في شخصية الرسول :-
أحد كتاب السيرة الغربيين :
يقول أحد كتاب السيرة الغربيين: كان محمد عابداً متحنثاً و قائداً فذاً شيد أمة من الفتات المتناثر، وكان رجل حرب يضع الخطط ويقود الجيوش ، وكان أباً عطوفاً ، وزوجاً تحققت فيه المودة والرحمة والسكن ، وكان صديقاً حميماً ، وقريباً كريماً، و جاراً تشغله هموم جيرانه، وحاكماً تملأ نفسه مشاعر محكوميه ، يمنحهم من مودته وعطفه ما يجعلهم يفتدونه بأنفسهم، ومع هذا كله فهو قائم على أعظم دعوة شهدتها الأرض، الدعوة التي حققت للإنسان وجوده الكامل، وتغلغلت في كيانه كله، ورأى الناس الرسول الكريم تتمثل فيه هذه الصفات الكريمة فصدقوا تلك المبادئ التي جاء بها كلها، ورأوها متمثلة فيه، و لم يقرؤها في كتاب جامد بل رأوها في بشر متحرك فتحركت لها نفوسهم، وهفت لها مشاعرهم، وحاولوا أن يقتبسوا قبسات من الرسول الكريم كل بقدر ما يطيق، فكان أكبر قدوة للبشرية في تاريخها الطويل، و كان هادياً ومربياً بسلوكه الشخصي قبل أن يكون بالكلم الطيب الذي ينطق به .
الباحث البريطاني كارييل : يقول: إن التشكيك في صحة نبوة محمد ﷺ ودينه يعد اليوم عاراً كبيراً و إن علينا الرد على مثل هذه الآراء غير الصحيحة ، و الأقوال التي لا معنى لها ، فعلى الرغم من مرور القرون على بعثة هذا النبي مايزال مئات الملايين من المسلمين في العالم يستضيئون بنور الرسالة .
الكاتب البريطاني المعروف ميلر : يقول : إن بعض الديانات تهتم بالجوانب الروحية من حياة البشر وليس لديها في تعاليمها أي اهتمام بالأمور السياسية والقانونية والاجتماعية ، و لكن محمداً ببعثته وأمانته الإلهية كان نبياً ، وكان رجل دولة ، ومقنناً أي واضعاً للقوانين وقد اشتملت شريعته على أحكام وقوانين مدنية وسياسية واجتماعية .
الكاتب والباحث الغربي ريتين : يقول : منذ بزوغ بعثة محمد ﷺ وسطوع شمس الإسلام ، أثبت هذا النبي أن دعوته موجهة للعالمين ، وإن هذا الدين المقدس يناسب كل عصر وكل عنصر وكل قومية ، و أن أبناء البشر في كل مكان وفي ظل أية حضارة لا غنى لهم عن هذا الدين الذي تنسجم تعاليمه مع الفكر الإنساني
الكاتب السويسري المعاصر جان : يقول: لو أمعنا النظر في أسلوب حياة محمد ﷺ و أخلاقه على الرغم من مرور أربعة عشر قرناً على بعثته لتمكنا من فهم كنه العلاقة التي تشد ملايين الناس في العالم لهذا الرجل العظيم ، والتي جعلتهم وتجعلهم يضحون من أجله ومن أجل مبادئه الإسلامية السامية بالغالي والرخيص .
الفيلسوف الروسي تولستوي : أما الفيلسوف الروسي تولستوي الذي أعجب بالإسلام وتعاليمه في الزهد و الأخلاق والتصوف فقد انبهر بشخصية النبي ﷺ وظهر ذلك واضحاً على أعماله فيقول في مقالة له بعنوان: من هو محمد؟ إن محمداً هو مؤسس ورسول، وكان من عظماء الرجال الذين خدموا المجتمع الإنساني خدمة جليلة ، و يكفيه فخراً أنه هدى أمة برمتها إلى نور الحق ، وجعلها تجنح إلى السكينة والسلام ، وتؤثر عيشة الزهد، ومنعها من سفك الدماء، وتقديم الضحايا البشرية، وفتح لها طريق الرقي والمدنية، وهو عمل عظيم لا يقدم عليه إلا شخص أوتي قوة و رجل مثله جدير بالاحترام و الإجلال .
ويقول عنه أيضاً: ليس هناك من شك في أن محمداً ﷺ قدم ببعثته خدمة كبيرة للبشرية فهي فخر وهدى للناس، وهي التي أرست دعائم الصلح والاستقرار والرخاء وفتحت طريق الحضارة والرقي للأجيال، وبديهي أن ما فعله محمد ﷺ عمل عظيم لا يفعله إلا شخص مقتدر ذو عزم رصين، ومثل هذا الشخص وبلا شك يستحق كل إكرام و تقدير و احترام .
العالم الإيطالي واكستون : وكم هو جميل ما قاله لو سألني أحدهم فقال: من هو محمد الذي تمدحه كل هذا المديح ؟ لقلت له بكل أدب و احترام: إنه هذا الرجل المشهور وإنه هذا القائد الذي لا نظير له، وعلاوة على كونه مبعوثاً من الله ، هو رئيس حكومة إسلامية كانت ملجأ وملاذاً لكل المستضعفين والمسلمين، وحامية لمصالحهم الاجتماعية ، فإن محمداً الذي يعد باني ومؤسس تلك الحكومة كان قائداً سياسياً لكل ما لهذه الكلمة من معنى .
الكاتب الإفرنسي كورسيه : يقول : عندما نهض محمد بدعوته وقبل وبعد انطلاق بعثته كان شاباً شجاعاً شهماً، يحمل أفكاراً تسمو على ما كان سائداً من أفكار في مجتمعه وقد تمكن محمد صلى الله عيه وسلم بسمو أخلاقه من هداية عرب الجاهلية المتعصبين الذين كانوا يعبدون الأصنام إلى عبادة الله الواحد الأحد، وفي ظل حكومته الديمقراطية الموحدة تمكن من القضاء على كل أشكال الفوضى والاختلاف والاقتتال التي كانت شائعة في جزيرة العرب، وأرسى بدل ذلك أسس الأخلاق الحميدة محولاً المجتمع العربي الجاهلي المتوحش إلى مجتمع راق و متحضر .
المؤرخ الأوربي جيمس : وهذا المؤرخ الأوربي جيمس يقول في مقال تحت عنوان الشخصية الخارقة عن النبي ﷺ و قد أحدث محمد عليه السلام بشخصيته الخارقة للعادة ثورة في الجزيرة العربية وفي الشرق كله فقد حطم الأصنام بيده، وأقام ديناً خالداً يدعو إلى الإيمان بالله وحده .
الفيلسوف الفرنسي كارديفو: يقول : إن محمداً كان هو النبي الملهم والمؤمن ولم يستطع أحد أن ينازعه المكانة العالية التي كان عليها، إن شعور المساواة والإخاء الذي أسسه محمد بين أعضاء الكتلة الإسلامية كان يطبق عملياً حتى على النبي نفسه .
الفيلسوف البريطاني توماس كاري : وقد خصص من كتابه فصلاً لنبي الإسلام بعنوان البطل في صورة رسول عدّ فيه النبي صلى الله عليه و سلم واحداً من العظماء السبعة الذين أنجبهم التاريخ وقد ردّ هذا المؤلف مزاعم المتعصبين فقال: يزعم المتعصبون أن محمداً لم يكن يريد بقيامه إلا الشهرة الشخصية ومفاخر الجاه والسلطان، كلا والله لقد كانت في فؤاد ذلك الرجل الكبير ابن القفار والفلوات المتورد المقلتين، العظيم النفس، المملوء رحمة وخيراً وحناناً وبراً وحكمة وحجاً وإربة و نهياً أفكاراً غير الطمع الدنيوي، ونوايا خلاف طلب السلطة، والجاه، كيف لا وتلك نفس صامتة ورجل من الذين لا يمكنهم إلا أن يكونوا مخلصين جادين .
مؤلف كتاب المئة الأوائل : يقول مؤلف كتاب المئة الأوائل في تاريخ البشرية وقد وضع محمد بن عبد الله على رأس المئة الأوائل في التاريخ البشري، هو الإنسان الأول من بين المئة الأوائل في تاريخ البشرية كلها من حيث قوة التأثير ومن حيث نوع التأثير ومن حيث امتداد أمد التأثير ومن حيث اتساع رقعة التأثير .
سادساً : تكريم الله لنبيه ﷺ :-
جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه من قول الله تعالى لنبيه ﷺ : إن كنت اتخذت ابراهيم خليلاً ، فهو مكتوب في التوراة : أنت حبيب الرحمن .
والخليل قال : ولا تخزني يوم يبعثون [ سورة الشعراء / 26 ، الآية : 87 ].
والحبيب قيل له : يوم لا يخزي الله النبي ، فابتدئ بالبشارة قبل السؤال .
والخليل قال في المحنة : حسبي الله [ سورة الزمر / 39 ، الآية : 38 ].
والحبيب قيل له : يا أيها النبي حسبك الله [ سورة الأنفال / 8 ، الآية : 64 ].
والخليل قال : اجعل لي لسان صدق في الآخرين [ سورة الشعراء / 26 ].
والحبيب قيل له : ورفعنا لك ذكرك ، أعطي بلا سؤال .
والخليل قال : واجنبني وبني أن نعبد الأصنام . [ سورة إبراهيم / 14 ، الآية : 35 ].
والحبيب قيل له : إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً .
ويقول الله تعالى للنبي ﷺ : ( ألم نشرح لك صدرك ) ( ونيسرك لليسرى ) ( فإنما يسرناه بلسانك ) ( لعلك ترضى ) .
ويقول على لسان موسى عليه السلام ( اشرح لي صدري ) ( يسّر لي أمري ) ( احلل عقدة من لساني ) ( وعجلت إليك ربي لترضى ) .
عن القاسم بن أبي أمامة قال: قال رسول الله ﷺ : (إن الله اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً وإنه لم يكن نبي إلا وله خليل ألا وإن خليلي أبو بكر ) .
ومن رواية ابن وهب ـ أنه عليه السلام قال : قال الله تعالى : سل يا محمد . فقلت : ما أسأل يا رب ؟ اتخذتَ إبراهيم خليلاً ، وكلمتَ موسى تكليماً ، واصطفيتَ نوحاً ، وأعطيتَ سليمان ملكاً لا ينبغي لأحد من بعده ، فقال الله تعالى : ما أعطيتك خير من ذلك ، أعطيتك الكوثر ، وجعلت اسمك مع اسمي ، ينادى به في جوف السماء ، وجعلت الأرض طهوراً لك ، ولأمتك ، وغفرت لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ، فأنت تمشي في الناس مغفوراً ، لك شفاعتك ، ولم أصنع ذلك لأحد قبلك ، وجعلت قلوب أمتك مصاحفها ، وخبأت لك شفاعتك ، ولم أخبأها لنبي غيرك .
وعن ابن عباس ، قال : جلس ناس من أصحاب النبي ﷺ ينتظرونه ، قال : فخرج حتى إذا دنا منهم سمعهم يتذاكرون ، فسمع حديثهم ، فقال بعضهم : عجباً ! إن الله اتخذ من خلقه خليلاً ، اتخذ إبراهيم خليلاً . وقال آخر : ماذا بأعجب من كلام موسى ، كلمه الله تكليماً . وقال آخر : فعيسى كلمه الله وروحه وقال آخر : وآدم اصطفاه الله .
فخرج عليهم فسلم ، وقال : قد سمعت كلامكم و عجبكم ، أن الله تعالى اتخذ إبراهيم خليلاً ، و هو كذلك ، و موسى نجي الله وهو كذلك ، وموسى نجي الله ، وهو كذلك ، وعيسى روح الله ، وهو كذلك ، وآدم اصطفاه الله ، وهو كذلك ، ألا وأنا حبيب الله ولا فخر ، وأنا أول شافع وأول مشفع ولا فخر ، وأما من يحرك حلق الجنة فيفتح الله لي فيدخلنيها ومعي فقراء المؤمنين ولا فخر ، وأنا أكرم الأولين والآخرين ولا فخر .
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: (اتخذ الله إبراهيم خليلاً وموسى نجياً واتخذني حبيباً ثم قال: وعزتي لأوثرن حبيبي على خليلي ونجيي ) ، فبمقارنة بسيطة يتضح رفعة النبي محمد ﷺ فوق كلّ الأنبياء والمرسلين ( ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ) ( تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض ) كيف لا وقد كان إمامهم في الإسراء في المسجد الأقصى وهو دعوة أبينا إبراهيم والذي بشر به موسى وعيسى عليهما السلام ، وما كانت شرائعهم إلا تمهيدا لخاتمة الرسالات ولنبوة محمد عليه الصلاة والسلام وهو القائل لو كان معي موسى لما وسعه إلا أن يتبعني ، وعندما يهبط عيسى عليه السلام فإنه سيكون من أتباع سيدنا محمد وسيصلي خلف الإمام دلالة على ذلك .
وقد قال الله تعالى لنبيه : لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون [ سورة الحجر / 15 : الآية 72] . اتفق أهل التفسير في هذا أنه قسم من الله جل جلاله بمدة حياة محمد صلى الله عليه و سلم ، و أصله ضم العين ، من العمر ، و لكنها فتحت لكثرة الاستعمال . و معناه : و بقائك يا محمد و قيل : و عيشك . و قيل : و حياتك . و هذه نهاية التعظيم ، و غاية البر و التشريف. قال ابن عباس رضي الله عنهما : ما خلق الله تعالى ، و ما ذرأ ، و ما برأ نفساً ـ أكرم عليه من محمد صلى الله عليه و سلم ، و ما سمعت الله تعالى أقسم بحياة أحد غيره .
وقال أبو الجوزاء : ما أقسم الله تعالى بحياة أحد غير محمد صلى الله عليه و سلم ، لأنه أكرم البرية عنده .
وقال جعفر بن محمد : من تمام نعمته عليه أن جعله حبيبه ، وأقسم بحياته ، ونسخ به شرائع غيره ، وعرج به إلى المحل الأعلى ، وحفظه في المعراج حتى ما زاغ البصر وما طغى ، وبعثه إلى الأحمر والأسود ، وأحل له ولأمته الغنائم ،وجعله شفيعاً مشفعاً،وسيد ولد آدم ، وقرن ذكره بذكره ، ورضاه برضاه ،وجعله أحد ركني التوحيد .
ولو وزنت به عرب وعجم --- جُعلت فداه ما بلغوه وزنا
إذا ذكر الخليـــل فذا حبيب --- عليه الله في القرآن أثنــــى
وإن ذكروا نجي الطور فاذكر --- نجي العرش مفتقراً لتغنى
فإنّ الله كلم ذاك وحيا --- وكلّم ذا مخاطبةً وأثنى
ولو قابلت لفظة "لن تراني" --- لـ "ما كذب الفؤاد " فهمت معنى
فموسى خرّ مغشياً عليه --- وأحمد لم يكن ليزيغ ذهناً
وإن ذكروا سليمان بملكٍ --- فحاز به الكنوز وقد عرضنا
فبطحا مكة ذهباً أباها --- يبيد الملك واللذات تفنى
وإن يك درع داوود لبوساً --- يقيه من اتقاء البأس حصنا
فدرع محمد القرآن لما --- تلا "والله يعصمك "اطمأنا
وأغرق قومه في الأرض نوحٌ --- بدعوة "لا تذر" أحداً فأفنى
ودعوة أحمد (رب اهد قومي) --- فهم لا يعلمون كما علمنا
وكل المرسلين يقول "نفسي" --- وأحمد " أمّتي "إنساً وجنّا
وكلّ الأنبياء بُدُورُ هَدْيٍ --- وأنت الشمس أكملهم وأهدى
المعلم الأعظم رسول الله للشيخ محمد عبد التواب سويدان
نص الخطبة :
الحمد لله العليم الحكيم، نحمدك اللهم أعظم الحمد على ما هديتنا به من إيمان صادق، ونبي بالحكمة ناطق.وأشهد أن لا اله إلا الله، وحده لا شريك له، أنقذنا بالإسلام من كل كرْبٍ وضيق وهدانا بالنبي محمد إلى أعظم طريق، صلِّ اللهم على هذا النبي التقي النقي، صلاةً تليق بجودك العظيم، وبمقامه الكريم فقد فضَّلته على سائر النبيين، فاللهم ارض عنَّا بالصلاة عليه، واجعلنا من خير الواصلين إليه. وبعد: أيها الكرماء الأجلاء معاشرَالمسلمين، فلقد بعث الله عز وجل نبيه محمد عليه الصلاة والسلام مبشرًا ونذيرًا، ومعلمًا وميسرًا، ومربيًا ومزكيًا، قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا ﴾ [الأحزاب ]، وقال سبحانه: ﴿ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ﴾ [الجمعة ]، وعن جابر رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: ((إن الله لم يبعثني معنِّتًا ولا متعنِّتًا، ولكن بعثني معلمًا وميسرًا))؛ رواه مسلم.
بعثه الله تعالى في أمة سيطر عليها الجهل والضلالة، واستولت عليها البدع والخرافة، فصنع - بإذن الله - منها أمةً حاملةً لرسالة العلم والتعليم.
نَعَمْ عباد الله، لقد أفنى رسول الله ﷺ عُمُرَه كُلَّه في سبيل تبليغ رسالة ربه، وعلَّم أمته كلَّ شيءٍ حتى إن بعض المشركين قال لسلمانَ الفارسي: "إنا نرى صاحبكم يعلمكم كُلَّ شيءٍ حتى الخِراءَة"، قال سلمان: "نعم، لقد نهانا أنْ نستقبلَ القبلةَ بغائطٍ أو بولٍ، أو أن نستنجيَ برجيعِ دابةٍ أو عَظْمٍ".
فكان لا يَدَعُ فرصةً للتعليم إلا اغتنمها، يقول عبدُالله بنُ عباسٍ رضي الله عنهما: "كنتُ يومًا خلفَ النبي ﷺ على الدابةِ، فقال: ((يا غلام، إني أعلِّمك كلماتٍ: احفظِ الله يحفظْك، احفظِ الله تجدْه تجاهك...)) رواه الترمذي
ويقُولُ أنسُ بنُ مالكٍ رضي الله عنه: "كان النبي ﷺ على حمارٍ، وكان معاذٌ رديفَهُ، فقال: يا معاذ بن جبل، فقال معاذ: لبيك يا رسول الله وسعديك - ثلاثًا - ثم قال: ((ما من أحدٍ يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله صِدْقًا من قلبه إلا حَرَّمه الله على النار))"؛ متفق عليه.
عباد الله، إن التعليم بالقدوة الحسنة بالفعل والعمل أقوى وأوقع في النفس، وأعون على فهم المراد،
ويشهد لهذا قصة صلح الحديبية، فحين أمر النبي ﷺ الصحابة بأن يتحللوا من إحرامهم وينحروا هديهم فقال لهم: " قوموا، فانحروا، ثم احلقوا " فتوانوا في ذلك، فدخل على زوجه أم سلمة - رضي الله عنها- فأشارت عليه بأن يحلق رأسه، وينحر هديه، فإنهم لا محالة يقتدون به ففعل، فكان كما ذكرت.
وعن معاذ بن عبد الرحمن أن بن أبان أخبره قال: أتيت عثمان بن عفان بطهور وهو جالس على المقاعد، فتوضأ فأحسن الوضوء، ثم قال: رأيت النبي ﷺ يتوضأ وهو في هذا المجلس، فأحسن الوضوء، ثم قال: " من توضأ مثل هذا الوضوء، ثم أتى المسجد، فركع ركعتين، ثم جلس غفر له ما تقدم من ذنبه " قال: وقال النبي ﷺ:" لا تغتروا "[البخاري].
يقول الجُلندي - رضي الله عنه - ملك عمان في سبب إسلامه: (لقد دلني على هذا النبي الأمي إنه لا يأمر بخير إلا كان أول آخذ به، ولا ينهى عن شر إلا كان أول تارك له وأنه يَغلِب فلا يبطر، ويُغلَب فلا يهجر، وأنه يفي بالعهد، وينجز الوعد، وأشهد أنه نبي) [ابن حجر:الإصابة ].
فعن جندب بن عبد الله قال: كنا مع النبي ﷺ ونحن فتيان حزاورة - أي: قاربنا البلوغ- فتعلمنا الإيمان قبل أن نتعلم القرآن، ثم تعلمنا القرآن فازددنا به إيماناً " [ابن ماجه].
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ﷺ لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن: " إنك ستأتي قوما أهل كتاب، فإذا جئتهم فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لك بذلك، فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم، فإن هم أطاعوا لك بذلك، فإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينه وبين الله حجاب "[البخاري].
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: " كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن؛ حتى يعرف معانيهن، والعمل بهن "[الطبري في تفسيره ].
يقولُ عمرُ بن أبي سَلَمَةَ رضي الله عنه: "كنتُ غلامًا في حِجَر رسول الله ﷺ، وكانت يدي تَطيشُ في الصَحْفَةِ، فقال لي رسول الله ﷺ: ((يا غلام، سمِّ الله، وكُلْ بيمينك، وكُلْ مما يليك))"؛ متفق عليه.
وكان رسول الله ﷺ يمشي ومعه الحسنُ بنُ عليٍّ، فوجدَ تمرةً فأخذها الحسنُ، فقال ﷺ: ((كِخ كِخ، أما علِمتَ أنَّا لا تحلُّ لنا الصدقة))؛ متفق عليه.
وعن معاويةَ بن الحكم السُلمي رضي الله عنه قال: بينما أنا أصلي مع رسول الله ﷺ إذ عطس رجل من القوم، فقلت: يرحمك الله! فرماني القوم بأبصارهم، فقلت: واثكل أُميّاه! ما شأنكم؟ تنظرون إليَّ، فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم، فلما رأيتُهم يصمِّتونني، لكني سكت، فلما صلى رسول الله ﷺ فبأبي هو وأمي ما رأيت معلماً قبله ولا بعده أحسنَ تعليماً منه، فو الله ما كهرني، ولا ضربني، ولا شتمني، قال: «إنَّ هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير، وقراءة القرآن»(مسلم). فتأمل يا أُخي هذا الأسلوب من نبينا المصطفى المعلم الأول ﷺ، فرغم أنَّ هذا الخطأ كان خطأ كبيراً لأنه من مبطلات الصلاة التي هي عماد الدين، إلا أنه لم يعنف صاحبه، ولم يوبخه، إنما علَّمه برفق ولين وأسلوب حسن.
فعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: إنَّ فتى شاباً أتى النبي ﷺ فقال: يا رسول الله إئذن لي بالزنا، فأقبل القوم عليه فزجروه، وقالوا: مه مه! فقال ادنه، فدنا منه قريباً، قال: فجلس، قال: «أتحبه لأمك؟ قال: لا والله جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم، قال: أفتحبه لابنتك؟ قال: لا والله يا رسول الله جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لبناتهم، قال: أفتحبه لأختك؟ قال: لا والله جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لأخواتهم، قال:أفتحبه لعمتك؟ قال: لا والله جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لعماتهم، قال: أفتحبه لخالتك؟ قال: لا والله، جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لخالاتهم، قال: فوضع يده عليه وقال: اللهم اغفر ذنبه وطهِّر قلبه وحصِّن فرجه، فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء»(أخرجه أحمد وصحح سنده الألباني).ففي هذا الحديث نلمس عظمة الرسول ﷺ المعلم الأول والمربِّي الأمثل، وحسن تعليمه وتأمله مع هذا الشاب، فلم يزجره ولم يقل له إن الله حرم الزنا ورتب على ذلك وعيدا شديدا، لأن هذه الأمور معلومة لدى الشاب، فهو ليس بجاهل، فكانت الوسيلة المناسبة له الإقناع العقلي والحوار الهادئ من قلب مفعم بالرحمة والرأفة والشفقة.
فأيُّ معلمٍ كان.. بل أيُّ إنسانٍ..
أيُّ إيمانٍ.. وأيُّ عزمٍ.. وأيُّ مضاء
أيُّ خلقٍ.. وأيُّ أسلوبٍ.. وأيُّ عطاء
وهل يظن ظانٌ أنه يوجد أو سيوجد على وجه الأرض من هو أسمى وأعلى وأشرف من الرسول ﷺ معلِّما ومربِّياً؟ أسأل الله عز وجل أن يمنَّ علينا باتباع سنته ﷺ وأن يجمعنا به في مستقر رحمته.أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم.
الحمد لله وكفي وصلاة وسلاما علي عباده الذين اصطفي وبعد. أيها المسلمون. مازلنا مع المعلم الأعظم رسول الله
وقد بوب البخاري في صحيحه لهذا الأسلوب التعليمي بقوله: (باب ما كان النبي ﷺ يتخولهم بالموعظة والعلم؛ كي لا ينفروا) وذكر حديث ابن مسعود- رضي الله عنه - قال: (كان النبي ﷺ يتخولنا بالموعظة في الأيام؛ كراهة السآمة علينا ).
وحديث أنس عن النبي ﷺ قال: " يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا".
وعن أبي وائل قال: كان عبد الله يذكر الناس في كل خميس، فقال له رجل: يا أبا عبد الرحمن لوددت أنك ذكرتنا كل يوم؟! قال: أما إنه يمنعني من ذلك أني أكره أن أملكم وإني أتخولكم بالموعظة، كما كان النبي ﷺ يتخولنا بها مخافة السآمة علينا )[البخاري].
ويقول عبدُالله بنُ مسعود رضي الله عنه: "إني لأتخوَّلكم بالموعظة كما كان رسول الله ﷺ يتخوَّلنا بالموعظة؛ مخافةَ السآمةِ علينا"
إنَّ المواقف والأحداث تستثير مشاعر جياشة في النفس، فحين يستثمر هذا الموقفُ يقع التعليم موقعه المناسب ويبقى الحدث وما صاحبه من توجيه وتعليم صورة منقوشة تستعصي على النسيان. وهذا ما كان يستخدمه رسولنا الكريم المعلم الأول ﷺ في تعليمه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: قدم على رسول الله ﷺ سبي، فإذا إمرأة من السبي تبتغي(أي تبحث عن ولدها)، إذا وجدت صبياً في السبى أخذته فألصقته ببطنها وأرضعته فقال لنا رسول الله ﷺ :«أترون هذه المرأة طارحة ولدها في النار؟» قلنا: لا والله وهي تقدر على أن لا تطرحه، فقال رسول الله ﷺ: «لله أرحم بعباده من هذه بولدها»(مسلم ).
الرَّسُولُ الْقُدْوَةَ مُرَبَّيَاً وَمُعَلِّمَاً ﷺ للشخ عبدالناصر بليح
الحمد لله رب العالمين ..وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له, وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله..اللهم صلاة وسلاماً عليك ياسيدي يارسول الله أمابعد فياعباد الله..
كان النداء الأول الذي انطلق في مكة منذ فجرالرسالة هو:"اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ"(العلق/1-5).
وهذا النداء أكد الإسلام من خلاله على حقيقة الوجود الذي لا يتم بنيانه,ولا يكتمل صرحه إلا على أساس من العلم والمعرفة,وهو الهدف الأسمى من بعثة النبي صلي الله عليه وسلم فقد جاء لهداية الخلق إلي الحق.وإخراجهم من ظلمات الجهل إلي العلم والمعرفة."هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ"(الجمعة/2).
إطلاق اسم المعلم على نبينا ﷺ:
أثبتَتِ السُّنة النبوية الشريفة هذه الصفةَ والمهمَّة العظيمة مَهمَّة التعليم في رسول الله ﷺ، ومِن ذلك خرج يومًا على أصحابِه فوجدهم يقرؤون القرآن ويتعلَّمون، فكان مما قال لهم:"وإنما بُعِثت مُعلمًا"(ابن ماجه)،يقول معاوية بن الحَكَم: "ما رأيت معلِّمًا قبله ولا بعده أحسن تعليمًا منه"(مسلم)، وفي رواية أبي داود:"فما رأيت معلمًا قط أرفق مِن رسول الله ﷺ"(أبوداود).
وقال ﷺ:"إن الله لم يبعثني معنتًا ولا متعنتًا، ولكن بعثني معلمًا وميسِّرًا"(مسلم).
ولا عجب إذاً حينما نري النبي الكريم صلي الله عليه وسلم يفضل طلب العلم ويحث دائماً عليه,بل ويجعله أفضل من صلاة النافلة , عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو؛أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ مَرَّ بِمَجْلِسَيْنِ فِي مَسْجِدِهِ .فَقَالَ:"كِلاَهُمَا عَلَى خَيْرٍ،وَأَحَدُهُمَا أَفْضَلُ مِنْ صَاحِبِهِ،أَمَّا هَؤُلاَءِ،فَيَدْعُونَ اللهَ،وَيَرْغَبُونَ إِلَيْهِ،فَإِنْ شَاءَ أَعْطَاهُمْ ، وَإِنْ شَاءَمَنَعَهُمْ،وَأَمَّاهَؤُلاَءِ،فَيَتَعَلَّمُونَ الْفِقْهَ وَالْعِلْمَ،وَيُعَلِّمُونَ الْجَاهِلَ،فَهُمْ أَفْضَلُ ،وَإِنَّمَا بُعِثْتُ مُعَلِّمًا.قَالَ:ثُمَّ جَلَسَ فِيهِمْ"(الدارمي وابن ماجة).
النبي ﷺ أعظم معلم ومربي :
لا يوجد أيُّ معلِّم أو مربٍّ في التاريخ تخرَّج على يديه عددٌ أوفر وأهدى من رسولنا الكريم ﷺ، لقد تخرج على يديه عدد غفير مِن الأصحاب والأتباع، في فترة وجيزةٍ من الزمن خصوصًا إذا تساءلنا
كيف كانوا قبله؟ وكيف أصبحوا بعده؟ فإنه قد سَلَك بهم ـ ﷺ ـ مسلكَ التعليم الجَماعي المستَنْفَر ، ودَفَعَهُم إلى محْوِ العاميّةِ دَفْعاً ، وحَضَّهم على ذلك ونَدَبَهم إليه ، وحذَّرهم من الفُتور فيه تحذيراً شديداً . لدرجة أنه أمر الجار المتعلم أن يمحو أمية جاره, ويعلمه كما تعلم هو ,وجعل ذلك من حقوق الجيران فقال:"واللهِ ليُعلِّمَنَّ قومٌ جيرانهم،ويُفقِّهونهم،ويُفطِّنونهم، ويأمُرونهم،وينهونهم.وليتعلَّمنَّ قومٌ من جيرانهم،ويتفقَّهون، ويتفطَّنون،أولأُعاجِلَنَّهم العقوبةفي الدنيا"(الطبراني وكنز العمال).
"الأسس التي وضعها الرسول صلي الله عليه وسلم للتربية والتعليم "
وكما حثنا الرسول الكريم صلى الله علية وسلم على العلم والتعلم فقد وضع لنا الأسس والمبادئ التي ينبغي إن يسير عليها كل معلم ومرب ومنها : الحرص على الرفق واللين مع طرق التعنت والتشدد وقد قال الرسول صلى الله علية وسلم"يسروا ولا تعسروا".ومن هذه الأساليب التربوية التي كان يتبعها الرسول صلى الله علية وسلم:
1- التعليم بالقدوة
فالرسول ﷺ كان قدوة للبشرية كلها كما قال تعالى:"لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا"(الأحزاب/21).
وحينما سئلت السيدة عائشة رضي الله عنها عن خلق النبي ﷺ فقالت:"كان خلقة القران"(مسلم).فقد كان ﷺ يمثل التطبيق العملي لأي الذكر الحكيم وهذا ما علمه للصحابة رضوان الله علية , عن ابن مسعود قال:"كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن والعمل بهن"(الطبري في تفسيره ,1/80).
2- الرحمة واليسر في التعليم وترك العَنَت :
لقد كان رسولُ الله ﷺ مِن الرأفة والرحمة، وترك العنت، وحبِّ اليسر، والرفق بالمتعلم، والحرص عليه، وبذل العلم والخير له في كل وقت ومناسبة - بالمكانِ الأسمى، والخُلُق الأعلى، قال الله تعالى:"لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ"(التوبة: 128)؛أي: يعزُّ عليه الشيء الذي يُعنتُ أمَّتَه ويشق عليها"حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ "(التوبة: 128).
وكان يقتصد في تعليمه وييسر على الناس "ما خُيِّرَ رَسولُ اللَّهِ ﷺ بيْنَ أمْرَيْنِ قَطُّ إلَّا أخَذَ أيْسَرَهُمَا، ما لَمْ يَكُنْ إثْمًا"(البخاري). كما كان يدفع الملل عن الصحابة ويروح عنهم .. وهو بذلك يراعي الحالة النفسية للمتعلم , عن ابْنِ مَسْعُودٍ،قَالَ:كَانَ النَّبِيُّ ﷺ:"يَتَخَوَّلُنَا بِالْمَوْعِظَةِ فِي الأَيَّامِ ، كَرَاهِيَةَ السَّآمَةِ عَلَيْنَا"(أحمد والبُخاري).
3- مراعاة الفروق الفردية:
ليس الناس سواسية في الفهم والتعلم,فكل يأخذ من العلم قدر عقله وحسب ما يحتاجه,وهذا ما كان – صلي الله عليه وسلم .يراعيه في تعليم الناس,فتارة يسأله رجل عن وصية ينتفع بها فيقول له:"تقوى الله",ويسأله آخر السؤال نفسه فيقول:"لا تغضب,وثالث يقول له:"أمسك عليك لسانك,ورابع يقول له :"تطعم الطعام وتقرأالسلام علي من عرفت ومن لم تعرف" وخامس يقول له:"قل امنت بالله ثم استقم" فهوصلي الله عليه وسلم يراعي بذلك حالة كل سائل ,وما في إمكاناته .
والتربية والتعليم لا يمكن فصل أحدهما عن الآخر.وأساس المسألة ونجاحها مرهون بالبيت،ثم تكتمل التربية بالمدرسة فالأشخاص الذين ينشؤون أصحاء واثقين من أنفسهم قادرين على مواجهة العالم والتعامل معه،هم الذين ترعرعوا في بيئة صحية ومنفتحة وفي أحضان والدين منفتحين وليسا متعلمين فقط.
وأساس التربية والتعليم هو السؤال والنقاش،والشعور بالأمان عند السؤال والاستفسار وإظهار عدم الاقتناع بما يُلقى من إجابات جاهزة وما يلقن من تعاليم وعقائد.
عباد الله أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم لي ولكم أو كما قال..
الخطبة الثانية
الحمد لله والصلاة ةوالسلام علي رسول الله اما بعد فيا جماعة الإسلام .لازلنا نواصل الحديث عن رسول رب العالمين القدوة معلماً ومربياً وما أحوجنا إلي ان نتعلم منه في هذه الأيام كيف ننصره وكيف نواجه تلك الحملات المغرضة التي تتوالي من أعداء الإسلام والإساءة البالغة التي تتكرر يومياً ضده مع ان الله عز وجل قال لنبيه:" إنا كفيناك المستهزئين" فالله ينتقم ممن أذاه أو أستهزأ به صلي الله عليه وسلم ..
ولكن ماهو واجبنا نحن المسلمين نحوهؤلاءهل نشجب ونستنكر ككل مرة وتمر مر الكرام ؟كلا..
على الأمة المسلمة في مشارق الأرض ومغاربها، لا سيما العلماء والدعاة والمؤسسات الإسلامية أن تمتلك زمام المبادرة وأن تنتقل من سياسة "رد الفعل" إلى سياسة "الفعل"، فكلما حدثت حادثة أو وقعت مشكلة تنادينا وصرخنا كيف نعالج المشكلة ونتصدى لهذا الحدث، وليس عندنا رؤية واضحة أو برامج محددة لتفادي مثل هذه الأحداث وحسن التعامل معها. والنبي ﷺ قال:"بلِّغواعني ولو آية، وحدِّثوا عن بني إسرائيل ولا حرَج، ومَن كذب عليَّ متعمِّدًا فليتبوَّأْ مقعدَه من النار"(البخاري).
- أن من أوجب الواجبات التعريف بالإسلام والتعريف بنبي الإسلام ﷺ؛ فالأمة مقصرة في هذا الجانب تقصيرًا كبيرًا،ولا تمتلك من الوسائل والأساليب المؤثرة ما تستطيع أن تصل به لكل أرجاء الأرض وأنحاء المعمورة، والإنسان عدو ما جهل.
- إن رد الفعل المبالَغ فيه وغير المحسوب يأتي دائمًا بنتائج عكسية وآثار سلبية، فليس من الدفاع عن رسول الله ﷺ إزهاق الأرواح بغير حق، أو تخريب الممتلكات،أو ترويع الآمنين، أو الاعتداء على حقوق الناس.
- إن للمسلمين الذين يعيشون في ديار الغرب دورًا عظيمًا ومهمة كبيرة في التعريف بالإسلام ونبي الإسلام والقيام بحق هذا الدين؛ فالمؤسسات الإسلامية في أوربا وأمريكا في الوقت الحاضر من الكثرة ما تستطيع أن تتبنى برامج مؤثرة وأعمالاً هادفة بلغة القوم وطريقتهم ما تستطيع أن توضح به الحقائق وتظهر به جمال الإسلام ومكانة النبي ﷺ، ولا تدع الساحة لأصحاب النفوس المريضة والقلوب السقيمة الذين ينشرون الأراجيف ويروِّجون للأكاذيب.
- علينا أن نعلم علم اليقين أن مقام رسول الله ﷺ أسمى وأعلى من أن ينال منه فرد أو جماعة أو أمة من البلهاء أو السفهاء.
فمقامه ﷺ مرفوع بأمر من الله تعالى، وحبّه مغروس في قلوب أمته، والألسنة تذكره بما لا يذكر به غيره من الخلق، قال الله تعالى عن رسوله ﷺ:"وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ"(الشرح: 4).
النبي ﷺ القدوة معلما ومربيا د خالد بدير
عناصر الخطبة:
العنصر الأول: النبي ﷺ القدوة والأسوة
العنصر الثاني: النبي ﷺ مربيا ومعلما ( صور مشرقة )
العنصر الثالث: صور مشرقة من تأسي الصحابة بالنبي ﷺ
العنصر الرابع: وجوب الاقتداء بالنبي ﷺ في حياتنا العملية
المـــوضــــــــــوع
الحمد لله القائل في كتابه الكريم: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ } (الأحزاب: 21). وأشهد أن لا إله وحده لا شريك له؛ وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ؛ صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين. أما بعد:
عباد الله: إن القدوة والأسوة في الدعوة والعبادة والأخلاق والتربية هي أفعل الوسائل جميعًا، وأقربها إلى النجاح، وإن مبادئ الإسلام تحظى بالقبول حينما يمتثلها الداعي قبل المدعويين، وقد كان ﷺ صورةً حيةً لتعاليم الإسلام السامية في كل شيء، رأَى الناس فيه الإسلام رأْيَ العين، فهو أعظم قدوة وأسوة في تاريخ البشرية كلها، ولقد تحركت نفوس الناس بقدر وسعها نحو التطبيق والعمل، يقتبسون من نوره ويتعلمون من آدابه. يقول الإمام ابن حزم: "من أراد خير الآخرة، وحكمة الدنيا، وعدل السيرة، والاحتواء على محاسنِ الأخلاق كلها، واستحقاقَ الفضائل بأسرها، فليقتد بمحمد ﷺ، وليستعمل أخلاقه وسيره ما أمكنه ". ( الأخلاق والسير ). فهو ﷺ القدوة والأسوة والمعلم والمربي الحكيم، وهو إمام الدعاة الذي أمر الله ربنا أن نقتدي به في عبادتنا ودعوتنا وأخلاقنا وسلوكياتنا ومعاملاتنا وفي جميع أمور حياتنا، قال تعالى: { قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ }. [يوسف: 108].
فكان رسول الله ﷺ خيرَ قدوة للأمة في تطبيق هذا الدين؛ كما قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا } (الأحزاب: 21) ؛ وهذه الآية الكريمة أصل كبير في التأسي برسول الله- ﷺ- في أقواله وأفعاله وأحواله، ولهذا أمر الله تبارك وتعالى الناس بالتأسي به ﷺ؛ فكان إذا أمرَ بشيءٍ أو نادى به فعله أولاً قبل الناس، ليتأسوا به ويعملوا كما عمل، وفي السيرة النبوية شواهد على ذلك كثيرة، منها:
أنه لما تم صلح الحديبية بين المسلمين؛ وقريش ونصوا في بنودها أن يرجع المسلمون هذا العام بلا أداء العمرة ويعودوا في العام القادم، أمر النبي - ﷺ - أصحابه أن ينحروا الهدي ويتحللوا من إحرامهم فقال: "قوموا فانحروا ثم احلقوا" ؛ فتكاسل الصحابة حيث إن الشروط كانت جائرةً على المسلمين، فدخل رسول الله ﷺ على السيدة أم سلمة مغضبًا، وأخبرها بتخلف الناس عن أمره، فأشارت عليه ﷺ بأن يُسرع في التنفيذ أمامهم، فقام ﷺ فحلق رأسه، ونحر هديه، وتسابق الصحابة في التطبيق حتى كاد بعضهم يقتل بعضًا من شدة الزحام !!
ومن أبرز الأمثلة في السيرة النبوية الشريفة أيضًا على كونه- ﷺ- كان يبدأ بنفسه قبل الناس ليقتدي الناس به، موقفه في بناء المسجد؛ حيث كان يشارك الصحابة في الحفر ونقل التراب، ورفع البناء، وكانوا يرتكزون أثناء عملهم بقولهم:
لئن قعدنا والرسول يعملُ.................. لذاك منا العمل المضللُ
كما شاركهم في حفر الخندق حول المدينة، عندما سمع بقدوم الأحزاب لاستئصال شأفة المسلمين في المدينة، وكان له قسم مثلهم يباشر الحفر معهم بيده، ويحمل التراب على كتفه، وإذا استعصت عليهم مشكلة سارعوا إليه يلتمسون منه حلاًّ لها بمعوله، فكان هذا كله دافعًا للصحابة على العمل، ومقويًّا لهممهم وعزائمهم، فلم يكسلوا أو يتوانوا؛ حيث يرون قائدهم معهم في خندقٍ واحد، يعمل كما يعملون، ويأكل مما يأكلون، وينام على مثل ما ينامون، وما زادهم ذلك إلا إيمانًا وتسليمًا.
أحبتي في الله: لقد كان ﷺ مثالًا وقدوة في التربية والتعليم والتوجيه ولا سيما مع المخطئين:
فعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَامَ أعرَابِّيٌ فَبَالَ في الْمَسْجِدِ، فَتَنَاوَلَهُ النَّاسُ فَقَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ – ﷺ -: ” دَعُوهُ وَهَرِيْقُوا عَلَى بَوْلِهِ سَجْلاً مِنْ مَاءٍ، أوْ ذَنُوباً مِنْ مَاءٍ، فَإِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ وَلَم تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ “. (البخاري).
وعَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ : " إِنَّ فَتًى شَابًّا أَتَى النَّبِيَّ ﷺ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، ائْذَنْ لِي بِالزِّنَا ، فَأَقْبَلَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ فَزَجَرُوهُ وَقَالُوا : مَهْ . مَهْ . فَقَالَ : ادْنُهْ ، فَدَنَا مِنْهُ قَرِيبًا . قَالَ : فَجَلَسَ قَالَ : أَتُحِبُّهُ لِأُمِّكَ ؟ قَالَ : لَا . وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ . قَالَ : وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأُمَّهَاتِهِمْ . قَالَ : أَفَتُحِبُّهُ لِابْنَتِكَ ؟ قَالَ : لَا . وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ قَالَ : وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِبَنَاتِهِمْ . قَالَ : أَفَتُحِبُّهُ لِأُخْتِكَ ؟ قَالَ : لَا . وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ . قَالَ : وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأَخَوَاتِهِمْ . قَالَ : أَفَتُحِبُّهُ لِعَمَّتِكَ ؟ قَالَ : لَا . وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ . قَالَ : وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِعَمَّاتِهِمْ . قَالَ : أَفَتُحِبُّهُ لِخَالَتِكَ ؟ قَالَ : لَا . وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ . قَالَ : وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِخَالَاتِهِمْ . قَالَ : فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ وَقَالَ : اللَّهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ وَطَهِّرْ قَلْبَهُ ، وَحَصِّنْ فَرْجَهُ فَلَمْ يَكُنْ بَعْدُ ذَلِكَ الْفَتَى يَلْتَفِتُ إِلَى شَيْءٍ " .( أحمد والطبراني والبيهقي).
وعَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيِّ ، قَالَ : بَيْنَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ ، إِذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ ، فَقُلْتُ : يَرْحَمُكَ اللَّهُ ، فَرَمَانِي الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ ، فَقُلْتُ : وَا ثُكْلَ أُمِّيَاهْ ، مَا شَأْنُكُمْ تَنْظُرُونَ إِلَيَّ ؟ فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ بِأَيْدِيهِمْ عَلَى أَفْخَاذِهِمْ ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ يُصَمِّتُونَنِي ، لَكِنِّي سَكَتُّ ، فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ، فَبِأَبِي هُوَ وَأُمِّي ، مَا رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ ، وَلَا بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ ، فَوَاللَّهِ مَا كَهَرَنِي وَلَا ضَرَبَنِي وَلَا شَتَمَنِي ، قَالَ : ” إِنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ ، لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ ، إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ ” ( مسلم ) .
ولقد امتدت القدوة والأسوة في التربية والتعليم والتوجيه في حياة النبي- ﷺ- لتشمل الأطفال والصبيان، فقد كان رسول الله -ﷺ- إذا أمر بعمل كان يفعله أولاً، ثم يطلب من الأطفال والصبيان أن يفعلوه كما لاحظوه، فقد روي أنه -ﷺ- رأى طفلاً يسلخ شاة وما يحسن، فما كان منه -ﷺ- إلا أن شمَّر عن ساعديه وبدأ بسلخ الشاة أمام الطفل؛ وراح الطفل يتأمل الكيفية ويُعمل عقله في ذلك، فقد أخرج ابن ماجة وابن حبان من حديث أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ مَرَّ بِغُلاَمٍ يَسْلُخُ شَاةً ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ ": تَنَحَّ ، حَتَّى أُرِيَكَ فَأَدْخَلَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَدَهُ بَيْنَ الْجِلْدِ وَاللَّحْمِ ، فَدَحَسَ بِهَا ، حَتَّى تَوَارَتْ إِلَى الإِبِطِ وَقَالَ : يَا غُلاَمُ هَكَذَا فَاسْلُخْ ثُمَّ مَضَى …".
فعلينا أن نتأسى بهديه ﷺ معلمًا ومربيًا ولا سيما في التعامل مع المخطئين ونفتح لهم باب التوبة والرجاء .
أيها المسلمون: تعالوا بنا لنعرض صوراً مشرقة لاقتداء وتأسي الصحابة بالرسول ﷺ في كل شيء.
فقد أرشد النبي ﷺ صحابته إلى أن يقتدوا به في أقواله وأفعاله، ولا سيما في العبادات، فلم يُعِدّ مجلسا لشرح أركان الصلاة وسننها ومبطلاتها كما نفعل الآن، وإنما قال: " صلُّوا كما رأيتُموني أصلِّي " ( البخاري)، وفي الحج قال"خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ" ( مسلم والنسائي). ولما علم الرسول شدة اقتداء الصحابة به ﷺ وخاصة في مناسك الحج خشي عليهم الازدحام والتقاتل في أداء المناسك فرفع عنهم الحرج؛ فعن جابر، قال: قال النبي - ﷺ- :" قد نحرت هاهنا، ومنى كلها منحر، ووقف بعرفة، فقال: قد وقفت هاهنا، وعرفة كلها موقف، ووقف بالمزدلفة، فقال: قد وقفت هاهنا، والمزدلفة كلها موقف" ( أبوداود ). تصورت هذا المشهد من ازدحام الناس عند جبل الرحمة في أرض عرفات وقلت: لو قال النبي ﷺ: وقفت ها هنا وهذا هو الموقف!! ونحرت ها هنا وهذا هو المنحر!! لتقاتل الناس وهلك الكثير ؛ ولكنه ﷺ كان رحيماً بأمته.
ولذلك كان عمر – رضي الله عنه- يقبل الحجر الأسود ويقول: والله إني أعلم أنك حجر لا تنفع ولا تضر ؛ ولولا أني رأيت رسول الله ﷺ يقبلك ما قبلتك !! ( متفق عليه ).
وفي الصيام اتبعوه- ﷺ- واقتدوا به في الوصال؛ فنهاهم رحمة ورأفة بهم وشفقة عليهم؛ فعن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ" نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْ الْوِصَالِ فِي الصَّوْمِ. فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ: إِنَّكَ تُوَاصِلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ! قَالَ: وَأَيُّكُمْ مِثْلِي؟! إِنِّي أَبِيتُ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِ؛ فَلَمَّا أَبَوْا أَنْ يَنْتَهُوا عَنْ الْوِصَالِ وَاصَلَ بِهِمْ يَوْمًا ثُمَّ يَوْمًا ثُمَّ رَأَوْا الْهِلَالَ؛ فَقَالَ: لَوْ تَأَخَّرَ لَزِدْتُكُمْ ؛ كَالتَّنْكِيلِ لَهُمْ حِينَ أَبَوْا أَنْ يَنْتَهُوا " ( البخاري ).
ولشدة اقتداء الصحابة به -ﷺ- اتبعوه في خلع نعله أثناء الصلاة، مع أن هذا الأمر خاص به– لعارض- دون غيره. فقد أخرج أبو داود والحاكم والببهقي عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُصَلِّي إِذْ وَضَعَ نَعْلَيْهِ عَلَى يَسَارِهِ فَأَلْقَى النَّاسُ نِعَالَهُمْ، فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الصَّلاةَ ، قَالَ: " مَا حَمَلَكُمْ عَلَى إِلْقَاءِ نِعَالِكُمْ ؟ "، قَالُوا : رَأَيْنَاكَ أَلْقَيْتَ فَأَلْقَيْنَا، فَقَالَ: " إِنَّ جِبْرِيلَ أَخْبَرَنِي أَنَّ فِيهِمَا قَذَرًا أَوْ أَذًى فَمَنْ رَأَى - يَعْنِي - فِي نَعْلِهِ قَذَرًا أَوْ أَذًى فَلْيَمْسَحْهُمَا ثُمَّ لِيُصَلِّ فِيهِمَا ."
أختم هذه الصور والمواقف في شدة التأسي والاقتداء به – ﷺ - بموقف رائع لسيدنا عبدالله بن عمر رضي الله عنهما ؛ فقد روي أن الرسول -ﷺ- مر على طريق يوماً ثم نزل من فوق ظهر ناقته، وصلى ركعتين، فصنع ابن عمر ذلك إذا جمعه السفر بنفس البقعة والمكان..فَسُئل عن ذلك؟ فقال: رأيت الرسول -ﷺ- يفعل ذلك ففعلت!! بل إنه ليذكر أن ناقة الرسول دارت به دورتين في هذا المكان بمكة، قبل أن ينزل الرسول من فوق ظهرها، ويصلي ركعتين، وقد تكون الناقة فعلت ذلك تلقائياً لتهيئ لنفسها مناخها؛ لكن عبدالله بن عمر لا يكاد يبلغ ها المكان يوماً حتى يدور بناقته، ثم ينيخها، ثم يصلي ركعتين لله.. تماماً كما رأى المشهد من قبل مع رسول الله – ﷺ - !!!
أيها المسلمون: هذا غيض من فيض لصور اقتداء وتأسي الصحابة برسول الله - ﷺ - في جميع أقوال وأفعاله وأحواله ؛ فعلينا الاقتداء والتأسي به كما سيأتي مفصلاً في عنصرنا التالي إن شاء الله تعالى .
عباد الله: يجب علينا الاقتداء والتأسي بالرسول الله – ﷺ - لأنه خير قدوة لنا . قال ذو النون المصري: " من علامات المحب لله عز وجل متابعة حبيب الله– ﷺ - في أخلاقه وأفعاله وأوامره وسننه ".
ألا ما أحوجنا أن نرجع من جديد إلى رسول الله ﷺ؛ لنسير على دربه، وندافع عنه وعن سنته من كيد الكائدين وحقد الحاقدين؛ فوالله لا سعادة لنا ولا نجاة في الدنيا والآخرة إلا إذا عدنا من جديد إليه وسرنا على نفس الدرب الذي سار عليه، ورددنا مع السابقين الأولين الصادقين قولتهم الخالدة: {سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} [البقرة:285].وهو القائل الله ﷺ: « تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ كِتَابَ اللَّهِ. وَأَنْتُمْ تُسْأَلُونَ عَنِّى فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ ». قَالُوا نَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ وَأَدَّيْتَ وَنَصَحْتَ. فَقَالَ بِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ يَرْفَعُهَا إِلَى السَّمَاءِ وَيَنْكُتُهَا إِلَى النَّاسِ « اللَّهُمَّ اشْهَدِ اللَّهُمَّ اشْهَدْ ». ( مسلم). والقائل أيضًا " عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ؛ وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ؛ وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ؛ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ" ( أبو داود والترمذي وصححه).
عباد الله: إن الأسوة والقدوة علم وعمل ؛ فيجب على العالِم أو المربي أن يعمل بما يعلم أو يقول، حتى تؤتي القدوة ثمارها، وإلا كانت هباءً منثوراً لا وزن لها ولا تأثير. ولقد ذم الله هؤلاء بقوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ،كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} ( الصف 2 ، 3). قال مالك بن دينار رحمه الله " إن العالم إذا لم يعمل بعمله زلت موعظته عن القلوب كما تزل القطرة عن الصفا" ويقول الشاطبي: " إذا وقع القول بياناً فالفعل شاهد له ومصدق" .
إننا يجب أن نكون قدوة لأبنائنا وبناتنا ونسائنا وجميع أفراد مجتمعنا إذا كنا نريد أن نبني مجتمعاً فاضلاً مؤسساً على القيم والفضائل والأخلاق النبوية!! نحتاج جميعاً إلى تفعيل منظومة الأخلاق على أرض الواقع؛ وإلا فلا بناء لمجتمع كما قال أحدهم :
ومتى يبلغ البنيان يوما تمامه....... إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم؟!!
كيف يحافظ الولد على الصلاة وأبوه لها من المهملين؟!كيف يخف لأداء صلاة الفجر مع الجماعة وأبوه عنها من المتكاسلين؟! متى يتعلم الصدق في القول والوفاء بالوعد، وهو يرى والده يكذب ويخلف؟! متى يعي حرمة الغش ووالده يغش في بيعه وشرائه ومعاملاته؟! ومن هذا الطالب الذي سيكرم جاره، ووالده وجاره متلاحيان متخاصمان؟! وأي طالب سيطبق ما تعلمه عن صلة الرحم، وأبوه مصارم لأخيه مقاطع لبني عمه وأقاربه؟! لا شك أنه يقلد والده في كل شئ حقاً كان أو باطلاً !!
مَشَـى الطـاووسُ يومـاً باعْـوجاجٍ........فـقـلدَ شكـلَ مَشيتـهِ بنـوهُ
فقـالَ: عـلامَ تختـالونَ ؟ فقالـوا: ......بـدأْتَ بـه ، ونحـنُ مقلـِـدوهُ
فخـالِفْ سـيركَ المعـوجَّ واعـدلْ ........فـــإنـا إن عـدلـْتَ معـدلـوه
أمـــــَا تـــــــــدري أبـانـا كـلُّ فــــــرع ٍ........يجـاري بالخـُطـى مـن أدبـوه؟!
وينشَــأُ ناشـئُ الفتيــانِ منـــــــــــا..........علـى ما كـان عـوَّدَه أبـــوه
عباد الله: أختم بهذه الصورة لسلفنا الصالح وكيف كانوا قدوة لغيرهم؟!
يروى أن عبيد البصرة جاؤوا يوما إلى الحسن البصري ( شيخ الواعظين) في أول يوم من أيام رمضان وهو يعظ في مسجد البصرة، وشكوا له سوء معاملة الأسياد لهم، وتوسلوا إليه أن يخطب خطبة يحثُّ فيها على فضل عتق الرقاب، فوعدهم خيرا .
وانتظر العبيد خطبة الجمعة، ثم الجمعة التالية، ثم الثالثة من دون أن يخطب الحسن البصري كما وعدهم.
ومرَّ عام وجاء رمضان الذي يليه، وفي أول أيام رمضان إذ الحسن البصري يتكلم عن فضيلة عتق الرقاب، حثَّ الناس فيها على عتق العبيد، و لم يبق أحد ممن سمعها إلا خرج وأعتق عبيده، وبعد أن تحرر العبيد اجتمع بعضهم في بيته، وقالوا له: ما الذي أخرك عن الخطبة هذه المدة؟! قال لهم: كنت لا أملك عبداً، ولم يكن معي ما أشتري به عبدا لأعتقه، فلما رزقني الله ثمن عبد اشتريته وأعتقته حتى أكون قد طبقت الكلام على نفسي أولا، فخرج الكلام صادقاً من القلب فوصل إلى قلوب الناس.
فكم نحن نسمع ونقرأ !! هل طبقنا ذلك على أنفسنا ؟!! وهل اقتدينا به ﷺ في أقوالنا وأفعالنا ؟!!
اللهم اجعلنا هداة مهديين لا ضالين ولا مضلين،،،،،،،،
الدعاء........ وأقم الصلاة،،،،
سيد الخلق معلما ومربيا ﷺ للشيخ أبو سيف الأزهري
الحمد لله رب العالمين
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ، الحمد لله خير ثواباً ، وخير أملاً ، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، لا يزال ربنا براً رحيماً ، عفواً كريماًً ، بعباده خبيراً بصيراً ، من يهده الله فلن تجد له مضلاً أبداً ، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً ،
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إلهاً واحداً ، فرداً صمداً ،
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أحسن الناس خلقاً وخلقاً ، وعبادة وورعاً ، وزهداً وتقوىً ،
صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه خير ألٍ وأفضل صحباً ، وسلم تسليماً مديداً كثيراً . . .
أما بعد :
يقول الله تعالى:
{قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِـَايَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ*وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَى مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقدْ جَآءَكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ }
حين نتحدث عن رسول الله ﷺ كقدوة فإننا نتطلب زيادة فى الإيمان
ومزيدا من التعظيم والتبجيل وقدره حق قدره وازدياد محبته
وكل ذلك مطلوب شرعا
والثمرة في ذلك طاعته وإتباعه وتعظيم
أمره ونهيه واقتفاء سنته والثبات على شرعته .
خلقا وخُلقا ،
وضم الإله اسم النبي إلى اسمه .. إذا قال في الخمس المؤذن أشهد
وشق له من اسمه ليجله .. فذو العرش محمود وهذا محمد
وجمع له الفضائل كلها نسقا متسقا
فهو نبع الفضائل والشمائل
الرحمةُ المهداةُ جاء مبشِّرا ** ولأفضلِ الأديان قام فأنـــــذرا
ولأكرمِ الأخلاق جاء مُتمِّمًا ** يدعو لأحسنِها ويمحو المنكرا
صلى عليه اللهُ في ملكوته ** ما قام عبدٌ في الصلاة وكبـــّرا
ﷺ تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
ان محمدا ﷺ هو رسول الله اليكم جميعا بهذا الخطاب العام فى قوله تعالى:
قُلْ يَا أَيّهَا النَّاس إِنِّي رَسُول اللَّه إِلَيْكُمْ جَمِيعًا
وفي صحيح مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ،
أنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَالَ :وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَهُودِيٌّ وَلَا نَصْرَانِيٌّ ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّار .
ومن باب بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا
فأبشر يا مكرون فرنسا
◄قال الامام النووى رحمه الله:
أما الحديث ففيه نسخ الملل كلها برسالة محمد ﷺ
وقوله ﷺ
( لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ ) :اى ممن هو موجود فى زمنى او بعدى الى يوم القيامة فكلهم يجب عليه الدخول فى طاعته .وانما ذكر اليهودى والنصرانى تنبيها على من سواهما،وذلك لان اليهود والنصارى لهم كتاب فكيف بمن لا كتاب لهم ..؟
لكن للأسف الإسلام هو الذي وضع القواعد، وهم الذين استفادوا منها، فهذا أكبر دليل على خيبتنا وفشلنا وقلة حيلتنا...
فالنبع نبعنا .. فأين الواردون..؟؟
اين انتم من أبوة محمد ﷺ ؟
روى مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه الذي خدم رسول الله صلى الله عليه و سلم عشر سنين أنه قال: "ما رأيت أحدًا كان أرحم بالعيال من رسول الله صلى الله عليه و سلم".
وقد ثبتت أبوته لنا كذلك؛ كما في الحديث: إنما أنا لكم بمنزلة الوالد أعلمكم. رواه أبو داود وحسنه الألباني.
◄نعم .. لقد كان ﷺ -قبل كل شيء- أبا وجدا لا نظير ولا مثيل له،فقد كان يعامل أولاده وأحفاده بحنان كبير، ولم يكن ينسى وهو يعطي كل هذا الحنان أن يوجه أنظارهم إلى الآخرة وإلى معالي الأمور، كان يضمهم لصدره ويبتسم لهم ويداعبهم، ولكنه في الوقت نفسه لم يكن يغض طرفه عن أي إهمال لهم حول شئون الآخرة، وكان في هذا الأمر واضحا جدا وصريحا جدا، ووقورا ومهيبا وجادًّا فيما يتعلق بصيانة العلاقة بينه وبين خالقه.
فهذا هو النبع..فأين الواردون..؟
رفقا بنساءكم - رفقا بالقوارير
( مش أى قارورة ...قوارير بيتك بس وملكش دعوة بقوارير الناس سواء فى الشارع أو فى النت)-
استوصوا بنساءكم خيرا
للبيوت أسرارها، وللعلاقات الزوجية سماتها، وفي حياة كل زوجين أفراح وأتراح، فيوماً تطيب العشرة بين الزوجين فيصبحان وكأنهما أسعد زوجين، ينعمان بعيشة هنية وحياة زوجية هانئة هادئة، ويوماً يحدث في البيت ما يعكر صفوه ويكدر هناءه فتتباعد القلوب وتستوحش النفوس، ويضيق البيت على سعته بساكنيه، وبين هذين اليومين أيام وأيام تكون شوباً من المودة والبغض، وخليطاً من الحب والكراهية، فيا ترى هل هناك بيت يخلو من المشاكل والمنغصات بين الزوجين؟ ومن الزوج المثالي الذي يحسن إدارة منزله، ويجيد قيادة مركب العائلة حتى لا تغرقه أمواج الشقاق ويبتلعه طوفان المشكلات؟
◄أيها االأزواج ليس منا أحد يدعي أنه ذلك الرجل، ولكن دعونا نرحل إلى منزل زوج مثالي كان قدوة عظيمة في فن إدارة منزله، إنه زوج لا كالأزواج، رجل كان على خلق رفيع ومنهج حميد، استطاع بحكمته وبرفقه ولينه أن يدير منزله أحسن إدارة، لم يكن يماثله أحد في الخلق والعدل،انه محمد ﷺ
فهذا النبع... فأين الواردون..؟؟؟
ان محمدا ﷺ قد تزوج من هى اكبر منه سنا , ومن هى اصغر منه, وتزوج البكر , وتزوج من كانت مخطوبة وفسخت خطبتها , وتزوج الارملة , وتزوج المطلقة , وتزوج من كان ابواها يهود...وكأنه يبعث رسالة الى كل شاب منكم يقول لكم فيها
انا محمد خير البشر تزوجت المرأة فى جميع تفاصيل حياتها فمن انتم حتى تعيبوا على المرأة سنها او اهلها او ظروفها؟؟
هذا هو النبع يا شباب
فأين الواردون.؟؟؟؟
ان محمدا ﷺ هو منهج حياة فى عقيدته وعبادته وسلوكه واخلاقه
لخص الله حياته فى هذا الحب بقوله تعالى : لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ
وخير الهدي هدي محمد -ﷺ-،
وأصفى نبع هو نبع محمد ﷺ
فأين الواردون..؟
رسولنا قدوتنا لم يكن يستعلي على أحد ،
كان يقابل أفراد مجتمعه بالوجه الحسن المبتسم، ويشاركهم في أفراحهم وأتراحهم، ويهتمُّ بقضاياهم، ويسعى لحلها، ويساوي بينهم جميعًا دون تمييز أو تفريق، عربًا كانوا أو عجمًا، صغارًا كانوا أو كبارًا، ومن هنا استمد المجتمع قوته وصلابته واستحالته على الهزيمة والانكسار.
لذا يجب أن يقتدي المجتمع المسلم بجميع عناصره بالمصطفى ﷺ، فلا يتكبَّر على عباد الله ولا يظلمهم ولا يغشهم ولا يصعِّب أمورهم، ويتواصى بالحق ويتواصى بالصبر ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر؛ حتى يطمئن الناس إلى بعضهم البعض، وتزداد ثقتهم ببعض، فيزول من المجتمع البغض والكراهية، ويحل الوئام والمودة، ومن ثم ينتصر ويحقق ما يرنو إليه من آمال وطموحات.
فهذا النبع.. فأين الواردون..؟؟
في هذا العصر
أهدِرت حقوق الإنسان وحريته،
واستُبيحت حرماته،
وحلَّت الوحشية محلَّ الرحمة،
والرذيلة محلَّ الفضيلة،
وجميعها معاول هدم ودمار على العالم،
هي في الحقيقة من نتائج غياب عدم الاقتداء والتخلق بالأخلاق والقيم التي جاء بها الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام، الذى اعتنى بالفرد كأساس لقيام الدولة والمشروع كله تربيةً وتنشئةً وتقويمًا،
ومن ثم أرسى في المجتمع أسس العدل والحرية والمساواة بين جميع أفراد المجتمع، مسلمين وغير مسلمين،
ولقد أدهشت العالمَ معاملةُ رسول الله ﷺ مع أعدائه وهو متمكِّنٌ منهم، فلم يظهر في التاريخ أرحمُ منه مع أعدائه، رغم ما كان يلاقيه منهم من الأذى والعذاب والتشريد.
وكان ﷺ القائد المتواضع الرقيق؛ الذي يسهر على مصالح الناس، ويستشعر قدر المسئولية الملقاة على عاتق المسئول، ويغرس هذا الفهم في النفوس؛ فهو القائل صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: "كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته؛ الإمام راع ومسئول عن رعيته، والرجل راع في أهله وهو مسئول عن رعيته".
وعلى هذا ربَّى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أصحابه، فلما تولَّوا أمر الناس من بعده جعلوه قدوتهم في ذلك، فعزُّوا وسعدوا وأعزُّوا أمتهم ودينهم، فهذا عمر رضي الله عنه كان حينما يعطي عماله- أي الذين سيتولون أمور الناس- خطابَ التكليف.. يقول لهم: "أيها الناس.. إن الله عظَّم حقه فوق خلقه"، ثم يقول: "إني لم أبعثكم أمراء ولا جبابرة، ولكن بعثتكم أئمة الهدى يُقتَدى بكم، فلا تمنعوا الناس حقوقهم فتظلموهم".
فهذا النبع.. فأين الواردون..؟؟
كأن الزمان قد استدار كهيئته يوم وُلِد وبُعِث المصطفى ﷺ، فالأوضاع الفاسدة والأعراف البالية التي واجهها لا تختلف كثيرًا عن الأعراف والقيم التي تعيشها البشرية في الفترة الراهنة، غير أنها قد أخذت شكلاً مغايرًا حينما اكتست ثوب التقدم العلمي، وتزيَّنت بزخارف المدنية الحديثة.
فلقد واجه النبي ﷺ أوضاعًا سياسية غاية في الفساد،
على المستوى المحلي والإقليمي والدولي،
ولمواجهتها وتغييرها
أعلن منذ البداية أنَّ الإيمان الصحيح والعقيدة السليمة هما وحدهما طريق الإصلاح وسبيل التغيير، وأرسى منذ اللحظة الأولى أهم قاعدة للإصلاح والتغيير حين قال: "يا أيها الناس قولوا: لا إله إلا الله تُفلُحوا"، وظل ﷺ يغرس الإيمانَ في القلوبِ ويزكِّي به النفوس ويطهِّر به الأفئدة، ويُقيم به بعد ذلك دعائم الدولة.
وهذه كانت نقطة الانطلاق لتحقيق التغيير والإصلاح على كافة الجوانب وفي مستوياتها المختلفة، على أساسٍ متين من الإيمان الصحيح والعقيدة السليمة في قلوب أفرادٍ ربانيين، أنشؤوا مجتمعًا صالحًا إيمانيًّا، ودولةً فاضلةً ربانيةً، غيَّرت وجه التاريخ.
فهذا النبع.. فأين الواردون..؟؟
لعلكم تذكرون الشيخ الذى مد يده و صفع نابليون صفعة قوية قائلا : "معذرة يا بونابرتة هذه ليست يدي هذه يد الشعب" !!! ..
حقا لو كانت اوروبا منزلا لكانت فرنسا هى المرحاض
يامن أسأت برسم فى مشفعنا شلت مدى الدهر والتاريخ كفاك
كيف أجترأت على خير الورى سفها قد بؤت بالخزى ظلما وأفاكا
ان الرسول لنور الكون أجمعه لكن تعامت عن الأنوار عيناكا.
إن الاسلام اذا حاربتموه اشتد واذا تركتموه امتد والله بالمرصاد لكم ولكل من صد
ان حاصرتموه فى المسجد فسيدخل الملعب
ان خنقتموه فى الكتاب فسيقتحم شبكة الانترنت
ان حاربتموه فى الشيخ فسيظهر فى المثقف
ان اطفئتموه فى الطرقات فسيضيء فى السجون
فمن سب النبي ﷺ فلا توبة له ، وهو كافر زنديق ، مهدور الدم ، لا حرمة لنفسه ، ولا عصمة لروحه ، ولا قيمة له ، فمن آذى النبي ﷺ ، وجبت معاداته لأنه كفر ، ومن أهانه واستهزأ به فدمه هدر ، وله العذاب في القبر ، ويوم العرض والحشر ، قال ربكم في القرآن ذي الذكر : { إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُّهِيناً } .
فيا من يسب النبي ويزدريه * ويبيع منتجه فنشتريه
ان قاطعنا بارت بضاعته * وسيعود خنزيرا فى الاليزيه
من آذى رسول الله يوما * فان ردنا حتما سيؤذيه
أليس هو القائل ﷺ : " من ردّ عن عِرْض أخيه المسلم ، كان حقاً على الله عز وجل أن يردّ عنه نار جهنم " [ أخرجه الترمذي وغيره وحسنه من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه ] ، فإذا كان هذا في حق بقية الناس ، فكيف بحق النبي ﷺ ،
إن الدفاع عن الجناب النبوي مكافأة لا مجرد عمل صالح
والخذلان عقوبة لا مجرد عمل سيء
لقد أخذ علينا النبي ﷺ الميثاق في إيمانية محبته ، والذود عن حياضه وسنته ، في حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه حيث قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللّهِ ﷺ : " لاَ يُؤمِنُ أَحَدَكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ " [ أخرجه مسلم ] ،
وما حدث من خنزير فرنسا ما هو الا استفتاء لمكانة النبي ﷺ فى قلوبنا
واضعاف الباطل يبدأ بإضعاف اقتصاده كما قال الله
وَقَالَ مُوسَىٰ رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ ۖ
رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَىٰ أَمْوَالِهِمْ
وطمس المال مقاطعته
عن عَائِشَةُ رضي الله عنها قَالَتْ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ ﷺ يَقُولُ لِحَسَّانٍ : " إِنَّ رُوحَ الْقُدُسِ لاَ يَزَالُ يُؤَيِّدُكَ ، مَا نَافَحْتَ عَنِ اللّهِ وَرَسُولِهِ " [ أخرجه مسلم ] ،
ان رسالة نبينا محمد ﷺ لهي رسالة تربط الإنسان بخالقه؛ وتنظم -بعناية فائقة- علاقته مع باقي أفراد جنسه، وتضع له تصورًا واضحًا عن الحياة التي يعيش فيها، والعوالم الأخرى التي سينتقل إليها، وما ينتظره بعد ذلك؛ من حساب في البرزخ، ويوم العرض.
◄وهي رسالة لا رهبانية فيها؛ ولا ارهابية بها
تربط بين الدنيا والآخرة، تحث على عمارة الأرض، وبناء الأمة والحضارة، رسالة تجتمع فيها أصوات المآذن، وبخار المصانع؛ رسالة عظيمة يكفيها لدفع كل الشبهات التي يثيرها حولها المتخرصون والمغرضون قول الصادق المصدوق صلوات الله وسلامه عليه: (إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة فاستطاع ألا تقوم حتى يغرسها فليغرسها؛ فله بذلك أجر) (الأدب المفرد؛ للبخاري،و انظر السلسلة الصحيحة؛ للألباني،
◄حقا ... لقد زرع رسول الله ﷺ في قلوب أتباعه شيئًا عجز الغرب عن إدراكه حتى الآن؛ وأعماه روح الحقد والكراهية؛ وأضلته المادية والنفعية؛ عن إدراك هذا الأمر الواضح الجلي؛ لقد أخرج رسول الله ﷺ الإنسان من عبودية هواه إلى طاعة مولاه؛ ومن عبادة العباد إلى عبادة رب العباد؛ ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام؛ ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة، إنه رسول الله ﷺ.
هو النبع .. فأين الواردون..؟؟
يقول رسول الله- ﷺ-: "مالي والدنيا, وما للدنيا ومالي! والذي نفسي بيده ما مثلي ومثل الدنيا, إلا كراكبٍ سار في يومٍ صائف, فاستظلَّ تحت شجرة ساعةً من نهار, ثم راح وتركها" (أخرجه الإمام أحمد في المسند وابن ماجه والترمذي)
◄فيا أخى كن فى الدنيا كأنك غريب او عابر سبيل
هكذا يعملنا الحبيب ﷺ في شخص سيدنا عبدالله بن عمر راوي الحديث قال: "أخذ رسول الله بمنكبي" .. يعني: أمسك بكتفيه لأجل أن يسترعي انتباهه ليحفظ ما يقول فقال له النبي: "كن في الدنيا كأنك غريب، أو عابر سبيل".
وفي التشبيه النبوي بلاغة عظيمة توصل المعنى كاملًا .. فالغريب في البلد لا يتعلق بها ولا يتشبث بل هو مستوحش من أهلها يجلس ويمكث بقدر حاجته لا يعمر الديار ولا يبني القصور، ولا يحرث ولا يزرع بغاية الاستقرار والخلود فيها، ولا يتعلق بشيء من أمر هذا البلد.
◄ثم ذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم درجة أعلى وهي "عابر سبيل" الذي يكون أشد وحشة في بلد ما من الغريب، لأنه يمر وهو عابر سبيل ويسير في طريقه كمن سار ونزل تحت شجرة ثم سار، كما قال النبي -عليه الصلاة والسلام- فيما رواه الترمذي وغيره: ما أنا والدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها وهذا هو معنى أو عابر سبيل.
والغريب وعابر السبيل لا يثقل بدنه وكاهله وظهره بالمتاع؛ لأن عابر السبيل يريد أن يتحرك ويتنقل، وكثرة المتاع على ظهره تثقله وتعيق حركته، وفي ذلك إشارة نبوية لنا جميعًا ألا نثقل ظهورنا وصدورنا وقلوبنا بالذنوب والمعاصي وحب الدنيا، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الدنيا: "إن أسعد الناس بها أرغبهم عنها وأشقاهم فيها أرغبهم فيها".
◄لقد بيّن الحبيب ﷺ غربة المؤمن في هذه الدنيا، وهما ما يقتضي منه التمسّك بالدين، ولزوم الاستقامة على منهج الله، حتى وإن فسد الناس، أو حادوا عن الطريق؛ فصاحب الاستقامة له هدف يصبو إليه، وسالك طريق أهل الله لا يؤثر فيه تخاذل الناس عن مواصلة السير إلى الله، وهذه هي حقيقة الغربة التي أشار إليها النبي صلى الله عليه وآله وسلم في قوله: "بدأ الإسلام غريبًا وسيعود كما بدأ غريبا فطوبى للغرباء".
هكذا رأى الدنيا نبينا ونبعنا...فأين الواردون..؟
لكلِّ نَبيٍّ مِن الأنْبياء دَعوةٌ يَدعوها لِربِّه على قَومه فَيستَجيبُ له بهذه الدَّعوة، إلا النَّبي مُحمد لم يدعُ رَبَّه بَعد، وتَركها إلى يوم القِيامَة حَيث اخْتَبَأَها لِيشْفَعَ بِها لِأُمَّته. فَعَن أبي هُريرَة رَضِي الله عَنه قَال: قال رسُولُ اللهِ ﷺ: (لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ، فَتَعَجَّلَ كُلُّ نَبِيٍّ دَعْوَتَهُ، وَإِنِّي اخْتَبَأْتُ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَهِيَ نَائِلَةٌ إِنْ شَاءَ اللهُ مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِي لَا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا).رواه مُسلم،
◄وإنّ هذا الموقِفَ مِن رَسولِ الله عليه الصّلاة والسّلام يَدلُّ على عِدَّةِ أُمورٍ مِن أبرَزِها: رَحمتُهُ وحُبُّهُ لأمَّتهِ،
وتَقديمِه لِمصلَحةِ أُمَّتهِ على مصلَحتِه الشَّخصيَّة فَهو على يَقينٍ مِن إِجابَةِ هذا الدُّعاء لِوعدِ الله لَه بِذلك مُسبقاً كما جاء في نَصِّ الحَديث، ولَكنَّه تَركهُ ليومِ العَرضِ على الخالقِ عزَّ وجلَّ حيثُ تكون الحاجةُ للإجابةِ أشدُّ وأبْلغُ مِنها في الحياة الدُّنيا،
وقد استأثَر بالدُّعاء لأمَّتِهِ بَدَل أن يَدعو لِنفسِه في ذلك اليومِ العَصيبِ الذي لا ينفَعُ فيه مالُ ولا بَنون، قالَ تعالى: (يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ)
في ذلكَ اليَوم لا يَعرِف أحدٌ أحداً إلا نَفسَه ولا يَهَبُ الابنُ لأبويهِ ولو حَسَنة،
كلُّ شَخصٍ يقولُ نفسي نفسي، ولا يأبَه بغيره
إلا الرَّسولُ ﷺ فهُو يَخشى على أمَّتِهِ عذابَ يومٍ عَصيب، يوم يُعرَضُ فيه الخَلقُ عُراةً حُفاةً غُرلا كَمَا وُلِدوا
فمن ذا الذى يأبى طاعة محمد ﷺ؟
انه النبع .. فأين الواردون..؟
قريش كانت تحارب النبى ﷺ نهارا وبالليل يطرقون بابه ليودعوا اماناتهم عنده , وما طمع فيها ﷺ يوم هاجر بل ترك عليا خلفه ليرد الامانات الى اهلها.....
فهذا النبع.. فأين الواردون..؟؟
نشهد بأنك اول من دافعت عن حقوق البشر منذ اكثر من ألف وأربعمائة عام
نشهد بأنك قد بلغت الرسالة وأديت الامانة فجزاك الله عنا وعن الاسلام والمسلمين خير ما جزى نبيا عن امته ورسولا عن دعوته ورسالته
هذا الحبيب يا محب ، وهذه بعض القطوف من شمائل النبي الرؤوف بحر من الحب لا ساحل له ، وفضاء من الخير لا منتهى له
شمائل المصطفى ﷺ لا تحدها الكلمات ولا توفيها العبارات وحسبنا من ذلك الإشارات
وإن على أمة الإسلام
أن تتربى على سيرته ،
وأن تتخلق بخلقه ،
وتتبع هديه
وتستن بسنته ،
وتقفو أثره ،
فما عرفت الدنيا ولن تعرف مثله .
وإن لدينا نحن المسلمين من ميراثه ما نفاخر به الأمم ، ونسابق به الحضارات .
فهذا النبع فأين الواردون ؟
وهذا المنهل فأين النائلون؟
ما أحوجَنا في هذه الأيام العصبية من تاريخ الأمَّة الإسلامية إلى التمسُّك بما جاء به رسولُ الله - ﷺ - قولاً وعملاً! ما أحوجَنا إلى الدِّراسة الواعية لسيرة الرَّحمة المُهداة؛ لنأخذ منها العبرة لأنفسنا ولأمَّتنا!
ولْنَتَّقِ الله في أقوالنا وأفعالنا، ولْنَعلم أن النَّصر مع الصبر، وأنَّ الفرج يأتي بعد الكرب، وأنَّ مع العسر يسرًا، وأنَّ الله لا يغيِّر ما بقوم حتَّى يغيِّروا ما بأنفسهم؛ روى الإمامُ مسلمٌ وغيْرُه عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - ﷺ - قال: ((كلُّ أمتي يدخلون الجنَّة إلاَّ مَن أبى))، قالوا: يا رسول الله، ومَن يأبى؟! قال: ((مَن أطاعني دخل الجنَّة، ومن عصاني فقد أبى))،
فصلى الله عليك
يا خير من دعا إلى الله
وخير من قاتل في سبيل الله
وخير زوج
وخير ولد
وخير والد
وخير صاحب..
وخير مهاجر
وخير مؤسس لأعظم دولة
وخير نبي لأرسخ دين سماوي هبط من السماء..
"لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم"
#وأخيرا.....
ومع كل ما يحيط بالمسلمين اليوم ، من تحزب الأحزاب ، وابتلاء قلوب المؤمنين بأنواع الزلازل ، وتراجع المنافقين ومرضى القلوب عن نصرة النبي ودينه العظيم ، وأمته المستضعفة بل وتخذيلهم عن ذلك .
مع كل ذلك ،
يبقى السؤال المهم :
هل لنا في رسول الله أسوة حسنة ؟!
برجاء الإجابة عن هذا السؤال بالعمل ، لا بالقول ……
والحمد لله أولا وآخرا .
اقول قولى هذا واستغفر الله لى ولكم
والتائب من الذنب كمن لا ذنب له...................!
===========================
الحمد لله حمدا كثيرا كما امر
والصلاة والسلام على محمد سيد البشر
الشفيع المشفع فى المحشر
صلى الله وسلم وبارك عليه ما اتصلت عين بنظر او سمعت اذن بخبر
فقد قال تعالى ولم يزل قائلا عليما وآمرا حكيما; تشريفا لقدر المصطفى ﷺ وتعظيما;
إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ...
اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين ...
وبعد:
═◄ثمرة هذه الخطبة تتمثل فى ذلكم الحديث الثابت فىصحيح البخاري (عَنْ أَبِى مُوسَى عَنِ النَّبِيِّ – ﷺ – قَالَ
« مَثَلُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ مِنَ الْهُدَى وَالْعِلْمِ كَمَثَلِ الْغَيْثِ الْكَثِيرِ أَصَابَ أَرْضًا ، فَكَانَ مِنْهَا نَقِيَّةٌ قَبِلَتِ الْمَاءَ ، فَأَنْبَتَتِ الْكَلأَ وَالْعُشْبَ الْكَثِيرَ ، وَكَانَتْ مِنْهَا أَجَادِبُ أَمْسَكَتِ الْمَاءَ ، فَنَفَعَ اللَّهُ بِهَا النَّاسَ ، فَشَرِبُوا وَسَقَوْا وَزَرَعُوا ، وَأَصَابَتْ مِنْهَا طَائِفَةً أُخْرَى ، إِنَّمَا هِيَ قِيعَانٌ لاَ تُمْسِكُ مَاءً ، وَلاَ تُنْبِتُ كَلأً ، فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ فَقِهَ فِى دِينِ اللَّهِ وَنَفَعَهُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ ، فَعَلِمَ وَعَلَّمَ ، وَمَثَلُ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ بِذَلِكَ رَأْسًا ، وَلَمْ يَقْبَلْ هُدَى اللَّهِ الَّذِى أُرْسِلْتُ بِهِ »
فمن اقتدى بغير النبى فقد استبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير .
و المسلم إذا راقب الله تعالى في عباداته ومعاملاته ودعوته وأَجْرَاها وَفْقَ ما أمر الله عز وجل; وما أمر رسوله – ﷺ- كان مقتديا برسول الله – ﷺ- .
النبي القدوة (ﷺ) معلما ومربيا للشيخ / محمد حســــــن داود
العناصـــــر :
- لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة
- النبي (ﷺ) معلما ومربيا.
=================
الموضـــــوع : الحمد لله رب العالمين، القائل في كتابه العزيز: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) الأحزاب 21) ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، القائل في حديثه الشريف "إِنَّ اللهَ لَمْ يَبْعَثْنِي مُعَنِّتًا، وَلَا مُتَعَنِّتًا، وَلَكِنْ بَعَثَنِي مُعَلِّمًا مُيَسِّرًا" رواه مسلم) اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد
==============
لقد كانت كل جوانب حياة النبي (ﷺ) مشرقة عظيمة، وكان في كل جانب مثلا أعلى وأسوة حسنة وخير قدوةً، يقول الله (سبحانه وتعالى) (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) الأحزاب 21) فكانت حياته ﷺ صورة حية لأخلاق وتعاليم الإسلام السامية، رأى الناس فيها حقيقة الإسلام رأْي العين، كانت حركاته وسكناته وأخلاقه ترجمة لقيم القرآن الكريم، فعَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: أَتَيْتُ عَائِشَةَ (رضي الله عنها), فَقُلْتُ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، أَخْبِرِينِي بِخُلُقِ رَسُولِ اللَّهِ (ﷺ)، قَالَتْ: "كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ، أَمَا تَقْرَأُ الْقُرْآنَ، قَوْلَ اللَّهِ (عَزَّ وَجَلَّ) (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ)القلم 4) فكان ﷺ نعم المعلم ونعم المربي ونعم القدوة، قال تعالى (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ﴾ الجمعة 2) وقال النبي (ﷺ): " إِنَّ اللهَ لَمْ يَبْعَثْنِي مُعَنِّتًا، وَلَا مُتَعَنِّتًا، وَلَكِنْ بَعَثَنِي مُعَلِّمًا مُيَسِّرًا" رواه مسلم) فكان ﷺ يدعو أصحابه الى تقوى الله وهو أتقاهم، وينهاهم عن الشيء فيكون أشدّهم حذرا منه، ويوصيهم بأحسن الخلق، فإذا هو أحسنهم خلقا، ويدعوهم الى ذكر الله وإذا به أكثرهم ذكرا، ويناديهم الى البذل والعطاء ثم يكون أسخاهم يدا وأكرمهم نفسا، وينصحهم بحسن العشرة مع الأهل، ثم تجده أحسن الناس لأهله رحمة وعطفا، فقد قال ﷺ "خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي". حتى في العمل اليدوي تجده ﷺ يبدأ بنفسه، ففي بناء المسجد كان يشارك الصحابة ( رضي الله عنهم) الحفر ونقل التراب... الى غير ذلك من أعمال البناء.
إن الناظر في سيرة النبي (ﷺ) يرى مدى اهتمامه بتعليم اصحابه فعن أبي رفاعة، قال: "انْتَهَيْتُ إِلَى النَّبِيِّ (ﷺ) وَهُوَ يَخْطُبُ، قَالَ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ رَجُلٌ غَرِيبٌ، جَاءَ يَسْأَلُ عَنْ دِينِهِ، لَا يَدْرِي مَا دِينُهُ، قَالَ: فَأَقْبَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ (ﷺ)، وَتَرَكَ خُطْبَتَهُ حَتَّى انْتَهَى إِلَيَّ، فَأُتِيَ بِكُرْسِيٍّ، حَسِبْتُ قَوَائِمَهُ حَدِيدًا، قَالَ: فَقَعَدَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ (ﷺ) وَجَعَلَ يُعَلِّمُنِي مِمَّا عَلَّمَهُ اللهُ، ثُمَّ أَتَى خُطْبَتَهُ، فَأَتَمَّ آخِرَهَا" رواه مسلم)
كما يرى مدى رفقه (ﷺ) في تربيته وتعليمه سواء مع الصغار أو الكبار، يقول معاوية بن الحكم السلمي: " فَمَا رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَطُّ أَرْفَقَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ (ﷺ) رواه أبو داود)
فهذا عمَر بْن أَبِي سَلَمَةَ، يقول: كُنْتُ غُلاَمًا فِي حَجْرِ رَسُولِ اللَّهِ (ﷺ)، وَكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ فِي الصَّحْفَةِ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ (ﷺ): "يَا غُلاَمُ، سَمِّ اللَّهَ، وَكُلْ بِيَمِينِكَ، وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ" فَمَا زَالَتْ تِلْكَ طِعْمَتِي بَعْدُ. رواه البخاري) ويقول معاوية بن الحكم السلمي (رضي الله عنه) بَيْنَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ (ﷺ)، إِذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ ، فَقُلْتُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ , فَرَمَانِي الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ ، فَقُلْتُ: وَاثُكْلَ أُمِّيَاهْ ؛ مَا شَأْنُكُمْ تَنْظُرُونَ إِلَيَّ ؟! فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ بِأَيْدِيهِمْ عَلَى أَفْخَاذِهِمْ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ يُصَمِّتُونَنِي ، لَكِنِّي سَكَتُّ ، فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ (ﷺ)، فَبِأَبِي هُوَ وَأُمِّي ؛ مَا رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ؛ فَوَاللَّهِ: مَا كَهَرَنِي ، وَلَا ضَرَبَنِي، وَلَا شَتَمَنِي ، قَالَ : إِنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ ، إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ" (صحيح مسلم). وعن أبي هريرة (رضي الله عنه)، قالَ: قَامَ أعْرَابِيٌّ فَبَالَ في المَسْجِدِ، فَتَنَاوَلَهُ النَّاسُ، فَقالَ لهمُ النبيُّ (ﷺ): "دَعُوهُ وهَرِيقُوا علَى بَوْلِهِ سَجْلًا مِن مَاءٍ، أوْ ذَنُوبًا مِن مَاءٍ، فإنَّما بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ، ولَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ" رواه البخاري) وعن أبي أمامة (رضي الله عنه) قَالَ: إِنَّ فَتًى شَابًّا أَتَى النَّبِيَّ (ﷺ) فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ، ائْذَنْ لِي بِالزِّنَا ، فَأَقْبَلَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ فَزَجَرُوهُ وَقَالُوا : مَهْ, مَهْ, فَقَالَ: "ادْنُهْ ، فَدَنَا مِنْهُ قَرِيبًا" , قَالَ: فَجَلَسَ قَالَ: "أَتُحِبُّهُ لِأُمِّكَ؟" قَالَ : لَا. وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ. قَالَ :"وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأُمَّهَاتِهِمْ" قَالَ : "أَفَتُحِبُّهُ لِابْنَتِكَ؟" قَالَ : لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ قَالَ : "وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِبَنَاتِهِمْ "قَالَ : "أَفَتُحِبُّهُ لِأُخْتِكَ؟" قَالَ : لَا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ قَالَ : "وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأَخَوَاتِهِمْ"، قَالَ : "أَفَتُحِبُّهُ لِعَمَّتِكَ؟" قَالَ : لَا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ . قَالَ: "وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِعَمَّاتِهِمْ". قَالَ: "أَفَتُحِبُّهُ لِخَالَتِكَ؟" قَالَ: لَا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ , قَالَ: "وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِخَالَاتِهِمْ" قَالَ: فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ وَقَالَ: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ وَطَهِّرْ قَلْبَهُ، وَحَصِّنْ فَرْجَهُ" (رواه أحمد). وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ (ﷺ) دَخَلَ المَسْجِدَ، فَدَخَلَ رَجُلٌ، فَصَلَّى، ثُمَّ جَاءَ، فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ (ﷺ) فَرَدَّ النَّبِيُّ (ﷺ) عَلَيْهِ السَّلاَمَ، فَقَالَ: "ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ"، فَصَلَّى، ثُمَّ جَاءَ، فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ (ﷺ) فَقَالَ: "ارْجِعْ فَصَلِّ، فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ" ثَلاَثًا، فَقَالَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ، فَمَا أُحْسِنُ غَيْرَهُ، فَعَلِّمْنِي، قَالَ: "إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلاَةِ، فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ، ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلاَتِكَ كُلِّهَا" رواه البخاري)
كما كان النبي ﷺ يهتم في تربيته وتعليمه بالصفات الحسنة والقيم الطيبة؛ فعن أبي هريرة (رضي الله عنه) قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ (ﷺ) فِي صَلاَةٍ وَقُمْنَا مَعَهُ، فَقَالَ أَعْرَابِيٌّ وَهُوَ فِي الصَّلاَةِ: اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي وَمُحَمَّدًا، وَلاَ تَرْحَمْ مَعَنَا أَحَدًا. فَلَمَّا سَلَّمَ النَّبِيُّ (ﷺ)، قَالَ لِلْأَعْرَابِيِّ: "لَقَدْ حَجَّرْتَ وَاسِعًا" يُرِيدُ رَحْمَةَ اللَّهِ. رواه البخاري)
كما كان النبي (ﷺ) يهتم في تعليمه وتربيته بالأخلاق الكريمة والقدوة الطيبة فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ، أَنَّهُ قَالَ: دَعَتْنِي أُمِّي يَوْمًا وَرَسُولُ اللَّهِ (ﷺ) قَاعِدٌ فِي بَيْتِنَا، فَقَالَتْ: هَا تَعَالَ أُعْطِيكَ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ (ﷺ): "وَمَا أَرَدْتِ أَنْ تُعْطِيهِ؟" قَالَتْ: أُعْطِيهِ تَمْرًا، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ (ﷺ) "أَمَا إِنَّكِ لَوْ لَمْ تُعْطِهِ شَيْئًا كُتِبَتْ عَلَيْكِ كِذْبَةٌ" رواه ابو داود).
كما كان ﷺ يربي أصحابه على مراقبة الله جل وعلا وخشيته والخوف منه سبحانه، فعن ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ (ﷺ) يَوْمًا، فَقَالَ: "يَا غُلَامُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ، احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ" رواه الترمذي وقال حسن صحيح)
كما كان ﷺ يهتم في تعليمه بأكل الحلال والبعد عن الحرام فعن أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ (ﷺ) مَرَّ عَلَى صُبْرَةِ طَعَامٍ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا، فَنَالَتْ أَصَابِعُهُ بَلَلًا فَقَالَ: "مَا هَذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ؟" قَالَ أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: "أَفَلَا جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ كَيْ يَرَاهُ النَّاسُ، مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي" رواه مسلم).
فما أحوجنا إلى أن نعيش بالقلب والجوارح أخلاقه ﷺ فنأخذ من مشكاته، ونقتدي به في سيرته وسريرته، وفي سائر أحواله، حتى تستقيم دنيانا وآخرتنا.
(اللهم ارزقنا حسن التأسي بنبينا (ﷺ)
وأحفظ مصر وجيشها وأهلها من كل مكروه وسوء).
شمولية القدوة في حياة نبي الأسوة ﷺ للشيخ السيد مراد سلامة
أما بعد:
إخوة الإسلام، إن الأمةَ الإسلامية تعيش مرحلةً عصيبة تفتقد فيها إلى القدوات التي تعمل على بناء جيل النصر المنشود الذي يُعيد للأمة مكانتها وريادتها بين سائر الأمم، وأصحبت الأضواء تسلَّط على التافهين والتافهات ممن لا خلاقَ لهم مِن الممثلين والمهرجين، وجعلهم قدوات لأبناء الأمة؛ مما أنتج جيلًا مسخًا إمعة، حتى رأينا مَن يسخر من الصحابة والتابعين والدعاة، وحالنا وحالهم كما قال الشاعر:
إِذَا عَيَّرَ الطَّائِيَّ بِالْبُخْلِ مَادِرٌ وَعَيَّرَ قسًا بِالْفَهَاهَةِ بَاقِلُ وَقَال السُّهَا لِلشَّمْسِ أَنْتِ كَسِيفَةٌ وَقَالَ الدُّجَى لِلْبَدْرِ وَجْهُكَ حَائِلُ فَيَا مَوْتُ زُرْ إِنْ الْحَيَاةَ ذميمةٌ وَيَا نَفْسُ جِدِّي إِنَّ دَهْرَكِ هَازِلُ |
وجوب الاقتداء بإمام الأنبياء:
اعلَم علمني الله وإياك أنه يجب على كل مسلم ومسلمة الاقتداء والتأسي برسول الله ﷺ; فالاقتداء أساس الاهتداء؛ قال تعالى: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ [الأحزاب: 21]، قال ابن كثير: "هذه الآية أصل كبير في التأسي برسول الله ﷺ في أقواله وأفعاله وأحواله، ولهذا أُمِرَ الناسُ بالتأسي بالنبي ﷺ يوم الأحزاب في صبره ومصابرته ومرابطته ومجاهدته وانتظاره الفرج من ربه عز وجل"[1].
اعلموا أن الله أمرنا بطاعته ومتابعته والاقتداء به، ووعد على ذلك محبته وجنته ورضوانه؛ قال تعالى: ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [آل عمران: 31]، وقال سبحانه: ﴿ قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ ﴾ [آل عمران: 32]، وحذرنا الله تعالى من مخالفة أمره، فقال تعالى: ﴿ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [النور: 63]، فإن بيان المشروع من العبادات والأعمال لا يعرف إلا من طريق رسول الله ﷺ، الذي أمره الله أن يُبين للناس ما نزل إليهم من ربهم، فقال تعالى: ﴿ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 44].
شمولية القدوة بالنبي ﷺ:
والنبي الأمين ﷺ، هو الإنسان الكامل في إيمانه، الكامل في خلقه، الكامل في معاملته، الكامل في قيادته، لذا جعله الله تعالى لنا أسوة شاملة كاملة، فقال الله تعالى: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ [الأحزاب: 21].
فلم يتهم النبي ﷺ بجانب من جوانب الحياة، ويهمل الجانب الآخر، ولم يهتم بقضية من القضايا، ويهمل القضايا الأخرى، بل كان ﷺ متوازنًا مع جميع مناحي الحياة، ففي العبادة هو إمام العابدين، وفي الحياة الزوجية هو أسوة للأزواج أجمعين، وفي الأبوة تجده الأب الحنون الرحيم، وفي القيادة تجده القائد الأعظم الذي جمع بين الحزم واللين، بين الشدة والرفق الرفق بين العدل والعفو...
قال ابن حزم: مَنْ أراد خيرَ الآخرة، وحكمة الدنيا، وعدل السيرة، والاحتواء على محاسن الأخلاق كلها، واستحقاق الفضائل بأسرها، فليقتدِ بمحمد رسول الله ﷺ، وليستعمل أخلاقه، وسيره ما أمكنه، أعاننا الله على الاتساء به بمَنِّه، آمين.
وإليكم عباد الله صورًا من مجالات الأسوة في حياته ﷺ:
الرسول ﷺ القدوة به عبادةً:
إخوة الإسلام، نبينا الهمام ﷺ هو أعبد الخلق للخالق سبحانه وتعالى، وأخشاهم وأتقاهم، لذا كانت عبادته وطاعته ﷺ دستورًا للسالكين وسراجًا للعارفين، فهو يقوم وينام ويصوم ويفطر؛ وذلك لأنه أسوة لأمته في الطاعة والعبادة؛ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ كَانَ يُصَلِّي حَتَّى تَرِمَ قَدَمَاهُ فَقِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَتَصْنَعُ هَذَا وَقَدْ غُفِرَ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: (أَفَلاَ أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا) [2].
كان الحبيب ﷺ يبكي حتى يبل الثرى؛ عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وَعُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ، عَلَى عَائِشَةَ فَقَالَتْ لِعُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ: قَدْ آنَ لَكَ أَنْ تَزُورَنَا، فقَالَ: أَقُولُ يَا أُمَّهْ كَمَا قَالَ الْأَوَّلُ: زُرْ غِبًّا تَزْدَدْ حُبًّا، قَالَ: فَقَالَتْ: دَعُونَا مِنْ رَطَانَتِكُمْ هَذِهِ، قَالَ ابْنُ عُمَيْرٍ: أَخْبِرِينَا بِأَعْجَبِ شَيْءٍ رَأَيْتِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، قَالَ: فَسَكَتَتْ ثُمَّ قَالَتْ: لَمَّا كَانَ لَيْلَةٌ مِنَ اللَّيَالِي، قَالَ: «يَا عَائِشَةُ ذَرِينِي أَتَعَبَّدُ اللَّيْلَةَ لِرَبِّي»، قُلْتُ: وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّ قُرْبَكَ، وَأُحِبُّ مَا سَرَّكَ، قَالَتْ: فَقَامَ فَتَطَهَّرَ، ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي، قَالَتْ: فَلَمْ يَزَلْ يَبْكِي حَتَّى بَلَّ حِجْرَهُ، قَالَتْ: ثُمَّ بَكَى فَلَمْ يَزَلْ يَبْكِي حَتَّى بَلَّ لِحْيَتَهُ، قَالَتْ: ثُمَّ بَكَى فَلَمْ يَزَلْ يَبْكِي حَتَّى بَلَّ الْأَرْضَ، فَجَاءَ بِلَالٌ يُؤْذِنُهُ بِالصَّلَاةِ، فَلَمَّا رَآهُ يَبْكِي، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لِمَ تَبْكِي وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ وَمَا تَأَخَّرَ؟ قَالَ: «أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا، لَقَدْ نَزَلَتْ عَلَيَّ اللَّيْلَةَ آيَةٌ، وَيْلٌ لِمَنْ قَرَأَهَا وَلَمْ يَتَفَكَّرْ فِيهَا ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ [آل عمران: 190، 191][3].
وكان ﷺ يصوم ويفطر ويقوم ويرقد قدوةً لأمته ولاتباعه ﷺ؛ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ صَلَاةِ النَّبِيِّ ﷺ وَصَوْمِهِ تَطَوُّعًا، قَالَ: "كَانَ يَصُومُ مِنَ الشَّهْرِ حَتَّى نَقُولَ مَا يُرِيدُ أَنْ يُفْطِرَ مِنْهُ شَيْئًا، وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ مَا يُرِيدُ أَنْ يَصُومَ مِنْهُ شَيْئًا، وَمَا كُنَّا نَشَاءُ أَنْ نَرَاهُ مِنَ اللَّيْلِ مُصَلِّيًا إِلَّا رَأَيْنَاهُ، وَلَا نَرَاهُ نَائِمًا إِلَّا رَأَيْنَاهُ" [4].
وكان ﷺ يضحك حتى تبدو نواجذه ﷺ:
عن ابْن مَسْعُود رَضِيَ اللَّهُ عَنْه عَن النَّبِي ﷺ قال: (إِنِّي لأعْلم آخر أهل النَّار خُرُوجًا وَآخر أهل الْجنَّة دُخُولًا، إِلَى أَن قَالَ: فَيَقُول الله تَعَالَى: اذْهَبْ فَادْخُلِ الْجنَّة، فَإِن لَك مثل الدُّنْيَا وَعشر أَمْثَالها، فَيَقُول: أَتسخر بِي وَأَنت الْملك)، قَالَ: فَلَقَد رَأَيْت رَسُول الله ﷺ ضحك حَتَّى بَدَت نَوَاجِذه) [5].
قال ابن القيم: "وكان جل ضحكه ﷺ التبسم، بل كله تبسم، فكان نهاية ضحكه أن تبدو نواجذه، وكان يضحك مما يضحك منه، وهو مما يتعجب من مثله، ويُستغرب وقوعه ويستندر"[6].
يا من له الأخلاق ما تهوى العُلا منها وما يتعشَّقُ الكُبراءُ زانتْكَ في الخُلُق العظيمِ شمائل يُغرَى بهن ويُولعُ الكُرماءُ |
الرسول ﷺ زاهدًا:
ومن صور حياته ﷺ التي ترسم لنا معاني الرضا والقناعة: زهده ﷺ، وهو من هو؟! أكرم الخلق وحبيب الحق ﷺ، كان النبي ﷺ قنوعًا زاهدًا، فكان من أبعد الناس عن ملذات الدنيا، وأرغبهم إلى الآخرة، وقد خيره ربه جلَّ وعلا بين الدنيا، وأن يعيش فيها ما شاء، وبين الآخرة، فاختار الآخرة وما عند الله، وخيَّره أن يكون ملكًا نبيًّا أو عبدًا نبيًّا، فاختار أن يكون عبدًا نبيًّا.
كان يدعو الله أن يجعل عيشه كفافًا:
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله ﷺ كان يدعو: (اللهُمَ قَنِّعْنِي بِمَا رَزَقْتَنِي، وَبَارِكْ لي فِيهِ، وَاخْلُفْ عَلَيَّ كُلَّ غَائِبَةٍ لِي بِخَيْرٍ)[7].
عن عمر رضي الله عنه قال: دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ وَهُوَ مُضْطَجِعٌ عَلَى حَصِيرٍ، فَجَلَسْتُ، فَأَدْنَى عَلَيْهِ إِزَارَهُ وَلَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، وَإِذَا الْحَصِيرُ قَدْ أَثَّرَ فِي جَنْبِهِ، فَنَظَرْتُ بِبَصَرِي فِي خِزَانَةِ رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَإِذَا أَنَا بِقَبْضَةٍ مِنْ شَعِيرٍ نَحْوِ الصَّاعِ، وَمِثْلِهَا قَرَظًا فِي نَاحِيَةِ الْغُرْفَةِ، وَإِذَا أَفِيقٌ مُعَلَّقٌ، قَالَ: فَابْتَدَرَتْ عَيْنَايَ، قَالَ: «مَا يُبْكِيكَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ»، قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ، وَمَا لِي لَا أَبْكِي وَهَذَا الْحَصِيرُ قَدْ أَثَّرَ فِي جَنْبِكَ، وَهَذِهِ خِزَانَتُكَ لَا أَرَى فِيهَا إِلَّا مَا أَرَى، وَذَاكَ قَيْصَرُ وَكِسْرَى فِي الثِّمَارِ وَالْأَنْهَارِ، وَأَنْتَ رَسُولُ اللهِ ﷺ، وَصَفْوَتُهُ، وَهَذِهِ خِزَانَتُكَ، فَقَالَ: «يَا ابْنَ الْخَطَّابِ، أَلَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ لَنَا الْآخِرَةُ وَلَهُمُ الدُّنْيَا؟»، قُلْتُ: بَلَى [8].
وعن عروة عن عائشة رضي الله عنهما قالت: "ما أكل آل محمد ﷺ أكلتين في يوم إلا إحداهما تمر" [9].
وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "ما شبع آل محمد ﷺ من خبز شعير، يومين متتابعين، حتى قبض رسول الله ﷺ"[10].
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "ما شبِع آل محمد منذ قدم المدينة من طعام بُرٍّ ثلاث ليال تباعًا حتى قُبض" [11].
من ألبس الدنيا السعادة حلة فضفاضة لبس القميص مرقَّعا وهو الذي لو شار نالت كفه كل الذي فوق البسيطة أجمَعا مسك به اختتم المهيمن رسله وأبان أمرَ الدين والدنيا معا |
الرسول ﷺ القدوة به زوجًا:
النبي ﷺ كان قدوة في بيته مع نسائه ﷺ، فوضع لنا أسس التعامل مع المرأة، وكيف تكون الحياة الزوجية حياة طيبة سعيدة؛ عنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللهِ ﷺ بِيَدِهِ خَادِمًا قَطُّ، وَلاَ امْرَأَةً، وَلاَ شَيْئًا، إِلاَّ أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَلاَ انْتَقَمَ لِنَفْسِهِ مِنْ شَيْءٍ يُؤْتَى إِلَيْهِ، حَتَّى تُنْتَهَكَ مَحَارِمُ اللهِ فَيَكُونُ هُوَ يَنْتَقِمُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلاَ خُيِّرَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلاَّ اخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا، حَتَّى يَكُونَ إِثْمًا، فَإِذَا كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنَ الإِثْمِ[12].
وكان من هديه ﷺ أنه كان يخدم أهله، لم يكن النبي ﷺ ككثير من الأزواج الذين يتكبرون ويأنفون من مساعدة زوجاتهم، ويعاملونهن بمبدأ السيد والأمة، كلَّا بل كان النبي ﷺ عطوفًا رحيمًا متواضعًا في بيته؛ عَنِ الأَسْوَدِ قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ كَيْفَ كَانَ يَصْنَعُ رَسُولُ اللهِ ﷺ فِي بَيْتِهِ؟ قَالَتْ: كَانَ يَكُونُ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ، فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ خَرَجَ فَصَلَّى[13].
الرسول ﷺ القدوة به أبًا:
أيها الآباء، نحن الآن نفتقد الأسوة والقدوة لدى كثير من الآباء والأمهات؛ يقول أحد الدعاة: جاءني ذات مرة رجل يشتكي من شرب أبنائه للدخان، وأنه أعيته الحيل في منعهم عن ذلك، فقالت له: وأنت هل تدخن؟ قال: نعم، قلت: إذًا كيف تريد أن ينتهوا وأنت تنهاهم بلسانك وتحثهم على الدخان بفعلك؟!
فالوالد يدخن أو يدمن المخدرات والأم متبرجة، والبيت لا ترى فيه من يصلي أو يقرأ القرآن، فلا بد أن يكون المنتج الذي ينتج عن تلك الأسرة رديئًا، وغير سوي، يهدم ولا يبني، يُخرب ولا يعمر، يفرِّق ولا يؤلِّف..
أيها الآباء، هيَّا لنرى الوالد الأسوة والقدوة كيف ربَّى أبناءَه على الصلاح والفلاح؛ إنه حبيب الله ﷺ.
دعوته لهنَّ للإسلام بالحسنى رحمةً بهن:
يا من لا تأمر أبناءَك بالصلاة، وتراهم يجاهرون بالإفطار في شهر رمضان، أنت مسؤول أمام الله تعالى عن ذلك، وأريدك أن تتأمل حال النبي ﷺ مع بناته الطاهرات رضي الله عنهن أجمعين.
عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حِينَ أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿ وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ﴾ [الشعراء: 214]، قَالَ: (يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ - أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا - اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ، لاَ أُغْنِى عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ لاَ أُغْنِى عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، يَا عَبَّاسُ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لاَ أُغْنِى عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، وَيَا صَفِيَّةُ عَمَّةَ رَسُولِ اللَّهِ لاَ أُغْنِى عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، وَيَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَلِينِي مَا شِئْتِ مِنْ مالِي لاَ أُغْنِى عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا) [14].
قال ابن إسحاق: وأما بناته، فكلهن أدركن الإسلام، فأسلمن، وهاجرنَ معه ﷺ.
عنايته ﷺ بهن في مرضهن حتى في أشد الأوقات:
فلما أراد النبي ﷺ الخروج لبدر أمر عثمان بن عفان رضي الله عنه أن يبقى عند زوجته رقية بنت الرسول ﷺ؛ لأنها كانت مريضة، فعن ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قال: وَأَمَّا تَغَيُّبُهُ - أي: عثمان بن عفان - عَنْ بَدْرٍ، فَإِنَّهُ كَانَتْ تَحْتَهُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ - وهي رقية - وَكَانَتْ مَرِيضَةً، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (إِنَّ لَكَ أَجْرَ رَجُلٍ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا وَسَهْمَهُ) [15].
السرور وحسن الاستقبال لبناته ﷺ:
عن عَائِشَة أُمِّ الْمُؤْمِنِيِنَ رضي الله عنها قَالَتْ: إِنَّا كُنَّا أَزْوَاجَ النَّبِيِّ ﷺ عِنْدَهُ جَمِيعًا لَمْ تُغَادَرْ مِنَّا وَاحِدَةٌ، فَأَقْبَلَتْ فَاطِمَةُ عَلَيْهَا السَّلَام تَمْشِي، لَا وَاللَّهِ مَا تَخْفَى مِشْيَتُهَا مِنْ مِشْيَةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَلَمَّا رَآهَا رَحَّبَ قَالَ: (مَرْحَبًا بِابْنَتِي)، ثُمَّ أَجْلَسَهَا عَنْ يَمِينِهِ، أَوْ عَنْ شِمَالِهِ، ثُمَّ سَارَّهَا، فَبَكَتْ بُكَاءً شَدِيدًا، فَلَمَّا رَأَى حُزْنَهَا، سَارَّهَا الثَّانِيَةَ، فَإِذَا هِيَ تَضْحَكُ، فَقُلْتُ لَهَا أَنَا مِنْ بَيْنِ نِسَائِهِ: خَصَّكِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِالسِّرِّ مِنْ بَيْنِنَا، ثُمَّ أَنْتِ تَبْكِينَ، فَلَمَّا قَامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ سَأَلْتُهَا عَمَّا سَارَّكِ، قَالَتْ: مَا كُنْتُ لِأُفْشِيَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ سِرَّهُ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ قُلْتُ لَهَا: عَزَمْتُ عَلَيْكِ بِمَا لِي عَلَيْكِ مِن الْحَقِّ لَمَّا أَخْبَرْتِنِي، قَالَتْ: أَمَّا الْآنَ فَنَعَمْ، فَأَخْبَرَتْنِي قَالَتْ: أَمَّا حِينَ سَارَّنِي فِي الْأَمْرِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ أَخْبَرَنِي أَنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يُعَارِضُهُ بِالْقُرْآنِ كُلَّ سَنَةٍ مَرَّةً وَإِنَّهُ قَدْ عَارَضَنِي بِهِ الْعَامَ مَرَّتَيْنِ وَلَا أَرَى الْأَجَلَ إِلَّا قَدْ اقْتَرَبَ، فَاتَّقِي اللَّهَ وَاصْبِرِي، فَإِنِّي نِعْمَ السَّلَفُ أَنَا لَكِ)، قَالَتْ: فَبَكَيْتُ بُكَائِي الَّذِي رَأَيْتِ، فَلَمَّا رَأَى جَزَعِي سَارَّنِي الثَّانِيَةَ، قَالَ: (يَا فَاطِمَةُ أَلَا تَرْضَيْنَ أَنْ تَكُونِي سَيِّدَةَ نِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ، أَوْ سَيِّدَةَ نِسَاءِ هَذِهِ الْأُمَّةِ) [16].
أمرهن بالحجاب والستر في اللباس:
ومن صور الأبوة الرحيمة التي تخاف على بناتها من عذاب الله تعالى، ومن فتنة الدنيا - أمرهنَّ ﷺ بناته بالحجاب وذلك استجابةً لأمر الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [الأحزاب: 59].
فاين الآباء والأمهات من أحوال ومِن لباس بناتهنَّ؛ حيث تخرج الفتيات سافرات متبرجات، فيحدث ما لا تُحمد عقباه من تحرُّش أو اختطاف واغتصاب، والسبب الرئيس في ذلك هو غفلة الآباء والأمهات عن فريضة الحجاب التي تحصن البنات من الذئاب البشرية.
الرسول ﷺ الأسوة قائدًا:
إخوة الإسلام، نبينا الهمام عليه الصلاة والسلام في مجال القيادة يتصدر البشرية جمعاء؛ لأن الذي علَّمه هو رب الأرض والسماء، فضرب أروع الأمثلة في فن القيادة للبشرية، وهاكم بيان ذلك بحول الله وطوله.
قائد متواضع رقيق ﷺ:
مع كونه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أولَ الناس، وأَوْلى بالمؤمنين من أنفسهم، فإنه كان شديد التواضع لأدنى الناس منزلةً قبل أعلاهم؛ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ إِذَا اسْتَقْبَلَهُ الرَّجُلُ فَصَافَحَهُ لاَ يَنْزِعُ يَدَهُ مِنْ يَدِهِ حَتَّى يَكُونَ الرَّجُلُ الَّذِي يَنْزِعُ، وَلاَ يَصْرِفُ وَجْهَهُ عَنْ وَجْهِهِ حَتَّى يَكُونَ الرَّجُلُ هُوَ الَّذِي يَصْرِفُهُ وَلَمْ يُرَ مُقَدِّمًا رُكْبَتَيْهِ بَيْنَ يَدَيْ جَلِيسٍ لَهُ [17].
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: «إِنْ كَانَتِ الْأَمَةُ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَتَأْخُذُ بِيَدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَمَا يَنْزِعُ يَدَهُ مِنْ يَدِهَا حَتَّى تَذْهَبَ بِهِ حَيْثُ شَاءَتْ مِنَ الْمَدِينَةِ، فِي حَاجَتِهَا»[18].
عادل يراعي الضعيف قبل القوي والبعيد قبل القريب ﷺ:
وكان الناس عنده سواسية لا يحابي في الحق ولدًا ولا بنتًا، ولا حميمًا ولا قريبًا، ولا كبيرًا ولا عظيمًا، بل الأمة كلها عنده سواء، ولا يعطي أعزَّ أهله قبل أن يعطيَ عموم الأمة من العطاء؛ عَنِ الْفَضْلِ بْنِ حَسَنٍ الضَّمْرِيِّ أَنَّ ابْنَ أُمِّ الْحَكَمِ أَوْ ضُبَاعَةَ ابْنَتَيِ الزُّبَيْرِ حَدَّثَهُ عَنْ إِحْدَاهُمَا أَنَّهَا قَالَتْ: أَصَابَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ سَبْيًا، فَذَهَبْتُ أَنَا وَأُخْتِي وَفَاطِمَةُ بِنْتُ النَّبِيِّ ﷺ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَشَكَوْنَا إِلَيْهِ مَا نَحْنُ فِيهِ، وَسَأَلْنَاهُ أَنْ يَأْمُرَ لَنَا بِشَىْءٍ مِنَ السَّبْي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «سَبَقَكُنَّ يَتَامَى بَدْرٍ»، ثُمَّ ذَكَرَ قِصَّةَ التَّسْبِيحِ قَالَ عَلَى أَثَرِ كُلِّ صَلاَةٍ لَمْ يَذْكُرِ النَّوْمَ [19].
أقول قولي، وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان، ولك الحمد أن جعَلتنا من أمَّة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام.
أما بعد:
فقائد صبور يتغافل عن الأخطاء ﷺ:
يبقى المسيء بالسماحة والرفق، ويصبر على إساءته، ويدَعُ معاقبته؛ عن أَبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ، قَالَ: بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ ﷺ وَهُوَ يَقْسِمُ قَسْمًا، أَتَاهُ ذُو الْخُوَيْصِرَةِ، وَهُوَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، اعْدِلْ، قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «وَيْلَكَ وَمَنْ يَعْدِلُ إِنْ لَمْ أَعْدِلْ؟ قَدْ خِبْتُ وَخَسِرْتُ إِنْ لَمْ أَعْدِلْ»، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: يَا رَسُولَ اللهِ، ائْذَنْ لِي فِيهِ أَضْرِبْ عُنُقَهُ، قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «دَعْهُ...» [20].
وحين يصل إليه أن أحد رعيته قد أساء القول فيه، والناقل له من أخص أصحابه الثقات، يذكِّر نفسه بما أصاب إخوانه من الأنبياء ويصبر، قَالَ عَبْدُاللَّهِ: قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قَسْمًا، فَقَالَ رَجُلٌ: إِنَّ هَذِهِ لَقِسْمَةٌ مَا أُرِيدَ بِهَا وَجْهُ اللَّهِ، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ فَاحْمَرَّ وَجْهُهُ قَالَ شُعْبَةُ: وَأَظُنُّهُ قَالَ: وَغَضِبَ حَتَّى وَدِدْتُ أَنِّي لَمْ أُخْبِرْهُ، قَالَ شُعْبَةُ: أَحْسَبُهُ قَالَ: «يَرْحَمُنَا اللَّهُ وَمُوسَى»، شَكَّ شُعْبَةُ فِي: يَرْحَمُنَا اللَّهُ وَمُوسَى؛ قَدْ أُوذِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ" [21].
ومن رحمة النبي ﷺ أنه يأسف عند إيقاع العقوبة على من ارتكب حدًّا، ويعرف ذلك أصحابه رضوان الله عليهم، بل ربما بكى ﷺ؛ عن عَبْدِاللهِ، قَالَ: إِنِّي لَأَذْكُرُ أَوَّلَ رَجُلٍ قَطَعَهُ، أُتِيَ بِسَارِقٍ، فَأَمَرَ بِقَطْعِهِ، وَكَأَنَّمَا أُسِفَّ وَجْهُ رَسُولِ اللهِ ﷺ، قَالَ: قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، كَأَنَّكَ كَرِهْتَ قَطْعَهُ؟ قَالَ: " وَمَا يَمْنَعُنِي، لَا تَكُونُوا عَوْنًا لِلشَّيْطَانِ عَلَى أَخِيكُمْ، إِنَّهُ يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ إِذَا انْتَهَى إِلَيْهِ حَدٌّ أَنْ يُقِيمَهُ، إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ عَفُوٌّ يُحِبُّ الْعَفْوَ: ﴿ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [النور: 22][22].
وروى أبو يعلى عن علي رضي الله تعالى عنه قال: «أتى رسول الله ﷺ برجل قد سرق فأمر بقطعه، ثم بكى رسول الله ﷺ، فقيل: يا رسول الله، تبكي فقال: «وكيف لا أبكي وأمتي تقطع بين أظهركم»؟ قالوا: يا رسول الله، ألا عفوت عنه، قال: ذلك سلطان سوء الذي يعفو عن الحدود، ولكن تعافوا بينكم [23].
وهكذا، فإن الحصيف من الناس يطلب السلامة في آخرته، فيتحلل من المظالم أو يردها، خشية أن يحاسب عليها يوم القيامة، وأُسوته في ذلك محمد ﷺ القائل: «من كان لأخيه عنده مظلمة من مال أو عرضٍ، فليتحلله اليوم قبل ألا يكون دينارٌ ولا درهمٌ، إلا الحسناتُ والسيئاتُ» [24].
الدعاء...
[1] تفسير القرآن العظيم، تحقيق: سامي السلامة (6/ 391).
[2] أخرجه: البخاري 6/ 169 ( 4837 )، ومسلم 8/ 141-142( 2820 ) ( 81 ) عن عائشة، وأخرجه: البخاري 6/ 169 ( 4836 )، ومسلم 8/ 141 ( 2819 ) ( 79 ) ( 80 ) عن المغيرة.
[3] صحيح ابن حبان مخرجًا (2/ 387)، «السلسلة الصحيحة» (68)، «التعليق الرغيب» (2/ 220).
[4] مسند أحمد ط الرسالة (21/ 131)، إسناده صحيح على شرط الشيخين، وأخرجه البيهقي 3/ 17 من طريق أبي حاتم الرازي، عن محمد بن عبدالله الأنصاري بهذا الإسناد، وانظر (12012).
[5] البخاري (5/ 2402، رقم 6202)، ومسلم (1/ 174، رقم 186).
[6] زاد المعاد (1/ 182).
[7] رواه ابن خزيمة: [4/ 217] [2728]، والحاكم: [1/ 626]؛ قال الحاكم: "صحيح الإسناد"، ولم يُخرجاه، وحسَّنه ابن حجر في الفتوحات الربانية: [4/ 383]).
[8] أخرجه مسلم (2/ 1105، رقم 1479)، وأبو يعلى (1/ 149، رقم 164).
[9] رواه البخاري: [6455]).
[10] رواه مسلم: [2970]).
[11] رواه البخاري: [5416]، ومسلم: [2970]).
[12] أخرجه عبدالرزاق (9/ 442)، وأحمد (6/ 281، رقم 26448)، وعبد بن حميد (ص 430، رقم 1481)، وابن عساكر.
[13] مسند أحمد ط الرسالة (41/ 423) إسناده صحيح على شرط الشيخين.
[14] رواه البخاري ( 2602 )، ومسلم ( 206 )..
[15] أخرجه البخاري (3/ 1139، رقم 2962)، وأخرجه أيضًا: الترمذي (5/ 629، رقم 3706) وقال: حسن صحيح.
[16] أخرجه: البخاري 8/ 79 ( 6285 ) و( 6586 )، ومسلم 7/ 142 ( 2450 ) ( 98 ).
[17] (أخرجه الترمذي، في كتاب صفة القيامة والرقائق والورع عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، باب تواضعه من جليسه 4/ 564 (2490)).
[18] رواه البخاري 8/ 24 ( 6072 ) معلقًا.
[19] (أخرجه البخاري في آخر كتاب: الأنبياء 6/ 513 (3475) وغيره، ومسلم في كتاب: الحدود، باب: قطع السارق الشريف وغيره 3/ 1315 (1688)).
[20] صحيح: أخرجه البخاري (3610) في المناقب، باب: علامات النبوة في الإسلام، ومسلم (1064) في الزكاة، باب: ذكر الخوارج وصفاتهم، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وقد ذكر البخاري ومسلم تتمة كلام أبي سعيد عقب حديثه السابق.
[21] (أخرجه البخاري في كتاب الأدب: باب من أخبر صاحبه بما يقال فيه 10/ 475 (6059)).
[22] (أخرجه أحمد (4168)، 419 (3977)، وصححه الحاكم 4/ 424 (8155))،
[23] مجمع الزوائد (6/ 262) وعزاه لأبي يعلى؛ انظر فتح الباري 12/ 87.
[24] أخرجه البخاري، ح (2429).
النبي القدوة معلما ومربيا للشيخ كمال المهدي
الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا..
وبعد:-
أحبتي في الله :-
ما زال الحديث مستمراً مع رسولِ الله ﷺ وحديثنا اليوم حول (النبي القدوة معلماً ومربيا)
**وأبدا حديثي بقول الله جل وعلا (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) [الأحزاب:٢١]
فما المقصود بالإسوة؟
الإسوة هي القدوة والمثل الأعلى..
وقدوتنا الأعظم وأسوتنا ومعلمنا وحبيبنا سيدنا محمد ﷺ، فهو الأسوة والقدوة والمثل الأعلى، وما أحوج الأمة الآن إلى هذه القدوة وإلى هذا المثل الأعلى لاسيما ونحن نعيش زماناً قَلَّتْ فيه من ناحية وقدم فيه كثير من التافهين ليكونوا القدوة من ناحية أخرى.
أيها الأحبة :-
إن لكل أمّة رسول تقتدي به في جميع شؤونها، ولكل فرد شخصية تكون مثله الأعلى وقدوته في هذه الحياة، فنحن المسلمين نملك أفضل وأعظم قدوة، إنه سيِّد ولد آدم،وأفضل الأنبياء والمرسلين،وهو القدوة العملية والأُسوة الحسنة للمؤمنين
أحبتي في الله :-
لقد كان رسول الله ﷺ صورة حية لأخلاق وتعاليم الإسلام السامية،رأى الناس فيه الإسلام رأْي العين، فهو أفضل معلم وأعظم قدوة في تاريخ البشرية كلها،أمرنا ربنا جل وعلا باتباعه والاقتداء به، قال الله تعالى:(وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) [الحشر من الآية:٧]، وقال: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)[آل عمران:٣١]
**كما كان عليه الصلاة والسلام على درجة رفيعة من الخلق والحب العظيم في التعامل مع مجتمعه، فلم يكن يستعلي على أحد منهم، يقابلهم بالوجه الحسن المبتسم، ويشاركهم في أفراحهم وأتراحهم، ويهتم بقضاياهم، ويسعى لحلها،ويساوي بينهم جميعا دون تمييز أو تفريق، عربا كانوا أو عجما،صغارا كانواأو كبارا.
**ففي شخصيته ﷺ وسيرته يجد المرء الأسوة الحسنة في حياته كلها؛ فهو إنسان أكرمه الله سبحانه وتعالى برسالته، وسيرته شاملة لكل النواحي الإنسانية.
فهو الشاب الأمين قبل البعثة والتاجر الصادق، وهو الأب الرحيم،والزوج المحبوب،والقائد المحنك،والصديق المخلص،والمربي المرشد والحاكم العادل،
كان لا يقول إلا ما يفعله، ولا يأمر الناس بشيء إلا ويطبقه؛ بل إنه ﷺ كان يفعل قبل أن يقول، فعرف بين الناس بالصادق الأمين قبل أن يؤمر بالصدق والأمانة، فلما أمرهم بعد ذلك بالصدق والأمانة استجابوا له، وتأثروا به، وعلموا أن كلامه هذا كلام رجل صادق قد صدق فعله قوله، وقد صدق واقعه ما يدعو إليه من الكلام الحسن، والمبادئ العظيمة القيمة.
*أحبتي في الله :-
يقُولُ أحَدُ الكُتَّابِ: إِنَّ مَثَلاً واحداً أنفعُ للناسِ مِن عَشْرَةِ مجَلَّدَاتٍ، لأنَّ الأحياءَ لا تُصَدِّقُ إلاَّ المثَلَ الحَيَّ؛ لهذَا كانَ النبيُّ ﷺ - وهوَ الرَّجُلُ الوَاحِدُ - بجهَادِهِ واستشْهَادِهِ في سَبِيلِ الخيرِ أهْدَى للبشَريةِ مِنْ آلافِ الكُتَّابِ الذينَ مَلَئُوا بالفضَائِلِ والحِكَمِ بُطُونَ المجلَّدَاتِ.
** لذلكَ كانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَحْرِصُ علَى هذَا الأُسلُوبِ منَ التَّرْبِيةِ، حتَّى نشَأَ جِيلُ الصَّحَابَةِ كالنُّجُومِ يُقْتَدَى بِهَا في غَيَاهِبِ الصَّحَرَاءِ، فاقْتَدَتْ بِهِمُ الدُّنيَا كُلُّهَا؛ فانْظُرْ إِليهِ ﷺ وهوَ يَلْبَسُ قَمِيصَ الرِّفْقِ لِيُعَلِّمَ الصحَابَةَ، وكَيفَ كانَ رَدُّ فِعْلِهِمْ؛ فَقدْ جَاءَ عِندَ الإمامِ مُسلمٍ مِن حَديثِ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، قَالَ: بَيْنَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ، إِذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ، فَقُلْتُ: يَرْحَمُكَ اللهُ فَرَمَانِي الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ، فَقُلْتُ: وَاثُكْلَ أُمِّيَاهْ، مَا شَأْنُكُمْ تَنْظُرُونَ إِلَيَّ؟ فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ بِأَيْدِيهِمْ عَلَى أَفْخَاذِهِمْ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ يُصَمِّتُونَنِي لَكِنِّي سَكَتُّ، فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللهِ ﷺ، فَبِأَبِي هُوَ وَأُمِّي، مَا رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ، فَوَاللهِ، مَا كَهَرَنِي وَلَا ضَرَبَنِي وَلَا شَتَمَنِي، قَالَ: (إِنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ، إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ)
**كانَ ﷺ قدوة في تواضعه فقد كان يمشِي يُسَلِّمُ علَى الصِّبْيَانِ، ويسْتَمِعُ للإِمَاءِ؛ ففي الصحيحينِ، أنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مَرَّ عَلَى صِبْيَانٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ، وَقَالَ: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَفْعَلُهُ. ورَوَى الإمامُ البُخارِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قالَ: (إِنْ كَانَتِ الأَمَةُ مِنْ إِمَاءِ أَهْلِ المَدِينَةِ، لَتَأْخُذُ بِيَدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَتَنْطَلِقُ بِهِ حَيْثُ شَاءَتْ) .
** وكان ﷺ يخصف نعله، ويرقع ثوبه، ويحلب شاته، ويجالس المساكين،ويمشي مع الأرملة واليتيم في حاجتهما،ويجيب دعوةَ من دعاه ولو إلى أيسر شيء، ويعود المريض،ويشهد الجنازة
**حبيبي يا رسول الله :-
إذا نحن أدلجنا وأنت إمَامُنـا * كفى بالمطايا طِيبُ ذِكراكَ حاديا
وإن نحن أضلَلْنَا الطريقَ ولم نجدْ*** دليلا كفَانَا نُورُ وَجْهِكَ هاديا
*ومن علامات القدوة في رسولنا ﷺ أنك تجد فيه قدوة لجميع الأشكال والأطياف في المجتمع ، فهو قدوة لليتيم الذي نشأ وقد فقد أباه، وقدوة للفقير الذي عانى من الفقر قدر ما عانى في حياته ﷺ ،وهو قدوة للغني الذي أعطاه الله فأغناه فكان يجعل غناه خيرا يفيض على كل من حوله ، وهو قدوة للأب والجد و الزوج ، وقدوة للإمام والمعلم والقائد..
** ولذلك نجدأن أي إنسان يقتدي بأي مربي أو شيخ تجد القدوة في ناحية واحدة ، في العلم الفلاني تتعلم على يديه مهنة أو صنعة ، لكنه لا يكون قدوة لك في العبادة ، أو يكون قدوة في العبادة ، ولا يكون قدوة في الحياة ، لأنها قدوة قاصرة محدودة ، أما رسولنا ﷺ فقد جعله الله قدوة عامة لكل المؤمنين ، فتجد جوانب القدوة متحققة في جوانب حياته كلها ﷺ. أخي الحبيب :-
إذا أردت الفوز والنجاة فلتقتدى برسول الله ﷺ في أقواله وأفعاله وجميع أحواله فكما كان رسول الله هاديا ومبشر ونذيرا فكن أنت على أثره هاديا ومبشر ونذيرا..
وكما كان رسول الله رحمة مهداة فكن أنت أيضا رحمة للناس..
وكما كان يقول خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي كن أنت أيضا كذلك..
وكما كان يعفوا ويصفح عمن أساء إليه كن أنت كذلك فهو لك قدوة..
يحكي لنا الصحابي الجليل أنس بن مالك رضي الله عنه قصة حدثت أمامه: تخيلوا هذا المشهد..اسمعوا ماذا يقول ؟!! يقول: كنت أمشي مع رسول الله ﷺ وعليه رداءٌ نجرانيٌ غليظ الحاشية. فأدركه أعرابيٌ، فجبذه جبذةً شديدةً، حتى انشق البُرد، وحتى بقيت حاشيتهُ في عنق رسول الله ﷺ ، ونظرت إلى صفحةِ عنقِ رسول الله ﷺ ، وقد أثرت بها حاشيةُ الرداء ثم قال: يامحمد ، مُر لي من مال الله الذي عندك، فالتفت إليه رسول الله ﷺ فضحك، ثم أمر له بعطاء
سبحان الله!!! يشد الرداء ثم يناديه بإسمه، ويطلب منه مال، ثم يلتفت إليه القدوة الحسنة ويضحك.. يالله .. ما أجمل هذا الخلق.. (وإنك لعلى خلق عظيم)...
يأتي الجهول يشده من ثوبه * فانشق من جذبِ الجهولِ الجاني..
ضحكَ النبيُ له، وأعطاهُ الذي * يرجو بلا عنفٍ ولا حرمانِ..
ويبول جاهلهم بمسجده، فلم * يزجره بالتعنيفِ قبل بيان..
إن المساجد عظمت حرماتها * ليست لهذاكَ الأذى بمكان..
يكفيك قول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: (كان خلقه القرآن)
** وإنه مما يؤسف أنك ترى بعضا من الناس إذا طلبت منه العفو والصفح في مشكلة ما وذكرته بفعل النبي ﷺ وكيف كان يعفوا ويصفح.؛إذا به يقول لك...
!! وهل نحن مثل النبي؟؟ وهل سنكون مثل النبي أو نلحق به ؟؟
**وكأن النبي ﷺ جاء بشيء مستحيل أن يطبق ، أو يفعّل ،أو أن رسول الله ﷺ جاء بالشرع ليطبقه على نفسه فقط...
إن رسول الله بشر يطبق منهج الله ، وأصابه ما يصيب البشر من الأعراض البشرية..
**ولما أراد بعض الصحابة عمل بعض الطفرات في العبادة حينما جاؤوا يسألون عن عبادته ﷺ ، فلما أُخبروا بها كأنهم تقالّوها فقالوا: أين نحن من النبي ﷺ ؟ قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، قال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبداً، وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبداً!!!
فجاء رسول الله -ﷺ- فقال: ( أنتم الذين قلتم كذا وكذا ؟ أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني )
** ومن هنا ندرك: لماذا لم يبعث ربنا جل وعلا ملائكة وإنما بعث بشرا؟ لأنه لو بعث ملائكة لقال الناس هذه أفعال لا يقدر عليها إلا الملائكة، هذه أخلاق لا يستطيعها إلا الملائكة، أما نحن البشر فلا نقدر على مثل هذا، فما بعث الله ملكا، بل بعث بشرا ليقول للناس هو بشر مثلكم خلق كما خلقتم وله من القدرة والقوة مثل ما عندكم، فلا فرق بينكم وبينه من حيث البشرية، فهذه القدوة العملية تثبت لكم أن هذا الذي يقوله يمكن تطبيقه.
** فمهما يكن لدى الإنسان من قدرات ومواهب ،وأساليب يستثمرها لتربية ذاته، فإنه لا يستغني عن وجود قدوة من بني جنسه ،تكون له نبراساً في سيره في طريقه إلى ربه، فعلى الانسان أن يحرص على اختيار شخص استجمع قدراً كبيراً من الفضل والتقوى ، يكون قدوة له في أمور الخير والهدى ،ويرجع إليه في السراء والضراء ،مستفيداً من رأيه ومشورته فيما يلم به من أحداث ومواقف،
والرسول ﷺ هو قدوة القدوات: هو قدوتنا في علاقاتنا مع أولادنا وآبائنا وأزواجنا، وفي مأكلنا ومشربنا وعباداتنا ودعواتنا وسائر أعمالنا
أحبتي في الله :-
إنَّ الاقتداء الحقيقي بالنبي ﷺ يتطلب منا: العمل بسنته باطنا وظاهرا، وحبا لصاحب المنهج، ومعرفةً بمنهجه الذي نريد الاقتداء به فيه،
وفي الختام :-
نقول إذا أردنا أن يحقق الله لنا النصر والتمكين فلابد من العمل بالكتاب المبين والإقتداء بسيد المرسلين ﷺ والعودة إلى اتباع سبيل المؤمنين والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين..
نسأل الله أن يرزقنا صدق محبته وصحة الاقتداء به وأن يعيننا على تتبع أثره وأن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
النبيُّ ﷺ قدوة ومعلما ومربيا للشيخ ثروت سويف
الحمد لله الذي جعل هذه الأمة خير أمة أخرجت للناس، وجعل فيها كتابه خير منهاج ونبراس، وبذر فيها بذور الخير ففاح شذاً وطاب غراس، اصطفاها من بين سائر الأمم، وأفاض عليها ما شاء من النعم، ودفع عنها كل شر وبأس
واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له
واشهد ان سيدنا ونبينا محمدا رسول الله كان لظلامنا بإذن الله ضياء، ولأبصارنا جلاء، جاءنا على حين فترة من الرسل، وانطماس من السبل، فجلى المبهمات، وكشف الغياهب والظلمات، وجاء من عند ربه بكتاب معجز الآيات، واضح البينات، فانهدم بنيان الوثنية، وارتفع لواء الحنيفية. صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الفقهاء العلماء الأكياس، وعلى من سار على نهجهم واتبع دربهم ما ترددت في الصدور الأنفاس.
قال حسان بن ثابت رضي الله عنه:
أغر عليه من النبوة خاتم……من الله مشهود يلوح ويشهد
وضم الإله اسم النبي إلى اسمه……إذا قال في الخمس المؤذن أشهد
وشق له من اسمه ليجله……فذو العرش محمود وهذا محمد
أما بعد أيها المسلمون
النبي قدوة ومعلما ومربيا
هذا هو عنوان لقاءنا اليوم بحول الله وقوته
بأبى هو وأمى . .. هو رجل الساعة، نبى الملحمة، صاحب المقام المحمود - الذى يغبطه عليه كل نبى فى أرض المحشر - الذى وعد الله به نبينا فى قوله :
وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا [الإسراء-79
سيدى يا رسول الله
الحق أنت وأنت إشراق الهدى ولك الكتاب الخالد الصفحات
من يقصد الدنيا بغيرك يلقها تيها من الأهوال والظلمات
لو شرّق القوم الكبار وغربوا فإليك حتما منتهى الخطوات
لو أحسنوا فهم السلام لأسلموا ما غير دينك سُلما لنجاة
اولا : رسول الله قدوة في شتى مجالات الحياة
إن رسول الله ﷺ عجيبة من عجائب الكون، وآية من آيات الله، ومعجزة من معجزات الله في هذه الأرض -وتدبروا معي هذا التأصيل الذي لابد منه- فهو رسول يتلقى الوحي من السماء ليربط الأرض بالسماء بأعظم رباط وأشرف صلة، وهو رجل سياسة، يقيم للإسلام دولة من فتات متناثر، وسط صحراء تموج بالكفر موجاً، فإذا هي بناء شامخ لا يطاوله بناء في فترة لا تساوي في حساب الزمن شيئاً على الإطلاق، وهو رجل حرب يضع الخطط ويقود الجيوش بنفسه، بل إذا حمي الوَطِيْسُ واشتدت المعارك وفر الأبطال والشجعان، وقف على ظهر دابته لينادي على الجمع بأعلى صوته ويقول: (أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب) وهو رب أسرة كبيرة تحتاج إلى كثير من النفقات من نفقات الوقت والفكر والتربية والشعور، فضلاً عن النفقات المادية، فيقوم النبي ﷺ بهذا الدور على أعلى وأثم وجه شهدته الأرض وعرفه التاريخ.
فهو ﷺ رجل إنساني من طراز فريد كأنه ما خلق في الأرض إلا ليمسح دموع البائسين، وليضمد جراح المجروحين، وليذهب آلام البائسين المتألمين.
وهو رجل عبادة قام بين يدي الله حتى تورمت قدماه، فلما قيل له: أولم يغفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال قولته الجميلة: (أفلا أكون عبداً شكوراً).
هو رجل دعوة أخذت عرقه ووقته وفكره وروحه، قال له ربه: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ} [المدثر:1 - 2]، فقام ولم يذق طعم الراحة حتى لقي ربه جل وعلا، فرسول الله ﷺ ما تعلقت به قلوب أصحابه إلا لأنه قدوة، ما أمرهم بأمر إلا وكان أول المنفذين له، وما نهاهم عن نهي إلا وكان أول المنتهين عنه، وما حد لهم حداً إلا وكان أول الوقافين عند هذا الحد.
يقول ربنا جل وعلا في محكم التنزيل [سورة الأحزاب (33): آية 21]
لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً (21) يقول العلامة بن كثير في تفسيره ( هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ أَصْلٌ كَبِيرٌ فِي التَّأَسِّي بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ وَأَحْوَالِهِ؛ وَلِهَذَا أُمِرَ النَّاسُ بِالتَّأَسِّي بِالنَّبِيِّ ﷺ يَوْمَ الْأَحْزَابِ، فِي صَبْرِهِ وَمُصَابَرَتِهِ وَمُرَابَطَتِهِ وَمُجَاهَدَتِهِ وَانْتِظَارِهِ الْفَرَجَ مِنْ رَبِّهِ، عَزَّ وَجَلَّ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ دَائِمًا إِلَى يَوْمِ الدِّينِ؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى لِلَّذِينِ تَقَلَّقُوا وَتَضْجَّرُوا وَتَزَلْزَلُوا وَاضْطَرَبُوا فِي أَمْرِهِمْ يَوْمَ الْأَحْزَابِ: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} أَيْ: هَلَّا اقْتَدَيْتُمْ بِهِ وَتَأَسَّيْتُمْ بِشَمَائِلِهِ؟ وَلِهَذَا قَالَ: {لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}فاقتدوا بنبيكم في جميع عباداتكم ومعاملاتكم
(أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) أى سنّة صالحة، تنصروه وتؤازروه
كل حياته دروس وتعليم وكلها جهاد وتنظيم أمرنا الله تعالى بطاعته والتأسي بأخلاقه وسيرته في جميع الأمور وفي كل الأحوال
ويقول الامام القرطبي في تفسير هذه الاية " أُسْوَةٌ" الْأُسْوَةُ الْقُدْوَةُ. وَالْأُسْوَةُ مَا يُتَأَسَّى بِهِ، أَيْ يُتَعَزَّى بِهِ. فَيُقْتَدَى بِهِ فِي جَمِيعِ أَفْعَالِهِ وَيُتَعَزَّى بِهِ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِ، فَلَقَدْ شُجَّ وَجْهُهُ، وَكُسِرَتْ رَبَاعِيَتُهُ،وَقُتِلَ عَمُّهُ حَمْزَةُ، وَجَاعَ بَطْنُهُ، وَلَمْ يُلْفَ إِلَّا صَابِرًا مُحْتَسِبًا، وَشَاكِرًا رَاضِيًا.
وَقَالَ ﷺ لَمَّا شُجَّ: (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يعلمون)
فالتاسي به في الخير والعبادة قولا وفعلا ولذا عن عطاء رضي الله عنه أن رجلًا أتى ابن عباس رضي الله عنهما قال:
إني نذرت أن أنحر نفسي. فقال ابن عباس: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أسوة حسنة وفديناه بذبح عظيم» فأمره بكبش) الدر المنثور في التفسير بالماثور
فالأسوة الْحَسَنَة اتِّبَاع كتاب الله تَعَالَى وَسنة رَسُوله ﷺ وَسنَن خلفائه الرَّاشِدين المهديين الَّذين قضوا بِالْحَقِّ وَبِه يعدلُونَ
في العهد المكي في ثلاثة عشرة سنة ظل يدعوا فيها إلى الله عز وجل، ظل يربي الجيل الأول الذي سيحمل رسالة الإسلام وعبء الدعوة إلى الإسلام، يربيه في تلك الدار، دار الأرقم بن الأرقم، ظل محمد (ﷺ) ثلاثة عشرة عاماً في مكة يغرس العقيدة، يربي الناس على التوحيد والإيمان بالله والآخرة، على الإيمان بأصول الفضائل والأخلاق، على أن الله سبحانه ناصر دعوته وحام عبده، ومظهر دينه على الدين كله.
قال جل وعلا لنبينا ﷺ: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف:108].
قال ابن القيم رحمه الله: ولا يكون الرجل من أتباع النبي ﷺ حقاً حتى يدعو إلى ما دعا إليه النبي ﷺ على بصيرة.
السعادة والفلاح في الدنيا والآخرة هي بالإيمان والتقوى، ولا يمكن أن ينالها الإنسان في حياته إلا باقتدائه بالأسوة الحسنة محمد - ﷺ - في جميع أحواله، وعدم الاقتداء بشخصية أحد سواه
يا أكرم الخلق جئنا صوب ذكراك والقلب بالحب والإخلاص ناجاك
نهوى مدينتك الزهراء يدفعنا وجد وشوق وتحنان لرؤياك
كان اسمها يثرب من قبل هجرتكم فأصبحت طيبة من بعد رؤياك
قد أصبحت طيبة لما سكنت بها وروضة من جنان الخلد تهواك
تعطرت أرضها لما خطوت بها وصار مسكاً ثراها عند مثواك
من أرض طيبة نور عمّ عالمنا يا عالم الإسلام بشراك
فما تجمل رسل الله من خُلق ومن فضائل بعضٌ من سجاياك
إنا نحبك عن بعد وعن كثب وما نسيناك يوماً أو سلوناك
تعال أيها الأخ الحبيب لنقرب وعد رسول الله ﷺ بالإتباع والإقتداء والتمسك بشرع الله تعالى الذي جاء به لنتذكر فى يوم مولده سننه وأقواله وتوجيهاته
ثانيا : النبي ﷺ مربياً ومعلماً
عاش ﷺ مربياً ومعلماً، كان في كل كلمة يربي جيلاً، وفي كل تصرف يحيي أمة عليه الصلاة والسلام، هاجر إلى الأنصار طريداً وحيداً فريداً فنصروه وآووه وحموه وقطعوا بين يديه، فجزاهم الله عن الإسلام خير الجزاء، ولذلك صح عنه ﷺ أنه قال من حديث أنس: {آية الإيمان حب الأنصار، وآية النفاق بغض الأنصار، الأنصار لا يحبهم إلا مؤمن، ولا يبغضهم إلا منافق}.
مَنْهَج النَّبِي ﷺ مَنْهَج اعْتِدَال وتوسط، وعَلى هَذَا ربَّى أَصْحَابه رَضِي الله عَنْهُم فَنعم المربي وَنعم المربين وَنعم الْأُسْتَاذ وَنعم التلاميذ جعلنَا الله مِمَّن يقتفي أَثَرهم ويسير على نهجهم ويهتدي بِهَدي الْمُصْطَفى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام.
مواقفه في التربية
الموقف الأول: مع الصحابي الذي طلب الإذن في الزنا
صح في الحديث: {أن رجلاً أتى إليه ﷺ -قيل إنه من ثقيف وقيل من غيرها- فقال: يا رسول الله! أريد الإسلام ولكني لا أستطيع أن أترك الزنا؛ فوجم الصحابة، واستنكروا هذا الكلام بين يدي الرسول عليه الصلاة والسلام - لأنه فعل رجل مستهتر في الظاهر، فماذا فعل عليه الصلاة والسلام؟ -قال: دعوه- ثم أتى إليه بحوار العقل والإقناع، ولم يشهر به، ولم يبكته أمام الناس، ولم ينكر عليه ما قال- فقال: أترضاه لأمك؟ قال: لا.
قال: أترضاه لأختك؟ قال: لا.
قال: أترضاه لابنتك؟ قال: لا.
قال: أترضاه لعمتك؟ قال: لا.
قال: أترضاه لخالتك؟ قال: لا.
قال: فكيف يرضاه الناس؟!
فأتت الرجل غيرة دينية إسلامية، وتذكر مواقف الناس حين يزني بقريباتهم، كموقفه هو يوم يغار على قريباته -فقال: أتوب إلى الله من الزنا، قال ﷺ: اللهم حصن سمعه وبصره وفرجه}.
ما أسهل الكلام وما أحسن الهدي.
الموقف الثاني: في الرحمة بالضعفاء
عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ، ويسمي أَبُو مَسْعُودٍ الْبَدْرِىُّ قَالَ: كُنْتُ أَضْرِبُ غُلَامًا لِي، فَسَمِعْتُ مِنْ خَلْفِي صَوْتًا: «اعْلَمْ، أَبَا مَسْعُودٍ، لَلَّهُ أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ عَلَيْهِ»، فَالْتَفَتُّ فَإِذَا هُوَ رَسُولُ اللهِ ﷺ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، هُوَ حُرٌّ لِوَجْهِ اللهِ، فَقَالَ: «أَمَا لَوْ لَمْ تَفْعَلْ لَلَفَحَتْكَ النَّارُ»، أَوْ «لَمَسَّتْكَ النَّارُ» رواه مسلم في صحيحه
روى البخاري في صحيحه أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – قَالَ بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ النَّبِيِّ – ﷺ – إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ ، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكْتُ . قَالَ « مَا لَكَ » . قَالَ وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي وَأَنَا صَائِمٌ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ – ﷺ – « هَلْ تَجِدُ رَقَبَةً تُعْتِقُهَا » . قَالَ لاَ . قَالَ « فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ» . قَالَ لاَ . فَقَالَ « فَهَلْ تَجِدُ إِطْعَامَ سِتِّينَ مِسْكِينًا » . قَالَ لاَ . قَالَ فَمَكَثَ النَّبِيُّ – ﷺ – ، فَبَيْنَا نَحْنُ عَلَى ذَلِكَ أُتِىَ النَّبِيُّ – ﷺ – بِعَرَقٍ فِيهَا تَمْرٌ – وَالْعَرَقُ الْمِكْتَلُ – قَالَ « أَيْنَ السَّائِلُ» . فَقَالَ أَنَا . قَالَ « خُذْهَا فَتَصَدَّقْ بِهِ » . فَقَالَ الرَّجُلُ أَعَلَى أَفْقَرَ مِنِّى يَا رَسُولَ اللَّهِ فَوَ اللَّهِ مَا بَيْنَ لاَبَتَيْهَا – يُرِيدُ الْحَرَّتَيْنِ – أَهْلُ بَيْتٍ أَفْقَرُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي ، فَضَحِكَ النَّبِيُّ – ﷺ – حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ ثُمَّ قَالَ « أَطْعِمْهُ أَهْلَكَ
وهذا هو أنس بن مالك خادم رسول الله ﷺ يقول كما في صحيح مسلم
قَالَ أَنَسٌ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -ﷺ- مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ خُلُقًا فَأَرْسَلَنِي يَوْمًا لِحَاجَةٍ فَقُلْتُ وَاللَّهِ لاَ أَذْهَبُ. وَفِى نَفْسِى أَنْ أَذْهَبَ لِمَا أَمَرَنِي بِهِ نَبِيُّ اللَّهِ -ﷺ- فَخَرَجْتُ حَتَّى أَمُرَّ عَلَى صِبْيَانٍ وَهُمْ يَلْعَبُونَ فِي السُّوقِ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ -ﷺ- قَدْ قَبَضَ بِقَفَايَ مِنْ وَرَائِي – قَالَ – فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ وَهُوَ يَضْحَكُ فَقَالَ « يَا أُنَيْسُ أَذَهَبْتَ حَيْثُ أَمَرْتُكَ». قَالَ قُلْتُ نَعَمْ أَنَا أَذْهَبُ يَا رَسُولَ اللَّهِ.) . قال أنس: والله لقد خدمته سبع سنين أو تسع سنين، ما علمتُ قال لشيء صنعت: لمَ فعلت كذا وكذا، ولا لشيء تركت: هلاَّ فعلت كذا وكذا”
الموقف الثالث: مع اصحابه معلما ومربيا
وفد معاوية بن الحكم السلمي على النبي عليه الصلاة والسلام -والحديث عند مسلم - فسأله سؤالاً، وعند مسلم أنه صلى معه صلاة -بأبي هو وأمي ﷺ- فعطس رجل من المسلمين، فقال معاوية -في الصلاة، وهو لا يعرف الحكم-: يرحمك الله -يتبرع بالدعاء داخل الصلاة، لشخص آخر عطس داخل صلاة- قال: فضربوا على أفخاذهم، قلت: ويل لأمي ماذا فعلت؟ -زاد الطين بلة، يعني لو اكتفى بالتشميت لكان أسهل ولكنه زاد فتكلم- قال: فلما سلم عليه الصلاة والسلام دعاني، فما نهرني ولا سبني ولا شتمني -أولاً: عَذَرَه وقال بصحة صلاته، لأنه تكلم عن جهل فهو لا يعرف الحكم، وهذا مكسب عظيم، الأمر الثاني- قال له: {إن هذه الصلاة لا تصلح لشيء من كلام الناس، إنما هي للذكر والتسبيح والتكبير} الأمر الثالث: عاد هذا الرجل بهذا الأسلوب داعية إلى قومه بني سليم، فدخلوا في دين الله أفواجاً.
عن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: احتلمت في ليلة باردة في غزوة ذات السلاسل، فأشْفَقْتُ إنْ أغْتَسِلَت أن أهْلِكَ فَتَيَمَّمْتُ ثُمَّ صَلَّيْتُ بِأصْحَابِي الصُّبْحَ فَذَكَروا ذَلِكَ لرسولِ الله ﷺ فقال: يا عمرو صَلَّيْتَ بأصْحَابِكَ وَأنْتَ جُنُبٌ ؟ فأخْبَرْتُهُ بالَّذِي مَنَعَنِي مِنَ الاغْتِسَالِ وَقُلْتُ: إنِّي سَمِعْتُ الله يقولُ: ﴿ وَلاَ تَقْتُلُوا أنْفُسَكُمْ إنَّ الله كَانَ بِكُمْ رَحِيماً ﴾. فَضَحِكَ رسولُ الله ﷺ وَلَمْ يَقُلْ شَيْئاً ». رواه أبو داود.
الموقف الرابع: في تعامله مع الأعداء فضلا عن تعامله مع المسلمين قدوة فلم يكن فاحشاً ولا بذيئاً بل كان القدوة الحسنة لمن حوله يعفو ويصفح عمن أساء إليه، ولقد علم وربى الأمة على تلك الفضائل، ولقد كان يأتيه الأعرابي الجلف ويشد عنقه عليه الصلاة والسلام ويقول: "اعطني من مال الله ليس من مال أبيك ولا من مال أمك" فيتبسم له -عليه الصلاة والسلام- ويعطيه وما يعنفه. وكان يعلم الناس في الحروب مع الكفار أن لا يؤذوا امرأة ولا شيخاً كبيراً ولا صبياً ولا متعبداً في صومعته، بل علمهم الرفق بالحيوان يا من تدعون أن رفقكم قد اهتم بالحيوانات! والواقع يكذبكم في تعاملكم مع الإنسان، يقول-عليه الصلاة والسلام- معلماً أمته:"إذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته"( 3) ،لم يكن يعلم الناس ما ادعاه هؤلاء المتغطرسين من إراقة الدماء وإرهاب الآمنين، بل كان عليه الصلاة والسلام رحيماً حتى بمن ليسوا بمسلمين إذ كان يتمنى إسلامهم لينقذهم بذلك من عذاب الله لأن الله أرسله رحمة لكل الناس - عليه الصلاة والسلام-يقول عنه الله في ذلك: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} (107)سورة الأنبياء
روي أن أعرابيًّا جاءه يطلب منه شيئًا فأعطاه، ثم قال: ((أأحسنت إليك؟))، قال الأعرابي: لا، ولا أجملتَ، فغضب المسلمون، وقاموا إليه، فأشار إليهم أن كُفوا، ثم قام ودخل منزله وأرسل إليه وزاده شيئًا، ثم قال: ((أأحسنتُ إليك؟))، فقال: نعم، فجزاك الله من أهل وعشيرة خيرًا، فقال (عليه الصلاة والسلام): ((إنك قلتَ ما قلت، وفي أنفس أصحابي من ذلك شيء، فإن أحببت فقل بين أيديهم ما قلت بين يدي؛ حتى يذهب ما في صدورهم عليك))، قال: نعم، فلما كان الغد – أو العشي – جاء فقال (عليه الصلاة والسلام): ((إن هذا الأعرابي قال ما قال فزدناه، فزعم أنه رضي، أكذلك؟))، قال: نعم، فجزاك الله من أهل وعشيرة خيرًا، فقال (عليه الصلاة والسلام): ((مثَلي ومثل هذا مثل رجل له ناقة شردت عليه، فاتبعها الناس فلم يزيدوها إلا نفورًا، فناداهم صاحبها: خلُّوا بيني وبين ناقتي؛ فإني أرفق بها منكم وأعلم، فتوجه لها بين يديها، فأخذ لها من قمام الأرض، فردها، حتى جاءت واستناخت، وشد عليها رحلها، واستوى عليها، وإني لو تركتكم حيث قال الرجل ما قال فقتلتموه دخل النار)).
وقال (عليه الصلاة والسلام): ((« أَلاَ لاَ يُبَلِّغْنِي أَحَدٌ مِنْكُمْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِي شيءْ فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَخْرُجَ إِلَيْكُمْ وَأَنَا سَلِيمُ الصَّدْرِ »))؛ [رواه البيهقي في السنن الكبرى].
قصة إسلام الصحابي الجليل ثمامة بن أثال رضي الله عنه ، وقصته رواها البخاري (عن هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – قَالَ بَعَثَ النَّبِيُّ – ﷺ – خَيْلاً قِبَلَ نَجْدٍ ، فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ مِنْ بَنِى حَنِيفَةَ يُقَالُ لَهُ ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ ، فَرَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ – ﷺ– فَقَالَ « مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ » . فَقَالَ عِنْدِي خَيْرٌ يَا مُحَمَّدُ ، إِنْ تَقْتُلْنِي تَقْتُلْ ذَا دَمٍ ، وَإِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ ، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْمَالَ فَسَلْ مِنْهُ مَا شِئْتَ . حَتَّى كَانَ الْغَدُ ثُمَّ قَالَ لَهُ « مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ » . قَالَ مَا قُلْتُ لَكَ إِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ . فَتَرَكَهُ حَتَّى كَانَ بَعْدَ الْغَدِ ، فَقَالَ « مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ » . فَقَالَ عِنْدِي مَا قُلْتُ لَكَ . فَقَالَ « أَطْلِقُوا ثُمَامَةَ » ، فَانْطَلَقَ إِلَى نَخْلٍ قَرِيبٍ مِنَ الْمَسْجِدِ فَاغْتَسَلَ ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَقَالَ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ، يَا مُحَمَّدُ وَاللَّهِ مَا كَانَ عَلَى الأَرْضِ وَجْهٌ أَبْغَضَ إِلَىَّ مِنْ وَجْهِكَ ، فَقَدْ أَصْبَحَ وَجْهُكَ أَحَبَّ الْوُجُوهِ إِلَىَّ ، وَاللَّهِ مَا كَانَ مِنْ دِينٍ أَبْغَضَ إِلَىَّ مِنْ دِينِكَ ، فَأَصْبَحَ دِينُكَ أَحَبَّ الدِّينِ إِلَىَّ ، وَاللَّهِ مَا كَانَ مِنْ بَلَدٍ أَبْغَضُ إِلَىَّ مِنْ بَلَدِكَ ، فَأَصْبَحَ بَلَدُكَ أَحَبَّ الْبِلاَدِ إِلَىَّ ، وَإِنَّ خَيْلَكَ أَخَذَتْنِي وَأَنَا أُرِيدُ الْعُمْرَةَ ، فَمَاذَا تَرَى فَبَشَّرَهُ رَسُولُ اللَّهِ – ﷺ – وَأَمَرَهُ أَنْ يَعْتَمِرَ )
وصلِّ اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد
وعلى آله وصحبه وسلم
رابط جميع الخطب السابقة والحالية واللاحقة بإذن الله
http://eslamiatt.blogspot.com.eg
نسألكم الدعاء
01098095854
*********
الشيخ احمد أبو عيد
[1])) صحيح مسلم
[2])) متفق عليه
[3])) صحيح البخاري
[4])) صحيح مسلم
[5])) السلسلة الصحيحة
[6])) صحيح الأدب المفرد
[7])) صحيح الأدب المفرد
[8])) صحيح البخاري
[9])) صحيح مسلم
[10])) متفق عليه
[11])) صحيح البخاري
[12])) مشكاة المصابيح (صحيح)
[13])) متفق عليه
[14])) صحيح مسلم
[15])) متفق عليه
[16])) متفق عليه
[17])) صحيح مسلم
[18])) متفق عليه
[19])) صحيح البخاري
[20])) متفق عليه
[21])) مشكاة المصابيح
[22])) السلسلة الصحيحة
[23])) صحيح البخاري
[24])) صحيح مسلم
[25])) صحيح مسلم
[26])) صحيح البخاري
[27])) السلسلة الصحيحة
[28])) صحيح مسلم
[29])) السلسلة الصحيحة
[30])) متفق عليه
[31])) مقتطفات من كتاب الرحيق المختوم ومصادر أخرى.
[32])) صحيح البخاري
[33])) تفسير ابن كثير
[34])) صحيح البخاري
[37])) السلسلة الصحيحة
[38])) السلسلة الصحيحة
[44])) وصايا الرسول في الحرب د/ راغب السرجاني
[45])) صحيح البخاري
[46])) الجامع لأحكام القرآن
[47])) تفسير المنتخب
[48])) مختصر تفسير ابن كثير
[49])) صحيح سنن أبي داوود
[50])) متفق عليه
[51])) مختصر تفسير ابن كثير
[52])) التفسير الميسر
[53])) مختصر ابن كثير
[54])) التفسير الميسر
[55])) التفسير الميسر
[56])) متفق عليه
[57])) صحيح البخاري
[58])) التفسير الميسر
[59])) صحيح البخاري
[60])) سنن أبي داوود (حسن)
[61])) متفق عليه
تعليقات: (0) إضافة تعليق