الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن سيدنا محمدا عبد الله ورسوله إمام النبيين
وبعد
العناصر
أولًا: من أسماء يوم القيامة ثانيًا: أساب تكرار ذكر القيامة بأسماء مختلفة
ثالثًا: من مشاهد من يوم القيامة
الموضوع
أولًا: من أسماء يوم القيامة
يومُ القيامةِ: وهو مِن أشهرِ الأسماءِ المتعارفِ عليها، وسُمِّي بذلك لقيام ِكافةِ العبادِ مِن قبورِهِم للمثولِ أمامَ المولَى عزَّ وجلَّ. قالَ تعالَى: { يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ }. (المطففين: 6). وذُكِرَ يومُ القيامةِ في أكثر مِن سبعينَ موضعًا، منها قولهُ تعالَى: {اللهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ}.( النساء: 87).
اليومُ الآخرُ: وهو مِن أبرزِ الأسماءِ التي أطلقتْ علي يومِ القيامةِ، ووردَ ذكرُهُ كثيرًا في القرآنِ الكريمِ، كمَا في قولِهِ تعالَى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ}. (التوبة: 29).
وسُمِّيَ بهذا الاسمِ لأنَّهُ اليومُ الأخيرُ الذي سيقعُ، فلا يومَ سيأتِي على الدنيا بعدَهُ، إذ يُعتبرُ آخرَ المطافِ الذي سينتهِي عندَهُ العبادُ، وينقسمونَ ما بينَ الجنةِ والنارِ كلٌّ حسبِ أعمالِهِ التي قامَ بهَا في الحياةِ الدنيا.
يومُ الخلودُ: حيثُ يقولُ تعالَى لأهلِ الجنةِ: {ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ }. (ق: 34). وسُمِّيَ بذلك لأنَّ كُلًّا مِن أهلِ الجنةِ والنارِ في دارِ الخلودِ.
يومُ الحسرةِ: وسببُ التسميةِ بذلك تحسرُ العبادِ وندمُهُم على تقصيرِهِم في القيامِ بالأعمالِ الصالحةِ التي قد تكونُ سببًا لدخولِهِم الجنة، قالَ تعالَى: { وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ }.(مريم: 39).
والعجيبُ أنَّ التحسرَ ليسَ قاصرًا على أهلِ النارِ، بل إنَّ أهلَ الجنةِ وهُم في الجنةِ يتحسرونَ على كلِّ لحظةٍ مرتْ عليهم في الدنيا غفلُوا فيهَا عن ذكرِ اللهِ تعالى، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: { مَا جَلَسَ قَوْمٌ مَجْلِسًا لَمْ يَذْكُرُوا اللَّهَ فِيهِ، وَلَمْ يُصَلُّوا عَلَى نَبِيِّهِمْ، إِلَّا كَانَ عَلَيْهِمْ تِرَةً، فَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُمْ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُمْ } ([1]) وَمَعْنَى قَوْلِهِ: تِرَةً: يَعْنِي حَسْرَةً وَنَدَامَةً.
يومُ الحسابِ: قال تعالى: {هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسَابِ}، وسُمِّيَ بذلك لأنَّ الله يحاسبُ فيهِ عبادَهُ على أعمالِهِم خيرًا أو شرًّا، ، وقال تعالى ( فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا * وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا * وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ * فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا * وَيَصْلَى سَعِيرًا﴾ (الانشقاق 7 – 12).
ورحم الله من قال:
وَلَوْ أَنَّا إِذَا مِتْنَا تُرِكْنَا *** لَكَانَ المَوْتُ رَاحَةَ كُلِّ حَيْ
وَلَكِنَّا إِذَا مِتْنَا بُعِثْنـــَا *** وَنُسْأَلُ بَعْدَ ذَا عَنْ كُلِّ شَيْ
لذا ينبغِي على الإنسانِ أنْ يحاسبَ نفسَهُ قبلَ أنْ يحاسبَ يومَ القيامةِ، ومعنَى محاسبةِ النّفسِ:” أنْ يتصفّحَ الإنسانُ في ليلهِ ما صدرَ مِن أفعالِ نهارِهِ؛ فإنْ كانَ محمودًا أمضاهُ وأتبعَهُ بما شاكلَهُ وضاهاهُ، وإنْ كان مذمومًا استدركَهُ إنْ أمكنَ، وانتهَى عن مثلِهِ في المستقبلِ” «أدب الدنيا والدين للماورديّ».
ويقولُ عمرُ بنُ الخطّابِ- رضي اللّهُ عنه-: « حاسبُوا أنفسِكُم قبلَ أنْ تحاسبُوا، وزنُوا أنفسَكُم قبلَ أنْ توزنُوا ؛ فإنَّه أهونُ عليكُم في الحسابِ غدًا، أنْ تحاسبُوا أنفسَكُم اليوم، وتزيَّنُوا للعرضِ الأكبرِ، {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفى مِنْكُمْ خافِيَةٌ} (الحاقة: 18) » . "محاسبة النفس لابن أبي الدنيا ".
يوم الساعةُ: إنَّ لفظَ "الساعةِ" يدلُّ في اللغةِ على جزءٍ مِن الزمنِ دونَ تحديدٍ، وسُمِّيتْ القيامةُ بالساعةِ؛ إمَّا مِن بابِ قُربِ وقوعِهَا، وإمَّا تنبيهًا على ما فيها مِن أمورٍ عظيمةٍ، وقِيل: لأنَّها قد تأتي فجأةً في أيِّ وقتٍ؛ قالَ تعالَى: ﴿يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللَّهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾، وهذا يجعلُ المؤمنُ أنْ تكونَ أحوالُهُ كلُّهَا على طاعةٍ؛ خوفًا ووجلًا أنْ يموتَ على معصيةٍ فعَنْ جَابِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «يُبْعَثُ كُلُّ عَبْدٍ عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ» (مسلم)، وقد أخفَى اللهُ علينَا ساعةَ قيامِهَا كي نجتهدَ في الطاعةِ، وعمارةِ الأرضِ قالَ ربُّنَا: ﴿إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَىٰ﴾ وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَفِي يَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ، فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا تَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَغْرِسْهَا» (الأدب المفرد، إسناده صحيح) .
يوم الغاشية: حيث يغشى الناس جميعا بما فيه مِنْ مواقف مذهلة ومَشاهد مرعبة ومواقف مفرحة: قال تعالى (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ * وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ * عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ * تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً * تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ * لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ * لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ * وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ * لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ) (الغاشية1-10).
يوم التلاق: قال تعالى: (رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىٰ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ) (غافر 15) إذ يلتقي فيه العباد جميعهم، ويلتقي فيه أهل السماء وأهل الأرض؛ ويلتقي فيه الخالق والخلق، ويلتقي فيه كل إنسان بعمله وبجزاء عمله، قال تعالى (وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا) (الإسراء 13، 14)، وقال سبحانه: (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ) (آل عمران 30) وقال سبحانه: (فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ * وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ * نَارٌ حَامِيَةٌ) (القارعة6-11)
يومُ الفصلِ: لأنَّ اللهَ – عزَّ وجلَّ - يفصلُ فيهِ بينَ المختلفينَ مِن البشرِ قالَ ربُّنَا:﴿إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقاتُهُمْ أَجْمَعِينَ * يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئاً وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ * إِلاَّ مَنْ رَحِمَ اللَّهُ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾، بل حتى العجماواتِ تتقاصَى فيمَا بينهَا؛ تحقيقًا لمبدأِ العدالةِ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَتُؤَدُّنَّ الْحُقُوقُ إِلَى أَهْلِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، حَتَّى تُقَادَ الشَّاةُ الْجَلْحَاءُ مِنَ الشَّاةِ الْقَرْنَاءِ» ([2]) وهذا يثيرُ في المسلمِ أنْ يكونَ حريصًا على أنْ يُقضَى لهُ بالخيرِ لا بالشرِّ بالحسناتِ لا بالسيئاتِ، وأنْ يسارعَ إلى التحللِ مِن المظالمِ في الدنيا فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:«مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لِأَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَيْءٍ، فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ اليَوْمَ، قَبْلَ أَنْ لاَ يَكُونَ دِينَارٌ وَلاَ دِرْهَمٌ، إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ» (البخاري).
يوم التّناد: قال تعالى حكاية عن مؤمن آل فرعون وهو يعظ قومه: (وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ) (غافر 32)، إذ ينادى فيه أهل الجنة، كما قال تعالى (وَنُودُو اأَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) (الأعراف 43)، وفيه مناداة أهل النار لأهل الجنة، قال تعالى (وَنَادَىٰ أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ * الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَٰذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ) (الأعراف 50، 51) ومناداة أهل الجنة لأهل النار: قال تعالى: (وَنَادَىٰ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ * الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُم بِالْآخِرَةِ كَافِرُونَ ) (الأعراف 44،45)
يومُ الحاقةِ: قال تعالى: (الْحَاقَّةُ * مَا الْحَاقَّةُ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ) [الحاقة 1-3]، سُميتْ بذلك؛ لأنَّها أحقتْ لأقوامٍ مِن الجنةِ، وأحقتْ لأقومٍ مِن النارِ؛ ولأنَّها يصيرُ كلُّ إنسانٍ حقيقًا بجزاءِ عملهِ وكسبهِ، وفيها حقيقةُ البعثِ والجزاءِ، والمنعِ والعطاءِ؛ ولأنَّ فيها حواقُ الأمورِ، ويَنكشفُ الغطاءُ والمستورُ.
يومُ التغابنِ: وسُمِّي بذلك ؛ لأنّ أهلَ الحقِّ والإيمانِ يغبنونَ فيه أهلَ الباطلِ، فلا غلبةَ ولا غُبنَ أشدُّ مِن ذلك، إذ إنَّ أهلَ الحقِّ فازُوا بالجنّةِ، ولم يَنلْ أهلُ الباطلِ إلّا السخطَ، والخلودَ في النارِ، (يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ) [التغابن:9].
يوم الصاخةُ قال سبحانَهُ: (فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ) [عبس:33]، سُميتْ بذلك لأنَّها تصخُّ الأسماعَ فتبالغُ في إسماعِهَا حتى كادتْ تصمهَا، فلشدةِ صوتِهَا لا تسمعُ غيرهَا في ذلك اليوم، فهي تصمُّ الأسماعَ، وتصيخُ لها الأسماعُ.
يوم الطامةُ: كما في قولِهِ: (فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى) [النازعات:34]، والطامةُ: تطمُّ على كلِّ أمرٍ هائلٍ مفزعٍ كما في قولِهِ: (وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ) [القمر:46]، فلعظمِ هولِهَا، وشدةِ خبرِهَا تعلوهُ وتغطيه وتطمه.
يوم الغاشيةُ: كما في قولهِ سبحانَهُ: (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ) [الغاشية:1]، فهي تغشَى الناسَ مِن أهوالٍ، وتغشَى الخلقَ مِن جميعِ الجوانبِ والأحوالِ.
ثانيًا: أساب تكرار ذكر القيامة بأسماء مختلفة
كل اسم يدل على معنى محدد: لعلَّ الحكمةَ مِن تعدُّدِ أسماءِ يومِ القيامةِ تكمُنُ في اعتبارِ أنَّ كلَّ اسمٍ من تلكَ الأسماءِ يدلُّ على وصفٍ مُحدَّدٍ، وبذلكَ يتحقّقُ الإيمانُ في القلوبِ بصورةٍ أبلغ، وتستعدُّ النفوسُ ليومِ القيامةِ بشكلٍ أفضل، كمَا أنَّ في تعدُّدِ الأسماءِ تنويهًا مِن اللهِ - سبحانَهُ- لعبادِهِ بشأنِ ذلكَ اليومِ، وتنبيهًا لهُم؛ تحقيقًا للخوفِ في قلوبِهِم منهُ، فجميعُ تلكَ الأسماءِ تدلُّ على عِظَمِ ذلكَ اليومِ، وشأنِهِ الكبيرِ، وشِدةِ وقائِعِهِ، كمَا أنَّ ذلكَ يُعدُّ مِن بابِ تعدُّدِ الأساليبِ القرآنيةِ في الحديثِ عن اليومِ الآخرِ، وهذا يدلُّ على إعجازِ القرآنِ الكريمِ .
قدرة الله لا تحدها حدود: قالَ تعالَى: ﴿لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ * وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ * أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ * بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ * بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسانُ لِيَفْجُرَ أَمامَهُ * يَسْئَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيامَةِ * فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ * وَخَسَفَ الْقَمَرُ * وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ * يَقُولُ الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ * كَلاَّ لا وَزَرَ * إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ * يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ * بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ﴾
إنَّ هذا المخلوقَ المغرورَ مهمَا أُوتِيَ مِن قوةٍ وعظمةٍ، فإنَّهُ يسعَى لنهايةٍ محتومةٍ، يلقَى فيها ذا العرشِ المجيدِ، الفعَّالِ لِمَا يريدُ، واللقاءُ المحققُ سيكونُ يومَ القيامةِ، وفيه تتجلَّى عظمةُ الخالقِ، وهوانُ المخلوقِ.
وقوعُ الحسابِ لجميعِ الخلائقِ أمرٌ هينٌ على اللهِ – عزَّ وجلَّ - ؛ إذ قدرتُهُ صالحةٌ لفعلِ ذلك قالَ ربُّنَا:﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا﴾، فحسابُ الناسِ أسرعُ مِمّا نتصورُ فهو كما وصفَ ربُّنَا نفسَهُ ﴿إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ﴾ يقولُ القرطبيُّ في "تفسيرهِ": (أيْ لا يحتاجُ إلى تفكرٍ وعقدِ يدٍ كمَا يفعلُهُ الحاسبُ؛ لأنُّه العالمُ الذي لا يعزبُ عن علمِهِ شيءٌ، فلا يؤخرُ جزاءَ أحدٍ للاشتغالِ بغيرهِ، وكما يرزقُهُم في ساعةٍ واحدةٍ يحاسبُهُم كذلك في ساعةٍ واحدةٍ) .
زُهدُ قلبِ المؤمنِ بنعيمِ الدُّنيا، ورغبتُهُ في نعيمِ الآخرةِ؛ لعلمهِ أنّهُ خيرٌ وأبقَى، وشَتّانَ بين النعيمَينِ، فقد قالَ رسولُ اللهِ -صلّى اللهُ عليه وسلّم-: (واللَّهِ ما الدُّنْيا في الآخِرَةِ إلَّا مِثْلُ ما يَجْعَلُ أحَدُكُمْ إصْبَعَهُ هذِه، وأَشارَ يَحْيَى بالسَّبَّابَةِ، في اليَمِّ، فَلْيَنْظُرْ بمَ تَرْجِعُ؟) ([3]) وتطهيرُ القلوبِ مِن كَدَرِ الحِقدِ، والحَسَدِ، والفُرقةِ، والاختلافِ شعارُ القلبِ بالطمأنينةِ، وراحةِ البالِ. والغفلةُ عن اليومِ الآخرِ أساسُ المصائبِ والذنوبِ، ولهذا يُعَدُّ التذكيرُ بهِ تنبيهًا لأهلِ الغفلةِ مِن غفلتِهِم، وسببًا في توبةِ المُذنبِ والعاصِي عن ذنوبِهِمَا.
ثالثًا: من مشاهد من يوم القيامة
ضياع جميع متاع الدنيا، وبقاء العمل الصالح: يقفُ الناسُ يوم الحشر حفاةً عراةً كيومِ ولادتِهِم أمهاتهم، وسيعرضون صفًا على طبيعتِهِم مِن غيرِ أصبغةٍ وزخارفٍ، فلا ملابسَ تميزُهُم، ولا مالَ يدلُّ على ثرائِهِم وغناهم، ولا أتباعَ يرمزُون إلى مكانِهِم وجاهِهِم، وأسقطَ في أيدي أصحابِ الزينةِ، وأدركُوا أنَّ ما كانوا يتحاشُون ذكرَهُ ويظنونَ بعيدًا ماثلًا أمامَهُم، وهذا يعطيكَ دلالةً على أنَّ الإنسانَ سيتركُ ما خلفَهُ وراءِ ظهرهِ مِن مالِهِ وولدِهِ الذي طالمَا دافعَ عنهم، ونافحَ مِن أجلِهِم، ولن ينفعَهُ سوى عملِهِ الصالحِ قالَ ربُّنَا: ﴿وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْناكُمْ وَراءَ ظُهُورِكُمْ وَما نَرى مَعَكُمْ شُفَعاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ ما كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ﴾ وعَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا» قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ النِّسَاءُ وَالرِّجَالُ جَمِيعًا يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا عَائِشَةُ الْأَمْرُ أَشَدُّ مِنْ أَنْ يَنْظُرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ» ([4])
تطاير الصحف: إنَّ يومَ الحسابِ سيفاجَىءُ الناسُ بوضعِ الموازينَ القسطِ، وعرضِ الكتابِ، إنَّه صحائفُ الأعمالِ التي خلفُوهَا في دنياهُم، لقد مضتْ الحياةُ كالسرابِ بزخارفِهَا ومآسِيهَا، وآثامِهَا، وغرورِهَا ومتعِهَا، ولم يبقَ منها سوى "الباقياتِ الصالحاتِ" ﴿وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا﴾ فلا مجالَ للإنكارِ، لا مجالَ للتظلمِ والنقضِ، فقد وضحتْ الحقائقُ، وأقيمتْ الحججُ، وأدلَى الشهودُ العدولُ مِن الجوارحِ والأعضاءِ بشهاداتِهِم، وهم يدركونَ شعارَ الحقِّ ﴿لا ظُلْمَ الْيَوْم﴾.
فرار المرء من أقرب الناس إليه: كل واحدٍ منَّا سيحاسبُ بمفردِهِ دونَ أنْ يكونَ معهُ أحدٌ ﴿يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ﴾، فليعدْ للسؤالِ جوابًا، ولينظرْ ماذا قدمَ لنفسِهِ، وماذا سيقولُ عندمَا يقفُ للعرضِ أمامَ الملكِ الديانِ فعَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:«مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا سَيُكَلِّمُهُ اللهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ، فَيَنْظُرُ أَيْمَنَ مِنْهُ فَلَا يَرَى إِلَّا مَا قَدَّمَ، وَيَنْظُرُ أَشْأَمَ مِنْهُ فَلَا يَرَى إِلَّا مَا قَدَّمَ، وَيَنْظُرُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلَا يَرَى إِلَّا النَّارَ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ، فَاتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ» ([5])
ستر العبد أو فضيحته: عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِابْنِ عُمَرَ كَيْفَ سَمِعْتَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: فِي النَّجْوَى؟ قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: " يُدْنَى الْمُؤْمِنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ، حَتَّى يَضَعَ عَلَيْهِ كَنَفَهُ، فَيُقَرِّرُهُ بِذُنُوبِهِ، فَيَقُولُ: هَلْ تَعْرِفُ؟ فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ أَعْرِفُ، قَالَ: فَإِنِّي قَدْ سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا، وَإِنِّي أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ، فَيُعْطَى صَحِيفَةَ حَسَنَاتِهِ، وَأَمَّا الْكُفَّارُ وَالْمُنَافِقُونَ، فَيُنَادَى بِهِمْ عَلَى رُءُوسِ الْخَلَائِقِ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللهِ " ([6])
ذبح الموت: عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يُؤْتَى بِالْمَوْتِ كَهَيْئَةِ كَبْشٍ أَمْلَحَ، فَيُنَادِي مُنَادٍ: يَا أَهْلَ الجَنَّةِ، فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ، فَيَقُولُ: هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، هَذَا المَوْتُ، وَكُلُّهُمْ قَدْ رَآهُ، ثُمَّ يُنَادِي: يَا أَهْلَ النَّارِ، فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ، فَيَقُولُ: وهَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، هَذَا المَوْتُ، وَكُلُّهُمْ قَدْ رَآهُ، فَيُذْبَحُ ثُمَّ يَقُولُ: يَا أَهْلَ الجَنَّةِ خُلُودٌ فَلاَ مَوْتَ، وَيَا أَهْلَ النَّارِ خُلُودٌ فَلاَ مَوْتَ، ثُمَّ قَرَأَ: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ} [مريم: 39]، وَهَؤُلاَءِ فِي غَفْلَةٍ أَهْلُ الدُّنْيَا {وَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ} [مريم: 39] "([7])
ومعنى: (يؤتى الموت) أي يجسد ويؤتى به. (كهيئة) كخلقة. (كبش) ذكر الغنم. (أملح) أبيض يشوبه سواد. (فيشرئبون) يمدون أعناقهم لينظروا. (خلود) استمرار وعدم فناء.
طلب الموت للتخلص من العذاب: قال تعالى: { وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ (77) } سورة الزخرف
(ونادوا يا مالك) أي نادى المجرمون هذا النداء، والإتيان بالماضي على حد (أتى أمر الله) ومالك هو خازن النار، قرأ الجمهور بغير الترخيم، وقرىء يا مال بالترخيم، قيل لابن عباس: إن ابن مسعود قرأ يا مال، فقال ما أشغل أهل النار عن الترخيم (ليقض علينا ربك) بالموت من قضى عليه إذا أماته قال تعالى: (فوكزه موسى فقضى عليه) توسلوا بمالك خازن النار إلى الله سبحانه ليسأله لهم أن يقضي عليهم بالموت ليستريحوا من العذاب، وقال البيضاوي: هو لا ينافي إبلاسهم فإنه جؤار وتمن للموت من فرط الشدة.
(قال إنكم ماكثون) أي مقيمون في العذاب، هانت والله دعوتهم على مالك وعلى رب مالك قيل سكت عن إجابتهم أربعين سنة قاله الخازن والسنة ثلاثمائة وستون يوماً واليوم كألف سنة مما تعدون قاله القرطبي وقيل: ثمانين سنة، وقيل مائة سنة وقال ابن عباس يمكث عنهم ألف سنة ثم يجيبهم بهذا الجواب ([8]).
شتان بين محكمة الدنيا ومحكمة الآخرة: هناك فرق كبير بين المحكمة في الدنيا وما يحكم الله به يوم القيامة، الملفات غير سِرية : قال تعالى: ﴿ونُخرِجُ لَهُ يَوْمَ القِيامَةِ كِتاباً يَلقاهُ مَنْشُوراً﴾.
والحضور تحت حراسة مشددة : قال تعالى: ﴿ وَجَاءتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ ﴾.
والظُّلم مستحيل : قال تعالى: ﴿وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ﴾.
وليس هناك محامٍ يدافع عنك : قال تعالى: ﴿اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً﴾.
والرشوة والواسطة مستحيلة: قال تعالى: ﴿يَوْمَ لا يَنفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ﴾.
ولا يوجد تشابه أسماء كما قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيَّاً﴾.
ولا يوجد حكم غيابي : قال تعالى: ﴿وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ﴾.
لا يوجد نقضٌ أو إستئناف : قال تعالى: ﴿مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ﴾.
ولا يوجد شهود زور: قال تعالى: ﴿ يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }.
ولا توجد ملفات منسيَّة : قال تعالى: { أحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ ۚ } .
وميزان دقيق للأعمال : {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَىٰ بِنَا حَاسبين } .
ولا تأخير في المحاكمة: قال تعالى: ﴿إِنَّ اللّهِ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾.
شهود لا يعدلون عن الحق: ومن بين هؤلاء الشهود الأرض كما قال تعالى (إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا (1) وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا (2) وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا (3) يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (4) بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا (5) )
وقوله ( يومئذ تحدث أخبارها) وأخبارها أن تشهد على كل عبد أو أمه بما عمل على ظهرها .
وكذلك الملائكة الذين يكتبون علينا أعمالنا ويسجلون علينا سيئاتنا وحسناتنا: قال تعالى (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ (12))
وقال تعالى ( أم يحسبون أن لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون) .
وسوف يأمرك الله جـل وعـــــلا بأن تقرأه عندما تقف بين يديه قال تعالى (" ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا * اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا")
وقال تعالى: ( ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحداً).
وكذلك الجوارح التي هي من نعم الله علينا: اليدان والقدمان واللسان والعينان والأذنان بل وسائر الجلود...
وقال تعالى: { الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (65) }
وقال تعالى: { حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (20) وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (21) وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ (22) وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23) فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ (24)}
وكذلك أعظم الشهود وهو الملك سبحانه وتعالى، كما قال سبحانه: { سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (53) أَلَا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَاءِ رَبِّهِمْ أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ (54)}
وإذا كان الأمر كذلك فلابد من اغتنام الأوقات قبل الندامة والحسرة، قال تعالى (وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ * أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَىٰ مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ) (الزمر 55، 56)
وقال سبحانه: (اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لَّا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُم مِّن مَّلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُم مِّن نَّكِيرٍ) (الشورى 47)
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرَجُلٍ وَهُوَ يَعِظُهُ: " اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هِرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاءَكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ ([9])
فاللهم إنا نسألك العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة.
وصلِّ اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
جمع وترتيب الشيخ أحمد أبو عيد
01098095854
تعليقات: (0) إضافة تعليق