الحمد لله ربَّ العالمين، أكرمنا بإتباع هذا الدِّين، وأرسل لنا سيِّد الأولين والآخرين، وأرسل معه ما به سعادتنا في الدنيا ويوم الدين.
سبحانه .. سبحانه، جعل العزَّ في طاعته، وجعل الذلَّ والخزي في مخالفته وعصيان أمره. السعيد هو التَّقِيّ، والبعيد عن دِينِ الله هو الشَّقِيّ.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إِلَهٌ لطيفٌ بِخَلْقِه، رحيمٌ بعباده، لم يكلِّفنا بما فوق طاقاتنا، ولم يأمرنا بشيء فيه عنت ومشقة علينا أو لنا، وإنَّما أوجب علينا دِيناً شيمته اليُسْر، وخصيصته التي يبتغي بها رفع الحرج والمشقة: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ [78 الحج].
وأشهد أن سيدنا محمدًا عَبْدُ اللهِ ورسولُه، وصفيُّه مِنْ خَلْقِهِ وخليلُه، الذي ما خُيِّرَ بين أمرين إلا واختار أيسرهما ما لم يكن إثماً.
اللهم صلِّ وسلِّمْ وباركْ على سيدنا محمد، الذي أعطاه الله عزَّ وجلَّ مع العسر يسرين، ولن يغلب عسرٌ أبدًا يسرين، فقال له عزَّ شأنه: ﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا. إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾ [5، 6الشرح].
فصلوات الله وسلامه على هذا النَّبِيِّ الكريم، الذي خاطب أمته فقال: (إنِّما بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِين)[رواه ابوداود عن أبي هريرة رضي الله عنه ]، وخاطب علماء أمته والقائمين بدعوته إلى يوم الدين فقال: {يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا}[متفق عليه من حديث أنس رضي الله عنه]
صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه، صلاةً وافرة بالفضل من الله إليه، وعامة بالفضل جميع أبنائه إلى يوم العرض عليه، ونحن معهم أجمعين، آمين يا ربَّ العالمين. أما بعد ...
فيا أيها الأخوة المؤمنون:
يقول الله تعالى
" يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا" (1 النساء) وقال سبحانه :
"وَأُولُوا الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ"[الأنفال: 75]
صلة الأرحام أمرنا الله بها في كتاب الله وأوصانا بها سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فنحن ننفذها طلبا لمرضاة الله وعملا بقول الله " وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ" [7الحشر]. لكن الذي اتعب الناس في هذا الزمان أنهم يصلون أرحامهم من أجل مصلحة أو منفعة وأقل نوع من المنفعة أننا نعامل أرحامنا بالمثل ولكن المفروض أننا نعاملهم لله فإذا زرت أحدهم فلا أنتظر رد الزيارة وإذا عيدت علي واحد منهم يوم العيد فلا أنتظر منه الزيارة لأنني ذاهب لله ولكننا أخذنا الزيارة مقابل الزيارة فمثلا إذا سألت أحدا لماذا لم تعيد علي فلان؟ يقول لك لأنني ذهبت إليه العيد الماضي ولكنه لم يأت إليّ فلماذا أذهب له فنحن جعلنا شيء مقابل شيء فهل الدين كذلك؟
و قد قال النبي صلى الله عليه وسلم عندما جاءه رجل وقال له: يا رسول الله، إن لي قرابةً أصلهم ويقطعوني، وأُحسن إليهم ويسيئون إلي، وأحلمُ عنهم ويجهلون علي. فقال: ( لئن كنت كما قلت فكأنما تُسفّهم الملّ، ولا يزال معك من الله ظهيرٌ عليهم ما دمت على ذلك ) (رواه الإمام مسلم عن أبي هريرة)
فالمسلم يعمل لله ولا ينتظر الرد من الناس لأننا نأخذ الأجر من الله فإذا انتظرنا الرد فليس لنا أجر عند الله .
قال صلى الله عليه وسلم (ليس الواصل بالمكافئ ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها) (البخاري عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما )
والنبي صلى الله عليه وسلم أوصانا بصلة الأرحام لما فيها لنا من عظيم الأجر من الله في الدنيا والآخرة فقال صلى الله عليه وسلم : «من سره أن يبسط له في رزقه وأن ينسأ له في أثره فليصل رحمه» (متفق عليه عن أنس رضي الله عنه)
وصلة الرحم تجعل عمر الإنسان مباركاً يستغله في الصالحات والطاعات، ولا يستنزفه في المعاصي والمحذورات، وصلة الأرحام أكَّد عليها نبينا الكريم لأنها من أخلاق المؤمن فقال صلى الله عليه وسلم :(صلة الرحم، وحسن الخلق، وحسن الجوار، يعمُرن الديار، ويزدن في الأعمار) (أخرجه الإمام احمد والبيهقي عن عائشة رضي الله عنها ) فيجب علينا في هذا اليوم صلة الرحم وبر الوالدين والإحسان إلى الجيران والعفو عمن آذى، وطلب العفو من المظلوم، والتقرب إلى الله ببذل فضل المال إلى الفقراء، حتى يكون تقرب إلى الله بماله ونفسه، وبذل في سبيل الله ما يبخل به غيره، وبذلك أبشره أنه صار ممن يحبهم الله تعالى بدليل قوله عز وجل ( لا يَزَالُ يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ، كنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا. فَإِنْ سَأَلَنِي عَبْدِي، أعْطَيْتُهُ، وَإِنِ اسْتَعَاذَنِي، أَعَذْتُهُ ) (البخاري ومسلم عن أبي هريرة)
أو كما قال أدعو الله وانتم موقنون بالإجابة
***
الخطبة الثانية:
الحمد لله ربِّ العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،
وأشهد أن سيدنا مُحَمَّداً عبدُهُ ورسولُه.
اللهم صلِّ وسلِّمْ وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم، وأعطنا الخير وادفع عنا الشر، ونجِّنا واشفنا وانصرنا على أعدائنا يا ربَّ العالمين. أما بعد ...
فيا أيها الأخوة المؤمنون:
من وصل رحمه وصله الله عز وجل: فعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (قال الله عز وجل: أنا الله وأنا الرحمن خلقت الرحم وشققت لها اسماً من اسمي فمن وصلها وصلته ومن قطعها قطعته، وفي رواية: (بتته أي قطعته) (متفق عليه) يعني قطيعة نهائية فلماذا أضع نفسي في هذا الأمر والأمر فيه تيسير علينا أجمعين فمن الذي يعسر عليه الآن صلة الأرحام؟ في أي مكان في الأرض. والنبي صلى الله عليه وسلم يقول لنا (صل من قطعك، وأعط من حرمك، وأعف عمن ظلمك) (رواه احمد في مسنده عن عقبة بن عامر )
وهناك رحم أوسع وهي رحم الإيمان التي قال فيها الله
"إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ"(10 الحجرات) والتي قال لنا فيها سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : (حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ ) قِيلَ مَا هُنَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ : قَالَ ( إِذَا لَقِيتَهُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ وَإِذَا دَعَاكَ فَأَجِبْهُ وَإِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصَحْ لَهُ وَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ فَسَمِّتْهُ وَإِذَا مَرِضَ فَعُدْهُ وَإِذَا مَاتَ فَاتَّبِعْهُ ) (رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه)
فيجب علينا أن نتعلم هذه الحقوق فإذا أنا قلت مثلا أن فلانا هذا سوف لا ألقي عليه السلام أبدا من الذي سيطالبني بهذا الحق؟ رب العزة فلان مريض ولا أذهب لزيارته لأنه لم يزرني في مرضي فيأتي الله يوم القيامة ويقول (عبدي مرضت فلم تعدني )فيقول العبد سبحانك تنزهت كيف تمرض وأنت رب العالمين فيقول (مرض عبدي فلان ولم تعده ولو عدته لوجدتني عنده) فمن الذي يأخذ الحق المريض أم الله. فيقول (عبدي جعت ولم تطعمني) فيقول العبد كيف تجوع وأنت رب العالمين فيقول (جاع عبدي فلان ولم تطعمه ولو أطعمته لوجدت ذلك عندي يا بن آدم، استسقيتك فلم تسقني. قال: يا رب كيف أسقيك وأنت رب العالمين؟ قال: استسقاك عبدي فلان فلم تسقه؟ أما إنك لو سقيته لوجدت ذلك عندي (رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه )
فهذه الآداب يجب أن نعرفها ونعمل بها لأن الذي سيحاسبنا عليها هو رب العزة عز وجل وليس أحد غيره ونعمل بها طلبا لمرضاة الله وابتغاء لوجه الله لا من أجل أحد سواه سبحانه وتعالي فالإنسان يتعامل مع الله وليس له شأن بخلق الله ... ثم الدعاء
تعليقات: (0) إضافة تعليق