الحمد لله المجيب لكل سائل , التائب على العباد فليس بينه و بين العباد حائل .جعل ما على
الأرض زينة لها , و كل نعيم لا محالة زائل . حذر
الناس من الشيطان وللشيطان منافذ وحبائل .فمن أسلم وجهه لله فذاك
الكيّسُ العاقل , ومن استسلم لهواه فذاك الضال الغافل .و نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تنزه عن الشريك وعن الشبيه وعن المشاكل.من للعباد غيره ؟ومن يدبر
الأمر ؟ ومن يعدل المائل ؟من يشفي المريض ؟ من يرعى الجنين
في بطن الحوامل ؟من يجيب المضطر إذا دعاه ؟ ومن استعصت على قدرته المسائل ؟من لنا إذا انقضى الشباب وتقطعت بنا الأسباب و الوسائل ؟ذاك هوالله وكل ما خلا الله باطلُ .
لبست ثوب الرجا و الناس قد رقدوا وقمت إلى مولاي أشكو ما أجد
وقلت ياعدتي في كل نائبة ومن عليه لكشف الضر أعتمد
أشكو اليك أمورًا أنت تعلمها مالي على حملها صبرٌ ولا جلدُ
وقد مددت يدي اليك بالذل مبتهلا يا خير من مددت اليه يد
فلا تردنها يا رب خائبة فبحر جودك يروي كل ما يرد
ونصلي ونسلم على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم
ما جرا أثواب الحرير و ما مشى التاج من فوق الجبين مرصعًا
جاءت له الدنيا فأعرض زاهد ًا يبغي من الأُخرى المكان الأرفعًا
من ألبس السعادة حلةً فضفاضة لبس القميص مرقعًا
و هو الذي لو شار ملئت كفه كل الذي فوق البسيطة أجمعا .
إلهي لا تعذبني فإني = مقر بالذي قد كان مني
ومالي حيلة إلا رجائي = وعفوك إن عفوت وحسن ظني
فكم من زلة لي في البرايا = وأنت علي ذو فضل ومن
إذا فكرت في ندمي عليها = عضضت أناملي وقرعت سني
يظن الناس بي خيراً وإني = لشر الناس إنلم تعف عني
أما بعد
﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)
وفي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( إِنَّ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَهْدًا لِمَنْ يَشْرَبُ الْمُسْكِرَ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ)). قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا طِينَةُ الْخَبَالِ؟ قَالَ: (( عَرَقُ أَهْلِ النَّارِ، أَوْ عُصَارَةُ أَهْلِ النَّارِ)
المخدرات: كم هيجت من حرب؟.. وأفقرت من غني؟.. وذلت من عزيز؟.. ووضعت من شريف؟.. وسلبت من نعمة؟.. وجلبت من نقمة؟.. وكم فرقت الخمور والمخدرات بين رجل وزوجته؟.. فذهبت بقلبه وراحت بلبّه. وكم أورثت من حسرة أو جرّت من عبرة؟.. وكم أغلقت الخمور والمخدرات في وجه شاربها باباً من الخير، وفتحت له باباً من الشر؟
المخدرات كم أوقعت في بلية وعجّلت من منية؟ المخدرات كم جرّت على شاربها من محنة، وأدخلته في فتنة؟ فهي جماع الإثم ومفتاح الشر، وسلاّبة النعم، وجلاَّبة النقم.
فمفاسدها كثيرة؛ منها ما عرفه الناس، ومنها ما لم يُعرف بعد فشرب الخمور والمخدرات كبيرة من كبائر الذنوب.. فهي أم الخبائث.. ومفتاح كل شر.. تغتال العقل.. تستنزف المال.. تصدع الرأس.. كريهة المذاق.. رجس من عمل الشيطان؛ توقع العداوة والبغضاء بين الناس.. وتصد عن ذكر الله وعن الصلاة، تدعو إلى الزنا، وربما دعت إلى الوقوع على البنت والأخت وذوات المحارم، المخدرات تذهب الغيرة وتورث الخزي والندامة والفضيحة.. وتلحق شاربها بالمجانين.. تهتك الأستار.. تظهر الأسرار.. تدل على العورات.. تهوِّن ارتكاب القبائح والمآثم.. تخرج من القلب تعظيم المحارم.. ومدمنها كعابد صنم.
عباد الله .. إن الله تبارك وتعالى قد أحل لعباده الطيبات من المآكل والمشارب، وحرم عليهم الخبائث التي تعود عليهم بالضرر في أنفسهم وأموالهم وأعراضهم، فقال: ﴿ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [الأعراف: 157
ويقول عليه الصلاة والسلام: " أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا، وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ فَقَالَ: ﴿ يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ﴾ [المؤمنون: 51
فمهما تغير شكلها ولونها في حرام فعن أَبى مَالِكٍ الْأَشْعَرِيُّ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " لَيَشْرَبَنَّ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي الْخَمْرَ يُسَمُّونَهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا "سنن ابى داود وعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” لَيَسْتَحِلَّنَّ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي الْخَمْرَ بِاسْمٍ يُسَمُّونَهَا إِيَّاهُ ” صحيح الجامع.
لقد أطلقوا اليوم على الخمر أسماءً متعددة من باب التغطية، فكما جاء في الحديث يسمونها بغير اسمها، فسموها المشروبات الروحية، والبيرة، ومشروب الشعير، والمقويات، والمسهرات، وغير ذلك من الأسماء، وفي الحقيقة هي المدمرات!!!
ولذلك لعنها الله تعالى ولعن كل من شارك فيها وَلَعَنَ كُلَّ مَنِ اقْتَرَبَ مِنْهَا؟ من قريب او من بعيد حتى لعن الله في الخمر عشرة فعن ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَعَنَ اللَّهُ الْخَمْرَ وَشَارِبَهَا وَسَاقِيَهَا وَبَائِعَهَا وَمُبْتَاعَهَا وَعَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ وآكل ثمنها " [ أخرجه أبو داود والترمذي وأحمد وابن ماجة، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 5091
أسباب انتشار المخدرات بين الشباب:
من أهم أسباب انتشار المخدرات
اولا : من يشرب الخمريعتقد أنها تجعل المرء يعيش في عالم من الخيالات الحالمة التي ينسى بها فقره وألمه وأحزانه، وهو والله وهم كبير ولذة عاجلة وكان المشركون في الجاهلية يشربون الخمر شرب المُغْرَمِ بها حتى الموت، لأنها تنسيهم الواقع المرير وتجعلهم في غفلة دائمة.
ثانيا : ومن أهم أسباب انتشار المخدرات أصدقاء السوء فقد أثبتت الدراسات أن أكثر من ثمانين بالمائة من الشباب الذين يتعاطون المخدرات كان وراءهم رفقاء السوء وإذا جلَستُ مع عشرات التائبين، وقرأت قصص النادمين، وحسرات المدمنين، تجدهم - بلا استثناء - يجمعوا على أن السبب الأول في الوقوع في الهاوية هم جلساء السوء، لكنهم عرفوا بعد فوات الأوان..
فالإنسان إذا خالط أمثال هؤلاء لم يقولوا: تعالوا نصلي، قم نصلي الوتر، قم نصلي صلاة الليل، تعال نتصدق، تعال نحضر درسًا، كلا، بل يحاولون أن يبحثوا عما يسلون به وقتهم، وربما أوقعوه في أنواع من هذه المخدرات لذلك فإني أوصيك أخي الشاب بتقوى الله، واختيار الصديق العاقل، ومجالسة الصالحين
ثالثاً: ومن أهم أسباب انتشار المخدرات:إهمال الوالدين، وسوء التربية، ومن أراد الدليل على إهمال بعض الآباء فولا يتابعهم في ذهابهم وإيابهم، ولا يدري مع من يمشون ويصاحبون ويجيئون ويغدون، لا يلومَنَّ إلا نفسه يوم يقع أحد أبنائه
فالأصابع التي اعتادت على سيجارة التدخين لا تصعب عليها سيجارة المخدرات ! وهكذا تبدأ النهاية!.فأين آباء وأمهات هؤلاء؟
ولهذا فلْيتق اللهَ الآباءُ في القيام بهذه المهمة العظيمة، وليستحضروا قول الله عز وجل: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ﴾ [التحريم: 6]، ويستحضروا قول النبي صلى الله علي وسلم: "كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته" وليهتم الآباء بمراقبة أبنائهم ومتابعتهم، وليحرصوا على القيام بهذه الأمانة والمسؤولية، فسيسألهم ربهم ويحاسبهم يوم القدوم عليه على هذه الأمانة أمانة تربية الأولاد والأبناء، والله تعالى يقول: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾
رابعاً: ومن أهم أسباب انتشار المخدرات: المشاكل الأسرية، والتي قد تنتهي بالطلاق، ثم يتزوج الأب وتتزوج الأم ويتركوا الأولاد لا يجدون من يرعاهم ومن يهتم بهم وينقسم البيت إلى فريقين! ومن ثم الفرار إلى الخمور والمخدرات ملاذا ومهربا من ضغط المشاكل الأسرية.
خامساً "ومن أهم أسباب انتشار المخدرات أيضا:: الْهُرُوبُ مِنَ الْوَاقِعِ السَّيِّئِ، وَمِنْ مشاكل الحياة ومَصَائِبِ الدُّنْيَا وَهمومها، كفقد الأهل والأحباب، أو الفشل في العمل أو الزواج، أو الدراسة أو المرض أو الْفَقْرِ والحاجة للمال، وَتَرَاكُمِ الدُّيُونِ، وَضِيقِ الْعَيْشِ، وغيرها من مشاكل الدنيا فيصاب الإنسان بالإحباط واليأس، ولا يجد ملاذا سوى الخمور والمخدرات فَيَظُنُّ هَذَا الْمِسْكِينُ أَنَّ سَبِيلَ الْمُخَدِّرَاتِ يُخَفِّفُ عَنْهُ وَمَا عَلِمَ أَنَّهَا نَفَقٌ مُظْلِمٌ، وَنِهَايَةٌ سَوْدَاءُ مَأْسَاوِيَّةٌ إِنْ لَمْ يَتَدَارَكْهُ اللهُ بِرَحْمَتِهِ .
وأخيرا؛ فإن من أهم وأعظم أسباب انتشار المخدرات أيضا:ضعف الإيمان، وانعدام الخوف من الله، أو ما يسميه أهل التربية ضعف الوازع الديني، وقد قلتها مرارا: إن ضياع الإيمان سبب للإدمان
خطورة الإدمان
الأضرار الصحية للخمور والمخدرات:
دُعي أحد الأطباء لإلقاء محاضرة في مركز للمدمنين عن أضرار الخمر فأحضر معه حوضان زجاجيان: الأول فيه ماء، والثاني فيه خمر ووضع دودة في الماء فسبحت، ثم وضعها في الخمر فتحللت وذابت حينها نظر إلى المدمنين سائلاً: هل وصلت الرسالة؟!فكان الجواب نعم!
الأضرار النفسية والعقلية: - تورث الخمور والمخدرات كثيرا من الأضرار النفسية والعقلية منها: القلق والاكتئاب؛ والتوتر العصبي والنفسي؛ والهلاوس أو رؤية أشباح لا وجود لها؛ واضطراب الذاكرة وكثرة النسيان، وقد يصاب المدمن في بعض الحالات بفقدان الذاكرة أو الجنون؛ والانطواء والعزلة، والشعور بالإحباط؛ وانفصام الشخصية.
ومن اضرار الإدمان كثرة الحوادث وارتكاب الموبقات: فقد أثبتت الإحصاءات أن:
1- ثلث عدد الحوادث في الانتحار ومحاولاته تكون بين المدمنين.
2- أن 13 - 72 % من حوادث الاغتصاب سببها المخدرات.
3- أن 13 - 50 % من حوادث القتل سببها المخدرات.
4- في استراليا أكثر من 50 %من الجرائم سببها المخدرات.
5- ثلثي وفيات حوادث الطرق بسبب المخدرات. ونسبة كبيرة من الحوادث تقع بسبب تعاطي المخدرات والمسكرات، مما يؤثر على أمن وسلامة الناس في الطرقات، وفي دراسة أجريت بفرنسا تبين أن 90% من حوادث السيارات تنجم عن تعاطي الخمور.
قصص عن شارب الخمر
القصة الأولي
أخرج عبد الرزاق في مصنفه أن عثمان بن عفان خطب الناس فقال: اجتنبوا الخمر، فإنها أم الخبائث، إن رجلاً ممن كان قبلكم، كان يتعبد ويعتزل النساء، فعلقته امرأة غاوية، فأرسلت إليه أني أريد أن أشهدك بشهادة، فانطلق مع جاريتها، فجعل كلما دخل باباً أغلقته دونه، حتى أفضى إلى امرأة وضيئة، وعندها باطية فيها خمر، فقالت: إني والله ما دعوتك لشهادة، ولكن دعوتك لتقع علي، أو لتشرب من هذا الخمر كأساً، أو لتقتل هذا الغلام، وإلا صحت بك وفضحتك، فلما أن رأى أن ليس بد من بعض ما قالت، قال: اسقيني من هذا الخمر كأساً - ففي ظنه أن الخمر أهونها مصيبة، وأقلها ضرراً - فسقته، فقال: زيديني كأساً، فشرب فسكر، فقتل الغلام، ووقع على المرأة، فاجتنبوا الخمر، فوالله لا يجتمع الإيمان وإدمان الخمر في قلب رجل إلا أوشك أحدهما أن يخرج صاحبه " [ المصنف 9 / 236 ]، فانظروا عاقبة شرب الخمر، أوقعت في قتل النفس المعصومة، وتسببت في الوقوع في الفاحشة والرذيلة، فيالها من عاقبة وخيمة، ونهاية مؤلمة لمن ألف الخمر وشربها، والمخدرات وتعاطيها.
القصة الثانية
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن ملكاً من ملوك بني إسرائيل أخذ رجلاً فخيره بين أن يشرب الخمر، أو يقتل نفساً، أو يزني، أو يأكل لحم خنزير، أو يقتلوه إن أبى، فاختار الخمر، وإنه لما شرب الخمر، لم يمتنع من شيء أرادوه منه " أخرجه الطبراني بإسناد صحيح، وصححه الألباني في الصحيحة برقم 2695 -.
وكم من شارب للخمر ومتعاط للمخدرات قد وقع فيما هو أعظم وأخطر من مجرد الشرب أو التعاطي، من قتل للأنفس البريئة بلا قصد، أو قتل متعمد، أو حادث مروري بسبب التعاطي، أو حتى قتل لنفسه، فالمخدرات تؤدي إلى الهلاك والدمار، والخزي والعار، وتوصل إلى دار البوار، شارب الخمر لا محالة سيفقد عقله، ومن فقد عقله بيده، وباختياره فهو مؤاخذ بأفعاله وأقواله.
لكن لو تاب شارب الخمر منها بصدق، فالله يقبل التوبة، ويشرب من خمر الآخرة بإذن الله تعالى يوم القيامة، ويشهد لذلك ما رواه ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الدُّنْيَا، لَمْ يَشْرَبْهَا فِي الْآخِرَةِ، إِلَّا أَنْ يَتُوبَ " أخرجه مسلم ولذلك تاب منها أبو محجن الثقفي رضي الله عنه
القصة الثالثة .
أبي محجن الثقفي - رضي الله عنه - ذلكم الفارس المغوار الذي إذا نزل الميدان أظهر البطولة والرجولة ولكنه ابتلي بإدمانه لشرب الخمر !! ومع ذلك تراه جنديًا في صفوف القادسية خرج للقتال !! وفي ميدان البطولة والشرف أتى به لقائد الجيش سعد ابن أبي وقاص - رضي الله عنه - لأنه قد شرب الخمر , فأمر سعد بن أبي وقاص (خال رسول الله) أن يمنع أبو محجن من المشاركة في المعركة وأن يقيد حتى تنتهي المعركة لأنه لا تقام الحدود في أرض العدو... وقيد أبو محجن وبدأت المعركة وارتفعت أصوات الأبطال وقعقعت السيوف والرماح وتعالت أصوات الخيول وفتحت أبواب الجنة (
فصعد أبو محجن الثقفي بعد أن دخل الليل إلى سعد،وهو مشرف من فوق القصر، يستعفيه ويسترضيه، ويسأله أن يفك قيده ويسمح له بالقتال، فزجره سعد ورده إلى محبسه، فنزل إليه، ثم جاء إلى امرأة سعد فقال : يا سلمى، يا بنت آل خصفة، هل لك إلى خير ؟ قالت : وما ذاك ؟ قال : «تخلين عني وتعيرني البلقاء (فرس سعد)، فلله علي إن سلمني الله أن أرجع إليك، حتى أضع رجلي في قيدي» فقالت : ما أنا وذاك، فرجع إلى مكانه يرسف في قيوده ويقول :
كفى حزنًا أن ترتدي الخيل بالقنا وأترك مشدودًا علي وثاقيا
إذا قمت عناني الحديد وغلقت مصارع دوني قد تصم المناديا
وقد كنت ذا مال كثير وإخوت وقد تركوني واحدا لا أخا ليا
وقد شارق جسمي أنني كل شارق أعالج كبلا مصمتًا قد برانيا
فلله دري يوم أترك موثقًا ويذهل عني أثرتي ورجاليا
حبسنا عن الحرب العوان وقد وأعمال غيري يوم ذاك
فلله عهدٌ لا أخيس بعهده لئن فرجت أن لا أزور الحوانيا
فراجعت سلمى نفسها، وقالت :إني استخرت الله، ورضيت بعهدك، فأطلقته،وقالت : أما فرس فلا أعيرها، ورجعت إلى بيتها، فاقتاد أبو محجن الفرس، فأخرجها من الباب الخلفي للقصر المواجه للخندق - وكان يقال لها : البلقاء - فركبها ثم دب عليها، واتجه إلى الميمنة حيث قومه من بني ثقيف، فكبر،وحمل على بيرة الفرس، يلعب برمحه وسيفه بين الصفين، ثم رجع من خلف المسلمين، واتجه إلى الميسرة، فكبر وحمل على ميمنة المجوس، يلعب بين الصفين برمحه وسلاحه، ثم رجع من خلف المسلمين إلى القلب، فبرز أمام الناس، فحمل على العجم يلعب بين الصفين برمحه وسلاحه، فكأن يقصف المجوس ليلتئذ قصفًا منكرًا، ولا يحمل على رجل إلا قتله، ودق صلبه، والناس منه في أشد العجب، وهم لا يعرفونه،ويغلب على ظننا أنه كان ملثمًا، إذ لو كان حاسر الوجه لعرفوه، ولم يكن أحد قد رآه بالنهار .
وكان سعد من أحد الناس بصرًا، فجعل ينظر إليه في ظلام الليل وهو مشرف مكب من فوق القصر ويقول : «من ذلك الفارس ؟ » الضبر ضبر البلقاء، والطعن طعن أبي محجن، وأبو محجن في القيد، والله لولا محبس أبي محجن لقلت : هذا أبو محجن، وهذه البلقاء وقال بعضهم : لولا أن الملائكة لا تباشر القتال لقلنا : ملك يثبتنا.... ولا يذكر الناس أبا محجن ولا يأبهون له، لعلمهم أنه بات في محبسه .
وانتصف الليل، فتحاجز العجم وتراجع المسلمون، وأسرع أبو محجن فأقبل حتى دخل من حيث خرج، ووضع عن نفسه وعن دابته، وأعاد رجليه في قيده فقالت له امرأته ـــ أو أم ولده: كيف كان قتالكم؟ فجعل يخبرها، ويقول: لَقِينا ولَقينا، حتى بعث الله رجلًا على فرس أَبْلَقَ، لولا أني تركْتُ أبا محجن في القيود لظننت أنها بعضُ شمائل أبي محجن. فقالت: والله إنه لابُو محجن، كان من أمره كذا وكذا... فقصَّت عليه قصته، فدعا به، وحَلَّ قيوده، وقال: والله لا نجلدك على الخمر أبدًا. قال أبو محجن: وأنا والله لا أشربها أبدًا؛ كنت آنف أن أَدَعها من أجل جلدكم. قال: فلم يشربها بعد ذلك.
ويكفي في شارب الخمر عقوبة في الأخرة أنه يشرب مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ قال رسول الله إِنَّ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَهْدًا لِمَنْ يَشْرَبُ الْمُسْكِرَ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ " قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ: وَمَا طِينَةُ الْخَبَالِ؟ قَالَ: " عَرَقُ أَهْلِ النَّارِ أَوْ عُصَارَةُ أَهْلِ النَّارِ " [ أخرجه مسلم والنسائي
وتحرم عليه الجنة فعن عَبْدُاللَّهِ بْنُ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " ثَلَاثَةٌ قَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَنَّةَ: مُدْمِنُ الْخَمْرِ، وَالْعَاقُّ، وَالدَّيُّوثُ الَّذِي يُقِرُّ فِي أَهْلِهِ الْخَبَثَ " [ أخرجه أحمد وغيره
ومن شرب الخمر في الدنيا لم يشربها يوم القيامة، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الدُّنْيَا، ثُمَّ لَمْ يَتُبْ مِنْهَا حُرِمَهَا فِي الْآخِرَةِ " [ أخرجه البخاري ومسلم ).
أما أهل الجنة لقد أعد الله تعالى في الآخرة لعباده المتقين اللذين طهروا أنفسهم من هذه الشهوات المحرمة لوجهه الكريم بديلاً طيباً، يقول تعالى: ﴿ مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آَسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ ﴾ [محمد:15)
كل ذلك وغيره مما لم تره عين، ولم تسمع به أذن، ولم يخطر على قلب بشر، أعده الله - عز وجل - لمن اتقاه وأطاعه؛ فمن ابتلي بهذه الكبيرة فليبادر إلى الإقلاع قبل فوات الأوان؛ فإن الموت لا موعد له، وأَولى ما يدخر له من الراحة القبر، فإن من ورائنا رقدة في القبر صباحها يوم القيامة.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم
الخطبة الثانية
سبل العلاج والوقاية من خطر الإدمان:
أيها المسلمون: إن علاج هذه الظاهرة يكون بتكاتف فئات المجتمع وذلك بالطرق التالية:
أولاً: الوعظ والتخويف من عقاب الله: فينبغي تذكير شارب الخمر وتخويفه من غضب الله عليه؛ وهذا ما فعله عمر بن الخطاب مع شارب الخمر؛ فقد روى ابن أبي حاتم بإسناده، عن يزيد بن الأصم، قال:‘'كان رجل من أهل الشام ذا بأس، وكان يوفد إلى عمر بن الخطاب، ففقده عمر، فقال: ما فعل فلان؟ فقالوا: يا أمير المؤمنين تتابع في هذا الشراب ( أي الخمر )، فدعا عمر كاتبه، فقال: اكتب: من عمر بن الخطاب إلى فلان بن فلان، سلام عليك، أما بعد، فإني أحمد الله الذي لا إله إلا هو‘'غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير'' غافر:3؛ ثم قال لأصحابه: ادعوا الله لأخيكم أن يُقبِل بقلبه ويتوب عليه. فلما بلغ الرجل كتاب عمر، جعل يقرأه ويردده، ويقول:‘'غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب''، قد حذرني عقوبته ووعدني أن يغفر لي. فلم يزل يرددها على نفسه، ثم بكى، ثم نزع فأحسن النزع - أي تاب فأحسن التوبة - فلما بلغ عمر خبره قال:‘'هكذا فاصنعوا إذا رأيتم أخاكم زلّ زلة فسدّدوه ووفقوه وادعوا الله أن يتوب عليه، ولا تكونوا أعوانا للشيطان عليه''.(رواه أبو نعيم في حلية الأولياء، وأورده القرطبي في تفسيره؛ والسيوطي في الدر المنثور
ثانيا: فرض عقوبة رادعة لمن يتناول الخمر والمسكرات: وليكن الهدف من العقاب هو ردع كل مَنْ تُسَوِّل له نفسه أن يُدمن المسكرات أو المخدِّرات، وليس التشفِّي أو الانتقام من صاحبها؛ فهو شخص مريض في حاجة إلى العلاج؛ لذلك عَمِل رسول الله على تأصيل هذه المعاني في نفوس الصحابة، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ، قَالَ: اضْرِبُوهُ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَمِنَّا الضَّارِبُ بِيَدِهِ، وَالضَّارِبُ بِنَعْلِهِ، وَالضَّارِبُ بِثَوْبِهِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ، قَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: أَخْزَاكَ اللَّهُ، قَالَ: لَا تَقُولُوا هَكَذَا، لَا تُعِينُوا عَلَيْهِ الشَّيْطَانَ " ( البخاري
ثالثا: تكثيف الرقابة الأمنية من جهة الدولة وذلك بضبط المتلبسين بهذه الجريمة ومحاسبتهم.
رابعا: كثرة التوعية والندوات؛ وذلك عن طريق الإعلام المرئي والمسموع والمقروء ومراكز الشباب والخطب والدروس والمحاضرات وجميع وسائل الاتصال الحديثة؛ تهدف إلى توضيح مخاطر الخمر والمخدرات على المستوى الثقافي والديني والاجتماعي والاقتصادي.
خامسا: التنشئة الأسرية: وذلك بتربية النشء على القيم والمبادئ الإسلامية لأن الأبوين هما المسئولان عنهم، وبين ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله:" كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، الْإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي مَالِ أَبِيهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ" ( متفق عليه) وقال أيضاً: " إنَّ اللهَ سائلٌ كلَّ راعٍ عما استرعاهُ، أحفظَ أم ضيَّعَ؟ حتى يُسألَ الرجلُ عن أهلِ بيتِه "( السلسلة الصحيحة: الألباني)
سادسا: تخير الصحبة الصالحة: لأن الصاحب ساحب والقرين بالمقارن يقتدي. وقد حث الإسلام على صحبة الصالحين والأخيار، وحذر من صحبة الأشرار، وفي الحديث الصحيح: " لَا تُصَاحِبْ إِلَّا مُؤْمِنًا وَلَا يَأْكُلْ طعامك إلا تقي
وفي الختام أهمس كلمة في أذن المدمن فأقول: الله الله أيها المدمن، اتق الله، وراقبه في حركاتك وسكناتك، وإياك والغفلة ، فما قتل النفوس إلا كلمة سوف، عجل بالتوبة، فالباب مفتوح، وإياك أن تغرغر الروح، فعند ذاك لا توبة تنفع، ولا شفيع يُسمع، قال تعالى: ﴿ الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ * وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآَزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ ﴾ [ غافر 17 - 18.
وتذكر أن الله يراك، فكيف تختبئ من البشر وتنسى خالق البشر، الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، قال تعالى:﴿ يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا ﴾ [النساء: 108
أيها الشاب المسكين يامن ابتليت بهذا البلاء فهيا عد إلى الله.الجأ إلى الله بصدق أن يخلصك من هذا الكابوس.َيَا أَيُّهَا الشَّبَابُ، بَلْ يَا أَيُّهَا الْكِبَارُ التَّوْبَةَ التَّوْبَةَ قَبْلَ النَّدَمِ، وَالْمُسَارَعَةُ إِلَى بَابِ رَبِّكَ الْغَفُورِ الرَّحِيمِ قَبْلَ أَنْ يَفْجَأَكَ الْمَوْتُ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ مَهْمَا عَظُمَتْ ذُنُوبُكَ فَرَبُّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَة، قَالَ اللهُ تعالى: ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [الزمر: 53).
نسأل الله أن يكتب لها القبول، وأن يتقبَّلها منَّا بقبول حسن، كما أسأله سبحانه وتعالى أن ينفع بها قارئها، ومَن أعان علي إخراجها ونشرها......إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلّى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
--
تعليقات: (0) إضافة تعليق