عناصر الخطبة
1)المقدمة
2) مكانة مسئولية تربية الأبناء في القرآن الكريم
3) مكانة مسئولية تربية الأبناء في سنة النبي صلى الله
عليه وسلم وسيرته
4) هديه صلى الله عليه وسلم مع الطفل عند الولادة
5) اغرس في ولدك حب العقيدة
6) أهمية مسئولية تربية الأبناء ومكانتها وعظمتها
7) زرع الثقة المحمودة في الأبناء
المقدمة
____
الحمد لله جلت قدرته، وظهرت حكمته، واتسعت رحمته، له
الحمد سبحانه وتعالى، ما أوسع علمه! وما أعظم حلمه! وما أجل فضله! وما أكثر كرمه!
نحمده سبحانه وتعالى على آلائه الجسيمة، ومننه العظيمة حمداً يليق بجلاله، وعظيم
سلطانه، ويوافي فضله وإنعامه، ويجعلنا ننال رحمته ورضوانه، ويقينا سخطه وعذابه،
فله الحمد في الأولى والآخرة، وله الحمد على كل حال وفي كل آن، وله الحمد ملء
السماوات والأرض، وملء ما بينهما، وملء ما شاء من شيء بعد، حمداً كثيراً طيباً
مباركاً فيه.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله
الحمد، يحيي ويميت، وهو على كل شيء قدير.
وأشهد أن نبينا وقائدنا وقدوتنا وحبيبنا وسيدنا محمداً
عبد الله ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، أسمع به آذاناً صماً، وفتح به قلوباً
غلفاً، وهدى به البصائر والأبصار، وأشهد أنه عليه الصلاة والسلام قد بلغ الرسالة،
وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الله به الغمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا
على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، فجزاه الله خير ما جازى
نبياً عن أمته، ووفقنا وإياكم لاتباع سنته، وحشرنا يوم القيامة في زمرته، وجعلنا
من أهل شفاعته، وصلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين، وعلى من تبعهم
بإحسان إلى يوم الدين، وعلينا وعلى عباد الله الصالحين.
أيها الأحبة
الكرام! تربية الأبناء مسئولية الجميع، يجب أن نعلم أن المسئولية تقع على كواهلنا
جميعاً، فعلى الأسرة مسئولية، وعلى الإعلام مسئولية، وعلى المدرسة مسئولية، وعلى
الشارع مسئولية، وعلى مناهج التعليم مسئولية، فالمسئولية تقع على كواهل الجميع.
مكانة مسئولية تربية الأبناء في القرآن الكريم
___________________________
هذه المسئولية مسئولية عظيمة جليلة، وهي في كتاب الله
وفي هدي رسوله صلى الله عليه وسلم، وحسبنا هذه الومضات التي نريد أن نبين فيها
اقتران الفرائض والواجبات التي يعرفها كل المسلمين مع هذه المهمة العظيمة في
التربية، يقول عز وجل: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا}
[طه:132] هذه الآية في هذا الأمر العظيم والمهمة الجليلة، قال السيوطي في الإكليل
تعليقاً على هذه الآية: إنه يجب على الإنسان أن يأمر أهله من زوجة وعبد وأمة وسائر
عياله بتقوى الله والطاعة، وخصوصاً الصلاة.
وقال ابن علان الدمشقي في هذه الآية: أي: يأمر زوجته
وأبناءه المميزين الذكور والإناث.
إن الأمر الرباني الذي حملنا أمانته كالإيمان والتوحيد
وأداء الفرائض والعبادات، حملنا كذلك معه هذه المسئولية الجسيمة والأمانة العظيمة
فيمن ولانا الله عز وجل أمرهم، وجعلنا سبباً لوجودهم، وسخرنا لكي نكون رعاة لهم،
نغذوهم ونقوتهم، ونعينهم ونحميهم، ويجب كذلك أن نعلمهم ونؤدبهم ونربيهم، فإن فرطنا
فقد أخللنا بهذه الأمانة، وضيعنا هذه المسئولية، يقول عز وجل: {يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ
وَالْحِجَارَةُ} [التحريم:6].
وهذا النداء الإيماني له عظمة كبيرة قال ابن مسعود: (إذا
سمعت قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) فارعها سمعك؛ فإنها إما أمر
تؤمر به أو نهي تزجر عنه).
ومما قاله أهل التفسير في هذا النداء: إنه تلطف من الله
سبحانه وتعالى بعباده، وتحبب إليهم بندائهم بأحسن أوصافهم وأجل خلالهم وهو إيمانهم
به، وفي النداء كذلك أيضاً أمر مهم وهو استدعاء متطلب الإيمان وتبعته، فإن للإيمان
أمانة ومسئولية، فكأن النداء يقول: إن مقتضى إيمانكم وحقيقته يترتب عليه التزام
أمر الله وشرعه، واقتفاء هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، والقيام بالمهمة
والأمانة التي كلفك الله عز وجل بها بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا
أَنفُسَكُمْ} [التحريم:6]، وليست هذه وحدها مسئوليتكم، بل {وَأَهْلِيكُمْ نَاراً}
[التحريم:6].
قال ابن عباس رضي الله عنهما: (اعملوا بطاعة الله،
واتقوا معاصي الله، ومروا أهلكم بذكر الله، ينجيكم الله من النار).
وقال مجاهد رحمه الله: اتقوا الله، وأوصوا أهليكم بتقوى
الله.
وتوسع قتادة في بيان المعنى فقال رحمه الله: يأمرهم
بطاعة الله، وينهاهم عن معصية الله، وأن يقوم عليهم بأمر الله ويأمرهم به ويساعدهم
عليه.
وأوجز البغوي ذلك مع ربطه بالعاقبة المهمة في الآخرة
فقال: مروهم بالخير، وانهوهم عن الشر، وعلموهم وأدبوهم، والنتيجة والثمرة المهمة
تقونهم بذلك النار.
إذا فرطت في
تربية أولادك وقصرت في تعليمهم كان سبباً مباشراً في انحرافهم
والعياذ بالله! امض مع الآيات فإنك واجد فيها كثيراً من ذلك في الآداب والتربية
قبل التكليف، وهي الأساس المهم والقاعدة الرئيسة والركن الركين الذي لا بد من
العناية به، يقول عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمْ
الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ
ثَلاثَ مَرَّاتٍ} [النور:58] الذين لم يبلغوا الحلم ليس عليهم تكليف، ما زال القلم
مرفوعاً عنهم، ومع ذلك يعلمهم آباؤهم وأمهاتهم تلك الآداب، عند سن التمييز ومنذ
نعومة الأظفار؛ لأن الآية بعد ذلك جاءت: {وَإِذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنْكُمْ
الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ}
[النور:59] عند ذلك صاروا أهل تكليف، وصارت المهمة في أعناقهم، والأمانة في
رقابهم، أما قبل ذلك فما زالت الأمانة في رقابكم، والواجب منوطاً بكم، والمهمة
معقودة عليكم، والله عز وجل قد ذكر من ذلك الكثير.
مكانة مسئولية تربية الأبناء في سنة النبي صلى الله عليه
وسلم وسيرته
_______________________________
نقف وقفات مع سيد الخلق صلى الله عليه وسلم، وأعظم
المربين في تاريخ البشرية كلها، ففي سنته الكثير والكثير مما يلفت أنظارنا إلى هذه
المهمة الجسيمة، وحسبنا ذلك النداء الشامل الذي فصل فيه النبي صلى الله عليه وسلم
بعض التفصيل: (كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة
عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده ومسئول عن رعيته، -ثم ختم عليه الصلاة والسلام
بالتأكيد مرة أخرى- ألا كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته)(صحيح البخاري)
ويروى في بعض الآثار: أن داود عليه السلام قال: إلهي كن
لبني كما كنت لي، فأوحى الله تعالى إليه: يا داود! قل لابنك يكن لي كما كنت لي،
أكن له كما كنت لك.
ألست تنفق على
أبنائك وتأتيهم بالطعام والشراب والكساء؟ هل ترى أن أحداً مسئول عن ذلك غيرك؟ لكنك
بعد ذلك تهبهم للشوارع أو للقنوات لتعلمهم وتربيهم، أو لأصحاب الشر والسوء ليفسدوا
فطرهم ويسودوا قلوبهم ويحرفوا سلوكهم، هل تخليت عن هذه الأمانة وبقيت للطعام
والشراب؟ وتتحرك دون أن تشعر بالأمانة العظمى وهي التربية على الإيمان، وتقويم
السلوك، وتحسين الأخلاق وغير ذلك مما هو معلوم من أسس التربية؟! ورد في مسند أحمد
وسنن أبي داود وغيرهما قوله عليه الصلاة والسلام: (مروا أبناءكم بالصلاة لسبع،
واضربوهم عليها لعشر) والسبع والعشر ليستا سن تكليف ووجوب، ولكنهما سن تمييز
وتربية، من الذي يقوم بها؟ أنتم.
(مروا) أنتم، ينبغي ألا تنسوا ذلك وألا تغفلوا عنه، ما
بالك تخرج إلى المسجد في الغلس لصلاة الفجر، وحولك من الأبناء والبنات من لم
يستيقظوا لأداء عبادة الله والقيام بفريضة الله؟! تمضي مسبحاً وترجع محوقلاً
وبينهما تكون ذاكراً وقارئاً ومصلياً، والأمانة التي فوق ظهرك قذفت بها وألقيتها،
كأن لم يكن عليك من الله فيها أمر ولا تكليف ولا واجب، كأن لم يكن لك فيها من رسول
الله صلى الله عليه وسلم هدي ولا توجيه ولا تعليم!! وهكذا نمضي مع رسول الله صلى
الله عليه وسلم؛ لنرى كيف يراعي الأمور الدقيقة؟! وكيف اعتنى بها ووجه إليها وربى
عليها، حتى فيما هو دقيق خفي لا يكاد يعرفه أولئك الصغار من الأطفال؛ لأن صفحات
قلوبهم بيضاء، كل كلمة تكتب فيها، كل سلوك ينطبع أثره فيها، فإن كان خيراً أورث
الخير، وإن لم يكن في ذلك السن مدركاً وواعياً، لكنها آثار وبصمات ما تزال تترسخ
في أعماق نفسه وسويداء قلبه، ما تزال تصبح من أسس فكره ورشد عقله، ثم إذا بها
تنعكس على سلوكه وحسن أدبه.
فهذا الحسن بن علي رضي الله عنه ريحانة من ريحانات
الجنة، حفيد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو صغير في سن دون التكليف بل ربما
حتى لم يكن مميزاً، وقد جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم تمر من تمر الصدقة، فإذا
بالصغير يمد يده ليأكل، فينهاه نبي الله صلى الله عليه وسلم نهياً رفيقاً خفيفاً:
(كخ كخ، أما شعرت أنا لا نأكل الصدقة؟) أي: أنت من آل البيت والصدقة تحرم عليك،
والصغير لا يعرف ذلك، ولا يعرف تلك الأحكام، لكن الكبير المربي صلى الله عليه وسلم
يريد من البدء في أول الأمر ألا يدخل إلى جوف ذلك الطفل الصغير إلا ما حل، وأن
يكون هناك تقويم يرشد إلى التمييز من أول الأمر بين الخير والشر والحلال والحرام،
يريد أن يغذي الفطرة النقية بنور التقى والهدى، وأساس الخلق القويم والأدب الجم.
وهكذا نراه عندما كان ابن أبي سلمة ربيباً في بيته وهو
ابن السيدة أم سلمة أم المؤمنين، كان يأكل فتطيش يده في الصحفة، فيقول المربي
العظيم: (يا غلام! سم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك)(صحيح البخاري ) حتى هذه
الآداب يعلمها النبي صلى الله عليه وسلم؛ ليبين أن المهمة ليست مقتصرة على المهم
العظيم من الفرائض كالتوحيد وسائر العبادات، بل للآداب والأخلاق وما هو من
المكملات مكانة عظيمة في حديثه صلى الله عليه وسلم وسيرته.
نحن عندنا ما يكفينا لكي نؤسس تربية عظيمة كاملة منهجية
قويمة؛ لأن عندنا النهج القويم، والهدى المستقيم في كتاب الله عز وجل: {قَدْ
جَاءَكُمْ مِنْ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنْ
اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى
النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [المائدة:15 - 16]
عندنا هذا ولا نبذله لأبنائنا، ولا نربيهم عليه، وعندنا من بعد ذلك الصورة
المثالية الحية المتحركة في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي
رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ
الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} [الأحزاب:21] وعندنا بعد ذلك أجيال عظيمة وقمم
شامخة وقدوات سامية من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين والأئمة
والعلماء، لنا رصيد عظيم
يقول ابن مسعود
رضي الله عنه: (من كان متأسياً فليتأس بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنهم
كانوا أبر هذه الأمة قلوباً، وأعمقها علماً، وأقلها تكلفاً، وأقومها هدياً،
وأحسنها حالاً، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه، فاعرفوا لهم فضلهم، واتبعوهم في
آثارهم، فإنهم كانوا على الهدى المستقيم).
هديه صلى الله عليه وسلم مع الطفل عند الولادة
________________
كيف نربي أطفالنا؟
يوم ولادة الطفل
أمر عليه الصلاة والسلام {أن يؤذن في أذنه اليمنى، وفي لفظ -لكنه ضعيف- وأن يقام
في اليسرى} (مسند أبي يعلى )
ولـ ابن القيم كلام جميل في تحفة المودود يقول: أمر عليه
الصلاة والسلام أن يؤذن، ليكون أول ما يطرق قلب الطفل التوحيد (لا إله إلا الله
محمد رسول الله) فينشأ على حب الله وعلى حب رسول الله، وتغرس في قلبه شجرة
الإيمان، ويطرد منه الشيطان؛ لأن الشيطان يفر من الأذان، إذا أذن المؤذن فر الشيطان
فهو لا يقبل الأذان ولا يقبل ذكر الله، فالوصية كما ثبت عند أبي داود والترمذي: أن
يؤذن في أذنه اليمنى، كما في حديث أبي رافع وابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم (لما
ولد لابنته فاطمة الحسن بن علي أذن في أذنه اليمنى) وينسب إلى عمر بن عبد العزيز
أنه قال: (ويقام في الأذن اليسرى).
هذه معالم التوحيد، بيوتنا تبدأ بلا إله إلا الله وتنتهي
بلا إله إلا الله، أول ما يقع رأس الطفل في الأرض ينبغي أن يعلم بأنه لا إله إلا
الله، ويؤذن في أذنه، ويوم تقبض روحه عليه أن يختم حياته بلا إله إلا الله.
صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {من كان آخر كلامه
من الدنيا لا إله إلا الله، دخل الجنة}.(سنن الترمذي)
أبو زرعة أحد المحدثين الكبار:لما حضرت أبا زرعة الوفاة،
أتى المحدثون وتلاميذه حوله ليذكرونه بحديث لا إله إلا الله عله أن يقولها، قال:
فأتوا يتذكرون أول السند فيقولون: عله ينتبه؛ لأنه أصيب بإغماء فكانوا يقولون:
حدثنا فلان فأخطئوا في الاسم فاستيقظ -بإذن الله- من غفلته وقال: حدثنا فلان عن
فلان قال: حدثنا فلان عن معاذ رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
{من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله، دخل الجنة} ثم توفي فهذه هي الكلمة
التي ينتهي بها الإنسان من الحياة.
تعامله صلى الله عليه وسلم مع الأطفال
_____________
أيها الإخوة! إننا قد نتألم غاية الألم إن رأينا طفلاً
من أطفالنا يجري في المسجد أو يبكي أو يلعب، وربما يُنهر هذا الطفل نهراً ويطرد،!
إن لم نفتح قلوبنا قبل أبواب مساجدنا لأطفالنا وأولادنا؛ ليتعلموا في بيوت الله عن
الله ورسوله، فمتى وأين سيتعلم أولاد المسلمين؟ والله لقد نزل النبي صلى الله عليه
وسلم من على المنبر حين رأى الحسن يتهادى.
نعم.
رأى طفلاً صغيراً خرج من بيوته صلى الله عليه وسلم
يتهادى، وكان على المنبر فنزل وترك الخطبة، وحمل الحسن وارتقى به المنبر وأجلسه
على يمينه على المنبر.
بالله ماذا لو صنع إمامٌ هذا الصنيع الآن، ووضعه عن
يمينه؟ ثم أخذ النبي صلى الله عليه وسلم ينظر إلى الحسن مرة وإلى الناس مرة، ثم
قال: (إن ابني هذا سيد وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين)(صحيح
البخاري)
-يا ألله! - وهذا قبل الفتنة بسنوات؛ لكن الشاهد أن ننظر
كيف نزل النبي صلى الله عليه وسلم من على منبره، وحمل الحسن وهو طفل صغير، وأجلسه
عن يمينه على المنبر؟
بل لقد روى مسلم من حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه قال:
(صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الغداة، وخرج النبي صلى الله عليه
وسلم إلى بيته فاستقبله الولدان، فجعل النبي عليه الصلاة والسلام يمسح على خدي
أحدهم واحداً واحداً) هل فعلنا ذلك مع أولادنا؟ يقول جابر رضي الله عنه الذي لم
ينس هذا: (ومسح النبي صلى الله عليه وسلم على خدي، فوجدت ليده برداً وريحاً كأنما
أخرجهما من جُونةِ عَطَّار) صلى الله عليه وسلم.
اغرس في ولدك حب العقيدة والأخلاق
_______________________
اغرس في قلب ولدك حب العقيدة، فهذا خلق أسوتنا رسول الله
صلى الله عليه وسلم، قال ابن عباس: (كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم يوماً على
حمار، فقال صلى الله عليه وسلم: يا غلام! احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك،
إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن
ينفعوك بشيء لن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء
لن يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف).(سنن الترمذي
صحيح)
من وصايا الصالحين لأبنائهم
___________________
تربية سيدنا عليِّ بن أبي طالب لابنه محمد ونصحه له
_____________________________
كتب أميرُ المؤمنين ورابعُ الخلفاء الراشدين، وأحدُ العشرةِ
المُبَشَّرين علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) إلى ابنه محمد ابن الحنفية:
((يا بُنَيَّ! تفقه في الدين، وعَوِّد نفسك الصبر على
المكروه، وكِلْ نفسك في أمورك كلها إلى الله (عز وجل)، وأخلص المسألة لربك؛ فإن
بيده العطاء والحرمان. وأكثر الاستخارة له. واعلم أن مَن كانت مطيتُه الليلَ
والنهار؛ فإنه يُسار به وإن كان لا يسير؛ فإن الله (تعالى) قد أبى إلا خراب الدنيا
وعمارة الآخرة، فإن قدرت أن تزهد فيها زهدك كله فافعل ذلك.
وإن كنت غيرَ قابلٍ نصيحتى إياك، فاعلم علمًا يقينًا أنك
لن تبلغ أملك، ولن تعدو أجلك، وأنك في سبيل مَنْ كان قبلك.
فأكرم نفسك عن كل دنية وإن ساقتك إلى الرغائب؛ فإنك لن
تعتاض بما تبذل من نفسك عوضًا.
وإياك أن تُوجِفَ بك مطايا الطمع وتقول: متى ما أُخِّرتُ
نَزَعْتُ؛ فإن هذا أهلك مَن هلك قبلك.
وأمسك عليك لسانك؛ فإن تلافيك ما فرط من صمتك أيسر عليك
من إدراك ما فات من منطقك.
من وصايا الصحابي الجليل عبادة بن الصامت لبنيه
_____________________________
عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت، عن أبيه قال:
دخلت على أبي وهو مريض أتخايل فيه الموت، فقلت: يا أبتاه! أوصني، واجتهد لي.
فقال: ((أجلسوني))، ثم قال:
((يا بني! إنك لن تطعم طعم الإيمان، ولن تبلغ حقيقة
العلم بالله (تبارك وتعالى) حتى تؤمن بالقدر خيره وشره)).
قال: قلت: يا أبتاه! فكيف لي أن أعلم ما خير القدر، وما
شره؟
قال: ((تعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وما أصابك لم
يكن ليخطئك.( وصايا الآباء للأبناء)
تواضع النبي صلى الله عليه وسلم مع الأطفال
_______________
و فيما صح عنه صلى الله عليه وسلم: {كانت الجارية تأتيه
فتأخذ بيده عليه الصلاة والسلام فتذهب به في شوارع المدينة حتى تعيده إلى مكانه
عليه الصلاة والسلام}
يقول أنسٌ رضي الله عنه: [كان النبي صلى الله عليه وسلم
إذا مر على الصبيان سلَّم عليهم].
هل جلست مع ولدك أيها الأخ الحبيب الفاضل؟! أولسنا نحفظ
هذه الأحاديث يا أحباب؟! أولسنا نعرف هذا المنهج التربوي؟ أولسنا نقف على هذا
الخلق العظيم في معاملة النبي صلى الله عليه وسلم للخلق؟
مداعبة الأطفال
___________
ومما ينبغي كذلك على المسلم لأطفاله في سن الطفولة أن
يلاعبهم، والملاعبة سنة، ومن قال: إنها ضياع للوقت فهو مخالف، بل هي سنة سيدنا
محمد صلى الله عليه وسلم، أكثر من اشتغل بأمور الأمة، وحوادث العالم سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام ومع ذلك كان يقبِّل
الأطفال، كان يجلس في مجامع الناس فيأتي الحسن وهو صغير فيفتح يديه عليه الصلاة
والسلام ويضحك للحسن فيأتي الحسن مسرعاً
حتى يرمي بنفسه على المصطفى عليه الصلاة والسلام، خلق كالشهد المصفى .
وقد ورد عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا
قَالَتْ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَقَالَ: تُقَبِّلُونَ الصِّبْيَانَ؟ فَمَا نُقَبِّلُهُمْ، فَقَالَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَوَأَمْلِكُ لَكَ أَنْ نَزَعَ اللَّهُ مِنْ
قَلْبِكَ الرَّحْمَةَ»
الذي يوزع الرحمة هو الله.
إلى غير ذلك من القصص التي تنبئ أن من الواجب للطفل
ملاعبته؛ لأنه في سن لا يقبل العلم، فلو ألقيت عليه محاضرات الدنيا أو علوم
الدنيا، فلن يفهم، يريد ملاعبة ومداعبة؛ ولذلك إذا أتيت وأنت متعب تجده يلقي بنفسه
عليك، هو ينتظرك وينتظر ابتسامتك ومداعبتك ومزاحك وقد جعله الله سلوة لك، فإن
كثيراً من الآباء لا يزيل غمومهم وهمومهم ومتاعب أعمالهم وما يجدونه من نكد في
الحياة إلا هؤلاء الأطفال، فحق أن تخصص لهم وقتاً في المداعبة والملاعبة كما فعل
عليه الصلاة والسلام.
أهمية مسئولية تربية الأبناء ومكانتها وعظمتها
_____________________________
أيها الإخوة المؤمنون! الأمانة المضيعة، والثروة
المهدرة، تحتاج منا إلى مراجعة ومذاكرة، ومعاتبة ومحاسبة، وإلى إصلاح الخلل وتقويم
الاعوجاج.
أبناؤنا فلذات أكبادنا، أطفالنا رجال مستقبلنا، شبابنا
أمل أمتنا مسئولية تربيتهم مسئولية عظيمة ، عليّنا أن نستشعر هذه المسئولية، وندرك
عظمتها، ونعرف ثقلها، ونعي أثرها ودورها في واقع حياتنا ومستقبل أمتنا.
أيها الآباء الكرام! إن للوالدين حقوقاً على الأبناء،
وإن للأبناء حقوقاً على الوالدين، وإن من الآباء من يقع في عقوق ولده قبل أن يعقه
ولده.
جاء رجل إلى عمر بن الخطاب فقال: (يا أمير المؤمنين!
أشكو إليك عقوق ولدي، فقال: ائتني به، فجاء الولد إلى عمر رضي الله عنه، فقال عمررضي
الله عنه: لمَ تعق أباك؟ فقال الولد: يا أمير المؤمنين! ما هو حقي على والدي؟ فقال
عمررضي الله عنه: حقك عليه أن يحسن اختيار أمك، وأن يحسن اختيار اسمك، وأن يعلمك
القرآن.
فقال الولد: والله ما فعل أبي شيئاً من ذلك، فالتفت عمررضي
الله عنه إلى الوالد وقال: انطلق؛ لقد عققت ولدك قبل أن يعقك).
زرع الثقة المحمودة في الأبناء
___________________
أيها الأحباب إذا قمتم بتوعية أبنائكم وزرعتم الثقة في
نفوسهم سيصيرون رجالاً يتحملون المسئولية ،انظروا
إلى النبي صلى عليه وسلم كيف كان يزرع الثقة في نفوس الصحابة ,فقد ورد في صحيح
البخاري من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي
بشراب وعن يمينه غلام، وعن يساره الأشياخ، فقال للغلام: أتأذن لي أن أعطي هؤلاء؟
فقال الغلام: لا يا رسول الله! لا أؤثر بنصيبي منك أحداً، فتله، أي: وضعه رسول
الله صلى الله عليه وسلم في يده).
وروى الشيخان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل
أصحابه: (من الشجر شجرة لا يسقط ورقها، ومثلها مثل المسلم، فحدثوني ما هي؟ فوقع في
نفس ابن عمر -يا أبت- أنها النخلة، وكان أصغر القوم، فاستحيا، فقال النبي صلى الله
عليه وسلم: إنها النخلة)، فحين خرج مع أبيه قال له ما كان في نفسه، فقال له أبوه:
لئن كنت قلتها أحب إلي من كذا وكذا.
لقد تجرأ ابن عمر أن يحدث أباه بما دار في نفسه ، وشجعه
أبوه أن يقول هذا الكلمة، وفي الوقت نفسه لم يعاتبه على ألا يكون قالها.
وإذا قرأت في
التاريخ ! عن سيرة سيدنا أسامة بن زيد رضي
الله عنه، و سيدنا عبد الله بن عمر، وسيدنا الأرقم بن أبي الأرقم، وسيدنا علي بن
أبي طالب وغيرهم من شباب الصحابة الذين كانت لهم أدوار محمودة في تاريخ أمتهم، وما
كان ذالك إلا لأن النبي صلى الله عليه وسلم زرع الثقة في نفوسهم فصاروا رجالاً
يتحملون المسئولية وينشرون دعوة ربهم في كل مكان .
عباد الله: مسائل التربية وعلاقتنا بأطفالنا ينبغي أن
نجدد النظر فيها، ينبغي أن نتمعن فيها، ينبغي أن نلتفت لأنفسنا فيها.
من منكم في ساعة من اليوم أو في يومٍ من الأسبوع أو
أسبوعٍ من الشهر وقف وجمع أولاده وقرأ عليهم حديثين أو ثلاثة من رياض الصالحين،
وشرح لهم معانيها، أو قرأ عليهم آية من الآيات وبيَّن لهم أحكامها، أو عوَّد طفله
على كثيرٍ من الآداب الإسلامية عند الاستيقاظ وعند النوم، وعند بدء الطعام، وعند
الفراغ منه، وعند الدخول، وعند الخروج، وعند ركوب السيارة، إلى غير ذلك؛ لكي يربط
الطفل بذكر الله جل وعلا منذ نعومة أظافره، وعند ذلك نحمد تربيته ونجني الثمرة
المرجوة منه.
أسأل الله جل وعلا أن يردنا إلى الحق رداً جميلاً، وأن
يعيننا على تربية أولادنا وأطفالنا، وتفهم مشاكلهم، ومعرفة ما يدور في أنفسهم،
وتفريغ كثيرٍ من الأوقات أو جزءٍ من الأوقات لمعاملتهم وإشباع حاجاتهم ورغباتهم،
إنه على كل شيء قدير وبالإجابة جدير.
اللهم وفقنا لما تحب وترضى وجنبنا أسباب سخطك، اللهم
ارفع وادفع عنا البلاء والمحن والفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم إنا نعوذ بك من
سيئ الأوجاع والأسقام.
اللهم لا تدع لأحدنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا
فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مبتلىً إلا عافيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا
حيران إلا دللته، ولا باغياً إلا قطعته، ولا غائباً إلا رددته، ولا ميتاً إلا
رحمته، ولا أيماً إلا زوجته، ولا عقيماً إلا ذريةً صالحةً وهبته.
اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا وأجدادنا وجداتنا، اللهم من
كان منهم حياً فمتعه بالصحة والعافية على طاعتك، ومن كان منهم ميتاً اللهم جازه
بالحسنات إحساناً، وبالسيئات عفواً وغفراناً.
{إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى
النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا
تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] اللهم صلَّ وسلم وزد وبارك على نبيك محمدٍ، صاحب الوجه
الأنور، والجبين الأزهر، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء أبي بكر
وعمر وعثمان وعلي، وارض اللهم عن بقية العشرة وأهل الشجرة ومن تبعهم بإحسانٍ إلى
يوم الدين،وعن الصحابة أجمعين وعنا معهم
بعفوك ومنّك وكرمك يا أرحم الراحمين.
إن الله يأمر بالعدل والإحسان، وإيتاء ذي القربى، وينهى
عن الفحشاء والمنكر والبغي؛ يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العظيم الجليل
الكريم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.
تعليقات: (0) إضافة تعليق