عناصر الخطبة :
1)المقدمة
2)أخلاق النبي صلى الله عليه
وسلم
3)هدي النبي صلى الله عليه
وسلم في معاملة مخالفيه
4)ضرورة جعل أخلاقه منهج حياة
الموضوع
إن الحمد لله،
نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِه
الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلِل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك
له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليمًا
كثيرًا.
أما بعد:
فاتقوا الله
- عباد الله - حقَّ التقوى، وراقِبوه في السر والنجوى.
المقدمة
______
أيها المسلمون:
كرَّم الله
بني آدم وفضَّلهم على كثيرٍ ممن خلق تفضيلاً، واجتبَى منهم من خصَّه بالنبوة والرسالة،
واصطفَى من أولئك أفضلَهم نبينا محمدَ بن عبد الله صفوةَ بني هاشم، وهاشمٌ خِيَر قريش،
فهو خيارٌ من خيارٍ، اختاره الله لهذه الأمة لهدايتها إلى دين الله القويم وصراطه المستقيم،
فكانت حياتُه - عليه الصلاة والسلام - عبادةً وشكرًا، ودعوةً وحلمًا، وابتلاءً وصبرًا،
تحلَّى فيها بخُلُقٍ سامٍ ، شمائلُه عطِرةٌ وسيرتُه حافلة.
أخلاق النبي
صلى االله عليه وسلم
__________
ما من خيرٍ
إلا دلَّ الأمة عليه، وما من شرٍّ إلا حذَّرَها عنه، قال عن نفسه - عليه الصلاة والسلام
-: «ما يكن عندي من خيرٍ فلن أدَّخِره عنكم»؛ متفق عليه.
مُعظِّمٌ للرسل
من قبله؛ قال له رجل: يا خير البرية، فقال: «ذاك إبراهيم»؛ رواه مسلم.
ونهى عن إطرائه
وتعظيمه؛ فقال: «لا تُطروني كما أطرَت النصارَى ابنَ مريم، فإنما أنا عبدٌ، فقولوا:
عبدُ الله ورسوله»؛ رواه البخاري.
يتواضَعُ للصغير
ويغرِسُ في قلبه العقيدة؛ قال لابن عباس: «يا غلام! إني أُعلِّمك كلمات: احفظ الله
يحفظك، احفظ الله تجِده تُجاهَك، إذا سألتَ فاسأل الله، وإذا استعنتَ فاستعِن بالله»؛
رواه الترمذي.
يتلطّفُ في
تعليم صحابته ويُظهِر ما في قلبه من حبِّه لهم؛ أخذ بيدِ مُعاذ وقال له: «والله إني
لأُحبُّك، أُوصيك يا معاذ لا تدعنَّ في دُبُر كل صلاةٍ أن تقول: اللهم أعنِّي على ذكرك
وشكرك وحُسن عبادتك»؛ رواه النسائي.
لا يُعنِّفُ
ولا يتكبَّر؛ بل صدره مُنشرحٌ لكل أحد,وكان رفيقاً بالشباب مُشفقٌ عليهم، قال مالك
بن الحويرث: أتينا النبي - صلى الله عليه وسلم - ونحن شَبَبةٌ مُتقاربون، فأقَمنا عنده
عشرين ليلة، فظنَّ أنَّا اشتقنَا أهلَنا، وسألَنا عمن تركنا في أهلنا، فأخبرناه، قال:
وكان رفيقًا رحيمًا، قال: «ارجعوا إلى أهليكم، فعلِّموهم ومُروهم، وصلُّوا كما رأيتموني
أُصلِّي»؛ متفق عليه.
دَمثُ الأخلاق
ليس بفاحشٍ ولا مُتفحِّشٍ في الألفاظ، وحياؤه أشد من العذارء في خدرها، عفُّ اليد لم
يضرب أحدًا في حياته؛ قالت عائشة - رضي الله عنها -: "ما ضربَ رسول الله - صلى
الله عليه وسلم - شيئًا قطُّ بيده، ولا امرأةً ولا خادمًا، إلا أن يُجاهد في سبيل الله،
ولم ينتقم لنفسه؛ بل يعفو ويصفَح، وإذا خُيِّر بين أمرين أخذ أيسَرهما ما لم يكن إثمًا".
طلْقُ الوجه؛
قال جرير بن عبد الله: "ما رآني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قطُّ إلا تبسَّم".
واصلٌ لرحمه،
صادقٌ في حديثه، قاضٍ لحوائج المكروبين؛ قالت له خديجة: «إنك لتصِلُ الرَّحِمَ، وتصدُق
الحديث، وتحمِلُ الكلَّ، وتكسِبُ المعدوم، وتَقري الضيفَ، وتُعينُ على نوائب الحق».
بارٌّ بوالدته؛
زار قبرها فبكى وأبكى من حوله، وقال: «استأذنتُ ربي في أن أستغفر لها فلم يُؤذَن لي،
واستأذنتُه في أن أزور قبرَها فأذِن لي»؛ رواه مسلم.
يُوصِي بالجار
ويحُثُّ على حُسن جواره وإكرامه، قال لأبي ذرٍّ: «إذا طبختَ مرقةً فأكثِر ماءَها وتعاهَد
جيرانك»؛ رواه مسلم.
رقيقُ القلب
رفيقٌ بمن تحته؛ خدَمه أنسٌ عشر سنين، فما قال له أفٍّ قط، ولا قال لشيءٍ صنعَه لم
صنعتَ، ولا ألا صنعتَ.
رحيمٌ بالضعفاء
والمرضى؛ أمر من يُصلِّي بهم أن يُخفِّف صلاتَه من أجلهم.
رؤوفٌ بالناس
شديد الحِلم؛ بالَ أعرابيٌّ جهلاً منه في مسجده، فتناولَه الناس، فقال لهم: «دَعوه
حتى يقضِي بولَه، وهَريقوا على بوله سجلاً من ماءٍ أو ذنوبًا من ماء؛ فإنما بُعِثتُم
مُيسِّرين ولم تُبعَثوا مُعسِّرين»؛ رواه البخاري.
كثيرُ البذل
والعطاء، لا يردُّ سائلاً ولا مُحتاجًا، قال حكيمُ بن حزامٍ - رضي الله عنه -: سألتُ
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأعطاني، ثم سألتُه فأعطاني، ثم سألتُه فأعطاني؛
متفق عليه.
كريمُ اليد
واسعُ الجُود؛ جاءه رجلٌ فأعطاه غنمًا بين جبلَين، ورأى رجلٌ عليه بُردةً فقال: اكسنيها
ما أحسنها، فأعطاه إياها؛ رواه البخاري.
يُجِلُّ صحابته
ويُعظِم مكانتهم وإن كانوا حديثي السن، قال عن أسامة بن زيد - وهو لم يتجاوز حينذاك
الثامنة عشرة من عمره -: «أُوصيكم به فإنه من صالحيكم»؛ رواه مسلم.
وإذا مرِضَ
أحدهم عادَه وحزنَ لمُصابه، زار سعد بن عبادة فوجدَ مرضَه شديدًا فبكى.
وفيٌّ مع صحابته،
لم ينسَ فضلَهم وإيثارهم، آخر يومٍ صعد فيه المنبر قال: «أُوصيكم بالأنصار؛ فإنهم كرِشي
- أي: جماعتي وموضع ثقتي -، وعَيبتي، وقد قضوا الذي عليهم وبقِيَ الذي لهم، فاقبَلوا
من مُحسِنهم وتجاوزوا عن مُسيئهم»؛ رواه البخاري.
وحفظَ لخديجةَ
مواقفها العظيمة وبذلَها السخيّ وعقلَها الراجِح، فكان يذكرها بالخير بعد وفاتها ويصِل
أقرباءها ويُحسِن إلى صديقاتها.
وأمر بسدِّ
كل خَوخةٍ - أي: باب - من البيت يُفتَح على المسجد النبوي سوى باب أبي بكرٍ - رضي الله
عنه - وفاءً له.
ومع عِظَم أعباء
ما أُوكِل إليه من الرسالة كان جميلَ المعشَر مع أهله مُتلطِّفًا معهم، فإذا دخل بيتَه
يكون في مهنتهم، وإذا حضرَت الصلاة خرج إلى الصلاة.
رقيقٌ مع أولاده
وأحفاده مُكرمٌ لهم، إذا دخلت ابنتُه فاطمةُ يقوم لها ويأخذ بيدها ويُجلِسُها في مكانه
الذي كان يجلسُ فيه.
وكان يضعُ الحسنَ
على عاتقه فيقول: «اللهم إني أُحبُّه فأحِبَّه»؛ متفق عليه.
وخرج على صحابته
وبنتُ ابنته أمامةُ على عاتقه، فصلَّى بها فإذا ركع وضعها، وإذا رفع رفعها؛ متفق عليه.
وصف عثمانُ
- رضي الله عنه - معاملتَه لصحابته فقال: صحِبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
في السفر والحضَر، وكان يعودُ مرضانا، ويتبَعُ جنائزنَا، ويغزو معنا، ويُواسينا بالقليل
والكثير؛ رواه أحمد.
أعرضَ عن الدنيا
ورجا ما عند الله؛ وربطَ على بطنه الحجرَ من الجوع؛ قال عمر - رضي الله عنه -: لقد
رأيتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يظلُّ اليومَ يتلوَّى، ما يجدُ من الدَّقَل
- أي: التمر الرديء - ما يملأ به بطنَه؛ رواه مسلم.
أعرضَ عن الدنيا
ورجا ما عند الله؛ فكان يقول: «ما لي وللدنيا، ما أنا في الدنيا إلا كراكبٍ استظلَّ
تحت شجرةٍ ثم راحَ وتركها»، ففارقَ الحياةَ ولم يُخلِّف شيئًا من حُطامها؛ قالت عائشة
- رضي الله عنها -: تُوفِّي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما ترك دينارًا ولا
درهمًا ولا شاةً ولا بعيرًا، ولا أوصى بشيء.
وصفَه عليٌّ
- رضي الله عنه - بقوله: لم أرَ قبله ولا بعده مثلَه.
أيها المسلمون:
فنبينا - صلى
الله عليه وسلم - قد أدَّى أمانةَ الرسالة ونصحَ لأمته، وقال: «مثَلي ومثَلُكم كمثَل
رجلٍ أوقدَ نارًا فجعل الجنادبُ والفراشُ يقعن فيها وهو يذُبُّهن عنها، وأنا آخِذٌ
بحُجَزكم عن النار، وأنتم تفلَّتون من يدي»؛ رواه مسلم.
هدي النبي صلى
الله عليه وسلم في الرفق بالحيوان
______________________
نسمع الآن من
يزعم أن الغرب هو أول من أصَّل وأسس جمعيات الرفق بالحيوان، ونحن لا ننكر أن الغرب
يفعل ذلك الآن، لكن لا يجوز البتة أن يدعي أحد أن الغرب أسبق منا في هذا الأمر، فإن
أول من أصَّل وأسس الرفق بالحيوان هو الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، محمد صلى الله
عليه وسلم.
تدبروا جميعاً
هذه الكلمات النبوية الرقراقة، روى مسلم من حديث شداد بن أوس رضي الله عنه أن النبي
صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله تعالى كتب الإحسان على كل شيء؛ فإذا قتلتم فأحسنوا
القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحدَّ أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته) (رواه مسلم).
إلى هذا الحد!
(إذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة) ليس من الرحمة أبداً أن تأتي بشاةٍ لتذبحها على مرأى ومسمع
من مجموعةٍ أخرى من الأغنام، فهذا ليس من الرحمة، ونرى هذا المشهد في كل عيد من أعياد
الأضحى في الشوارع والطرقات.
بغي تدخل الجنة
في كلب سقته
_________________
الحبيب صلى
الله عليه وسلم أخبرنا أن بغياً - بني إسرائيل- دخلت الجنة في كلب، وأن امرأة دخلت
النار في هرة والحديثان في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه صلى الله عليه
وسلم قال: (بينما بغي من بغايا بني إسرائيل تمشي، فمرت على بئر ماء فشربت، وبينما هي
كذلك مر بها كلب يلهث يأكل الثرى من العطش، فعادت إلى بئر الماء؛ فملأت موقها، -أي:
خفها- ماءً، فسقت الكلب فغفر الله لها) كلب عطشان، وهي امرأة بغى ، لكنها رحمته فغفر
الله لها.
يقول المصطفى
الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، صاحب الخلق العظيم: (فغفر الله لها) الله أكبر! ديننا
هو دين الرحمة، والرحمة في ديننا ليست بالإنسان فحسب، بل حتى بالحيوان أعزكم الله
أقول: إذا كانت
الرحمة بالكلاب تغفر الخطايا للبغايا
فكيف تصنع الرحمة
بمن وحد رب البرايا؟
كيف يكون فضل
الله عليك أيها الطبيب إن رحمت مريضاً؟ كيف يكون فضل الله عليكِ أيتها الطبيبة والممرضة
إن رحمت مريضاً أو مريضة؟ كيف يكون فضل الله عليك إن رحمت فقيراً، أو أرملةً، أو يتيماً،
أو مسكيناً، أو طفلاً؟ هذه رحمة الله بالبغي التي رحمت كلباً، فكيف تكون رحمةُ الله
جل وعلا لمن رحم مسلماً، مؤمناً، موحداً، فقيراً، مستضعفاً، يتيماً؟ انظر إلى فضل الله،
حبذا لو أطلنا النفَس مع هذه المعاني الرقراقة؛ لتفيء أمتنا والعالم إلى هذه اللمحات
واللمسات الرقيقة المحمدية النبوية.
امرأة دخلت
النار في هرة
_______________
في الصحيحين
من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (دخلت امرأة النار
في هرة) ، أي: في قطة.
انظر! بغي تدخل
الجنة في كلب، وامرأة تدخل النار في قطة، لماذا؟ قال صلى الله عليه وسلم: (حبستها
-أي: حبست القطة- فلم تطعمها، ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض) ، حبستها، فلم تقدم لها
الطعام والشراب، ولم تطلقها لتأكل من رزق الله في أرض الله جل وعلا؛ فدخلت النار.
بغيٌ ترحم كلباً؛
فيدخلها الله الجنة، ويغفر لها الذنب، وامرأة تقسو على قطة وتعذبها حتى الموت، وتحرمها
من الطعام والشراب حتى ماتت أي رفق أعظم من هذا الرفق ؟.
هدي النبي صلى
الله عليه وسلم في معاملة مخالفيه
_____________________
يقول المفكر
الشهير بستاف لفن حينما قال: ما عرف العالم في التاريخ القديم والحديث ديناً سمحاً
كالإسلام، وما عرف العالم في التاريخ القديم والحديث فاتحين متسامحين كالمسلمين، هذه
حقيقة.
وأنا أود أن
أقول: حينما نتحدث الآن عن خلق الحبيب صلى الله عليه وسلم مع أعدائه؛ فنحن لا نريد
بذلك أن نتحدث حديثاً ذهنياً بارداً باهتاً، وإنما نود أن نذكر العالم بصفةٍ عامة،
وأمتنا المسلمة بصفةٍ خاصة، بأنه لا قيمة لهذه الأخلاق إلا إذا تحولت في حياتنا من
جديد إلى واقع عملي، ومنهج حياة، وإلا فسيظل هذا المنهج المشرق حبراً على الورق.
نبي الرحمة
مع وهب بن عمير
___________________
روى ابن إسحاق
بسند جيد -وإن كان بعض أهل العلم قد ضعف السند من باب الأمانة العلمية- (أن عمير بن
وهب جلس مع صفوان بن أمية بعد غزوة بدر في حجر إسماعيل في بيت الله الحرام، فتذاكرا
ما كان في بدر، وتذكرا هزيمتهم المنكرة في بدر، فقال عمير لـ صفوان: والله لولا دين
علي، وعيال عندي أخشى عليهم الضيعة بعدي؛ لركبت إلى محمد لأقتله؛ وكان ابن وهب بن عمير
أسيراً في المدينة بعد غزوة بدر، فالتقطها صفوان وقال: دينك علي، وعيالك عيالي، أواسيهم
بمالي، ولا أمنع شيئاً عنهم، واركب إلى محمد فاقتله، فقال له: فاكتم هذا الخبر، ولا
تخبر به أحداً، وتعاهدا على ذلك، وعاد عمير بن وهب إلى بيته؛ فشحذ سيفه، وأغرقه في
السم، وانطلق إلى المدينة ليقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولما وصل إلى باب المسجد
النبوي أناخ راحلته، وشد سيفه، وانطلق، فرآه عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهو صاحب
الفراسة وصاحب الفطنة والذكاء، فقال عمر رضي الله عنه: هذا عدو الله عمير بن وهب، والله
ما جاء إلا لشر؛ فلببه عمر بثيابه -خنقه-، وجره بثيابه حتى أوقفه بين يدي النبي صلى
الله عليه وسلم، وظل عمر ممسكاً بمجامع ثوبه حتى قال النبي لـ عمر: أرسله يا عمر -اتركه-
فوقف عمير بن وهب بين يدي الحبيب صلى الله عليه وسلم؛ فقال له النبي: ما الذي جاء بك
يا عمير؟ قال: ولدي أسير عندكم، وجئت إليكم لتحسنوا إلي في فدائه، فقال له النبي: فما
بال السيف في عنقك؟ قال: قبحها الله من سيوف؛ وهل أغنت عنا شيئاً يوم بدر؟ فقال له
النبي صلى الله عليه وسلم: اصدقني يا عمير ما الذي جاء بك؟ قال: ما جئت إلا لهذا، فقال
الصادق الذي لا ينطق عن الهوى: بل جلست مع صفوان في حجر إسماعيل، وذكرتما بدراً، وقلت
لـ صفوان: لولا دين علي، وعيالٌ أخشى عليهم الضيعة بعدي؛ لركبت إلى محمد لأقتله.
فقال لك صفوان:
دينك علي، وعيالك عيالي، أواسيهم بمالي، ولا أمنع شيئاً عنهم، واركب إلى محمدٍ فاقتله،
وتعاهدتما على الكتمان، فشحذت سيفك، وأغرقته في السم، وأتيت إلى هنا لتقتلني، لكن الله
حائل بينك وبين ذلك، فقال: أشهد أنك رسول الله، والله لا يعلم بهذا الخبر أحد إلا أنا
وصفوان؛ فأحمد الله الذي ساقني هذا المساق، وإني أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول
الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: خذوا أخاكم وعلموه القرآن ... ) .
ضرورة جعل أخلاقه
صلى الله عليه وسلم منهج حياة
_____________________
مشاهد السيرة
مشاهد رقراقة، وأنا لا أسوقها لمجرد الاستمتاع السلبي؛ لأنه يؤلمني جداً أن كثيراً
من أحبابنا أن نستمع إلى مواقف السيرة ولا نطبقها في حياتنا .
اسمع وطبق :
________
حبر من أحبار
اليهود، أي: عالم من علمائهم اسمه زيد بن سعنة، روى قوله الطبراني بسند رجاله ثقات،
ذكر هذا الرجل أنهم يعرفون أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم في التوراة، ويعرفون صفته؛
لأن التوراة بشرت برسول الله وذكرت صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما قال الله
جل وعلا: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ
وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [البقرة:146]
النبي عليه
الصلاة والسلام يسبق حلمه يسبق غضبه
_______________________________
خرج النبي صلى
الله عليه وسلم يوماً يصلي على جنازة، ومعه أبو بكر وعمر وعثمان، فجلس إلى جوار جدار
في المدينة من شدة الحر، قال زيد بن سعنة: فانطلقت إليه وأنا مغضب، وأخذت النبي من
مجامع ثوبه، وقلت له: أدِ ما عليك من حق يا محمد، فوالله ما علمتكم يا بني عبد المطلب
إلا مطلاً يعني: في سداد الحق، تصور هذا المشهد وسط الصحابة! فانقض عمر رضوان الله
عليه، وقال: يا عدو الله! تقول هذا لرسول الله، وتفعل به ما أرى؟! والله لولا أني أخشى
غضبه لضربت رأسك بسيفي هذا، فماذا قال النبي عليه الصلاة والسلام؟ قال: يا عمر! والله
لقد كان من الواجب عليك أن تأمرني بأداء الحق، وأن تأمره بحسن الطلب، خذه يا عمر فأعطه
حقه، وزده عشرين صاعاً من تمرٍ جزاء ما روعته، فأخذه عمر رضوان الله عليه فأعطاه حقه
وزاده عشرين صاعاً من تمر؛ فقال له زيد بن سعنة: ما هذه الزيادة؟ قال: أمرني رسول الله
أن أدفعها لك جزاء ما روعتك، قال له: ألا تعرفني يا عمر؟ قال: لا أعرفك، قال: أنا زيد
بن سعنة، قال: حبر اليهود؟ قال: نعم، قال: وما الذي حملك أن تفعل برسول الله ما فعلت،
وأن تقول له ما قلت؟ قال: يا عمر لقد نظرت في علامات النبوة؛ فوجدت كل العلامات فيه،
لكنني أردت أن أختبر فيه هاتين العلامتين: يسبق حلمه جهله، ولا تزيده شدة الجهالة عليه
إلا حلماً، وهأنذا قد جربتهما اليوم فيه؛ فإني أشهد أن لا إله إلا الله، وأنه رسول
الله صلى الله عليه وسلم، وتصدق بشطر ماله للفقراء والمساكين، وجاهد مع النبي صلى الله
عليه وسلم، وشهد معه معظم الغزوات، وقتل شهيداً مقبلاً غير مدبر في غزوة تبوك) .(
(أخلاق النبي وآدابه)
أعظم خدمة للإسلام
هي العمل بأخلاق النبي عليه الصلاة والسلام
إن أعظم خدمةٍ
نقدمها اليوم للإسلام؛ هي أن نشهد للإسلام على أرض الواقع شهادة عمليةً بأخلاقنا وسلوكنا،
بعدما شهدنا له جميعاً بألسنتنا شهادة قولية، فيجب علينا -أيها الأفاضل- أن نرجع إلى
خلق الحبيب صلى الله عليه وسلم؛ لنحوله في حياتنا إلى واقع عملي، ومنهج حياة.
فإنما الأمم
الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا والحمد لله رب العالمين.
أمة المسلمين
أمة أخلاق، … فأين الأخلاق والأحلام
أين غاب الوفاء
أين اختفى الصدق، … وأين العهود أين الذمام؟
وفشا انعدام
الأخلاق والضمير....وانهارت صلات وقطعت أرحام
وإذا لم يقم
على الخلق ما نبني، … فعقبى ذاك البناء انهدام
وإذا كان رسول
الله الآن معنا .... ماذا نقول لخير الأنام
فقد بعث النبي
متمماً للأخلاق..و التزم بها رسول الله غاية الإلتزام
اللهم صلِّ وسلِّم على نبينا محمد، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين الذين قضوا
بالحق وبه كانوا يعدِلون: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر الصحابة أجمعين،
وعنَّا معهم بجودك وكرمك
تعليقات: (0) إضافة تعليق