عناصر الخطبة:
العنصر الأول: الترغيب
في الصدق في ضوء القرآن والسنة
العنصر الثاني:
مظاهر الصدق ومجالاته
العنصر الثالث:
وسائل اكتساب الصدق
العنصر الرابع:
ثمرات الصدق وفوائده
العنصر الخامس:
الصدق في حياتنا المعاصرة بين الواقع والمأمول
المقدمة:
أما بعد:
العنصر الأول: الترغيب
في الصدق في ضوء القرآن والسنة
عباد الله: لقد
رغب الإسلام في الصدق وحث عليه في مجالات الحياة كلها واهتم به اهتماماً كبيراً؛ ولأهمية
الصدق والعناية به في شئون الحياة كلها تضافرت نصوص القرآن والسنة في الحث عليه والتحلي
به؛ فقد ورد لفظ (الصدق) في القرآن الكريم في ثلاثة وخمسين ومائة (153) موضعاً ؛ والأنبياء
عليهم السلام كلهم موصوفون بالصدق، قال تعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ
إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا} [مريم: 41]. وقال سبحانه: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ
إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا}[مريم: 56]. وَوُصِفَ يوسف عليه السلام
بالصدق حينما جاءه الرجل يستفتيه فقال: {يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي
سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ} [يوسف: 46]. وأمر الله رسوله - صلى الله عليه وسلم - أن
يسأله أن يجعل مدخله ومخرجه على الصدق: {وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ
وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا}
[الإسراء: 80]، وقد كان- صلى الله عليه وسلم - مشهوراً بالصدق قبل البعثة وبعدها؛ فكان
يلقب قبل البعثة بالصادق الأمين؛ وبعد البعثة المباركة كان تصديق الوحي له مدعاة لأن
يطلق عليه أصحابه «الصّادق المصدوق».
ولأهمية الصدق والحث
عليه أمر الله المؤمنين أن يكونوا دوماً في زمرة الصادقين؛ فقال: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ}.[التوبة: 119] . فالصدق طمأنينة
للقلب ؛ وفي ذلك يقول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :" دَعْ مَا يَرِيبُكَ
إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ ؛ فَإِنَّ الصِّدْقَ طُمَأْنِينَةٌ وَإِنَّ الْكَذِبَ رِيبَةٌ
".( النسائي والترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح).
فالصدق طمأنينة
؛ أي: يطمئن إليه القلب ويسكن، والكذب ريبة؛ أي: يقلق القلب ويضطرب .
وفي مقابل ترغيب
الإسلام في الصدق؛ فقد رهب الإسلام من الكذب وشنع القرآن على كل من كذب وخلف وعده وخان؛
بل عده الرسول صلى الله عليه وسلم من خصال المنافقين؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ؛ عَنْ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:" آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ:
إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ؛ وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ؛ وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ."(متفق
عليه).
بل إن الكذب ينافي
الإيمان؛ لأن الكذب والإيمان لا يجتمعان في قلب رجل واحد؛ فَعَنْ صَفْوَانَ بْنِ سَلِيمٍ؛
أَنَّهُ قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيَكُونُ الْمُؤْمِنُ
جَبَانًا؟ قَالَ: «نعم» . فَقيل: أَيَكُونُ الْمُؤْمِنُ بَخِيلًا؟ قَالَ: «نَعَمْ»
. فَقِيلَ: أَيَكُونُ الْمُؤْمِنُ كَذَّابًا؟ قَالَ: «لَا» . ثم تلا قوله تعالى: {
إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ
هُمُ الْكَاذِبُونَ }. (النحل: 105).(مالك والبيهقي في الشعب).
فالله خلق اللسان آلة للنطق ؛ وعلى الإنسان أن يستخدمها
في الصدق والخير والذكر ؛ وإلا فالصمت أولى وأنجى ؛ يقول أبو حاتم: " إنَّ الله
جلَّ وعلا فضَّل اللسان على سائر الجوارح، ورفع درجته، وأبان فضيلته، بأن أنطقه من
بين سائر الجوارح بتوحيده، فلا يجب للعاقل أن يعود آلة خلقها الله للنطق بتوحيده بالكذب،
بل يجب عليه المداومة برعايته بلزوم الصدق، وما يعود عليه نفعه في داريه؛ لأنَّ اللسان
يقتضي ما عُوِّد؛ إن صدقًا فصدقًا، وإن كذبًا فكذبًا ". ( روضة العقلاء ).
أيها المسلمون:
إن صلاح اللسان صلاح لأعضاء الجسد كلها؛ وفساده فساد لأعضاء الجسد كلها؛ فعَنْ أَبِي
سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ مَرفُوعاً قَالَ:”إِذَا أَصْبَحَ ابْنُ آدَمَ فَإِنَّ الْأَعْضَاءَ
كُلَّهَا تُكَفِّرُ اللِّسَانَ فَتَقُولُ: اتَّقِ اللَّهَ فِينَا فَإِنَّمَا نَحْنُ
بِكَ؛ فَإِنْ اسْتَقَمْتَ اسْتَقَمْنَا؛ وَإِنْ اعْوَجَجْتَ اعْوَجَجْنَا”[ الترمذي
بسند حسن ]. وقد ضمن الرسول صلى الله عليه وسلم الجنة لمن حفظ لسانه من خبيث الكلام؛
فعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ؛ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ: “مَنْ يَضْمَنْ لِي مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ؛ وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ؛ أَضْمَنْ
لَهُ الْجَنَّةَ” (البخاري). وعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:” اضْمَنُوا لِي سِتًّا مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَضْمَنْ
لَكُمْ الْجَنَّةَ: اصْدُقُوا إِذَا حَدَّثْتُمْ؛ وَأَوْفُوا إِذَا وَعَدْتُمْ؛ وَأَدُّوا
إِذَا اؤْتُمِنْتُمْ؛ وَاحْفَظُوا فُرُوجَكُمْ؛ وَغُضُّوا أَبْصَارَكُمْ؛ وَكُفُّوا
أَيْدِيَكُمْ “. (أحمد والبيهقي والحاكم وصححه).
وهكذا رغب الإسلام
في الصدق ؛ ورهب من الكذب كما جاء في القرآن والسنة .
العنصر الثاني:
مظاهر الصدق ومجالاته
عباد الله: كثير
من الناس يعتقد أن الصدق مقتصر على مطابقة الخبر للواقع؛ أي كذب اللسان أن يُحدِّثَ
بخلاف الواقع؛ وهذا أحد أنواع ومجالات الصدق؛ وهناك أنواع ومجالات أخرى للصدق تتمثل
فيما يلي:
أولاً: صدق اللسان: وهو الصدق في الأقوال؛ وهو أشهر أنواع
الصدق وأظهرها؛ وصدق اللسان لا يكون إلا في الإخبار، وحقٌّ على كلِّ عبد أن يحفظ ألفاظه،
فلا يتكلم إلا بالصدق؛ وقد عد النبي صلى الله عليه وسلم الصمت – إذا كان الكلام يجلب
شراً - شعبة من شعب الإيمان ؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ
الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ»(متفق عليه) . قال الإمام النووي – رحمه
الله – في رياض الصالحين:" اعلم أنه ينبغي لكل مكلفٍ أن يحفظ لسانه عن جميع الكلام
إلا كلاماً ظهرت فيه المصلحة، ومتى استوى الكلام وتركه في المصلحة، فالسنة الإمساك
عنه، لأنه قد ينجر الكلام المباح إلى حرامٍ أو مكروهٍ؛ وذلك كثيرٌ في العادة، والسلامة
لا يعدلها شيءٌ."
ثانياً: صدق النية والإرادة: ويرجع ذلك إلى الإخلاص، وهو
أن لا يكون له باعث في الحركات والسكنات إلا الله تعالى، فإن مازجه شوب من حظوظ النفس
بطل صدق النية، وصاحبه يجوز أن يسمى كاذبًا. يقول الله عز وجل : { فَإِذَا عَزَمَ الأَمْرُ
فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ }. ( محمد:21 )، أي فإذا جدّ الحال
وحضر القتال ، فلو أخلصوا النية لله لكان خيرًا لهم ، وفي الحديث " أول ثلاثة
تسعر بهم النار، عالم ، ومتصدق ، وشهيد " أن الله يقول لكل منهم : " كذبت
، وإنما قرأت ، أو تصدقت ، أو قاتلت ليقال كذا وكذا " ( الحديث بتمامه في صحيح
مسلم). أي وليس صدقًا في طلب الثواب من الله عز وجل .
ثالثاً: صدق الوفاء
بالوعد والعهد: فالصدق في الوفاء بالعهد من صفات الأنبياء والمرسلين؛ قال تعالى متحدِّثًا
عن سيدنا إسماعيل – عليه السلام -:{ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ
كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا } [مريم: 54].
فالإنسان إذا عاهد
عهداً مع الله أو مع الناس ؛ لابد أن يصدق في عهده ووعده ؛ لذلك أثني الله تعالى على
المؤمنين بقوله: { مِنَ المُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ
}. [الأحزاب: 23]. وقد روي عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : غَابَ عَمِّي
أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ عَنْ قِتَالِ بَدْرٍ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ غِبْتُ
عَنْ أَوَّلِ قِتَالٍ قَاتَلْتَ المُشْرِكِينَ ، لَئِنِ اللَّهُ أَشْهَدَنِي قِتَالَ
المُشْرِكِينَ لَيَرَيَنَّ اللَّهُ مَا أَصْنَعُ ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ ،
وَانْكَشَفَ المُسْلِمُونَ ، قَالَ : اللَّهُمَّ إِنِّي أَعْتَذِرُ إِلَيْكَ مِمَّا
صَنَعَ هَؤُلاَءِ - يَعْنِي أَصْحَابَهُ - وَأَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ هَؤُلاَءِ
، - يَعْنِي المُشْرِكِينَ - ثُمَّ تَقَدَّمَ ، فَاسْتَقْبَلَهُ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ
، فَقَالَ : يَا سَعْدُ بْنَ مُعَاذٍ ، الجَنَّةَ وَرَبِّ النَّضْرِ إِنِّي أَجِدُ
رِيحَهَا مِنْ دُونِ أُحُدٍ ، قَالَ سَعْدٌ : فَمَا اسْتَطَعْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ
مَا صَنَعَ ، قَالَ أَنَسٌ : فَوَجَدْنَا بِهِ بِضْعًا وَثَمَانِينَ ضَرْبَةً بِالسَّيْفِ
أَوْ طَعْنَةً بِرُمْحٍ ، أَوْ رَمْيَةً بِسَهْمٍ وَوَجَدْنَاهُ قَدْ قُتِلَ وَقَدْ
مَثَّلَ بِهِ المُشْرِكُونَ ، فَمَا عَرَفَهُ أَحَدٌ إِلَّا أُخْتُهُ بِبَنَانِهِ قَالَ
أَنَسٌ : كُنَّا نُرَى أَوْ نَظُنُّ أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ فِيهِ وَفِي أَشْبَاهِهِ
: { مِنَ المُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ } إِلَى آخِرِ
الآيَةِ [الأحزاب: 23] .( البخاري).
وفي مقابل ذلك تجد
خلف الوعد والعهد سمة وعلامة من صفات المنافقين لكذبهم في خلف العهد مع الله تعالى؛
قال تعالى: { وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ
وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ
وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى
يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكَذِبُونَ}.(
التوبة:75 - 77 ).
رابعاً: الصدق في مقامات الدين: وهو أعلى الدرجات وأعزها،
ومن أمثلته: الصدق في الخوف والرجاء والتعظيم والزهد والرضا والتوكل وغيرها من الأمور.
خامساً: الصدق في
التجارة والمعاملات: فالصدق في المعاملات يورث الثقة بين المتعاملين؛ كما أنه سبيل
إلى بركة البيع والشراء؛ فَعَن حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ؛ عَنْ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:" الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ
يَتَفَرَّقَا فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا وَإِنْ كَذَبَا
وَكَتَمَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا"(متفق عليه)؛ قال ابن حجر:" في
الحديث حصول البركة لهما إن حصل منهما الشرط وهو الصدق والتبيين، ومحقها إن وجد ضدهما
وهو الكذب والكتم، وأن الدنيا لا يتم حصولها إلا بالعمل الصالح، وأن شؤم المعاصي يذهب
بخير الدنيا والآخرة."( فتح الباري). ويكفي أن الصادق يحشر مع النبيين والشهداء؛
فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ؛ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:"
التَّاجِرُ الصَّدُوقُ الْأَمِينُ مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ"(
الطبراني والحاكم والترمذي وحسنه).
وهكذا يشمل الصدق
مجالات الحياة كلها في الأقوال والأفعال والأحوال .
العنصر الثالث:
وسائل اكتساب الصدق
عباد الله: كثير
منا يقول: إن الصدق من الصفات الحميدة ولكن كيف اتحلى به ؟! وكيف اكتسبه ؟! وما هي
الوسائل المعينة عليه ؟! لأن الصدق شديد على النفس؛ ولهذا قال ابن القيم: " حمل
الصدق كحمل الجبال الرواسي، لا يطيقه إلا أصحاب العزائم، فهم يتقلبون تحته تقلب الحامل
بحمله الثقيل، والرياء والكذب خفيف كالريشة، لا يجد له صاحبه ثقلًا البتة، فهو حامل
له في أي موضع اتفق، بلا تعب ولا مشقة ولا كلفة، فهو لا يتقلب تحت حمله ولا يجد ثقله".أ.ه وإليكم بعض وسائل اكتساب الصدق والتي تتمثل فيما
يلي:
أولاً: مراقبة الله
تعالى: فإن إيمان المرء بأن الله عز وجل معه، يبصره ويسمعه؛ يدفعه للخشية والتحفظ،
قال الله تعالى:{ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا
فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ
إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ
أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ
اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }. [المجادلة: 7] وعندما يستحضر أن كلماته وخطراته،
وحركاته وسكناته كلها محصاة ومكتوبة: { مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ
عَتِيدٌ }. [ق: 18]، { وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ }. [الانفطار:
10-11]، فإن ذلك يقوده إلى رياض الصدق في الأقوال والأعمال والأحوال.
ثانياً: الحياء:
لأن الحياء يحجب صاحبه عن كل ما هو مستقبح شرعًا وعرفًا وذوقًا، والمرء يستحيي أن يعرف
بين الناس أنه كذاب، وهذا هو الذي حمل أبا سفيان -وهو يومئذ مشرك- أن يصدق هرقل وهو
يسأله عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. قال أبو سفيان: " فَوَاللَّهِ لَوْلَا
الْحَيَاءُ مِنْ أَنْ يَأْثِرُوا عَلَيَّ كَذِبًا لَكَذَبْتُ عَنْهُ ". (البخاري) ، أي: ينقلوا عليَّ الكذب لكذبت عليه.
قال ابن حجر: " وفيه دليل على أنهم كانوا يستقبحون الكذب، إما بالأخذ عن الشرع
السابق، أو بالعرف.. وقد ترك الكذب استحياء وأنفة من أن يتحدثوا بذلك بعد أن يرجعوا
فيصير عند سامعي ذلك كذابًا" . ( فتح الباري) .
قلت: فالمسلم أولى بالحياء من ربه أن يسمعه يقول
كذبًا، أو يطلع على عمل، أو حال هو فيه كاذب.
ثالثاً: صحبة الصادقين:
فقد أمر الله المؤمنين أن يكونوا مع أهل الصدق فقال: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ }[التوبة: 119]، أي: اقتدوا بهم واسلكوا
سبيلهم، وهم الذين استوت ظواهرهم وبواطنهم، وصدقوا في أقوالهم وأعمالهم.
رابعاً: إشاعة الصدق
في الأسرة: فالإسلام يوصي أن تغرس فضيلة الصدق في نفوس الأطفال، حتى يشبوا عليها، وقد
ألفوها في أقوالهم وأحوالهم كلها. فعن عبد الله بن عامر قال: دعتني أمي يوماً، ورسول
الله صلى الله عليه وسلم قاعد في بيتنا فقالت: تعال أعطك. فقال لها صلى الله عليه وسلم:
" وما أردت أن تعطيَه؟ " قالت: أردت أن أعطيَه ثمراً. فقال لها: " أما
أنك لو لم تعطه لكذبت عليه كذبة".( أحمد وأبوداود والبيهقي بسند حسن).
خامساً: الدعاء:
فلما كان حمل النفس على الصدق في جميع أمورها شاق عليها، ولا يمكن لعبد أن يأتي به
على وجهه إلا بإعانة الله له وتوفيقه إليه، أمر الله نبيه أن يسأله الصدق في المخرج
والمدخل، فقال عز وجل: { وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ
صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا.} [الإسراء: 80] .
سادساً: معرفة وعيد
الله للكذابين وعذابه للمفترين: فقد جاءت النصوص الكثيرة التي تحذر من الكذب، وتبين
سوء عاقبته في الدنيا والآخرة؛ ولهذا فإنَّ تذكير النفس بها، مما يعين المرء على الصدق
في أحواله كلها.
هذه هي الوسائل
المعينة على اكتساب فضيلة الصدق؛ ألا فلنحافظ عليها ونمتثلها حتى نكتب عند الله من
الصادقين .
العنصر الرابع:
ثمرات الصدق وفوائده
عباد الله: هناك
ثمرات وفوائد عديدة للصدق يعود أثرها على الفرد والمجتمع في الدنيا والآخرة وتتمثل فيما يلي:
منها: محبة الناس
للصادق ورواج بضاعته: فالتاجر الصادق الأمين يُعتبر مكسباً مهمّاً لا يُمكن أن يُعوَّض
بالنسبة للمشترين والتجار الآخرين؛ فالتزام التاجر بالصدق يكفل له رواج بضاعته، وثقة
الناس فيه؛ وإقبالهم على الشراء منه، حتى لو لم تكن بضاعته ذات كفاءة عالية في الكثير
من الأحيان، أو حتى لو كان سعره أعلى من سعر نظرائه من التجار.
وفي ذلك يقول عليّ
بن أبي طالب- رضي الله عنه-: « من كانت له عند النّاس ثلاث وجبت له عليهم ثلاث، من
إذا حدّثهم صدقهم، وإذا ائتمنوه لم يخنهم، وإذا وعدهم وفّى لهم، وجب له عليهم: أن تحبّه
قلوبهم، وتنطق بالثّناء عليه ألسنتهم، وتظهر له معونتهم ».
ومنها: حصول البركة
في البيع والشراء: " فإن صدقا وبينا بورك
لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما".(البخاري). " فحصول البركة
لهما إن حصل منهما الشرط وهو الصدق والتبيين، ومحقها إن وجد ضدهما وهو الكذب".(
فتح الباري لابن رجب).
ومنها: طمأنينة
النفس وراحة الضمير: لِتَخَلُّصِه من المُكَدِّرات في تعامله مع الآخرين، فعن الحسن
بن علي قال: حفظتُ مِن رسول الله صلى الله عليه وسلم:" دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى
مَا لاَ يَرِيبُكَ، فَإِنَّ الصِّدْقِ طُمَأْنِينَةٌ، وَإِنَّ الْكَذِبَ رِيبَةٌ".(
أحمد والنسائي والترمذي وصححه). وهذا الحديث " فيه إشارة إلى الرجوع إلى القلوب
الطاهرة والنفوس الصافية عند الاشتباه، فإن نفس المؤمن جبلت على الطمأنينة إلى الصدق،
والنفر من الكذب ". ( تطريز رياض الصالحين – فيصل المبارك ).
ومنها: أن الصادق
يفوز بسعادة العاجل والآجل في الدارين الدنيا والآخرة: يقول أبو حاتم: " الصدق
يرفع المرء في الدارين ؛ كما أنَّ الكذب يهوي به في الحالين".( روضة العقلاء).
ومنها: الفوز بالجنة
ومرافقة النبيين والشهداء: قال تعالى: { هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ
لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } (المائدة/ 119) ؛ وعَنْ
أَبِي سَعِيدٍ؛ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:" التَّاجِرُ
الصَّدُوقُ الْأَمِينُ مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ"(
الطبراني والحاكم والترمذي وحسنه). وعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّ النَّبِيَّ
-صلى الله عليه وسلم- قَالَ : « اضْمَنُوا لِي سِتًّا مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَضْمَنْ لَكُمُ
الْجَنَّةَ : اصْدُقُوا إِذَا حَدَّثْتُمْ ، وَأَوْفُوا إِذَا وَعَدْتُمْ ، وَأَدُّوا
إِذَا ائْتُمِنْتُمْ ؛ وَاحْفَظُوا فُرُوجَكُمْ ، وَغُضُّوا أَبْصَارَكُمْ ، وَكُفُّوا
أَيْدِيَكُمْ » ( أحمد والحاكم والبيهقي بسند حسن ).
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ؛ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"
عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ؛ وَإِنَّ الْبِرَّ
يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ؛ وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ
حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا؛ وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ فَإِنَّ الْكَذِبَ
يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ؛ وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ؛ وَمَا يَزَالُ
الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا".(
متفق عليه واللفظ لمسلم).
قال النووي في شرحه
لهذا الحديث: " قال العلماء: هذا فيه حث على تحرِّي الصدق، وهو قصده والاعتناء
به، وعلى التحذير من الكذب والتساهل فيه؛ فإنَّه إذا تساهل فيه كثر منه، فعرف به، وكتبه
الله لمبالغته صِدِّيقًا إن اعتاده، أو كذَّابًا إن اعتاده. ومعنى يكتب هنا يحكم له
بذلك، ويستحق الوصف بمنزلة الصديقين وثوابهم، أو صفة الكذابين وعقابهم، والمراد إظهار
ذلك للمخلوقين، إما بأن يكتبه في ذلك؛ ليشتهر بحظِّه من الصفتين في الملأ الأعلى، وإما
بأن يلقي ذلك في قلوب الناس وألسنتهم، وكما يوضع له القبول والبغضاء، وإلا فقدر الله
تعالى وكتابه السابق بكلِّ ذلك" . ( شرح
النووي ).
ومنها: قبول الأعمال:
فالصادق في تجاراته وتعاملاته يقبل منه عمله؛ بخلاف الكذاب؛ قال بعضهم: «من لم يؤدّ
الفرض الدّائم لم يقبل منه الفرض المؤقّت. قيل: وما الفرض الدّائم؟ قال: الصدق». (مدارج
السالكين).
هذه هي ثمرات وفوائد
الصدق في الدنيا والآخرة ؛ وذكرتها لتكون لكم دافعاً وباعثاً على لزوم الصدق في مجالات
الحياة كلها؛ لتفوزوا بسعادة العاجل والآجل .
العنصر الخامس:
الصدق في حياتنا المعاصرة بين الواقع والمأمول
عباد الله: إن من
ينظر إلى واقعنا المعاصر يجد أن الناس استهانوا بخطورة اللسان وخروج الكلمة؛ ويظنون
أنهم لن يحاسبوا على كل ما يخرج؛ ويكثرون من النكت والضحك وتقسيم الكذب إلى أبيض وأسود
وغير ذلك .
وإنه مما ينبغي
التنبيه عليه: أن النكت وهي قصص مكذوبة يقصد بها إضحاك الآخرين داخلة في الكذب المنهي
عنه؛ فكثير من الناس يؤلف نكت مكذوبة على رجالٍ معينين أو فئة أو صاحب مهنة؛ ليسخر
منهم ويُضحِكَ الآخرين؛ كأن يقول: " واحد صعيدي فعل كذا كذا......."؛ ثم
يتمايل الجميع من الضحك؛ يظنون أن هذا مباح!! وحسبك أن الله توعدهم هو ورسوله بالويل!
فعن معاوية بن حيدة
القشيري رضي الله عنه قال ؛ قال رسول اله صلى الله عليه وسلم:" ويلٌ للذي يحدِّثُ
بالحديثِ لِيُضحِكَ بهِ القومَ فيكذِبَ ، ويلٌ لهُ ، ويلٌ له" (أبو داود والترمذي
وحسنه). وليس معنى ذلك أن الإسلام يدعوك إلى العبوس والكآبة ؛ كلا ؛ إن الإسلام أباح
المزاح شريطة أن يقول حقاً وصدقاً؛ وكان صلى الله عليه وسلم يمزح مع أصحابه ويداعبهم
ولا يقول إلا حقاً؛ وشواهد ذلك كثيرة.
فعن أنس ـ رضي الله
عنه ـ :" أن رجلاً أتى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال يا رسول الله : احملني
، قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إنا حاملوك على ولد ناقة ، قال : وما أصنع بولد
الناقة ؟!، فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهل تلد الإبل إلا النوق!؟" (رواه
الترمذي ) فكان قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ مداعبةً للرجل ومزاحاً معه ، وهو حق لا
باطل فيه .
وروى الترمذي عن
الحسن قال : أتت عجوز إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالت : يا رسول الله ، ادع الله
أن يدخلني الجنة ، فقال : يا أم فلان ، إن الجنة لا تدخلها عجوز . قال : فَوَلَّتْ
تبكي ، فقال : أخبروها أنها لا تدخلها وهي عجوز ، إن الله تعالى يقول : {إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ
إِنْشَاءً * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا} . وهنا يتساءل الصحابة عن ذلك مخافة وقوعهم
في الكذب؟! فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قالوا يا رسول الله : إنك تداعبنا؟!
قال": نعم ، غير أني لا أقول إلا حقاً
" (رواه الترمذي).
أحبتي في الله:
ومن الأمور التي أحببت أن أنبه أحبابي وآبائي وإخواني وأبنائي عليها؛ أن كثيراً من
الناس يعتقد أن في الإسلام كذباً أبيضاً وآخر أسوداً ؛ أي كذبة بيضة وكذبة سودة؛ وهذا
ليس من الشرع في شيء؛ فالكذب كله محرم؛ صغيره وكبيره؛ قليله وكثيره؛ إلا ما رخص فيه
الشرع الحكيم من أجل المصلحة وذلك في ثلاث حالات: فعن أم كلثوم بنت عقبة رضي الله عنها
قالت:" رخَّصَ النبِيُّ مِنَ الكَذبِ في ثلاثٍ: في الحربِ، و في الإصلاحِ بين
الناسِ، و قولِ الرجلِ لامرأتِهِ. وفي روايةٍ: وحَدِيثِ الرجلِ امرأتَهُ، وحَدِيثِ
المرأَةِ زوجَها"(أحمد ومسلم).
عباد الله: إن الإسلام
حرم الكذب حتى على الحيوانات التي لا تعقل؛ فلا يجوز لك أن تكذب عليها؛ وإليكم قصة
في هذا الشأن.
روى العلامة المعلمي
اليماني في كتابه الأنوار الكاشفة :" أن جماعة من أصحاب الحديث ذهبوا إلى شيخ
ليسمعوا منه؛ فوجدوه خارج بيته يتبع بغلة له قد انفلتت؛ يحاول إمساكها وبيده مخلاة
يريها البغلة ويدعوها لعلها تستقر فيمسكها؛ فلاحظوا أن المخلاة فارغة؛ فتركوا الشيخ
وذهبوا وقالوا أنه كذاب! كذب على البغلة بإيهامها أن في المخلاة شعيراً !! والواقع
أنه ليس فيها شيء!! فرجعوا ولم يسمعوا منه. وقالوا: هذا يكذب على البغلة فلا نأمن أن
يكذب في الحديث!!".
أيها المسلمون:
اعلموا أن قوام المجتمع في التعامل بصدق في جميع مجالات الحياة؛ فكيف يكون لمجتمع ما
كيان متماسك، وأفراده لا يتعاملون فيما بينهم بالصدق؟! وكيف يكون لمثل هذا المجتمع
رصيد من ثقافة أو تاريخ أو حضارة وأفراده يكذبون ويرجون للكذب؟! كيف يوثق بنقل المعارف
والعلوم إذا لم يكن الصدق أحد الأسس الحضارية التي يقوم عليها بناء المجتمع الإنساني؟!
كيف يوثق بنقل الأخبار والتواريخ إذا لم يكن الصدق أحد الأسس الحضارية التي يقوم عليها
بناء المجتمع؟! كيف يوثق بالوعود والعهود ما لم يكن الصدق أحد أسس التعامل بين الناس؟!
كيف يوثق بالدعاوى والشهادات مالم يكن الصدق أحد أسس التعامل بين الناس؟!
ألا فلنعد إلى ما
كان عليه سلفنا الصالح من صدق في المعاملات والبيع والشراء حتى نكون قدوةً لغيرنا ودعوةً
للآخرين إلى الدخول في هذا الدين الحنيف؛ إننا إن فعلنا ذلك فزنا في الدنيا بالسعادة
والثقة والطمأنينة والتراحم فيما بيننا؛ وفي الآخرة بالجنة والمغفرة والثواب العظيم.
عباد الله: أختم
هذا اللقاء بهاتين القصتين وكيف ربَّى الصالحون الأوائل أولادهم على الصدق لأن فيه
النجاة.
الأولى: قال الشيخ
عبد القادر الجيلاني -رحمه الله-: بَنَيْتُ أمري على الصدق، وذلك أني خرجت من مكة إلى
بغداد أطلب العلم، فأعطتني أُمِّي أربعين دينارًا، وعاهدتني على الصدق، ولمَّا وصلنا
أرض (هَمْدَان) خرج علينا عرب، فأخذوا القافلة، فمرَّ واحد منهم، وقال: ما معك؟ قلت:
أربعون دينارًا. فظنَّ أني أهزأ به، فتركني، فرآني رجل آخر، فقال ما معك؟ فأخبرته،
فأخذني إلى أميرهم، فسألني فأخبرته، فقال: ما حملك على الصدق؟ قلت: عاهدَتْني أُمِّي
على الصدق، فأخاف أن أخون عهدها. فصاح باكيًا، وقال: أنت تخاف أن تخون عهد أُمِّك،
وأنا لا أخاف أن أخون عهد الله!! ثم أمر بردِّ ما أخذوه من القافلة، وقال: أنا تائب
لله على يديك. فقال مَنْ معه: أنت كبيرنا في قطع الطريق، وأنت اليوم كبيرنا في التوبة،
فتابوا جميعًا ببركة الصدق وسببه" ( نزهة المجالس ومنتخب النفائس: الصفوري ) قارن
بين ذلك وبين ما يحدث في واقعنا المعاصر: إذا طرق أحد الباب أو اتصل أحد على التليفون
يقول الوالد لولده: قل له أبي مش موجود!!! إننا بهذا الشكل نربي أولادنا على الكذب
ونطبقه أمامهم عملياً ولا شك أن هذه قدوة سيئة!!فلابد أن نضرب لهم القصص والأمثلة العملية
التي تغرس في نفوسهم الصدق حتى يكون سجية وطباعا في تعاملهم مع الله ومع الناس وقبل
كل ذلك مع أنفسهم!!
الثانية: روى أن
جماعة من اللصوص لاحقوا شابا من أجل سرقته وأخْذ ما معه من مال؛ هرب الشاب إلى الغابة
خوفاً من اللصوص؛ فوجد رجلا يحتطب فطلب منه أن يخبئه من اللصوص؛ فأشار عليه بالاختباء
في كومة الحطب؛ فأتوا اللصوص وسألوا الحطاب: هل رأيت أحداً يجري منذ قليل؟ فأخبرهم
بأن الشاب مختبئ في كومة الحطب، إلا أنهم سخروا منه وقالوا لبعضهم أنه يريد أن يؤخركم
عن ملاحقة الشاب؛ وبالفعل انصرفوا بسرعة فخرج الشاب غاضباً وقال للحطاب: لماذا أخبرتهم
بمكاني؟! فقال الحطاب: يا بني اعلم أن النجاة في الصدق دائماً. فالصدق منجاة وإن رأيتم
فيه الهلكة!!
اللهم إنا نسألك
الصدق في القول والعمل؛ ونعوذ بك من الشقاق والنفاق وسوء الأخلاق،،،،،،،،
الدعاء،،،،
وأقم الصلاة،،،،،
تعليقات: (0) إضافة تعليق