عناصر الخطبه:
العنصر الأول :أهمية القدوة
العنصر الثاني : القدوة الأعظم رسول الله
1: في العباده
2: في بيته
3: في الكرم
4: في الإيثار
5: في الرفق
العنصر الثالث : ليكن قدوتك رسول الله
نص الخطبة :
الحمد لله العليم الحكيم، نحمدك اللهم أعظم الحمد على ما هديتنا به من
إيمان صادق، ونبي بالحكمة ناطق، هديت به الأمة، وكشفت به الغمة، ومحَوت به الظلمة.
فاق الورى بكماله *** سبق الورى بجماله
عظمت جميع خصاله *** صلوا عليه وآله
وأشهد أن لا اله إلا الله، وحده لا شريك له، أنقذنا بالإسلام من كل كرْبٍ
وضيق وهدانا بالنبي محمد إلى أعظم طريق، صلِّ اللهم على هذا النبي التقي النقي، صلاةً
تليق بجودك العظيم، وبمقامه الكريم فقد فضَّلته على سائر النبيين، فاللهم ارض عنَّا
بالصلاة عليه، واجعلنا من خير الواصلين إليه. وبعد: أيها الكرماء الأجلاء عباد الله:
فإن موضوع القدوة من المواضيع المهمة جدا في حياة البشرية، فالقدوة الحسنة
هي الركيزة في المجتمع، وهي عامل التحول السريع الفعال، فالقدوة عنصر مهم في كل مجتمع،
فمهما كان أفراده صالحين، فهم في أمس الحاجة للاقتداء بالنماذج الحية. كيف لا وقد أمر
الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - بالاقتداء، فقال: ﴿ أولئك الذين هدى الله فبهداهم
اقتده قل لا أسألكم عليه أجرا إن هو إلا ذكرى للعالمين﴾ [الأنعام ].
وهذا يدل على عظم أثر القدوة في تشكيل الشخصية الإنسانية وتشتد الحاجة
إلى القدوة الحسنة كلما بعد الناس عن الإلتزام بقيم الإسلام وأخلاقه وأحكامه، كما أن
الله - عز وجل - حذر من مخالفة القول الفعل الذي ينفي كون الإنسان قدوة بين الناس،
فقال: ﴿ يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون * كبر مقتا عند الله أن تقولوا
ما لا تفعلون ﴾ [الصف] وإن المناهجَ والنظرياتِ التربويةَ في حاجةٍ دائمةٍ إلى من يُطَبِّقُهَا
ويعملُ بها، وبدون ذلك تظلُّ تلك المناهجُ والنظرياتُ حِبراً على ورق، لا تتحقق جدواها
ما لم تتحول تلك المناهجُ إلى سلوكٍ عَمَلِيٍّ يسير عليه الأفرادُ في تَصَرُّفَاتِهِم
وَمَشَاعِرِهم وأفكارِهم ولذا كان المنهجُ الإلهيُّ - في إصلاحِ البشريَّةِ وهدايتِها
إلى طريقِ الحقِ - مُعتمِداً على وجودِ القُدْوَةِ التي. تحوِّل تعاليمَ ومبادئَ الشريعةِ
إلى سلوكٍ عمليٍّ، وحقيقةٍ واقعةٍ أمام البشر جميعاً؛ فكان رسول الله - صلى الله عليه
وسلم - هو القدوةَ التي تترجم المنهج الإسلامي إلى حقيقة وواقع، قال تعالى: ﴿ لَقَدْ
كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ﴾ [الأحزاب ]
قال ابن عاشور في تفسيره (هذه الآيه فيها دليل علي فضل الإقتداء بالنبي
وأنه الأسوة الحسنة لا محالة )
وقال ابن كثير -رحمه الله-: " هذه الآية أصل كبير في التأسي برسول
الله صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله وأحواله، ولهذا أُمر الناس بالتأسي بالنبي
-صلى الله عليه وسلم- يوم الأحزاب في صبره ومصابرته، ومرابطته ومجاهدته، وانتظاره الفرج
من ربه سبحانه وتعالى "
وهنا ملحظ أول وهو الخطاب في هذه الآية موجه لمن؟
بعض أهل التفسير ذكروا أنه موجه للمنافقين المنخذلين عن رسول الله أي
أنكم تركتم التقدم في وقت الشدة، وقد تقدم رسول الله ونكصتم، وثبت ولم تتحملوا، وتحمل
الشدة والجوع كما هو معلوم. والخطاب أيضاً كماذكر بعض المفسرين- للمؤمنين، وهو أيضاً
خطاب عام في الاقتداء برسول الله وإن كان السياق في هذه الغزوة فإنه يكون سياقاً تربوياً
عظيماً؛ لأنه إن طلبتَ القدوة بالرسول في الأحوال الصعبة الشديدة في مثل مواجهة الأعداء،
والثبات في المعارك، والصبر على الشدائد، واحتمال الجوع فإن الإقتداء به فيما دون ذلك
يكون من باب أولى، وهذا سياق أولي يدلنا على عموم هذه الآية فيما يتعلق باقتدائنا برسول
الله -عليه الصلاة والسلام-.
*ومعنى الأسوة في الآية{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ}
والقراءة التي نقرأها (أُسوة) هي قراءة حفص عن عاصم، وقرأ أكثر القراء بكسر الهمزة
(إسوة)، وهنا معنيان:
المعنى الأول: الأسوة ما يتأسى به ويتعزى، فإن مر بك كرب فقد مر برسول
الله ما هو أعظم منه، وإن ألمت بك ضائقة فقد مر بالمصطفى -صلى الله عليه وسلم- ما هو
أشد، ونحن نعرف كيف كانت سيرته.
والمعنى الثاني: أن الأسوة بمعنى القدوة؛ لأن الإئتساء هو بمعنى الاقتداء،
وكلا الأمرين مشتمل على الآخر، فالقدوة أن نتبع، وفي الاتِّباع تأس وعزاء،
وهكذا ينبغي أن نتعامل مع شعار النبي قدوتنا كمشروع للتطبيق العملي علينا
قبل غيرنا اقتداء به في جميع مناحي الحياة فلقد كان النبي قدوة كاملة في جميع جوانب
سيرته إيمانا وخلقا وسلوكا وتعاملا مع غيره وفي كل أحواله
أحبتي الكرام تعالوا بنا لنعيش مع الرسول القدوة الاعظم في مجالات شتي
لنتأسي ولنتقدي به فلقد كان رَسُولِ اللَّهِﷺ قدوة
■ في العبادة■
فقد كانت حياته كلها عبادة لله سبحانه ، خاطبه ربه بقوله تعالى:﴿ يَا
أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ
مِنْهُ قَلِيلًا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا ﴾ [المزمل
].
فاستجاب لربه فقام حتى تفطرت قدماه
** روى الشيخان عن عائشة رضي الله عنها: أن نبي الله صلى الله عليه وسلم
كان يقوم من الليل حتى تتفطَّر قدماه، فقالت عائشة: لِمَ تصنع هذا يا رسول الله وقد
غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: ((أفلا أحب أن أكون عبدًا شكورًا))، فلما
كثر لحمه، صلَّى جالسًا، فإذا أراد أن يركع قام فقرأ ثم ركع )
** وعن الأسود بن يزيد قال : سألت عائشة رضي الله عنها عن صلاة رسول
الله بالليل فقالت : (( كان ينام أول الليل ويحيي آخره ثم إن كانت له حاجة إلى أهله
قضى حاجته ثم ينام فإذا سمع النداء الأول (قالت ) وثب ،( ولا والله ما قالت قام ) فأفاض
عليه من الماء ( ولا والله ما قالت اغتسل . وأنا أعلم ما تريد ) و إن لم يكن جنباً
توضأ وضوء الرجل للصلاة ثم صلى الركعتين )) البخاري ومسلم وهذا لفظ مسلم
** وكان يطيل صلاته بالليل ويناجي ربه ويدعوه ويستعين بهذا الورد الليلي
في القيام بأعباء الدعوة وأمور الأمة .
** عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال : (( صليت مع النبي صلى الله
عليه وسلم ليلة فافتتح البقرة فقلت : يركع عند المائة ، ثم مضى فقلت : يصلي بها في
ركعة ، فمضى ، ثم افتتح النساء فقرأها ثم افتتح آل عمران فقرأها ، يقرأ مترسلاً ، إذا
مر بآية فيها تسبيح سبح ، وإذا مر بسؤال سأل ، وإذا مر بتعوذ تعوذ، ثم ركع فجعل يقول
: سبحان ربي العظيم فكان ركوعه نحواً من قيامه ، ثم قال : سمع الله لمن حمده ، ربنا
لك الحمد ، ثم قام طويلاً قريباً مما ركع ، ثم سجد فقال : سبحان ربي الأعلى قريباً
من قيامه )) رواه مسلم
أحبتي الكرام بل إن النبي القدوة كان وقته عامراً بالطاعة والعبادة
.
* روى أبو داود عن عبدالله بن عمر قال: إن كنا لنعُدُّ لرسول الله صلى
الله عليه وسلم في المجلس الواحد مائة مرة: ((رب، اغفر لي، وتب عليَّ؛ إنك أنت التواب
الرحيم))؛(صحيح أبي داود للألباني
* وعن عائشة رضي الله عنها قالت : (( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
يذكر الله تعالى على كل أحيانه )) رواه مسلم .
*وعن أبي هريرة رضي الله عنه : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول
: " والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة " البخاري
.
** وتقول أم سلمة رضي الله عنها عن أكثر دعاء الرسول إذا كان عندها
: " يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك "رواه الترمذي .
أحبتي الكرام إن الدرس الذي نستفيده من عبادة رسول الله هو : أن العبادة
هي الزاد الحقيقي الذي يحتاج إليه العبد في سيره إلى الله تعالى . والعبادة هي الطريق
إلى ولاية الله للعبد الذي بموجبها يكون في حفظ الله ورعايته ويكون في أمان من أعدائه
وإذا كانت العبادة بهذه المكانة في الدين ففي هذه الأزمان التي تضطرب بالفتن والمغريات
والشهوات أشد حاجة إليها لتثبيت الإيمان وترسيخ الأقدام على الطريق المستقيم .
* روى معقل بن يسار رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
: " العبادة في الهرج كهجرة إلي " وفي رواية عند الإمام أحمد رحمه الله
" العمل في الهرج والفتنة كالهجرة إلي "
أيها الكرماء الأجلاء
وكان رَسُولِ اللَّهِﷺ قدوة
■في بيته ■
* روى البخاري في صحيحه عن الأسود قال: سألت عائشة: ما كان النبي صلى
الله عليه وسلم يصنع في بيته؟ قالت: كان يكون في مهنة أهله، تعني خدمة أهله، فإذا حضرت
الصلاة خرج إلى الصلاة )
** وروى أحمدُ عن عروة بن الزبير قال: سأل رجل عائشة: هل كان رسول الله
صلى الله عليه وسلم يعمل في بيته شيئًا؟ قالت: نعم، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
يخصف نعله، ويَخيط ثوبه، ويعمل في بيته كما يعمل أحدكم في بيته )
** وكان يدلل زوجته ويناديها باسم جميل فمرة يقول لأم المؤمنين عائشة
(يا عائش) وتارة (يا عويش). قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: إِنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهَا، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا:
«يَا عَائِشَ، هَذَا جِبْرِيلُ يُقْرِئُكِ السَّلاَمَ» فَقُلْتُ: وَعَلَيْهِ السَّلاَمُ
وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُه)ُ.رواه البخاري
** وروى النسائي عن أبي المتوكل عن أم سلمة: أنها أتت بطعام في صَحْفة
(وعاء) لها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فجاءت عائشة متزرةً بكساء ومعها
فِهر (حجر)، ففلقت به الصحفة، فجمع النبي صلى الله عليه وسلم بين فلقتي الصحفة، وقال:
((كلوا، غارت أمكم)) مرتين، ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم صحفة عائشة، فبعث
بها إلى أم سلمة، وأعطى صحفة أم سلمة عائشة) (صحيح سنن النسائي للألباني )
** وكان لا يستحيي أن يصرّح بحبّه لها أمام الرّجال؛ لأنه كان مشرعًا
ومعلّمًا، فعند الترمذي في سننه عن أَنَسٍ، قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ
أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيْكَ؟ قَالَ: «عَائِشَةُ»، قِيلَ: مِنَ الرِّجَالِ. قَالَ: «أَبُوهَا»،
نعم هذا رسول الله!!
وكان يستمع إلى زوجته طوال الليل ولا يتأفف رغم أعبائه ومشاغله وسعيه
في الحياة، ولم يتحجج -حاشا وكلا- بكثرة أعبائه وأعباء الحياة كما نحن اليوم، وراجع
حديث أم زرع وما كان من أمره. كما عند البخاري في صحيحه، وأول الحديث: عَنْ عَائِشَةَ،
قَالَتْ: جَلَسَ إِحْدَى عَشْرَةَ امْرَأَةً، فَتَعَاهَدْنَ وَتَعَاقَدْنَ أَنْ لاَ
يَكْتُمْنَ مِنْ أَخْبَارِ أَزْوَاجِهِنَّ شَيْئًا، قَالَتِ الأُولَى:......». هكذا
عاش رسول الله في حياته الزوجية، عطوفا، حبيبا، رقيقا، ليس بغاضب ولا متهوّر ولا مندفع
في الأمور.... فتخلقوا!!..
وكان رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قدوة
■في الكرم ■
إن كرمه كان مضرب الأمثال، فقد كان. رَسُولِ اللَّهِ ﷺ لا يرد سائلاً
وهو واجد ما يعطيه، فقد سأله رجل حلةً كان يلبسها، فدخل بيته فخلعها ثم خرج بها في
يده وأعطاه إياها.
* ففي صحيح البخاري ومسلم عن جابر بن عبد الله-رضي الله عنهما-قال: ما
سُئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم- شيئاً على الإسلام إلا أعطاه، سأله رجل فأعطاه
غنماً بين جبلين فأتى الرجل قومه، فقال لهم: (يا قوم أسلموا فإن محمداً يُعطي عطاء
من لا يخشى الفاقة )
* وكان الرجل ليجيء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ما يريد إلا
الدنيا فما يمسي حتى يكون دينه أحب إليه وأعز من الدنيا وما فيها،
* أخرج البخاري عن ابن عباس -رضي الله عنهما-، وقد سئل عن جود الرسول
وكرمه، فقال: (كان رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أجود الناس، وكان أجود ما يكون في شهر رمضان حين
يلقاه جبريل بالوحي فيدارسه القرآن، فرسول الله أجود بالخير من الريح المرسلة).بمعنى
أن إعطائه دائماً لا ينقطع بيسر وسهولة،
* وحملت إليه تسعون ألف درهم فوضعت على حصير، ثم قام إليها يقسمها فما
رد سائلاً حتى فرغ منها.
** وأعطى العباس - رضي الله عنه- من الذهب ما لم يطق حمله.
أيها الكرماء :
وكان رسول الله ﷺ
■ قدوة في الإيثار ■
والإيثار: هو تقديم الغير على النفس وحظوظها الدنياوية، ورغبة في الحظوظ
الدينية، وذلك ينشأ عن قوة اليقين، وتوكيد المحبة،
** روى البخاري عن سهل رضي الله عنه: أن امرأةً جاءت النبي صلى الله
عليه وسلم ببُردة منسوجة فيها حاشيتها، أتدرون ما البردة؟ قالوا: الشَّملة، قال: نعم،
قالت:نسجتُها بيدي، فجئت لأكسوكها، فأخذها النبي محتاجًا إليها، فخرج إلينا وإنها إزاره،
فحسَّنها فلان، فقال: اكسنيها؛ ما أحسنها! قال القوم: ما أحسنتَ! لبِسها النبيُّ صلى
الله عليه وسلم محتاجًا إليها، ثم سألته، وعلمت أنه لا يرد، قال: إني والله ما سألته
لألبسه، إنما سألته لتكون كفَني، قال سهل: فكانت كفَنَه)
** وروى البخاري عن جابر رضي الله عنه قال: إنا يوم الخندق نحفر، فعرضت
كدية شديدة (القطعة الصلبة من الأرض)، فجاؤوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: هذه
كدية عرضت في الخندق، فقال: ((أنا نازل))، ثم قام وبطنه معصوب (مربوط) بحجر، ولبثنا
ثلاثة أيام لا نذوق ذواقًا، فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم المعول فضرب فعاد كثيبًا
(رملًا) أهيل (غير متماسك) أو أهيم، فقلت: يا رسول الله، ائذَنْ لي إلى البيت، فقلت
لامرأتي: رأيت بالنبي صلى الله عليه وسلم شيئًا ما كان في ذلك صبر، فعندك شيء؟ قالت:
عندي شعير وعَناق (شاة صغيرة)، فذبحت العَناق، وطحنت الشعير، حتى جعلنا اللحم في البرمة
(القدر)، ثم جئت النبي صلى الله عليه وسلم والعجين قد انكسر، والبرمة بين الأثافي
(الحجارة التي توضع عليها القدور) قد كادت أن تنضج، فقلت: طعيم لي، فقم أنت يا رسول
الله ورجل أو رجلان، قال: ((كم هو؟))، فذكرت له، قال: ((كثير طيب)) قال: ((قل لها:
لا تنزع البرمة ولا الخبز من التنور حتى آتي))، فقال: ((قوموا، فقام المهاجرون والأنصار))،
فلما دخل على امرأته قال: ويحك جاء النبي صلى الله عليه وسلم بالمهاجرين والأنصار ومن
معهم، قالت: هل سألك؟ قلت: نعم، فقال: ((ادخلوا ولا تضاغطوا))، فجعل يكسر الخبز ويجعل
عليه اللحم، ويخمر البرمة والتنور إذا أخذ منه، ويقرب إلى أصحابه، ثم ينزع، فلم يزل
يكسر الخبز ويغرف حتى شبعوا، وبقي بقية، قال: ((كُلِي هذا وأهدي؛ فإن الناس أصابتهم
مجاعة))
وكان رَسُولِ اللَّهِ ﷺ
■قدوة في الرفق ●
أيها الكرماء:
يقول الله ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ﴾ [آل عمران]وقال
﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء].
** وروى مسلم عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، عن النبي صلى الله
عليه وسلم قال: ((إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا يُنزَع من شيء إلا شانه))
** وروي مسلم عن عائشة قالت : سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في بيتي هذا: ((اللهم مَن وَلِيَ
من أمر أمتي شيئًا فشق عليهم، فاشقق عليه، ومَن ولي من أمر أمتي شيئًا فرفق بهم، فارفق
به)
** وروى البخاري عن
عائشة رضي الله عنها قالت: كان اليهود يسلِّمون على النبي صلى الله عليه
وسلم يقولون: السام عليك، ففطنت عائشة إلى قولهم فقالت: عليكم السام واللعنة، فقال
النبي صلى الله عليه وسلم: ((مهلًا يا عائشة! إن الله يحب الرفق في الأمر كله))، فقالت:
يا نبي الله، أولم تسمع مايقولون؟
قال:((أولم تسمعي أني أرد ذلك عليهم فأقول:وعليكم؟!)).
** وروى البخاري عن أبي هريرة: أن أعرابيًّا بال في المسجد، فثار إليه
الناس ليقعوا به، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((دعوه وأهريقوا على بوله
ذَنوبًا من ماء، أو سَجْلًا من ماء؛ فإنما بعثتم ميسِّرين، ولم تبعَثوا معسِّرين))؛
** وروى الشيخان عن أنس بن مالك: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
((إني لأدخل في الصلاة وأنا أريد إطالتها، فأسمع بكاء الصبي فأتجوَّز في صلاتي؛ مما
أعلم من شدة وَجْد أمه من بكائه))
*** وروى مسلم عن أبي موسى الأشعري قال: كان رسول الله صلى الله عليه
وسلم إذا بعث أحدًا من أصحابه في بعض أمره قال: ((بشِّروا ولا تنفِّروا، ويسِّروا ولا
تعسِّروا)
احبتي الكرام ولم يقتصر رفق النبي علي الإنسان بل شمل الحيوان
رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قدوة
■ في الرفق بالحيوان ■
فقد روى أبو داود عن سهل بن الحنظلية قال:مر رَسُولِ اللَّهِ ﷺ ببعير
قد لحق ظهره ببطنه، فقال: ((اتقوا الله في هذه البهائم المعجمة، فاركبوها صالحةً، وكُلوها
صالحةً))
(صحيح أبي داود للألباني.)
** وروى الشيخان عن سعيد بن جبير قال: مر ابن عمر بنفر قد نصبوا دجاجةً
يترامونها، فلما رأوا ابن عمر تفرقوا عنها، فقال ابن عمر: من فعل هذا؟ إن رسول الله
صلى الله عليه وسلم لعن من فعل هذا)
** وروى مسلم عن شداد بن أوس قال: ثِنتان حفظتهما عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم، قال: ((إن الله كتَب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القِتلة، وإذا
ذبحتم فأحسنوا الذبح، ولْيُحِدَّ أحدكم شفرتَه، فليُرِحْ ذبيحته))
هذا هو رسول الله القدوة الأعظم وهذه جملة عامةٌ وعابرةٌ ، وهذا قليلٌ
من كثيرٍ كثير،
نسأل الله أن يعيننا على التأسي برسولنا العظيم الذي أدبه ربه فأحسن
تأديبه.
الخطبة الثانيه:
الحمد لله وكفي وصلاة وسلاما على عباده الذين اصطفي وبعد: فيا معاشر
المسلمين
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عجيبة من عجائب الكون، وآية من آيات
الله، ومعجزة من معجزات الله في هذه الأرض -وتدبروا معي فهو رسول يتلقى الوحي من السماء
ليربط الأرض بالسماء بأعظم رباط وأشرف صلة، وهو رجل سياسة، يقيم للإسلام دولة من فتات
متناثر، وسط صحراء تموج بالكفر موجاً، فإذا هي بناء شامخ لا يطاوله بناء في فترة لا
تساوي في حساب الزمن شيئاً على الإطلاق، وهو رجل حرب يضع الخطط ويقود الجيوش بنفسه،
بل إذا حمي الوَطِيْسُ واشتدت المعارك وفر الأبطال والشجعان، وقف على ظهر دابته لينادي
على الجمع بأعلى صوته ويقول: (أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب) وهو رب أسرة كبيرة
تحتاج إلى كثير من النفقات من نفقات الوقت والفكر والتربية والشعور، فضلاً عن النفقات
المادية، فيقوم النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الدور على أعلى وأثم وجه شهدته الأرض
وعرفه التاريخ. فهو صلى الله عليه وسلم رجل إنساني من طراز فريد كأنه ما خلق في الأرض
إلا ليمسح دموع البائسين، وليضمد جراح المجروحين، وليذهب آلام البائسين المتألمين.
وهو رجل عبادة قام بين يدي الله حتى تورمت قدماه، فلما قيل له: أولم يغفر الله لك ما
تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال قولته الجميلة: (أفلا أكون عبداً شكوراً). هو رجل دعوة
أخذت عرقه ووقته وفكره وروحه، قال له ربه: يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ
[المدثر ]، فقام ولم يذق طعم الراحة حتى لقي ربه جل وعلا، فرسول الله صلى الله عليه
وسلم.. ما تعلقت به قلوب أصحابه إلا لأنه قدوة، ما أمرهم بأمر إلا وكان أول المنفذين
له، وما نهاهم عن نهي إلا وكان أول المنتهين عنه، وما حد لهم حداً إلا وكان أول الوقافين
عند هذا الحد.
فعلينا أن نقتدي به في حياتنا
قال تعالي : (ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم
من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً *ذلك الفضل من الله وكفى
بالله عليماً ) [النساء ].
وقال تعالى : ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله
واليوم الآخر وذكر الله كثيراً) [الأحزاب]
فالمؤمن الحق هو المتبع لرسول الله صلى الله عليه وسلم في أخلاقه وآدابه
صلى الله عليه وسلم والمستن بسنته وهديه .
قال صلى الله عليه وسلم: ((إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة
أحاسنكم أخلاقا)).
قال عليه الصلاة والسلام: ((ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة
من خلق حسن؛ وإن الله يبغض الفاحش البذيء)).
وقال صلى الله عليه وسلم : ((أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا ، وخياركم
خياركم لأهله)).
ومن ها هنا نعلم اضطرارنا فوق كل ضرورة إلى معرفة نبينا صلى الله عليه
وسلم لتقوى محبتنا له ، فإذا ما أحببناه اقتدينا بهديه وتأدبنا بآدابه وتعاليمه ، فبمتابعته
يتميز أهل الهدى من أهل الضلال.
اللهم اجعلنا من الذين
يستمعون القول فيتبعون أحسنه واقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم وأقم الصلاه
تعليقات: (0) إضافة تعليق