القائمة الرئيسية

الصفحات

وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة دكتور أحمد محمد ابو عيد

 






pdf


word

الحمد لله رب العالمين، وأشهد ان لا إله إلا الله القوي المتين، وأشهد أن سيدنا محمدا عبد الله ورسوله إمام النبيين، وبعد

أولًا: أهمية إعداد القوة                                  ثانيًا: من عوامل النصر والتمكين

الموضوع

أولًا: أهمية إعداد القوة

تعظيم أمر الجهاد: عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَصْبَحْتُ قَرِيبًا مِنْهُ وَنَحْنُ نَسِيرُ، فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ، أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ، وَيُبْعِدُنِي عَنِ النَّارِ، قَالَ: «لَقَدْ سَأَلْتَ عَنْ عَظِيمٍ، وَإِنَّهُ لَيَسِيرٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ اللهُ عَلَيْهِ، تُقِيمُ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ، وَتَحُجُّ الْبَيْتَ» , ثُمَّ قَالَ: «أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى أَبْوَابِ الْخَيْرِ؟ الصَّوْمُ جُنَّةٌ، وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ، وَصَلَاةُ الرَّجُلِ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ» , ثُمَّ تَلَا {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} [السجدة: 16] حَتَّى {يَعْمَلُونَ} [السجدة: 17] ثُمَّ قَالَ: «أَلَا أُخْبِرُكَ بِرَأْسِ الْأَمْرِ وَعَمُودِهِ وَذِرْوَةِ سَنَامِهِ؟» , قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: «رَأْسُ الْأَمْرِ الْإِسْلَامُ، وَعَمُودُهُ الصَّلَاةُ، وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الْجِهَادُ» , ثُمَّ قَالَ: «أَلَا أُخْبِرُكَ بِمِلَاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ؟» , قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ فَقَالَ: «كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا» , قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟ , قَالَ: " ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ - أَوْ قَالَ: عَلَى مَنَاخِرِهِمْ - إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ؟ " ([1])

دخول الجنة: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ بِالسَّهْمِ الْوَاحِدِ ثَلَاثَةَ نَفَرٍ الْجَنَّةَ، صَانِعَهُ الَّذِي احْتَسَبَ فِي صَنْعَتِهِ الْخَيْرِ وَمُتَنَبِّلُهُ، وَالرَّامِي ارْمُوا وَارْكَبُوا، وَإِنْ تَرْمُوا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ تَرْكَبُوا، وَلَيْسَ مِنَ اللَّهْوِ إِلَّا ثَلَاثَةٌ، تَأْدِيبُ الرَّجُلِ فَرَسَهُ، وَمُلَاعَبَتُهُ زَوْجَتَهُ، وَرَمْيُهُ بِنَبْلِهِ عَنْ قَوْمِهِ، وَمَنْ عَلِمَ الرَّمْيَ ثُمَّ تَرَكَهُ، فَهِيَ نِعْمَةٌ كَفَرَهَا» ([2])

الاستخلاف في الأرض: قال تعالى: وإن ديننا العظيم يلزمنا بشرطين للنصر ، وهما: الإعداد المادي والأخذ بأسباب القوة والشرط الثاني :هو الأعداد المعنوي الإيماني للشعب المسلم المجاهد وهذا ما بينته الآية: ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ النور 55.

وجوب الحذر وأخذ الحيطة: فالواجب على الدول الإسلامية أن تستعد لأعداء الله وتحذر مكائدهم، وأن تستقيم على دين الله، وأن تلزم الحق وأن تعد العدة دائماً، ولا تغفل ولا تأمن مكر العدو، يقول الله جل وعلا في كتابه العظيم: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ ) النساء 71 ، والله أمرهم بما يستطيعون حيث يقول تعالى :﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ﴾ الانفال 60؛

تخويف العدو بإظهار ظهار مدى القوة له: عن سعيد بن جبير عن ابن عباس -رضي الله عنهما-: "أَنَّ قُرَيْشًا، قَالَتْ: إِنَّ مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ قَدْ وَهَنَتْهُمْ حُمَّى يَثْرِبَ! فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِعَامِهِ الَّذِي اعْتَمَرَ فِيهِ –عمرة القضاء-، قَالَ لِأَصْحَابِهِ: "ارْمُلُوا بِالْبَيْتِ ثلاثا –أي في الثلاثة أشواط الأولى- لِيَرَى الْمُشْرِكُونَ قُوَّتَكُمْ" فَلَمَّا رَمَلُوا، قَالَتْ قُرَيْشٌ: مَا وَهَنَتْهُمْ –يعني حمى يثرب- " ([3])

رمل إذا أسرع في مشيته، وهز منكبيه، وهو في ذلك لا يجري، الرمل: المشي السريع.

وفي رواية لأحمد: "فقال المشركون: أهؤلاء الذين نتحدث أن بهم هزلا! ما رضي هؤلاء بالمشي حتى سعوا سعيا!" ، وفي روية: فقال المشركون: "كأنهم الغزلان".

لا تزال طائفة قائمة على الحق إلى يوم القيامة: عن مُعَاوِيَةَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «لاَ يَزَالُ مِنْ أُمَّتِي أُمَّةٌ قَائِمَةٌ بِأَمْرِ اللَّهِ، لاَ يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ، وَلاَ مَنْ خَالَفَهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ» قَالَ عُمَيْرٌ: فَقَالَ مَالِكُ بْنُ يُخَامِرَ: قَالَ مُعَاذٌ: وَهُمْ بِالشَّأْمِ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: هَذَا مَالِكٌ يَزْعُمُ أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاذًا يَقُولُ: وَهُمْ بِالشَّأْمِ ([4])

ثانيًا: من عوامل النصر والتمكين

الاعتماد على الله فهو الناصر والمعين: إن القوة الحقيقية تحدث عندما نصل الأرض بالسماء والدنيا بالآخرة وتتعلق القلوب بالقوى المتين، فقوة الله فوق كل شيء: (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ) هود: ٦٦، وقال تعالى: (وَلَيَنصُرَنَّ الله مَن يَنصُرُهُ إِنَّ الله لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) الحج: ٤٠ ،  وقال تعالى: (كَتَبَ الله لأغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ الله قَوِيٌّ عَزِيزٌ) المجادلة: ٢١

وقال الله تعالى :  {وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ} [البقرة: 165].

يقول ابن كثير –رحمه الله-: الحكم له وحده لا شريك له، وأن جميع الأشياء تحت قهره وغلبته وسلطانه { وأن الله شديد العذاب } كما قال: { فيومئذ لا يعذب عذابه أحد * ولا يوثق وثاقه أحد } [الفجر: 25 ، 26]

يقول: لو علموا ما يعاينونه هنالك، وما يحل بهم من الأمر الفظيع المنكر الهائل على شركهم وكفرهم، لانتهوا عما هم فيه من الضلال.

وتأملوا عباد الله إلى قوته و جبروته في إهلاك الظالمين و عقاب المكذبين { كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ } [الأنفال: 52]

يقول الطبري r: إن الله قوي، لا يغلبه غالب، ولا يرد قضاءه رادٌّ، يُنْفِذ أمره، ويُمضي قضاءه في خلقه شديد عقابه لمن كفر بآياته وجحد حُججه.

بالقوة يكمن الصمود والطاعة لله رب العالمين: لما كان مدار الصُّمود والبقاء على القوَّة في الدِّين، أمر بها سبحانه وتعالى في كتابه قال تعالى:  أي بجد وحرص واجتهاد، وأمر بها موسى عليه السلام قال تعالى: (ٍفَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا) "الأعراف:١٤٥"

 وأمر بها بنو إسرائيل: (خُذُواْ مَآ آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ) "البقرة: ٦٣ ، قال مجاهد: بقوة أي يعمل بما فيه، وهى الطاعة والجد أيضًا،

 وَوصَف الله عزَّ وجل بها نبيَّه داود عليه السلام فقال: (واذكر عبدنا داود ذا الأيْد) ص:١٧، أي ذا القوة في الدِّين.

 بل خاطب الله بها يحيى عليه السلام منذ أن كان في المهد صبياً (يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ) "مريم:١٢؛ لينشأ ذلك الصبي -وهو ابن ثلاث سنين كما في قول ابن عباس رضي الله عنه (البغوي)- على معاني القوَّة والجدِّ والعزم في أخذ الدِّين والتمسُّك به.

الإعداد الجيد: قال تعالى: ( وَأَعِدُّو اْلَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ ) (60) الأنفال.

عن عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ « وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ أَلاَ إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ أَلاَ إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ أَلاَ إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ » ([5])

قال الإمام السعدي رحمه الله: (أي وَأَعِدُّوا لأعدائكم الكفار الساعين في هلاككم وإبطال دينكم ﴿ ما اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ﴾ أي كل ما تقدرون عليه من القوة العقلية والبدنية، وأنواع الأسلحة ،ونحو ذلك مما يعين على قتالهم، فدخل في ذلك أنواع الصناعات التي تعمل فيها أصناف الأسلحة ،والآلات من المدافع والرشاشات، والبنادق، والطيارات الجوية، والمراكب البرية والبحرية، والحصون والقلاع والخنادق، وآلات الدفاع، والرأْي والسياسة التي بها يتقدم المسلمون ويندفع عنهم به شر أعدائهم، وتَعَلُّم الرَّمْيِ، والشجاعة والتدبير. ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: “ألا إن القوة الرَّمْيُ” ومن ذلك: الاستعداد بالمراكب المحتاج إليها عند القتال، ولهذا قال تعالى ﴿ و َمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ ﴾ فهذه العلة موجودة فيها في ذلك الزمان، وهي إرهاب الأعداء، والحكم يدور مع علته. فإذا كان شيء موجوداً أكثر إرهاباً منها، كالسيارات البرية والهوائية، المعدة للقتال التي تكون النكاية فيها أشد، كانت مأموراً بالاستعداد بها، والسعي لتحصيلها، حتى إنها إذا لم توجد إلا بتعلُّم الصناعة، وجب ذلك، لأن ما لا يتم الواجب إلا به، فهو واجب وقوله تعالى ﴿ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ ﴾ ممن تعلمون أنهم أعداؤكم. ﴿ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ ﴾ ممن سيقاتلونكم بعد هذا الوقت الذي يخاطبهم الله به “اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ” فلذلك أمرهم بالاستعداد لهم، ومن أعظم ما يعين على قتالهم بذلك النفقات المالية في جهاد الكفار. ولهذا قال تعالى مرغبا في ذلك ﴿ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ قليلاً كان أو كثيراً ﴿ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ ﴾ أجره يوم القيامة مضاعفاً أضعافاً كثيرة .

التمسك بحبل الله وكثرة اللجوء إليه والاستعانة به: من نظر في السنن والسيرة وطالع قصص الأنبياء المرسلين لوجد أن القوة في الأخذ بدين الله وفى مواجهة الكافرين والدعوة إلى الله رب العالمين سمة واضحة في حياتهم.

فهذا نبي الله نوح دعا قومه ليلاً ونهارًا و سرًا وجهارًا، قيل كان يدخل لهم في بيوتهم لدعوتهم، أدماه قومه وكان يغمى عليه فإذا أفاق قال لهم: "اعبدوا الله ما لكم من إله غيره"، واستمر يدعو "ألف سنة إلا خمسين عامًا" وفى النهاية "ما آمن معه إلا قليل"!! فهل فتر أو ضعف أو ترك الدعوة؟! كلا.. بل أمر بصنع السفينة فصنعها على اليابسة وكان يعلم أن الله مجريها ومرسيها وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه قال (إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ ) هود: ٣٨.

* وهذا نبي الله إبراهيم يكسر الأصنام ويدعو أباه ويواجه قومه ويناظر النمرود الذي امتلك الدنيا - ويسكن هاجر وولده إسماعيل هذا المكان القفر ويهم بذبح ولده نزولا على أمر الله ويرتحل هنا وهناك ويقول إني ذاهب إلى ربى سيهدين مجاهداً في سبيل الله حق جهاده غير هياب ولا وجل من قوة أرضية مادية (إن إبراهيم كان أمة قانتاً لله حنيفا ولم يك من المشركين شاكراً لأنعمه اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم).

* وهذا نبي الله موسى يواجه فرعون الذي ادعى الربوبية والألوهية مع الله - ويناظر السحرة قيل كانوا سبعون ألف ساحر - واضطر للخروج إلى مدين -وهناك قالت الفتاة لأبيها: (يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ) القصص: ٢٦.

 ثم ظهرت قوته في دعوته لبنى إسرائيل والصبر عليهم ودعوتهم للثبات على دين الله (اسْتَعِينُوا بالله وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ لله يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) الأعراف: ١٢٨.

ويوم حنين عندما انكشف المسلمون وقف ﷺ يقول: أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب حتى التف أصحابه حوله, وصارع ركانة - وكان من مشاهير العرب في القوة فصرعه النبي ﷺ ثلاث مرار، وكان يتعبد في غار حراء الليالي ذوات العدد وتزوده أم المؤمنين السيدة خديجة لمثلها. وذلك قبل البعثة فمن منا يطيق مثل ذلك.

اتخاذ كافة الوسائل الممكنة والتدابير اللازمة والتدريب المستمر:  عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شِمَاسَةَ، أَنَّ فُقَيْمًا اللَّخْمِيَّ، قَالَ لِعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ: تَخْتَلِفُ بَيْنَ هَذَيْنِ الْغَرَضَيْنِ وَأَنْتَ كَبِيرٌ يَشُقُّ عَلَيْكَ، قَالَ عُقْبَةُ: لَوْلَا كَلَامٌ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ أُعَانِيهِ، قَالَ الْحَارِثُ: فَقُلْتُ لِابْنِ شَمَاسَةَ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: إِنَّهُ قَالَ: «مَنْ عَلِمَ الرَّمْيَ، ثُمَّ تَرَكَهُ، فَلَيْسَ مِنَّا» أَوْ «قَدْ عَصَى» ([6])

والقوة في عصرنا هذا: الصواريخ والطائرات، لأنها بمثابة السهام في الحرب مع الأعداء.

وحرص رسول الله g على تعليم المسلمين الرمي ورغيبهم فيه، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ سَلَمَةَ بْنَ الأَكْوَعِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى نَفَرٍ مِنْ أَسْلَمَ يَنْتَضِلُونَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ارْمُوا بَنِي إِسْمَاعِيلَ، فَإِنَّ أَبَاكُمْ كَانَ رَامِيًا ارْمُوا، وَأَنَا مَعَ بَنِي فُلاَنٍ» قَالَ: فَأَمْسَكَ أَحَدُ الفَرِيقَيْنِ بِأَيْدِيهِمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا لَكُمْ لاَ تَرْمُونَ؟»، قَالُوا: كَيْفَ نَرْمِي وَأَنْتَ مَعَهُمْ؟ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ارْمُوا فَأَنَا مَعَكُمْ كُلِّكُمْ» ([7])

ولما كان الخيل من الأسلحة التي تحدد مصير المعارك في عصره، أمرهم بتربية الخيول وتجهيز مزارع خاصة لها، وتدريبها علي فنون القتال، وعمل مسابقات لها، وقال لهم في شانها: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الخَيْلُ فِي نَوَاصِيهَا الخَيْرُ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ» ([8])

وجعل الثواب في هذا عظيم فعن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنِ احْتَبَسَ فَرَسًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِيمَانًا بِاللَّهِ وَتَصْدِيقًا بِوَعْدِهِ، فَإِنَّ شِبَعَهُ وَرِيَّهُ وَرَوْثَهُ وَبَوْلَهُ فِي مِيزَانِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ» ([9])

الثقة في الله وعدم الرهبة من العدو: هذه عدة نماذج من قوة الصحابة وعدم خوفهم من العدو مع ضعف موقفه حينها:

ها هو ربعيّ بن عامرٍ -رضي الله عنه- ذلك الصحابي الذي أرسله سعد بن أبي وقاص -h، إلى رستم قائد جيش الفرس، ويدخل ربعيّ بثيابه  المتواضعة على رستم، وقد زينوا مجلسه بالنمارق والزرابي والحرير وأظهر اليواقيت واللآلىء الثمينة العظيمة ، وعليه تاجه ، وغير ذلك من الأمتعة الثمينة ، وقد جلس على سرير من ذهب، ودخل ربعي بثياب صفيقة متواضعة وترس وفرس قصيرة.. ولم يزل راكبها حتى داس بها على طرف البساط ثم نزل وربطها ببعض تلك الوسائد، وأقبل وعليه سلاحه وبيضته على رأسه ...

فقالوا له : ضع سلاحك . 

فقال: إنّي لم آتكم، وإنما جئتكم حين دعوتموني، فإن تركتموني هكذا وإلا رجعت..

فقال رستم: ائذنوا له، فأقبل يتوكأ على رمحه فوق النمارق لخرق عامتها، فقال رستم: من انتم وما جاء بكم ؟

 فيقول: ربعي -بكلِّ قوة وثبات- ( نحن قومٌ ابتعثنا الله لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة ربّ العباد، ومن جَوْرِ الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، فمن قبل منا قبلنا منه ورجعنا عنه، ومن حال بيننا وبين دعوة الناس لدين الله قاتلناه حتّى نفضي إلى موعود الله ...قال رستم: وما موعود الله؟

 قال ربعيّ: الجنّة لمن مات منا، والنصر لمن بقي من إخواننا، فانظر إلى مدى الثقة في النفس وقوة الخطاب، ذلك مصدره كُلُّه من ربٍّ عزيزٍ سبحانه وتعالى .

وهذا صهيب الرومي رضي الله عنه: حينما أراد الهجرة وأُدرِكَ، فقال لهم: "أعطيكم ما عندي من المال وتتركوني"؟ لأنهم عيبوه قالوا له: جئتنا صعلوكًا وتنطلق الآن وقد أخذت من الأموال كذا وكذا، وأوحي إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بذلك فلما وصل قال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «بخ بخ، ربح البيع أبا يحيى»

وهذا أنس بن النضر: تقدم يوم أحد، وانكشف المسلمون، فاستقبله سعد بن معاذ فقال أنس: يا سعد: الجنة ورب الكعبة، إني أجد ريحها من دون أحد، قال سعد: فوجدنا به بضعا وثمانية ضربة بسيف أو طعنة برمح أو رمية بسهم ووجدناه قد قتل ومثل به المشركون فشوهوا جسده، فما عرفه أحد إلا أخته ببنانه

وعمار بن ياسر وأبوه وأمه j : ابتلوا بلاءً شديدًا بمجرد ما أسلموا، وكانت أمه أول شهيدة في الإسلام، وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يمر عليهم فلا يجد ما يواسيهم به غير الكلمات يقول لهم: «صبرًا آل ياسر فإن موعدكم الجنة».

وهذا مصعب بن عمير: الذي ضرب مثلاً في الثبات على دينه إذ ابتُلي وكان في غاية من النعيم والترف فلقد كان يمر في شوارع مكة بعد ساعات من مروره الناس يقولون: مر مصعب بن عمير من هذا الطريق، من طيب الرائحة، فلما قذف في قلبه الإيمان ابتلي من الأقربين قبل الأبعدين، فهذه أمه منعته كل شيء كانت تعطيه، ومع هذا صبر رضي الله عنه، وصار سفيرًا للإسلام، وهكذا ربَّى رسولُ اللهِ ﷺ رجالًا على القوةِ والثباتِ، حملُوا هذا الدينَ ونقلُوه إلى ملياراتِ المسلمينَ بعدَهُم.

 إنَّ الإسلامَ إذا حاربُوهُ اشتدَّ، وإذا تركوهُ امتدَّ، واللهُ بالمرصادِ لِمَن يصد، و بأسُهُ عن المجرمين لا يُردّ، وإنَّ كان العدوُّ قد أعدَّ فإنَّ اللهَ لا يعجزهُ أحدٌ، فجدّدْ الإيمانَ جدّدْ، ووحّدْ اللهَ وحّدْ، وسدّدْ الصّفوفَ سدّدْ.

فمما يثبتك على الطاعة قراءة سير العلماء والعباد وكيف كانت طاعتهم لله تعالى فان ذلك مما يشحذ الهمم ويقوي العزيمة ويرفع الهمة.

وصلِّ اللهم وسلم وبارك على سيدنا وعلى آله وصحبه وسلم، اللهم آمين يا رب العالمين.

جمع وترتيب: دكتور أحمد أبو عيد

 



[1])سنن الترمذي (جسن صحيح)

[2])المستدرك (صحيح)

[3])مسند أحمد (صحيح)

[4])صحيح البخاري

[5])صحيح مسلم

[6])صحيح مسلم

[7])صحيح البخاري

[8])صحيح البخاري

[9])صحيح البخاري

  • فيس بوك
  • بنترست
  • تويتر
  • واتس اب
  • لينكد ان
  • بريد
author-img
الأرشادات الأسلامية في الخطب المنبرية

إظهار التعليقات
  • تعليق عادي
  • تعليق متطور
  • عن طريق المحرر بالاسفل يمكنك اضافة تعليق متطور كتعليق بصورة او فيديو يوتيوب او كود او اقتباس فقط قم بادخال الكود او النص للاقتباس او رابط صورة او فيديو يوتيوب ثم اضغط على الزر بالاسفل للتحويل قم بنسخ النتيجة واستخدمها للتعليق