الحمد لله الولي الوهاب، وأشهد أن لا إله إلا الله البر التواب، عليه توكلنا إليه المرجع والمئاب، وأشهد أن سيدنا محمدا رسول الله الهادي إلى الصواب، اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وقنا بحبه شر كل مُصاب.
العناصر:
أولًا: ثمرات ولاية الله لعباده ثانيًا: وسائل الحصول على ولاية الله
ثالثًا: نماذج تطبيقية لاسم الله "الولي"
الموضوع
أولًا: ثمرات ولاية الله لعباده
اخراجهم من الظلمات إلى النور: قال تعالى: " اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ " [البقرة:257] .
الإنسان إذا أطاع الله شعر براحة كبيرة ، إذا أطاع الله شعر بالأنس ، شعر بحماية الله ، هو في ظل الله ، هو في رعايته ، معنى قوله تعالى : " فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا " [الطور:48] أي برعايتنا ، وبحفظنا ، وبتوفيقنا ، وبتأييدنا ، وبنصرنا .
وعن عمرو بن العاص رضي الله عنه أنه قال : " سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول جهارا غير سِرّ : إِن آل أبي ليسوا بأوليائي ، إِنما وَلِيِّيَ اللهُ وصالحُ المؤمنين ولكن لها رحم أبُلُّهَا بِبلالها " [البخاري] .
أي أصِلُها بصلتها التي أُمرت بها ، كلام دقيق ، أنت مؤمن ، من توالي ؟ من تحب ؟ من تعاشر ؟ مع من تتعاون ، مع من تعمل ؟ مع المؤمنين ، لكن لك أب ، قد يكون هذا الأب ليس كما ينبغي ، الله أمرك أن تبره ، وأن تُحسن إليه ، وأن تصله ، الولاء شيء والواجب شيء آخر .
لا خوف عليهم ولا هم يحزنون: قال تعالى: " أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ " [يونس:62]
وقال تعالى: " إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۖ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلًا مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ " [فصلت:30-32] .
النصرُ والغلبةُ: فقد وعدَ اللهُ أولياءَهُ بالنصرِ والعزةِ والغلبةِ والتمكينِ، قالَ تعالى: { وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ }. [المائدة: 55- 56].
وقال تعالى: { وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا }. [النساء: 45] ؛ وقالَ سبحانَهُ وتعالَى: { قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ }. [الأنعام: 14].
فاللهُ هو الوليُّ المتولِّي لأمورِ خلقِه، القائمُ على تدبيرِ ملكِه، الذي يمسكُ السماءَ أنْ تقعَ على الأرضِ إلّا بإذنِه، كما قالَ سبحانَهُ: {وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ}. [الحج:65].
الفلاحُ والفوزُ بالجنةِ: فأولياءُ اللهِ هم حزبُ اللهِ، فازوا بالفلاحِ في الدنيا، والفوزِ بالجنةِ في الآخرةِ، قال تعالى: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}. (الممتحنة: 22).
رحمة اللهِ تعالى في الآخرةِ: فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنَّ لِلَّهِ مِائَةَ رَحْمَةٍ، قَسَمَ رَحْمَةً بَيْنَ أَهْلِ الدُّنْيَا وَسِعَتْهُمْ إِلَى آجَالِهِمْ وَأَخَّرَ تِسْعًا وَتِسْعِينَ رَحْمَةً لِأَوْلِيَائِهِ، وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَابِضٌ تِلْكَ الرَّحْمَةَ الَّتِي قَسَمَهَا بَيْنَ أَهْلِ الدُّنْيَا إِلَى التِّسْعِ وَالتِّسْعِينَ فَيُكْمِلُهَا مِائَةَ رَحْمَةٍ لِأَوْلِيَائِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».(أحمد والحاكم وصححه).
ثانيًا: وسائل الحصول على ولاية الله
ملازمةُ الطاعةِ والعبوديةِ للهِ تعالى: فالتقربُ إلى اللهِ بالعبادةِ والطاعةِ مِن أهمِّ لوازمِ اكتسابِ ولايةِ اللهِ الخاصةِ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ” إِنَّ اللَّهَ قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، "
ملازمةُ الإيمانِ والتقوَى: لأنَّ الإيمانَ والتقوَى مِن أهمِّ الوسائلِ لنيلِ ولايةِ اللهِ تعالَى الخاصةِ. قالَ تعالى: { أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ }. [يونس: 62 ؛ 63].سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ”.( البخاري).
إقامةُ الصلاةِ وإيتاءُ الزكاةِ: قال تعالى: { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}.( المائدة: 55).
فعلُ الصلاحِ : قالَ تعالَى: { إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ }. [الأعراف: 196]، أمّا أهلُ الفسادِ والتخريبِ والتدميرِ فهُم أولياءُ الشيطانِ.
القيامُ بحقوقِ اللهِ تعالى: فمَن قامَ بحقوقِ اللَّهِ تعالى عليهِ فإنَّ اللَّهَ تعالى يتكفلُ له بالقيامِ بجميعِ مصالحِهِ في الدنيا والآخرةِ، ومَن أرادَ أنْ يتولَّاهُ اللهُ تعالى ويتولَّى حفظَهُ ورعايتَهُ في أمورِهِ كلِّها فليراعِ حقوقَ اللَّهِ تعالَى عليهِ، يقولُ بعضُ الزهادِ لِمَن طلبَ منه الوصيةَ: «كما تحبُّ أنْ يكونَ اللَّهُ لكَ فهكذَا كنْ للَّهِ عزّ وجلّ».
وهذا يدلُّ على أنَّه على قدرِ اهتمامِ العبدِ بحقوقِ اللَّهِ تعالى واعتنائِه بذلكَ وحفظهِ لهُ، يكونُ اعتناءُ اللهِ تعالَى بهِ وحفظُهُ لهُ، ويكونُ وليًّا له، كما قالَ تعالَى: { فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ }. [البقرة: 152] وقال: { وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ }. [البقرة: 40]؛ وقال تعالى: { إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ }. (محمد: 7).
الدعاءُ: وذلك بأنْ يُكثرَ مِن الدعاءِ في الأوقاتِ والأحوالِ الشريفةِ أنْ يتولَّاهُ اللهُ تعالَى بحفظِه ورعايتِه وفضلِه وكرمِه وجودِه وعفوِه ومغفرتِه؛ وكان النبيُّ ﷺ دائمًا يدعُو ربَّهُ ويقولُ: ” اللَّهُمَّ آتِ نَفْسِى تَقْوَاهَا، وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا، أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلاَهَا”؛ (مسلم في صحيحه).
قالَ تعالَي: { رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (286)}(البقرة).
أنْ تحسنَ فيمَا ولَّاكَ اللهُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إِنَّ الْمُقْسِطِينَ عِنْدَ اللهِ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ، عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ عَزَّ وَجَلَّ، وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ، الَّذِينَ يَعْدِلُونَ فِي حُكْمِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وَمَا وَلُوا»(صحيح مسلم ).
الرضا بقضاء الله وقدره: فقد قال تعالى: (قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) ( التوبة 51)
تولى قضاء حوائج الناس تولى الله قضاء حوائجه: فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عن النبي (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ: "قَالَ اللهُ (تَبَارَكَ وَتَعَالَى): يَا ابْنَ آدَمَ أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ" (رواه مسلم).
وعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): "حُوسِبَ رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَلَمْ يُوجَدْ لَهُ مِنَ الْخَيْرِ شَيْءٌ، إِلَّا أَنَّهُ كَانَ يُخَالِطُ النَّاسَ، وَكَانَ مُوسِرًا، فَكَانَ يَأْمُرُ غِلْمَانَهُ أَنْ يَتَجَاوَزُوا عَنِ الْمُعْسِرِ»، قَالَ: " قَالَ اللهُ (عَزَّ وَجَلَّ): نَحْنُ أَحَقُّ بِذَلِكَ مِنْهُ، تَجَاوَزُوا عَنْهُ " (رواه مسلم).
اتّباعُ السُّنَّةِ، وحُسنُ الاقتداءِ، ولزومُ جماعةِ المسلمينَ وإمَامهم، قال تعالى: (وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا)[النساء:115].
ثالثًا: نماذج تطبيقية لاسم الله "الولي"
سيدنا إبراهيم عليه السلام: عندما رزق إبراهيم -عليه السلام- بالولد الأول إسماعيل -عليه السلام- أمره ربه بأن يهاجر من فلسطين مع زوجته هاجر وابنه الرضيع إلى وادٍ لا ماء فيه ولا طعام ولا شجر، ولا يوجد فيه أحد من البشر، حتى إذا وصل إلى ذلك المكان ترك زوجته وابنه الرضيع، وترك لهما قليلاً من الماء وبعض حباتٍ من التمر، وعاد بأمر ربه إلى فلسطين، فتبعته أم إسماعيل فقالت: "يا إبراهيم: أين تذهب وتتركنا في هذا الوادي الذي ليس فيه أحد ولا شيء فيه؟!"، قالت ذلك مرارًا، وجعل لا يلتفت إليها حتى لا يتأثر بالعاطفة ويحن عليهما وينسى أمر ربه، فقالت له: "آلله الذي أمرك بهذا؟!"، قال: "نعم"، قالت: "إذًا؛ لا يضيعنا".
يا لها من كلمة عظيمة تنبئ عن إيمان عميق، وتوكل عظيم، وثقة لا حدود لها بالولي خالق الأرض والسماوات! حتى إذا كان عند الثنية حيث لا يرونه استقبل بوجهه البيت ثم دعا الولي الذي لا يضيع ولا يخذل من تولاه، قال تعالى: (رَبَّنَا إِنَّي أَسْكَنتُ مِن ذُرّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاةَ فَجْعَلْ أَفْئِدَةً مّنَ النَّاسِ تَهْوِى إِلَيْهِمْ وَرْزُقْهُمْ مّنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ) [إبراهيم: 37].
وهل يعقل من إبراهيم -عليه السلام- الذي كان يتمنى طوال حياته هذا الولد أن يتركه في هذا الوادي بدون طعام أو شراب؟! لكنه التوكل على الله، والثقة بأن من يتولى تدبير أمور العباد هو الله سبحانه وتعالى.
أصحاب الكهف: تولَّى اللهُ أمرَ أصحابِ الكهفِ بسعةِ العيشِ الرغيدِ، وتولَّى أمرَهُم بمَا نشرَ لهُم فيهِ مِن رحمتِه، قالَ جلَّ وعلا (فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحمته ويُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم مِّرْفَقاً) [الكهف: 16)ْرَكُونَ (61) قَالَ كَلَّا ۖ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ " [يونس:61-62] .
نبيُّ اللهِ يوسفُ عليهِ السلامُ، بعدمَا أصابَهُ ما أصابَهُ مِن البلاءِ، ثُمّ مَنَّ اللهُ عليهِ ،قال:{رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (101)}(يوسف).
سيدنا يونس (عليه السلام) لما خرج مغاضبا، فإذا به يلقى من السفينة إلى بحر متلاطم الأمواج، فالتقمه الحوت ففتح عينيه، فإذا هو حي في ظلمة بطن الحوت، في ظلمات البحر، في ظلمة الليل، ظلمات بعضها فوق بعض، فتوجه إلى خالقه، فأدركته عناية ربه وولاية مولاه، قال تعالى: (وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ ۚ وَكَذَٰلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ) (الأنبياء 87- 88)
سيدنا موسى عليه السلام: تولَّى اللهُ موسَى عليه السلامُ عندما كان طفلًا رضيعًا فنشأَ في بيتِ فرعونَ ويرعاهُ اللهُ بعنايتِه، ولمَّا كبرَ موسَي عليه السلامُ وأرادَ فرعونُ الفتكَ به وبأصحابِه عندمَا قال لهُ قومُهُ يا موسَي ( إِنَّا لَمُدْرَكُونَ), ها هو البحرُ مِن أمامِنَا وفرعونُ وجنودُهُ مِن خلفِنَا، فماذا قال مُوسَى قالَ لهم (كَلا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ) [سورة الشعراء: 61-62] فيأتيهِ الجوابُ مِن السماءِ (فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (63) } لكنّهُ التوكلُ على اللهِ، والثقةُ بأنَّ مَن يتولَّى تدبيرَ أمورَ العبادِ هو اللهُ سبحانَهُ وتعالَي ، ومَن تولَّى اللهُ أمرَهُ فلن يدركَهُ أحدٌ مهمَا كان شأنهُ.
سيدنا محمد وهو في الغار ، يقول له الصديق : " نظرتُ إِلى أقدام المشركين ونحن في الغار على رؤوسنا ، فقلت : يا رسول الله لو أن أحدهم نظر إِلى قَدَمْيه أبْصَرَنَا تحت قدميه ، فقال : يا أبا بكر ، ما ظنك باثنين الله ثالثهما " [البخاري ومسلم] .
إذا كان الله معك فمن عليك ؟ وإذا كان عليك فمن معك ؟ ويا رب ماذا فقد من وجدك ، وماذا وجد من فقدك ؟ من أجل أن يكون الله وليك ينبغي أن تكون وليه ، يعني بطاعته ، وعبادته ، والتقرب إليه .
مريم بنت عمران: تولى الله أمر مريم بنت عمران وهي في شدة الضيق والهم والخوف، أي شدة عاشتها هذه المرأة، لكن الله تولى أمرها وكذلك يتولى الصالحين قال تعالى: (فحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا * فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَىٰ جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَٰذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا * فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا * وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا* فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا ۖ فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَٰنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا) [مريم:22-26]، قري عينا ، لأن الولي سبحانه هو من يتولى أمورك.
السلف الصالح : أخرج الإمام الترمذي بسند حسن عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال ((أمرَنا رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ أن نتصدَّقَ فوافقَ ذلِكَ عندي مالًا فقلتُ اليومَ أسبقُ أبا بَكرٍ إن سبقتُهُ يومًا قالَ فَجِئْتُ بنِصفِ مالي فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ ما أبقيتَ لأَهْلِكَ قلتُ مثلَهُ وأتَى أبو بَكرٍ بِكُلِّ ما عندَهُ فقالَ يا أبا بَكرٍ ما أبقَيتَ لأَهْلِكَ فقالَ أبقيتُ لَهُمُ اللَّهَ ورسولَهُ قلتُ لا أسبقُهُ إلى شيءٍ أبدًا))، ويروى في هذا المعنى أيضاً ((أنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ العَزِيزِ ما كانَ يَدَّخِرُ لِأوْلادِهِ شَيْئًا، فَقِيلَ لَهُ فِيهِ فَقالَ: ولَدِي إمّا أنْ يَكُونَ مِنَ الصّالِحِينَ أوْ مِنَ المُجْرِمِينَ، فَإنْ كانَ مِنَ الصّالِحِينَ فَوَلِيُّهُ اللَّهُ، ومَن كانَ لَهُ ولِيًّا فَلا حاجَةَ لَهُ إلى مالِي، ((إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ ۖ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ)) سورة الأعراف (196) وإنْ كانَ مِنَ المُجْرِمِينَ فَقَدْ قالَ تَعالى: ﴿فَلَنْ أكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ سورة القَصَصِ: (17).
ولما ولى الحجاج بن يوسف الثقفي العراق، وزاد طغيانه وتجبره، وقف الحسن البصري ينكر عليه أعماله، فقال الحجاج لحاشيته ومقربيه: من ينكر علي؟ قالوا: الحسن البصري، فأمر الشرطة أن يأتوا به، فجاءوا بالحسن فارتجفت له القلوب خوفاً عليه, فلما رأى الحسن السيف والنطع والجلاد تحركت شفتاه، ثم توجه إلى الحجاج ، وما أن رآه الحجاج حتى هابه ووقره، وقال له الحجاج: أنت سيد العلماء يا أبا سعيد, ثم طيب له لحيته بأغلى أنواع الطيب، وودعه، ولما خرج تبعه حاجب الحجاج، وقال له: يا أبا سعيد، لقد دعاك الحجاج لغير ما فعل بك، وإني رأيتك عندما أقبلت، ورأيت السيف والنطع، حركت شفتيك، فأسألك بالله إلا أخبرتني ماذا قلت؟ قال الحسن: لقد قلت: يا ولى نعمتي، وملاذي عند كربتي، اجعل نقمته برداً وسلاماً علي كما جعلت النار برداً وسلاماً على إبراهيم".
نسأل الله تعالى الولاية والرعاية والهداية والتوفيق والسداد اللهم آمين يا رب العالمين.
وصلِّ اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين
جمع وترتيب: الشيخ أحمد أبو عيد
01098095854
تعليقات: (0) إضافة تعليق