.
أولًا: من أسماء الله الحسنى (الملك)
الحمد لله الذي تقدس عن الأشياء ذاته ، ونَزَّهَ عن مشابهة الأمثال صفاته ، واحد لا من قله ، وموجود لا من علة ، بالبر معروف ، وبالإحسان موصوف ، معروف بلا غاية ، وموصوف بلا نهاية ، أول بلا ابتداء ، وآخر بلا انقضاء ، ولا ينسب إليه البنون ولا يفنيه تداول الأوقات ، ولا توهنه السنون ، كل المخلوقات قهر عظمته ، وأمره بين الكاف والنون.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، بذكره أنس المخلصون ، وبرؤيته تقر العيون ، وبتوحيده أبتهج الموحدون ، هدى أهل طاعته إلى صراطه المستقيم وأباح أهل محبته جنات النعيم وعلم عدد أنفاس مخلوقاته بعلمه القديم ، ويرى حركات أرجل النمل في جنح الليل البهيم.
وأشهد أن سيدنا محمدا عبد الله ورسوله الذي ما هيئت له الوسائد، وما مدت لأجله الموائد، ولا امتلأت بألوان طعامه القدور، وما جمع له المال، وما استذل أعناق الرجال، ولا هدمت ببطشه القرى والدور، ما اصطكت بالرعب منه أسنان، وما ارتعدت من هيبته الأبدان، ولا امتلأت بالخوف منه الصدور، ما زيفت له الحقائق، وما رفعت لتحيته البيارق، ولا صفَّق له مأجور.
اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على نبينا بدر البدور، وعلى الصحب والآل ومن تبِع، وقِنا بحبهم كل الشرور.
العناصر
أولًا: مفهوم اسم الملك
ثانيًا: الفرق بين الملك –سبحانه- وملوك الدنيا
ثالثًا: أهمية اسم الملك في حياتنا
الموضوع
أولًا: مفهوم اسم الملك
يُطلق اسم الملك في لغة العرب على كل من بيده مُطلق التصرف بالأمر والنهي والقوة والسلطان والجبروت سواء في نفسه أو في غيره أو في مملكته.
والمَلِك هو صاحب المُلك، المتصرف فيما يملك تصرفا مطلقا من جميع الوجوه كما يشاء ويُقَدِّر. قال - تعالى -: ﴿ وَلِلهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾.
هو الملك: قال تعالى: ﴿هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23)﴾ (سورة الحشر)
هو الله المعبود بحق، الذي لا إله إلا هو، الملك لجميع الأشياء، المتصرف فيها بلا ممانعة ولا مدافعة، المنزَّه عن كل نقص، الذي سلِم من كل عيب، المصدِّق رسله وأنبياءه بما أرسلهم به من الآيات البينات، الرقيب على كل خلقه في أعمالهم، العزيز الذي لا يغالَب، الجبار الذي قهر جميع العباد، وأذعن له سائر الخلق، المتكبِّر الذي له الكبرياء والعظمة. تنزَّه الله تعالى عن كل ما يشركونه به في عبادته ([1]).
هو المليك: قال تعالى: ﴿فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ (55)﴾ (سورة القمر)
في مجلس حق، لا لغو فيه ولا تأثيم عند الله المَلِك العظيم، الخالق للأشياء كلها، المقتدر على كل شيء تبارك وتعالى.
بيده ملكوت كل شيء: قال تعالى: ﴿فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (83)﴾ (سورة يس) ، قال بعض العلماء: الملك هو الذي يحكم ولا يملك، والمالك هو الذي يملك ولا يحكم، والله سبحانه وتعالى مالك وملك.
أحياناً يملك الإنسان الشيء ولا ينتفع به وليس من حقه أن يتصرف فيه، وأحياناً ينتفع فيه ويتصرف فيه ولا يملكه، وأحياناً يملك الشيء وينتفع به ويتصرف فيه وليس المصير له، مثال بيت يملكه ملكاً حراً شرعياً يسكنه، فإن صدر قرار استملاك يصبح مصيره ليس له، إذاً قلنا إن الله سبحانه وتعالى هو مالك الملك: يملك الشيء ويتصرف به ومصيره إليه، فتكون أعلى درجات الملكية هي ملكية الله سبحانه وتعالى.
سئل أعرابي يملك قطيعاً من الغنم، لمن هذه ؟ قال: لله في يدي، فالمؤمن الصادق: بيته ومتجره، سيارته، خبرته، مكانته، شهاداته، يراها بملك الله عز وجل. مثال: أعلى طبيب في اختصاصه، إذا تجمدت خثرة في دماغه، يفقد ذاكرته فمصيره إلى مستشفى المجانين، إذاً مَن مالك الملك ؟ الله سبحانه وتعالى.
هذه العين التي ترى بها، من مالكها ؟ الله سبحانه وتعالى، هذه الأذن، هذا اللسان، هذه الحركة، هذه القوة، أيْ مِن لوازم الأيمان: أن ترى أن كل شيء بحوزتك هو ملك لله عز وجل سمح لك أن تتصرف به. لمن هذا القطيع يا فلان ؟ لله في يدي، وبيتك لله في يدك، ومتجرك لله في يدك، وسمعتك ومؤلفاتك وعقلك وذكاؤك لله في يدك.
هو سبحانه مالك الملك: قال تعالى: ( قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (26) تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (27) ) [سورة آل عمران ]
قل -أيها النبي متوجها إلى ربك بالدعاء-: يا مَن لك الملك كلُّه، أنت الذي تمنح الملك والمال والتمكين في الأرض مَن تشاء مِن خلقك، وتسلب الملك ممن تشاء، قال تعالى: ( ﴿ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ ﴾ ، ما الحكمة ؟ لماذا أعطى فلاناً ومنع فلاناً ؟ ومَلَّكَ فلاناً ونزع من فلان ؟ لماذا رفع فلاناً وخفض فلاناً ؟ الجواب: ﴿ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ﴾ ، يمتحنك بالغنى وبالفقر، بالصحة وبالمرض، بالقوة وبالضعف، قال فإذا كان هذا العبد متمرداً فما الجواب، قال: ﴿ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ ﴾، قال فإذا كان طائعاً فما الجواب ؟ ﴿وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى (82)﴾ (سورة طه: الآية 82)
إذاً: جعلكم خلائف الأرض، ووزع الحظوظ توزيع ابتلاء وسوف تُوَزَّعُ في الآخرة توزيع جزاء إذاً هو مالك الملك: إِما أن يُمَلِّكك ملك الآخرة أو ملك الدنيا أو ملك الآخرة والدنيا:
ما أجمل الدين والدنيا إذا اجتمعا **وأقبح الكفر والإفلاس بالرجل
﴿ وتعز من تشاء وتذل من تشاء ﴾ (سورة آل عمران) إذا أعزك الله سخر لك أعداءك، وإذا أراد الله أن يذل عبداً ما، أذله أقرب الناس إليه، ﴿ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ ﴾ (سورة الحج).
اجعل لربك كل عزك يستقرَّ ويثبُت ** فإذا اعتززت بمن يموت فإن عزك ميّت
إذاً من لوازم أن الله مَلِك أنه هو الذي يعز وهو الذي يذل، فكن مع العزيز.
أطع أمرنا نرفع لأجلك حجبنا | ** ** | فإنا منحنا بالرضا من أحبنا |
﴿بِيَدِكَ الْخَيْرُ ﴾ إذاً فالذلُّ خير، ونزع المُلكِ خير، ولكن يسمى شراً من وجهة نظر الإنسان.
﴿تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ ﴾ تصريف الكون، تسيير الكون، الأرض تدور حول الشمس بمدار اهليلجي بيضوي، مَن يجعلها على مسارها تماماً؟ هل في الكون كله قوة تستطيع أن تجعلها على مسارها لو خرجت ؟ إنها إن خرجت انتهت وجذبتها كواكب أخرى !!
قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً(41)﴾ (سورة فاطر )
يمسكها على مسارها، إذا خرج القطار عن سِكَّته، طفل رضيع أو نملة صغيرة أو ذبابة حقيرة هل بإمكانها أن تعيده إلى السكة ؟
﴿وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ﴾ مَن جعل الأرض تسير في الثانية 30 كم ؟ مَن جعلها تدور في الساعة 1600 كم ؟ مَن جعلها بهذا الحجم ومن جعل بعدها عن الشمس بهذه المسافة ؟ هذا من اسم الله: الملك.
﴿ تُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ﴾ بذرة الزيتون تبدو لك قطعة من الخشب كامن فيها شجرة بقوة هذه البذور، هذه أنماط الحياة، دورة الحياة، الشجرة يابسة في الشتاء كأنها خشب يأتيها الربيع فإذا هي خضراء.
إذاً مِن معاني الملك أنه يقلب النهار، ويخرج الحيَّ من الميت ويخرج الميت من الحي، ومن معاني أنه يخرج الميت من الحي والحي من الميت: أن الكافر قد يلد مؤمناً وأن المؤمن قد يلد كافراً.
﴿ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ قد يرزق الإنسان الضعيف، وقد يفقر القوي الذكي، لذلك التجار يقولون ليس عند الله تاجر ذكي، ومن دعاء المؤمنين على الكافرين " اللهم اجعل تدميرهم في تدبيرهم " فالكافرُ يدبر فإذا هو يدمر نفسه. ولا ينفع ذا الجد منك الجد.
ثانيًا: الفرق بين الملك –سبحانه- وملوك الدنيا
مُلك الله ثابت لا يزول ولا ينقص أبدا: عَنْ أَبِي ذَرٍّ t قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِيمَا يَرْوِي عَنِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ: « ....... يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وإنسكم وجنكم كَانُوا أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أفجر قلب وَاحِد مِنْكُم مَا نقص مِنْ مُلْكِي شَيْئًا يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعمالكُم أحصها عَلَيْكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ وَمِنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومن إِلَّا نَفسه» ([2])
أما مُلك ملوك الدنيا يزول بأمر الله فالله يهب الملك لمن يشاء وينزعه ممن يشاء بحكمته وقدرته.
ولما حضرت هارونَ الرشيدَ الوفاةُ، قال لمن حوله: أروني قبري الذي سأدفن فيه، فحملوه إليه، فلما رآه، بكى بكاء شديدا، وقال: "يا مَن لا يزولُ ملكه، ارحَم من قَد زالَ مُلكه".
الملك الحقيقي لله ونحن نملك على سبيل المجاز: لو أنّ إنساناً ملَّكَك شيئاً هل تملكه، كيف نناقش هذه الفكرة ؟ مالك هذه الدار، هذه المركبة، تملَّكَ بالمكنيك كاملَ أربعٍ وعشرين قيراطاً، هذا كلام نقوله نحن، وليس هناك غلط كبير في هذا الكلام، العلماء قالوا بالحرف الواحد: الأصح أن الإنسان لا يملك ! لماذا ؟ لأن استقلاله بالتصرف في الغير فرع من كونه مستقلاً في نفسه، فإذا كان العبد لا استقلال له في نفسه وذاته البتة، فكيف يكون مستقلاً في تصرفه بالغير. ولهذا قال ربنا عز وجل مُعلماً رسولاً ومن بعده عباده: ﴿قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلَا ضَرّاً إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (188)﴾ (سورة الأعراف)
إذا كان النبي لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً، أفيملك النفع والضر للآخرين ؟ الجواب لا. مِن باب أولى، إذا كنتُ عاجزاً عن هداية ابني ! فهل بإمكاني أن أهدي ابنك ؟ مستحيل! فلذلك فالكلام القطعي والثابت أن الله سبحانه وتعالى هو المَلِك الحقيقي وأن الإنسان إذا ملك فملكيَّةُ مجازية .
الله يهب الملك لغيره: قال تعالى: (قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (35) فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ (36) وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ (37) وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (38) هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (39) وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ (40) ) [سورة ص]
قال: رب اغفر لي ذنبي، وأعطني ملكًا عظيمًا خاصًا لا يكون مثله لأحد من البشر بعدي، إنك -سبحانك- كثير الجود والعطاء. فاستجبنا له، وذللنا الريح تجري بأمره طيِّعة مع قوتها وشدتها حيث أراد.
وسخَّرنا له الشياطين يستعملهم في أعماله: فمنهم البناؤون والغوَّاصون في البحار، وآخرون، وهم مردة الشياطين، موثوقون في الأغلال. هذا المُلْك العظيم والتسخير الخاص عطاؤنا لك يا سليمان، فأعط مَن شئت أو امنع مَن شئت، لا حساب عليك.
الله يستغني عن جميع الخلق ، أما فلا يستغنون عن الله: فلو فرضنا أنّ ملكاً عظيماً يستغني عن كل أفراد رعيته، فهل يستغني عن الهواء أو عن الماء أو عن الطعام أو عن الزواج؟ لذلك حين طلب هارون الرشيد الخليفة العباسي الذي ترامت أطراف دولته إلى أقاصي الدنيا. كأس ماء قال له وزيره وكان ذكياً يا أمير المؤمنين بكم تشتري هذا الكأس لو منع عنك، قال: بنصف ملكي، قال: فإذا منع إخراجه، قال: بنصف ملكي الآخر، قال إذاً ملكك يساوي كأس ماء.
هو وحده المالك ليوم الدين: قال تعالى: ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4)﴾ (سورة الفاتحة) ، أي وهو سبحانه وحده مالك يوم القيامة، وهو يوم الجزاء على الأعمال.
قال تعالى: ( يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (16) ) [سورة غافر] يوم القيامة تظهر الخلائق أمام ربهم، لا يخفى على الله منهم ولا مِن أعمالهم التي عملوها في الدنيا شيء، يقول الله سبحانه: لمن الملك والتصرف في هذا اليوم؟ فيجيب نفسه: لله المتفرد بأسمائه وصفاته وأفعاله، القهَّار الذي قهر جميع الخلائق بقدرته وعزته.
وقال الله تعالى : ( الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا) (سورة الفرقان) ، كل المسلمين يعلمون بأن الله هو المَلك وله مُلك الدنيا والآخرة ولكن لماذا يحدد الله يوم القيامة بقوله (يومئذ) ؟ والمعنى واضح حيث يبين الله تفرده بالملك وأن جميع ملوك الدنيا يومئذ حفاة عراة لا يملك أي أحد منهم أي شيء وهذا بيان تعظيم الله العظيم وبيان قوته وقدرته وأنه هو الملك حقاً.
وعَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: " يَطْوِي اللهُ عَزَّ وَجَلَّ السَّمَاوَاتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ يَأْخُذُهُنَّ بِيَدِهِ الْيُمْنَى، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ، أَيْنَ الْجَبَّارُونَ؟ أَيْنَ الْمُتَكَبِّرُونَ. ثُمَّ يَطْوِي الْأَرَضِينَ بِشِمَالِهِ، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ أَيْنَ الْجَبَّارُونَ؟ أَيْنَ الْمُتَكَبِّرُونَ؟ " ([3])
لا يظلم عنده أحد : قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا (40)) [سورة النساء]
إن الله تعالى لا ينقص أحدًا من جزاء عمله مقدار ذرة، وإن تكن زنة الذرة حسنة فإنه سبحانه يزيدها ويكثرها لصاحبها، ويتفضل عليه بالمزيد، فيعطيه من عنده ثوابًا كبيرًا هو الجنة.
أما ملوك الدنيا فلا تأمن أبدا من ظلمهم وبطشهم.
لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون: قال تعالى: (لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ (23) ) [سورة الأنبياء]
إن من دلائل تفرُّده سبحانه بالخلق والعبادة أنه لا يُسأل عن قضائه في خلقه، وجميع خلقه يُسألون عن أفعالهم.
لذلك سيدنا عمر بن عبد العزيز دخلت عليه زوجته فاطمة بنت عبد الملك ، رأته يبكي في مصلاه ، قالت له : ما لك تبكي ؟ قال : " دعينِي وشأني ، فلما ألحت عليه قال : ويحك يا فاطمة ، إني وليتُ أمرَ هذه الأمة ، فرأيت المريض الضائع ، والفقير الجائع ، والشيخ الكبير ، والأرملة الوحيدة ، وذا العيال الكثير ، والرزق القليل ، والأسير ، والمظلوم في أطراف البلاد ، فعلمت أن الله سيسألني عنهم جميعاً ، وأن خصمي دونهم رسول الله ، فخفت ألا تثبت حجتي فلهذا أبكي " .
سيدنا عمر بن الخطاب t، سأل والياً : " ماذا تفعل إذا جاءك الناس بسارق أو ناهب ؟ فأجابه الإجابة الشرعية ، قال : أقطع يده ، قال : فإن جاءني مِن رعيتك مَن هو جائع أو عاطل فسأقطع يدك ، إن الله قد استخلفنا عن خلقه لنسدّ جوعتهم ، ونستر عورتهم ، ونوفِّر لهم حرفتهم ، فإن وفينا لهم ذلك تقاضيناهم شكرها ، إن هذه الأيدي خلقت لتعمل ، فإذا لم تجد في الطاعة عملاً التمست في المعصية أعمالاً ، فاشغلها بالطاعة قبل أن تشغلك بالمعصية " .
حكم الملك –سبحانه- نافذ في كل شيء وفي كل مكان وفي كل وقت، فإذا قضى الله أمرا فلا مبدل ولا مغير لحكم حكمه الله، قال تعالى: (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82) ) [سورة يس] أما حكم غيره فقد ينفذ فيما تحت سلطانه ولا ينفذ فيما تحت سلطة غيره، وقد ينفذ في زمانه ولا ينفذ في زمان غيره.
الملك –سبحانه- يرى خلقه في أي وقت وفي أي مكان ولا يخفى عليه شيء: قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (7) ) [سورة المجادلة]
ألم تعلم أن الله تعالى يعلم كل شيء في السماوات والأرض؟ ما يتناجى ثلاثة مِن خلقه بحديث سرٍّ إلا هو رابعهم بعلمه وإحاطته، ولا خمسة إلا هو سادسهم، ولا أقلُّ من هذه الأعداد المذكورة ولا أكثرُ منها إلا هو معهم بعلمه في أيِّ مكان كانوا، لا يخفى عليه شيء من أمرهم، ثم يخبرهم تعالى يوم القيامة بما عملوا من خير وشر ويجازيهم عليه. إن الله بكل شيء عليم لا تخفى عليه خافية ([4]).
أما ملك الدنيا فإنه يرى في حدود عينيه ومن يضعهم للمراقبة ، وعلمه لوقت محدود ، وإن علم بعض الظاهر فلا يعلم شيء عن الباطن ، كيف الأخبار التي يعلمها من غيره وهي كاذبة ...الخ.
ثالثًا: أهمية اسم الملك في حياتنا
أن فزعك ولجؤك لا يكون إلا له: قال تعالى: (قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (88) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ (89) ) [سورة المؤمنون]
أي: ملك كل شيء، من العالم العلوي، والعالم السفلي، ما نبصره، وما لا نبصره؟. و " الملكوت "ب صيغة مبالغة بمعنى الملك. {وَهُوَ يُجِيرُ} عباده من الشر، ويدفع عنهم المكاره، ويحفظهم مما يضرهم، {وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ} أي: لا يقدر أحد أن يجير على الله. ولا يدفع الشر الذي قدره الله. بل ولا يشفع أحد عنده إلا بإذنه، {سَيَقُولُونَ لِلَّهِ} أي: سيقرون أن الله المالك لكل شيء، المجير، الذي لا يجار عليه.
{قُلْ} لهم حين يقرون بذلك، ملزما لهم، {فَأَنَّى تُسْحَرُونَ} أي: فأين تذهب عقولكم، حيث عبدتم من علمتم أنهم لا ملك لهم، ولا قسط من الملك، وأنهم عاجزون من جميع الوجوه، وتركتم الإخلاص للمالك العظيم القادر المدبر لجميع الأمور، فالعقول التي دلتكم على هذا، لا تكون إلا مسحورة، وهي - بلا شك- قد سحرها الشيطان، بما زين لهم، وحسن لهم، وقلب الحقائق لهم، فسحر عقولهم، كما سحرت السحرة أعين الناس. ([5])
المُلك الحقيقي أن تملك نفسك ([6]): قال تعالى: ( رَبِّ قَدْ آَتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (101)﴾ [سورة يوسف]
سيدنا يوسف يصف بأنَّ الله قد آتاه الملك: أيُّ مُلْكٍ آتاه ! لعلكم ظننتم أنه كان أميناً على خزائن الأرض، أغلب علماء التفسير قالوا: لا، بل آتاه الملك الحقيقي فهذا الملك الذي يؤتيه الله لمن يشاء ملك زائل، وليس فضيلة يفتخر بها، فما هو الملك الحقيقي ؟ هو أنه ملك نفسه، لمجرد أن قال: معاذ الله حينما دعته امرأة ذات منصب وجمال، حينما قالت هيت لك قال معاذ الله، قال علماء التفسير: هذا هو الملك الحقيقي، الملك الذي لا يزول، الملك الذي تسعد به إلى الأبد، أن تملك نفسك ولا تملكك، أن ينقاد لك هواك ولا تنقاد له، إذا انقاد لك هواك وسيطرت عليه فأنت ملك، إذا سيطرت على نفسك فأنت ملك، إذا ملكت زمام نفسك فأنت ملك، إذا سيطرت على شهواتك فأنت ملك، إذا قدت نفسك إلى طريق الخير والسعادة فأنت ملك أما إذا قادتك نفسك إلى الضلال والشهوات والمعاصي والآثام أنت مملوك، إذا قادك عقلك أنت ملك، إذا قادك هواك فأنت مملوك، وشتان بين أن تكون ملكاً وبين أن تكون مملوكاً.
أحد أكبر زعماء أوروبا في الحقبة السابقة والذي حقق انتصاراً ساحقاً في الحرب العالمية الثانية له كلمة لا أنساها، قال: ملكنا العالم ولم نملك أنفسنا، نحن ضعاف أمام أنفسنا. شخصية كبيرة تغريه امرأة تعمل معه، تنهار نفسه أمام فتنتها. إذاً أنت مملوك، كل أهل الدنيا عندهم نقطتا ضعف مدمرتان: المال والنساء، أي يملك أشياء كثيرة وله إطلاع واسع، له قدرات عجيبة، ومع ذلك المرأة والدرهم والدينار تمتلكه، إذاً هو مملوك. لذلك فالنبي عليه الصلاة والسلام قال: فيما روى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، قَالَ: «تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ، وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ، وَعَبْدُ الخَمِيصَةِ، إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ، وَإِنْ لَمْ يُعْطَ سَخِطَ، تَعِسَ وَانْتَكَسَ، وَإِذَا شِيكَ فَلاَ انْتَقَشَ، ...) ([7])
(تعس) سقط على وجهه أو شقي وهلك. (عبد الدينار) مجاز عن الحرص عليه وتحمل الذلة من أجله فمن بالغ في طلب شيء وانصرف عمله كله إليه صار كالعابد له. (القطيفة) دثار مخمل والدثار ما يلبس فوق الشعار والشعار ما لامس الجسد من الثياب. (الخميصة) كساء أسود مربع له خطوط. (أعطي) من المال. (رضي) عن الله تعالى وعمل العمل الصالح. (انتكس) انقلب على رأسه وهو دعاء عليه بالخيبة والخسران. (شيك) أصابته شوكة. (فلا انتقش) فلا قدر على إخراجها بالمنقاش ولا خرجت والمراد إذا أصيب بأقل أذى فلا وجد معينا على الخلاص منه.
الثقة في الله: أن يكون العبد بما في يَدَيِ الله أوثق منه مما في يديه إذا أردت أن تكون أغنى الناس فكن بما في يديِ الله أوثق منك مما في يديك، إذا أردت أن تكون أقوى الناس فتوكل على الله، إذا أردت أن تكون أكرم الناس منزلةً فاتق الله.
الحاتم الأصم كان صائماً يوماً فلما أمسى قُدِّم إليه فطوره فجاء سائل فدفع ذلك الفطور إليه فَحُمِلَ إليه في الوقت ذاته طبق عليه كل ألوان الأطعمة فأَتاه سائل آخر فدفع إليه كل ذلك، ففتح بصره فإذا دنانير في الوقت نفسه بين يديه، فلم يتمالك أن صاح: الغوث من الخَلفِ. وكان في جيرانه من يسمى " خلفاً " فتسارع الناس إليه وقالوا يا أخي ِلمَ تُؤذى الشيخ وما زالوا به حتى جاءوا به إلى الشيخ وقالوا هذا خَلَف جاءك معتذراً، فقال إني لم أعْنيِهِ إطلاقاً إنما عجزت عن شكر الله عز وجل على ما يعاملني به من الخلف فكلما أنفقت شيئاً أعطاني الله خيراً منه.
أحد الصحابة وهو عبد الرحمن بن عوف قالت عنه السيدة عائشة: أخشى أَن يدخل الجنة عبد الرحمن زحفاً لكثرة ماله، فقال هذا الصحابي الجليل والله لأَدخلنَّها خبباً ( ركضاً ) وما عليّ إذا كنت أُنفق مائة في الصباح فيؤتيني الله ألفاً في المساء.
لا يتذلل إلا له وحده: إذا عرفتَ ما في إلاّ الله ملك أنفت أن تتذلل لمخلوق، وقال بعضهم: أيجمل بالحرِّ أن يتذلل للعبيد وهو يجد ِمن مولاه ما يريد، أُطلبْ تعطِ، كن لي كما أريد أكن لك كما تريد، أيليق بك وقد عرفت أنَّ الله هو الملك ولا ملك سواه أن تتذلل لسواه، مَنْ عرف الله لم يحتج إلى عَوْنِ المخلوقين وفتنتهم وبذا تستغني عن الناس، والاستئناس بالناس من علامات الإفلاس.
لا تحزن أبدا: حُكي عن شفيق البلخي أنه قال: كان ابتداء توبتي أن رأيت غلاماً في سنِة قحطٍ يمزح زهواً والناس تعلوهم كآبة، فقلت له: يا هذا ما هذا المرح ؟ ألا تستحي ؟ أما ترى ما فيه الناس من المحن ؟ فقال لا يحق لي أن أحزن ولسيدي قرية مملوكة أدخر فيها كل ما أحتاج، فقلت في نفسي: إن هذا العبد لمخلوق ولا يستوحش لأن لسيده قرية مملوكة، فكيف يصح أن أستوحش أنا وسيدي مالك الملوك فانتبهت وتبت - الغلام لقنه درساً في التوبة - إذاً بعضهم يقول دبِّر أو لا تدبر، فالمدبر هو الله سبحانه:
كـن عـن همومـك معرضـا | ** ** ** ** ** ** | وكـل الأمـور إلى القضا |
ولرُبّ نازلةٍ يضيق بها الغنى ذرعاً | ** ** | نزلت وعند الله منها المخرجُ |
الدعاء باسمه الملك وخاصة في كل صلاة وفي الليل : عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، عَنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ، أَنَّهُ كَانَ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ، قَالَ: «وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا، وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ، إِنَّ صَلَاتِي، وَنُسُكِي، وَمَحْيَايَ، وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لَا شَرِيكَ لَهُ، وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ، اللهُمَّ أَنْتَ الْمَلِكُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ أَنْتَ رَبِّي، وَأَنَا عَبْدُكَ، ظَلَمْتُ نَفْسِي، وَاعْتَرَفْتُ بِذَنْبِي، فَاغْفِرْ لِي ذُنُوبِي جَمِيعًا، إِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ، وَاهْدِنِي لِأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ لَا يَهْدِي لِأَحْسَنِهَا إِلَّا أَنْتَ، وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا لَا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إِلَّا أَنْتَ، لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ كُلُّهُ فِي يَدَيْكَ، وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ، أَنَا بِكَ وَإِلَيْكَ، تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ»، وَإِذَا رَكَعَ، قَالَ: «اللهُمَّ لَكَ رَكَعْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَلَكَ أَسْلَمْتُ، خَشَعَ لَكَ سَمْعِي، وَبَصَرِي، وَمُخِّي، وَعَظْمِي، وَعَصَبِي»، وَإِذَا رَفَعَ، قَالَ: «اللهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ مِلْءَ السَّمَاوَاتِ، وَمِلْءَ الْأَرْضِ، وَمِلْءَ مَا بَيْنَهُمَا، وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ»، وَإِذَا سَجَدَ، قَالَ: «اللهُمَّ لَكَ سَجَدْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَلَكَ أَسْلَمْتُ، سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ، وَصَوَّرَهُ، وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ، تَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ»، ثُمَّ يَكُونُ مِنْ آخِرِ مَا يَقُولُ بَيْنَ التَّشَهُّدِ وَالتَّسْلِيمِ: «اللهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، وَمَا أَسْرَفْتُ، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ». ([8])
(وجهت وجهي) أي قصدت بعبادتي للذي فطر السماوات والأرض أي ابتدأ خلقها (حنيفا) قال الأكثرون معناه مائلا إلى الدين الحق وهو الإسلام (وما أنا من المشركين) بيان للحنيف وإيضاح لمعناه والمشرك يطلق على كل كافر من عابد وثن وصنم ويهودي ونصراني ومجوسي ومرتد وزنديق وغيرهم (إن صلاتي ونسكي) قال أهل اللغة النسك العبادة وأصله من النسيكة وهي الفضة المذابة المصفاة من كل خلط والنسيكة أيضا ما يتقرب به إلى الله تعالى
(ومحياي ومماتي) أي حياتي وموتي ويجوز فتح الياء فيهما وإسكانهما والأكثرون على فتح ياء محياي وإسكان مماتي (لله) قال العلماء هذه لام الإضافة ولها معنيان الملك والاختصاص وكلاهما مراد هنا (واهدني لأحسن الأخلاق) أي أرشدني لصوابها ووفقني للتخلق به (لبيك) قال العلماء معناه أنا مقيم على طاعتك إقامة بعد إقامة يقال لب بالمكان لبا وألب إلبابا إذا أقام به وأصل لبيك لبين فحذفت النون للإضافة (وسعديك) قال الأزهري وغيره معناه مساعدة لأمرك بعد مساعدة ومتابعة لدينك بعد متابعة (أنا بك وإليك) أي التجائي وانتمائي إليك وتوفيقي بك (أنت المقدم وأنت المؤخر) معناه تقدم من شئت بطاعتك وغيرها وتؤخر من شئت عن ذلك كما تقتضيه حكمتك.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ، قَالَ: " يَنْزِلُ اللهُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا كُلَّ لَيْلَةٍ حِينَ يَمْضِي ثُلُثُ اللَّيْلِ الْأَوَّلُ، فَيَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ، أَنَا الْمَلِكُ، مَنْ ذَا الَّذِي يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، مَنْ ذَا الَّذِي يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَنْ ذَا الَّذِي يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ، فَلَا يَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى يُضِيءَ الْفَجْرُ " ([9])
تمجيد الله وتسبيحه وذكره في كل وقت: قال تعالى: (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) ) [سورة الملك]
أي يُمَجِّد تَعَالَى نَفْسَهُ الْكَرِيمَةَ، وَيُخْبِرُ أَنَّهُ {بيَدِهِ المُلْكُ} أَيْ هُوَ المتصرف في جميع المخلوقات، بما يشاء، لا معقب لِحُكْمِهِ وَلَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ، لِقَهْرِهِ وَحِكْمَتِهِ وعدله، ولهذا قال تعالى: {وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} ([10])
وقال تعالى: " فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ " [يس: 83]
وقال تعالى: ( يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) ) [سورة التغابن]
وعَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: كَانَ نَبِيُّ اللهِ ﷺ، إِذَا أَمْسَى قَالَ: «أَمْسَيْنَا وَأَمْسَى الْمُلْكُ لِلَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ» قَالَ: أُرَاهُ قَالَ فِيهِنَّ: «لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، رَبِّ أَسْأَلُكَ خَيْرَ مَا فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ وَخَيْرَ مَا بَعْدَهَا، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ وَشَرِّ مَا بَعْدَهَا، رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْكَسَلِ وَسُوءِ الْكِبَرِ، رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابٍ فِي النَّارِ وَعَذَابٍ فِي الْقَبْرِ» وَإِذَا أَصْبَحَ قَالَ ذَلِكَ أَيْضًا: «أَصْبَحْنَا وَأَصْبَحَ الْمُلْكُ لِلَّهِ» ([11])
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، قَالَ: " مَنْ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ، كَانَتْ لَهُ عَدْلَ عَشْرِ رِقَابٍ، وَكُتِبَتْ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ، وَمُحِيَتْ عَنْهُ مِائَةُ سَيِّئَةٍ، وَكَانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنَ الشَّيْطَانِ يَوْمَهُ ذَلِكَ حَتَّى يُمْسِيَ، وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ، إِلَّا أَحَدٌ عَمِلَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ " ([12])
تقواه سبحانه: قال تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ} [سورة القمر ]أَيْ بِعَكْسِ مَا الْأَشْقِيَاءُ فِيهِ مِنَ الضَّلَالِ وَالسُّعْرِ، وَالسَّحْبِ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ، مَعَ التَّوْبِيخِ وَالتَّقْرِيعِ والتهديد، وقوله تعالى: {فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ} أَيْ فِي دَارِ كَرَامَةِ الله ورضوانه، وفضله وامتنانه، ووجوده وَإِحْسَانِهِ {عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ} أَيْ عِنْدَ الْمَلِكِ الْعَظِيمِ، الْخَالِقِ لِلْأَشْيَاءِ كُلِّهَا وَمُقَدِّرِهَا، وَهُوَ مُقْتَدِرٌ عَلَى مَا يَشَاءُ مِمَّا يَطْلُبُونَ وَيُرِيدُونَ.
الاعتراف بأن ملك الله مطلق، إيجادا، وتصرفا، ومصيرا، وأن ملك المخلوقين نسبي، مآله إلى الزوال. "كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ". قال إبراهيم بن أدهم لمن أراد معصية الله: "أيليق بك أن تعصي الله وأنت تسكن في أرضه، وتأكل من رزقه، وتعلم بدنو أجلك، وأنك لا تستطيع أن تفر من زبانية جهنم؟".
النظر بتأمل وتدبر في ملكوت الله: قال تعالى: ( أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (185) ) [سورة الأعراف]
أَوَلَمْ ينظر هَؤُلَاءِ الْمُكَذِّبُونَ بِآيَاتِنَا فِي مُلْكِ اللَّهِ وَسُلْطَانِهِ في السموات والأرض، وفيما خلق مِنْ شَيْءٍ فِيهِمَا، فَيَتَدَبَّرُوا ذَلِكَ وَيَعْتَبِرُوا بِهِ، فيؤمنوا بالله وَيُصَدِّقُوا رَسُولَهُ، وَيُنِيبُوا إِلَى طَاعَتِهِ، وَيَخْلَعُوا الْأَنْدَادَ وَالْأَوْثَانَ، وَيَحْذَرُوا أَنْ تَكُونَ آجَالُهُمْ قَدِ اقْتَرَبَتْ فَيَهْلَكُوا عَلَى كُفْرِهِمْ، وَيَصِيرُوا إِلَى عَذَابِ اللَّهِ وَأَلِيمِ عِقَابِهِ، وَقَوْلُهُ: {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ} يَقُولُ: فَبِأَيِّ تخويفٍ وتحذيرٍ وَتَرْهِيبٍ بَعْدَ تَحْذِيرِ محمد ﷺ وَتَرْهِيبِهِ الَّذِي أَتَاهُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، يُصَدِّقُونَ إِنْ لَمْ يُصَدِّقُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ الَّذِي جَاءَهُمْ بِهِ مُحَمَّدٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ عزَّ وجلَّ؟ ([13])
الاستعادة به من الشرور: قال تعالى: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَهِ النَّاسِ (3) مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (4) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (6) ) [سورة الناس]
أعوذ: أي أتحصن وأستجير، برب الناس: أي خالقهم ومالكهم، ملك الناس: أي سيد الناس ومالكهم وحاكمهم، إله الناس: أي معبود الناس بحق إذ لا معبود سواه، من شر الوسواس: أي من شر الشيطان سمى بالمصدر لكثرة ملابسته له، الخناس: أي الذي يخنس ويتأخر عن القلب عند ذكر الله تعالى، في صدور الناس: أي في قلوبهم إذا غفلوا عن ذكر الله تعالى، من الجنة والناس: أي من شيطان الجن ومن شيطان الإنس ([14]).
عدم الاغترار بالمال أو السلطان: ضرب الله لنا أمثلة في القرآن للعظة والعبرة فأعطانا مثال المغتر بسلطانه في فرعون الذي بلغ به الكبر والغرور أن يقول أنا ربكم الأعلى فأخذه الله أخذ عزيز مقتدر وجعله عبرة لمن يعتبر !!
وإهلاك الله سبحانه لفرعون وقومه عبرة لكل ظالم متكبر من ملوك الأرض، تفرعن على الناس فيما آتاه الله من ملك، وظن أنه مخلد، ونسي أن ملكه زائل وأن إقامته في ملكه مؤقتة وأن الموت مدركه لا محالة .
وأعطانا مثال المغتر بماله في قارون ، وقد حدثنا القرآن عن كنوز قارون فقال سبحانه وتعالى : ” (وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ ) [سورة القصص]
إن مفاتيح الخزائن التي تضم الكنوز، كان يصعب حملها على مجموعة من الرجال الأشداء (العصبة والعصابة العدد من 40:10) فكيف كانت الكنوز ذاتها؟!
ويبدو أن العقلاء من قومه نصحوه بألا يفرح فرحا يؤدي بصاحبه إلى نسيان من هو المنعم بهذا المال، ولا ينبغي أن ينسى الآخرة مغترا بالدنيا، وأن عليه أن يتصدق من هذا المال…..
فكان رد قارون جملة واحد تحمل شتى معاني الفساد )قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي(لقد أنساه غروره مصدر هذه النعمة وحكمتها، وفتنه المال وأعماه الثراء……فلم يستمع قارون لنداء قومه، ولم يشعر بنعمة ربه، وخرج قارون ذات يوم على قومه، بكامل زينته، فطارت قلوب بعض القوم، وتمنوا أن لديهم مثل ما أوتي قارون، وأحسوا أنه في نعمة كبيرة ؛ فرد عليهم من سمعهم من أهل العلم والإيمان : ويلكم أيها المخدوعون، احذروا الفتنة، واتقوا الله، واعلموا أن ثواب الله خير من هذه الزينة، وما عند الله خير مما عند قارون.
فيجيء العقاب حاسما “فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ” هكذا في لمحة خاطفة ابتلعته الأرض وابتلعت داره….. وذهب ضعيفا عاجزا، لا ينصره أحد، ولا ينتصر بجاه أو مال.
وفي هذا يقول الشاعر :
قدم لنفسك خيرًا وأنت مالك مالك | ** ** | قبل أن يكون لون حالك حالك |
العزة بالله : فلا تهاب إلا الله ، فما منع الكثيرين من كلمة الحق إلا الخوف والجبن وضعف يقينهم بالله مالك الملك وملك الملوك .
ورحم الله الإمام العز بن عبد السلام حينما خرج في يوم عيد ، وخرج موكب السلطان يجوب شوارع القاهرة ، والناس مصطفون على جوانب الطريق ، والسيوف مسلطة ، والعساكر واقفة ، وهنا وقف العز بن عبد السلام ، وقال : يا أيوب (هكذا باسمه مجرداً من أي لقب) فالتفت أيوب ليرى من هذا الذي يخاطبه باسمه الصريح ؟!!
فقال له الإمام العز: ما حجتك عند الله عز وجل غداً إذا قال لك: ألم أبوئك ملك مصر ، فأبحت الخمور ؟ فقال السلطان : أو يحدث هذا في مصر ؟ قال : نعم ، في مكان كذا وكذا حانة يباع فيها الخمر ، وغيرها من المنكرات ، فقال : يا سيدي أنا ما فعلت ، إنما هو من عهد أبي .
فهز العز بن عبد السلام رأسه ، وقال : إذاً أنت من الذين يقولون : إنا وجدنا آباءنا على أمة ، فقال: لا ، أعوذ بالله ، وأصدر أمراً بإبطالها فوراً ، ومنع بيع الخمور في مصر .
أحد طلابه سأله : يا سيدي أما خفت من السلطان وهو في أبهته وعظمته ؟ فقال: يا بني استحضرت عظمة الله عز وجل فصار السلطان أمامي كالقط !!!
الزهد في الدنيا: عن أَبي العباس سهل بن سعد الساعدي - t- قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النبي - ﷺ -، فقال: يَا رسولَ الله، دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ إِذَا عَمِلْتُهُ أحَبَّنِي اللهُ وَأحَبَّنِي النَّاسُ، فقال: «ازْهَدْ في الدُّنْيَا يُحِبّك اللهُ، وَازْهَدْ فِيمَا عِنْدَ النَّاسِ يُحِبّك النَّاسُ» ([15]) ، ومعنى ذلك : ألا يكون القلب متعلقا بما في أيدي الناس من نعيم الدنيا ، فإذا فعل العبد ذلك ، مالت إليه قلوب الناس ، وأحبته نفوسهم .
والسرّ في ذلك أن القلوب مجبولة على حب الدنيا ، وهذا الحب يبعثها على بغض من نازعها في أمرها ، فإذا تعفف العبد عما في أيدي الناس ، عظم في أعينهم ؛ لركونهم إلى جانبه ، وأمنهم من حقده وحسده .
ولذلك قيل: أحسن إلى من شئت تكن أميره ، واستغن عمن شئت تكن نظيره ، واحتج إلى من شئت تكن أسيره .
الاعتماد على الله وحده: فما دام الله هو الملك وهو الذي بيده كل شيء وإليه يرجع الأمر كله فلابد من الاعتماد والتوكل عليه وحده ، قال تعالى: (وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (123) ) [سورة الأنعام]
وجوب ملك الجسد بمالكه ومالك كل شيء: عَنْ عَامِرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: " الحَلاَلُ بَيِّنٌ، وَالحَرَامُ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشَبَّهَاتٌ لاَ يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى المُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ: كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الحِمَى، يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ، أَلاَ وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلاَ إِنَّ حِمَى اللَّهِ فِي أَرْضِهِ مَحَارِمُهُ، أَلاَ وَإِنَّ فِي الجَسَدِ مُضْغَةً: إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، أَلاَ وَهِيَ القَلْبُ "
(بين) ظاهر بالنسبة إلى ما دل عليه. (كشبهات) موجودة بين الحل والحرمة ولم يظهر أمرها على التعيين. (اتقى) حذرها وابتعد عنها. (استبرأ لدينه وعرضه) طلب البراءة في دينه من النقص وعرضه من الطعن والعرض هو موضع الذم والمدح من الإنسان. (الحمى) موضع حظره الإمام وخصه لنفسه ومنع الرعية منه. (يوشك) يقرب. (يواقعه) يقع فيه (مضغة) قطعة لحم بقدر ما يمضغ في الفم.
فلابد أن يتصل القلب وهو ملك الجسد بالملك –سبحانه- ليستمد منه العون والقوة والتوفيق والهداية، لأنه إن صلح القلب سيصلح سائر الجسد بإذن الله .
وصلِّ اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
%%%%%%%%
ثانيًا: من أسماء الله الحسنى ( القدوس)
الحمد لله الذي تقدس عن الأشياء ذاته ، ونزه عن مشابهة الأمثال صفاته ، واحد لا من قله ، وموجود لا من علة ، بالبر معروف ، وبالإحسان موصوف ، معروف بلا غاية ، وموصوف بلا نهاية ، أول بلا ابتداء ، وآخر بلا انقضاء ، ولا ينسب إليه البنون ولا يفنيه تداول الأوقات ، ولا توهنه السنون ، كل المخلوقات قهر عظمته ، وأمره بين الكاف والنون ، بذكره أنس المخلصون ، وبرؤيته تقر العيون ، وبتوحيده أبتهج الموحدون .
واشهد أن لا إله إلا الله هدى أهل طاعته إلى صراطه المستقيم وأباح أهل محبته جنات النعيم وعلم عدد أنفاس مخلوقاته بعلمه القديم ، ويرى حركات أرجل النمل في جنح الليل البهيم ، ويسبحه الطير في وكره ، ويمجده الوحش في قفره محيط بعمل العبد سره وجهره ، وكفيل للمؤمنين بتأييده ونصره ، وتطمئن القلوب المجلة بذكره وكشف ضره ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره ، أحاط بكل شئ علماً ، وغفر ذنوب المسلمين كرماً وحلماً ، ليس كمثله شيء ، وهو السميع البصير.
وأشهد أن سيدنا محمدا عبد الله ورسوله ، خير الخلق في طفولته، وأطهر المطهَّرين في شبابه، وأنجب البشريَّة في كهولته، وأتقى الناس في حياته، وأعدل القضاة في قضائه، وأشجع قائدٍ في جهاده؛ اختصَّه الله بكلِّ خلقٍ نبيلٍ؛ وطهَّره من كلِّ دنسٍ، وحفظه من كلِّ زلل، وأدَّبه فأحسن تأديبه، وجعله على خلقٍ عظيمٍ؛ فلا يدانيه أحدٌ في كماله وعظمته، وصدقه وأمانته، وزهده وحيائه وعفَّته.
يا أيها الراجون خير شفاعةٍ ** من أحمد صلُّوا عليه وسلِّموا
صلَّى وسلَّم ذو الجلال علــيه ** ما لبَّى مُلبٍّ أو تحلَّل مُحـــرِم
العناصر
أولًا: ما هو القدوس
ثانيًا: تقديس الله عن كل ما لا يليق
ثالثًا: واجبنا نحو القدوس -سبحانه وتعالى-
الموضوع
أولًا: ما هو القدوس
تعريف القدوس: شديد التنزه عما يقول المبطلون، الطاهر المنزه عن النقص وموجبات الحدوث، والمنزه عما لا يليق به، هو سبحانه الجامع لكل أوصاف الكمال والجمال والجلال، منزه عن كل وصف وعن كل خيال، المنزه عن كل ما تحيط به العقول أو يتصوره الخيال، منزه عن كل وصف يدركه حس، او يتصوره خيال أو وهم، وفي الأثر: (كل ما خطر ببالك فهو هالك، والله غير ذلك) ([16]).
من معاني القدوس: التطهير والبركة وقد وردا في القرآن الكريم
التطهير: قال تعالى: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30)) [سورة البقرة ]
أي واذكر -أيها الرسول- للناس حين قال ربك للملائكة: إني جاعل في الأرض قومًا يخلف بعضهم بعضًا لعمارتها. قالت: يا ربَّنا علِّمْنا وأَرْشِدْنا ما الحكمة في خلق هؤلاء، مع أنَّ من شأنهم الإفساد في الأرض واراقة الدماء ظلما وعدوانًا ونحن طوع أمرك، ننزِّهك التنزيه اللائق بحمدك وجلالك، ونمجِّدك بكل صفات الكمال والجلال؟ قال الله لهم: إني أعلم ما لا تعلمون من المصلحة الراجحة في خلقهم ([17]).
وقال تعالى: (يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ (21) ) [سورة المائدة]
يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة -أي المطهرة، وهي «بيت المقدس» وما حولها- التي وعد الله أن تدخلوها وتقاتلوا مَن فيها من الكفار، ولا ترجعوا عن قتال الجبارين، فتخسروا خير الدنيا وخير الآخرة.
البركة: قال تعالى: (فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى (11) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (12) ) [سورة طه]
أي فلما أتى موسى تلك النار ناداه الله: يا موسى، إني أنا ربك فاخلع نعليك، إنك الآن بوادي «طوى» الذي باركته، وذلك استعدادًا لمناجاة ربه.
ذُكر اسم الله القدوس في القرآن مرتين: قال تعالى: ﴿هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23)﴾ [سورة الحشر]
وقال تعالى: ﴿يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1)﴾ [سورة الجمعة]
ذُكر في السنة النبوية: عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ، فَإِنَّ نَفْسًا لَنْ تَمُوتَ حَتَّى تَسْتَوْفِيَ رِزْقَهَا وَإِنْ أَبْطَأَ عَنْهَا، فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ، خُذُوا مَا حَلَّ، وَدَعُوا مَا حَرُمَ» ([18])
ثانيًا: تقديس الله عن كل ما لا يليق
تقديسه سبحانه عن الولد: لقد نسب اليهود والنصارى لله الولد – تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا – وقد سجل الله قولهم واعتقادهم في القرآن الكريم حيث قال سبحانه: ( وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (30) ) [سورة التوبة]
أي لقد أشرك اليهود بالله عندما زعموا أن عزيرًا ابن الله. وأشرك النصارى بالله عندما ادَّعوا أن المسيح ابن الله.
وهذا القول اختلقوه من عند أنفسهم، وهم بذلك يشابهون قول المشركين من قبلهم. قَاتَلَ الله المشركين جميعًا كيف يعدلون عن الحق إلى الباطل؟
وقد رد الله قولهم وقدس نفسه عنه حيث قال سبحانه: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)) [سورة الإخلاص]
قال عكرمة: لما قالت اليهود: نحن نعبد عزير بن الله، وقالت النصارى: نحن نعبد المسيح بن اللَّهِ، وَقَالَتِ الْمَجُوسُ: نَحْنُ نَعْبُدُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ، وَقَالَتِ الْمُشْرِكُونَ: نَحْنُ نَعْبُدُ الْأَوْثَانَ أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ ﷺ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} يَعْنِي هُوَ الْوَاحِدُ الْأَحَدُ، الَّذِي لَا نَظِيرَ لَهُ وَلَا وَزِيرَ، وَلَا شبيه ولا عديل، لِأَنَّهُ الْكَامِلُ فِي جَمِيعِ صِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ، وَقَوْلُهُ تعالى: {آللَّهُ الصمد} يعني الذي يصمد إليه الخلائق في حوائجهم ومسائلهم، قال ابن العباس: هُوَ السَّيِّدُ الَّذِي قَدْ كَمُلَ فِي سُؤْدُدِهِ، وَالشَّرِيفُ الَّذِي قَدْ كَمُلَ فِي شَرَفِهِ، وَالْعَظِيمُ الَّذِي قَدْ كَمُلَ فِي عَظْمَتِهِ، وَالْحَلِيمُ الَّذِي قد كمل حِلْمِهِ، وَالْعَلِيمُ الَّذِي قَدْ كَمُلَ فِي عِلْمِهِ، وَالْحَكِيمُ الَّذِي قَدْ كَمُلَ فِي حِكْمَتِهِ، وَهُوَ الَّذِي قَدْ كَمُلَ فِي أَنْوَاعِ الشَّرَفِ وَالسُّؤْدُدِ، وهو الله سبحانه، لَيْسَ لَهُ كُفْءٌ وَلَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، سُبْحَانَ الله الواحد القهار.
وقوله تعالى: {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ} أَيْ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَا وَالِدٌ وَلَا صَاحِبَةٌ، قَالَ مُجَاهِدٌ: {وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ} يَعْنِي لَا صَاحِبَةَ لَهُ، وَهَذَا كَمَا قَالَ تَعَالَى: {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَّهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ} أَيْ هُوَ مَالِكُ كُلِّ شَيْءٍ وَخَالِقُهُ، فَكَيْفَ يَكُونُ لَهُ مِنْ خَلْقِهِ نَظِيرٌ يُسَامِيهِ، أَوْ قريب يدانيه؟ تعالى وتقدس وتنزه، قَالَ تَعَالَى: {وَقَالُواْ: اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً لَّقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إدّاً} ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَقَالُواْ اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ * لاَ يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ} .
وعَنْ أَبِي مُوسَى t، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: " لَيْسَ أَحَدٌ، أَوْ: لَيْسَ شَيْءٌ أَصْبَرَ عَلَى أَذًى سَمِعَهُ مِنَ اللَّهِ، إِنَّهُمْ لَيَدْعُونَ لَهُ وَلَدًا، وَإِنَّهُ لَيُعَافِيهِمْ وَيَرْزُقُهُمْ " ([19])
قال العلماء معناه أن الله تعالى واسع الحلم حتى على الكافر الذي ينسب إليه الولد والند قال المازري حقيقة الصبر منع النفس من الانتقال أو غيره فالصبر نتيجة الامتناع فأطلق اسم الصبر على الامتناع في حق الله تعالى لذلك قال القاضي والصبور من أسماء الله تعالى وهو الذي لا يعاجل العصاة بالانتقام وهو بمعنى الحليم في أسمائه سبحانه وتعالى والحليم هو الصفوح مع القدرة على الانتقام.
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ t، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، قَالَ: قَالَ اللَّهُ: «كَذَّبَنِي ابْنُ آدَمَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، وَشَتَمَنِي، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، فَأَمَّا تَكْذِيبُهُ إِيَّايَ فَزَعَمَ أَنِّي لاَ أَقْدِرُ أَنْ أُعِيدَهُ كَمَا كَانَ، وَأَمَّا شَتْمُهُ إِيَّايَ، فَقَوْلُهُ لِي وَلَدٌ، فَسُبْحَانِي أَنْ أَتَّخِذَ صَاحِبَةً أَوْ وَلَدًا» ([20])
(كذبني) نسب إلى ما هو خلاف الحقيقة والواقع. (شتمني) وصفني بما لا يليق بي (فسبحاني) أنزه نفسي. (صاحبة) زوجة. ([21])
تقديس الله عن الظلم: قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا (40) ) [سورة النساء]
{إِنَّ اللَّهَ} سبحانه وتعالى {لَا يَظْلِمُ} أحدًا {مِثْقَالَ ذَرَّةٍ}؛ أي: وزن نملة حمراء صغيرة، أي: لا يظلم قليلًا ولا كثيرًا، ونظم هذا الكلام مع الذي قبله: وماذا عليهم لو آمنوا وأنفقوا، فإن الله لا يظلم ولا يبخس ولا ينقص أحدًا من ثواب عمله مثقال ذرة، وقال ابن عباس: الذرة رأس نملة حمراء، وقيل: الذرة كل جزء من أجزاء الهباء، الذي يكون في الكوة إذا كان فيها ضوء الشمس لا وزن لها، وهذا مثلٌ ضربه الله تعالى لأقل الأشياء، فخرج الكلام على أصغر شيء يعرفه الناس، وفي ذكره إيماء إلى أنه وإن صغر قدره عظم جزاءه.
والخلاصة: أن الظلم لا يقع من الله تعالى؛ لأنه من النقص الذي يتنزه عنه، وهو ذو الكمال المطلق والفضل العظيم، وقد شرع لهم من أحكام الدين وآدابه ما لا تستقل عقولهم بالوصول إلى مثله في هدايتهم وحفظ مصالحهم، وهي تسوق إلى الخير وتصرف عن الشر، وأيدها بالوعد والوعيد، فمن وقع بعد ذلك فيما يضره ويؤذيه .. كان هو الظالم لنفسه؛ لأن الله تعالى لا يظلم أحدًا.
{وَإِنْ تَكُ}؛ أي: وإن يكن مثقال الذرة {حَسَنَةً} وأنث الضمير لتأنيث الخبر، أو لإضافة المثقال إلى مؤنث، وحذف النون من غير قياس تخفيفًا وتشبيهًا بحروف العلة، وقرأ نافع وابن كثير {حسنةٌ} بالرفع على أن كان تامة بمعنى وإن حصلت حسنة، والباقون بالنصب. والمعنى: وإن تكن زنة الذرة حسنة، {يُضَاعِفْهَا}؛ أي: يضاعف جزاء تلك الحسنة عشرة أمثالها، أو أضعافًا كثيرة إلى سبع مائة، كما جاء في آية أخرى: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (160)}، {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً}. وقرأ ابن كثير وابن عامر ويعقوب {يضعِّفْها} بالتشديد من غير ألف، فكلاهما بمعنى واحد.
وقيل هذا عند الحساب فمن بقي له من الحسنات مثقال ذرة .. ضاعفها الله له إلى سبع مئة، وإلى أجر عظيم. قال قتادة: لأن تفضل حسناتي على سيئاتي بمثقال ذرة أحب إليَّ من الدنيا وما فيها. وعن أنس بن مالك t في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا} وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إِنَّ اللهَ لَا يَظْلِمُ مُؤْمِنًا حَسَنَةً، يُعْطَى بِهَا فِي الدُّنْيَا وَيُجْزَى بِهَا فِي الْآخِرَةِ، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيُطْعَمُ بِحَسَنَاتِ مَا عَمِلَ بِهَا لِلَّهِ فِي الدُّنْيَا، حَتَّى إِذَا أَفْضَى إِلَى الْآخِرَةِ، لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَةٌ يُجْزَى بِهَا» ([22])
{وَيُؤْتِ}؛ أي: يعط الله صاحب الحسنة {مِنْ لَدُنْهُ}؛ أي: من عنده تعالى: {أَجْرًا عَظِيمًا} وثوابًا جزيلًا فلا يقدر أحد قدره وهو الجنة.
أي: إنه تعالى لواسع فضله، لا يكتفي بجزاء المحسنين على إحسانهم فحسب، بل يزيدهم من فضله، ويعطيهم من لدنه عطاءً كبيرًا، وسمي هذا العطاء أجرًا ولا مقابل له من الأعمال؛ لأنه لما كان تابعًا للأجر على العلم سمي باسمه لمجاورته له، وفي ذلك إيماء إلى أنه لا يكون لغير المحسنين، إذ هو علاوة على أجور أعمالهم، فلا مطمع للمسيئين فيه ([23]).
وعَنْ أَبِي ذَرٍّ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، فِيمَا رَوَى عَنِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ: (يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فَلَا تَظَالَمُوا....) ([24])
وهذا دليل على عدل الله سبحانه وتعالى ولهذا ينبغي أن نبتعد فورا عن قول البعض ( ليه الظلم ده) وينسب هذا لله، وهذا يعنى أن الله ليس بعادل – تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا -.
تقديس الله عن الكذب: قال تعالى: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا} [سورة النساء] .
يخبر تعالى عن انفراده بالوحدانية وأنه لا معبود ولا مألوه إلا هو، لكماله في ذاته وأوصافه ولكونه المنفرد بالخلق والتدبير، والنعم الظاهرة والباطنة.
وذلك يستلزم الأمر بعبادته والتقرب إليه بجميع أنواع العبودية. لكونه المستحق لذلك وحده والمجازي للعباد بما قاموا به من عبوديته أو تركوه منها، ولذلك أقسم على وقوع محل الجزاء وهو يوم القيامة، فقال: {لَيَجْمَعَنَّكُمْ} أي: أولكم وآخِركم في مقام واحد.
في {يَوْمِ الْقِيَامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ} أي: لا شك ولا شبهة بوجه من الوجوه، بالدليل العقلي والدليل السمعي، فالدليل العقلي ما نشاهده من إحياء الأرض بعد موتها، ومن وجود النشأة الأولى التي وقوع الثانية أَوْلى منها بالإمكان، ومن الحكمة التي تجزم بأن الله لم يخلق خلقه عبثًا، يحيون ثم يموتون. وأما الدليل السمعي فهو إخبار أصدق الصادقين بذلك، بل إقسامه عليه ولهذا قال: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا} كذلك أمر رسوله ﷺ أن يقسم عليه في غير موضع من القرآن، كقوله تعالى: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} . {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا} {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلا} إخبار بأن حديثه وأخباره وأقواله في أعلى مراتب الصدق، بل أعلاها. فكل ما قيل في العقائد والعلوم والأعمال مما يناقض ما أخبر الله به، فهو باطل لمناقضته للخبر الصادق اليقين، فلا يمكن أن يكون حقًّا ([25]).
تقديس الله عن الفناء: قال تعالى: (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (27) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (28)) [سورة الرحمن] يُخْبِرُ تَعَالَى أَنَّ جَمِيعَ أَهْلِ الْأَرْضِ سَيَذْهَبُونَ وَيَمُوتُونَ أَجْمَعُونَ، وَكَذَلِكَ أَهْلُ السَّمَاوَاتِ إِلاَّ مَن شَآءَ اللَّهُ، وَلَا يَبْقَى أَحَدٌ سِوَى وَجْهِهِ الكريم، فإن الرب تعالى وتقدس هُوَ الْحَيُّ الَّذِي لَا يَمُوتُ أَبَدًا، قَالَ قَتَادَةُ: أَنْبَأَ بِمَا خَلَقَ، ثُمَّ أَنْبَأَ أَنَّ ذلك كله فانٍ، وَفِي الدُّعَاءِ الْمَأْثُورِ: يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ، يَا بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، بِرَحْمَتِكَ نَسْتَغِيثُ، أصلح لنا شئننا كُلَّهُ، وَلَا تَكِلْنَا إِلَى أَنْفُسِنَا طَرْفَةَ عَيْنٍ، وَلَا إِلَى أَحَدٍ مِنْ خَلْقِكَ. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: إِذَا قَرَأْتَ: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ} فَلَا تَسْكُتْ حَتَّى تَقْرَأَ: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} . وَهَذِهِ الْآيَةُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ} ، وَقَدْ نَعَتَ تَعَالَى وَجْهَهُ الْكَرِيمَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ بِأَنَّهُ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، أَيْ هُوَ أَهْلٌ أَنْ يُجل فَلَا يُعصى، وَأَنْ يُطاع فلا يُخالف، كقوله تعالى: {يُرِيدُونَ وجهه} ، وكقوله: {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ الله} ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} ذُو العظمة والكبرياء، ولما أخبر تعالى عَنْ تَسَاوِي أَهْلِ الْأَرْضِ كُلِّهِمْ فِي الْوَفَاةِ، وَأَنَّهُمْ سَيَصِيرُونَ إِلَى الدَّارِ الْآخِرَةِ، فَيَحْكُمُ فِيهِمْ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ بِحُكْمِهِ الْعَدْلِ، قَالَ: {فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} ([26]).
تقديسه سبحانه عن الشبيه والمثيل: قال تعالى: (فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11) لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (12)) [سورة الشورى]
{فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ} أي: خالقهما بقدرته ومشيئته وحكمته. {جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا} لتسكنوا إليها، وتنتشر منكم الذرية، ويحصل لكم من النفع ما يحصل.
{وَمِنَ الأنْعَامِ أَزْوَاجًا} أي: ومن جميع أصنافها نوعين، ذكرا وأنثى، لتبقى وتنمو لمنافعكم الكثيرة، ولهذا عداها باللام الدالة على التعليل، أي: جعل ذلك لأجلكم، ولأجل النعمة عليكم، ولهذا قال: {يذرؤكم فيه} أي: يبثكم ويكثركم ويكثر مواشيكم، بسبب أن جعل لكم من أنفسكم، وجعل لكم من الأنعام أزواجا.
{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} أي: ليس يشبهه تعالى ولا يماثله شيء من مخلوقاته، لا في ذاته، ولا في أسمائه، ولا في صفاته، ولا في أفعاله، لأن أسماءه كلها حسنى، وصفاته صفة كمال وعظمة، وأفعاله تعالى أوجد بها المخلوقات العظيمة من غير مشارك، فليس كمثله شيء، لانفراده وتوحده بالكمال من كل وجه. {وَهُوَ السَّمِيعُ} لجميع الأصوات، باختلاف اللغات، على تفنن الحاجات. {الْبَصِيرُ} يرى دبيب النملة السوداء، في الليلة الظلماء، على الصخرة الصماء، ويرى سريان القوت في أعضاء الحيوانات الصغيرة جدا، وسريان الماء في الأغصان الدقيقة.
وهذه الآية ونحوها، دليل لمذهب أهل السنة والجماعة، من إثبات الصفات، ونفي مماثلة المخلوقات. وفيها رد على المشبهة في قوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} وعلى المعطلة في قوله: {وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}
وقوله: {لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ} أي: له ملك السماوات والأرض، وبيده مفاتيح الرحمة والأرزاق، والنعم الظاهرة والباطنة. فكل الخلق مفتقرون إلى الله، في جلب مصالحهم، ودفع المضار عنهم، في كل الأحوال، ليس بيد أحد من الأمر شيء.
والله تعالى هو المعطي المانع، الضار النافع، الذي ما بالعباد من نعمة إلا منه، ولا يدفع الشر إلا هو، و {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ} [فَاطِرٍ: 2]
ولهذا قال هنا: {يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ} أي: يوسعه ويعطيه من أصناف الرزق ما شاء، {وَيَقْدِرُ} أي: يضيق على من يشاء، حتى يكون بقدر حاجته، لا يزيد عنها، وكل هذا تابع لعلمه وحكمته، فلهذا قال: {إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} فيعلم أحوال عباده، فيعطي كلا ما يليق بحكمته وتقتضيه مشيئته([27]).
تقدَّس عن الفقر والبخل: قال تعالى : ( وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (64)) [سورة المائدة]
يُطلع الله نَبِيَّه على شيء من مآثم اليهود -وكان مما يُسرُّونه فيما بينهم- أنهم قالوا: يد الله محبوسة عن فعل الخيرات، بَخِلَ علينا بالرزق والتوسعة، وذلك حين لحقهم جَدْب وقحط. غُلَّتْ أيديهم، أي: حبست أيديهم هم عن فِعْلِ الخيرات، وطردهم الله من رحمته بسبب قولهم. وليس الأمر كما يفترونه على ربهم، بل يداه مبسوطتان لا حَجْرَ عليه، ولا مانع يمنعه من الإنفاق، فإنه الجواد الكريم، ينفق على مقتضى الحكمة وما فيه مصلحة العباد. وفي الآية إثبات لصفة اليدين لله سبحانه وتعالى كما يليق به من غير تشبيه ولا تكييف. لكنهم سوف يزدادون طغيانًا وكفرًا بسبب حقدهم وحسدهم; لأن الله قد اصطفاك بالرسالة. ويخبر تعالى أن طوائف اليهود سيظلون إلى يوم القيامة يعادي بعضهم بعضًا، وينفر بعضهم من بعض، كلما تآمروا على الكيد للمسلمين بإثارة الفتن وإشعال نار الحرب ردَّ الله كيدهم، وفرَّق شملهم، ولا يزال اليهود يعملون بمعاصي الله مما ينشأ عنها الفساد والاضطراب في الأرض. والله تعالى لا يحب المفسدين([28]).
وقال تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ } [سورة فاطر]
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: " قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ، وَقَالَ: يَدُ اللَّهِ مَلْأَى لاَ تَغِيضُهَا نَفَقَةٌ سَحَّاءُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، وَقَالَ: أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْفَقَ مُنْذُ خَلَقَ السَّمَاءَ وَالأَرْضَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَغِضْ مَا فِي يَدِهِ، وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى المَاءِ، وَبِيَدِهِ المِيزَانُ يَخْفِضُ وَيَرْفَعُ ....) ([29])
(يد الله ملائ) كناية عن خزائنه التي لا تنفد بالعطاء. (تغيضها) تنقصها. (سحاء) دائمة العطاء من السح وهو الصب والهطل. (وكان عرشه على الماء) حكاية لما جاء في الآية (7) من سورة هود ومعناه لم يكن تحته خلق قبل خلق السموات والأرض إلا الماء وكان العرش مستقرا عليه بقدرته تعالى والله أعلم. (بيده الميزان) كناية عن العدل بين الخلق والله تعالى أعلم بحقيقة ذلك. (يخفض ويرفع) يعز ويذل ويوسع ويقتر حسب حكمته سبحانه وتعالى.
تقديس الله عن كل نقص لا يليق به – جلَّ جلاله - : كقول البعض (ربنا عاوز كده) وهذا لا يليق بالله لأن معنى العوز أي الاحتياج والله سبحانه لا يحتاج إلى شيء فهو الغني عن جميع العالمين حيث قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (15) إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (16) وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ (17)) [سورة فاطر]
فلابد من تنزيه الله تعالى عن هذا اللفظ وأمثاله.
وقول البعض (يدي الحلق للي بلا ودان) وهذا افتراء على الله تعالى فيعني أن الله يعطي من لا يحتاج ويحرم من يحتاج وهذا لا يليق بالله -سبحانه وتعالى-
وقول البعض (ربنا افتكره) وهل يعني هذا أن الله نسيه طوال حياته ثم لما تذكره أماته، فهذا لا يجوز نسبته إلى الله تعالى.
ولهذا ينبغي أن نقدس الله تعالى عن هذه الألفاظ والأقوال التي لا تليق بكمال الله وجلاله.
ثالثًا: واجبنا نحو القدوس -سبحانه وتعالى-:
تقيس الله بعدة أمور من بينها:
بالحمد: قال تعالى: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2)) [سورة الفاتحة] ، وقال تعالى: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (1)) [سورة الأنعام] ، وقال تعالى: (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (43)) [سورة الأعراف]
وغيرها من الآيات الدالة على حمد الله والثناء عليه ، وذكر الله فعل الملائكة فقال تعالى: ( وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30) ) [سورة البقرة]
واذكر -أيها الرسول- للناس حين قال ربك للملائكة: إني جاعل في الأرض قومًا يخلف بعضهم بعضًا لعمارتها. قالت: يا ربَّنا علِّمْنا وأَرْشِدْنا ما الحكمة في خلق هؤلاء، مع أنَّ من شأنهم الإفساد في الأرض واراقة الدماء ظلما وعدوانًا ونحن طوع أمرك، ننزِّهك التنزيه اللائق بحمدك وجلالك، ونمجِّدك بكل صفات الكمال والجلال؟ قال الله لهم: إني أعلم ما لا تعلمون من المصلحة الراجحة في خلقهم([30]).
بالتسبيح: قال تعالى: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1) ) [سورة الا سراء]
وقال تعالى: (سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ (36) ) [سورة يس]
وقال تعالى: (لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (13) وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ (14) ) [سورة الزخرف]
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: " مَنْ قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ، حُطَّتْ خَطَايَاهُ، وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ البَحْرِ " ([31])
(حطت خطاياه) محيت ذنوبه المتعلقة بحقوق الله تعالى. (مثل زبد البحر) كناية عن المبالغة في الكثرة والزبد من البحر وغيره كالرغوة تعلو سطحه.
وعَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الشِّخِّيرِ، أَنَّ عَائِشَةَ نَبَّأَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ كَانَ يَقُولُ: «فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ، رَبُّ الْمَلَائِكَةِ وَالرُّوحِ» ([32])
ومعنى سبوح المبرأ من النقائص والشريك وكل مالا يليق بالإلهية وقدوس المطهر من كل ما يليق بالخالق.
بالثناء عليه: قال تعالى: (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (1) ) [سورة الفرقان]
أي عَظُمَتْ بركات الله، وكثرت خيراته، وكملت أوصافه سبحانه وتعالى الذي نزَّل القرآن الفارق بين الحق والباطل على عبده محمد ﷺ؛ ليكون رسولا للإنس والجن، مخوِّفًا لهم من عذاب الله.
وقال تعالى: (تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا (61) ) [سورة الفرقان] أي عَظُمَتْ بركات الرحمن وكثر خيره، الذي جعل في السماء النجوم الكبار بمنازلها، وجعل فيها شمسًا تضيء وقمرًا ينير ([33]).
بالدعاء: أمر الله تعالى بالدعاء بأسمائه الحسنى ومنها اسم (القدوس) وهو اسم عظيم يستخدم في مدح الله والثناء عليه ومهما عبدنا الله وقدسناه يبقى العبد منا مقصراً تقصيراً عظيما في حق الله حتى نبينا وحبيبنا محمد ﷺ عَلِمَ عِلم اليقين أنه لم ولن يبلغ أحد كمال الثناء على الله تعالى.
فعَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: فَقَدْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ لَيْلَةً مِنَ الْفِرَاشِ فَالْتَمَسْتُهُ فَوَقَعَتْ يَدِي عَلَى بَطْنِ قَدَمَيْهِ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ وَهُمَا مَنْصُوبَتَانِ وَهُوَ يَقُولُ: «اللهُمَّ أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ»([34]) (المسجد) أي في السجود فهو مصدر ميمى أو في الموضع الذي كان يصلي فيه في حجرته (أعوذ برضاك من سخطك) قال النووي قال الإمام أبو سليمان الخطابي رحمه الله تعالى في هذا معنى لطيف وذلك أنه استعاذ بالله تعالى وسأله أن يجيره برضاك من سخطه وبمعافاته من عقوبته والرضاء والسخط ضدان متقابلان وكذلك المعافاة والعقوبة فلما صار إلى ذكر مالا ضد له وهو الله سبحانه وتعالى استعاذ به منه لا غير ومعناه الاستغفار من التقصير في بلوغ الواجب من حق عبادته والثناء عليه (لا أحصي ثناء عليك) أي لا أطيقه ولا آتي عليه وقيل لا أحيط به وقال مالك رحمه الله تعالى معناه لا أحصى نعمتك وإحسانك والثناء بها عليك وإن اجتهدت في الثناء عليك (أنت كما أثنيت على نفسك) اعتراف بالعجز عن تفضيل الثناء وأنه لا يقدر على بلوغ حقيقته ورد للثناء إلى الجملة دون التفصيل والإحصاء والتعيين فوكل ذلك إلى الله سبحانه وتعالى المحيط بكل شيء جملة وتفصيلا وكما أنه لا نهاية لصفاته لا نهاية للثناء عليه لأن الثناء تابع للمثني عليه وكل ثناء أثني به عليه وإن كثر وطال وبولغ فيه فقدر الله أعظم مع أنه متعال عن القدر وسلطانه أعز وصفاته أكبر وأكثر وفضله وإحسانه أوسع وأسبغ.
بالعدل: جاء الخليفة عمر بن الخطاب جبلة بن الأيهم ملك الغساسنة مسلماً، رحب به أشد الترحيب، وأنزله منزلته ، كما أمرنا النبي عليه الصلاة والسلام ، وكان الموسم موسم حج ، ففيما هو يطوف حول الكعبة، جاء بدوي من فزاره ، فداس طرف إزاره ، فانزاح عن كتفه قليلاً ، والبدوي فعل هذا خطأً ، ولم يقصد أن يسئ لهذا الملك ، ما كان من هذا الملك الغساني إلا أن التفت إلى هذا الفزاري وضربه على أنفه ضربةً هشمت أنفه ، ماذا يفعل هذا الفزاري ذهب إلى عمر بن الخطاب ، يشكو ملك الغساسنة ، سيدنا عمر استدعى ملك الغساسنة جبلة بن الأيهم ، وقال :
يا ابن أيهم : جاءني هذا الصباح مشد يبعث في النفس المرارة بدوي من فزاره ، بجراحٍ تتألم ، مقلة غارت وأنف قد تهشم ، فسألناه فألقى فادح الوزر عليك ، بيديك ، أصحيح ما ادعى هذا الفزاري الجريح؟
قال جبلة : لست ممن ينكر أو يكتم شيئاً ، أنا أدبت الفتى أدركت حقي بيديا .
قال سيدنا عمر : أي حق يا ابن أيهم ؟ عند غيري يقهر المستضعف العافي ويظلم ، عند غيري جبهة بالإثم بالباطل تلطم نزوات الجاهلية ، ورياح العنجهية قد دفناها ، أقمنا فوقها صرحاً جديدا وتساوى الناس أحراراً لدينا وعبيدا ، يا ابن أيهم أرضي الفتى ، لابد من إرضائه ، ما زال ظفرك عالقاً بدمائه ، أو يهشمن الآن أنفك وتنال ما فعلته كفك .
قال : كيف ذاك يا أمير المؤمنين ؟ هو سوقة وأنا عرش وتاج كيف ترضى أن يخر النجم أرضى .
قال : دعك من هذا وجنبني اللجاجة ، أنتما ندان في ظل الرسالة.
قال : كان وهماً ما جرى في خلدي ، أنني عندك أقوى ، وأعز أنا مرتد إذا أكرهتني .
فقال عمر : عنق المرتد بالسيف تحز ، عالم نبنيه ، كل صرح فيه ، كل صدع فيه بشبى السيف يداوى ، وأعز الناس بالعبد بالصعلوك تساوى .
بالقلوب: قال تعالى: (يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89)) [سورة الشعراء]
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إِنَّ اللهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ» ([35])
من ذلك حسنُ الظن بالله تعالى وحبُّه وخشيتُه والتوكل عليه وحب النبي ﷺ وحب المؤمنين في الله تبارك وتعالى وتطهير القلوب من النفاق والرياء والشهوات المحرمة ليسلم القلب لتقديس الله عز وجل .
بالأعمال : كالطهارة : وهي تقديس البدن ليليق بعبادة الله وتلاوة كلامه المقدَّس والوقوف بين يديه في الصلاة .
والصلاة : فإن العبد يقدس الله فيها بالتسبيح والتكبير والتعظيم ، وكذلك بالركوع والسجود . ولذلك فإن الصلاة تطهر العبد من دنس المعاصي والذنوب من جهتين : الأولى : أنها سبب لطهارته من ذنوبه السابقة ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: " أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهَرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسًا، مَا تَقُولُ: ذَلِكَ يُبْقِي مِنْ دَرَنِهِ " قَالُوا: لاَ يُبْقِي مِنْ دَرَنِهِ شَيْئًا، قَالَ: «فَذَلِكَ مِثْلُ الصَّلَوَاتِ الخَمْسِ، يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الخَطَايَا» ([36])
(بباب أحدكم) يمر من أمام بابه. (درنه) وسخه. (به) في نسخة (بها). (الخطايا) الذنوب الصغيرة]
الثانية : النهي عن الخبائث فيما يعرض له ، قال تعالى : { إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ } [ العنكبوت : 45 ] .
والزكاة : بأن يطيب ما ينفق في سبيل الله ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ( أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا......) ([37])
(إن الله طيب) قال القاضي الطيب في صفة الله تعالى بمعنى المنزه عن النقائص وهو بمعنى القدوس وأصل الطيب الزكاة والطهارة والسلامة من الخبث
وهي كذلك تطهير للنفس من الخبائث ، قال تعالى : { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا } [ التوبة : 103 ] .
وصلِّ اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
%%%%%%%%
[1])) التفسير الميسر
[2])) صحيح مسلم
[3])) صحيح مسلم
[4])) التفسير الميسر
[5])) تفسير السعدي
[6])) د. محمد راتب النابلسي
[7])) صحيح البخاري
[8])) صحيح مسلم
[9])) صحيح مسلم
[10])) تفسير ابن كثير
[11])) صحيح مسلم
[12])) متفق عليه
[13])) تفسير ابن كثير
[14])) أيسر التفاسير للجزائري
[15])) السلسلة الصحيحة
[16])) في ملكوت الله مع أسماء الله للشيخ عبد المقصود محمد سالم.
[17])) التفسير الميسر
[18])) مشكاة المصابيح
[19])) متفق عليه
[20])) متفق عليه
[21])) تفسير ابن كثير بتصرف
[22])) صحيح مسلم
[23])) حدائق الروح والريحان
[24])) صحيح مسلم
[25])) تفسير السعدي
[26])) تفسير ابن كثير
[27])) تفسير السعدي
[28])) التفسير الميسر
[29])) صحيح البخاري
[30])) التفسير الميسر
[31])) متفق عليه
[32])) صحيح مسلم
[33])) التفسير الميسر
[34])) صحيح مسلم
[35])) صحيح مسلم
[36])) متفق عليه
[37])) صحيح مسلم
تعليقات: (0) إضافة تعليق