الحمد لله على إحسانه، والشكر له
على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إلاه إلا الله تعظيما لشأنه، وأشهد أن سيدنا
محمدًا عبد الله ورسوله الداعي إلى رضوانه ، صلى الله عليه وعلى صحبه وإخوانه.
العناصر
أولًا: المواساة بمعرفة حال الدنيا
ثانيًا: كثرة المصائب والابتلاءات وتنوعها
ثالثًا: مواساة النفس بحسن التعامل مع المصائب والابتلاءات
الموضوع
معنى المواساة: هي مصدر قولهم: واسيته.
يقال: أسوت الجرح إذا داويته،
ولذلك يسمّى الطّبيب الآسي.
قال الحطيئة: هم الآسون أمّ
الرّأس لمّا ... تواكلها الأطبّة والإساء
ويقال: أسوت بين القوم، إذا أصلحت
بينهم، وأسّيت فلانا إذا عزّيته من هذا، أي قلت له: ليكن لك بفلان أسوة فقد أصيب
بمثل ما أصبت به فرضي وسلّم، ومن هذا الباب آسيته بنفسي (وواسيته) . قال ابن
مسكويه: المواساة: معاونة الأصدقاء والمستحقّين ومشاركتهم في الأموال والأقوات.
أولًا: المواساة بمعرفة حال الدنيا
الدنيا دار شدة
وتعب: الله سبحانه وتعالى خلق الدنيا دار الشدة والضنك، فيها
الكدر وعدم الصفو، والتعب والكدح والنصب، فهذا من طبيعتها، قال سبحانه مخبراً عن حقيقة
خلقة الإنسان: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ} (البلد:4) يكابد ما في هذه
الدنيا من النصب والشدة، تعتريه الهموم والأحزان والغموم، وبخلاف ذلك تميزت الجنة عن
الدنيا فليس فيها هم ولا غم، فعلى الرغم مما ذكر الله للجنة من الصفات العظيمة الشريفة
قال عن أهلها: {لا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ
وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ} (الحجر:48)، وقال عنهم: {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ
الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ} (فاطر:34)، وهذا
من حكمة الله البالغة أن جعل في الدنيا هذا الكدح والتعب والنصب، وفيها زينة ومتاع،
لكن متعتها مخلوطة بهذه الغموم والهموم والأحزان، فتأمل يا عبد الله لو لم يكن في الدنيا
هذا الهم والغم، وهذا النصب والمرض والتعب، كيف سيكون التعلق بها؟.
ولذلك فإن من رحمة الله أن جعل فيها
هذه الشدائد، حتى يذكر العباد أن هنالك داراً أخرى ليس فيها هذه الشدائد، ليس فيها
هموم ولا غموم.
والقلوب تتفاوت في الهم والغم كثرة
واستمراراً، بحسب ما فيها من الإيمان والفسوق والعصيان، فقلب هو عرش الرحمن تسكنه الحياة
والنور والفرح والسرور والبهجة وذخائر الخير، وقلب هو عرش الشيطان يعتري صاحبه الضيق
والظلمة والحزن والغم والهم.
ولذلك فإن أصحاب القلوب المؤمنة إذا
ابتلاهم الله في حظوظهم الدنيوية، فلأنهم يعرفون حقيقة الموضوع أصلاً، فتجدهم لا يكترثون
لما يصيبهم من متاعب الدنيا ولأوائها، ويدفعهم هذا الأمر ليزدادوا من الله قرباً.
إن لله عباداً فطنا طلقوا الدنيا وخافوا الفتنا
نظروا فيها فلما علموا أنها ليست لحي سكنا
جعلوها لجة واتخذوا صالح الأعمال فيها سفنا
قيل للإمام أحمد: متى الراحة؟ قال:
عند أول قدم نضعها في الجنة.
الدنيا دار
اختبار وبلاء: قال الله تعالى: " الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ
لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2) "
سورة الملك. .
ووصفها أيضاً بأنها دار لهو ولعب وأن نعيمها لا يدوم والراحة فيها
ليست بباقية ، قال سبحانه : "وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ
وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ"
(64) سورة العنكبوت .
ولقد
وصفها المصطفى صلى الله عليه وسلم بأنه سجن للمؤمن ، والمسجون يتشوق إلى التحرر من
السجن ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه
وسلم:الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ وَجَنَّةُ الْكَافِر" ([1])
ثانيًا: كثرة المصائب والابتلاءات وتنوعها
تنوع وتعدد أنواع الابتلاء في حياة الناس: إن المتأمل
لتاريخ الأنبياء وقصصهم في القرآن الكريم يلحظ أنه ما من نبي ولا غير نبي إلا قد ابتلي
، ولقد تنوع البلاء وتعدد في حياة الناس ،وفي هذا كله نوع من أنواع المواساة للمصابين
والمبتلين ، فمن ابتلي بالمرض فليتذكر قصة أيوب عليه السلام الذي ظل مريضاً السنين
الطوال حتى تساقط لحمه وتركه من حوله ، قال تعالى : " وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى
رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنَا
لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ
رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ (84) سورة الأنبياء .
ومن ابتلي بزوجة سيئة الخلق فلتذكر امرأة نوح وامرأة لوط ، قال
تعالى : " ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ
لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ
يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ
(10) سورة التحريم.
ومن ابتليت بزوج سيء فلتتذكر آسية امرأة فرعون ، قال تعالى : "
وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ
ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ
وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (11) سورة التحريم .
ومن ابتلي بولد عاق فليذكر قصة نوح عليه السلام مع ولده ، قال تعالى
: " وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا
وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ (42) قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ
الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ
بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ (43) سورة هود .
ومن ابتلي بوالد كافر عاص فليتأسى بقصة إبراهيم عليه السلام مع
أبيه آذر ، قال سبحانه : " وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ
أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (74) سورة الأنعام
، ومن ابتلي بأذى قومه فليتسلى بقصص الأنبياء مع قومهم ، قال تعالى عن موسى عليه السلام
: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ
اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهًا} (69) سورة الأحزاب.
وقال تعالى عن حبيبه ومصطفاه محمد صلى الله عليه وسلم : وَإِذْ
يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ
وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (30) سورة التوبة
،
وهكذا فقد تنوع الابتلاء وتعددت المصائب في حياة من جعلهم الله
تعالى المثل والقدوة لجميع الناس .
قال ابن القيم في " الفوائد" ص (42) : " الطريق
طريقٌ تعِب فيه آدم ، وناح لأجله نوح ، ورُمي في النار الخليل ، وأُضْجع للذبح إسماعيل
، وبيع يوسف بثمن بخس ولبث في السجن بضع سنين ، ونُشر بالمنشار زكريا ، وذُبح السيد
الحصور يحيى ، وقاسى الضرَّ أيوب ... وعالج الفقر وأنواع الأذى محمد صلى الله عليه
وسلم " انتهى .
يا لاهياً بالمنايا قد غره الأملُ * * * وأنت عما قليل سوف ترتحلُ
تبغي اللحوق بلا زاد تقدمه * * * إن المخفين لما شمروا وصلوا
لا تركنن إلى الدنيا وزخرفها * * * فأنت من عاجل الدنيا ستنتقلُ
أصبحت ترجو غداً يأتي وبعد غد * * * ورب ذي أمل قد خانه الأملُ
هذا شبابك قد ولت بشاشته * * * ما بعد شيبك لا لهو ولا جدلُ
ماذا التعلل بالدنيا وقد نشرت * * * لأهلها صحة في طيها عللُ
ثالثًا: مواساة النفس بحسن التعامل مع المصائب
والابتلاءات
التعامل مع المصائب وفق كتاب الله تعالى وسنة
رسوله صلى الله عليه وسلم
الإنسان لا بد أن يتعامل مع هذه الهموم بهدي القرآن والسنة،
ويرضى بما قسم الله له وهو يقول: اللهم عرفنا نعمك بدوامها لا بزوالها؛ فبعض الناس
لا يعرف قيمة النعمة إلا إذا زالت، وعندها يصيبه القلق والأرق…، ولذلك هذا الصنف بحاجة
إلى يقين بالله أكثر وتسليم للقضاء أكبر فالعبد لا يأتيه من الدنيا إلا ما كتب له منها،
وحتى الواحد لو ملك الدنيا هل ينام على سرير واحد، أو تراه ينام على عدة أسرة في وقت
واحد؟ وهل يأكل أكثر من ثلاث وجبات؟.
إن الملاحظ اليوم أن الكثير من الناس يعاني من الهموم والغموم،
حتى بسببها انتشرت العيادات النفسية، وصار الملجأ للكثير الطبيب النفسي، ويقولون: مزاج
حزين، فقد الرغبة في الطعام، الإحساس بعدم القيمة، صعوبة التركيز والتفكير، انخفاض
الطاقة، النوم الكثير، أو الأرق وعدم النوم، التفكير في الانتحار، أشياء تعرض للكثيرين،
وقصص صرنا نسمعها مع الأسف في أناس أذهبوا هذه النعمة بأيديهم -نعمة الحياة-، وبالتالي
حرموا الجنان جاء في الحديث القدسي: «إن رجلا ممن كان قبلكم خرجت به قرحة فلما
آذته انتزع سهما من كنانته فنكأها فلم يرقأ الدم حتى مات فقال الله: عبدي بادرني
بنفسه حرمت عليه الجنة» ([2])
إن أمراض الاكتئاب تنتشر في العالم بأرقام مخيفة، والملايين
تنفق على العلاج ولا فائدة، ولذلك يلجؤون في نهاية المطاف إلى الانتحار، ويقولون: العلاج
بأدوية، وبعضهم يقول بموجات كهربائية، وآخرون يقولون: الموسيقى، وبعضهم يقول: السحر،
وآخرون على البرمجة اللغوية العصبية، والأدوية، والمهدئات.
ولكن يا أيها الإخوة والأخوات: أليس عندنا من كتاب الله وسنة
نبيه صلى الله عليه وسلم ما يغنينا عن كل هذا؟ ألم يقل عليه الصلاة والسلام: «مَنْ
جَعَلَ الْهُمُومَ هَمًّا وَاحِدًا هَمَّ آخِرَتِهِ كَفَاهُ اللَّهُ هَمَّ
دُنْيَاهُ [ص:88] وَمَنْ تَشَعَّبَتْ بِهِ الْهُمُومُ فِي أَحْوَالِ الدُّنْيَا
لَمْ يُبَالِ اللَّهُ فِي أَيِّ أَوْدِيَتِهَا هَلَكَ» ، الذي يهتم لأمور الآخرة، ويجعل
همه الأساسي الآخرة، تشغله النار وعذاب الآخرة، شدة الموقف، هول الحساب، طول المقام
بين يدي العزيز العلام، يفكر في نشر الصحف، يفكر في الصراط، يفكر في الميزان، يفكر
في القيام من القبر والبعث والنشور، يفكر في هذه الشمس التي ستدنو من رؤوس الخلائق،
فالنتيجة ما قاله عليه الصلاة والسلام: ((من كانت الآخرة همه، جعل الله غناه في قلبه،
وجمع له شمله، وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن كانت الدنيا همه، جعل الله فقره بين عينيه،
وفرق عليه شمله، ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له)([3]). ولذلك فإن المسلم
يستعين على هموم الدنيا بتذكر الآخرة، فينسى ما في الدنيا من هموم إذا ما قارنها بهموم
الآخرة.
الأمر بالصبر على الابتلاء والحث عليه:
أمرنا الله تعالى بالصبر وحثنا عليه لكي يكون مسلاة لنا عند المصائب
والشدائد ، قال تعالى : " وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا
لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ (45) سورة البقرة .
بل وقرن الصبر بفضائل الأعمال ومكارم الأخلاق ، فقرنه بالتسبيح
والاستغفار فقال : " وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ
بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (48) وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ
(49) سورة الطور .
وقرنه باليقين فقال : " وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ
بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ (24) سورة السجدة.
وقرنه بالتوكل فقال : " الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ
يَتَوَكَّلُونَ (42) سورة النحل .
كما ربطه بالشكر فقال : "إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ
صَبَّارٍ شَكُورٍ (5) سورة إبراهيم .
وربطه بالتقوى فقال : "وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ
ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (186) سورة آل عمران .
وربطه كذلك بالحق فقال : " وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ
لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا
بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3) سورة العصر .
وربطه بالرحمة فقال :" ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا
وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (17) أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ
(18) سورة البلد .
وكذا ربطه بالجهاد في سبيل الله تعالى فقال : " ثُمَّ إِنَّ
رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا
إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (110) سورة النحل .
والصابرون هم من أعظم الناس جزاءً ، ومن أكثرهم سعادة يوم القيامة
قال تعالى : " إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ
(10) سورة الزمر .
وعَن أَبي سَعِيدٍ الْخُدرِي رضي الله عنه أن نَاساَ مِنَ اَلأنصَارِ
سَاَلُوا رَسُولَ الله ، صلى الله عليه وسلم ، فَأَعْطَاهُمْ ، ثُم سَأَلُوُهُ فَأَعْطَاهُمْ
، حَتَى نَفِسَ عِنْدَهُ ، فَقَالَ : مَا يَكُونُ عِنْدِي مِن خَير فَلَنْ أَدخِرَهُ
عَنْكُمْ ، وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفهُ الله ، وَمَنْ يَسْتَغْن يُغْنِهِ الله ، وَمَنْ
يَتَصَبرْ يُصَبرهُ الله ، وَمَا أُعْطِيَ أَحَد عَطَاء خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنَ الصبْر.
([4])
قال الشاعر :
اصبر ففي الصبر خير لو علمت به * * * لطبت نفساً ولم تجزع من الألــم
واعلم بأنك لو لم تصطبر كرمـــــاً * * * صبرت رغماً على ما خط
بالقلم
تبشير المؤمنين بفضل ثواب الصابرين:
وكما أمرنا الله تعالى بالصبر مواساة لكل مصاب ودفعاً للشك واليأس
عن كل قلب متكبر مرتاب ، فقد بشر الله تعالى الصابرين بحسن الجزاء وجزيل العطاء ، فقال
:" وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ
وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ
مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ
صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157) سورة البقرة
.
قال أهل التفسير : والصلاة : من الله المغفرة ، قاله ابن عباس؛
أو الثناء ، قاله ابن كيسان ، أو الغفران والثناء الحسن ، قاله الزجاج.
والرحمة : قيل هي الصلوات ، كررت تأكيداً لما اختلف اللفظ ، كقوله
{ رأفة ورحمة } وقيل : الرحمة : كشف الكربة وقضاء الحاجة. انظر : تفسير البحر المحيط
2/102.
وقال أيضاً في فضل الصبر وبيان جزاء الصابرين " أُوْلَـئِكَ
يُجْزَوْنَ ٱلْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُواْ وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَـٰماً"
. الفرقان:75.
وعَنْ جَابِرٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:
" يَوَدُّ أَهْلُ الْعَافِيَةِ ، يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، حِينَ يُعْطَى أَهْلُ
الْبَلاَءِ الثَّوَابَ ، لَوْ أَنَّ جُلُودَهُمْ كَانَتْ قُرِضَتْ فِي الدُّنْيَا بالْمَقَارِيضِ"
([5]).
وعَنْ أَبِي مُوسَى الأشْعَرِيِّ
، أًنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال:إِذَا مَاتَ وَلَدُ الْعَبْدِ ، قال
الله ، لِمَلاَئِكَتِهِ : قَبَضْتُم وَلَدَ عَبْدِي ؟ فَيَقُولُونَ : نَعَمْ . فَيَقُولُ
: قَبَضْتُمْ ثَمَرَةَ فُؤَادِهِ ؟ فَيَقُولَونَ : نعَمْ . فَيَقُولُ : مَاذَا قال
عَبْدِي ؟ فَيَقُولُونَ : حَمِدَكَ وَاستَرْجَعَ . فَيَقُولُ الله : ابْنُوا لِعَبْدِي
بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ . وَسَمُّوهُ بَيْتَ الْحَمْدِ" ([6])
قال الأبشيهي : " فلو لم يكن الصبر من أعلى المراتب وأمنى
المواهب، لما أمر الله تعالى به رسله ذوي الحزم وسماهم بسبب صبرهم، أولى العزم وفتح
لهم بصبرهم أبواب مرادهم، وسؤالهم، ومنحهم من لدنه غاية أمرهم ومأمولهم ومرامهم، فما
أسعد من اهتدى بهداهم، واقتدى بهم، وإن قصر عن مداهم، وقيل العسر يعقبه اليسر، والشدة
يعقبها الرخاء، والتعب يعقبه الراحة .
قال الشاعر :
ما أحسن الصبر في الدنيا وأجمله*** عند الإله وأنجاه من الجزع
من شد بالصبر كفا عند مؤلمه *** ألوت يداه بحبل غير منقطع
وصلِّ اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
جمع وترتيب: الشيخ أحمد أبو
عيد
0109 809 58 54
نسألكم الدعاء
[1])) صحيح مسلم
[2])) صحيح
الجامع
[3])) السلسلة
الصحيحة
[4])) متفق عليه
[5])) سنن
الترمذي
[6])) سنن
الترمذي
تعليقات: (0) إضافة تعليق