الحمد لله البعيد في قُربه، القريب في بعده، المتعالي في رفيع مجده عن الشيء وضده، الذي أوجد بقدرته الوجود بعد أن كان عَدماً، وأودع كل موجود حكماً، وجعل العقل بينهما حَكَماً، ليميز بين الشيء وضدّه، وألهمه بما علّمه فعلم مُرّ مذاق مصابه من حلاوة شهده. فمن فكر بصحيح قصده، ونظر بتوفيق رُشده، علم أن كل مخلوق موثوق في قبضتي شقائه وسعده، مرزوقٌ من خزائن نعمه ورفده
واشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد وهو على كل شيء قدير
هو أول هو أخر هو ظاهر | ** | هو باطن ليس العيون تراه |
حجبته أسرار الجلال فدونه | ** | تقف الظنون وتخرس الأفواه |
صمد بلا كفء ولا كيفية | ** | أبدا فما النظائر ولا الأشباه |
سبحان من عنت الوجوه لوجهه | ** | وله سجود أوجه وجباه |
وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وشفيعنا محمد عبد الله ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه
صلوا على هذا النبي الكريـم وتظفروا بالفوز مـن ربـكم طوبى لعبد مخلص في الورى وقد غـدا من فرط أشواقـه | ** ** ** ** | تحظوا من الله بالأجر العظيم وجنـة فيـها نعيـم مقيـم صلى على ذاك الجناب الكريم بحبـه فـي كل واد يهيـم |
وعلى آله وأصحابه ومن سار على نهجه وتمسك بسنته واقتدى بهديه واتبعهم بإحسان إلى يوم الدين ونحن معهم يا أرحم الراحمين
العناصر
أولاَ: وجوب المحافظة على المال العام والخاص
ثانيا: نماذج مشرفة على الحفاظ على المال العام والخاص
ثالثًا: حرمة الاعتداء على المال العام والخاص
الموضوع
أولاَ: وجوب المحافظة على المال العام والخاص
1-أمر الله تعالى بطلب الرزق الحلال
قال تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} [الملك
2-أمر الله تعالى بالكسب الطيب الحلال وعدم التجارة في الحرام
عن رافع بن خديج رضي الله عنه قال قيل يا رسول الله "أَيُّ الْكَسْبِ أَطْيَبُ؟ قَالَ: عَمَلُ الرَّجُلِ بِيَدِهِ، وَكُلُّ بَيْعٍ مَبْرُورٍ "([1])
3-إعطاء حق الله فى المال مثل الزكاة والصدقات حتى تتحقق البركات والنماء والطهارة.
يقوّم بضاعته كل عام ويزكيها بنسبة ربع العشر، أي: 2,5%، في كل ما هو معد للبيع، ويصرفها كما أمر الله تعالى في الأصناف الثمانية، فلا يترك للشيطان مجالاً للوسوسة وللأمر بالفحشاء والتخويف من الفقر، كما قال تعالى: "الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ "البقرة
وقوله تعالى: "وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ " سبأ.
4-نِعمَ المال الصالح
عن عمرو بن العاص قال: بعث إلي النبي r فأمرني أن آخذ علي ثيابي وسلاحي، ثم آتيه، ففعلتْ، فأتيته وهو يتوضأ، فصعد إليّ البصر ثم طأطأ، ثم قال: " يا عمرو! إني أريد أن أبعثك على جيش، فيغنمُك الله وأرغب لك رغبة من المال صالحة". قلت: إني لم أُسلم رغبةً في المال، إنما أسلمتُ رغبة في الإسلام فأكون مع رسول الله r. فقال: " يا عمرو! نعم المال الصالح للمرء الصالح "([2])
5-وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه
قال تعالى "قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ "سبأ
6-المال أمانة
وأمر الله بأداء الأمانة إلى أهلها والأمر في كتاب الله يقتضي الوجوب، فقال تعالى:﴿ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً ﴾"النساء: 58".
وقال تعالى:﴿ وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ "آل عمران: 103"
قال الطيبي: الحبل: العهد والأمانة والذمة.
وعن يوسف بن ماهك المكي قال: حدثني أبي أنه سمع رسول الله r يقول: «أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك» ([3])
8-شرع للإنسان الدفاع عن ماله من الاعتداء عليه
واعتبره شهيداً إن مات دفاعاً عن ماله، فعن أبي هريرة قال: جاء رجلٌ فقال: يا رسول الله، أرأيتَ إن جاء رجلٌ يريد أخْذ مالي؟ قال: "فلا تُعطِه مالك"، قال: أرأيتَ إن قاتلني؟ قال: "قاتِلْه"، قال: أرأيتَ إن قتلني؟ قال: "فأنت شهيد"، قال: أرأيت إن قتلتُه؟ قال: "هو في النَّار". ([4])
وعن عبدالله بن عمرو - رضي الله عنهما -: أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: "مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ" ([5])
9-الجوارح امانه
عينك وسمعك ويدك ورجلك وفرجك وجميع جوارح جسدك كلها امانة ستسأل يوما ما عن تفريطك فيها او استخدامها فى غير ما خلقت له، قال تعالى: (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَك بِهِ عِلْم إِنَّ السَّمْع وَالْبَصَر وَالْفُؤَاد كُلّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا) الإسراء.
وبينما كان رجل يسير بجانب بستان وجد تفاحة ملقاة على الأرض فتناول التفاحة وأكلها ثم حدثته نفسه بأنه أتى على شيء ليس من حقه فأخذ يلوم نفسه وقرر أن يرى صاحب هذا البستان فإما أن يسامحه أو أن يدفع له ثمنها، وذهب الرجل لصاحب البستان وحدثه بالأمر، فأندهش صاحب البستان لأمانة الرجل، وقال له: ما اسمك؟؟ قال له: ثابت، قال له: لن أسامحك في هذه التفاحة إلا بشرط أن تتزوج ابنتي واعلم أنها خرساء عمياء صماء مشلولة، إما أن تتزوجها وإما لن أسامحك في هذه التفاحة فوجد ثابت نفسه مضطرًا، يوازي بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة. فوجد نفسه يوافق على هذه الصفقة؛ وحين حانت اللحظة التقى ثابت بتلك العروس، وإذ بها آية في الجمال والعلم والتقى فأستغرب كثيرًا لماذا وصفها أبوها بأنها صماء مشلولة خرساء عمياء، فلما سألها قالت: أنا عمياء عن رؤية الحرام، خرساء صماء عن قول وسماع ما يغضب الله، ومشلولة عن السير في طريق الحرام، وتزوج هذا ثابت بتلك المرأة، وكان ثمرة هذا الزواج: الإمام أبى حنيفة النعمان ابن ثابت
10-المال أمانه
عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عن رسول الله r: «أَنَّهُ ذَكَرَ رَجُلًا من بَنِي إِسْرَائِيلَ سَأَلَ بَعْضَ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يُسْلِفَهُ أَلْفَ دِينَارٍ فقال: ائْتِنِي بِالشُّهَدَاءِ أُشْهِدُهُمْ، فقال: كَفَى بِالله شَهِيدًا، قال: فَأْتِنِي بِالْكَفِيلِ، قال: كَفَى بِالله كَفِيلًا، قال: صَدَقْتَ، فَدَفَعَهَا إليه إلى أَجَلٍ مُسَمًّى، فَخَرَجَ في الْبَحْرِ فَقَضَى حَاجَتَهُ ثُمَّ الْتَمَسَ مَرْكَبًا يَرْكَبُهَا يَقْدَمُ عليه لِلْأَجَلِ الذي أَجَّلَهُ فلم يَجِدْ مَرْكَبًا فَأَخَذَ خَشَبَةً فَنَقَرَهَا فَأَدْخَلَ فيها أَلْفَ دِينَارٍ وَصَحِيفَةً منه إلى صَاحِبِهِ ثُمَّ زَجَّجَ مَوْضِعَهَا ثُمَّ أتى بها إلى الْبَحْرِ فقال: اللهم إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّي كنت تَسَلَّفْتُ فُلَانًا أَلْفَ دِينَارٍ فَسَأَلَنِي كَفِيلَاً فقلت كَفَى بِالله كَفِيلًا فَرَضِيَ بِكَ، وَسَأَلَنِي شَهِيدًا فقلت كَفَى بِالله شَهِيدًا فَرَضِيَ بِكَ، وَأَنِّي جَهَدْتُ أَنْ أَجِدَ مَرْكَبًا أَبْعَثُ إليه الذي له فلم أَقْدِرْ، وَإِنِّي أَسْتَوْدِعُكَهَا، فَرَمَى بها في الْبَحْرِ حتى ولَجَتْ فيه، ثُمَّ انْصَرَفَ وهو في ذلك يَلْتَمِسُ مَرْكَبًا يَخْرُجُ إلى بَلَدِهِ، فَخَرَجَ الرَّجُلُ الذي أَسْلَفَهُ يَنْظُرُ لَعَلَّ مَرْكَبًا قد جاء بِمَالِهِ فإذا بِالْخَشَبَةِ التي فيها الْمَالُ فَأَخَذَهَا لِأَهْلِهِ حَطَبًا فلما نَشَرَهَا وَجَدَ الْمَالَ وَالصَّحِيفَةَ، ثُمَّ قَدِمَ الذي كان أَسْلَفَهُ فَأَتَى بِالْأَلْفِ دِينَارٍ، فقال: والله ما زِلْتُ جَاهِدًا في طَلَبِ مَرْكَبٍ لِآتِيَكَ بِمَالِكَ فما وَجَدْتُ مَرْكَبًا قبل الذي أَتَيْتُ فيه، قال: هل كُنْتَ بَعَثْتَ إلي بِشَيْءٍ، قال: أُخْبِرُكَ أَنِّي لم أَجِدْ مَرْكَبًا قبل الذي جِئْتُ فيه، قال: فإن الله قد أَدَّى عَنْكَ الذي بَعَثْتَ في الْخَشَبَةِ فَانْصَرِفْ بِالْأَلْفِ دينار رَاشِدًا» ([6])
ومعنى: (التمس) طلب. (للأجل) الزمن الذي حدده له للوفاء. (فنقرها) حفرها. (صحيفة) مكتوبا. (زجج) سوى موضع النقر وأصلحه من تزجيج الحواجب وهو حلق زوائد الشعر. (تسلفت فلانا) طلبت منه سلفا. (جهدت) بذلت وسعي. (ولجت) دخلت في البحر.
كان محمد بن المنكدر، له سلع تباع بخمسة، وسلع تباع بعشرة، فباع غلامه في غَيبته شيئا من سلع الخمسة بعشرة، فلما عرف ابن المنكدر ما فعل غلامه اغتمّ لصنيعه، وطفق يبحث عن المشتري طوال النهار … حتى وجده، وكان من الأعراب، فقال له ابن المنكدر: إنَّ الغلام قد غلط فباعك ما يساوي خمسة بعشرة، فقال الأعرابي: يا هذا قد رضيت. فقال ابن المنكدر: وإن رضيت فإنّا لا نرضى لك إلا ما نرضاه لأنفسنا، فاختر إحدى ثلاث: إما أن تستعيد مالك وتعيد السلعة، وإما أن تُردَّ إليك خمسة، وإما أن تأخذ من سلعة الخمس سلعة العشر. فقال الأعرابي: أعطني خمسة، فرد عليه الخمسة وانصرف؛ فسأل الأعرابي أهل السـوق عن هذا التاجـــر الأمين؟ فقيل له: هذا محمد بن المنكدر، فقال: لا إله إلا الله، هذا الذي ملأ الآفاق ذكره.
11-استثمار المال في ما ينفع بعد الموت
أ-الصدقة والعلم والولد الصالح وبناء المساجد والمنازل وحفر الأنهار
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -r-قَالَ «إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاَثَةٍ إِلاَّ مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ» ([7])
وعن أبي هريرة t قال قال رسول الله r: إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته علما علمه ونشره وولدا صالحا تركه أو مصحفا ورثه أو مسجدا بناه أو بيتا لابن السبيل بناه أو نهرا أجراه أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته تلحقه من بعد موته"([8])
وعن أبي مالك الأشجعي عن أبيه t قال: قال رسول الله r: (من علم آية من كتاب الله عز وجل كان له ثوابها ما تليت) ([9])
ب-حفر الآبار وغرس النخيل والأشجار
عن جابر t قال: قال رسول الله r (من حفر بئر ماء لم يشرب منه كبد حري من جن ولا إنس ولا طائر إلا آجره الله يوم القيامة) ([10])
وعن أنس t قال: قال رسول الله r: (سبع يجرى للعبد أجرهن وهو في قبره بعد موته: من علم علما أو أجرى نهرا أو حفر بئرا أو غرس نخلا أو بنى مسجدا أو ورث مصحفا أو ترك ولدا يستغفر له بعد موته) ([11])
وعن أنس t قال: قال رسول الله r: (ما مسلم يغرس غرسا أو يزرع زرعا، فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة) ([12])
ج-حفر القبور للموتى ودفنهم فيها
وعن أبي رافع t قال: قال رسول الله r: (من غسل مسلما فكتم عليه غفر الله له أربعين مرة، ومن حفر له فأجنه أجرى عليه كأجر مسكن أسكنه إياه إلى يوم القيامة، ومن كفنه كساه الله يوم القيامة من سندس وإستبرق الجنة) ([13])
د-منح الغنم أو البقر أو الإبل للفقراء
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ يَبْلُغُ بِهِ «أَلاَ رَجُلٌ يَمْنَحُ أَهْلَ بَيْتٍ نَاقَةً تَغْدُو بِعُسٍّ وَتَرُوحُ بِعُسٍّ إِنَّ أَجْرَهَا لَعَظِيمٌ» ([14]).
العس بضم العين وتشديد السين المهملة وهو القدح الكبير
وعن ابن عمر t قال: قال رسول الله r (اربعون خصلة أعلاهن منيحة العنز، لا يعمل عبد بخصلة منها رجاء ثوابها، وتصديق موعدها، إلا أدخله الله الجنة) ([15])
ر-كل معروف صدقة
فعن أبي ذر t قال: قال رسول الله r: (تبسمك في وجه أخيك: لك صدقة، وأمرك بالمعروف: صدقة، ونهيك عن المنكر: صدقة، ولإرشادك الرجل في أرض الضلال: لك صدقة، وبصرك الرجل الرديء البصر: لك صدقة، وإماطتك الحجر والشوكة والعظم عن الطريق: لك صدقة، وإفراغك من دلوك في دلو أخيك: لك صدقة) ([16])
إذا مات ابن آدم ليس يجري | ** | عليه من فعــــال غيرُ عشر |
علوم بثها ودعاء نجـــل | ** | وغرس النخل والصدقات تجري |
وراثة مصحف ورباط ثغر | ** | وحفر البئر أو إجـــراء نهر |
وبيت للغريب بناه يــأوي | ** | إليه أو بنــاء محل ذكـــر |
وتعليم لقرءان كريــــم | ** | فخذها من أحاديـــث بحصر |
ثانيا: نماذج مشرفة على الحفاظ على المال العام والخاص
1-رسول الله r لا يأكل تمرة قدتكون سقطت في بيته من الصدقة
عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن محمد رسول الله r أنه قال: "وَاللَّهِ إِنِّي لأَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِي فَأَجِدُ التَّمْرَةَ سَاقِطَةً عَلَى فِرَاشِي -أَوْ فِي بَيْتِي-فَأَرْفَعُهَا لآكُلَهَا، ثُمَّ أَخْشَى أَنْ تَكُونَ صَدَقَةً -أَوْ مِنَ الصَّدَقَةِ-فَألْقِيهَا"([17])
2-سيدنا علي t
وروى انه كان في بيت مال المسلمين عقد جميل من اللؤلؤ فعلمت به ابنة سيدنا على رضي الله عنه، فأرادت أن تتزين به في عيد الأضحى، فأرسلت إلى على بن رافع خازن بيت المال تطلب منه أن يعيرها ذلك العقد تتزين به في العيد، ثم ترده بعد ثلاثة أيام، فأرسل إليها خازن بيت المال العقد بعد أن استوثق منها أنها ترده، فلما لبسته وتزينت به رآه عليها أمير المؤمنين فعرفه، فقال لها من أين جاء إليك هذا العقد؟ قالت استعرته من أبى رافع لأتزين به في العيد ثم أرده، فأرسل على رضي الله عنه إلى الخازن فلما جاءه قال ل أتخون المسلمين يا ابن رافع؟ فقال والدهشة تعلو وجهه: معاذ الله أن أخون المسلمين فقال على رضي الله عنه كيف أعرت بنت أمير المؤمنين العقد الذي في بيت مال المسلمين بغير إذني ورضاهم؟ فقال يا أمير المؤمنين إنها ابنتك وسألتني أن أعيرها العقد على أن ترده بعد ثلاثة أيام.
فقال على لخازن بيت المال رده وإياك أن تعود لمثله فتنالك عقوبتي، ثم قال ويل لابنتي لو كانت أخذت العقد على غير عارية مضمونة لكانت إذا أول هاشمية قطعت يدها في السرقة، فلما بلغ ذلك ابنته، قالت له يا أمير المؤمنين إنا ابنتك وبضعة منك، فمن أحق بلبسه منى؟ فقال لها يا ابنة أبى طالب لا تذهبي بنفسك عن الحق، أكل نساء المهاجرين والأنصار يتزين في العيد بمثل هذا؟ فأخذه رافع ورده" ([18])
3-وفي القادسية ماذا فعل سعد ابن أبي وقاص بكنوز كسرى؟
لما فتح المسلمون القادسية ونصرهم الله، ورفعوا لا إله إلا الله محمد رسول الله -r- في القادسية سلم لسعد بن أبي وقاص ذهب وفضة، واستولى على خزائن كسرى، ولما رآها دمعت عيناه وقال:﴿ كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ * فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ ﴾"الدخان: 25-29".
فجمع الجيش وقال: هذه أمانة فما رأيكم؟ قالوا: نرى أن تدفعها لعمر بن الخطاب الخليفة فما أخذوا منها درهمًا ولا دينارًا.
4-عاتكة زوجة عمر
قدم على عمر مسك وعنبر من البحرين فقال عمر: والله لوددت أني وجدت امرأة حسنة الوزن تزن لي هذا الطيب حتى أقسمه بين المسلمين، فقالت له امرأته عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل: أنا جيدة الوزن فهلم أزن لك. قال: لا. قالت: لم؟ قال: إني أخشى أن تأخذيه فتجعليه هكذا -وأدخل أصابعه في صدغيه- وتمسحي به عنقك فأصيب فضلاً على المسلمين!!
فهذا مثل من ورع أمير المؤمنين عمر واحتياطه البالغ لأمر دينه، فقد أبى على امرأته أن تتولى قسمة ذلك الطيب حتى لا تمسح عنقها منه فيكون قد أصاب شيئًا من مال المسلمين، وهذه الدقة المتناهية في ملاحظة الاحتمالات أعطاها الله لأوليائه السابقين إلى الخيرات، وجعلها لهم فرقاناً يفرقون به بين الحلال والحرام والحق والباطل، بينما تفوت هذه الملاحظات على الذين لم يشغلوا تفكيرهم بحماية أنفسهم من المخالفات!!!
5-عمر بن عبدالعزيز رضى الله عنه
حيث دخلت عليه ذات يوم عمته تطلب زيادة على راتبها من بيت مال المسلمين، وإذا به يأكل عدسًا وبصلاً، فلما كلمته في شأنها، قام عن طعامه وجاء بدراهم من فضة ووضعها على النار، ثم وضعها فى كيس، وقال لها خذي هذه الزيادة، فما إن قبضت عليه حتى طرحته أرضًا لاحتراق يدها من شدة الحرارة، وكاد يغشى عليها، وقال لها عمر رضى الله عنه: يا عمتاه؛ إذا كان هذا حالك مع نار الدنيا، فكيف بنار الآخرة؟! وما أنا إلا عبد استودعه الله على خلق من خلقه، وخازن لبيت مال المسلمين أُسأَلُ عن كل درهم فيه يوم القيامة، فكيف يكون حالي في ذلك اليوم إذا أنا أعطيتك درهمًا واحدًا على باقي الرعية؟!!".
6-رجل صالح
كان في مكة رجل صالح ومحبوب من الناس وكان فقير جدا كان يعيش بمكة هو وزوجته وهى امرأة صالحة وفى ذات يوم قالت الزوجة يا زوجي العزيز لا يوجد طعام في المنزل ولا ملبس ولا أي شيء حزن الزوج بشدة وقام بالذهاب إلى السوق لكي يبحث عن عمل يناسبه ويشترى الطعام والملابس للمنزل وكان يبحث عن عمل في السوق ولكن بعد البحث بفترة لا يجد عمل نهائي حزن بشدة وبعدها ذهب إلى البيت الحرام لكي يصلى ركعتين ويدعو الله إن يرزقه بالرزق الحلال ويفرج عنه كربة ، وبعد الانتهاء من الصلاة وهو ذاهب إلى منزلة وجد كيس في الأرض فتح هذا الكيس فوجد بداخله أموال كثيرة فأخذ الكيس وذهب إلى منزلة ليحكي لزوجته عن الكيس الذي معه ولكن زوجته قالت له هذا المال ليس مالنا لابد إن يرد لصاحبة وبالفعل رجع إلى المكان الذي كان يوجد به الكيس ووجد رجل ينادى من وجد كيس في فلوس فرح الرجل الفقير لأنه وجد صاحب الكيس وقال لصاحب الكيس إنا وجدته فقال له الرجل صاحب الكيس ،خذ الكيس فهو لك استغرب الرجل الفقير قال له لقد طرحت هذا الفلوس وأنادى عليها لو الشخص ردها فهو آمين ويستحق هذا المبلغ فرح هذا الفقير جدا.
7-بينما كان رجل يسير بجانب بستان وجد تفاحة ملقاة على الأرض
فتناول التفاحة وأكلها ثم حدثته نفسه بأنه أتى على شيء ليس من حقه فأخذ يلوم نفسه وقرر أن يرى صاحب هذا البستان فإما أن يسامحه أو أن يدفع له ثمنها، وذهب الرجل لصاحب البستان وحدثه بالأمر، فأندهش صاحب البستان لأمانة الرجل، وقال له: ما اسمك؟؟ قال له: ثابت، قال له: لن أسامحك في هذه التفاحة إلا بشرط أن تتزوج ابنتي واعلم أنها خرساء عمياء صماء مشلولة، إما أن تتزوجها وإما لن أسامحك في هذه التفاحة فوجد ثابت نفسه مضطرًا، يوازي بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة. فوجد نفسه يوافق على هذه الصفقة؛ وحين حانت اللحظة التقى ثابت بتلك العروس، وإذ بها آية في الجمال والعلم والتقى فأستغرب كثيرًا لماذا وصفها أبوها بأنها صماء مشلولة خرساء عمياء، فلما سألها قالت: أنا عمياء عن رؤية الحرام، خرساء صماء عن قول وسماع ما يغضب الله، ومشلولة عن السير في طريق الحرام، وتزوج هذا ثابت بتلك المرأة، وكان ثمرة هذا الزواج: الإمام أبى حنيفة النعمان ابن ثابت
ثالثًا: حرمة الاعتداء على المال العام والخاص
1- نهى الله تعالى ورسوله r عن الخيانة
فقال تعالى:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾"الأنفال: 27".
قال البيضاوي-رحمه الله-: وأصل الخون: النقص كما أن أصل الوفاء التمام واستعماله في ضد الأمانة لتضمنه إياه.
والخيانة آية المنافق ودليل نفاقه وعصيانه، عن أبي هريرة عن النبي r قال: «آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خـان» ([19])
2-ضياع الأمانة من أمارات قرب الساعة
فعن عطاء بن يسار عن أبي هريرة قال: «بينما النبي r في مجلس يحدث القوم جاءه أعرابي فقال متى الساعة؟ فمضى رسول الله r يحدث، فقال بعض القوم: سمع ما قال فكره ما قال، وقال بعضهم: بل لم يسمع، حتى إذ قضى حديثه قال: أين أراه -السائل عن الساعة؟ قال ها أنا يا رسول الله قال: فإذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة " قال: كيف إضاعتها؟ قال: " إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة» ([20])
3-حرمة أكل المال بالباطل وحرمة التعامل بالربا
قال تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ ” [النِّسَاء: 29]، لذلك شدد النبي – r – في خُطبته يومَ النَّحْر في حجَّة الوداع على حرمة الأموال ومنها مال الوقف فقال: “إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فَأَعَادَهَا مِرَارًا ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ" ([21])
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ -r-ذَاتَ يَوْمٍ فَذَكَرَ الْغُلُولَ فَعَظَّمَهُ وَعَظَّمَ أَمْرَهُ ثُمَّ قَالَ «لاَ أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِىءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ بَعِيرٌ لَهُ رُغَاءٌ يَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغِثْنِى. فَأَقُولُ لاَ أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُكَ. لاَ أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِىءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ فَرَسٌ لَهُ حَمْحَمَةٌ فَيَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغِثْنِى. فَأَقُولُ لاَ أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُكَ. لاَ أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِىءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ شَاةٌ لَهَا ثُغَاءٌ يَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغِثْنِى. فَأَقُولُ لاَ أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُكَ. لاَ أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِىءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ نَفْسٌ لَهَا صِيَاحٌ فَيَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغِثْنِى. فَأَقُولُ لاَ أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُكَ. لاَ أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِىءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ رِقَاعٌ تَخْفِقُ فَيَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغِثْنِى. فَأَقُولُ لاَ أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُكَ. لاَ أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِىءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ صَامِتٌ فَيَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغِثْنِى فَأَقُولُ لاَ أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُكَ» ([22])
والثغاء: صياح الغنم، والحمحمة: صوت الفرس دون الصهيل، ورقاع: ما عليه من الحقوق مكتوبة فى رقاع
وقيل الثياب التي غلها، والصامت: الذهب والفضة خلاف الناطق وهو الحيوان
وقال تعالى: " الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (275) يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (276)" البقرة.
4-عدم استجابة الدعاء
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r «أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لاَ يَقْبَلُ إِلاَّ طَيِّبًا وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ فَقَالَ (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّى بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) وَقَالَ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ)». ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ يَا رَبِّ يَا رَبِّ وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ وَغُذِىَ بِالْحَرَامِ فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ» ([23]).
5-ذهاب الخير كله
إن ما وهبنا الله من أموال هي أمانة في أيدينا فإن أنفقنا وقدمنا لأنفسنا وإلا رحلنا عنها. وتأمل في حال قارون وكيف أردته أمواله: {فَخَسَفْنا به وبِدَارِهِ الأرض} [القصص: 81].
6-عقاب الله اليم
عن أَبِي مُوسى t، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله r: «إِنَّ الله لَيُمْلِي للظَّالِمِ، حَتَّى إِذَا أَخَطَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ» قَالَ: قَرَأَ {وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ القُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} ([24]).
7-العذاب المهين لمن يتعد حدود الله
قال تعالى " وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ ﴾النساء
وهذا إنما يصدر عن عدم الرضا بما قسَم الله وحَكَم به؛ ولهذا يُجازيه بالإهانة في العذاب الأليم المُقيم.
8-الإثم الكبير:
اعلم علمني الله وإياك: أن التعدي على المواريث جرم عظيم وإفك مبين قال الله تعالى﴿ وَآتُواْ الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ، وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ، وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوباً كَبِيراً ﴾[النساء، 2].
والمعنى: إن أكلكم أموالهم مع أموالكم إثم عظيم وخطأ كبير فاجتنبوه.
9-حرمة الافساد في الارض
قال تعالى (وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)[الأعراف: 85].
8-حرمة التعامل بالرشوة
9حرمة الغش والتدليس والاحتكار:
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ. أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -r- مَرَّ عَلَى صُبْرَةِ طَعَامٍ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا فَنَالَتْ أَصَابِعُهُ بَلَلاً فَقَالَ «مَا هَذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ». قَالَ أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ «أَفَلاَ جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ كَىْ يَرَاهُ النَّاسُ مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّى» ([26]).
وعَنْ مَعْمَرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -r- قَالَ «لاَ يَحْتَكِرُ إِلاَّ خَاطِئٌ» ([27]).
11-السؤال عنه بين يدي الله
قال تعالى" وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ (24)"الصافات
وعن معاذ بن جبل t قال قال رسول الله r لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع خصال عن عمره فيما أفناه وعن شبابه فيما أبلاه وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه وعن علمه ماذا عمل فيه" ([28])
12-الإفلاس يوم القيامة:
يا آكلا للميراث لا تظن أن ذلك فيه الغنى كلا بل فيه الإفلاس﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾[الشعراء: 88، 89].
توهم نفسك وقد بعثر ما في القبور وحصل ما في الصدور وقد أتيت بصلاة وزكاة وصوم وحج ولكنك قد أكلت المواريث نظر إلى نفسك في عرصات يوم القيامة
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -r-قَالَ «أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ». قَالُوا الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لاَ دِرْهَمَ لَهُ وَلاَ مَتَاعَ. فَقَالَ «إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِى يَأْتِى يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلاَةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ وَيَأْتِى قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِى النَّارِ» ([29]).
12-الفضيحة يوم القيامة.
ألا فلتعلمَ أن ما أكلتَ من حق أختك؛ من مال وعقار؛ ستُطوقه يومَ القيامة بإذن الله، لو ظلمتها جنيهًا سيأتي عليك نارًا، ولو ظلمتها شبرًا من أرضِ فسيأتي حول عنقك يومَ القيامة نارًا من سبع أرضين، قال الصادق المصدوق ُالذي لا ينطق عن الهوى: " مَنْ ظَلَمَ قِيدَ شِبْرٍ مِنْ الأرْضِ طُوِّقَهُ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ" ([30])
وهذا الحديثُ له قصةٌ عجيبة في صحيح مسلم؛ وذلك أَنَّ أَرْوَى بِنْتَ أُوَيْسٍ ادَّعَتْ عَلَى سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ t أَنَّهُ أَخَذَ شَيْئًا مِنْ أَرْضِهَا فَخَاصَمَتْهُ إِلَى مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ، فَقَالَ سَعِيدٌ -وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة -: أَنَا كُنْتُ آخُذُ مِنْ أَرْضِهَا شَيْئًا بَعْدَ الَّذِي سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -r-؟ قَالَ: وَمَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ r؟ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -r-يَقُولُ: "مَنْ أَخَذَ شِبْرًا مِنْ الأرْضِ ظُلْمًا طُوِّقَهُ إِلَى سَبْعِ أَرَضِينَ"، فَقَالَ لَهُ مَرْوَانُ: لا أَسْأَلُكَ بَيِّنَةً بَعْدَ هَذَا! فَقَالَ سَعِيدُ بْن زَيْدٍ -t -: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَتْ كَاذِبَةً؛ فَعَمِّ بَصَرَهَا، وَاقْتُلْهَا فِي أَرْضِهَا!، قال بعض الرواة: فَمَا مَاتَتْ حَتَّى ذَهَبَ بَصَرُهَا، ثُمَّ بَيْنَا هِيَ تَمْشِي فِي أَرْضِهَا إِذْ وَقَعَتْ فِي حُفْرَةٍ فَمَاتَتْ " ([31])
وقال النبي r: " َخَمْسٌ لَيْسَ لَهُنَّ كَفَّارَةٌ: الشِّرْكُ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَقَتْلُ النَّفْسِ بِغَيْرِ حَقٍّ، أَوْ نَهْبُ مُؤْمِنٍ، أَوْ الْفِرَارُ يَوْمَ الزَّحْفِ، أَوْ يَمِينٌ صَابِرَةٌ يَقْتَطِعُ بِهَا مَالاً بِغَيْرِ حَقٍّ"([32])
13-لكل غادر لواء
إن من قصّرَ في واجباتِ وحقوق الوظائف والمناصب ولم يؤدِّ ما أُنيط بها من منافع العباد أو أخذَ بها رشوةً أو اختلس بها مالاً للمسلمين فقد غشّ نفسَه وقدّم لها زادا يرديها، وغدر بنفسه وظلمها فعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r- « إِذَا جَمَعَ اللَّهُ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرْفَعُ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ فَقِيلَ هَذِهِ غَدْرَةُ فُلاَنِ بْنِ فُلاَنٍ »([33]).
فأي التواء او تفريط فى أداء ما كلفت به فإنما هو خيانة، فكيف اذن بمن يتهربون من مهمات تكلفوا بها؟
14-مَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
قال تعالى: {وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ}. (آل عمران: 161).
وعدى بن عميرة رضى الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " مَنْ اسْتَعْمَلْنَاهُ مِنْكُمْ عَلَى عَمَلٍ فَكَتَمَنَا مِخْيَطًا (إبرة) فَمَا فَوْقَهُ كَانَ غُلُولًا (خيانة وسرقة) يَأْتِي بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"([34])
وعن أَبَي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: افْتَتَحْنَا خَيْبَرَ وَلَمْ نَغْنَمْ ذَهَبًا وَلَا فِضَّةً إِنَّمَا غَنِمْنَا الْبَقَرَ وَالْإِبِلَ وَالْمَتَاعَ وَالْحَوَائِطَ، ثُمَّ انْصَرَفْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى وَادِي الْقُرَى؛ وَمَعَهُ عَبْدٌ لَهُ يُقَالُ لَهُ مِدْعَمٌ أَهْدَاهُ لَهُ أَحَدُ بَنِي الضِّبَابِ، فَبَيْنَمَا هُوَ يَحُطُّ رَحْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ جَاءَهُ سَهْمٌ عَائِرٌ حَتَّى أَصَابَ ذَلِكَ الْعَبْدَ، فَقَالَ النَّاسُ: هَنِيئًا لَهُ الشَّهَادَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" بَلْ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ الشَّمْلَةَ الَّتِي أَصَابَهَا يَوْمَ خَيْبَرَ مِنْ الْمَغَانِمِ لَمْ تُصِبْهَا الْمَقَاسِمُ لَتَشْتَعِلُ عَلَيْهِ نَارًا"، فَجَاءَ رَجُلٌ حِينَ سَمِعَ ذَلِكَ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشِرَاكٍ أَوْ بِشِرَاكَيْنِ فَقَالَ: هَذَا شَيْءٌ كُنْتُ أَصَبْتُهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "شِرَاكٌ أَوْ شِرَاكَانِ مِنْ نَارٍ"([35]).
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: " قام فينا النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فذكَرَ الغُلول، فعظَّمه وعظَّمَ أمرَه، قال: " لا ألفِيَنَّ أحدَكم يومَ القيامة على رَقبته شاة لها ثُغاء، على رَقبته فرس له حَمْحَمة، يقول: يا رسول الله، أغِثْني، فأقول: لا أملِك لك شيئًا؛ قد أبْلَغْتُك، وعلى رَقَبته بعيرٌ له رُغاء، يقول: يا رسول الله، أغِثْني، فأقول: لا أملِك لك شيئًا؛ قد أبلغتُك، وعلى رَقَبته صامتٌ، فيقول: يا رسول الله، أغِثْني، فأقول: لا أملِك لك شيئًا؛ قد أبلغتُك، أو على رَقَبته رِقَاعٌ تَخْفِق، فيقول: يا رسول الله، أغِثْني، فأقول: لا أملِك لك شيئًا؛ قد أبلغتُك".
فمن غل شاة جيء بها يوم القيامة تيعر وهي على كتفه، ومن غل بعيراً جاء يحمله يوم القيامة وله رُغاء يسمعه أهل الموقف على كتفه، ومن غل فرساً جاء يحمله يوم القيامة وله حمحمة ؛ ومن غل شيئاً قليلاً أو كثيراً إلا جُعل ناطقاً أمامه، حتى الذهب والفضة، من غل صامتاً، أي: ذهباً أو فضة جاء به يوم القيامة يحمله!!
ومن الغلول كذلك: أن يضع أحدهم هاتفه الجوال جانباً ثم يتكلم من هاتف العمل في أموره الشخصية، وآخر يرسل العامل أو الفراش في العمل ليقضي له حاجة أو يأتي له بطعام من المطعم القريب، وثالث يستخدم سيارة العمل في قضاء حاجياته، ورابع وهو مسؤول يستخدم سائق العمل لتوصيل أولاده من وإلى مدارسهم أو لشراء حاجيات البيت من السوق أو الجمعية، وخامس لا يأبه من الخروج مبكراً من العمل بحجة أنه لا يوجد تقدير للموظف من حيث الراتب أو العلاوات فهو ينتقم بطريقته الخاصة، وسادس يتقبل الهدية من المراجعين أو من أولياء أمور الطلاب بحجة إن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يتقبل الهدايا ،وسابع يستخدم حاسوب العمل في طباعة أوراقه الخاصة ، وثامن يستخدم فاكس الدائرة الحكومية في إرسال سيرته الذاتية هنا وهناك، وتاسع يطيل في سنة الظهر القبلية والبعدية في مصلى العمل أو في المسجد في حين إنه في أيام الإجازة لا يصليها ، وعاشر يحمل معه أقلام وأدوات العمل إلى البيت ليوزعها على أطفاله؛ لأن الخزنة عنده ممتلئة من مثلها نسأل الله السلامة !!
فأين نحن جميعاً ومنهج سلفنا الصالح في أعمالهم وورعهم وتقواهم ؟!!
15-من أخذ مال ليس من حقه فإنما يحجز لنفسه مقعدا من النار
فعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"إِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ؛ وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ؛ فَأَقْضِيَ لَهُ عَلَى نَحْوٍ مِمَّا أَسْمَعُ مِنْهُ، فَمَنْ قَطَعْتُ لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا فَلَا يَأْخُذْهُ؛ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ بِهِ قِطْعَةً مِنْ النَّارِ" ([36])
16-قطع يد السارق
قال تعالى: " والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالاً من الله والله عزيز حكيم " [ المائدة : 38 ]
17-لا يدخل الجنة
وصلِّ اللهم وسلم وبارك على سيدنا
لتحميل الخطبة #pdf برجاء الدخول إلى الرابط التالي
ولتحميل الخطبة #word برجاء الدخول إلى الرابط التالي
أو لــــ word 2003
ولتحميل الخطبة وخطب أخرى متنوعة برجاء الدخول إلى الرابط التالي
ولقراءة الخطبة مرتبة ومنسقة برجاء الدخول إلى الرابط التالي
ولمشاهدة الخطبة وخطب أخرى على اليوتيوب برجاء الدخول إلى الرابط التالي
تعليقات: (0) إضافة تعليق