للتحميل PDF اضغط هنا
للتحميل WORD اضغط هنا
أو
للتحميل PDF اضغط هنا
للتحميل PDF للطباعة والتصوير اضغط هنا
الحمد لله حقًّا فهو الودود خفي الألطاف، المنان بنعم متعددة الألوان والأصناف، الكريم المجيب المؤمِّن لكل من ارتاع وخاف، اللطيف في بلائه ولو كان من العبد إسراف، القريب المحب لمن دعاه بإلحاح وإلحاف، نحمده تبارك وتعالى ونسأله النجاة مما نخشى ونخاف، ونعوذ بنور وجهه الكريم من الجدل والإسفاف، ونرجوه الصلاح والاستقامة دون مواربة أو التفاف، وأن يُجنِّبنا بفضله الفساد والإتلاف.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة حق وإنصاف، شهادة شهدت بها شخوصنا وظلالنا والأعضاء منا والأطراف، شهادة أقرت بها الطيور، والأسماك في البحور، وكذا اللآلئ والأصداف، هي نشيد الموجودات، ومن أجلها قامت السماوات، والإقرار بها كافٍ وشاف، هي نور البصائر، وبحقيقتها قوام الأعراض والجواهر، وإنكارها ظلم وإجحاف، هي نفي وإثبات، تدلُّ على وحدانية الذات، مع تعدد الأوصاف، دليلها عبير الورود، ونسيمها أنفاس الوجود، وبالدفاع عنها عز الأسلاف.
وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، المتحقِّق بكمال الأوصاف، عفيف اللسان، فائق الحنان، سريع الانعطاف، سامق القمم، متعدد الهمم، موطأ الأكناف، عظيم خُلقه، وحْيٌ نطقه، جعل رزقه تحت ظل الرمح والأسياف، وطيء الفراش، بسيط اللباس، عيشه الكفاف، مركبه البعير، سريره الحصير، يلبس النعل والخفاف، بالقناعة قد أمر، وبالزهد قد اشتهر، وما امتلأت بطعامه الصحاف، محسن إذا أسَر، عفوٌّ إذا قدَر، لا ينقض الأحلاف، ابتُلي بفقد الأولاد فصبر، ورحب بالموت إذ حضر، كأنه يوم الزفاف، كلامه در منظوم، ولمساته تسعد المحروم، وريقه شهد صاف، حوضه زلال ورواء، وكأسه سلسل وشفاء، وشفاعته للجمع إسعاف، سيد الكل والجميع، وأول متكلم وشفيع، ليس في ذا شك ولا خلاف، أمرنا بالصلاة والسلام عليه، والتأدب في الوقوف بين يديه، وغضِّ الصوت بلا استخفاف.
اللهم صلِّ وسلِّم وبارك عليه وعلى آله وصحبه الأشراف، فوق ما خطه قلم مادح أو أضاف، وكلما سعى عبد إلى البيت أو طاف، وطالما كان في الكون أضواء وأطياف .
العناصر
أولاً: فضل يوم عرفة
ثانياً: نص خطبة حجة الوداع
ثالثاً: الدروس المستفادة من خطبة حجة الوداع
الموضوع
أولاً: فضل يوم عرفة
1-أحد أيام الأشهر الحرم
قال الله-عز وجل- : (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ) "سورة التوبة : 39". والأشهر الحرم هي : ذو القعدة ، وذو الحجة ، ومحرم ، ورجب ويوم عرفه من أيام ذي الحجة.
2-أحد أيام أشهر الحج
قال الله - عز وجل- : (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ) "سورة البقرة : 197" وأشهر الحج هي : شوال ، ذو القعدة ، ذو الحجة.
3-أحد الأيام المعلومات التي أثنى الله عليها في كتابه
قال الله -عز وجل- : (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ) "سورة الحج 28". قال ابن عباس t : الأيام المعلومات : عشر ذي الحجة.
4-أحد الأيام العشر التي أقسم الله بها منبها على عظم فضلها وعلو قدرها
قال الله - عز وجل- : (وَلَيَالٍ عَشْرٍ ) "سورة الفجر 2".
قال ابن عباس t: إنها عشر ذي الحجة قال ابن كثير: وهو الصحيح.
5-إنه يوم أقسم الله به:
والعظيم لا يقسم إلا بعظيم، فهو اليوم المشهود في قوله تعالى: (وشاهد ومشهود) "البروج: 3"
فعن أبي هريرة t أن النبي r قال: (اليوم الموعود : يوم القيامة، واليوم المشهود : يوم عرفة، والشاهد: يوم الجمعة..) ([1]) ، وهو الوتر الذي أقسم الله به في قوله: (والشفع والوتر) "الفجر: 3"
قال ابن عباس: الشفع يوم الأضحى، والوتر يوم عرفة، وهو قول عكرمة والضحاك.
6-أحد الأيام العشرة المفضلة في أعمالها على غيرها من أيام السنة
قال النبي r: (ما من عمل أزكى عند الله - عز وجل- ولا أعظم أجرا من خير يعمله في عشر الأضحى قيل: ولا الجهاد في سبيل الله - عز وجل- ؟ قال ولا الجهاد في سبيل الله - عز وجل- إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء) ([2])
7-أن يوم عرفة هو من أفضل الأيام عند الله
أنه يوم مغفرة الذنوب والعتق من النار والمباهاة بأهل الموقف، وهذا ما اخبر عنه الصادق المصدوق سيدنا محمد - r -؛ فعَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - r - : ((مَا مِنْ أَيَّامٍ أَفْضَلُ عِنْدَ اللهِ مِنْ أَيَّامِ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ، قَالَ: فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، هُنَّ أَفْضَلُ أَمْ عِدَّتُهُنَّ جِهَادًا فِي سَبِيلِ اللهِ، قَالَ: هُنَّ أَفْضَلُ مِنْ عِدَّتِهِنَّ جِهَادًا فِي سَبِيلِ اللهِ، وَمَا مِنْ يوْمٍ أَفْضَلُ عِنْدَ اللهِ مِنْ يوْمِ عَرَفَةَ يَنْزِلُ اللَّهُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيُبَاهِي بِأَهْلِ الأَرْضِ أَهْلَ السَّمَاءِ، فَيَقُولُ: انْظُرُوا إِلَى عِبَادِي شُعْثًا غُبْرًا ضَاحِينَ جَاؤُوا مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ يَرْجُونَ رَحْمَتِي، وَلَمْ يَرَوْا عَذَابِي، فَلَمْ يُرَ يَوْمٌ أَكْثَرُ عِتْقًا مِنَ النَّارِ مِنْ يوْمِ عَرَفَةَ)) ([3])
8-أكمل الله فيه الملة، وأتم به النعمة
قال عمر بن الخطاب –t- : إن رجلا من اليهود قال : يا أمير المؤمنين آية في كتابكم تقرؤونها، لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيدا. قال : أي آية؟ قال: ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الْإِسْلَامَ دِينًا) " سورة المائدة 5". قال عمر – t- : قد عرفنا ذلك اليوم الذي نزلت فيه على النبي r وهو قائم بعرفة يوم الجمعة" ([4]).
وإكمال الدين في ذلك اليوم حصل لأن المسلمين لم يكونوا حجوا حجة الإسلام من قبل فكمل بذلك دينهم لاستكمالهم عمل أركان الإسلام كلها، ولان الله أعاد الحج على قواعد إبراهيم - u - ونفى الشرك وأهله فلم يختلط بالمسلمين في ذلك الموقف منهم أحد.
وأما إتمام النعمة فإنما حصل بالمغفرة فلا تتم النعمة بدونها كما قال تعالى لنبيه - r -: ﴿ ليَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا ﴾ "الفتح: 2".
9-أنه اليوم الذي أخذ الله فيه الميثاق على ذرية آدم
فعن ابن عباس t قال: قال رسول الله r: (إن الله أخذ الميثاق من ظهر آدم بِنَعْمان- يعني عرفة- وأخرج من صلبه كل ذرية ذرأها، فنثرهم بين يديه كالذّر، ثم كلمهم قِبَلا، قال: (ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين، أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون) "الأعراف "([5])
10-صيام يوم عرفة يكفر ذنوب عامين
وهذا لغير الحاج وأما الحاج فلا يسن له صيام يوم عرفة لأنه يوم عيد لأهل الموقف.
11-إنه يوم العيد لأهل الموقف
عن عقبة بن عامر عن النبي r قال : ( يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق هن عيدنا أهل الإسلام هن أيام أكل وشرب ) ([7])
12-عظم الدعاء يوم عرفة
يوم عرفة يرجى إجابة الدعاء فيه فعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ - r - قَالَ: ((خَيْرُ الدُّعَاءِ
دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)) ([8]) ، فعلى المسلم أن يتفرغ للذكر والدعاء والاستغفار في هذا اليوم العظيم، وليدع لنفسه ولِوالديْه ولأهله وللمسلمين...
13-كثرة العتق من النار فيه
عن عَائِشَةُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -r- قَالَ « مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ وَإِنَّهُ لَيَدْنُو ثُمَّ يُبَاهِى بِهِمُ الْمَلاَئِكَةَ فَيَقُولُ مَا أَرَادَ هَؤُلاَءِ ». ([9])
14-مباهاة الله بأهل عرفة أهل السماء
وعن أبي هريرة t عن رسول الله r قال إن الله يباهي بأهل عرفات ملائكة السماء فيقول انظروا إلى عبادي هؤلاء جاؤوني شعثا غبرا "([10])
15-كثرة تكبير الله فيه
فقد ذكر العلماء أن التكبير ينقسم إلى قسمين : التكبير المقيد الذي يكون عقب الصلوات المفروضة ويبدأ من فجر يوم عرفة قال ابن حجر –رحمه الله- : ولم يثبت في شيء من ذلك عن النبي r حديث وأصح ما ورد عن الصحابة قول علي وابن مسعود y أنه من صبح يوم عرفة إلى آخر أيام منى) وأما التكبير المطلق فهو الذي يكون في عموم الأوقات ويبدأ من أول ذي الحجة حيث كان ابن عمر وأبو هريرة yيخرجون إلى السوق يكبرون ويكبر الناس بتكبيرهما) والمقصود تذكير الناس ليكبروا فرادى لا جماعة .
16-فيه ركن الحج العظيم
عن عبد الرحمن بن يعمر الديلي قال : سمعت النبي r يقول : " الحج عرفة من أدرك عرفة ليلة جمع قبل طلوع الفجر فقد أدرك الحج أيام منى ثلاثة أيام فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه "([11])
17-إنه موقف مصغر عن موقف الحشر
حيث يقف الناس في عرفات مجردين من كل شيء، فالكل واقف أمام رب العزة عز وجل.
يتجلى هناك موقف الإنسانية والأخوة والمساواة، فلا رئيس ولا مرؤوس، ولا حاكم ولا محكوم، ولا غني ولا فقير، ولا أمير ولا مأمور، ولا أبيض ولا أسود ولا أصفر، الكل عبيد لله، الكل يناجي ربه العظيم لينالوا مغفرته ورضوانه.
18-أنه يوم مغفرة الذنوب والعتق من النار والمباهاة بأهل الموقف:
عن عائشة _رضي الله عنها_ عن النبي r قال: (ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدًا من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيقول: ما أراد هؤلاء؟) ([12])
وعن ابن عمر أن النبي r قال: (إن الله تعالى يباهي ملائكته عشية عرفة بأهل عرفة، فيقول: انظروا إلى عبادي، أتوني شعثا غبراً) ([13])
ثانياً: نص خطبة حجة الوداع
قال رسول الله r ( أيها الناس اسمعوا قولي فإني لا أدرى لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا بهذا الموقف أبدا أيها الناس إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام الى ان تلقوا ربكم كحرمة يومكم هذا وكحرمة شهركم هذا وإنكم ستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم وقد بلغت فمن كان عنده أمانة فليؤدها الى من ائتمنه عليها
وإن كل ربا موضوع ولكن لكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون قضى الله أنه لا ربا وإن ربا عباس بن عبد المطلب موضوع كله
وإن كل دم كان في الجاهلية موضوع وإن أول دمائكم أضع دم ابن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب وكان مسترضعا في بني ليث فقتلته هذيل فهو اول ما أبدأ به من دماء الجاهلية
أما بعد أيها الناس فإن الشيطان قد يئس من أن يعبد بأرضكم هذه أبدا ولكنه ان يطاع فيما سوى ذلك فقد رضى به مما تحقرون من أعمالكم فاحذروه على دينكم
أيها الناس إن النسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه عاما ليواطئوا عدة ما حرم الله فيحلوا ما حرم الله ويحرموا ما أحل الله
وإن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض وإن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم ثلاثة متوالية ورجب مضر الذى بين جمادى وشعبان
أما بعد أيها الناس فإن لكم على نسائكم حقا ولهن عليكم حقا لكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم احدا تكرهونه وعليهن ان لا يأتين بفاحشة مبينة فإن فعلن فإن الله قد أذن لكم أن تهجروهن في المضاجع وتضربوهن ضربا غير مبرح فإن انتهن فلهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف واستوصوا بالنساء خيرا فإنهن عندكم عوان لا يملكن لأنفسهن شيئا وإنكم إنما أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمات الله فاعقلوا أيها الناس قولي فإني قد بلغت
وقد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبدا أمرا بينا كتاب الله وسنة نبيه أيها الناس اسمعوا قولي واعقلوه تعلمن أن كل مسلم أخ للمسلم وأن المسلمين إخوة فلا يحل لامرىء من أخيه إلا ما أعطاه عن طيب نفس منه فلا تظلمن أنفسكم اللهم هل بلغت فذكر لي أن الناس قالوا اللهم نعم فقال رسول الله r اللهم اشهد ([14]).
يا أيها الناس إن ربكم واحد وإن أباكم واحد ألا لا فضل لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي ولا لأحمر على أسود ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى " إن أكرمكم عند الله أتقاكم " ألا هل بلغت ؟ قالوا : بلى يا رسول الله قال : فيبلغ الشاهد الغائب" ([15])
إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث " الولد للفراش وللعاهر الحجر وحسابهم على الله "([16])
ولما فرغ من خطبته نزل عليه قوله تعالى: ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلأسْلاَمَ دِيناً "المائدة 3".
سبب تسميتها بهذا الاسم
وإنما سُمِّيت بحَجَّة الوداع؛ لأنه لم يَحج بعدها، فكأنه ودَّعهم بهذه النصائح الجليلة، حيث لم يَمكث - r - بعدها سوى ثلاثة أشهر - في أشهر الأقوال - حتى توفَّاه الله.
ثالثاً: الدروس المستفادة من خطبة حجة الوداع
1-سماع جميع الحاضرين بدون مكبرات صوت وعددهم مائة وأربعون ألفاً
فعن عبد الرحمن بن معاذ التيمي قال خطبنا رسول الله r ونحن بمنى ففتحت أسماعنا حتى كنا نسمع ما يقول ونحن في منازلنا فطفق يعلمهم مناسكهم حتى بلغ الجمار فوضع أصبعيه السبابتين ثم قال بحصى الخذف ثم أمر المهاجرين فنزلوا في مقدم المسجد وأمر الأنصار فنزلوا من وراء المسجد ثم نزل الناس بعد ذلك ([18])
وكان عددهم حوالي مائة وأربعون ألفاً
2-حُرمة الدماء والأموال
عن ابن عباس أن رسول الله - r - خطب الناس يوم النحر فقال :« يا أيُّها الناس ، أيُّ يومٍ هذا ؟ » قالوا :يومٌ حرامٌ ، قال : « وأيُّ بلدٍ هذا ؟ » قالوا : بلد حرام ، قال : « فأيُّ شهر هذا؟ » قالوا : شهر حرام ، قال : « فإنَّ دماءَكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام ، كحرمة يومكم هذا ، في بلدكم هذا ، في شهركم هذا»- فأعادها مرارًا - ثم رفع رأسه فقال : « اللهمَّ هل بلغْتُ ؟ اللهم هل بلغت » قال ابن عباس : فوالذي نفسي بيده إنَّها لوصيَّتُه إلى أمَّتِه ، « فليُبَلِّغْ الشاهدُ الغائبَ ، لا تَرجِعوا بعدي كفَّارًا يَضرب بعضكم رقابَ بعض » ([19])
فقد بيَّن النبيُّ - r - حُرمة الدماء والأموال، ووضَّح لنا أن هذه الحُرمة تُساوي حُرمة اليوم والشهر والبلد، ومعلومٌ أن حُرمة البلد الحرام - وهو مكة - حُرمةٌ عظيمة، وحُرمة الشهر الحرام - وهو شهر ذي الحجَّة - حرمة عظيمة؛ فالله - سبحانه وتعالى - جعَل عدَّة الشهور اثنَي عشر شهرًا، منها أربعة أشهر حرم، فالأَشهُر الحرُم هي: ذو القِعدة، وذو الحَجَّة، والمُحرَّم - ثلاثة أشهر مُتواليات - ورجب، فهذه أربعة أشهر حرُم لها حُرمَة عظيمة، فحُرمة الدِّماء والأموال حُرمة شديدة وعَظيمة، ولو تدبَّر الناس هذا الكلام، لَمَا تعدَّى أحد على أحد، ولَمَا سُفكَت الدماء، ولَمَا خُطفَت الأموال، ولما سُرقَت، ولَما اغتُصبَت، ولَعاش الناس عيشةً هنيئةً فيها سعادتهم الدُّنيوية قبل الأُخرويَّة، فهذا التحريم يجعل الإنسانَ يعمل ألف حِساب قبْل أن يتعدَّى على غَيره ليَسفك دمه أو ليأخُذ ماله دون وجْه حقٍّ، ولأمِن الناس على دمائهم وأموالهم، ولما عاشوا في رعْب وخَوف، ويقول النبي - r - في الحديث الصحيح: ((لا يَحلُّ دم امرِئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنَّفس، والثيِّب الزاني، والتارك لدينه المُفارِق للجَماعة))([20])
فقتْل النفس بغير حقٍّ حرام، فقد جاء في كتاب الله - عز وجل - قولُه تعالى: ﴿ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ﴾ "الأنعام: 151"، فقتْل النفس حرام بالكتاب والسنَّة.
فكيف يتجرَّأ بعض الناس ويَسفِكون الدماء، ويَهدِمون بُنيان النفس، وقد حرَّم الله - عز وجل - ذلك وحرَّمه رسولُ الله - r -؟!
وكان النبي - r - إذا أرسل جيشًا أوصاهم ألا يَقتلوا شيخًا كبيرًا، ولا امرأة ولا طفلاً صغيرًا، فحتى القتال في سبيل الله - عز وجل - فيه حقْن الدماء، فالذي لا يُحارِب لا يُقتَل، هذا مع الكفار، فما بالُنا بحُرمة دماء المسلمين؟
فاتقوا الله - أيها الناس - ﴿ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا ﴾
اتقوا الله - سبحانه وتعالى - في دماء المسلمين؛ فسوف تُحاسَبون عن كل نفس قُتلتْ بغير حقٍّ، سوف تُسألون، واذكر - أيها القاتل - حالك عندما تَحمل رأسَ المقتول في يدك يوم القيامة، ويقول المقتول: سلْه يا رب فيمَ قتَلني؟ فماذا أنت قائل؟ وما هي إجابتك؟ يوم لا ينفع مال ولا بنون، يوم الحسرة والنَّدامة، ﴿ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ ﴾ "الحج: 2".
فيا أيها الناس، حرِّموا الدماء واتقوا الله في الدماء، وحرِّموا الأموال واتقوا الله في الأموال، ولا يأخذ أحد مالاً إلا بحقِّه؛ فالله - عز وجل - سوف يسأل كل صاحب مال مِن أين اكتسبَه؟ وفيمَ أنفقه؟ وليستعدَّ كلٌّ منا للسؤال عن المال مِن أين اكتسبه؟ (ما هي إجابته؟) وفيمَ أنفقَه؟ (ما هي إجابته)؟
وأيما جسْم نبَت مِن سحْت فالنار أولى به، فكيف يَعلم الناسُ هذا ويأخُذون الأموال بغير حقٍّ، وتَزيد الحرمة عندما يأخذ بعض الناس الأموال بغير حقٍّ، ليس من المال الخاص؛ بل من المال العام مِن أموال الدولة، التي هي حقٌّ لكل واحد في الدولة، فحُرمة المال الخاص وحُرمة المال العام تجعلنا نتقي الله - عز وجل - في كسْب الأموال وتحصيلها.
3-وضَع النبي -r -كلَّ شيء مِن أمر الجاهلية
فقال: ((ألا وإنَّ كل شيء مِن أمر الجاهلية موضوعٌ تحت قدميَّ هاتَين))، فكل شيء مِن أمر الجاهليَّة باطل، فالإسلام قد أبطَل أمور الجاهليَّة فلا كِبر، ولا بطَر، ولا أشَر، ولا لوأْد البنات (دفنهنَّ أحياء)، ولا فضْل لقبيلةِ كذا على قبيلةِ كذا، ولا أبيض على أسود إلا بالتقوى والعمل الصالح.
ودماء الجاهلية موضوعة، ومِن عدل النبي - r - أنه لم يَحكُم على الناس بما لم يحكُم به على نفسِه، ونتعلم مِن ذلك أننا لا بدَّ أن نُنفِّذ أوامر الله - عزَّ وجلَّ - وأوامر النبي - r - قبل أن نأمُر غيرَنا، لا بدَّ أن نلاحظ أنفسنا أولاً؛ حتى نكون مُنصفين، وحتى لا نكون مِن الذين قال الله - تعالى - فيهم: ﴿ أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ ﴾ "البقرة: 44".
فبيَّن النبي - r - أن أول دمٍ يَضعه دم ابن ربيعة
وأيضًا بيَّن أن الربا موضوع وباطل، وأول ربًا يضعه - r - رِبا العباس بن عبدالمطَّلب؛ فالرِّبا باطل وحرام والله - عز وجل - قد حرّم الربا؛ يقول تعالى: ﴿ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ﴾ "البقرة: 275"
ويقول تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾ "البقرة: 278 - 279"، فهذا وعيد شديد لمَن لم يَنتهِ عن الرِّبا.
فآكِل الربا مَلعون، واللعنَةُ: هي الطرد مِن رحمة الله - عز وجل - فعلينا بتقوى الله - سبحانه وتعالى - وأكْل الحلال، والبُعد عن أكل الحَرام، والبُعد عن التعامل بالربا الذي يُطرَد آكِلُه من رحمة الله تعالى.
3-التحذير من الذنوب والمعاصي
لأن الذنوب والمعاصي هي سبب كل وباء نعيش فيه على المستوى الخاص أو المستوى العام، فعدم بركة الوقت سببه المعاصي، وعدم بركة الرزق وتسلط اليهود علينا، وضيق الصدور، وتقطيع الأرحام، ونشوز الزوجات، وكل ما نحن فيه من هم وغم ونكد سببه المعاصي، وقد سخروا منا يوم أن وقع الزلزال وخرجت بعض الأقلام الإسلامية تكتب وتقول: إن سبب ذلك هو المعاصي، واستهزأوا وسخروا، وقالوا: إنما هي كوارث طبيعية وظروف مناخية، ونسي القوم ان الله تعالى بين أن أثر الإيمان والتقوى والاستغفار في حصول الخير لأهل الأرض، والتكذيب والمعاصي اساس للذل والعذاب فقال –تعالى-:"وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ" الأعراف 96"
وهذا رجل من السلف كان يسير في الطريق فقابله رجلاً سيء الخلق فسبه ولعنه وتطاول عليه، فقال له: انتظر، ثم دخل إلى مسجد بجواره فتوضأ وصلى ركعتين ثم خرج يقول له: ما سلطك الله علي إلا بذنب ارتكبته، نعم فالله تبارك وتعالى لا يسلط هذا السفيه على الصالح إلا بسبب ذنب، فعاد الرجل يصلي ويستغفر
وكان السلف يقولون: كنا نعرف المعصية في خلق الزوجة والدابة، بمعنى: أن الزوجة لا تطيع، فإن وجدت ذلك فراجع نفسك إن كنت تقياً، ولا ترتكب المعاصي والذنوب، وكذلك الدابة، وتأمل يا مسلم ماذا فعلت المعاصي بالأقوام السابقة، ما الذي أغرق فرعون؛ إنها المعصية، ما الذي خسف بـ قارون الأرض؛ إنها المعصية، ما الذي أرسل على ثمود الريح؛ إنها المعصية "فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ * وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ * سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ" "الحاقة والخلاصة: أن سبب البلاء الذي نعيش فيه المعاصي التي نقترفها ونجاهر بها ليل نهار.
4-المُعامَلة الحسَنة مع النساء:
يقول النبي - r -: ((فاتَّقوا الله في النساء؛ فإنكم أخذتموهنَّ بأمانة الله، واستحللتُم فروجهنَّ بكلمة الله))، فأمرنا النبي - r - بتقوى الله تعالى في النساء، وعلَّمنا أن نؤدي الحقوق التي علَينا قِبَل النساء، وبيَّن لنا - عليه الصلاة والسلام - أن أصل الفروج حرام بقوله: ((واستحللتُم))، فالأصل أن الفروج حرام، ولا يحلُّ منها إلا ما أحله الله - تعالى –
وقد أمَرنا الله - تعالى - بغضِّ الأبصار؛ فقال - عزَّ وجل -: ﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوْ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الإِرْبَةِ مِنْ الرِّجَالِ أَوْ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ "النور: 30 - 31".
فالأمر بغضِّ البصر الذي هو بَريد الزنا يدلُّ على تحريم الفروج؛ حيث منع ما يُتوصَّل به إليه، والله - عزَّ وجل - قال: ﴿ وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً ﴾ "الإسراء: 32".
وبيَّن - عز وجل - المحرَّمات من النساء في كتابه العزيز، وبيَّنها رسول الله - r - في الأحاديث الصَّحيحة.
وإذا كان الله - سبحانه وتعالى - أحلَّ لنا الزواج مِن النساء، فقد أمَرنا الرسول - r - بتقوى الله - تعالى - في النساء والإحسان إليهنَّ، فعلى الأزواج أن يُحسِنوا في إطعامهن، وكسوتهنَّ، وأن يُعاشِروهنَّ بالمعروف
يقول الله تعالى: ﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾ "النساء: 19"
وكان النبي - r - خير الناس لأهلِه، وهو قُدوتنا - r.
ونُلاحِظ مِن خلال الخُطبَة الجامِعة أن على النساء ألا يوطِئنَّ فرُش الرجال أحدًا يَكرهه الزوج، وبيَّن - عليه الصلاة والسلام - أن هذا حقٌّ للرجال على النساء، فإن خالَفتْ ذلك، فهي تستحقُّ الضرب غير المُبرِّح، فالضرب هنا ليس للتعذيب وليس للانتقام، ولكن للتقويم؛ حتى يفهم الناس السنَّة على حقيقتِها.
5-الاعتصام بالقرآن والسنة:
فقد بيَّن النبي - r- أن اعتصامنا بالكتاب والسنَّة فيه النجاة مِن كل شرٍّ وسوء، فإذا أراد المسلمون الثبات على الهداية، فعليهم أن يتمسَّكوا بالقرآن والسنَّة، والقرآنُ الكريم والسنَّة المشرَّفة فيهما سعادة مَن تمسَّك بهما في الدارَين (الدنيا والآخِرة).
يقول الله - عز وجلَّ -: ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ﴾ البقرة.
ويقول عزَّ وجل: ﴿ الر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ﴾ "إبراهيم: 1".
والنبي - r - قد بيَّن لنا كل شيء؛ فما كان فيه خير لنا، فقد أمَرنا به، وما كان فيه شرٌّ لنا، فقد نهانا عنه.
وسبحانه الله العظيم! جعَل الدِّين يُسرًا، ففي أحكام الشريعة كل التيسير.
ونُلاحظ أن الله - سبحانه وتعالى - ذكَر آيةً عظيمة في القرآن الكريم يجب علينا أن نتدبَّرها، وقد ذكرها - عز وجل - بعد الأمر بالصيام، فقال تعالى: ﴿ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ﴾ "البقرة: 185" ففي أحكام الله - عزَّ وجل - اليُسر على الخَلق.
6-الإخوة في الله
ومعيار الإخوة في الله هو: (أن تحب لأخيك ما تحب لنفسك)، فهل منا من يحب لأخيه ما يحب لنفسه، أم منا من يخطط لدمار أخيه؟
أهدى رجل من السلف ذراع شاة لأخيه، فأخذ الرجل الذراع وقال: من هو أحوج مني إليه؟ لي أخ يحتاج إليه فأعطاه له، والثالث أخذ الذراع وقال: من أحوج إليه مني؟ لي أخ فأعطاه له، وظل الذراع يدور بينهم حتى عاد إلى الأول، إنه الإيثار الذي عدم هذه الأيام.
وأنتم أيضاً تقرؤون عن الذين احتضروا في معركة من المعارك، فجاء الساقي إلى الأول ليسقيه، فرفض وقال: اذهب إلى أخي الذي بجواري فإنه أشد حاجة مني إلى الماء، وهذا عند الاحتضار! والثاني يقول له: اذهب إلى من بجواري فإنه أحوج إلى الماء مني، وظل يدور بينهم حتى وصل إلى الأخير، ثم قال: عد به إلى الأول، فجاء إلى الأول فوجده قد فارق الحياة، وكذلك الثاني والثالث، فماتوا جميعاً دون أن يشربوا شيئاً، إنه الإيثار والأخوة الصادقة، فأين هي الآن؟ نسأل الله العفو والعافية.
7-المساواة بين الناس
الإسلام رسالة عالية جاءت لخير الأمم والشعوب جميعاً لا فرق بين عربي وأعجمي قال تعالى: (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً ) "الفرقان: 1"
دعا إلى القضاء على الفوارق الجنسية والعنصرية، وأعلن الأخوة الإسلامية قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا
خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ) الحجرات.
فالإسلام يقرر المساواة بين البشر، فهم سواسية كأسنان المشط، لا تفاضل بينهم إلا على أساس التقوى والعمل الصالح، وما يقدم كل منهم لربه ولنفسه ووطنه ومجتمعه الإنساني..
فالإسلام دين المساواة، والمجتمع الذي يقوم أفراده على قدم المساواة هو مجتمع يشع منه الاطمئنان والأمان، والمحبة والتعاون على البر والتقوى، أما إذا انعدمت المساواة فى مجتمع نتج عنه الصراع وظهرت الطبقية، وتزعزعت الثقة بين الناس.
8-شهادة المسلمون على ما قاله النبي r
بعدما بيَّن رسول الله - r - ما بيَّن في خطبته، قال للصحابة: ((وأنتم تُسألون عني، فما أنتم قائلون؟!)) قالوا: "نشهد أنك قد بلَّغتَ رسالات ربك، وأدَّيت، ونصَحت لأمَّتك، وقضيتَ الذي عليك"، فقال بإصبعه السبابة، يَرفعها إلى السماء ويَنكتها إلى الناس: ((اللهم اشهَد، اللهم اشهَد)).
وفيه دليل على أن الله - عز وجلَّ - في السماء، فهذه هي العقيدة الصحيحة والإيمان الموافق للكتاب والسنَّة، ولا نقول كما يقول بعضهم: الله في كل مكان، أو أن الله ليس له مكان، كلُّ هذه اعتقادات باطلة؛ لأن القرآن والسنَّة فيهما شفاء لما في الصدور، وقد جاء في القرآن قوله تعالى: ﴿ أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ ﴾ "الملك: 16".
وقد أقرَّ النبي - r - الجارية التي سألها: ((أين الله؟)) قالت: في السماء، فقال - عليه الصلاة والسلام -: ((أَعتِقها؛ فإنها مؤمنة))، فعلينا بالاتِّباع؛ ففيه النجاة، ولا داعي للتأويل، والتحريف، والتمثيل، ما دام أن النُّصوص واضِحة ولا لَبس فيها.
ويشهد الصحابة أن رسول الله - r - أدَّى ما عليه، وما قصَّر في شيء، ونحن نشهد بذلك؛ فالنبي - عليه الصلاة والسلام- أدى الأمانة، وبلَّغ الرسالة، ونصَح الأمة، فكشف الله به الغمَّة، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبِه، ومَن اهتدى بهدْيه وعمل بسنَّتِه إلى يوم الدِّين، فلنأخُذ هذه الدروس التي يَنفعنا الله - تعالى - بها، وعلينا اتِّباع السنَّة، ولنبتعد عن كل بدعة؛ لأن كل بدعة ضلالة، وعن أمِّ المؤمنين عائشةَ - رضي الله عنها - قالت: سمعت رسول الله - r - يقول: ((مَن أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه، فهو ردٌّ))([23])
فعلينا باتِّباع السنة المطهَّرة؛ حتى يُطهِّر الله قلوبنا وأعمالنا مِن البِدع والمُحدَثات.
وصلِّ اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
إعداد: الشيخ احمد أبو عيد
01098095854
تعليقات: (0) إضافة تعليق