الحمد لله الواحد القهار. العزيز الغفار. مقدر الأقدار. مصرف الأمور مكور الليل على النهار. تبصرة لأولى القلوب والأبصار.
وأشهد أن لا إلا الله أيقظ من خلقه من اصطفاه فأدخله في جملة الأخيار ووفق من اختار من عبيده فجعله من الأبرار. وبصر من أحبه للحقائق فزهدوا في هذه الدار. فاجتهدوا في مرضاته والتأهب لدار القرار. واجتناب ما يسخطه والحذر من عذاب النار.
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه المصطفى من خليقته، وأكرم الأولين والآخرين من بريته، أكرم الخلق وأزكاهم وأكملهم، وأعرفهم بالله تعالى وأخشاهم وأعلمهم، واتقاهم وأشدهم اجتهادا وعبادة وخشية وزهادة، وأعظمهم خلقا، وأبلغهم بالمؤمنين تلطفا ورحما
فاللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى اله وأصحابه ومن سار على نهجه وتمسك بسنته واقتدى بهديه واتبعهم بإحسان إلي يوم الدين ونحن معهم يا أرحم الراحمين
العناصر
أولًا: الترغيب في الأمل والتفاؤل
ثانيًا: كيف تبعث في نفسك روح الأمل والتفاؤل
ثالثًا: الأمل في حياة الأنبياء والصالحين
رابعًا: التحذير من اليأس والقنوط
الموضوع
أولًا: الترغيب في الأمل والتفاؤل
من صفات المؤمنين : قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا (9) إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10) هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا (11)........... وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا (22)) الأحزاب
أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالأمل: عن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
( إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَبِيَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ، فَإِنْ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا يَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَفْعَلْ ) ([1])
عجبا لأمر المؤمن: عَنْ صُهَيْبٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ» ([2])
البشرى بالخير: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: بَيْنَمَا جِبْرِيلُ قَاعِدٌ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سَمِعَ نَقِيضًا مِنْ فَوْقِهِ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ، فَقَالَ: " هَذَا بَابٌ مِنَ السَّمَاءِ فُتِحَ الْيَوْمَ لَمْ يُفْتَحْ قَطُّ إِلَّا الْيَوْمَ، فَنَزَلَ مِنْهُ مَلَكٌ، فَقَالَ: هَذَا مَلَكٌ نَزَلَ إِلَى الْأَرْضِ لَمْ يَنْزِلْ قَطُّ إِلَّا الْيَوْمَ، فَسَلَّمَ، وَقَالَ: أَبْشِرْ بِنُورَيْنِ أُوتِيتَهُمَا لَمْ يُؤْتَهُمَا نَبِيٌّ قَبْلَكَ: فَاتِحَةُ الْكِتَابِ، وَخَوَاتِيمُ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، لَنْ تَقْرَأَ بِحَرْفٍ مِنْهُمَا إِلَّا أُعْطِيتَهُ " ([3]) [ ش (نقيضا) أي صوتا كصوت الباب إذا فتح].
إن مع العسر يسرا: قال تعالى: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (6)) الشرح
وقال تعالى {لاَ تَدْرِي لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} (الطلاق: 1) ، ويقول جل في علاه{سيجعل الله بعد عسر يسرا}الطلاق 7 ، وقال تعالى: (قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجانا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (63) قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْها وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ (64) ) الأنعام
يا صاحب الهم إن الهم منفرج
** أبشر بخير فإن الفارج الله
اليأس يقطع أحيانًا بصاحبه
** لا تيأسن فإن الكاشف الله
إذا قضى الله فاستسلم لقدرته
** ما لمرء حيلة فيما قضى الله
الله يحدث بعد العسر ميسرة
** لا تجزعن فإن الصانع الله
وإذا بليث فثق بالله وأرض به
** إن الذي يكشف البلوى هو الله
والله مالك غير الله من أحد
** فقل في كل أمرٍ حسبي الله
عباد الله: إن القلوب إذا تعلقت بخالقها وبارئها وعلمت أن كل شيء مقدر عنده ، وأنه لا يقضي لعباده إلا الخير فلابد أن تستسلم لأقداره، ويحدوها الأمل أن يأتي بعد كل هم وغم ونكد وشدة وكرب فرح وسرور وسعادة ويسر. إنَّ على المسلم أن يبدأ يومه بالتفاؤل والأمل وأن يطرح الحزن وراءه ويدع الهم جانباً، فمهما طال الطريق, وأنهك التعب, وتسلل السأم, فليس لنا سوى ربِّنا نناجيه
ونرجوه ونلهج بذكره ليتجدد عندنا الأمل في قُرْب الفرج.
عدم اليأس من رحمة الله: قال تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّـهِ إِنَّ اللَّـهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) ﴿الزمر: ٥٣﴾ أي لا تيأسوا من رحمة الله.
وتعتبر التوبة من أبرز المفاهيم التربوية التي تحفظ روح الأمل و تجدد عناصر الرجاء و تبعث الثقة و التفاؤل عند أصحاب الذنوب .
قال تعالى {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ * وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَالْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ}[الشورى: 26،25].
الأمل والاعتماد على الله: قال تعالى:{ وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ * وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ* فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ } [آل عمران:146-148].
الأمل والعمل: الأمل في الله ورجاء مغفرته يقترن دائمًا بالعمل لا بالكسل والتمني، قال تعالى: {فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحًا ولا يشرك بعبادة ربه أحدًا} [الكهف: 110]. وقال عز وجل: {إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمت الله والله غفور رحيم} [البقرة: 218]. فالأمل يدفع الإنسان دائمًا إلى العمل، ولولا الأمل لامتنع الإنسان عن مواصلة الحياة ومجابهة مصائبها وشدائدها، ولولاه لسيطر اليأس على قلبه، وأصبح يحرص على الموت، ولذلك قيل: اليأس سلم القبر، والأمل نور الحياة.
يقول الدكتور إبراهيم الفقي: أحياناً يَغلق الله سبحانه وتعالى أمامنا باباً لكي يفتح لنا باباً آخر أفضل منه، ولكن مُعظم الناس يضيع تركيزه ووقته وطاقته في النظر إلى الباب الذي أغلق، بدلاً من باب الأمل الذي انفتح أمامه على مصراعيه.
لذا نحن مأمورون من الله بالعمل والحركة والأخذ بالأسباب، فقد أمر الله تعالى السيدة مريم وهي في شهرها الأخير من الحمل أن تأخذ بالأسباب، فقال تعالى: ﴿ وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا ﴾ [مريم: 25].
وهنا أمر الله تعالى مريم عليها السلام بأن تهز النخلة ليتساقط لها الرطب، مع قدرته سبحانه على إنزال الرطب إليها من غير هز أو تحريك، ورحم الله القائل:
ألم تر أنَّ اللهَ قال لمـــــــريمَ ** وهُزِّي إليك الجذْع يَسَّاقطِ الرُّطَبْ
ولو شاء أن تَجنيه من غير هزِّه** جَنَتْه ولكن كل شيء له سَببْ
ثانيًا: كيف تبعث في نفسك روح الأمل والتفاؤل
الدعاء: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ عِنْدَ الكَرْبِ: «لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ العَظِيمُ الحَلِيمُ، لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ، لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ الأَرْضِ، وَرَبُّ العَرْشِ الكَرِيمِ» ([4])
وعن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «ما أصاب أحدا قطّ همّ ولا حزن فقال: اللهمّ، إنّي عبدك وابن عبدك وابن أمتك ناصيتي بيدك، ماض فيّ حكمك، عدل فيّ قضاؤك أسألك بكلّ اسم هو لك سمّيت به نفسك، أو علّمته أحدا من خلقك، أو أنزلته في كتابك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همّي، إلّا أذهب الله همّه وحزنه، وأبدله مكانه فرجا» قال: فقيل: يا رسول الله ألا نتعلّمها؟ فقال: «بلى، ينبغي لمن سمعها أن يتعلّمها»([5])
إليك إله الخلق أرفع رغبتي
** وإن كنتُ- ياذا المنِّ والجود-مجرما
مجرماً
ولَّما قسا قلبي، وضاقت مذاهبي
** جَعَلْتُ الرَّجَا مِنِّي لِعَفْوِكَ سُلّمَا
تعاظمني ذنبي فلَّما قرنتهُ
** بعفوكَ ربي كانَ عفوكَ أعظما
فَمَا زِلْتَ ذَا عَفْوٍ عَنِ الذَّنْبِ لَمْ تَزَلْ
** تَجُودُ وَتَعْفُو مِنَّة ً وَتَكَرُّمَا
عَسَى مَنْ لَهُ الإِحْسَانُ يَغْفِرُ زَلَّتي
** ويسترُ أوزاري وما قد تقدما
اعلم أنه لابد من الإبتلاء: قال تعالى: قال: ﴿ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ﴾ [العنكبوت: 2، 3].
فالإنسان المؤمن لا بد أن تكون لدية قناعة بدَهيَّة أن الحياة كلها ما هي إلا ابتلاء؛ كما قال تعالى: ﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ﴾ [الملك: 2].
فما دمت مؤمنا فلابد من أن يبتليك الله سبحانه لترضى وتصبر فيكتب لك أجر عظيم ، وبعد المحنة تأتي المنحة فكن راضيا ولا تياس أبدا......
لست أنت فقط من مرَّ بمحن ومشاكل: فالمتأمِّل في التاريخ يجد أن الأمة مرَّت عليها أزماتٌ
واضطرابات أعظمُ من ذلك بكثير، فالذي يُحبِطه الاضطرابات السياسية مثلاً، نقول له: ألم تقرأ عن القرامطة وما فعَلوه من الاضطرابات؟ حتى وصَل بهم الحال أن اعتدَوا على الحُجَّاج في الحرم، وقتلوهم، وهدموا أجزاء من الكعبة، واقتَلَعوا الحجر الأسود، فمكَث عندهم لمدة 22 سنة، ولم تَستطِع الدولة بجيوشها الجرارة أن تَستعيده، ولم يقدِروا عليهم، حتى ساوَموهم عليه بالمال، فدَفعوا فيه خمسين ألف دينار.
وأما عن الغلاء وصعوبة العيش، فلقد مرَّت على أمتنا فترات بلَغ فيها الغلاء حدًّا لا يُصدَّق، ومنها ما حدَث هنا في مصر؛ كما يذكُر لنا الحافظ ابن كثير - رحمه الله - في حوادث سَنة ستين وأربعمائة، حيث قال: وفيها كان غلاءٌ شديد بمصر، فأكَلَوا الجيف والميتات والكلاب، فكان يُباع الكلب بخمسة دنانير، وأُفنيتِ الدواب، فلم يبقَ لصاحب مصر سوى ثلاثة أفراس، بعد أن كان له العدد الكثير من الخيل والدواب، ونزل الوزير يومًا عن بغلته، فغفَل الغلام عنها لضعْفه من الجوع، فأخذَها ثلاثة نفر فذبَحوها وأكلوها، فأُخِذوا فصُلِبوا، فما أصبحوا إلا وعِظامهم بادية، قد أخذ الناس لحومَهم فأكلوها، وكان لا يَجسُر أحد أن يَدفِن ميِّته نهارًا؛ وإنما يدفِنه ليلاً خُفية؛ لئلا يُنبَش فيؤكل!
وأكل الصحابة أوراق الشجر في فترة مقاطعة أهل مكة لهم .... ثم جاء الفرج فلماذا التشاؤم؟؟؟؟
وعد الله بالنصر والاستخلاف في الأرض: قال تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ}(النور:55)، إن المؤمنين يحدوهم الأمل في
أن الله ناصرٌ دينَه ومعزٌ أولياءه، وأنَّ من تمسك بهذا الدين لابد له من النصر والتمكين.
وقال تعالى: ﴿ كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾ (المجادلة: 21).
عباد الله: إن ما تمر به أمة الإسلام من أحداث في شتى بقاع الأرض مع ما يترتب عليها من قتل للأنفس، وإزهاق للأرواح، وإخلال بالأمن شيء عظيم وكبير لكننا مع ذلك نرى من خلال هذه العظائم شعاعاً يبث في النفوس روحاً من الأمل الصادق بنصر الله للدين الحق، وظهوره على الدين كله ولو كره المشركون. إنه أملٌ يشحذ همم المؤمنين للعمل على نصرة دينهم، ويدعو الصادقين إلى التمسك به مهما اشتدت الفتن وادلهمت الخطوب، ويدفعهم للذّبّ عن حياضه مهما عمل الأعداء على حربه واستماتوا في إطفاء نوره.
أن الله هو الرزاق: قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ}(الذاريات:58) فإن ضاق الرزق فلا تيأس واعتمد على الله واعلم بأنه هو الرزاق.
وقال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ ۚ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ} [الشورى:28]. قال ابن كثير: "وقوله: {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا} أي: من بعد إياس الناس من نزول المطر، ينزله عليهم في وقت حاجتهم وفقرهم إليه، كقوله: {وَإِن كَانُوا مِن قَبْلِ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْهِم مِّن قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ} [الروم:49]. {وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ} أي: هو المتصرف لخلقه بما ينفعهم في دنياهم وأخراهم، وهو المحمود العاقبة في جميع ما يقدره ويفعله"([6])
وقال تعالى: {لَّا يَسْأَمُ الْإِنسَانُ مِن دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِن مَّسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ} [فصلت:49]. قال الطبري: "{فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ}: فإنه ذو يأس من روح الله وفرجه، قنوط من رحمته، ومن أن يكشف ذلك الشر النازل به عنه" ([7])
الأمل في الله تعالى: حينما تتذكر العناء في تربية الأولاد وتراهم يكبرون وتخاف عليهم من الفتن والشهوات والشبهات، فعلق قلبك بالله، وألح عليه بالدعاء، فعندها يتجدد في قلبك الأمل أن تراهم وقد قرت عينك بهدايتهم وصلاحهم.
وعندما يصيبك مرض أو داء، ويظل ملازما لك لفترة من الزمان، وترى أنه قد تمكن منك وأضرك في حياتك وعبادتك، فتذكر قرب ربك منك، وأنه يسمع دعائك، فقوي أملك في الله، وارفع يديك إلى السماء بالدعاء والبكاء والرجاء، وعندها يحدوك الأمل في الشفاء مهما طال الزمان واشتدت الأوجاع.
الإيمان بأن الله قادر على كي شيء: إننا بحاجة ماسة إلى تغذية الإيمان بالله تعالى على أساس واضح من الثقة الكاملة في قوة الله التي لا تُقهر؛ فالله وحده هو الخالق: ﴿ أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 17]، والله وحده هو المالك لهذا الكون: ﴿ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [آل عمران: 26].
عبادة الله تعالى: للعبادة أثر كبير في تهذيب النفوس و تطهير الضمائر و القلوب و مساعدة الإنسان على التخلص من الإمراض و العقد النفسية من خلال ممارسة العبادات و التوجه إلى الله بمختلف الطاعات كالدعاء والاستغفار و التسبيح و العبادة توثق الصلة بين الإنسان و ربه فيحسن الظن به و يتوكل عليه و يفوض الأمر إليه قال تعالى { الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ } (الرعد:28)
تلك الأيام نداولها بين الناس: قال تعالى: ﴿ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ ﴾ [آل عمران: 140]، فدوام الحال من المحال،فإن كنت في عسر اليوم فقد يأتيك الله بالفرج غدا وهكذا فاعتمد على الله ولا تيأس أبدًا.
الأمل للأمة كالروح للجسد([8]): فلولا الأمل ما بني بان، ولا غرس غارس، ولولا الأمل لما تحققت كل الإنجازات التي وصلت إليها البشرية. وذلك لأن المخترع لم يتمكن غالبا من تحقيق انجازه من أول مرة. أديسون بعدما أخطأ 999 مرة نجح في صنع أول مصباح كهربائي.
وإلا فما يدفع الزارع الي الكد والعرق ويرمي بحبات البذور في الطين؟ إنه أمله في الحصاد وجني الثمار.
وما الذي يغري التاجر بالأسفار والمخاطر ومفارقة الأهل والأوطان؟ إنه الأمل في الربح.
وما الذي يدفع الطالب إلي الجد والمثابرة والسهر والمذاكرة؟ إنه أمله في النجاح.
وما الذي يحفز الجندي إلي الاستبسال في القتال والصبر علي قسوة الحرب؟ إنه أمله في إحدى الحسنيين إما نصر وإما شهادة.
وما الذي يجعل المريض يتجرع الدواء المرير وربما في ببعض الأحيان أن يقطع من جسده في عملية جراحية؟إنه أمله في العافية.
وما الدافع الذي يجعل المؤمن يسلك سلوكا تكرهه نفسه وبه يخالف هواه ويطيع ربه؟ إنه أمله في مرضاة خالقه والجنة.
فالأمل قوة دافعة تشرح الصدر وتبعث النشاط في الروح والبدن، واليأس يولد الإحباط فيؤدي إلي الفشل.
قال أبو القاسم الشابي:
ولا بد لليل أن ينجــــــــلي * ولابد للقيد أن ينكســــــر
ومن يتهيب صعود الجبال * يعش أبد الدهر بين الحفر
وإذا كانت النفوس كبارا * تعبت في مرادها الأجسام
ثالثًا: الأمل في حياة الأنبياء والصالحين:
سيدنا نوح عليه السلام يظل الف سنة إلا خمسين عاما يدعو قومه إلى الإيمان وما أصابه اليأس و إنما وصل الليل بالنهار و السر بالجهار و الوعد بالوعيد حتى اخبره الله انه لن يؤمن من قومه إلا من قد آمن و أمره أن يصنع السفينة على قمة الجبل في أرض صحراء قحلاء لا زرع فيها ولا ماء و لكنه الأمل أن تجري السفينة في موج كالجبال قال تعالى: {وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ (38) فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ (39) حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ}هود
سيدنا إبراهيم عليه السلام: لقد بلغ من الكبر عتيا و لم يرزق الولد و لكنه لم ييأس جاءته البشرى بالولد قال تعالى: {قَالُوا لَا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ (53) قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ (54) قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ (55) قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ} [الحجر: 53 – 56]
سيدنا يعقوب عليه السلام : لم يستسلم نبي الله يعقوب عليه السلام لألم الفراق بل ظل يحدوه الأمل قرابة أربعين سنة و هو كله ثقة وامل في أن يجمع الله تعالى بين الاحبة حتى في أحلك الظروف يقول لأبنائه قال تعالى: {يَابَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف: 87] ، وإذا كان هذا اليأس مذمومًا في كل موقف لأنه ينافي الدين، ويعطل نظام الحياة فإن أسوأ ما في هذا اليأس أن يتحول من حالة فردية تنحصر في آحاد الناس إلى حالة جماعية تصاب بها الأمة؛ فتنهار قواها، وينفرط عقدها.
سيدنا يونس عليه السلام : قال تعالى: (وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (139) إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (140) فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ (141) فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ (142) فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (143) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (144) فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ (145) وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ (146)) الصافات. (أبق) هرب إلى حيث لا يهتدى إليه. (الفلك) السفينة. (فساهم) اشترك معهم في القرعة فيمن يلقى من السفينة لتخف حمولتها. (المدحضين) المغلوبين بالقرعة فألقي في البحر. (فالتقمه) فابتلعه. (مليم) يستحق أن يلام. (المسبحين) الذاكرين الله تعالى كثيرا وقوله {لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين}. أو أنه كان من المصلين من قبل. {للبث في بطنه إلى يوم يبعثون} لصار بطن الحوت قبرا له إلى يوم القيامة. (سقيم) عليل مريض من أثر التقام الحوت له. (كصاحب الحوت) هو يونس عليه السلام أي لا تكن كالذي التقمه الحوت في الضجر والغضب والعجلة. (إذ نادى) حين دعا ربه تعالى في بطن الحوت. (كظيم) ملأه الغم والهم ومكظوم بمعناه].
فلما كان عنده أمل في إجابة الله لدعاءه استجاب الله له ونجاه من بطن الحوت.
وعَنْ سَعْدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: دَعْوَةُ ذِي النُّونِ إِذا دَعَا رَبَّهُ وَهُوَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ (لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظالمينَ) لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيْءٍ إلاَّ استجابَ لَهُ "([9])
أم موسى نموذجا للأمل و الأمن النفسي: قال تعالى { وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ } القصص
سيدنا موسى عليه السلام: قال تعالى: (وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (20) فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (21)) القصص
وقال تعالى: (فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61) قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (62) فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (63)) الشعراء.
سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم: ظل في مكة ثلاثة عشر عاماً يدعو قومه إلى الإسلام، فيلقون دعوته بالاستهزاء، وقرآنه باللغو فيه، وحججه بالأكاذيب، وآياته بالتعنت والعناد، وأصحابه بالأذى والعذاب، فما لانت له قناة، ولا انطفأ في صدره أمل، ومع ذلك لما جاءه ملك الجبال ليعرض عليه إهلاكهم تحلى بالأمل أكثر وأكثر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ........فَنَادَانِي مَلَكُ الجِبَالِ فَسَلَّمَ عَلَيَّ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، فَقَالَ، ذَلِكَ فِيمَا شِئْتَ، إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمُ الأَخْشَبَيْنِ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلاَبِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ، لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا ) ([10])
وانظر إلى أمله صلى الله عليه وسلم وثقته في الله في الهجرة وعند الغار والغزوات وغيرها الكثير والكثير.....
أمل يخاطب خلسةً وجداني ***والطير يُثقل كاهل الأغصان
أمل أحس به إذا انهار الظلام ***وقام صرح الصبح كالبنيان
وأحسه والطفل يبتدئ الخطى ***يهوي فينهض واهن الأركان
والنمل يطلب رزقه متجلداً*** والنحل ينعش روضة البستان
وأُحسه والعشب يخترق الحصى*** ويقيم دولته على الكثبان
والزهر يخلف غيره ببهائه*** والماء يخرس ألسن النيران
أُحسه في الكون في حركاته*** وأُحسه في لوحة الفنان
أملٌ يراودني وإن قيدت ***بالأغلال أو عذبت بالإحسان
أملٌ يروادني وإن أُلجمت ***قلة حيلتي فَكتمت سحر بياني
ويظل يحدوني على رغم الجراح*** تفتني وتغوص في وجداني
أملٌ يحدثني بعودة عِزّتي ***وكرامتي وجحافلِ الإيمان
امرأة أُصيبت بمرَض السرطان، فاستشارتِ الأطباء ونصحُوها باستئصالِ الثدي، وشُرْب أدوية وعقاقير معيَّنة تُسقِط الشعر، وتُذهِب بجمالِ الصورة، فقرَّرتِ السفر والمحاولة لطلبِ العِلاج إلى بلجيكا، ثم فرنسا، وبعدَ محاولات عِدَّة وصلتْ إلى طريق مسدودة، وشاءتِ الأقدار أن تجعَل زيارتَها الأخيرة إلى بيْت الله الحرام، وأداءِ العمرة، ومِن خلالِ لقاءاتِها بعددٍ من المعتمرات نصحْنَها أن تغتسلَ بماء زمزم، وبعدَ الإلْحاح بالدعاء، والتضرُّع لله سبحانه، وطلَب المعونة ذَهَب ما كان بها مِن أورام في جسدِها، ورجعتْ إليها عافيتُها وصحتُها.
قال ابن عثيمين: (قد حدَّثني شيخنا المثابر عبد الرحمن السعدي رحمه الله أنَّه ذكر عن الكسائي إمام أهل الكوفة في النحو أنه طلب النحو فلم يتمكن، وفي يوم من الأيام وجد نملة تحمل طعامًا لها وتصعد به إلى الجدار، وكلما صعدت سقطت، ولكنها ثابرت حتى تخلصت من هذه العقبة، وصعدت الجدار، فقال الكسائي: هذه النملة ثابرت حتى وصلت الغاية، فثابر حتى صار إمامًا في النحو، فينبغي أن نثابر ولا نيأس؛ فإن اليأْس معناه سدُّ باب الخير، وينبغي لنا ألا نتشاءم، بل نتفاءل، وأن نعِد أنفسنا خيرًا)
رابعًا: التحذير من اليأس والقنوط
نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن اليأس: عَنْ خَبَّابٍ قَالَ أَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً فِى ظِلِّ الْكَعْبَةِ فَشَكَوْنَا إِلَيْهِ فَقُلْنَا أَلاَ تَسْتَنْصِرْ لَنَا أَلاَ تَدْعُو اللَّهَ لَنَا فَجَلَسَ مُحْمَرًّا وَجْهُهُ فَقَالَ « قَدْ كَانَ مَنْ قَبْلَكُمْ يُؤْخَذُ الرَّجُلُ فَيُحْفَرُ لَهُ فِى الأَرْضِ ثُمَّ يُؤْتَى بِالْمِنْشَارِ فَيُجْعَلُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُجْعَلُ فِرْقَتَيْنِ مَا يَصْرِفُهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ عَظْمِهِ مِنْ لَحْمٍ وَعَصَبٍ مَا يَصْرِفُهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ وَاللَّهِ لَيُتِمَّنَّ اللَّهُ هَذَا الأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مَا بَيْنَ صَنْعَاءَ وَحَضْرَمَوْتَ مَا يَخَافُ إِلاَّ اللَّهَ تَعَالَى وَالذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ وَلَكِنَّكُمْ تَعْجَلُونَ » ([11]).
اليأس من صفات الكافرين: قال تعالى: ( يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِن
رَّوْحِ اللَّـهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّـهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) ﴿يوسف: ٨٧﴾
يعتبر سوء أدب مع الله سبحانه وتعالى، فقال تعالى: ﴿ وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَؤُوسًا ﴾ [الإسراء: 83].
سبب لفساد القلب: قال ابن القيم: فَالْكَبَائِرُ: كَالرِّيَاءِ، وَالْعُجْبِ، وَالْكِبْرِ، وَالْفَخْرِ، وَالْخُيَلَاءِ، وَالْقُنُوطِ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ، وَالْيَأْسِ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ، وَالْأَمْنِ مِنْ مَكْرِ اللَّهِ، وَالْفَرَحِ وَالسُّرُورِ بِأَذَى الْمُسْلِمِينَ، وَالشَّمَاتَةِ بِمُصِيبَتِهِمْ، وَمَحَبَّةِ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِيهِمْ، وَحَسَدِهِمْ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ، وَتَمَنِّي زَوَالِ ذَلِكَ عَنْهُمْ، وَتَوَابِعِ هَذِهِ الْأُمُورِ الَّتِي هِيَ أَشَدُّ تَحْرِيمًا مِنَ الزِّنَا، وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَغَيْرِهِمَا مِنَ الْكَبَائِرِ الظَّاهِرَةِ، وَلَا صَلَاحَ لِلْقَلْبِ وَلَا لِلْجَسَدِ إِلَّا بِاجْتِنَابِهَا، وَالتَّوْبَةِ مِنْهَا، وَإِلَّا فَهُوَ قَلْبٌ فَاسِدٌ، وَإِذَا فَسَدَ الْقَلْبُ فَسَدَ الْبَدَنُ ([12]).
من صفات أهل الضلال: قال تعالى: ﴿ قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَ ﴾ (الحجر: 56).
من موانع إجابة الدعاء: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «لَا يَزَالُ يُسْتَجَابُ لِلْعَبْدِ، مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ، مَا لَمْ يَسْتَعْجِلْ» قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ مَا الِاسْتِعْجَالُ؟ قَالَ: يَقُولُ: «قَدْ دَعَوْتُ وَقَدْ دَعَوْتُ، فَلَمْ أَرَ يَسْتَجِيبُ لِي، فَيَسْتَحْسِرُ عِنْدَ ذَلِكَ وَيَدَعُ الدُّعَاءَ»([13])
عباد الله: إن الأمل قوة دافعة تشرح الصدر للعمل، وتخلق دواعي الكفاح من أجل الواجب، وتبعث النشاط في الروح والبدن، وتدفع الكسول إلى الجد، والمجد إلى المداومة على جده، كما أنه يدفع المخفق إلى تكرار المحاولة حتى ينجح، ويحفز الناجح إلى مضاعفة الجهد ليزداد نجاحه، والإيمان يبعث في النفس الأمل ويدفع عنها اليأس والأسى، والمؤمن الصادق يرى أن الأمور كلِّها بيد الله تعالى فيحسن ظنه بربه ويرجو ما عنده من خير، فما أضيق العيش في الدنيا لولا فسحةُ الأمل.
فاحذروا يا عباد الله من ضياع العمر في غير طاعة، وخافوا من التسويف، فهو بئس البضاعة، فكم من مؤملٍ لم يبلغ ما أمَّله، وحيل بينه وبين ما كان يرجو عمله. أسأل الله تعالى أن يمن علينا بالأمل الذي يوصلنا إلى العمل الصالح الرشيد، والفوز بجنة الخلد عند رب كريم عظيم
وصلِّ اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
إعداد: الشيخ احمد أبو عيد
01098095854
تعليقات: (0) إضافة تعليق