الحمد لله رب العالمين واشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين واشهد أن محمدا عبد الله ورسوله
وبعد
العناصـــــــــر
أولاً:فضل شهر شعبان
ثانياً:الواجب علي المسلم فيه
ثالثا:هل أنت من أهل الغفلة؟
الموضــــــــــــــوع
أولاً:فضل الصيام في شهر شعبان
1-أكثر الشهور صياما بعد رمضان
فعن عائشة رضي الله عنها :"لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ يَصُومُ شَهْرًا أَكْثَرَ مِنْ شَعْبَانَ، فَإِنَّهُ كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ" رواه البخاري
وعن أبي سلمة ، أن عائشة رضي الله عنها ، حدثته قالت : "لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يصوم شهرا أكثر من شعبان ، فإنه كان يصوم شعبان كله "صحيح
وعن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنها قالت : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول : لا يفطر ، ويفطر حتى نقول : لا يصوم ، وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر قط إلا رمضان وما رأيته في شهر أكثر منه صياما في شعبان "صحيح مسلم
وعن أبي سلمة ، قال : سألت عائشة رضي الله عنها ، عن صيام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالت : " كان يصوم حتى نقول : قد صام ويفطر حتى نقول : قد أفطر ، ولم أره صائما من شهر قط ، أكثر من صيامه من شعبان كان يصوم شعبان كله ، كان يصوم شعبان إلا قليلا "صحيح مسلم
قال ابن حجر رحمه الله : ولا تعارض بين هذا وبين ما تقدم من الأحاديث في النهى عن تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين، وكذا ما جاء من النهى عن صوم نصف شعبان الثاني، فإن الجمع بينهما ظاهر بان يحمل النهى على من لم يدخل تلك الأيام في صيام اعتاده، وفي الحديث دليل على فضل الصوم في شعبان . فتح الباري (4/215) . – عن عائشة رضي الله عنها قالت : “كان أحب الشهور إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصومه شعبان ثم يصله برمضان”. صحيح الترغيب والترهيب
2-ترفع الاعمال فيه الي الله ويغفل الناس فيه عن الطاعة
عن أسامة بن زيد : قُلتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ قَالَ"ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ العَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ"صحيح الجامع
قال الإمام ابن رجب الحنبلى رحمه الله: وفى هذا الحديث فؤائد: أحدهما: أنه شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، يشير إلى أنه لما اكتنفه شهران عظيمان الشهر الحرام وشهر الصيام اشتغل الناس بهما عنه، فصار مغفولاً عنه.
وفي قوله: (يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان) إشارة إلى أن بعض ما يشتهر فضله من الأزمان أو الأماكن أو الأشخاص قد يكون غيره أفضل منه، إما مطلقا أو لخصوصية فيه لا يتفطن لها أكثر الناس فيشتغلون بالمشهور عنه، ويفوتون تحصيل فضيلة ما ليس بمشهور عندهم0 وفيه: دليل على استحباب عمارة أوقات غفلة الناس بالطاعة، وأن ذلك محبوب لله عز وجل، كما كان طائفة من السلف .
وقال الإمام ابن رجب الحنبلى رحمه الله: (قيل في صوم شعبان أن صيامه كالتمرين على صيام رمضان لئلا يدخل في صوم رمضان على مشقة وكلفة، بل يكون قد تمرن على الصيام واعتاده ووجد بصيام شعبان قبله حلاوة الصيام ولذته فيدخل في صيام رمضان بقوة ونشاط.ولما كان شعبان كالمقدمة لرمضان شرع فيه ما يشرع في رمضان من الصيام وقراءة القرآن ليحصل التأهب لتلقي رمضان وترتاض النفوس بذلك على طاعة الرحمن.قال سلمة بن كهيل: كان يقال: شهر شعبان شهر القراء، وكان حبيب بن أبي ثابت إذا دخل شعبان قال: هذا شهر القرّاء . وكان عمرو بن قيس الملائي إذا دخل شعبان أغلق حانوته وتفرّغ لقراءة القرآن (لطائف المعارف
3-قال العلماء: ورفع الأعمال على ثلاث درجات :
أ-رفع يومى ويكون ذلك فى صلاة الصبح وصلاة العصر
فعن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ، ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر ، ثم يعرج الذين باتوا فيكم ، فيسألهم وهو أعلم بهم : كيف تركتم عبادي ؟ فيقولون : تركناهم وهم يصلون ، وأتيناهم وهم يصلون"البخارى ومسلم
وعَنْ أَبِي مُوسَى t قَالَ: قَامَ فِينَا رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ فَقَالَ: «إِنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ لَا يَنَامُ وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ، يَخْفِضُ الْقِسْطَ وَيَرْفَعُهُ، يُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ عَمَلِ النَّهَارِ، وَعَمَلُ النَّهَارِ قَبْلَ عَمَلِ اللَّيْلِ، حِجَابُهُ النُّورُ لَوْ كَشَفَهُ لَأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ». مسلم
ب-رفع أسبوعى ويكون فى يوم الخميس
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن أعمال بني آدم تعرض كل خميس ليلة الجمعة فلا يقبل عمل قاطع رحم"صحيح الترغيب والترهيب وحسنه الالباني
ج-رفع سنوى ويكون ذلك فى شهر شعبان
عن أسامة بن زيد : قُلتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ قَالَ"ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ العَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ"صحيح الجامع
4-مغفرة الذنوب
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله ليطلع في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن ] . ( صحيح ) .السلسلة الصحيحة
( المشرك : كل من أشرك مع الله شيئا في ذاته تعالى أو في صفاته أو في عبادته .
والمشاحن : قال ابن الأثير : هو المعادي والشحناء : العداوة والتشاحن تفاعل منه
وقال الأوزاعي : أراد بالمشاحن ها هنا صاحب البدعة المفارق لجماعة الأمة )
وعن مكحول عن أبي ثعلبة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يطلع الله إلى عباده ليلة النصف من شعبان فيغفر للمؤمنين ويمهل الكافرين ويدع أهل الحقد بحقدهم حتى يدعوه. صحيح لغيره في صحيح الترغيب والترهيب
وعن أبي موسى قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " ينزل ربنا تبارك وتعالى إلى سماء الدنيا ليلة النصف من شعبان فيغفر لأهل الأرض إلا مشرك أو مشاحن"صحيح لغيره . ظلال الجنة
5- تحويل القبلة
وهو حدَثٌ عَظيم في تاريخ الأمَّة الإسلاميَّة؛ حيث كان تحويل القِبلة في البَدْء من الكعبة إلى بيت المقدس لحكمةٍ تربوية؛ وهي العمل على تقويةِ إيمان المؤمنين وتنقِية النُّفوس من شوائب الجاهلية: ﴿ وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ ﴾ [البقرة: 143].
وبعد أن استتبَّ الأمرُ لدولةِ الإسلام في المدينة صدر الأمرُ الإلهِي الكريمُ بالاتِّجاه إلى المسجد الحرام؛ ليس تقليلاً مِن شَأن المسجد الأقصى ولا تنزيلاً من شأنه، لكنْ ربطًا لقلوب المسلمين بحقيقةٍ أخرى هي حقيقةُ الإسلام؛ حيث رفَع سيِّدنا إبراهيم وسيدُنا إسماعيل قواعدَ هذا البيت العتيق ليكون خالصًا لله، وليكون قبلةً للإسلام والمسلمين، وليؤكِّد أنَّ دين الأنبياء جميعًا هو الإسلام: ﴿ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [الحج: 78].
وقد كرَّم الله نبيَّه صلى الله عليه وسلم في هذه اللَّيلة بأن طيَّب خاطرَه بتحويل القِبلة والاستجابة لهوى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: ﴿ قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ﴾ [البقرة: 144].
فشهر شَعبان شهرٌ عظيم، عظَّمه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فحريٌّ بِنا أن نعظِّمه، وأن نكثر مِن العبادة والاستغفار فيه تمامًا كما جاء وصحَّ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم في ذلك.
شعبان أقبلَ بالمحبة والصفا ***** ليذيب أحزان التشاحن والجفا
شعبان أستاذ يعلمنا الإخا ******* ويقول للمتباغضين ألا كفى
شعبان مطهرةُ الذنوبِ ومطلع **** لنسيمِ شهر بالصيام تشرّفا
زمن لترويض النفوس لكي ترى *** رمضانَ بستانَ اللذاذة والصفا
يهديكمُ حلل الصيام وكل ما ****** يجلو القلوب على طريق المصطفى
طوبى لعبد جدّ في خيراته ****** وقضى مآرب روحه وتزلفا
ثانياً:الواجب علي المسلم فيه
1-التوبة والرجوع إلى الله
عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال فيما يحكي عن ربه عز وجل: «أَذْنَبَ عَبْدٌ ذَنْبًا فَقَالَ: اللهمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي. فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا، فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ. ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ، فَقَالَ: أَيْ رَبِّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي. فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: عَبْدِي أَذْنَبَ ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ. ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ، فَقَالَ: أَيْ رَبِّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي. فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا، فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ، اعْمَلْ مَا شِئْتَ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكَ» رواه مسلم. أي: ما دمت تذنب وتستغفر فإني أغفر لك.
فعاهد ربك من الآن على التوبة والأوبة ،وعاهد ربك على ترك الحرام،وعاهد ربك على ترك الذنوب والمعاصي ،وعاهد ربك على ترك الربا ،وعاهد ربك على ترك أكل أموال اليتامى ،وعاهد ربك على ترك العقوق ،وعاهد ربك على ترك الإساءة إلى الجيران والأصحاب،وعاهد ربك من الآن على المحافظة على الأوامر على الإبتعاد عن النواهي ما استطعت إلى ذلك سبيلاً ،وعاهد ربك على الوقوف عند الحدود وأنت في غاية الحب لله والرضا عن الله ،وعاهد ربك الآن على إخراج حقه جل جلاله في المال اخرج زكاة مالك اخرج الصدقة ،استعد من الآن وخصص للحج إن لم تكن قد حججت الفريضة وقد وسع الله عليك ومنَ عليك بالإستطاعة.
عاهد ربك من الآن وأنت الآن تجلس بين يديه أو وأنت تستمع إلي في أي مكان في الأرض،وعاهد ربك على أن تصدق في طلب ذلك من الله جل جلاله ،فمن صدق اللهَ صدقه الله
والله لو صدقت الله في أن تقوم الليل لأقامك بين يديه بالليل ،ووالله لو صدقت الله في أن تغض بصرك عن الحرام لأعانك على غضِ بصرك عن الحرام،ووالله لو صدقت الله في كفِ لسانك عن الغيبة والنميمة والكذب وترك أكل الربا وترك أكل أموال اليتامى إلى غير ذلك والله لأعانك عل ذلك ،فاستعن بالله واصدق.
2-عمارة أوقات غفلة الناس بالطاعة والعمل الصالح
قال الإمام ابن رجب الحنبلى رحمه الله:
وفي إحياء الوقت المغفول عنه بالطاعة فوائد:
الفائدة الأولى:
أنه يكون أخفى، وإخفاء النوافل وإسرارها أفضل. لا سيما الصيام فإنه سر بين العبد
وربه. ولهذا قيل: إنه ليس فيه رياء.
وقد صام بعض السلف أربعين سنة لا يعلم به أحد، كان يخرج من بيته إلى سوقه ومعه رغيفان فيتصدق بهما ويصوم، فيظن أهله أنه أكلهما ويظن أهل السوق أنه أكل في بيته.
وكانوا يستحبون لمن صام أن يظهر ما يخفي به صيامه
فعن ابن مسعود: أنه قال: إذا أصبحتم صياما فأصبحوا مدهنين.
وقال قتادة: يستحب للصائم أن يدهن حتى تذهب عنه غبرة الصيام.
وقال أبو التياح: أدركت أبي ومشيخة الحي إذا صام أحدهم ادهن ولبس صالح ثيابه.
الفائدة الثانية:
أنه أشقّ على النفوس، وأفضل الأعمال أشقها على النفوس، وسبب ذلك أن النفوس تتأسى بما تشاهد من أحوال أبناء الجنس، فإذا كثرت يقظة الناس وطاعاتهم كثر أهل الطاعة لكثرة المقتدين بهم فسهلت الطاعات، وإذا كثرت الغفلات وأهلها تأسى بهم عموم الناس، فيشقّ على نفوس المستيقظين طاعاتهم لقلة من يقتدون بهم فيها، ولهذا المعنى قال النبي صلى الله عليه وسلم :(للعامل منهم أجر خمسين منكم، إنكم تجدون على الخير أعوانا ولا يجدون).
الفائدة الثالثة:
أن المفرد بالطاعة من أهل المعاصي والغفلة قد يدفع البلاء عن الناس كلهم، فكأنه يحميهم ويدافع عنهم.
وقال الإمام ابن الجوزى رحمه الله:
واعلم أن الأوقات التي يغفل الناس عنها معظمة القدر لاشتغال الناس بالعادات والشهوات ، فإذا ثابر عليها طالب الفضل دل على حرصه على الخير . ولهذا فضل شهود الفجر في جماعة لغفلة كثير من الناس عن ذلك الوقت ، وفضل ما بين العشاءين وفضل قيام نصف الليل ووقت السحر
وَأَمَّا حَالُ السَّلَفِ الصَّالِحِ فِي شَعْبَانَ فَهُوَ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا دَخَلَ شَهْرُ شَعْبَانَ، أَقْبَلُوا عَلَى مَصَاحِفِهْمِ فَقَرَأُوهَا، وَأَخْرَجُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ لِيُعِينُوا غَيْرَهُمْ عَلَى طَاعَةِ اللهِ فِي رَمَضَانَ. وَتَرَكُوا الْكَثِيرَ مِنْ مَشَاغِلِ الدُّنْيَا، وَأَخَذُوا يَسْتَعِدُّونَ فِيهِ لاِسْتِقْبَالِ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَأَكْثَرُوا فِيهِ مِنَ الصِّيَامِ وَالذِّكْرِ وَالْقِيَامِ، وَكَانُوا يَقُولُونَ عَنْ شَهْرِ شَعْبَانَ إِنَّهُ شَهْرُ الْقُرَّاءِ.
3-كثرة الصيام
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" لا يصوم عبد يوماً في سبيل الله إلا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفاً "
وعن أبي أُمامة رضي الله عنه قال : قلت :يا رسول الله مرني بعمل ينفعني الله به قال: "عليك بالصوم فإنه لا عدل له "وفي رواية قال صلى الله عليه وسلم: " عليك بالصيام فإنه لا مثل له"
وعن حذيفة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" من خُتم له بصيام يوم دخل الجنة "
قال الإمام المناوي: " أي من ختم عمره بصيام يوم بأن مات وهو صائم أو بعد فطره من صومه دخل الجنة مع السابقين الأولين ، أو من غير سبق عذاب
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال : " الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة ، يقول الصيام : أي رب منعته الطعام والشهوة ، فشفعني فيه ، ويقول القرآن : رب منعته النوم بالليل فشفعني فيه ، قال: فيشفعان "
4-صيام النصف الثاني منه اذا وافق عادة لصائمه
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا انتصف شعبان فلا تصوموا " . ( صحيح ) مشكاة المصابيح
أما ان كانت هذه عادته فلا بأس في صومه بإذن الله
5-المسارعة الي الله والتزود من العمل الصالح
قال تعالى (وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ )آل عمران133
وقال تعالى (وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ)البقرة197
6-البعد عن الشحناء
عن ابي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تفتح أبواب الجنة يوم الإثنين ويوم الخميس فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئا إلا رجلا كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقال : انظروا هذين حتى يصطلحا " . رواه مسلم
ثالثا:هل أنت من أهل الغفلة؟
1- الغفلةَ! ذلك الدَّاء الكبير، والخطر الأكبر
فكم أهلكت من خلائق؟! وكم أفسدت من قلوب، وصدت عن حقائق؟!
وصف الله تعالى بها أعداءه الكافرين، والعصاة الظالمين، وأهل ناره الخاسرين
قال الله تعالى: ﴿ وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ ﴾ [الأنبياء: 97]، وقال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ﴾ [الأعراف: 179]، الغفلة: سلطان إبليس على القلوب، وفرحته التي يجدها منَ الخلق.
2-لقد عمَّت الغفلة، حتى أصبح أكثرهم يعيش عيش الأنعام
يعيشون لشهواتهم وملذاتهم؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ ﴾ [محمد: 12]، قليلٌ أولئك الذين عرفوا الغاية التي خُلقوا من أجلها، فسعوا إلى تحقيقها، فسلموا من شرور الغفلة، فيا مَن أردتَ السعادة في الدنيا والآخرة، هذه وقفة أخرى من دروس المحاسبة، كان رسول الله صَلَّى الله عليه وسَلَّم يصوم في شعبان؛ لغفلة الناس عن فضله، فأين أنت؟هل أنت من أهل الغفلة؟
لقد استفحل داء الغفلة، وكثُر أصحابه في كل مجمع، وفي كل مكان، فترى الأكثرين سكارى، لا يدرون إلى أين يسيرون، حيارى، تائهين! فترى هذا مشغولاً بتجارته، وتكثير أمواله من حلال أو حرام، وهذا مشغول بزراعته في ليله ونهاره، وهذا مشغول بحساب رصيده الفاني، فهو في ليله ونهاره يحسب في أمواله، وإذا نام، كانت أحلامه مواصلة لذلك الحساب!!
وآخرُ عكف على الشهوات، فهو مشغول بتلبية شهواته البهيميَّة، وآخر غارق في أنواع من المعاصي، يفتتح يومه بمعصية، ويختمه بمعصية، وآخر لا يدري: لِمَ خُلِق؟ ولا ماذا يجب عليه؟! حتى قال بعضهم:
جِئْتُ لا أَعْلَمُ مِنْ أَيْنَ ولكنّي أَتَيْتُ*** وَلَقَدْ أَبْصَرْتُ قُدَّامِي طَرِيقًا فَمَشَيْتُ
وَسَأَبْقَى مَاشِيًا إِنْ شِئْتُ هَذَا أَمْ أَبَيْتُ** كَيْفَ جِئْتُ؟ كَيْفَ أَبْصَرْتُ طَرِيقِي؟
لَسْتُ أَدْرِي!
وآخرُ يقول: لا أُسَلِّم بالمكتوب، ولا أرضى أبات مغلوب، وغير ذلك كثير، خَلْقٌ سَيْطَرَتْ عليهم الغفلة، وكَسَتْهم من ثيابها ألوانًا
قال نصر بن محمد السمرقندي: ويقال: "الناس يصبحون على ثلاثة أصناف:
صنفٍ في طلب المال، وصنفٍ في طلب الإثم، وصنف في الطريق، فأما من أصبح في طلب المال، فإنه لا يأكل فوق ما رزقه الله تعالى وإن أَكْثَرَ المالَ، ومن أصبح في طلب الإثم، لحقه الهوان والإثم، ومن أصبح في طلب الطريق، أتاه الله - تعالى - الرزق والطريق".
فانظر أخي المسلم من أي الأصناف أنت؟
وإيَّاك أن تَتَّكل على عمل صالح قليل عملتَه، فتظن نفسك أنَّكَ بعيد عن أهل الغفلة؛ بل الواجب عليك أن تتهم نفسك دائمًا، وتنظر إليها بعين التقصير؛ فإن ذلك من علامات
النجاة، فهاهم الصالحون يحاسبون أنفسهم، ويتهمونها بالغفلة.
كان عون بن عبدالله رحمه الله يقول: "وَيْحِي! كيف أغفل عن نفسي، وملك الموت ليس بغافل عني؟! وَيْحِي! كيف أَتَّكِلُ على طول الأمل، والأجل يطلبني؟!"
وكان محمد بن النضر الحارثي رحمه الله يقول: "تذَكَّرْ أنَّكَ لن يُغْفَلَ عنك، فبادِرْ إلى العمل الصالح، قبل أن يُحَال بينك وبينه".
فيا أيها الغافل، ويا أيها اللاهي الساهي، تذكر أنَّكَ لن يُغْفلَ عنك، فبادر إلى العمل الصالح، قبل أن يُحَال بينك وبينه.
جَهُولٌ لَيْسَ تَنْهَاهُ النَّواهِي*** وَلاَ تَلْقَاهُ إِلاَّ وَهْوَ سَاهِي
يَسِيرُ بِيَوْمِهِ لَعِبًا وَلَهْوًا **** وَلاَ يَدْرِي وَفِي غَدِهِ الدَّوَاهِي
قال سلمان الفارسي رضي الله عنه: "ثلاث أعْجَبَتني حتى أَضْحَكَتْني: مُؤَمِّل الدنيا والموت يطلبه، وغافل يَغْفَل ليس يُغْفَل عنه، وضاحك مَلْءَ فِيهِ ولا يدري:أساخطٌ رب العالمين عليه أم راضٍ؟!"
أخي المسلمَ:أسوأ ما في الغفلة أنها تُبْعِدُ صاحبَها عن الله تعالى فالغافلون بعيدونَ عن الله.
أخي المسلمَ:الغفلة طريق ذو شرور، إذا سَلَكَه سالكٌ حتى نهايته، أوصله إلى النار
3-علاماتِ الغفلة
أ- حب الدنيا
حبُّ الدُّنيا، ذلك الدَّاء الخطير، الذي أهلك الكثيرينَ، وما زال يهلك الكثيرين، ممن انشغلوا بالدنيا.
ب- طول الأمل
طول الأمل، شَغَل الكثيرينَ عن تذكُّر الموت والقبر والحساب، فترى صاحب الأمل يُمَنِّي نفسه بالأماني العريضة، كأنَّه سيُخَلَّد في الدُّنيا.
قال الحسن البصري رحمه الله: "ما أطال عبدٌ الأملَ إلاَّ أساءَ العمل"
وقال بعض الحكماء: "الأمل سلطان الشيطان على قلوب الغافلين".
طول الأمل أكبر داعٍ إلى الغفلة؛ إذ يَتَوَلَّد عنه الكسل عنِ الطاعات، والوقوع في المعاصي، وتسويف التَّوبة، والانشغال بالدُّنيا، وقسوة القلب.
ج- المعاصي
المعاصي تَصُدُّ عنِ الطاعات، وخاصة إذا كثرت مع الإصرار وعدم الاستغفار؛ فإنَّ ذلكَ من أسباب الغفلة.
قال ابن القيم: "فمِمَّا ينبغي أن يُعْلمَ: أنَّ الذُّنوب والمعاصي تضرُّ ولا بدَّ، وإن ضَرَرها في القلب كَضَرَر السموم في الأبدان، على اختلافِ درجاتها في الضَّرر، وهل في الدُّنيا والآخرة شر وداء إلاَّ سببُه الذنوبُ والمعاصي؟!"
أخي المسلمَ:تلك هي أهم العلامات في طريق الغفلة، وتحت تلك العلامات تندرج
أشياء كثيرة، فضعْ نفسَك في ميزان المُحَاسَبة، فتأمَّل في حالكَ: هل أنت منَ الواقعينَ في شيء من تلك العلامات؟
فاعمل - أيها العاقل - قبل نزول الآجال، وانقطاع الآمال.
إِنَّا لَنَفْرَحُ بِالأَيَّامِ نَقْطَعُهَا ***وَكُلُّ يَوْمٍ مَضَى يُدْنِي مِنَ الأَجَلِ
فَاعْمَلْ لِنَفْسِكَ قَبْلَ المَوْتِ مُجْتَهِدًا **فَإِنَّمَا الرِّبحُ وَالخُسْرَانُ فِي العَمَلِ
فيا ملتمسًا لسبيل فلاحه، حاسب نفسك اليوم، وعالج أدواءها، قبل أن تهلكَ
د-علاج الغفلة
أ-الإكثار منَ الطاعات:
لأنَّ الطَّاعة تُقَرِّب منَ الله تعالى كما أنَّ المعصية تُبْعِد عنِ الله تعالى فكُلما كَثُرتِ الطَّاعات، ازْدَاد العبد قربًا منَ الله تعالى لذلكَ؛ قالَ رسولُ الله صَلَّى الله عليه وسَلَّم: ((لَيَنْتَهِيَنَّ أقوامٌ عن وَدْعِهِمُ الْجُمُعَاتِ، أو لَيَخْتِمَنَّ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ، ثُمَّ لَيَكُونُنَّ مِنَ الْغَافِلِينَ))[10].
ب-الإكثار من ذكر الله تعالى:
ذكر الله تعالى حياةٌ للقلوب، وغيثٌ للنفوس، فكثرةُ ذِكْرِك لله تعالى جلاءٌ لقلبكَ مِن أدرانِ الغفلة؛ قال أبو محمد بن علي الزاهد: "خرجنا في جنازة بالكوفة، وخرج فيها داود الطائي، فانتبذ، فقعد ناحيةً وهي تدفن، فجئت فقعدتُ قريبًا منه، فَتَكَلَّمَ، فقال: مَن خاف الوعيدَ، قَصُرَ عليه البعيد، ومَن طال أمله ضعف عمله، وكل ما هو آتٍ قريبٌ!".
ج-تَذَكُّر القبر:
القبر مَنْزلة الوَحشة، وبيت الوحدة، أهواله فظيعة، ولحظاتُه شديدة، ماذا أعددت له؟ تَذَكَّر تلك الحفرة، والتي لا ينجيكَ مِن أهوالها إلاَّ العمل الصالح.
هذا الربيع بن خثيم رحمه الله حفر في داره قبرًا، فكان إذا وجد في قلبه قساوة، دخل فيه، فاضطجع فيه، ومكث ساعة، ثم قال: ﴿ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ﴾ [المؤمنون: 99 - 100].
ثم يقول: يا ربيع قد أُرْجِعْتَ، فاعمل الآن قبل أن لا تَرْجِعَ.
د- تذكر فضل العبادة وقت الغفلة
فعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ : " ثَلاثَةٌ يُحِبُّهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ، يَضْحَكُ إِلَيْهِمْ وَيَسْتَبْشِرُ بِهِمْ ، الَّذِي إِذَا انْكَشَفَتْ فِئَةٌ , قَاتَلَ وَرَاءَهَا بِنَفْسِهِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، فَإِمَّا أَنْ يُقْتَلَ ، وَإِمَّا أَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَيَكْفِيهِ ، فَيَقُولُ : انْظُرُوا إِلَى عَبْدِي كَيْفَ صَبَّرَ لِي نَفْسَهُ ، وَالَّذِي لَهُ امْرَأَةٌ حَسْنَاءُ وَفِرَاشٌ لَيِّنٌ حَسَنٌ ، فَيَقُومُ مِنَ اللَّيْلِ فَيَذَرُ شَهْوَتَهُ , فَيَذْكُرُنِي وَيُنَاجِينِي وَلَوْ شَاءَ لَرَقَدَ ، وَالَّذِي يَكُونُ فِي سَفَرٍ وَكَانَ مَعَهُ رَكْبٌ , فَسَهَرُوا وَنَصَبُوا ثُمَّ هَجَعُوا , فَقَامَ فِي السَّحَرِ فِي سَرَّاءٍ أَوْ ضَرَّاءٍ " .السلسلة الصحيحة
فإن مما يضاعف ثوابه في شدة الحر من الطاعات: الصيام لما فيه من ظمأ الهواجر،
ولهذا كان معاذ بن جبل عند احتضاره يتأسف على ما يفوته من ظمأ الهواجر وكذلك غيره من السلف، ولما أصيب ابن عمر رضي الله عنه قال : ما تركت خلفي شيئاً من الدنيا آسى عليه غير ظمأ الهواجر وغير مشي إلى الصلاة ، وقد ورد أن الصديق رضي الله عنه كان يصوم في الصيف ويفطر في الشتاء ، وقد وصى الفاروق رضي الله عنه عند موته ابنه عبد الله فقال له: عليك بالصيام في شدة الحر في الصيف، وكانت عائشة رضي الله عنها تصوم في الحر الشديد، وكان مجمع التيمي – رحمه الله – يصوم في الصيف حتى يسقط، وكانت بعض الصالحات تتوخى أشد الأيام حراً فتصومه فيقال لها في ذلك ، فتقول: إن السعر إذا رخص اشتراه كل أحد، وفيه إشارة إلى أنها لا تؤثر إلا العمل الذي لا يقدر عليه إلا قليل من الناس لشدته عليهم، وهذا من علو الهمة، وقد كان أبو الدرداء رضي الله عنه يقول: صوموا يوماً شديداً حره لحر يوم النشور، وصلوا ركعتين في ظلمة الليل لظلمة القبور، وآثار الصحابة والتابعين في ذلك كثيرة لا يتسع المقام لذكرها.
إن أيام عمرنا تتصرم , وساعات حياتنا تنقضي .. فقدم لنفسك صالحاً قبل حلول ساعة الأجل , وهذا الغنيمة بين يديك , ولئن كان النهار طويلاً والحر شاقاً في هذه الفترة فأنت ترجو الراحة الأبدية في جنات الخلود
ذ-المؤمن لا يغفل عن طاعة الله
إذا غفل الناس عن شعبان، لم يكن للمؤمنين أن يغفلوا عنه، فإن المؤمنين مُقْبِلون دوماً على ربهم، لا يغفلون عن ذكره، ولا ينقطعون عن عبادته، فلذلك هم دائماً وقوف ببابه، يلذون بجنابه, عزهم في الانكسار والتذلل له، لذَّتُهم في مناجاته, حياتهم في طاعته وعبادته، ويزدادون طاعة وعبادة في مواسم الطاعات، ويتعرضون للنفحات لعل الله أن يرزقهم الجنات، وينجيهم من اللفحات.
ويزدادون طاعة وعبادة كذلك في وقت الهرج, وحين يغفل الناس ينبغي للمؤمنين أن يكونوا في شأن غير شأن الناس, الذين هم أهل الغفلة، كما قال الحسن البصري ـ رحمه الله ـ: “المؤمن في الدنيا كالغريب، لا يجزع من ذلها، ولا ينافس في عزِّها، له شأن وللناس شأن”، فعلى المؤمنين في وقت الغفلة أن يزدادوا قرباً وطاعة لله تعالى، وهذا ما كان يَحثُّ عليه النبي – صلى الله عليه وسلم -.
واعلموا أن العمل وقت الغفلة محبوبٌ لله تعالى, لذا حثَّ عليه – صلى الله عليه وسلم -، فاستحب النبي – صلى الله عليه وسلم – القيام وسط الليل وقت غفلة الناس، فقد أخرج الترمذي أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال لبعض أصحابه: “إن استطعت أن تكون ممن يذكر الله في تلك الساعة فكن”"مشكاة المصابيح –صحيح" .
فهذا الوقت هو وقت نوم الناس وغفلتهم, فإذا قام المؤمن لرب العالمين ليفوز بجنة النعيم, فلا يستوي هو ومن آثر الوسادة على العبادة, وكما قيل: “من أراد الراحة، تَرَكَ الراحة “، فهؤلاء هم السابقون الذين قال الرسول صلى الله عليه وسلم فيهم: «سبق المفردون». ثم عرفهم بقوله: «الذاكرون الله كثيراً والذاكرات». ( رواه مسلم) قال المناوي رحمه الله: “المفردون: أي المنفردون المعتزلون عن الناس، من فرد إذا اعتزل وتخلى للعبادة، فكأنه أفرد نفسه بالتبتل إلى الله تعالى.”(فيض القدير). فهؤلاء لما ذكروا الله وقد غفل غيرهم كان السبق لهم.
و قال تعالى (رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ ...)النور 37/38
مضَى رَجَبٌ وَمَا أَحْسَنْتَ فِيــــهِ *** وَهَــذَا شَهــْرُ شَعْــبَانَ الْمُبَارَكْ
فَيَا مَنْ ضَيَّعَ الأَوْقَاتَ جَهْـــــــلاً *** بِحُرْمَتِهَا أَفِــقْ واحْــذَرْ بَوَارَكْ
فَسَــوْفَ تُفَــارِقُ اللَّذَاتِ قَهْـــرًا *** وَيُخْلِي الْمَوْتُ قَهْرًا مِنْكَ دَارَكْ
تَدَارَكْ مَا اسْتَطَعْتَ مِنَ الْخَطَايَا *** بِتَوْبَةِ مُخْـلِصٍ وَاجْعَلْ مَــدَارَكْ
وصلِّ اللهم وسلم وبارك علي سيدنا محمد
إعداد الشيخ :احمد أبو عيد
تعليقات: (0) إضافة تعليق