الحمد لله الذي علا فقهر وخلق فقدر وفرق ونشر واطلع فستر وابصر فغفر وخلق فاتقن وابدع فأحسن.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولا ند ولا ضد ولا شبيه ولا مثيل له، جلَّ عن الصاحبة والأنداد، وتنزه عن الشريك والأولاد، وحكمه نافذ في جميع العباد، لا تتخيله القلوب بالتفكير، ولا تتصوره العقول بالتصوير، ليس كمثله شئ وهو السميع البصير.
وأشهد أن سيدنا وقائدنا وقدوتنا، سيد الأولين والآخرين ، وحبيب رب العالمين، والشفيع المشفع يوم الدين.
إن سألت عن وجهه كان بدرا متما للحسن تتميما، وإن سألت عن صدره كان سليما، وإن سألت عن كفه فكم أغنت وكم أعطت عديما، وإن سألت عن أصله كان شريفا كريما، وإن سألت عن قدمه فكم تقدم بها للجهاد لإعلاء كلمة الله تقديما، وإن سألت عن رسالته فإن الله قد أرسله ليكون للممؤمنين رؤفا رحيما.
وإن سألت عن فضله كان غزيرا، وإن سألت عن شعره كان ليلا بهيما، وإن سألت عن قلبه كان رحيما، وإن سألت عن خلقه كان عظيما، فاللهم صلِّ على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
العناصر
أولًا: إن الدين عند الله الإسلام ثانيًا: بعض مزايا الدين الإسلامي
ثالثًا: واجب المسلمين نحو الإسلام
الموضوع
أولًا: إن الدين عند الله الإسلام
ما من نبي ولا رسول إلا وبعثه الله جل وعلا بالإسلام بداية من نبي الله نوح كما قال ربنا حكاية عنه في سورة يونس: (وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) [يونس:72]. وما بعث الله إبراهيم الخليل إلا بالإسلام، كما قال تعالى: (وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ * إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ * وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [البقرة:130-132]. وما بعث الله يعقوب إلا بالإسلام، كما قال تعالى: (أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) [البقرة:133]. وما بعث الله نبيه يوسف إلا بالإسلام، كما قال الله تعالى حكاية عنه في آخر سورة يوسف: (رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) [يوسف:101]. وما بعث الله سليمان إلا بالإسلام، فهذا هو كتابه إلى ملكة سبأ، التي قرأته على أتباعها في مملكتها، كما حكى الله عز وجل ذلك بقوله: (قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ * إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ) [النمل:29-31]. وما دخلت في الإسلام إلا يوم أن شرح الله صدرها للحق، فقالت: (رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [النمل:44]. وما بعث الله نبيه موسى إلا بالإسلام، كما قال الله حكاية عنه: (يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ) [يونس:84]. بل وما بعث الله نبيه عيسى إلا بالإسلام، كما قال الله تعالى حكاية عنه: (فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) [آل عمران:52]. بل إن دين الجن المؤمنين هو الإسلام، كما قال الله تعالى حكاية عنهم: (وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا * وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا) [الجن:14-15]. إلى أن بعث الله المصطفى صلى الله عليه وسلم بالإسلام، قال الله تعالى لنبيه: (اليوم أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا) [المائدة:3]. وخاطبه الله جل وعلا بقوله: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ) [آل عمران:19]. فالدين الوحيد الذي ارتضاه الله لأهل السماء ولأهل الأرض هو الإسلام، وهو ليس لا للعرب فحسب بل للبشرية كلها، ولذا قال جل وعلا: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ) [آل عمران:19].
ولن يقبل الله تعالى من أحد غير هذا الدين كما قال تعالى: (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (آل عمران/85).
هو الدين المنصور من الله: قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ (36) لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (37)) {سورة الأنفال}
إن الذين جحدوا وحدانية الله وعصوا رسوله ينفقون أموالهم فيعطونها أمثالهم من المشركين وأهل الضلال، ليصدوا عن سبيل الله ويمنعوا المؤمنين عن الإيمان بالله ورسوله، فينفقون أموالهم في ذلك، ثم تكون عاقبة نفقتهم تلك ندامة وحسرة عليهم; لأن أموالهم تذهب، ولا يظفرون بما يأمُلون مِن إطفاء نور الله والصد عن سبيله، ثم يهزمهم المؤمنون آخر الأمر. والذين كفروا إلى جهنم يحشرون فيعذبون فيها.
يحشر الله ويخزي هؤلاء الذين كفروا بربهم، وأنفقوا أموالهم لمنع الناس عن الإيمان بالله والصد عن سبيله; ليميز الله تعالى الخبيث من الطيب، ويجعل الله المال الحرام الذي أُنفق للصدِّ عن دين الله بعضه فوق بعض متراكمًا متراكبًا، فيجعله في نار جهنم، هؤلاء الكفار هم الخاسرون في الدنيا والآخرة.
وقال تعالى: (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (172) وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ (173)) {سورة الأنفال}
وقال تعالى: (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (110)) {سورة يوسف}
وعن تميم الداري قال رسول الله ﷺ " ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل عزا يعز الله به الإسلام وذلا يذل به الكفر " ([1]) ، ومما لا شك فيه أن تحقيق هذا الانتشار يستلزم أن يعود المسلمون أقوياء في معنوياتهم ومادياتهم وسلاحهم حتى يستطيعوا أن يتغلبوا على قوى الكفر والطغيان.
ولا توجد قوة على وجه الأرض، ولن توجد قوة على وجه الأرض تستطيع أن تطفئ نور الله، كما قال عز وجل: (يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) [الصف:8-9]. ولو حورب دين على وجه الأرض بمثل ما حورب به الإسلام لما بقي له على وجه الأرض من سبيل.
الله غالب على أمره: يقول الشيخ محمد حسان: لابد أن تمتلئ القلوب ثقة مطلقة في الله، ولابد أن نعلم أن الذي يدير أمر الكون هو الله، ولا يقع شي في الكون إلا بإذنه وأمره وعلمه وحكمته وقدره وإرادته، فلا تظن أن الله قد خلق الخلق وغفل عنهم، حاشا لله! بل لا يقع في كونه إلا ما يريد.
والله هو الاسم الذي تقال به العثرات، والله هو الاسم الذي تستجاب به الدعوات، والله هو الاسم الذي تستمطر به الرحمات، والله هو الاسم الذي تدفع به الكربات، والله هو الاسم الذي به ولأجله قامت الأرض والسماوات، والله هو مالك الملك وملك الملوك، وجبار السماوات والأرض؛ فأين عاد؟ وأين ثمود؟ وأين فرعون؟ وأين قارون ؟ وأين هامان ؟ وأين أبرهة ؟ وأين أصحاب الفيل؟ وأين الظالمون؟ وأين التابعون لهم في الغي؟
قال الشاعر:
أين من دوخوا الدنيا بسطوتهم ** وذكرهم في الورى ظلم وطغيان
هل خلد الموت ذا عز لعزته أو ** هل نجا منه بالسلطان إنسان
لا والذي خلق الأكوان من عدم ** الكل يفنى فلا إنس ولا جان
قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ * وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ * وَفِرْعَوْنَ ذِي الأَوْتَادِ * الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ * فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ * إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ) [الفجر:6-14]. وقال عز وجل: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ * أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ * وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ * فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ) [الفيل:1-5]، فلا أحد يتحكم في الكون إلا الواحد الأحد، فلماذا اختل اليقين في قلوبنا؟! ولماذا ضعفت الثقة بربنا؟ ولماذا أصبحنا لا نؤمن إلا بالماديات؟ وقد كنا قبل ذلك ندعو على أعداء الأمة، فتنظر إلينا بعض الأعين نظرات تحمل من المعاني ما الله به عليم، وكأنها تقول: ما يقول هؤلاء الدراويش؟ وما الذي ينتظرونه؟ فشاء الله جل وعلا أن يضمد جراح القلوب القلقة، وأن يذهب شك القلوب المتشككة، وأن يعلم أهل الأرض أن الذي يتحكم في الكون هو الله وحده، ولا تستطيع قوة على وجه الأرض أن تقضي على دين الله؛ لأن الذي وعد بحفظ هذا الدين هو رب العالمين.
يزداد اتباعه باستمرار: يقول الشيخ محمد حسان: تدبروا ما تقوله الكلمات الغربية؛ لأن كثيراً من الناس لا يصدقون الوحي إلا إذا كان من أوروبا! قرأت في مجلة التايم الأمريكية: وستشرق شمس الإسلام من جديد. وهذه ليست من عندي، وهذا ليس كلامي، بل كلام مجلة التايم ولكنها في هذه المرة تعكس كل حقائق الجغرافيا، فهي لا تشرق من المشرق كالعادة، وإنما ستشرق في هذه المرة من الغرب، من قلب أوروبا، تلك القارة العجوز التي بدأت المآذن فيها تناطح أبراج الكنائس في باريس، ومدريد، وروما، وصوت الأذان كل يوم في هذه البلاد خمس مرات خير شاهد على أن الإسلام يكسب كل يوم أرضاً جديدة، وأتباعاً وجدوا فيه الطريق.
و جريدة الصندي تلجراف البريطانية تقول: إن انتشار الإسلام مع نهاية هذا القرن ومطلع القرن الجديد ليس له من سبب مباشر، إلا أن سكان العالم من غير المسلمين بدءوا يتطلعون إلى الإسلام، وبدءوا يقرءون عن الإسلام، فعرفوا من خلال اطلاعهم أن الإسلام هو الدين الوحيد الأسمى الذي يمكن أن يتَّبع، وهو الدين الوحيد القادر على حل كل مشاكل البشرية!!
ومجلة (لودينا) الفرنسية- وقد تعمدت أن أختم الخطبة بهذا الخبر؛ لأنه خبر استراتيجي عن خبراء الاستراتجية العسكرية، ودراسة قام بها متخصصون- تقول: مستقبل نظام العالم سيكون دينياً. وهذا واضح لنا جميعاً الآن، فالحرب في الشيشان دينية، والحرب في كشمير دينية، والحرب في كوسوفا دينية، والحرب البوسنية دينية، والحرب في فلسطين دينية، والحرب التي في أفغانستان دينية، وكل حروب الأرض باسم الدين. تقول الدراسة: مستقبل نظام العالم سيكون دينياً، وسيفوز النظام الإسلامي على الرغم من ضعفه الحالي؛ لأنه الدين الوحيد الذي يمتلك قوة شمولية هائلة! إنه دين الله الذي لم ينزل للعرب فحسب، بل للبشرية كلها: للأمريكان، وللأوربيين، وللعرب، وللمسلمين، إنه دين الله الذي رضيه لأهل السماء ولأهل الأرض.
هو الدين الباقي إلى قيام الساعة: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «هَلْ سَمِعْتُمْ بِمَدِينَةٍ جَانِبٌ مِنْهَا فِي الْبَرِّ وَجَانِبٌ مِنْهَا فِي الْبَحْرِ؟» قَالُوا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: " لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَغْزُوَهَا سَبْعُونَ أَلْفًا مِنْ بني إِسحاق فَإِذا جاؤوها نَزَلُوا فَلَمْ يُقَاتِلُوا بِسِلَاحٍ وَلَمْ يَرْمُوا بِسَهْمٍ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ فَيَسْقُطُ أحدُ جانبيها. - قالَ ثورُ بنُ يزِيد الرَّاوِي: لَا أَعْلَمُهُ إِلَّا قَالَ -: " الَّذِي فِي الْبَحْر يَقُولُونَ الثَّانِيَةَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ فَيَسْقُطُ جَانِبُهَا الْآخَرُ ثُمَّ يَقُولُونَ الثَّالِثَةَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ فَيُفَرَّجُ لَهُم فيدخلونها فيغنمون فَبينا هُمْ يَقْتَسِمُونَ الْمَغَانِمَ إِذْ جَاءَهُمُ الصَّرِيخُ فَقَالَ: إِنَّ الدَّجَّالَ قَدْ خَرَجَ فَيَتْرُكُونَ كُلَّ شَيْءٍ ويرجعون " ([2])
قال الحافظ ابن كثير في تعليقه على هذا الحديث الجليل: (وبنو إسحاق في هذه النبوءة النبوية هم سلالة العيص بن إسحاق بن إبراهيم ، وهؤلاء هم الروم). والروم بلغتنا هم الأوروبيون. قال الحافظ ابن كثير : فالنبوءة النبوية تنص على أن الروم سيسلمون في آخر الزمان قبل قيام الساعة، وسيكون فتح القسطنطينية على أيديهم بإذن الله.
ثانيًا: بعض مزايا الدين الإسلامي
دين الوفاء بالعهود: ويتضح هذا في
أ- وفاء النبي ﷺ بالعهود للكفار: عن حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ، قَالَ: مَا مَنَعَنِي أَنْ أَشْهَدَ بَدْرًا إِلَّا أَنِّي خَرَجْتُ أَنَا وَأَبِي حُسَيْلٌ، قَالَ: فَأَخَذَنَا كُفَّارُ قُرَيْشٍ، قَالُوا: إِنَّكُمْ تُرِيدُونَ مُحَمَّدًا، فَقُلْنَا: مَا نُرِيدُهُ، مَا نُرِيدُ إِلَّا الْمَدِينَةَ، فَأَخَذُوا مِنَّا عَهْدَ اللهِ وَمِيثَاقَهُ لَنَنْصَرِفَنَّ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَلَا نُقَاتِلُ مَعَهُ، فَأَتَيْنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرْنَاهُ الْخَبَرَ، فَقَالَ: «انْصَرِفَا، نَفِي لَهُمْ بِعَهْدِهِمْ، وَنَسْتَعِينُ اللهَ عَلَيْهِمْ» ([3]) ائتوني بلغة على وجه الأرض تجسد هذا الوفاء! هذا هو ديننا، وهذه هي أخلاق نبينا، فالحربي له عندنا معاملة، والذمي له عندنا معاملة، والعدو له عندنا معاملة، والحبيب والقريب له عندنا معاملة. ولقد وضع الإسلام القواعد والضوابط كلها وبين كل شيء، ومع أنهم في حال حرب إلا أنه يقول صلى الله عليه وسلم: (انصرفا؛ نفي لهم بعهدهم، ونستعين الله عليهم).
وعن عمرو بن الحمق الخزاعي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أمن رجلاً على دمه فقتله، فأنا بريء من القاتل وإن كان المقتول كافراً) ([4]).
ب- تعظيم عمر بن الخطاب رضي الله عنه للوفاء بالعهد: أحد جنود المسلمين - يعطي عهداً بالأمان لقرية في بلاد العراق وكانت تحت قيادة أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه، وأخبر الجندي قائده أبا عبيدة ، فأرسل أبو عبيدة بن الجراح كتاباً على الفور إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ليخبره بما كان، وليتلقى منه الأوامر. فأرسل عمر بن الخطاب رضي الله عنه رسالة إلى أبي عبيدة بن الجراح وقال فيها بعد حمد الله والثناء عليه: إن الله تعالى قد عظّم الوفاء، ولا تكونون أوفياء حتى تفوا، فوفوا لهم بعهدهم، واستعينوا الله عليهم.
دين الرحمة : قال تعالى: (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (156)) {سورة الأعراف}
فالرحمة ليست مقتصرة على الأنسان فحسب وإنما كذلك بالحيوان فقد جعلها الله تعالى سبب في مغفرة الذنوب فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بَيْنَمَا كَلْبٌ يُطِيفُ بِرَكِيَّةٍ، كَادَ يَقْتُلُهُ العَطَشُ، إِذْ رَأَتْهُ بَغِيٌّ مِنْ بَغَايَا بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَنَزَعَتْ مُوقَهَا فَسَقَتْهُ فَغُفِرَ لَهَا بِهِ» ([5]) (بغي) زانية. (موقها) ما يلبس فوق الخف. (فغفر لها) ما سبق منها من الزنا. (به) بسبب سقيها له]
وجعل الإساءة اليهم سبب في دخول النار: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " عُذِّبَتِ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ حَبَسَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ جُوعًا، فَدَخَلَتِ فِيهَا النَّارَ، يُقَالُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ: لَا أَنْتِ أَطْعَمْتِيهَا، وَلَا سَقِيتِيهَا حِينَ حَبَسْتِيهَا، وَلَا أَنْتِ أَرْسَلْتِيهَا، فَأَكَلَتْ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ " ([6])
دين التسامح: هذا عمر بن عبد العزيز يوم فتح الإسلام والمسلمون مدينة سمرقند، وعرف أهل سمرقند أن الفتح لمدينتهم فتح باطل؛ سبحانك ربي! لماذا؟ لأن المسلمين دخلوا المدينة عنوة دون أن يبلغوا قومها الإسلام، فإن أبوا فالجزية، فإن أبوا فالقتال، هكذا علمهم سيد الرجال صلى الله عليه وسلم، ولكنهم ما فعلوا ذلك. فأرسل أهل سمرقند رسالة إلى أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز طيب الله ثراه، وأخبروه بأن فتحهم الإسلامي لمدينتهم فتح باطل؛ وبينوا له ذلك، فما كان من هذا العملاق الذي تربى في مدرسة النبوة، إلا أن يصدر الأوامر إلى قائد جيشه الفاتح في مدينة سمرقند بالانسحاب فوراً، فخرجت الألوف المؤلفة من أهل سمرقند بين يدي هذا الجيش المنسحب المنتصر ليعلنوا شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله!
يقول المفكر الشهير غستك لبون قولاً ينصر الحق قبل أن ينصف الإسلام والمسلمين، ليعلنها صريحة ويقول: ما عرف التاريخ ديناً فاتحاً متسامحاً كالإسلام، وما عرف التاريخ أمة فاتحة منتصرة متسامحة كأمة الإسلام!!
دين السلام: حثَّ ديننا الحنيف على السَّلام في جميع الأحْوالِ، واعتبرَه الحل الأول في أيّ نِزاعٍ، بل إنَّه فرَض تحية الإسلام وهي "السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته"؛ حيث يدعو فيها مُلقِي التحيّة للشَّخصِ المقابِلِ له بالرَّحمة ويُعطيه الأمان، وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «المُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ»([7])
وقد وردت أهميّة تحيَّة الإسلام في كثيرٍ من الأحاديثِ الشَّريفة والتركيز على استخدامها لجميع الأشخاص، وحثَّ الإسلام على عدم إجبار أحدٍ على شيء لا يريده، حتى في الغارات الحربيّة كان يترك المجال أمام الأعداء من أجل حريّة الدُّخولِ في الدين الإسلامي أو البقاء على دينهم مع خُضوعِهم لقواعِد معينةٍ لتحقيق السَّلام والأمان في الدولة. يحتاج السَّلام إلى التَّسامح والتَّجاوز عن الأخطَاء، وعدم الحِقد والكُره وضُمور الشَّر؛ فالحِقد والكُره يعملان على عدم تجاوز أيَّة مشاكِلَ أو مسائِل عالقةً مما يترك مجالاً لتحقيق السَّلام؛ فالسَّلام يحدث عندما تكون النُّفوس صافِية من جميع الأطراف سواءً كان السَّلام على المستوى الفرديَ أو الجماعات، فالسَّلام لا يعني سلام الدّول معاً، وإنما هناك السَّلام الذي يقوم بين الجيران والأخوان وغيرها من الأمثلة.
دين الأمن والأمان ومحاربة الإرهاب: يحقق الأمن في المجتمعات ويحول دون حدوث الجرائم الناتجة عن الفراغ والفقر والحاجة؛ بما فيها السرقات والقتل والسطو والنهب وأكل الحقوق وغيرها، كما أنه يؤدي إلى التوازن النفسي لدى الفرد وينعكس ذلك تلقائياً على تحقيق السلام الاجتماعي.
وجعل النارعقابا لمن اعتدى على مؤمن فقتله فقال تعالى: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا (93)) {سورة النساء}
وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَمِنَ رَجُلًا عَلَى دَمِهِ، فَقَتَلَهُ، فَإِنَّهُ يَحْمِلُ لِوَاءَ غَدْرٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» ([8]) ، فالإسلام برئ مما يفعله الارهابيون والداعشيون وغيرهم، فقد حرم الإسلام سفك الدماء بغير حق تحريما قاطعا.
دين العمل: عظم الدين الإسلامي مكانة العمل وجعل منه عبادة لله عز وجل حيث يؤجر المؤمن الذي يعمل بجد وينتج لنفسه وأسرته، بغض النظر عن نوعه طالما يندرج تحت خانة الحلال، ويبتعد كل البعد عن المحرمات التي تلحق ضررا بالشخص والمجتمع، وتجلى ذلك في عدة آيات وردت في الذكر الحكيم ومنها: قال تعالى "فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الْأرضِ وابتغوا من فضل اللَّه وَاذكروا اللَّه كثيراً لعلكم تفلحون"، وكما جاء في سورة الملك: قال تعالى "هوالَذي جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور"، ومن هنا نرى أن الإسلام يرى بالعمل أحد أبرز مقومات الحياة، وأنه بمثابة أداة لبناء مستقبل الشعوب، ويحفظ أمنها وأمانها واستقرارها، وبه تزدهر الأمة.
دين العلم والتقدم: حيث كان أول أمر في الدين الإسلامي هو الأمر بالعلم فبه التقدم والازدهار حيث قال تعالى: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5)) {سورة العلق}
وظهرت الجامعات الإسلامية لأول مرة في العالم الإسلامي قبل أوروبا بقرنين من الزمان، وكانت أول جامعة أسست بتونس وهي جامعة الزيتونة سنة 737 م، ثم ظهر بيت الحكمة الذي أنشئ في بغداد سنة 830 م، ثم تلى ذلك بناء جامعة القرويين سنة 859 م في فاس ثم جامعة الأزهر سنة 970 م في القاهرة. ولقد أنشئت أول جامعة في أوروبا في "سالرنو" بصقلية سنة 1090 م على عهد ملك صقلية روجر الثاني، وأخذ فكرتها عن العرب بوقتها ثم تلاها جامعة بادوفا بإيطاليا سنة 1222 م. وكانت الكتب العربية تدرس فيها وقتها.
وكان أول مستشفى في الإسلام بناه الوليد بن عبد الملك سنة 88 هـ/706م في دمشق. وكان الخلفاء المسلمون يتابعون إنشاء المستشفيات الإسلامية الخيرية باهتمام بالغ.
وهم أول من فكروا في الطيران وأول من اخترعوا الجراحة وأدوات الجراحة وأول من اخترعوا البنج–وأول من اخترعوا القفل الرقمي وأول من اخترعوا الطاحونة الهوائية لطحن الذرة والري ولم تعرفها أوروبا إلا بعد500عام، وأول من اكتشفوا التلقيح والتطعيم الطبي ومنه انتقل إلى أوروبا ، وأول مَن وضعوا نظام الأرقام المستخدمة الآن في كل العالم ، وكذلك أول من أعطوا الصفر قيمة رياضية وكذلك علم الشفرات وعلم الجبر جابر بن حيان والكندي !
وأول من وضعوا نظام الكسور العشرية وهي أسس الآلة الحاسبة إلى اليوم !! وكان الفضل في ذلك لعلم المواريث الإسلامي ، وأول من أسسوا لعلم وفن النسيج والحياكة والسجاد تحديدا بينما كانت أرض المنازل في أوروبا من التراب والسطوح البدائية !
وأول كرة أرضية مرسومة عليها بلدان وأقاليم العالم وهي التي صنعها الإدريسي وقدمها للملك روجر في صقلية الإيطالية !
دين العدل والمساواة: عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ المَرْأَةِ المَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ، فَقَالُوا: وَمَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالُوا: وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلَّا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ، ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ، أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الحَدَّ، وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا " ([9]) (أهمهم) أحزنهم وأثار اهتمامهم. (شأن. .) حالها وأمرها. (المخزومية) نسبة إلى بني مخزوم واسمها فاطمة بنت الأسود وكانت سرقت حليا يوم فتح مكة. (حب) محبوب. (أتشفع في حد) تتوسل أن لا يقام حد فرضه الله تعالى والحد عقوبة مقدرة من المشرع. (الشريف) الذي له شأن في قومه بسبب مال أو نسب أو عشيرة. (الضعيف) من ليس له عشيرة أو وجاهة في قومه. (وايم الله) لفظ من ألفاظ القسم أصلها وأيمن الله فحذفت النون تخفيفا وقد تقطع الهمزة وقد توصل.
وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13) ) {سورة الحجرات}
يا أيها الناس إنَّا خلقناكم من أب واحد هو آدم، وأُم واحدة هي حواء، فلا تفاضل بينكم في النسب، وجعلناكم بالتناسل شعوبًا وقبائل متعددة؛ ليعرف بعضكم بعضًا، إن أكرمكم عند الله أشدكم اتقاءً له. إن الله عليم بالمتقين، خبير بهم.
دين الوسطية والاعتدال: قال تعالى: "وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا"(البقرة: 143). وسطية الأمة بين أمم الأرض في التشريع والعبادة فلا شدة ولا تفريط في عبادة الله تعالى كما فعلت الأمم قبلها، فمنهم من شدَّد على نفسه، فشدد عليه؛ كما قال تعالى: "وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا"(الحديد: 27). وعَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ» قَالَهَا ثَلَاثًا ([10])
دين الطهارة والنظافة: قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222) ) {سورة البقرة} فلقد سبق الإسلام بتشريعاته الربانية العملية في ذلك حتى صار يشار إليه بالبنان ، في الوقت الذي يتفاخر فيه بعض ملوك وملكات أوروبا بأن لهم كم شهر أو سنة لم يغتسلوا !!حتى أنهم كانوا يفرقون بين الصليبيين والمسلمين في القدس كان برائحة نتانة عرق الصليبيين!!فلما عادوا إلى بلادهم نقلوا كل تلك الآداب إليهم ومعها آداب الفروسية والبطولة والشجاعة الإسلامية.
دين الأخلاق السامية: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَالِحَ الْأَخْلَاقِ» ([11]) فكل كل خلق سامي قد أمر به الله ورسوله ﷺ وكل خلق سيئ قد نهى عنه الله سبحانه وتعالى ونبينا ﷺ، ومن بين هذه الأخلاق ما يلي
كالصدق: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ، فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ يَصْدُقُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا، وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ، فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وَالْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا» ([12])
والأمانة: قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (58)) {سورة النساء}
والعفة والحياء والتضحية والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعلو الهمة والايجابية والإخلاص وغيرها من الأخلاق الفاضلة.
ثالثًا: واجب المسلمين نحو الإسلام
الإعتصام بالله جل وعلا: وأعني به: التمسك بالإسلام عقيدة وشريعة، من خلال تطهير وتخلية القلب من أدران الشرك والرياء، ثم تحليته بمعين التوحيد الصافي. ثم ترك المنهيات، والقيام بالواجبات ما استطاع العبد الى ذلك سبيلا، بدافع الإنقياد والتقرب الى الله، والطمع بما عنده من فضل وثواب، فالقيام بهذا الواجب أصل أصيل، وحصن حصين في خلاص الأمة من همومها ومحنها، قال الحق جل وعلا : {وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [آل عمران: 101]،
قال الإمام النسفي رحمه الله في تفسيره: {وَمَن يَعْتَصِم بالله} ومن يتمسك بدينه أو بكتابه، أو هو حث لهم على الالتجاء إليه في دفع شرور الكفار ومكايدهم { فَقَدْ هُدِىَ إلى صراط مّسْتَقِيمٍ } أرشد إلى الدين الحق )
ترك النزاع والشقاق الموقعان في الفشل والهزيمة: قال الله: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال: 46].
فالنزاع والشقاق بين المسلمين سبب رئيس في فرقتهم وقطيعتهم الموقعان في الوهن والضعف. قال السعدي رحمه الله: { وَلا تَنَازَعُوا } تنازعا يوجب تشتت القلوب وتفرقها، { فَتَفْشَلُوا } أي:
تجبنوا { وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ } أي: تنحل عزائمكم، وتفرق قوتكم، ويرفع ما وعدتم به من النصر على طاعة اللّه ورسوله))أهـ.
محبة المسلمين:حب المسلم لأخيه عمل قلبي تعبدنا الله به، وجعله من كمال إيماننا به، وسبب من أسباب قوة أهل الإسلام ومصدر عزهم ومجدهم.
عن أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يُؤمن أحد حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» ([13])
التراحم: تراحم المسلمين وتعاطفهم فيما بينهم دليل على صدق إيمانهم بالله وبرسوله صلى الله عليه وسلم، قال الله جل وعلا: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ}[الفتح: 29]. وقد رتب الإسلام على خلق التراحم والعطف على عموم المسلمين النجاة والتوفيق لعموم المسلمين ولولاة أمرهم، سواء كانت هذه الولاية في البيت الواحد، او المجتمع، او في شؤون الدولة، وعن عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَاشْقُقْ عَلَيْهِ وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَرَفَقَ بهم فارفُقْ بِهِ» ([14])
النصيحة لكل مسلم: وهذا الواجب من أهم الواجبات التي يلزم كل مسلم القيام به، فالنصيحة من أهم قوائم الدين وأسسه الثابتة التي لا ينبغي التقصير فيه، فعَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ» قُلْنَا: لِمَنْ؟ قَالَ: «لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ»
ومعنى الحديث عماد الدين وقوامه النصيحة كقوله الحج عرفة أي عماده ومعظمه عرفة، أما النصيحة لله تعالى فمعناها منصرف إلى الإيمان به ونفي الشريك عنه وحقيقة هذه الإضافة راجعة إلى العبد في نصح نفسه فالله سبحانه وتعالى غنى عن نصح الناصح وأما النصيحة لكتابه سبحانه وتعالى فالإيمان بأنه كلام الله تعالى وتنزيله لا يشبهه شيء من كلام الخلق والعمل بمحكمه والتسليم لمتشابه وأما النصيحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتصديقه على الرسالة والإيمان بجميع ما جاء به وأما النصيحة لأئمة المسلمين فمعاونتهم على الحق وطاعتهم فيه وأمرهم به والمراد بأئمة المسلمين الخلفاء وغيرهم ممن يقوم بأمور المسلمين من أصحاب الولايات وأما نصيحة عامة المسلمين وهم من عدا ولاة الأمور فإرشادهم لمصالحهم في آخرتهم ودنياهم.
ولقد جعل الله العاقبة في ترك النصح والتعاون على تغيير المنكر والأمر بالمعروف؛ مشينة ومهينة؛ من حرمان رحمة الله، وهلاك الأمم وسوء حالها، قال الحق جل وعلا: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ } [المائدة: 78، 79].
الشعور بالمسؤولية: شعور المسلم بالمسؤولية تجاه دينه وأمته شيء من الإيمان ودليل صادق عليه، لأن الدفاع عن بيضة الإسلام أمر واجب على عموم المسلمين.
والمتتبع لنصوص الكتاب والسنة يجد الشيء الكثير من الأدلة التي تثبت بجلاء أن جميع المسلمين مكلفون ومسؤولون عن هذا الدين والدفاع عنه.
من ذلك أن جعل الحق سبحانه وتعالى خلاص الأمة ونجاتها من بؤسها وشقائها منوط بتعاون جميع أفرادها على تغيير حالهم والعمل الجماعي في تخليصها مما قد يصيبها، فقال سبحانه وتعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الأنفال: 53].
الدعوة إلى الإسلام: يقول الشيخ محمد حسان: لا يتحقق للمسلم كمال الاتباع حتى يدعو إلى الإسلام ، قال تعالى: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [يوسف:108]. قال ابن القيم : ولا يكون الرجل من أتباع النبي حقاً حتى يدعو إلى ما دعا إليه النبي على بصيرة. انظر إلى هذا الشرف؛ شرف الانتساب، فلا يكون الرجل من أتباع النبي حقاً حتى يدعو إلى ما دعا إليه على بصيرة. فما هو همك الذي تفكر فيه الآن؟ لابد أن تزول كل الهموم أمام هذا الهم الأكبر، أمام همّ الإسلام، وأنا لا أنكر عليك أن تحمل همومك الشخصية، لكن لابد أن تذوب كل همومك إلى جوار هذا الهم الأكبر، همّ الإسلام.. همّ الدين، فكل يتقدم الآن بما يملك من كلمة رقراقة .. من شريط هادف .. من رسالة نافعة .. من مساهمة مادية لإخوانه هنا وهنالك. المهم أن تحمل الآن همّ الإسلام، فإن لم تحمل الآن همّ الدين فمتى؟! عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا مِنْ نَبِيٍّ بَعَثَهُ اللهُ فِي أُمَّةٍ قَبْلِي إِلَّا كَانَ لَهُ مِنْ أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ، وَأَصْحَابٌ يَأْخُذُونَ بِسُنَّتِهِ وَيَقْتَدُونَ بِأَمْرِهِ، ثُمَّ إِنَّهَا تَخْلُفُ مِنْ بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ، وَيَفْعَلُونَ مَا لَا يُؤْمَرُونَ، فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِيَدِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ الْإِيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ» ([15])، فهل أنت من حواريي رسول الله بحملك لهذا الدين، وتحركك له؟ فوظف منصبك، ووظف طاقاتك كلها، واستثمر جاهك ومكانتك بالاتصال بالمسئولين هنا وهنالك؛ لتبين هذه الصورة المشرقة للإسلام؛ لأن الإسلام الآن متهم شئنا أم أبينا. فالإسلام متهم بالإرهاب والتطرف، ونريد أن نظهر صورة الإسلام المشرقة، لا بأقوالنا فحسب، بل بأقوالنا وقلوبنا وأعمالنا، فما منا من أحد إلا وقد شهد للإسلام بلسانه، لكن من منا قد شهد للإسلام بجنانه وأعماله؟! إن أعظم خدمة نقدمها اليوم للإسلام هي أن نشهد له شهادة عملية على أرض الواقع بعدما شهدنا له من قبل جميعاً شهادة قولية بألسنتنا.
الدعاء: وهو الواجب الذي لا يجوز لمسلم تركه في شدته او رخائه، اذ به يظهر العبد ضعفه لربه وحاجته المطلقة لخالقه ومعبوده، ويكون آكد في شدائده ومحنه، قال الحق جل وعلا: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ } [غافر: 60].
فعلى عموم المسلمين الدعاء للأمة بالخلاص مما تعانيه اليوم من قهر وذل وهوان، شريطة ان يكون العبد في دعائه؛ حاضر القلب، ملحا على ربه به، حلال كسبه، طيب مطعمه ومشربه، موقن باجابة الله لدعائه.
وصلِّ اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
إعداد: الشيخ أحمد أبو عيد
0109 809 58 54
نسألكم الدعاء
تعليقات: (0) إضافة تعليق