العنـــــاصــــــــــــــــر: -
1- أهمية العلم وفضل التعلم :
2- لماذا لم يرفعنا العلم ؟ :
3- نصيحة بمناسبة استقبال العام الدراسي :
الموضــــــــــــــــــــــــــــــــــوع
الحمد لله الذي خلق الإنسان في أحسن تقويم وأمده بالفهم و حَبَاهُ بالتكريم ، سبحانه.. رفع شأن العلم فأقسم بالقلم ، وامتنَّ على الإنسان فعلمه ما لم يكن يعلم ، وقال لنبيه الكريم صلى الله عليه وسلم : ﴿ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا ﴾ [النساء: 113] .
يا أخا الإسلام:
رَأَيْتُ العِلمَ صاحِبَهُ كَريمٌ وَلَوْ ولدتْهُ آباءٌ لِئَامُ
وليسَ يَزالُ يرْفَعُهُ إلى أَنْ يُعَظِّمَ أَمْرَهُ القَوْمُ الكِرامُ
ويتْبعُونَهُ في كُلِّ حَالٍ كَراعي الضَّأْنِ تَتْبَعُهُ السَّوامُ
فلوْلا العِلْمُ مَا سَعِدَتْ رِجَالٌ وَلا عُرِفَ الحَلالُ وَلا الحَرامُ
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحق المبين، أعز العلم وأهله وذمَّ الجهل وحزبه ورفع الدرجاتِ في النعيم المقيم لطلاب العلم والعاملين به.
واشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه ، أعرف الخلق بالله وأخشاهم له .
اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعـد:
1- أهمية العلم وفضل التعلم :
أيها الناس: من حكمة الله تعالى في خلقه أنه سبحانه لما خلقهم علمهم ما ينفعهم وما يضرهم ، فكل مخلوق منهم يجلب لنفسه النفع ، ويدفع عنها الضر؛ رحمة من الله تعالى بهم ، وهداية منه عز وجل لهم ، ولما قال فرعون في مناظرته لموسى عليه السلام ( فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى) [طه:50].
ولقد فضل سبحانه وتعالى البشر على سائر الحيوان بما وهبهم من العقول التي فتحت لهم مغاليق العلوم ، وسُخرت لهم بها كنوز الأرض ودوابها (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي البَرِّ وَالبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا) [الإسراء:70]. والبشر ما كان لهم أن يعلموا شيئا لولا أن الله تعالى ركب فيهم الأسماع والأبصار والأفئدة التي هي وسائل تحصيل العلوم والمعارف (وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [النحل:78].
وأعظم علم ينفع الإنسان في عاجله وآجله هو العلم بالله تعالى وبما يرضيه ، وذلك بتعلم كتابه وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام ، والفقه فيهما ؛ ليعبد ربه عز وجل على علم وبصيرة ، ثم العلم بما يصلح للعبد دنياه ؛ فإن الدنيا مطية الآخرة.
وأعظم الجهل وأشده وأشنعه الجهل بالله تعالى وبدينه الذي ارتضاه لعباده ، ومن عطل عقله عن تحصيل ما ينفعه من العلوم الشرعية التي بها يقيم دينه ، ويعبد ربه فهو من الجاهلين ، ولو كان مبرزا في علوم الدنيا ، والأمة التي ليس لها من علوم الشريعة أي حظ هي أمة جاهلة هالكة ولو اكتشفت الذرة ، وشيدت العمران والحضارة ، وصعدت إلى الفضاء حتى بلغت القمر؛
إذ إن أضر شيء على العباد أن يجهلوا ما ينفعهم وما يضرهم ، وما يقربهم من الله تعالى وهو الإيمان به وطاعته ، واتباع رسله ؛ ولذلك امتدح الله تعالى العلم والعلماء ، وذم الجهل وأهله ، وأخبر أن أهل العلم وأهل الجهل لا يستويان أبدا (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الأَلْبَابِ) [الزُّمر:9].
وكل حمد في القرآن والسنة للعلم والعلماء فإنه ينصرف إلى العلم الشرعي الذي يتوصل به إلى رضوان الله تعالى، وكل ذم في القرآن والسنة للجهل وأهله فهو منصرف إلى الجهل بدين الله تعالى.
أيها المسلمون، لا شك أن العلم من المصالح الضرورية والحاجات الملحّة التي عليها تقوم حياة الأمة أفرادًا وجماعات، وبها يستقيم حالها شعوبًا وحكومات ، وبغيرها لا يصلح أمرها ولا يقوى شأنها ، وحاجتها إليه لا تقل عن حاجتها إلى الطعام والشراب والملبس والمسكن والدواء ، وإنما احتل الكفار بلاد المسلمين لأسباب كثيرة ، كان من أهمها جهل المسلمين بأمور الدين والدنيا ، وإنما انتشرت المذاهب الهدّامة والنِّحَل الباطلة لأنها وجدت قلوبًا جَوْفاء خالية من العلم ، فتمكنت منها وتَغَلْغَلَت في سُوَيْدَائها، وهكذا فإن القلوب التي لا تتحصّن بالعلم والمعرفة تكون عُرْضَة للانخداع بالضلالات والوقوع في الانحرافات ، وفريسة سهلة لذئاب الشر، ولقمة سائغة لكلاب الرذيلة.
أيها الأخوة في الله: للإنسان أعداءٌ كثيرون يسعون للقضاء عليه وتهميش دوره في هذا الكون ، وأبرز تلكم الأعداء عدوٌ شرس فتك بالأمم وذهب بخيرات بلادها وجعلها فريسة للأعداء هذا العدو اللدود هو الذي جعل الإنسان ينسى خالقه ويعبد شهوته هذا العدو اسمه الجهل.
إنً الجهل - أيها الأخوة - ما وصف بشيء إلا شانه ولا أضيف إلى شيءٍ إلا أساء إليه .... ما غزيت العقول غزواً فكرياً ، ولا تحول العاقل الرشيد إلى بوق يصفق للعدو ويهتف بشعاراته ، ولا جهل الإنسان بما له وما عليه ، ولا ضاعت حقوقه - إلا عبر قنوات الجهل والتخلف.
ومن أجل هذه المصائب وغيرها : أمر الخالق سبحانه عباده بالعلم وحث على التعلم وتوالت الرسالات السماوية تدعوا إلى العلم وترفع من شأنه: ( يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ) [المجادلة: 11].
ولم يأمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بطلب الازدياد من شيء إلا من العلم وذلك في قوله مخاطباً إياه : (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً) [طـه: 114]، وأقسم الله بالتعلم لما له من عظيم الأثر في محو الأمية ورفع مستوى الثقافة والمعرفة فقال تعالى - بسم الله الرحمن الرحيم-: (نْ وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ) [القلم:1]. وقد كرًمَ الله الإنسان على سائر المخلوقات بالعلم. بل ويشهد الله جل وعلا لنفسه بالوحدانية ثم يثنى فى هذه الشهادة الجليلة الكريمة بملائكته ثم بأهل العلم فيقول سبحانه وتعالى: { شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} سورة آل عمران: 18.
ويشهد سبحانه وتعالى لأهل العلم بهذه الشهادة الكريمة فيقول تعالى: وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ’’ سورة فاطر: 28.
ولقد ورد فى فضل العلم أحاديث كثيرة:
* ففى الحديث الصحيح الذى رواه البخارى ومسلم من حديث معاوية رضى الله عنه قال: قال رسول الله :" من يرد الله به خيراً يفقهه فى الدين". متفق عليه: {ص.ج.: 6611}، رواه البخارى (6/152 فى الجهاد، ومسلم برقم (1037).
* وفى الحديث الذى رواه أبو داود والترمذى وابن ماجه وابن حبان فى صحيحة والبيهقى عن أبى الدرداء رضى الله عنه قال : " من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة وإن الملائكة لتضع اجنحتها لطالب العلم رضى بما يصنع، وإن العالم ليستغفر له من فى السموات ومن فى الأرض حتى الحيتان فى الماء وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب ، إن العلماء ورثة الأنبياء، إن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً إنما ورثوا العلم فمن أخذ به أخذ بحظ وافرا" حسن: {صحيح الترغيب: 68} رواه أبو داود (3641 ، 3642) فى العلم، والترمذى (2683 ، 2684)، ورواه أحمد وابن ماجه والدارمى وابن حبان فى صحيحه وغيرهم.
* وفى الحديث الذى رواه البخارى ومسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال لـ علي: "فوالله لأن يهدى الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم".متفق عليه: رواه البخارى (7/58) فى المغازى باب "مناقب على بن أبى طالب"، ومسلم برقم (2406) فى فضائل الصحابة، وأبو داود رقم (3661) فى العلم.
* وفى الحديث الذى رواه مسلم من حديث أبى هريرة رضى الله عنه أن النبى قال: " إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث، صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له".صحيح: {ص.ج.: 793}، رواه مسلم رقم (1631) فى الوصية، باب "ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته" ، وأبو داود رقم (2880) فى الوصايا، والترمذى رقم (1376) فى الأحكام، النسائى (6/251).
* وعن صفوان بن عسال المرادى رضى الله عنه قال: أتيت النبى وهو فى المسجد متكى على برد له أحمر فقلت له: يا رسول الله إنى جئت أطلب العلم فقال:" مرحباً بطالب العلم، إن طالب العلم تحفه الملائكة بأجنحتها، ثم يركب بعضهم بعضاً حتى يبلغوا السماء الدنيا من محبتهم لما يطلب" رواه أحمد والطبرانى بإسناد جيد واللفظ له وابن حبان فى صحيحه ورواه الحاكم وقال صحيح الإسناد وحسنه شيخنا الألبانى فى صحيح الترغيب والترهيب. حسن: {صحيح الترغيب: 69}.
* وعن أبى أمامة الباهلى قال: ذكر لرسول الله رجلان أحدهما عابد والآخر عالم فقال عليه أفضل الصلاة والسلام: "فضل العالم على العابد كفضلى على أدناكم"، ثم قال رسول الله:" إن الله وملائكته أهل السموات والأرض حتى النملة فى جحرها وحتى الحوت ليصلون على معلمى الناس الخير" رواه الترمذى وقال حديث حسن صحيح وصححه شيخنا الألبانى حفظه الله. صحيح: {صحيح الترغيب: 78}، رواه الترمذى برقم (2686) فى العلم.
* وفى الحديث الذى رواه البخارى ومسلم من حديث أبى واقد الليثى رضى الله عنه قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس فى المسجد والناس معه إذ أقبل ثلاثة نفر، فأقبل إثنان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلموذهب واحد، فوقفاً على رسول الله فأما أحدهما: فرأى فرجه فى الحلقة، فجلس فيها، وأما الآخر: فجلس خلفهم، وأما الثالث فأدبر ذاهباً، فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال"ألا أخبركم عن النفر الثلاثة؟ أما أحدهم فأوى إلى الله عز وجل فأواه الله، وأما الأخر فاستحيى، فاستحيى الله منه ، وأما الآخر فأعرض فأعرض الله عنه".متفق عليه: رواه البخارى (1/143 ، 144) فى العلم، ومسلم رقم (2176) فى السلام، والموطا (2/960، 961) ، والترمذى (2725) فى الاستئذان.
وبقدر ما يحمل الإنسان من العلم يكون فضله ومقداره ؛ فالعلم من خصائص الإنسان فإذا تخلى عنه فقد تخلى عن إنسانيته ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم كان قدوةَ الداعين إلى التعلم بأقواله وأفعاله حتى جعل التعلم فريضة لازمة لكل فرد وذلك بقوله : “طلب العلم فريضة على كل مسلم ’’
وحرر صلى الله عليه وسلم بعض أسرى بدر على أن يعلموا طائفة من المسلمين القراءة والكتابة ، وسار على هذا النهج السلف الصالح - رحمهم الله - كانوا يوجهون النشء إلى التعليم لينشئوا صالحين لأنفسهم ولأمتهم يقول أحدهم لبنيه: “يا بنى تعلموا العلم فإن كنتم سادة فقتم وإن كنتم وسطاً سُدتم وإن كنتم سوقة عِشتم”.
أيها المسلمون: إن التسابق اليوم بين قوى الأرض هو في مِضمار العلم ، والأمة الجاهلة المتخلفة لا مكان لها بين الأمم ؛ بل إنها الأمة الضعيفة المنهزمة دائماً العالة على غيرها حتى ولو كان عدوها ,
ودول الغرب المتسلطة ما وصلت إلى ما وصلت إليه من علو شأنها وقوةِ اقتصادها ونفاذ أمرها إلا بسلاح العلم .
وتعلُّم العلوم المادية يحقق عمارَة الأرض عن طريق استخراج ثرواتها، واستثمار طاقاتها، وتذليل الصعوبات، وتوفير الحاجات تحقيقاً لقول الله: (هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا).
وتعلم العلوم المادية، والتفوق فيها قوة ، يجب أن تكون في أيدي المسلمين ، ليجابهوا أعداءهم ، تحقيقاً لقوله تعالى: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ، وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ).
لأن القوة في هذا العصر هي قوة العلم ،
إن التعلم والتعليم قوام هذا الدين ، ولا ازدهار لمستقبله إلا بهما ، والناس العارفون هم أهل الرفعة والسيادة إذا انتفعوا بعلمهم وعملوا به
أيها الأخوة في الله : إن العلم والمعرفة والثقافة لا تولد مع الإنسان ؛ بل لابد من اكتسابها من طرقها المتنوعة ، وفي كلَ عصر تتجدد وسائل طلب العلم.
ولن تنهض أمة الإسلام من جمودها ولن ترقى سلم العز والمجد ولن تحافظ على أعراضها ودمائها – إلا باعتمادها على ربها ثم اعتمادها على شبابها ، والجميع مسئول عن ذلك.
فالشباب المسلم عليه الجد والاجتهاد والبعد عن إضاعة الأوقات منذ دخوله المدرسة حتى يتخرج من الثانوية بهمةٍ عالية وحصولٍ مرتفع وطموح لا نهاية له لنيل الشهادات العالية ، والتخصص في علوم الحياة المتنوعة.
أيها المسلمون- لا بد من أن يكون المسلم عالماً ، أو متعلماً ، أو مستمعاً ، أو محباً ، ولا يكن الخامسة فيهلك.
وصدق من قال:
ما الفخر إلا لأهل العلم إنهم على الهدى لمن استهدى أدلاء
وقدر كل أمرئ ما كان يحسنه والجاهلون لأهل العلم أعداء
ففز بعلم تعش حياً به أبدا الناس موتى وأهل العلم أحياء
2- لماذا لم يرفعنا العلم؟
أليس الله ـ تعالى ـ قد قال: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة: 11]، وأليس النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قد قال: «إن الله يرفع بهذا الكتاب أقوامًا» مسلم: 817.
فأهل العلم مرفوعون ، بنص كتاب الله وبنص كلام رسوله ـ صلى الله عليه وسلم .
والسؤال الذي يؤرقنا ويحز في نفوسنا وتدمع له عيوننا وتنفطر له قلوبنا هو: لماذا لم يرفعنا العلم ؟ لماذا لم يرفعنا العلم مع أننا ننفق عليه الملايين بل المليارات من الجنيهات ...… مع أننا نبني ملايين المدارس والمعاهد والجامعات، يرتادها ملايين الطلاب والطالبات ، يحصلون على ملايين الشهادات والألقاب الأكاديمية والدرجات العلمية..… ومع ذلك فإن أمتنا ما زالت في ذيل الأمم ، عالة على غيرها في شتى المجالات.
فلماذا لم يرفعنا العلم الذي ننفق عليه الملايين، والذي نحمل شهاداته ودرجاته ؟! كم فينا كابن خلدون وابن النفيس وابن قدامة وابن حجر...… بل إننا نرى الرجل ـ وقد حمل أعلى الشهادات ـ وما زال يحبو ويكبو ! فلماذا لم يرفعنا العلم ؟!
والإجابة مُرَّة المذاق ، لكن لا بد من أن نواجه بها أنفسنا ، ليستفيق غافل ويتعلم جاهل ويهتدي حائر، وتتلخص الإجابة عن هذا السؤال: «لماذا لم يرفعنا العلم؟» في النقاط التالية:
أولًا : لأننا لا نطلبه لوجه الله:
بل لأشياء كثيرة، أشهرها هذه الأسباب الآتية : (أ) للتباهي والتفاخر: ليقال «دكتور فلان» أو «المهندس فلان» أو «الشيخ فلان» أو «الجهبذ العلَّامة»… وقد سمعنا قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «من طلب العلم ليماري به السفهاء، أو ليباهي به العلماء، أو ليصرف وجوه الناس إليه ، فهو في النار» ابن ماجه: 253، والترمذي: 2654، وحسنه الألباني (صحيح الجامع الصغير وزياداته: 8363). (ب) لوجه الشهادة : فلا يهمنا كم حصَّلنا من علم ، بل كم حصدنا من شهادات وأوراق وألقاب ! (ج) لوجه الوظيفة ولقمة العيش: فنتعلم في مدارسنا وجامعاتنا… لنحصل على شهادة (نتوظَّف) بها ، وهذا عكس ما كان يفعل العلماء الربانيون . فهذا إمام أهل السنة أحمد ابن حنبل يسافر في طلب العلم ، فيعمل حمالًا في كل مدينة ينزلها حتى إذا جمع بعض المال وصل رحلته . وهذا الإمام مالك يبيع سقف بيته ليوفر المال اللازم لطلب العلم . وهذا الإمام أبو حنيفة يعمل في التجارة لينفق على طلابه ليتفرغوا لطلب العلم . وقد سمعنا قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : «من تعلم علما مما يبتغى به وجه الله ، لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضا من الدنيا ، لم يجد عرف الجنة يوم القيامة »ابن ماجه: 252، وأبو داود: 3664، وصححه الألباني (صحيح الجامع الصغير وزياداته: 6159).
فإخلاص النية في العلم شرط مباركة الله ـ تعالى ـ فيه، ولن ينفعنا علم ولن يرفعنا الله به حتى نخلصه لوجه الله وحده لا شريك له.
ثانيًا : لأننا لا نعرف قيمته فنقدم عليه غيره :
نقدم عليه المال، أو الكسل والدعة، أو الرحلات والنزهات ، بل وتطوعات العبادة…
فأما المال: فقد حسم علي بن أبي طالب الأمر قائلًا: «العلم خير من المال ؛ العلم يحرسك وأنت تحرس المال، والعلم حاكم والمال محكوم عليه ، والمال تنقصه النفقة والعلم يزكو بالإنفاق» إحياء علوم الدين لأبي حامد الغزالي (1/7)،دار المعرفة بيروت.
وهذا يحيى بن أبي كثير ينقل إلينا أنه كان يقال : «ميراث العلم خير من ميراث الذهب ، والنفس الصالحة خير من اللؤلؤ ، ولا يستطاع العلم براحة الجسد» الكامل لابن عدي (5/361)، الكتب العلمية بيروت، الطبعة الأولى، 1418هـ، وأصله في صحيح مسلم (612).
وأما الدعة والكسل: فقد كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يستعيذ من الكسل ويقرنه بالعجز قائلًا: «اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل»البخاري (2823)، ومسلم (2706).
نقول: بل حتى نوافل العبادة ليس لنا أن نُقدمها على العلم ، ودليلنا على ذلك قول رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «فضل العلم خير من فضل العبادة» الحاكم (317)، والطبراني في الأوسط (3960)، وصححه الألباني لغيره (صحيح الترغيب والترهيب: 1740).
وقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : «وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب» ابن ماجه (223)، والترمذي (2682)، وصححه الألباني (صحيح الجامع الصغير وزياداته: 4212).
، وكذا قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: « فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم »، الترمذي (2685)، والطبراني في الكبير (7911)، وحسنه الألباني (المشكاة: 213).
فهذه الأشياء وغيرها يُقدمها البعض على العلم لأنهم لا يعرفون قدر العلم ومكانته، وكأنهم ما سمعوا قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : «ومن سلك طريقًا يلتمس فيه علما، سهل الله له به طريقًا إلى الجنة »، مسلم: (2699).
أما سمعوا قول الله ـ عز وجل ـ: { قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ } [الزمر: 9]، أما علموا أن «الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يطلب» و«إنه ليستغفر للعالم من في السماوات، ومن في الأرض، حتى الحيتان في البحر»…
وعن عثمان بن أبي العاص، قال: قدمت في وفد ثقيف حين وفدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلبسنا حللنا بباب النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: من يمسك لنا رواحلنا، وكل القوم أحب الدخول على النبي صلى الله عليه وسلم وكره التخلف عنه ، قال عثمان: وكنت أصغر القوم ، فقلت: إن شئتم أمسكت لكم على أن عليكم عهد الله لتمسكن لي إذا خرجتم ، قالوا: فذلك لك ، فدخلوا عليه ثم خرجوا فقالوا : انطلق بنا، قلت: أين؟ فقالوا: إلى أهلك.
فقلت: ضربت من أهلي حتى إذا حللت بباب النبي صلى الله عليه وسلم أرجع ولا أدخل عليه، وقد أعطيتموني من العهد ما قد علمتم؟ قالوا : فأعجل فإنا قد كفيناك المسألة ، لم ندع شيئا إلا سألناه عنه ، فدخلت فقلت: يا رسول الله ، ادع الله أن يفقهني في الدين ويعلمني ، قال: «ماذا قلت؟» فأعدت عليه القول، فقال: «لقد سألتني شيئا ما سألني عنه أحد من أصحابك ، اذهب فأنت أمير عليهم وعلى من تقدم عليه من قومك »، الطبراني في الكبير (8356)، وأصله في صحيح مسلم (2202).
فقدَّمه ـ صلى الله عليه وسلم ـ عليهم لما رأى من حرصه على العلم.
فلن ننتفع بعلمنا ما دمنا نعطيه فضول أوقاتنا ، وما دمنا نُقدم عليه ما هو أقل منه .
ثالثًا : لأننا نريد تحصيله بلا جهد ولا كد:
نعم، نريد أن نتعلم، ونصبح من العلماء، ونحصِّل شتى فروع العلم، ونحن ننام ملء أجفاننا، ونأكل ملء بطوننا، ونضحك ملء أشداقنا ، ونكثر من التنقل والتنزه، وأنى لمن يصنع هذا أن يبلغ في العلم مبلغًا !
وهذا ابن الجوزي يقول : « تأملت عجبًا، وهو أن كل شيء نفيس خطير يطول طريقه ، ويكثر التعب في تحصيله ؛ فإن العلم لما كان أشرف الأشياء ، لم يحصل إلا بالتعب والسهر والتكرار، وهجر اللذات والراحة ، حتى قال بعض الفقهاء : بقيت سنين أشتهي الهريسة لا أقدر؛ لأن وقت بيعها وقت سماع الدرس !» ، صيد الخاطر لابن الجوزي (281)،الناشر: دار القلم دمشق، الطبعة الأولى 1425ه.
وعن ابن عباس، قال: «لما قبض رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قلت لرجل من الأنصار: هلم فلنسأل أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فإنهم اليوم كثير»، فقال : واعجبا لك يا ابن عباس، أترى الناس يفتقرون إليك وفي الناس من أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من فيهم، قال: «فتركت ذاك وأقبلت أسأل أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وإن كان يبلغني الحديث عن الرجل فآتي بابه وهو قائل فأتوسد ردائي على بابه يسفي الريح علي من التراب فيخرج فيراني» فيقول: يا ابن عم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ما جاء بك؟ هلا أرسلت إلي فآتيك؟، فأقول: «لا، أنا أحق أن آتيك»، قال: فأسأله عن الحديث، فعاش هذا الرجل الأنصاري حتى رآني وقد اجتمع الناس حولي يسألوني، فيقول: «هذا الفتى كان أعقل مني»، الحاكم (363) ، وقال: «على شرط البخاري»، وأقره الذهبي.
ونماذج الجهود الضخمة المضنية التي بذلها العلماء الربانيون حتى أصبحوا أئمة يقتدى بهم ، أشهر من أن تعاد في هذه العجالة.
وما أصدق قول الشاعر:
دببت للمجد والساعين قد بلغوا *** جهــــــد النفــــــــوس وألقوا دونه الأزرا
وكابدوا الـمـجـد حتى مل أكثرهم *** وعانق الـمـجـد من أوفى ومن صبرا
لا تحسب المجد تـمـــرًا أنت آكــله *** لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرا
رابعًا : لأننا لا نعمل بما نعلم:
يقول الحكماء: «ينادي العلم بالعمل ، فإن أجابه ، وإلا ارتحل »، ويقولون: «علم بلا عمل كشجر بلا ثمر».
وفي الحديث: « إن مثل علم لا ينفع، كمثل كنز لا ينفق في سبيل الله » ، أحمد (10476)، والدارمي (575)، وحسنه الألباني (صحيح الجامع الصغير وزياداته: 2112).
وهذا الصحابي الجليل أبو الدرداء يقول: « من عمل بعشر ما يعلم ، علَّمه الله ما يجهل »، الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي (1/90)، الناشر: مكتبة المعارف الرياض.
فلو عملنا بما تعلمنا لرفعنا الله ـ تعالى ـ بعلمنا ، ولرزقنا علم ما لم نعلم . وقد قسم ـ صلى الله عليه وسلم ـ العلماء أصنافًا ثلاثًا قائلًا: «إن مثل ما بعثني الله به عز وجل من الهدى والعلم: كمثل غيث أصاب أرضًا، فكانت منها طائفة طيبة قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكان منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا منها وسقوا ورعوا، وأصاب طائفةً منها أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماءً ولا تنبت كلًا.
فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه بما بعثني الله به فعلم وعلم ، ومثل من لم يرفع بذلك رأسًا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به» ، البخاري (79)، ومسلم (2282).
فترى من أي صنف نحن؟!
خامسًا : لأنه قد كثرت ذنوبنا :
والذنوب تطمس نور العلم ، وتغلظ الران على القلب، وتجلب البلايا والمصائب، وتحرم هداية العلم ، وتمحق بركته…
وما أوقع تلك الكلمات النيرات للإمام الشافعي رحمه الله:
شكوت إلى وكيع سوء حفظي *** فأرشـــــــدنـي إلى ترك المعاصي
وأخـــــبرنـي بأن العــــــــــــلـــم نـور *** ونـــور الله لا يُــهــــــــــــدى لعـاص
سادسًا : أننا خلطنا بين أولويات التعلم : فنترك الفاضل ونتعلم المفضول ، وقد أهملنا فروض الكفايات ، في حين برع فيها غيرنا.
سابعًا: أننا استمرأنا الجهل وتعودناه : فقد يحس المرء ويدرك أنه في حاجة لمراجعة أو لتعلم مسائل معينة من العلم ، ويمر عليه الشهر والشهران ، بل العام والعامان، ولا هو تعلَّم ولا هو سأل من يعلم !
أخيرًا: ليس معنى كلامنا هذا أن الأمة قد خلت من العلماء الربانين العاملين ، كلا، بل لا يخلو منهم زمان ـ والحمد لله ـ. وإنما حديثنا عن كثير من المؤسسات التعليمية الكثيرة ما بين مدرسة ومعهد وجامعة… يتخرج منها كل عام الآلاف المؤلفة ، ثم لا نرى لأغلبهم أثرًا ولا وزنًا ولا عملًا !
3- نصيحة بمناسبة استقبال العام الدراسي :
عباد الله : يستعد الأبناء في هذه الأيام لاستقبال عام دراسي جديد ، يقضونه بين أروقة المدارس ، والمعاهد والجامعات ؛ لينهلوا من مناهل العلم والمعرفة ، على حسب مستوياتهم واتجاهاتهم ، ويشجعهم على ذلك ويدفعهم أولياء أمورهم ، والقائمون على تدريسهم ؛ من مربين ومدرسين ؛ الذي يقع عليهم العبء الأكبر في تربية الناشئة التربية الإسلامية الهادفة ، التي تعود عليهم بالنفع في دنياهم وأخراهم ، ولا يتم ذلك إلا بالتعاون الجاد بين البيت والمدرسة ، وقيام كل منهما بما له وما عليه تُجاه أبناء المسلمين.
إلى المعلمين والمعلمات: إلى رعاة الجيل وأمنة التعليم ورواد العلم وسُلّم الرقي ، أنتم بيت القصيد ومحط الركب ، بين أيديكم عقول الناشئة وعدة المجتمع وأمله ، عليكم تعقد الآمال ، ولسنوات عدة تحط عندكم الرحال، نبيكم أكبر شأنكم وأعلى مقامكم ، ألم يقل فيما صح من سنته : ((إن الله وملائكته ليصلون على معلم الناس الخير حتى النملة في جحرها))؟! فجملوا عملكم بالإخلاص، فأجر الدنيا آت ، وإلا فأجر الآخرة أعلى وأبقى ، وفي المقابل نحدثكم بحديث رسوالله صلى الله عليه وسلم ((ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لها إلا حرم الله عليه الجنة)) . اجتهدوا في تعليمكم ، وضعوا رقابة الله دائمًا نصب أعينكم قبل رقابة البشر عليكم ، تخلقوا بالخلق الحسن ، اصبروا وارحموا واعطفوا ، فإن من المعلمين من تبقى ذكراه عاطرة في أذهان طلابه ، ومنهم من لسان حال طلابه ومقالهم مستريح ومستراح منه . واعلموا أن الدارسين يسمعون بأعينهم أكثر من سماعهم بآذانهم ، فالقدوة الحقة في الفعال قبل الأقوال.
فالطالب الذي يرى مدرسه في حالة من الميوعة والتسيب كيف يتعلم الفضيلة ؟ والطالب الذي يسمع من مدرسه كلمات السب والشتم كيف يتعلم حلاوة المنطق؟ والطالبة التي مدرستها تسير خلف ما يصدره لها الأعداء من أزياء فاضحة وأخلاق سافلة كيف تتعلم الفضيلة؟ فحينما ترى طالباً خلوقاً ملتزماً بآداب الإسلام تعلم أنه قد وفق بمن أحسن توجيهه ، وتضافرت الجهود من المدرسة والبيت على ذلك. وبالجملة فيجب على المدرس أن يكون معلماً مؤدباً لطلابه الأدب الإسلامي النبيل . وهنا رسالة وهي موجهة للجميع طلابًا كانوا أم معلمين أم آباء، أقول فيها. إن الأمة مقبلة على مستقبل مخيف ، أهل الشرّ من الغرب والشرق أجلبوا بخيلهم ورجلهم على إفساد شباب الأمة بما أوتوا من قوة ، ولست أقول هذا تشاؤمًا ، بل والله إني متفائل ، ولكن هذا الطوفان لا بد له من رجال ، لذا فعلينا جميعًا أن نتكاتف لنحقّق الهدف الأسمى والمطلَب الأعلى من التعليم ، ألا وهو العمل . فما قيمة العلم بلا عمل؟! إن رسالة التعليم لا تعني في أهدافها أن يحمل الطلاب على عواتقهم كمًّا من المقررات طيلة فصل أو عام ثم يتخففون منها بأداء الامتحان، إن رسالة التعليم لم تبلغ غايتها إذا حفظ الطالب أو الطالبة نصوصًا في أهمية الصلاة وكيفيتها وشروطها وواجباتها وهو لا يصلي . إن رسالة التعليم لن تحقق هدفها إذا كان الطالب يقرأ في المدرسة موضوعًا مثلا عن الصدق وبعد ذلك يكذب على معلمه وزملائه ، إن رسالة التعليم لن تحقق غايتها إذا كان الطالب في المدرسة يكتب موضوعا في التعبير مثلاً عن الوالدين ويحليه ويجمله ثم هو يخرج من المدرسة ليرعد ويزبد على أمه ويعرض عن أمر أبيه. وهذا ـ والله ـ فِصام نكِد نعانيه في حياتنا ، لكن التقصير من الأطراف كلها حاصل ، فلا بد من تلافيه ، المدرسة والمعلمون يسعون بالتوجيه والتربية بالأسلوب الأمثل ، ويكونون قدوة في فعالهم قبل مقالهم ، والآباء والأمهات يسعون لأن يكون البيت خالٍ من وسائل الانحراف وفساد الأخلاق ، ويسعى للصحبة الصالحة لهم ما استطعنا لذلك سبيلاً ، وقبل هذا وبعده دعاء ربّ العالمين والله يقول: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ [القصص:56]. وما اختلَّتْ موازينُ الأمة، وفسد أبناؤها - يا عباد الله - إلا حينما ضاع الأبناء بين أبٍ مفرط لا يعلم عن حال أبنائه ، ولا في أيِّ مرحلة يدرسون ، ولا مع مَن يذهبون ويجالسون، ولا عن مستواهم التحصيلي في الدراسة ، وبين مدرس خان الأمانة ، وتهاون في واجبه ، ولم يدرك مسؤوليته. وهذا الحكم ليس عاماً ؛ فإن بين صفوف المدرسين أتقياء بررة ، ومربين أوفياء ، وهُم كثير بحمد الله تعالى ؛ وإن المنصف لَيُدْرِكُ دورَ ذلك الجنديِّ المجهول - المعلم المخلص - في تعليم الأجيال ، وتربيتهم، وتقويم سلوكهم ؛ وإن واجب الأمة نحوه أن تشكر جهوده ، وتؤدي إليه بعضاً من حقه ، وأن تعرف له قدره واحترامه وفضله .
إِنَّ المعَلِّمَ والطَبِيبَ كِليْهِمَا *** لا يَنْصَحانِ إِذا هُمَا لَمْ يُكْرَمَا فاحْذَرْ لِدَائِكَ إِنْ جَفَوْتَ طَبِيبَهُ *** واحْذَرْ لِجَهْلِكَ إِنْ جَفَوْتَ مُعَلِّمَا
تعليقات: (0) إضافة تعليق