إخوة الاسلام أيها الآباء والامهات ها هي المدارس والمعاهد والجامعات قد أوشكت على فتح أبوابها أمام البنين والبنات لينهلوا من معين العلم والعلماء ليكونوا بعد ذلك سُرجا منيرة في دروب تلك الحياة لتتقدم الامم وترقى بسواعد أبنائها
ونحن اليوم نتحدث عن العلم فريضة شرعية وضرورة عصرية فأعيروني القلوب والاسماع
العنصر الأول فضل العلم وأهله
أمة الإسلام “إن فضل العلم لعظيم، وإن شرفه لعال رفيع فكم من وضيع رفعه العلم إلى مصاف الشرفاء وكم من حقير نظمه العلم في سلك العظماء”
إن كل ما سوى الله يفتقر إلى العلم، لا قوام له بدونه، فإن الوجود وجودان: وجود الخلق، ووجود الأمر، والخلق والأمر مصدرهما علم الرب وحكمته فكل ما ضمه الوجود من خلقه وأمره صادر عن علمه وحكمته فما قامت السماوات والأرض وما بينهما إلا بالعلم ولا بعثت الرسل وأنزلت الكتب إلا بالعلم ولا عبد الله وحده وحمد وأثنى عليه ومجّد إلا بالعلم ولا عرف الحلال من الحرام إلا بالعلم ولا عرف فضل الإسلام على غيره إلا بالعلم”.
فمن ذلك قول الله – عز وجل – في أعظم شهادة في القرآن: ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُو العِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ﴾ [سورة آل عمران: الآية 18].
العلم مهذب ومؤدب للنفوس:
سئل سفيان بن عيينة عن فضل العلم فقال: ألم تسمع قوله حين بدأ به ” فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك ” [محمد:19] فأمر بالعمل بعد العلم.
وقد بوَّب الإمام البخاري بابًا فقال: ” باب العلم قبل القول والعمل “، لقوله تعالى: ” فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك ” [محمد:19]
فالعلم مقدم على القول والعمل، فلا عمل دون علم، وأول ما ينبغي تعلمه ” التوحيد ” و “علم التربية ” أو ما يُسمَّى بعلم ” السلوك ” فيعرف الله تعالى ويصحح عقيدته، ويعرف نفسه وكيف يهذبها ويربيها.
العلم نور البصيرة:
إن العلم هو السراج الذي به يميز الإنسان بين الحق و الباطل، و بين الهدى و الضلال، و بين الغي والرشاد ،و بين النافع و الضار ، قال تعالى: ((فإنَّها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور)) [الحج:46]؛ ولذلك جعل الله الناس على قسمين: إمَّا عالم أو أعمى فقال الله تعالى: ((أفمن يعلم أنَّما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى)) [الرعد:19].
العلم أفضل الجهاد:
إذ من الجهاد، الجهاد بالحجة والبيان، وهذا جهاد الأئمة من ورثة الأنبياء، وهو أعظم منفعة من الجهاد باليد واللسان، لشدة مؤنته، وكثرة العدو فيه.
قال تعالى: ” ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيرًا فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهادًا كبيرًا ” [الفرقان: 51 -52]
يقول ابن القيم: ” فهذا جهاد لهم بالقرآن، وهو أكبر الجهادين، وهو جهاد المنافقين أيضًا، فإن المنافقين لم يكونوا يقاتلون المسلمين، بل كانوا معهم في الظاهر، وربما كانوا يقاتلون عدوهم معهم، ومع هذا فقد قال تعالى: ” يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ” ومعلوم أنَّ جهاد المنافقين بالحجة والقرآن.
والمقصود أنَّ سبيل الله هي الجهاد وطلب العلم، ودعوة الخلق به إلى الله ” [انظر كتاب مفتاح دار السعادة لابن القيم: ج 1 ص 70].
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من جاء مسجدي هذا لم يأته إلا لخير يتعلمه أو يعلمه فهو في منزلة المجاهد في سبيل الله، ومن جاءه لغير ذلك فهو بمنزلة الرجل ينظر إلى متاع غيره)) [أخرجه ابن ماجه (227) بسند صحيح].
العلم والفقه في الدين أعظم منة:
ومن رزق فقهًا في الدين فذاك الموفق على الحقيقة، فالفقه في الدين من أعظم المنن.
عن ابن عباس أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين)) [أخرجه الترمذي (2645) وقال: حسن صحيح].
العلم مقدم على العبادة:
والعلم مقدم على العبادة، فإنَّ فضلا في علم خير من فضل في عبادة، ومن سار في درب العلم سهل عليه طريق الجنة.
أخرج البيهقي في سننه عن أمنا عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ الله أوحى إليَّ: أنه من سلك مسلكا في طلب العلم سهلت له طريق الجنة ومن سلبت كريمتيه أثبته عليهما الجنة و فضل في علم خير من فضل في عبادة و ملاك الدين الورع)) [أخرجه البيهقي، بسند صحيح].
ولذلك قال القائل:
الأَرْضُ تَحْيَا إِذَا مَا عَاشَ عَالِمُهَا ***وَإِنْ يَمُتْ عَالِمٌ مِنْهَا يَمُتْ طَرَفُ
كَالأَرْضِ تَحْيَا إِذَا مَا الْغَيْثُ حَلَّ بِهَا*** وَإِنْ أَبَى حَلَّ فِي أَكْنَافِهَا التَّلَفُ
العنصر الثاني آداب طالب العلم في نفسه
أولاً: النية الصالحة: علم علمني الله وإياك :أن أول أدب يتأدب به طالب العلم في نفسه النية الصالحة و النية هي أساس و سر العمل
قال السلف: صلاة السر وعبادة القلب هي العلم
عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ لِيُبَاهِيَ بِهِ الْعُلَمَاءَ، وَيُمَارِيَ بِهِ السُّفَهَاءَ، أَوْ لِيَصْرِفَ بِهِ وُجُوهَ النَّاسِ إِلَيْهِ فَهُوَ فِي النَّارِ» أخرجه ابن ماجه وحسنه الألباني
ثانيا: الإعراض عن مجالس اللغو
وهو ألا يكون في مجالس اللغو أبداً، قال تعالى: {وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً} [الفرقان:72]، فلا ينبغي لطالب العلم أن يكون في المقهى يلعب الطاولة، أو في ملعب القاهرة يرفع الراية، ويشجع النادي الذي يحبه، فهذا ليس من سمت طالب العلم!! فلا بد من الإعراض عن مجالس اللغو، فلا يدخل إلى أماكن اللغو، فإنه لا يمكن الجمع بين مجالس العلم ومجالس اللغو، قال تعالى: {مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ} [الأحزاب:4].
فالعلم نور ونور الله تعالى لا يهدى لعاص قال الله تعالى {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [البقرة: 282]
و قال تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا } [الأنفال: 29]
فذكر هنا أن من اتقى اللّه حصل له الفرقان والفرقان: وهو العلم والهدى الذي يفرق به صاحبه بين الهدى والضلال، والحق والباطل، والحلال والحرام، وأهل السعادة من أهل الشقاوة.
علي بن خشرم، قال: شكوت إلى وكيع قلة الحفظ، فقال: ” استعن على الحفظ بقلة الذنوب “
قال محمد بن رافع: قيل لسفيان بن عيينة: بم وجدت الحفظ؟ قال: ” بترك المعاصي “
شكوت إلى وكيع سوء حفظي. *** فأرشدني إلى ترك المعاصي
وذلك أن حفظ العلم فضلٌ *** وفضل الله لا يؤتاه عاص
وحكي عن عيسى -صلى الله عليه وسلم – أنه قال: ” إن اللَّه تعالى يبغض المضحاك من غير عجب، والمشاء إلى غير أرب.
وأما إيراد المضحكات على سبيل السخف فنهاية القباحة. وقد قال صلى الله عليه وسلم: «وَيْلٌ لِلَّذِي يُحَدِّثُ بِالْحَدِيثِ لِيُضْحِكَ بِهِ الْقَوْمَ فَيَكْذِبُ؛ وَيْلٌ لَهُ وَيْلٌ لَهُ».
وقال الإمام مالك رحمه الله: “إن حقًّا على طالب العلم أن يكون له وقار وسكينة، وأن يكون متبعًا؛ لأثر من قبله”.
وقال الشافعي رحمه الله: “ليس العلم ما حُفظ، العلم ما نفع”.
قال ابن جماعة -رحمه الله- معلقًا على هذا الكلام للشافعي: “ومن ذلك دوام السكينة والوقار، والخشوع والورع، والتواضع لله والخضوع”.
ثالثا الحرص على الوقت
واعلموا أيها الأحباب :أن من آداب الطالب لنيل المطالب الحرص على وقته فالوقت هو راس مال الطالب الذي به ينال الرفعة و السمو
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ، وَالْفَرَاغُ» أخرجه البخاري و مسلم
قال ابن هبيرة:
والوقت أنفس ما عنيت بحفظه *** وأراه أسهل ما عليك يضيع
فالوقت هو العمر، وانظر إلى العلماء الذين حصلوا كيف كانوا، فهذا ابن عقيل الحنبلي له كتاب يقع في ثمانمائة مجلد، وقد كان ابن عقيل رجلاً متزوجاً، ولديه أولاد، وهو يريد أن يوفر لهم لقمة العيش، وحاجياتهم وحاجيات زوجته، وكذلك كان يتصدر للإفتاء، ومع ذلك صنف كتباً كثيرة، وهذا الكتاب واحد منها، واسمه: كتاب الفنون.
وقد طبع منه مجلدان.
فكيف استطاع ابن عقيل أن يكتب كل هذه الكتب؟
يقول: إنني أقصر بجهدي أوقات أكلي، حتى أختار سفّ الكعك وتحسِّيه بالماء على الخبز؛ لأجل ما بينهما من التفاوت في المضغ فالرجل يراعي ويراقب الوقت الذي ما بين مضغ الخبز وسفَّ الكعك، يريد أن يستفيد من هذا الوقت لقد كان يضيع على نفسه متعة الطعام.
والخطيب البغدادي كان يمشي وهو يطالع جزءاً.
يقول: ابن أبي حاتم كنت أقرأ على أبي وهو جالس، وأقرأ عليه وهو قائم، وأقرأ عليه وهو يمشي، وأقرأ عليه وهو في الخلاء.
ويقول: دخلنا مصر فظللنا سبعة أشهر ما ذقنا فيها مرقاً، فذهبنا ثلة في نهارنا ندور على الشيوخ، فذهبنا إلى بيت بعض الشيوخ فقالوا: إنه مريض، فقلنا: فرصة لنأكل، فدخلنا السوق فاشترينا سمكة، فلما وصلنا إلى البيت حان موعد درس شيخ آخر، فتركناها، وانصرفنا، ومكثنا ندور على الشيوخ ثلاثة أيام حتى خشينا أن تفسد، فأكلناها نيئة!! لم يتفرغوا لشوائها.
رابعا: عليك بالرفقة الصالحة
فالصاحب ساحب فكم من طالب كانت لديه همة عالية ونبوغ في دراسته ولكن فجأة تحول فاصبح من المضيعين و من المتهاونين و اصبح يهمل دروسه و يهمل مذاكرته و يضيع أوقاته فاذا بحثت وجدت ان السبب في ذلك صديق و صاحب سوء
لذا حذرنا رسول الله –صلى الله عليه وسلم-من أصدقاء السوء
عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّمَا مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَجَلِيسِ السُّوءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ، وَنَافِخِ الْكِيرِ، حَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً، وَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يَحْرِقَ ثِيَابَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً» أخرجاه
أي: أن طبعك يسرق من جلسائك وأنت لا تدري. ومن المعلوم المشاهد أن الماء والهواء يفسدان بمجاورة الجيفة، فما الظنّ بالنفوس البشرية، وقد قيل: سمِّيَ الإنسان إنسانًا لأنه يأنس بما يراه خيرًا أو شرًا. قال ابن مسعود: (اعتبروا الرجل بمن يصاحب، فإنما يصاحب الرجل من هو مثله).
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ جُلَسَائِنَا خَيْرٌ؟ قَالَ: «مَنْ ذَكَّرَكُمُ اللَّهَ رُؤْيَتُهُ وَزَادَ فِي عَمَلِكُمْ مَنْطِقُهُ وَذَكَّرَكُمْ بِالآخِرَةِ عَمَلُهُ» . مسند أبي يعلى الموصلي (4/ 326)
الحرص والصبر على طلب العلم
قال النووي في المجموع “وينبغي أن يكون حريصا على التعلم مواظبا عليه في جميع أوقاته ليلا و نهارا حضرا و سفرا و لا يذهب أوقاته في غير العلم.
ويأخذ بقدر الضرورة للأكل والشرب والنوم”(المجموع شرح المهذب)
وقال الشافعي” حق على طلبة العلم بلوغ جهدهم في الاستكثار من علمه والصبر على كل عارض في الله في طلبه”
وفي صحيح مسلم عن يحيى بن أبي كثير قال “لا يستطاع العلم براحة الجسد”
أن يصبر على طول مراحل الطلب وسهر الليالي….
قال ابن القيم *معرفا الصبر*”فهو خلق فاضل من أخلاق النفس يمتنح به من فعل ما لا يحسن ولا يجمل وهو قوة من قوى النفس التي بها صلاح شأنها و قوام أمرها” (عدة الصابرين و دخيرة الشاكرين)
العنصر الثالث: آداب طالب العلم مع أستاذه
أولاً: أن يكون الشيخ والأستاذ محل إجلال منك وإكرام وتقدير وتلطف عند جلوسك والتحدث معه.
وقديما قالوا من علمني حرفا صرت له عبدا
وكان السلف عليهم رحمة الله أشد الناس توقيرًا لشيوخهم، ومعرفة لفضل علمائهم؛ فقد {صلى زيد بن ثابت رضي الله عنه على جنازة، ثم قُربت له بغلة ليركبها، فجاء ابن عباس، فأخذ بركابه، فقال له زيد: خل عنه يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال ابن عباس: هكذا أمرنا أن نفعل بالعلماء.
وعن المغيرة قال: كنا نهاب إبراهيم النخعي كما يُهاب الأمير.
وعن أيوب قال: كان الرجل يجلس إلى الحسن ثلاث سنين، فلا يسأل عن شيء هيبة له.
وعن إسحاق الشهيد قال: كنت أرى يحيى بن سعيد القطان يصلي العصر، ثم يستند إلى أصل منارة بالمسجد؛ فيقف بين يديه علي بن المديني، والشاذكوني، وعمرو بن علي، وأحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وغيره يسألونه عن الحديث وهم قيام على أرجلهم، إلى أن تحين صلاة المغرب، لا يقول لواحد منهم: اجلس. ولا يجلسون هيبة له وإعظامًا.
ويقال: إن الشافعي رحمه الله عوتب على تواضعه للعلماء؛ فقال:
أُهينُ لَهُم نَفسي فهم يكرمونها وَلن تُكرَمَ النَفسُ الَّتي لا تُهينا
وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَرْمَلَةَ الْأَسْلَمِيُّ، قَالَ: “مَا كَانَ إِنْسَانٌ يَجْتَرِئُ عَلَى سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ يَسْأَلُهُ عَنْ شَيْءٍ حَتَّى يَسْتَأْذِنَهُ كَمَا يُسْتَأْذَنُ الْأَمِيرُ”.
وقَالَ ابْنُ الْخَيَّاطِ يَمْدَحُ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ:
يَدَعُ الْجَوَابَ فَلَا يُرَاجَعُ هَيْبَةً وَالسَّائِلُونَ نَوَاكِسُ الْأَذْقَان
نُورُ الْوَقَارِ وَعِزُّ سُلْطَانِ التُّقَى فَهُوَ الْمُهِيبُ وَلَيْسَ ذَا سُلْطَانِ”
وَقَالَ أحمد بن حنبل لخلف: “لَا أَجْلِسُ إِلَّا بَيْنَ يَدَيْكَ، أُمِرْنَا أَنْ نَتَوَاضَعَ لِمَنْ نَتَعَلَّمَ مِنْهُ”.
وعن الْأَصْمَعِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ شُعْبَةَ، يَقُولُ: “كُنْتُ إِذَا سَمِعْتُ مِنَ الرَّجُلِ الْحَدِيثَ، كُنْتُ لَهُ عَبْدًا مَا حَيِيَ، فَكُلَّمَا لَقِيتُهُ سَأَلْتُهُ عَنْهُ”
ثانياً: حسن السؤال والاستماع.
ثالثا: عدم إكثار الكلام عنده.
رابعا: عدم رفع الصوت عنده: أن لا يرفع صوته رفعا بليغا من غير حاجة، ولا يكثر كلامه بغير ضرورة، ولا يحكي أموراً مضحكة، أو يتلفظ بما فيه بذاءة، أو يتضمن سوء مخاطبة أو سوء أدب، بل ولا يتكلم بما لم يسأله. وإذا أراد الكلام
خامسا: صور من تأديب العلماء لطلابهم
ويروى عن الإمام الشافعي أنه عندما ذهب يتعلم ويأخذ العلم عن محمد بن الحسن الشيباني -والإمام الشافعي أرفع قدراً في العلم وأتبع للآثار من محمد بن الحسن، مع جلالة الكل رحمة الله عليهم- فذهب الشافعي إلى محمد بن الحسن الشيباني وجلس في مجلسه كالتلميذ، وكان لا يعجبه بعض ما يفتي به محمد بن الحسن، فكان لا يواجه محمد بن الحسن في المجلس، ويقول له: أنت أخطأت، لكن كان الشافعي بعدما يقوم محمد بن الحسن من المجلس يقوم ويناظر بعض طلابه فيظفر عليهم، ولا يستطيعون الإجابة، فلما أكثر الشافعي عليهم شكوه إلى محمد بن الحسن، وقالوا له: عندما تقوم من هنا يأتي الشافعي فيلزمنا بإلزامات لا نستطيع أن نرد عليه، فلما جاء محمد بن الحسن وجلس في المجلس قال للشافعي: بلغني أنك تجادل أصحابي وتناظرهم، فهلا ناظرتني، فقال له الشافعي: إني أجلك عن المناظرة.
أي: لأنك شيخي، وأنت أرفع من أن يناظرك مثلي.
فقال له محمد بن الحسن: لابد أن تناظر.
فناظره الشافعي فظفر عليه، فرجع محمد بن الحسن إلى كثير من أقوال الشافعي، رحمة الله عليهم أجمعين.
وقد استعمل الشافعي هذا الأدب وهو عند مالك، فقال: (كنت أقرأ الموطأ على مالك فأصفح الورق صفحاً رقيقاً لئلا يسمعه مالك).
وهذا الأدب ورثه تلاميذ الشافعي، فهذا الربيع بن سليمان المرادي راوي كتب الشافعي، يقول: والله ما جرئت أن أشرب الماء والشافعي ينظر إليَّ.
فقد لازمه عشرين سنة
قال ابن جريج: (لقد استخرجت علم عطاء بالرفق).
الخطبة الثانية
العنصر الرابع: آداب طالب العلم مع عامة الناس
اعلم علمني الله وإياك: أن طالب العلم لابد أن يتحلى بالآداب الرفيعة وأن يتجنب سفاسف الأمور مع عامة الناس فنذكر على سبيل المثال بعض الآداب مع عامة الناس
احترام الآخرين وعدم احتقارهم أو التكبر عليهم.
عدم رفع الصوت أو الصراخ عند التحدث معهم.
عدم مقاطعتهم أثناء كلامهم، وقد كان النبي حينما يأتيه المشركون وهم يناقشونه ويكذبونه في دعوته يتركهم حتى يكملوا كلامهم مهما قَسَا أو طَالَ، ثم يقول هل انتهيت؟ فإذا انتهى المتكلم بدأ كلامه.
4-التأدب معهم وعدم تسفيههم أو تجهيلهم:
يُحكى أن الحسن والحسين مرَّا على شيخ يتوضأ ولا يحسن الوضوء. فاتفقا على أن ينصحا الرجل ويعلماه كيف يتوضأ، ووقفا بجواره، وقالا له: يا عم، انظر أَيُّنا حسن وضوءًا. ثم توضأ كل منهما فإذا بالرجل يرى أنهما يحسنان الوضوء، فعلم أنه هو الذي لا يحسنه، فشكرهما على ما قدماه له من نُصح دون تجريح.
قال الشافعي: مَن وعظ أخاه سرا فقد نصحه وزانه، ومن وعظه علانية فقد فضحه وخانه. رواه أبو نعيم في الحلية
تعليقات: (0) إضافة تعليق