الخطبة الأول
الحَمْدُ لله الدَّاعي إلى بابه، الموفِّق من شاء لصوابِهِ، أنعم بإنزالِ كتابِه، يَشتملُ على مُحكم ومتشابه، فأما الَّذَينَ في قُلُوبهم زَيْغٌ فيتبعونَ ما تَشَابَه منه، وأمَّا الراسخون في العلم فيقولون آمنا به، أحمده على الهدى وتَيسيرِ أسبابِه، وأشهد أنْ لا إِله إلاَّ الله وحدَه لا شَريكَ له شهادةً أرْجو بها النجاةَ مِنْ عقابِه، وأشهد أنَّ محمداً عبدُه ورسولُه أكمَلُ النَّاس عَملاً في ذهابه وإيابه، صلَّى الله عليه وعلى صاحبه أبي بكرٍ أفْضل أصحَابه، وعَلَى عُمر الَّذِي أعَزَّ الله بِهِ الدِّيْنَ واسْتَقَامَتِ الدُّنْيَا بِهِ، وَعَلَى عثمانَ شهيدِ دارِهِ ومِحْرَابِه، وعَلى عليٍّ المشهورِ بحَلِّ المُشْكِلِ من العلوم وكَشْفِ نِقابه، وَعَلَى آلِهِ وأصحابه ومنْ كان أوْلَى بِهِ، وسلَّمَ تسليماً.
أمة الإسلام: حديثنا في هذا اليوم الطيب الميمون الأغر عن سوس هذه الأمة الذي ينخر في جسدها ويتربص بها الدوائر خطر أخطر على الأمة من الكفار والمشركين ويكمن خطره أنه يلبس لنا جلود الضأن وقلبه قلب ذئب خبيث الطبع خبيث الصفات إنهم أعدى الأعداء.. حديثنا عن (تحذير المؤمنين من خطر النفاق والمنافقين) الذين يقول فيهم الشاعر وهو يصف صفاتهم:
خبيث القلب قدْ يظهرْ
من الأفعالِ والمظهرْ
علاماتُ ُ تُميِّزُهُ
فحذِّرْ من ترى واحذرْ
إذا يلقاكَ تلحظهُ
كئيب الوجه والمنظرْ
تساعدُهُ بمحنتهِ
ويُصبحُ بعدها أقذرْ
ويَفْجُرُ في مخاصمةٍ
وفي صُلح ٍ بدا أفجرْ
ولا أصلٌ لمَصْدرهِ
فبئسَ الأصلُ والمصدرْ
وكلُّ الناس تعرفهُ
كذوبَ القولِ إن أخبرْ
ويصنعُ كلَّ مشكلةٍ
ويضعُ اللَّوم في الأصغرْ
يريدُ الناس يقتتلوا
وحقُّ دمائهمْ يُهدرْ
فيبكي فوق جُثَّتِهمْ
وفرحة ُ قلبِهِ أكثرْ
يُقالُ لكافرٍ شر
وهذا شرُّهُ أخطرْ
وفرضُ الظهرَ يشهدهُ
وفي البردين ِلا يظهرْ
وقالَ صيامنا فرضٌ
وبعد الفجرِ قدْ أفطرْ
ويعطي سائلاً مناً
فلا يُجزى ولا يُؤجرْ..
أولا: تعريف المنافق في الشرع:
المنافق: هو الذي يظهر غير ما يبطن. فإن كان الذي يخفيه التكذيب بأصول الإيمان فهو المنافق الخالص وحكمه في الآخرة حكم الكافر وقد يزيد عليه في العذاب لخداعه المؤمنين بما يظهره لهم من الإسلام قال تعالى: ﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ ﴾ [النساء: 145].
وإن كان الذي يخفيه غير الكفر بالله وكتابه ورسوله وإنما هو شيء من المعصية لله فهو الذي فيه شعبة أو أكثر من شعب النفاق.
ثانيا: المنافقون كثر:
واعلموا عباد الله: أن مما يوجب مزيد الخوف من النفاق والحذر من المنافقين: أنهم كثيرون، منتشرون في بقاع الأرض، كما قال الحسن البصري (رحمه الله) لولا المنافقون لا استوحشتم في الطرقات.
ولا يعني ذلك تعميم الحكم بالنفاق على الأكثرية والأغلبية، فإن النفاق شعب وأنواع، كما أن الكفر شعب وأنواع فكذا من كان متهمًا بنفاق فهم على أنواع متعددة، كما وضحه شيخ الإسلام ابن تيمية بقوله: (ولهذا لم يكن المتهمون بالنفاق نوعًا واحدًا، بل فيهم المنافق المحض، وفيهم من فيه إيمان ونفاق وفيهم من إيمانه غالب وفيه شعبة من النفاق، ولما قوي الإيمان وظهر الإيمان وقوته عام تبوك: صاروا يعاتبون من النفاق على ما لم يكن يعاتبون عليه قبل ذلك).
ثالثا تحذير القران من المنافقين:
فإن من يتأمَّل حديث القرآن الكثير والكثيف عن النفاق والمنافقين، يدرك أنه يتناول خطراً ماحقاً وضرراً مفجعاً استحق أمر التحذير منه والتوجيه إلى مواجهته استغراق صفات النفاق آيات كثيرة، حيث كان الحديث عنهم في القرآن في 17 سورة مدنية من 30 سورة، واستغرق ذلك قرابة 340 آية، حتى قال ابن القيم رحمه الله: "كاد القرآن أن يكون كله في شأنهم"[1].
إن الله تبارك وتعالى صنف عباده في أول سورة البقرة إلى مؤمنين وكافرين ومنافقين، وأنزل في ذلك عشرين آية في أول هذه السورة.
منها ثلاث آيات في وصف المؤمنين وآيتان في وصف الكافرين، وثلاث عشرة آية في وصف المنافقين، بين فيها أحوالهم وكشف أسرارهم وصور طبائعهم ونفسياتهم وطريقة تفكيرهم ومنطقهم.
وقد تحدث القرآن عن المنافقين في مواضع كثيرة. وفي سور عديدة وأكثر ما تحدث عنهم في سورة التوبة حتى سميت الفاضحة لأنها فضحت المنافقين وكشفت أحوالهم وبينت أسرارهم ودواخلهم وخططهم ثم فرغت سورة بأكملها للمنافقين كشفت أيضًا أسرارهم وأساليبهم وبينت شيئًا من خططهم سميت سورة المنافقين كل هذا لتحذير المجتمع المسلم من خطر هذا العدو الهدام الذي يحاربهم من داخلهم، ويسعى إلى تدميرهم خلسة وخفية حتى لا تراه الأعين ولكن يجب أن تكتشفه البصائر، إن أهم سمة وأخطر صفة لهذا العدو الهدام المدمر هي صفة الخفاء فهو خلال المجتمع المسلم، داخل خلال المجتمع المسلم، يظهر التعاطف معهم ويخفي كفره وعداوته معه في باطنه، فالمكر والخداع والكذب هي أساليبه وأدواته لكن إذا سنحت الفرصة ووجد ثغرة ينفذ منها لضرب المسلمين فإنه يكون حينئذ أشد قسوة ووحشية ونكاية للمؤمنين من أي عدو مجاهر، ﴿ كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ ﴾ [التوبة: 8].
رابعاً: خطورة المنافقين على المجتمع:
أمة الإسلام: تكمن هذه الخطورة في تلك الصفات الشيطانية التي يتصف بها هذا العدو ونذكر منها على سبيل المثال:
إبطان الكفر والتظاهر بالإيمان: وهذه الصفة أصل النفاق في قلوب المنافقين وكل ثمرة بعدها شر وبلاء قال رب الأرض والسماء ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ * فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ﴾ [البقرة: 8 - 10] وها هم يصلون خلف النبي ويقولون نشهد انك رسول الله ﴿ إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ * اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [المنافقون: 1، 2].
العزوف عن التحاكم إلى الله ورسوله: وهذه الصفة عباد الله من أبرز صفات المنافقين في كل عصر ومصر لا يرضون بالشرع الله ولا بسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ويطعنون فيهما ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا * فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا * أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا ﴾ [النساء: 60 - 63].
﴿ وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ * وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ * وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ * أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْيَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [النور: 47 - 51].
مولاة الكفار وممالأتهم على المسلمين: وهي من أخطر صفاتهم وهي مكمن كل شر وأصل كل بلية تحل بالأمة الإسلامية حيث انهم يندسون في صفوف الموحدين والمجاهدين ليكونوا بعد ذلك خنجرا في ظهر الأمة فهم يلبسون لنا جلود الضأن وقلوبهم قلوب ذئاب كما قال الشاعر:
وإذا الذئاب استنعجت لك مرة
فحذار منها أن تعود ذئابا
فالذئب أخبث ما يكون إذا اكتسى
من جلد أولاد النعاج ثيابا
فهل مُنية الأمة بالهزائم والنكبات إلا وورائها ذئاب المنافقين قال الله تعالى مبينا ذلك ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ﴾ [الحشر: 11].
ويقول سبحانه: ﴿ وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ ﴾ [البقرة: 14].
ولقد بشرهم الله تعالى بالعذاب الأليم فقال: ﴿ بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا * الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا ﴾ [النساء: 138، 139].
ونذكر موقفا من مواقفهم ومولاتهم الكافرين ففي غزوة احد انسحبوا من الجيش الإسلامي ورجعوا بثلث الناس قبل وصول احد مبتغين بذلك إضعاف الجيش الإسلامي أمام الكفار ويستشف من الأحداث إن هذا التخذيل الذي قام به المنافقون كان باتفاق بينهم وبين اليهود فقد لوحظ قبيل المعركة أنه اجتمع تحت زعامة عبد الله بن أُبي بن سلول ثلاثمائة من المنافقين وعدد كبير من اليهود يزيد على ستمائة وقد رفض النبي - صلى الله عليه وسلم الاستعانة بهم مما يشير الى مؤامرات دبرت من اليهود والمنافقين كانت تستهدف الميل على الجيش الإسلامي والكيد به.
وقد نزل الله سبحانه وتعالى في صنيع المنافقين في احد آيات فضحهم فيها وبين انهم اقرب إلى الكفار منهم إلى المسلمين فقال رب العالمين ﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ * وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ * الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ [آل عمران: 166 - 168].
الدس والوقيعة بين المسلمين: وهذه من صفاتهم الخطيرة التي يستغلها المنافقون لإيقاع العداوة والخلافات بين المسلمين ﴿ وَإِذَا قِيلَلَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ ﴾ [البقرة: 11، 12].
وها هم يتخذون مسجدا للمكيدة ولتفريق المسلمين ففضحهم رب العالمين وأنزل في شانهم قراناً يقرأ إلى يوم الدين ﴿ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ ﴾ [التوبة: 107، 108].
قال ابن إسحاق السيرة النبوية (5 - 199) وخلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علي بن أبي طالب رضوان الله عليه إلى أهله وأمره بالإقامة فيهم، فأرجف به المنافقون وقالوا: ما خلفه إلا استثقالا له وتخففا منه. فلما قال ذلك المنافقون أخذ علي بن أبي طالب رضوان الله عليه سلاحه ثم خرج حتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو نازل بالجرف فقال: يا نبي الله زعم المنافقون أنك إنما خلفتني أنك استثقلتني وتخففت مني؟ فقال: "كذبوا، ولكني خلفتك لما تركت ورائي، فارجع فاخلفني في أهلي وأهلك، أفلا ترضى يا علي أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي" فرجع علي إلى المدينة ومضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[2].
ومن صفاتهم الجبن والتخلف عن الجهاد: وذلك لأن الثبات والشجاعة والإقدام من ثمرات الإيمان بالله تعالى واليوم الآخر، فلما فرغت قلوبهم من الإيمان أصبحت خواء فهم لا يدفعون ولا ينفعون قال الله تعالى مبينا صفات المؤمنين ومبينا جبن المنافقين ﴿ لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ * إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ ﴾ [التوبة: 44، 45].
ويقول سبحانه وتعالى: ﴿ أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا * يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ وَلَوْ كَانُوا فِيكُمْ مَا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [الأحزاب: 19، 20].
الصد عن سبيل الله والأمر بالمنكر: إخوة الإيمان: وتلك سجية فيهم أنهم يصدون عن سبيل الله بحدهم وحديدهم قال الله سبحانه وتعالى ﴿ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [التوبة: 67].
إشاعة الفاحشة والرزيلة في المجتمع: إخوة الإيمان: وتلك من خستهم وأنهم يعملون على ترويج الفاحشة في المجتمع الإسلامي بكل ما لديهم من وسائل قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [النور: 11] ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [النور: 19].
الكذب وخيانة العهد والأمانة:
إخوة الإيمان: وها هو رسول الله صلى الله عليه وسلم يبن لنا بعض صفاتهم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثَةٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا ائْتُمِنَ خَانَ "و قال الله تعالى ﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ * أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ ﴾ [التوبة: 75 - 78].
الكسل في عبادة الله عز وجل: إخوة الإيمان: فمن دناءة همتهم انهم لا ينشطون للطاعات ولا يسارعون إلى الجمع والجماعات قال الله سبحانه وتعالى ﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا * مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا ﴾ [النساء: 142، 143].
الفرح بما يصيب المسلمين من مصائب والاستياء بما يجعل الله تعالى من النصر والتمكين: إخوة الإيمان: ﴿ إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ * قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ [التوبة: 50، 51].
﴿ إِن تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ ﴾.
إن هؤلاء المنافقين لا يريدون لك أيها الرسول ولأصحابك إلا المكارِه، فيتألّمون إذا نالكم خيرٌ من نصرٍ أو غنيمة. ﴿ وَإِن تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُواْ قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِن قَبْلُ وَيَتَوَلَّواْ وَّهُمْ فَرِحُونَ ﴾.
ويفرحون إذا أصابكم مكروه م جِراح أو قتل أو هزيمة، ويقولون شامتين: قد أخذْنا حِذْرَنا بالقعود، إذ تخلّفنا عن القتال ولم نُلقِ بأيدينا إلى الهلاك. ثم ينصرفون مسرورين.
خامسا خوف السلف الصالح على أنفسهم من النفاق:
أمةالإسلام: وقد كان سلفنا الصالح رحمهم الله - مع عمق إيمانهم وكمال علمهم - يخافون النفاق أيما خوف فقد أخرج البخاري: تعليقًا - أن ابن أبي مليكة رحمه الله.
قال: أدركت ثلاثين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم يخاف النفاق على نفسه.
قال الحافظ بن حجر (والصحابة الذين أدركوا ابن أبي مليكة من أجلهم: عائشة وأختها أسماء، وأم سلمة، والعبادلة الأربعة وأبو هريرة.. فهؤلاء ممن سمع منهم، وقد أدرك بالسن جماعة من أجل من هؤلاء، كعلي، وسعد بن أبي وقاص، وقد جزم بأنهم كانوا يخافون النفاق في الأعمال، ولم ينقل عن غيرهم خلاف ذلك، فكأنه إجماع، وذلك لأن المؤمن قد يعرض عليه في عمله ما يشوبه مما يخالف الإخلاص، ولا يلزم من خوفهم من ذلك وقوعه منهم... )[3].
وكان أبو الدرداء رضي الله عنه إذا فرغ من التشهد في الصلاة يتعوذ بالله من النفاق، ويكثر التعوذ منه فقال له أحدهم: ومالك يا أبو الدرداء أنت والنفاق؟ فقال دعنا عنك، فوالله إن الرجل ليقلب عن دينه في الساعة الواحدة فيخلع منه.
وكان الحسن البصري رحمه الله يقول: (ما خافه - النفاق - إلا مؤمن ولا أمنه إلا منافق) أخرجه البخاري تعليقًا.
وسئل الإمام أحمد: ما تقول فيمن لا يخاف على نفسه النفاق؟ قال: (ومن يأمن على نفسه النفاق)؟
يقول بن القيم: (وبحسب إيمان العبد ومعرفته يكون خوفه أن يكون من أهل هذه الطبقة، ولهذا اشتد خوف سادة الأمة وسابقيها على أنفسهم أن يكونوا منهم، فكان عمر يقول لحذيفة: ناشدتك الله، هل سماني رسول الله مع القوم؟ فيقول: لا، ولا أزكي بعدك أحدًا، يعني لا أفتح عليّ هذا الباب في تزكية الناس، وليس معناه أنه لم يبرأ من النفاق غيرك.
فتأمل رحمك الله ما عليه أولئك الأسلاف الأبرار من خوف شديد من النفاق ودواعيه، ثم انظر إلى حال الأكثرين منا في هذا الزمان، فمع ضعف الإيمان وغلبة الجهل تجد الأمن من النفاق والغفلة عنه! فالله المستعان.
وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ.
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ هُوَ يَتَوَلَّى الصَالِحِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صلى الله عليه وسلم، صَلَاةً وَسَلَامًا دَائِمَيْنِ مُتَلَازِمَيْنِ إِلَى يَومِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: إخوة الإيمان:
سادسا: من سبل الوقاية من النفاق: أمة الإسلام بعد أن تعرفنا على خطورة النفاق والمنافقين هيا لنتعرف على أسباب الوقاية من النفاق لأنه كما علمنا انه لا يامن النفاق إلا منافق لذا يجب علينا أن نتعرف على الوقاية من ذلك المرض الخطير:
كثرة ذكر الله تعالى: فذكر الله تعالى من سمات المحبين المؤمنين: قال ابن القيم: "إن كثرة ذكر الله عز وجل أمان من النفاق؛ فإن المنافقين قليلو الذكر لله عز وجل، قال الله عز وجل في المنافقين: ﴿ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللهَ إِلاَّ قَلِيلاً ﴾ [النساء: 142]، وقال كعب: من أكثر ذكر الله عز وجل برئ من النفاق. ولهذا - والله أعلم - ختم الله تعالى سورة المنافقين بقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ ﴾ [المنافقون: 9]، فإن في ذلك تحذيرا من فتنة المنافقين الذين غفلوا عن ذكر الله عز وجل فوقعوا في النفاق. وسئل بعض الصحابة رضي الله عنهم عن الخوارج: منافقون هم؟ قال: (لا، المنافقون لا يذكرون الله إلا قليلا). فهذا من علامة النفاق: قلة ذكر الله عز وجل، وكثرة الأمان من النفاق، والله عز وجل أكرم من أن يبتلي قلبا ذاكرا بالنفاق، وإنما ذلك لقلوب غفلت عن ذكر الله عز وجل"[4].
الدعاء: والدعاء هو سلاح المؤمن الذي يقيه: من الوقوع في خطر النفاق عن جبير بن نفير قال: دخلت على أبي الدرداء منزله بحمص، فإذا هو قائم يصلي في مسجده، فلما جلس يتشهد جعل يتعوذ بالله من النفاق، فلما انصرف قلت: غفر الله لك يا أبا الدرداء، ما أنت والنفاق؟ قال: (اللهم غفرًا - ثلاثا -، من يأمن البلاء؟! من يأمن البلاء؟! والله إن الرجل ليفتتن في ساعة فينقلب عن دينه)[5].
الاتصاف التام بالصدق في الأمر كله: فإن الصدق هب الصفة الفاصلة بين أهل الإيمان وأهل النفاق، قال ابن تيمية: "الصفة الفارقة بين المؤمن والمنافق هو الصدق، فإن أساس النفاق الذي بني عليه الكذب"[6].
البعد عن سماع الغناء: وسماع الغناء في الأصل محرم، ومع ذلك فإنه يورث النفاق في القلب.
قال ابن مسعود رضي الله عنه: (الغناء ينبت النفاق في القلب، كما ينبت الماء البقل).
قال ابن القيم: "وهذا كلام عارفٍ بأثر الغناء وثمرته، فإنه ما اعتاده أحد إلا نافق قلبه وهو لا يشعر، ولو عرف حقيقة النفاق وغايته لأبصره في قلبه، فإنه ما اجتمع في قلب عبد قط محبة الغناء ومحبة القرآن إلا طردت إحداهما الأخرى، وقد شاهدنا نحن وغيرنا ثقل القرآن على أهل الغناء وسماعه، وتبرمهم به، وصياحهم بالقارئ إذا طوّل عليهم، وعدم انتفاع قلوبهم بما يقرؤه، فلا تتحرك ولا تطرب ولا تهيج منها بواعث الطلب، فإذا جاء قرآن الشيطان فلا إله إلا الله كيف تخشع منهم الأصوات، وتهدأ الحركات، وتسكن القلوب وتطمئنّ، ويقع البكاء والوجد، والحركة الظاهرة والباطنة، والسماحة بالأثمان والثياب، وطيب السهر، وتمني طول الليل، فإن لم يكن هذا نفاقا فهو آخية النفاق وأساسه"[7].
وقال: "فإن أساس النفاق أن يخالف الظاهر الباطن، وصاحب الغناء بين أمرين؛ إما أن يتهتك فيكون فاجرا، أو يظهر النسك فيكون منافقا، فإنه يظهر الرغبة في الله والدار الآخرة، وقلبه يغلي بالشهوات، ومحبة ما يكرهه الله ورسوله من أصوات المعازف وآلات اللهو، وما يدعو إليه الغناء ويهيّجه، فقلبه بذلك معمور، وهو من محبة ما يحبه الله ورسوله وكراهة ما يكرهه قفر، وهذا محض النفاق"[8].
الدعاء......
[1] (مدارك السالكين؛ لابن القيم: [1 /347]).
[2] صحيح البخاري كتاب المغاز.
[3] (الفتح 1 /111).
[4] [الوابل الصيب (ص110)].
[5] [أخرجه الفريابي في صفة المنافق (73)].
[6] [مجموع الفتاوى (20 /75)].
[7] [مدارج السالكين (1 /523)].
[8] [إغاثة اللهفان (1 /250)].
تعليقات: (0) إضافة تعليق