الحمد لله المجيب لكل سائل، التائب على العباد فليس بينه وبين العباد حائل، جعل ما على الأرض زينة لها، وكل نعيم لا محالة زائل حذر الناس من الشيطان وللشيطان منافذ وحبائل فمن أسلم وجهه لله فذاك الكيّسُ العاقل، ومن استسلم لهواه فذاك الضال الغافل.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له
تنزه عن الشريك والشبيه والنظير وعن المشاكل من للعباد غيره؟ ومن يدبر الأمر؟ ومن يعدل المائل؟ من يشفي المريض؟ ومن يرعى الجنين في بطون الحوامل؟ من يكلأ الناس وهم نيام وهل لحمايته بدائل؟ من ينصر المظلوم ولولا عدله لاستوى القتيل والقاتل؟ من يظهر الحق ولولا لطفه لحكم القضاة للباطل؟ من يجيب المضطر إذا دعاه؟ ومن لا تُستعصى على قدرته المسائل؟ من لنا إذا انقضى الشباب وتقطعت بنا الأسباب والوسائل؟ من يكشف الكرب والغم ومن يفصل بين المشغول والشاغل؟ ذاك هو الله وكل ما خلا الله باطلُ.
وأشهد أن سيدنا محمدا عبد الله ورسوله
القرشي العربي الذي لم تُنجب مثله القبائل، سل الدنيا هل زانها قبله مشابه أو مماثل لولاه في الدنيا لانعدم الهدى وما كان في الناس مفضول أو فاضل اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وقنا بحبه شر النوازل.
العناصـــــــر
أولاً: تعريف الإسراء والمعراج ثانياً: حال النبي r قبل الإسراء والمعراج
ثالثاً: قصة الإسراء والمعراج رابعاً: إخباره r بالمعجزة للمشركين
خامساً: الدروس المستفادة منها
الموضــوع
أولاً: تعريف الإسراء والمعراج:
الإسراء لغة: من السَّرى، وهو السير ليلاً، وقال السخاوي في تفسيره: إنما قال: ليلاً. والإسراء لا يكون إلاَّ بالليل؛ لأن المدَّة التي أُسْرِيَ به فيها لا تُقْطَع في أقل من أربعين يومًا، فقُطعت به في ليلٍ واحد، فكان المعنى: سبحان الذي أسرى بعبده في ليلٍ واحد من كذا وكذا، وهو موضع التعجب، وإنما عدل عن ليلة إلى ليل؛ لأنهم إذا قالوا: سرى ليلة. كان ذلك في الغالب لاستيعاب الليلة بالسرى، فقيل: ليلاً. أي في ليل"([1])
وقيل: الإسراء رحلة أرضية تمت بقدرة الله عز وجل لرسول الله عليه الصلاة والسلام من مكة إلى بيت المقدس.
أما المعراج: فهو رحلة سماوية تمت بقدرة الله عز وجل لرسول الله عليه الصلاة والسلام من بيت المقدس إلى السماوات العلا ثم إلى سدرة المنتهى ثم اللقاء بالله سبحانه وتعالى.
وقيل: الإسراء هي تلك الرحلة الأرضية وذلك الانتقال العجيب، بالقياس إلى مألوف البشر، الذي تمَّ بقدرة الله من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، والوصول إليه في سرعة تتجاوز الخيال، يقول تعالى في سورة الإسراء: " سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ "سورة الإسراء
وأما المعراج: فهو الرحلة السماوية والارتفاع والارتقاء من عالم الأرض إلى عالم السماء، حيث سدرة المنتهى، ثم الرجوع بعد ذلك إلى المسجد الحرام، يقول تعالى في سورة النجم: " وَلَقَدْ رَآَهُ نَزْلَةً أُخْرَى. عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى. عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى. إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى. مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى. لَقَدْ رَأَى مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى "النجم
ثانياً: حال النبي r قبل الإسراء والمعراج:
دعا رسول الله r الى الله في مكة فترة طويلة، ولما لم يجد قبولا كبيرا للدعوة أحب أن يفتح بابا جديدا للدعوة في مكان آخر، فذهب إلى الطائف ومشى على قدمه مسافة طويلة جداً، ولما وصل اليها وبدأ يدعوهم الى الله إذا بهم يغروا به سفائهم وغلمانهم وصبيانهم فآذوه والقوه بالحجارة حتى أدموا قدميه r وألجئوه إلى خارج الطائف، وعاد مهموما حزينا.
ومع ذلك لما جاءه جبريل u ومعه ملك الجبال قائلا له:
كما جاء عن عروة أن عائشة رضي الله عنها زوج النبي r حدثته أنها قالت للنبي r هل أتى عليك يوم أشد من يوم أحد ؟ قال ( لقد لقيت من قومك ما لقيت وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال فلم يجبني إلى ما أردت فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني فنظرت فإذا فيها جبريل فناداني فقال إن الله قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك وقد بعث الله إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم فناداني ملك الجبال فسلم علي ثم قال يا محمد فقال ذلك فيما شئت إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين ؟ فقال النبي r بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا) ([2])
((الأخْشَبَان)): الجَبَلان المُحيطان بمكَّة. وَالأخشبُ: هُوَ الجبل الغليظ.
فيعود رسول الله r إلى مكة ويملأ الأسى قلبه ويملأ الحزن فؤآده، فزوجة حبيبة إلى قلبه قد فارقته، وعم كان يجود عنه قد فارقه، أصحابه في مكة والحبشة لا يستطيع حمايتهم، بل هو نفسه مطارد وقد فقد الأمل في أن يجد للدعوة ارضا خصبة في الطائف للدعوة إلى الله.
أما لهذه الاحزان من نهاية، أما لهذا الليل الذي طال ظلامه من صبح صادق وفجر مشرق.
نعم لقد كان هناك حدث عظيم وتسلية مذهلة مسحت أحزان النبي r وآلامه، لقد طوى الله له المسافات حتى رأى في جزء من هذه الليلة الجميلة الجليلة ما خلق الله في السماوات من الكواكب والنجوم والجنة والنار ......
كانت هذه المعجزة مكافئة ربانية من الله لنبيه r على ما لاقاه من آلام وأحزان طوال فترة الدعوة، وكأن الله تعالى يقول لحبيبه المصطفى: إن كان اهل مكة وأهل الطائف قد طردوك فإن رب السماوات والارض يدعوك، قم ايها المصطفى لترحل من عالم الأرض إلى عالم السماء، رفعه الله تعالى إليه ووضع عليه من حلل الرضا ما أنساه كل ما لاقاه من حزن وألم.
يا صاحب الهم إن الهم منفرج
|
**
|
أبشر بخير فــإن الفـــارج الله
|
اليأس يقطــع أحيانا بصاحبـــه
|
**
|
لا تيأســـن فـــإن الكافـــي الله
|
الله يحـــدث بعد العسر ميســرة
|
**
|
لا تجزعـــن فــإن القاســم الله
|
إذا بليــت فثق بالله وارضَ بــه
|
**
|
إن الذي يكشف البلوى هو الله
|
والله مالَكَ غير الله مــن أحــد
|
**
|
فحسبـــك الله فـي كـــلٍ لك الله
|
ثالثاً: قصة الإسراء والمعراج
قال تعالى " سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ"
وقال تعالى "وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (6) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى (7) ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9) فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (10) مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى (11) أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى (12) وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14) عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (15) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى (16) مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى (17) لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (18) سورة النجم
وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -r- قَالَ « أُتِيتُ بِالْبُرَاقِ - وَهُوَ دَابَّةٌ أَبْيَضُ طَوِيلٌ فَوْقَ الْحِمَارِ وَدُونَ الْبَغْلِ يَضَعُ حَافِرَهُ عِنْدَ مُنْتَهَى طَرْفِهِ - قَالَ فَرَكِبْتُهُ حَتَّى أَتَيْتُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ - قَالَ - فَرَبَطْتُهُ بِالْحَلْقَةِ الَّتِى يَرْبِطُ بِهِ الأَنْبِيَاءُ - قَالَ - ثُمَّ دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَصَلَّيْتُ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ خَرَجْتُ فَجَاءَنِى جِبْرِيلُ - u - بِإِنَاءٍ مِنْ خَمْرٍ وَإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ فَاخْتَرْتُ اللَّبَنَ فَقَالَ جِبْرِيلُ -r- اخْتَرْتَ الْفِطْرَةَ، ثُمَّ عَرَجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ فَقِيلَ مَنْ أَنْتَ قَالَ جِبْرِيلُ. قِيلَ وَمَنْ مَعَكَ قَالَ مُحَمَّدٌ. قِيلَ وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ قَالَ قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ. فَفُتِحَ لَنَا فَإِذَا أَنَا بِآدَمَ فَرَحَّبَ بِى وَدَعَا لِى بِخَيْرٍ. ثُمَّ عَرَجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ u. فَقِيلَ مَنْ أَنْتَ قَالَ جِبْرِيلُ. قِيلَ وَمَنْ مَعَكَ قَالَ مُحَمَّدٌ. قِيلَ وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ قَالَ قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ. فَفُتِحَ لَنَا فَإِذَا أَنَا بِابْنَىِ الْخَالَةِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَيَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّاءَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا فَرَحَّبَا وَدَعَوَا لِى بِخَيْرٍ. ثُمَّ عَرَجَ بِى إِلَى السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ. فَقِيلَ مَنْ أَنْتَ قَالَ جِبْرِيلُ.قِيلَ وَمَنْ مَعَكَ قَالَ مُحَمَّدٌ -r-. قِيلَ وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ قَالَ قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ. فَفُتِحَ لَنَا فَإِذَا أَنَا بِيُوسُفَ -r-إِذَا هُوَ قَدْ أُعْطِىَ شَطْرَ الْحُسْنِ فَرَحَّبَ وَدَعَا لِى بِخَيْرٍ. ثُمَّ عَرَجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ -u -قِيلَ مَنْ هَذَا قَالَ جِبْرِيلُ. قِيلَ وَمَنْ مَعَكَ قَالَ مُحَمَّدٌ. قَالَ وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ قَالَ قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ. فَفُتِحَ لَنَا فَإِذَا أَنَا بِإِدْرِيسَ فَرَحَّبَ وَدَعَا لِى بِخَيْرٍ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ (وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا) ثُمَّ عَرَجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ الْخَامِسَةِ فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ. قِيلَ مَنْ هَذَا قَالَ جِبْرِيلُ.قِيلَ وَمَنْ مَعَكَ قَالَ مُحَمَّدٌ. قِيلَ وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ قَالَ قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ. فَفُتِحَ لَنَا فَإِذَا أَنَا بِهَارُونَ -r-فَرَحَّبَ وَدَعَا لِى بِخَيْرٍ. ثُمَّ عَرَجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ السَّادِسَةِ فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ u. قِيلَ مَنْ هَذَا قَالَ جِبْرِيلُ. قِيلَ وَمَنْ مَعَكَ قَالَ مُحَمَّدٌ. قِيلَ وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ قَالَ قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ. فَفُتِحَ لَنَا فَإِذَا أَنَا بِمُوسَى -r-فَرَحَّبَ وَدَعَا لِى بِخَيْرٍ. ثُمَّ عَرَجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ فَقِيلَ مَنْ هَذَا قَالَ جِبْرِيلُ. قِيلَ وَمَنْ مَعَكَ قَالَ مُحَمَّدٌ -r-. قِيلَ وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ قَالَ قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ. فَفُتِحَ لَنَا فَإِذَا أَنَا بِإِبْرَاهِيمَ -r-مُسْنِدًا ظَهْرَهُ إِلَى الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ وَإِذَا هُوَ يَدْخُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ لاَ يَعُودُونَ إِلَيْهِ ثُمَّ ذَهَبَ بِى إِلَى السِّدْرَةِ الْمُنْتَهَى وَإِذَا وَرَقُهَا كَآذَانِ الْفِيَلَةِ وَإِذَا ثَمَرُهَا كَالْقِلاَلِ -قَالَ -فَلَمَّا غَشِيَهَا مِنْ أَمْرِ اللَّهِ مَا غَشِىَ تَغَيَّرَتْ فَمَا أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَنْعَتَهَا مِنْ حُسْنِهَا. فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَىَّ مَا أَوْحَى فَفَرَضَ عَلَىَّ خَمْسِينَ صَلاَةً فِى كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَنَزَلْتُ إِلَى مُوسَى -r-فَقَالَ مَا فَرَضَ رَبُّكَ عَلَى أُمَّتِكَ قُلْتُ خَمْسِينَ صَلاَةً. قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ فَإِنَّ أُمَّتَكَ لاَ يُطِيقُونَ ذَلِكَ فَإِنِّى قَدْ بَلَوْتُ بَنِى إِسْرَائِيلَ وَخَبَرْتُهُمْ. قَالَ فَرَجَعْتُ إِلَى رَبِّى فَقُلْتُ يَا رَبِّ خَفِّفْ عَلَى أُمَّتِى. فَحَطَّ عَنِّى خَمْسًا فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقُلْتُ حَطَّ عَنِّى خَمْسًا. قَالَ إِنَّ أُمَّتَكَ لاَ يُطِيقُونَ ذَلِكَ فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ. - قَالَ -فَلَمْ أَزَلْ أَرْجِعُ بَيْنَ رَبِّى تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَبَيْنَ مُوسَى -u -حَتَّى قَالَ يَا مُحَمَّدُ إِنَّهُنَّ خَمْسُ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لِكُلِّ صَلاَةٍ عَشْرٌ فَذَلِكَ خَمْسُونَ صَلاَةً. وَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةً فَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ لَهُ عَشْرًا وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا لَمْ تُكْتَبْ شَيْئًا فَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ سَيِّئَةً وَاحِدَةً -قَالَ -فَنَزَلْتُ حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى مُوسَى -r-فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r-فَقُلْتُ قَدْ رَجَعْتُ إِلَى رَبِّى حَتَّى اسْتَحْيَيْتُ مِنْهُ» ([3])
ومعني " وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ ": أي هل اذن له بالصعود الى السماء، وليس كما يتوهم بانه بعث اليه بالرسالة.
وقال السيوطي أيضًا: "الحكمة في كون آدم في الأُولى أنه أوَّل الأنبياء وأوَّل الآباء، وهو أصلٌ فكان أوَّلاً في الآباء، ولأجل تأنيس النبوَّة بالأُبُوَّة، وعيسى في الثانية لأنه أقرب الأنبياء عهدًا من محمد ، ويليه يوسف؛ لأنَّ أُمَّة محمد يدخلون الجنَّة على صورته، وإدريس قيل: لأنه أوَّل مَنْ قاتل للدِّينِ فلعلَّ المناسبة فيها الإذن للنبي بالمقاتلة ورفعه بالمعراج؛ لقوله تعالى: "وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا" "مريم: 57"، والرابعة من السبع وَسَط معتدل، وهارون لقربه من أخيه موسى، وموسى أرفع منه لفضل كلام الله، وإبراهيم لأنه الأب الأخير، فناسب أن يتجدَّد للنبي بلُقْيَاه أُنْس لتوجُّهه بعده إلى عالم آخر، وأيضًا فمنزلة الخليل تقتضي أن تكون أرفع المنازل، ومنزلة الحبيب أرفع؛ فلذلك ارتفع عنه إلى قاب قوسين أو أدنى".
وقال أيضًا: اقتصر الأنبياء على وصفه بالصالح، وتواردوا عليها؛ لأن الصلاح تشمل خلال الخير؛ ولذا كرَّرها كلٌّ منهم عند كل صفة.
وقد ذكر القرطبي كذلك أن الحكمة في تخصيص موسى بمراجعة النبي في أمر الصلاة، قيل: لأنه أوَّل من تلقَّاه عند الهبوط؛ ولأنَّ أُمَّته أكثر من أُمَّةِ غيره؛ ولأنَّ كِتَابَه أكبر الكتب المنزَّلة قبل القرآن تشريفًا وأحكامًا، أو لكون أُمَّة موسى قد كُلِّفت من الصلوات بما لم تُكَلَّف به غيرُها من الأمم، فثقلت عليهم، فأشفق موسى على أُمَّة محمد، ويُؤَيِّد ذلك ما ذُكِر في الرواية السابقة بقوله: "أنا أعلم بالناس منك". ولعلَّ الحكمة في تخصيص فرض الصلاة بليلة الإسراء والمعراج أنه لمَّا عُرج به في تلك الليلة تعبَّد الملائكة، وأن منهم القائم فلا يقعد، والراكع فلا يسجد، والساجد فلا يقعد، فجمع الله له ولأُمَّته تلك العبادات كلها؛ يصليها العبد في ركعة واحدة، بشرائطها من الطمأنينة والإخلاص، وفي اختصاص فرضيتها بليلة الإسراء إلى عظيم بيانها؛ ولذلك اختصَّ فرضها بكونه بغير واسطة بل بمراجعات تعدَّدت.
ونضيف إلى ذلك أن الله تعالى أراد أن يُعِدَّ رسوله لمرحلة جديدة من مراحل الدعوة الإسلاميَّة، هذه المرحلة تُشبه المرحلة التي رأى فيها موسى آيات الله تعالى، وهي مرحلة مجابهة فرعون؛ فقد قال الله تعالى عن موسى: "لِنُرِيَكَ مِنْ آَيَاتِنَا الْكُبْرَى اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى" "طه: 22-23". فموسى الذي سيقابل فرعون الطاغية قد هُيِّئَ بهذه الرؤية لاحتقار كلِّ القوى الأرضيَّة ما دامت معه قوَّة الله تعالى، والرسول كان مأمورًا بالصبر طيلة الفترة المكية، ثم إنه بعد الهجرة أمر بالمجابهة، وكان الإسراء والمعراج قبل الهجرة بقليل -بعام واحد على أصحِّ الأقوال-فكانت رؤية آيات الله الكبرى تمهيدًا لهذه المرحلة التي سيقف فيها رسول الله بالقلة من أصحابه في وجه الدنيا كلها، فقال تعالى في أوائل سورة النجم عن المعراج: "لَقَدْ رَأَى مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى" "النجم: 18"
رابعاً: إخباره r بالمعجزة للمشركين:
قال ابن كثير: أن أبا جهل لعنه الله رأى رسول الله r في المسجد الحرام وهو جالس واجم فقال له: هل من خبر؟ فقال نعم فقال: وما هو؟ فقال : إني أسرى بي الليلة إلى بيت المقدس قال : إلى بيت المقدس ؟ قال : نعم قال : أ رأيت إن دعوت قومك لك لتخبرهم أتخبرهم بما أخبرتني به ؟ قال : نعم فأراد أبو جهل جمع قريش ليسمعوا منه ذلك و أراد رسول الله r جمعهم ليخبرهم ذلك و يبلغهم فقال أبو جهل : هيا معشر قريش و قد اجتمعوا من أنديتهم فقال أخبر قومك بما أخبرتني به فقص عليهم رسول الله r خبر ما رأى و أنه جاء بيت المقدس هذه الليلة و صلى فيه فمن بين مصفق و بين مصفر تكذيبا له و استبعادا لخيره و طار الخبر بمكة و جاء الناس إلى أبي بكر t فأخبروه أن محمدا r يقول كذا وكذا فقال : إنكم تكذبون عليه فقالوا : و الله إنه ليقوله فقال : إن كان قاله فلقد صدق .
ثم جاء إلى رسول الله r و حوله مشركوا قريش فسأله عن ذلك فأخبره فاستعمله عن صفات بيت المقدس ليسمع المشركون و يعلموا صدقه فيما اخبرهم به و في الصحيح : أن المشركين هم الذين سألوا رسول الله r عن ذلك قال فجعلت أخبرهم عن آياته فالتبس على بعض الشيء فجلى الله لي بيت المقدس حتى جعلت أنظر إليه دون دار عقيل وأنعته لهم فقالوا : أما الصفة فقد أصاب و ذكر ابن إسحاق فأخبرنا عن عير لنا قادم من الشام ، فأخبرهم رسول الله r بخبر القافلة التي يتقدمها جمل أورق ، كما أخبرهم أنها ستصل يوم كذا مع طلوع الشمس ، وعندما خرجوا ينتظرون وصول القافلة مع طلوع الشمس قالوا عندما رأوها : إن هذا سحر مبين .
فأقام الله عليهم الحجة واستنارت لهم المحجة فآمن من آمن على يقين من ربه وكفر من كفر بعد قيام الحجة عليه كما قال الله تعالى " وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس " أي اختبارا لهم وامتحانا"([4])
خامساً: الدروس المستفادة منها
ذكر الله على كل حال: تبدأ سورة الإسراء بكلمة " سبحان " فيها التنزيه والتعظيم والإجلال لصاحب هذه المعجزة من ألفها إلى يائها، فكانت المعجزة كلها بقدر الله وبقدرة الله عز وجل، ولكن الأمةَ تتعلم درس التسبيح والتعظيم والتمجيد لله عز وجل ومفاد ذلك: أن تعيش الأمة مسبحة لله، أن تعيش الأمة ذاكرة لله، أن تعيش الأمة موصولة بذكرها وتسبيحها لله عز وجل، ولما لا تعيش الأمة مسبحة لربها والكون كله مسبح لله يقول تعالى: "وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ" (الإسراء).
شرف العبودية "أسرى بعبده": يقول المولى سبحانه "سبحان الذي أسرى بعبده" ولماذا لم يقل برسوله أو نبيه أو حبيبه أو خليله ، فلله عز وجل في كونه عبيد وعباد ، فكلنا عبيد الله الطائع فينا والعاصي والمؤمن فينا والكافر ، ولكن عباد الله هم الذين أخلصوا له فاتحد اختيارهم مع منهج الله سبحانه وتعالى ، ما قال لهم افعلوه فعلوه وما نهاهم عنه انتهوا؛ ولذلك عندما يتحدث القرآن عن المخلصين بين خلق الله لا يسميهم عبيد ولكن يسميهم عبادًا يقول تعالى: "وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمْ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا (63)" (الفرقان) .
والحق قد استخدم كلمة عبده ليلفتنا إلى حقيقتين هامتين؛ الأولى أن الإسراء بالروح والجسد ولم يكن منامًا، والثانية والأهم أن الله جل جلاله يريد أن يثبت لنا أن العبوديةَ له هي أسمى المراتب التي يصل إليها الإنسان، فالعبودية لله عزة ما بعدها عزة، وعطاء ما بعده عطاء في سورة الكهف يقول الحق: " فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا (65)".
إن العبودية لله شرف، والعبودية للبشرية نقيصة وذلة؛ لأن السيدَ يريد أن يأخذ خير عبده وأن يجرده من كل حقوقه وماله، ولكن لله سبحانه وتعالى يعطي بغير حساب فكفى بالمرء عزًا أن يكون عبدًا وكفى به فخرًا أن يكون الله له ربًا، ولقد خُيِّر رسول الله-"-بين أن يكون نبيَّا ملكًا أو عبدًا رسولاً فاختار أن يكون عبدًا رسولاً. وبهذه العبودية وصل رسول الله-"-إلى مكانٍ لم يصل إليه ملكٌ مقربٌ ولا نبي مرسل، بل كان رسول الله يجتهد أن يصل إلى هذه العبودية الحقة بقيامِ الليل حتى تورمت أقدامه فلما أشفقت عليه زوجه عائشة-رضي الله عنها-وقالت: يا رسول الله هون على نفسك فأنت الذي غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر. فقال المعصوم-" -: " يا عائشة، أفلا أكون عبدًا شكورًا"، بل طلبَ من أمته ذلك؛ فقال-"-: "لا تطروني كما أطرت النصارى المسيح ابن مريم، ولكن قولوا عبد الله ورسوله".
وليعلم كل مسلم أن التمكين والنصر والتأييد والأمن لا يكون إلا لعباد الله عز وجل المخلصين قال تعالى: "وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا" (النور).
الاطلاع على قدرة الله تعالى: إن القدرة الإلهية التي خلقت هذا الكون الكبير، لن تعجز عن حمل بشر إلى عالم السماء، وإعادته إلى الأرض، في رحلة ربانية معجزة لا يدري كيفيتها بشر؛ فالإسراء: آية من آيات الله تعالى التي لا تُعَدُّ ولا تحصى، وهو انتقال عجيب بالقياس إلى مألوف البشر؛ ولهذا فقد أثار كفار قريش حوله جدلاً طويلاً، وتساؤلات كثيرة. ولا يخفى على كل ذي بصيرة أن الله تعالى واضع نظام هذا الكون وقوانينه، وأن من وضع قوانين التنفس والجاذبية والحركة والانتقال والسرعة وغير ذلك، قادر على استبدالها بغيرها عندما يريد ذلك.
فلو فرضنا مثلا أن رجلا يريد أن ينتقل من مصر إلى القاهرة، فمن المؤكد أنه سيحتاج إلى وسيلة مواصلات، فلو ركب دراجة مثلا لقطع المسافة في زمن كبير، ولو ركب سيارة فيقطع المسافة في وقت أقل، ولو ركب طيارة لقل الوقت أكثر، وهكذا فالقدرة تتناسب تناسبا عكسيا مع الزمن، بمعنى أنه إذا زادت القدرة قل الزمن والعكس، فما بالك إذا كان الذي يتحكم في القدرة والزمن هو الله وهو القادر على كل شئ.
الاطلاع على بدائع صنع الله: عندما يطلع الإنسان على عظمة الله سبحانه، ويدرك بديع صنعه، وعظيم قدرته، يثق بنفسه ودينه ويطمئن إلى أنه بإيمانه يكون قد لجأ إلى ركن وثيق لا يختار له إلا الأصلح، ولا يريد له إلا الخير، قادر على كل شيء، ومحيط بكل الموجودات.
مكانة المسجد الأقصى في الإسلام: للمسجد الأقصى قدسية كبيرة عند المسلمين ارتبطت بعقيدتهم منذ بداية الدعوة. فهو يعتبر قبلة الأنبياء جميعاً قبل النبي محمد r وهو القبلة الأولى التي صلى إليها النبي r قبل أن يتم تغير القبلة إلى مكة. وقد توثقت علاقة الإسلام بالمسجد الأقصى ليلة الإسراء والمعراج حيث أسرى بالنبي r من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى وفيه صلى النبي إماما بالأنبياء ومنه عرج النبي r إلى السماء. وهناك في السماء العليا فرضت عليه الصلاة.
ويعتبر المسجد الأقصى هو المسجد الثالث الذي تشد إليه الرحال، فقد ذكر النبي r إن المساجد الثلاثة الوحيدة التي تشد إليها الرحال هي المسجد الحرام، والمسجد النبوي والمسجد الأقصى.
عن أبي هريرة t عن النبي ص قال: «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجد الرسول r، ومسجد الأقصى» ([5])
قال أمير الشعراء احمد شوقي:
أسـرى بك الله ليلا إذ ملائكة
|
**
|
والرسل في المسجد الأقصى على قدم
|
لما خطرت بهم التفوا بسـيدهم
|
**
|
كالشهب بالبدر أو كالجند بالعلم
|
صلى وراءك منهم كل ذي خطر
|
**
|
ومن يفز بحـبـيـب الله يأتم
|
حتى بلغت سماء لا يطـار لها
|
**
|
على جناح ولا يسـعى على قدم
|
وقـيل كل نبـي عند رتبـته؟
|
**
|
ويا محمد هــذا العرش فاستلم
|
الرسول r إماماً للأنبياء والمرسلين: عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قال: قال رَسُولُ اللَّهِ -r -«لَقَدْ رَأَيْتُنِى فِى الْحِجْرِ وَقُرَيْشٌ تَسْأَلُنِى عَنْ مَسْرَاىَ فَسَأَلَتْنِى عَنْ أَشْيَاءَ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ لَمْ أُثْبِتْهَا. فَكُرِبْتُ كُرْبَةً مَا كُرِبْتُ مِثْلَهُ قَطُّ قَالَ فَرَفَعَهُ اللَّهُ لِى أَنْظُرُ إِلَيْهِ مَا يَسْأَلُونِى عَنْ شَىْءٍ إِلاَّ أَنْبَأْتُهُمْ بِهِ وَقَدْ رَأَيْتُنِى فِى جَمَاعَةٍ مِنَ الأَنْبِيَاءِ فَإِذَا مُوسَى قَائِمٌ يُصَلِّى فَإِذَا رَجُلٌ ضَرْبٌ جَعْدٌ كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ وَإِذَا عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ - u - قَائِمٌ يُصَلِّى أَقْرَبُ النَّاسِ بِهِ شَبَهًا عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ الثَّقَفِىُّ وَإِذَا إِبْرَاهِيمُ - u - قَائِمٌ يُصَلِّى أَشْبَهُ النَّاسِ بِهِ صَاحِبُكُمْ - يَعْنِى نَفْسَهُ - فَحَانَتِ الصَّلاَةُ فَأَمَمْتُهُمْ فَلَمَّا فَرَغْتُ مِنَ الصَّلاَةِ قَالَ قَائِلٌ يَا مُحَمَّدُ هَذَا مَالِكٌ صَاحِبُ النَّارِ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ. فَالْتَفَتُّ إِلَيْهِ فَبَدَأَنِى بِالسَّلاَمِ» ([6])
جعد: منقبض الشعر غير منبسطه، الضرب: الخفيف اللحم الممشوق المستدق، الكربة: الغم والهم
وفي هذا دلالات منها أن الإسلام هو كلمة الله الأخيرة إلى خلقه، ودليل على عالمية الإسلام، وعموم رسالة محمد، وأنه حامل لواء الهداية للخلق جميعًا، تحمَّلها سيدنا رسول الله بأمانة وقوة، وقام بحقها على خير وجه، ثم ورَّثها لأمته من بعده، وبذلك أصبحت خير أمة أخرجت للناس، ومسئولة عن إقامة حُجَّة الله على خلقه جميعًا، كما قال تعالى: "وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا" "البقرة: 143".
أصل الدين واحد هو التوحيد: إن أنبياء الله ورسله بعثهم الله إلى خلقه ليعرفوهم بالله، وكيف يعبدونه؛ ليُعلموهم أن الله وحده هو المستحق للعبادة، قال تعالى: "وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ" "الأنبياء: 25". وهذا يعني أن رسالة الأنبياء واحدة، وأنهم جميعًا إخوة، وقد أكَّد رسول الله هذه الحقيقة في مناسبات عدة، منها: قوله عن نبي الله يونس "أخي كان نبيًّا، وأنا نبي"([7])
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله: "أَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَالأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ لِعَلاَّتٍ، أُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى، وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ" ([8]).
والعَلات بفتح المهملة: الضرائر. وأصله أن من تزوج امرأة ثم تزوج أخرى كأنه عَلَّ منها. والعلل: الشُّرب بعد الشرب. وأولاد العلات: الإخوة من الأب 13". أي أن شرائعهم متعددة، وأصل الدين واحد هو التوحيد. وجاءت ليلة الإسراء والمعراج تؤكد المعنى السابق، فوجدنا أن العبارة التي رددها الأنبياء عليهم السلام ترحيبًا بسيدنا محمد حين استقبلوه في السماوات العُلا هي: "مَرْحَبًا بِالأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ"([9])
الإسلام دين الفطرة: وقد ظهر ذلك في اختيار النبي ـ r ـ اللبن على الخمر، وبشارة جبريل ـ u ـ للنبي ـ r ـ بقوله: هُدِيت إلى الفطرة، ففي ذلك دلالة على أن الإسلام هو الدين الذي يلبي نوازع الفطرة في توازن بين الروح والجسد، والمصالح والمفاسد، والدنيا والآخرة، فلو أن الفطرة كانت جسما ذا طول وأبعاد، لكان الدين الإسلامي الثوب المفصل على قدره، وهذا من أهم أسرار سرعة انتشار الإسلام وإقبال الناس عليه، رغم ما يوضع أمامه من عوائق وعقبات. قال تعالى:" فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ " (الروم )
فضل ومكانة سيدنا محمد r: حيث صعد به رب العزة والجلالة إلى مكان عظيم لم يبلغه أحد من البشر قبله، حيث عرج به إلى السماوات السبع، وتخطاهن حتى وصل إلى سدرة المنتهى، وكلَّمه رب العزة والجلالة.
انتقال النبى r من مرتبة علم اليقين إلى مرتبة عين اليقين: وعلم اليقين: بمعنى انه إذا قلنا ان النبي r أخبرنا أن الجنة فيها ما لا عين رَأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر فنحن نصدقه ولكننا لم نرى شيئاً.
وعندما نرى ما أخبرنا به رسول الله r فهذا عين اليقين أي رأيت ذلك المخبر عنه بعينك
وذلك كما قال الله تعالى "أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (1) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ (2) كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (3) ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (4) كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (5) لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (6) ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ (7) ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (8) " سورة التكاثر
أهمية الصلاة ومنزلتها في الإسلام: وذلك أن الصلاة هي الفريضة الوحيدة التي فرضت ليلة الإسراء والمعراج في السماء السابعة وبدون واسطة ، قال رسول الله r : " ، ثُمَّ فُرِضَتْ عَلَيَّ الصَّلَوَاتُ خَمْسِينَ صَلَاةً كُلَّ يَوْمٍ، فَرَجَعْتُ فَمَرَرْتُ عَلَى مُوسَى، فَقَالَ: بِمَا أُمِرْتَ، قلت: أُمِرْتُ بِخَمْسِينَ صَلَاةً كُلَّ يَوْمٍ، قَالَ: إِنَّ أُمَّتَكَ لا تَسْتَطِيعُ خَمْسِينَ صَلَاةً كُلَّ يَوْمٍ، وَإِنِّي ـ وَاللَّهِ ـ قَدْ جَرَّبْتُ النَّاسَ قَبْلَكَ، وَعَالَجْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَشَدَّ الْمُعَالَجَةِ، فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ، فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ لِأُمَّتِكَ فَرَجَعْتُ فَوَضَعَ عَنِّي عَشْرًا، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقَالَ مِثْلَهُ، فَرَجَعْتُ، فَوَضَعَ عَنِّي عَشْرًا، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقَالَ مِثْلَهُ، فَرَجَعْتُ فَوَضَعَ عَنِّي عَشْرًا، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقَالَ مِثْلَهُ، فَرَجَعْتُ، فَأُمِرْتُ بِعَشْرِ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ، فَرَجَعْتُ فَقَالَ مِثْلَهُ، فَرَجَعْتُ، فَأُمِرْتُ بِخَمْسِ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى، فَقَالَ: بِمَ أُمِرْتَ ؟ قُلْتُ: أُمِرْتُ بِخَمْسِ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ، قَالَ: إِنَّ أُمَّتَكَ لا تَسْتَطِيعُ خَمْسَ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ، وَإِنِّي قَدْ جَرَّبْتُ النَّاسَ قَبْلَكَ، وَعَالَجْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَشَدَّ الْمُعَالَجَةِ؛ فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ، فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ لِأُمَّتِكَ! قَالَ: سَأَلْتُ رَبِّي حَتَّى اسْتَحْيَيْتُ، وَلَكِنِّي أَرْضَى، وَأُسَلِّمُ، فَلَمَّا جَاوَزْتُ نَادَى مُنَادٍ: أَمْضَيْتُ فَرِيضَتِي، وَخَفَّفْتُ عَنْ عِبَادِي ([10])
الاستفادة من الخبرات السابقة: ويتضح لنا ذلك من خلال استجابة سيدنا رسول الله لنبي الله موسى بالمراجعة في أمر الصلوات: "، وَإِنِّي وَاللَّهِ قَدْ جَرَّبْتُ النَّاسَ قَبْلَكَ، وَعَالَجْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَشَدَّ الْمُعَالَجَةِ، فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ لأُمَّتِكَ. فَرَجَعْتُ ".
شجاعة النبي ـ r ـ في الجهر بالحق: ويظهر ذلك في مواجهته ـ r ـ للمشركين بأمر تنكره عقولهم، فلم يمنعه من الجهر به، الخوف من مواجهتهم واستهزائهم، فضرب بذلك ـ r ـ لأمته أروع الأمثلة في وقوف الحق أمام الباطل وأهله، وإن كان هذا الحق غريبا عليهم.
الصداقة الحقيقية مبادئ ومواقف: فحينما عاد النبي r من رحلة الإسراء والمعراج وقص على قريش ما حدث، انطلق نفرٌ منهم إلى أبي بكر t يسألونه عن موقفه من الخبر، فقال لهم: " لئن كان قال ذلك لقد صدق"
معجزة من معجزات النبي ـ r ـ حارت فيها بعض العقول: فزعمت أنها كانت بالروح فقط، أو كانت مناما، لكن الذي عليه جمهور المسلمين من السلف والخلف أنها كانت بالجسد والروح، قال الإمام ابن حجر في شرحه لصحيح البخاري: إن الإسراء والمعراج وقعا في ليلة واحدة، في اليقظة بجسده وروحه ـ r ـ وإلى هذا ذهب جمهور من علماء المحدثين والفقهاء والمتكلمين، وتواردت عليه ظواهر الأخبار الصحيحة، ولا ينبغي العدول عن ذلك، إذ ليس في العقل ما يحيله، حتى يحتاج إلى تأويل. وكذلك قال النووي ـ رحمه الله ـ في شرحه لصحيح مسلم: ومن الأدلة كذلك على أن الإسراء والمعراج بالجسد والروح استعظام كفار قريش لذلك، فلو كانت المسألة مناما لما استنكرته قريش، ولما كان فيه شيء من الإعجاز.
أيها المسلمون: إن رحلة الإسراء والمعراج لم تكن مجرد رحلة تسرية وتسلية لقلب النبي r فحسب، بل كانت رحلة تربية وتهذيب لنا، فلعلنا ننتفع بهذه الدروس، ونحيي بها ما اندرس في النفوس.
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
وصلِّ اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
إعداد: الشيخ احمد أبو عيد
0109 809 58 54
نسألكم الدعاء
تعليقات: (0) إضافة تعليق