الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أيها الأخوة المؤمنون: أوصيكم ونفسي بتقوى الله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].
اهتم الإسلام بالنظافـة الفردية لكل مسلم، وبالنظافة العامة في البيئة والمجتمع، ودعا الناس إلى الالتزام بالطهارة، وإزالة الأقذار، والعناية بكل مكان ينزل به الإنسان حيث بني الدين على النظافة الباطنية والظاهرية، وهو منسجم مع مفهوم الطهارة فقد كان من أوائل ما نزل من القرآن، قال تعالى: (وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ) [المدثر: 4] بعد أن قال: (وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ) [المدثر: 3] فقرن التوحيد بنظافة الثوب ولا صارف للفظ عن ظاهره.
وفي الحديث الصحيح عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما على أحدكم إن وجد سعة أن يتخذ ثوبين ليوم الجمعة غير ثوبي مهنته"[أخرجه أبو داود ومالك وأحمد].
بيّن النبي صلى الله عليه وسلم أن من مبادئ الإسلام النظافة، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ)[البقرة: 222].
وروى الخطيب وغيره عن عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الإسلام نظيف فتنظفوا؛ فإنه لا يدخل الجنة إلا نظيف".
حثّ النبي صلى الله عليه وسلم على نظافة البدن بشتى وسائل النظافة وسن النبي اهتماماً بالطهارة والنظافة وحسن المظهر الاغتسال يوم الجمعة قال: "لا يغتسل رجل يوم الجمعة، ويتطهر ما استطاع من طهر، ويدهن من دهنه، أو يمس من طيب بيته، ثم يخرج فلا يفرق بين اثنين، ثم يصلي ما كتب له، ثم ينصت إذا تكلم الإمام إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى".
وعن أَبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ أَنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "غُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَة وَاجبٌ عَلَى كلّ مُحْتَلِمٍ"[ البخاري وغيره].
وروى الإمام أحمد والنسائي عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "على كل رجل مسلم في كل سبعة أيام غسل يوم وهو يوم الجمعة".
وحث أيضا على تعهد أطراف البدن بالنظافة وإزالةُ الأوساخ عنها، وهي من الفطرة.
عن عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنها قالت: قال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: "عشر من الفطرة: قص الشارب، وإعفاء اللحية، والسواك، واستنشاق الماء، وقص الأظفار، وغسل البراجم، ونتف الإبط، وحلق العانة، وانتقاص الماء".
قال الراوي: ونسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضة، قال وكيع وهو أحد رواته: انتقاص الماء: يعني الاستنجاء[رَوَاهُ مُسلِمٌ].
والبراجم: عقد الأصابع.
كما حث على تنظيف الفم من آثار الطعام والشراب والتخلل واستعمال السواك، عن عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنها أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم قال: "السواك مطهرة للفم، مرضاة للرب"[رواه النسائي وابن خزيمة في صحيحه بأسانيد صحيحه].
وعن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ أن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم قال: "لولا أن أشق على أمتي أو على الناس لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة"[مُتَّفَقٌ عَلَيهِ].
وحث على نظافة الثياب والشعر، روى الطبراني وأبو نعيم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من كرامة المؤمن على الله تعالى نقاء ثوبه، ورضاه باليسير".
ولأبي نعيم عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا وسخة ثيابه، فقال: "أما وجد هذا شيئا يُنقّي به ثيابه؟". ورأى رجلا أشعث الرأس، فقال: "أما وجد هذا شيئا يُسَكِّن به شعره". وفي لفظ: "رأسه".
فرض الإسلام الغسل والوضوء، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)[المائدة: 6].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم قال: "إذا توضأ العبد المسلم أو المؤمن فغسل وجهه خرج من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينه مع الماء أو مع آخر قطر الماء، فإذا غسل يديه خرج من يديه كل خطيئة كان بطشتها يداه مع الماء أو مع آخر قطر الماء، فإذا غسل رجليه خرجت كل خطيئة مشتها رجلاه مع الماء أو مع آخر قطر الماء حتى يخرج نقياً من الذنوب"[رَوَاهُ مُسْلِمٌ].
وحث على نظافة المسكن، عن سعد بن أبي وقاص رفعه: "إن الله طيب يحب الطيب، نظيف يحب النظافة، كريم يحب الكرم، جواد يحب الجود، فنظفوا أفنيتكم، ولا تشبَّهوا باليهود"[رواه الترمذي].
فعلى المسلم أن يهتم بنظافة المنزل بحيث تكون مظهرا في منتهى النظافة والجمال ومبعثا للروائـح الطيبة، وأن يرحل الفضلات بحيث توضع في مواضعها المخصصة دون أن ترمى هنا وهناك فتتعرض للبعثرة.
حث على نظافة المسجد، المسجد بيت الله تعالى جدير بكل رعاية واهتمام، منه يصعد الكلم الطيب، ويرتفع ذكر الله تعالى فيتردد صداه بين جوانح المؤمنين.
فقد أمر الإسلام ببناء المساجد، عن جابر بْن عَبْد اللّه؛ أن رَسُول اللَّهِ صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلَّمْ قال: "من بنى مسجداً لله كمفحص قطاة، أو أصغر، بنى اللَّه له بيتاً في الجنة"[ابن ماجه].
وحث الإسلام على نظافتـها من الأوساخ والغبار، عن أبي هريرة أن رجلا أسود، أو امرأة سوداء، كان يقم المسجد، فمات، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عنه، فقالوا: مات، قال: "أفلا كنتم آذنتموني به، دلوني على قبره، أو قال قبرها، فأتى قبرها فصلى عليها"[رواه البخاري].
عن أنس بن مالك قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "عرضت عليَّ أجور أمَّتي حتَّى القذاة يخرجها الرَّجل من المسجد، وعرضت عليَّ ذنوب أمَّتي فلم أر ذنباً أعظم من سورة من القرآن أو آيةٍ أوتيها رجلٌ ثمَّ نسيها"[رواه أبو داود والترمذي].
كما رغب في تجمير المسجد وتبخيره وتطييبه، عن عائشةَ قَالَتْ: "أَمَرَ النَّبيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبِنَاءِ المسَاجدِ في الدُّورِ، وأَنْ تُنَظَّفَ وتُطَيَّبَ"[الترمذي وابن ماجه].
حث على نظافة الطريق وجعل ذلك من شعب وخصائل الايمان، فعن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ أن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم قال: "الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة، فأفضلها قول لا إله إلا اللَّه، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان"[مُتَّفَقٌ عَلَيهِ].
وحذر نبيكم عن أذية المؤمنين في ذلك بأن يتغوط الانسان أو يلقي غائطه في طريق الناس فيتضررون بذلك؛ فعن أبي هريرة رَضيَ اللَّهُ عَنْهُ أن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم قال: "اتقوا اللاعنين" قالوا: وما اللاعنان؟ قال: "الذي يتخلى في طريق الناس أو في ظلهم"[رَوَاهُ مُسْلِمٌ].
لذلك لا نستغرب حينما نجد ذلك الجزاء العظيم بدخول الجنة بسبب إزالة ما يؤذي المسلمين في طريقهم، روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بينما رجل يمشي بطريق وجد غصن شوك على الطريق فأخره فشـكر اللَّه له فغفر له".
وفي رواية: "مر رجل بغصن شجرة على ظهر الطريق فقال: والله لأنحين هذا عن طريق المسلمين لا يؤذيهم؛ فأدخل الجنة".
وجعل إماطة الأذى عن الطريق من الصدقات، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وتميط الأذى عن الطريق صدقة".
كيف جاء الإسلام ليحدث أولاء البدو عن أسس النظافة وقواعدها ووسائلها وأسبابها ويحذر أشد التحذير من النجاسة والقذى فيقرن التوحيد بالطهارة الشرك بالنجاسة في أوائل ما نزل من القرآن حيث قال عز وجل ﴿وربك فكبر وثيابك فطهر﴾ المدثر. 3: 4 .
وقال عز وجل ﴿إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا﴾ التوبة.
لقد جعل الإسلام من النظافة والطهارة ركناً ركيناً وأصلاً من الشريعة والدين قال r "الطهور شطر الإيمان"(2) ومن العجب أن هذا لم يكن مألوفاً في حياة العرب ولا غيرهم أليس هذا إعجازاً دالاً على أن القرآن ليس من عند بشر بل هو من لدن حكيم حميد.
وفي هذا البحث نتناول هذا الموضوع من خلال الفصول التالية:
النظافة عند العرب وغيرهم من اليهود والنصارى والبراهمة والمجوس قبل الإسلام وأثناءه.
موقف الإسلام من النظافة.
الكشف العلمي عن ضرورة النظافة للوقاية من الأمراض. وجه الإعجاز العلمي في القرآن والسنة في هذه القضية.
أولاً: النظافة عند العرب وغيرهم:
النظافة عند العرب: "كان الغالب من أهل باديتهم لا يعاف شيئاً من المأكل لقلتها عندهم ومنهم من كان يعاف العذر ويتجنب عن أكل كل ما دب ودرج"(3) وقد كانت العرب قبل الإسلام تأكل الميتة والدم ولحم الخنزير والمنخنقة(4) والموقوذة(5) والمتردية(6) وبقايا ما تأكله السباع والطيور والهوام وربما أكلو دون تذكية وذبح. ولا يعافونها. وقد ذكر الإمام ابن كثير في تفسيره "قال ابن أبي حاتم عن أبي أمامة وهو صدي بن عجلان قال بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قومي أدعوهم إلى الإسلام وأعرض عليهم شرائع الإسلام فأتيتهم فبينما نحن كذلك إذ جاؤا بقصعة من دم فاجتمعوا عليها يأكلونها فاقلوا هلم يا صدي فكل قال قلت ويحكم إنما أتيتكم من عند من يحرم هذا عليكم فأقبلوا عليه وما ذاك؟ فتلوث عليهم هذه الآية.. حرمت عليكم الميتة والدم.. الآية.وكان العرب الجاهليه كثيراً من مظاهر الوساخة والنجاسة مما لا يخفى على أحد حتى جاء الإسلام فهذبها وحرم بعضها وكره بعضها فلله الحمد والمنة.
النظافة عند المجوس: يعتقد المجوس وهم عباد النار أن أقرب القربات إلى ربهم أن يغتسلوا ببول البقر وألا يمسوا ماءً ولا طهوراً أبداً وكانت تأخذ طابع التعبد للإله المزعوم عندهم. يقول ابن الجوزي في كتابه تلبيس إبليس ص74 ذكر تلبيس إبليس على المجوس(7) وكانوا لا يدفنون موتاهم في الأرض تعظيماً لها ويقولون أنها نشوء الحيوانات فلا نقذرها وكانوا لا يغتسلون بالماء تعظيماً له وقولهم لأن به حياة كل شيء إلا أن يستعملوا قبله أو بعده بول البقر ونحوه ولا يبزقون فيه ولا يرون قتل الحيوانات ولا ذبحها وكانوا يغسلون وجوههم ببول البقر تبركاً به وإذا كان عتيقاً كان أكثر بركة... وإذا أرادت الحائض أن تغتسل دفعت ديناراً إلى الموبذ.. إلى أن قال ابن الجوزي رحمه الله "ومن أقوال المجوس أن الرعد إنما هو ...... العفاريت المحبوسة في الأفلاك المأسورة وأن الجبال من عظامهم والبحر من أبوالهم ودمائهم" ا.هـ قلت ولعل هذا سبب عدم استعمالهم الماء واغتسالهم به.
النظافة عند البراهمة: يقول ابن الجوزي في كتابه تلبيس إبليس(8) وهو يبين صور عباداتهم وقربهم "ومنهم من يقف في أخثاء البقر إلى ساقه ويشعل النار فيحترق"(9)
النظافة عند النصارى: والأمة النصرانية كذلك لم تعرف النظافة في كتابها المقدس "الإنجيل. العهد الجديد" الذي حرفه الأحبار والرهبان وغيروا فيه وبدلوا فقد جاء في الاصحاح السابع من انجيل مرتس "ثم سأله الفريسيون والكتبة لماذا لا يسلك تلاميذك حسب تقليد الشيوخ بل يأكلون خبزاً بأيد غير مغسوله فأجاب وقال لهم حسناً تنبأ عنكم أشعيا أنتم المرائين كما هو مكتوب. كما ورد في إنجيل مرقس الإصحاح السادس. وأوصاهم ألا يحملوا شيئاً للطريق غير عصى فقط ولا مزود أولا نحاساً في المنطقة بل يكونوا مشدودين بنعال ولا يلبسوا ثوبين.
النظافة عند اليهود: أما اليهود فهم أمة القذى والنجاسات عبر التاريخ كله وغلى يومنا هذا وإلى الأبد وكما قال عنهم r في الحديث الذي رواه الترمذي والبزار والطبراني في الأوسط وحسنه الألباني من حديث سعد بن أبي وقاص عن النبي r "نظفوا ....... ولا تشبهوا باليهود" قال في تحفة الأحوذي الغناء سامة البيت وقبالته وقيل عتبته وسدته وقوله ولا تشبهوا باليهود أي في عدم النظافة والطهارة وقلة التطيب وكثرة البخل والخسة
أقول ما سمعتم، واستغفر الله لي ولكم.
الخطب الثانية
عباد الله: لقد سمعتم من الأحاديث التي فيها اللعن للذي يتخلى في طريق الناس وظلهم، وكلكم تشاهدون برميل القمامة عن يمين المسجد يكون خالياً والأوساخ والأكياس بجانبه حتى لتصل في بعض الأحيان من كثرتها إلى قرب باب المسجد تؤذي المارة، وقد يلتصق بعض الأوساخ أو النجاسات بأحذية الماشي إلى المسجد أو بعض الأطفال ممن يرتادون المساجد فيحملون النجاسة إلى بيوت الله تعالى يلوثون بها الفرش والساحات، فهل يليق ذلك ببيوت الله تعالى؟!
وعلاوة على ذلك، فإن كثرة هذه الأوساخ وتكدسها في غير موضعها المخصص فيها أذية للجيران الساكنين حولها.
إن الإسلام أوجب بين الناس التعاون والإحسان، وحرم الأذى والعدوان، وأقام العلائق بين الخلائق، ورغبهم في الحب والإخاء، والتراحم والوفاء.
ولهذا أوصى الإسلام بالجار، فأمر بالإحسان إليه، وأكد حقه وحذر من إيذائه ولقد كان العرب في الجاهلية والإسلام يحمون الذمار، ويتفاخرون بحسن الجوار، وعلى قدر الجار عندهم يكون ثمن الدار.
اطلب لنفسك جيراناً تجاورهم *** لا تصلح الدار حتى يصلح الجار
ويقول آخر:
يلومونني أن بعت بالرخص منزلي *** ولم يعرفوا جاراً هناك ينغص
فقلت لهم كفوا الملام فإنها *** بجيرانها تغلوا الديار وترخص
وقد ورد في الأحاديث النبوية كثيراً من الآثار على التزام المسلم بحسن الجوار منها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما زال جبريل يوصيني بالجار، حتى ظننت أنه سيورثه"[متفق عليه].
فارعوا حق الجوار، وأحسنوا مع جيرانكم السيرة، فإن أذية الجار لموجبة للنار.
وقد أقسم النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثاً: "والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن"، قيل: من يا رسول الله؟ قال: "الذي لا يأمن جاره بوائقه" يعني شروره [متفق عليه].
وفي رواية لمسلم: "لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه".
وروي عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من آذى جاره فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله".
إن بعض الناس قد يتساهل في هذا الأمر وهو عند الله ليس بهين، بل هو عظيم.
ومن صور الأذية للجيران الذي قد تغيب عن أذهان بعض الناس أو يتساهلون فيها وهي مرتبطة بمسألة النظافة رمي القمامة في الشوارع في غير أماكنها الخاصة، أو عند بعض البيوت، أو يرميها بجانب برميل القمامة، فتتكاثر الأوساخ وتنبعث الروائح الكريهة مؤذية للجيران حولها وتكثر الحشرات مما يزعج الساكنين ويؤذي العاملين في النظافة الذين يتعبون في جمع هذه المخلفات من هنا وهناك.
وإنك لتعجب من بعض الناس يخرج من بيته بقمامته فيسير عشرات الأمتار إلى أن يصل قرب الصندوق المخصص وما بينه وبينه إلا مسافة قصيرة فيرمي بكيسه بعيداً عن البرميل أو بجانبه، ويأتي آخر فيعمل مثله في صورة تعكس ثقافة التخلف الذي تعيشها، وللأسف المجتمعات المسلمة في بعد عن ما وصى الله به من الطهارة والنظافة وحفظ حقوق المسلمين، وعدم الإضرار بهم، وبعض الناس قد يرسل أطفاله برمي القمامة، فهؤلاء ينبغي أن يرشدوا أبناءهم إلى وضعها في أماكنها المخصصة، وهذا من التربية السليمة على الفضائل والمحاسن.
عباد الله: وإن من صور التواصي بالحق أنك إذا رأيت شخصاً يرمي بفضلاته ومخلفاته في غير موضعها أن تنهاه عن ذلك وتزجره وهذا من تمام الولاية بين المؤمنين: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [التوبة: 71]
تعليقات: (0) إضافة تعليق