العنصر الأول: الله جميل يحب الجمال.
العنصر الثاني: مجالات النظافة.
المجال الأول: نظافة الأبدان.
المجال الثاني: نظافة الثياب.
المجال الثالث: نظافة المسكن.
المجال الرابع: نظافة الطريق.
الخطبة الأولى
أمة العقيدة الإسلامية: حديثنا في ذلك اليوم الأغر الميمون، خير يوم طلعت فيه الشمس، عن مظهر من مظاهر الإيمان، وعن وسمة من سمات أولياء الرحمن، عن مظهر من مظاهر الرقي والحضارة، هو عنوان أمة الإسلام وهو سبيل اتباع النبي العدنان - صلى الله عليه وسلم - إنه الجمال والنظافة التي انفردت بها أمة من بين سائر الأمم.
فأعيروني القلوب والأسماع لنشف الآذان ببعض ونحيي القلوب بكلام علام الغيوب وبسنة النبي - المحبوب - صلى الله عليه وسلم -.
العنصر الأول: الله جميل يحب الجمال:
الله تعالى - عباد الله - جميل يحب الجمال، فهو سبحانه له صفات الكمال والجمال والبهاء، عن صالح بن أبي حسان، قال: سمعت سعيد بن المسيب، يقول: إن الله طيب يحب الطيب نظيف يحب النظافة كريم يحب الكرم جواد يحب الجود فنظفوا أفنيتكم وساحاتكم ولا تشبهوا باليهود، يجمعون الأكباء في دورهم "أخرجه الترمذي وسنده ضعيف.
وجماله سبحانه على أربع مراتب:
• جمال الذات
• وجمال الصفات
• وجمال الأفعال
• وجمال الأسماء،
فأسماؤه كلها حسنى، وصفاته كلها صفات كمال، وأفعاله كلها حكمة ومصلحة وعدل ورحمة. وأما جمال الذات وما هو عليه فأمر لا يدركه سواه ولا يعلمه غيره، وليس عند المخلوقين منه إلا تعريفات تعرف بها إلى من اكرمه من عباده، فان ذلك الجمال مصون عن الأغيار محجوب بستر الرداء والإزار كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يحكى عن: "الكبرياء ردائي والعظمة ازاري". ولما كانت الكبرياء اعظم وأوسع كانت احق باسم الرداء، فانه سبحانه الكبير المتعال فهو سبحانه العلي العظيم.
قال ابن عباس: حجب الذات بالصفات وحجب الصفات بالأفعال، فما ظنك بجمال حجب بأوصاف الكمال وستر بنعوت العظمة والجلال.
ومن هذا المعنى يفهم بعض معاني جمال ذاته، فإن العبد يترقى من معرفة الأفعال إلى معرفة الصفات، ومن معرفة الصفات إلى معرفة الذات. فإذا شاهد شيئا من جمال الأفعال استدل به على جمال الصفات ثم استدل بجمال الصفات على جمال الذات.
قال ابن القيم:
وَهُوَ الجَمِيلُ عَلَى الحَقِيقَةِ كَيْفَ لا
وجمَالُ سَائِرِ هذهِ الأكْوَانِ
مِنْ بَعْض آثَارِ الجَمِيلِ فَرَبُّهَا
أَوْلَى وَأجْدرُ عِنْدَ ذِي العِرْفَانِ
فَجَمَالُهُ بِالذَّاتِ والأوصَافِ وَال
أفعَالِ وَالأسْمَاءِ بالبُرهَانِ
لا شَيءَ يُشْبِهُ ذَاتَهُ وصِفَاتِهِ
سُبْحَانَهُ عَنْ إفْكِ ذِي بُهْتَانِ
|
وهو سبحانه يحب النظافة وأهلها فهم أهل الطهارة والنقاء قال رب الأرض والسماء وقوله عز وجل ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ﴾ [البقرة: 222].
وقوله تعالى: ﴿ لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ ﴾ [التوبة: 108].
ومن فضله ومنه على عباده انزل لهم من السماء ماء طهورا وقوله تعالى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا ﴾ [الفرقان: 48].
وقوله تعالى ﴿ إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ ﴾ [الأنفال: 11].
العنصر الثاني مجالات النظافة:
والطهارة عباد الله مطلب شرع ومظهر حضاري جاءت الشريعة الغراء لتجعله من أسس الإيمان وسبيل إلى رضى الرحمن والنظافة في الإسلام لها مجالات عدة ترقى بالمسلم والمسلمة ليكون شامة في مجتمعه عنوانا للجمال والكمال وإليكم عباد الله مجالاتها:
المجال الأول: نظافة الأبدان:
فما عُلم لامة من الأمم النظافة فيها شطر الإيمان إلا شريعة الكمال والجمال اسمعوا عباد الله وعن أبي مالكٍ الحارث بن عاصم الأشعريِّ -رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: (( الطُّهُورُ شَطْرُ الإِيمان، والحَمدُ لله تَمْلأُ الميزَانَ، وَسُبْحَانَ الله والحَمدُ لله تَملآن - أَوْ تَمْلأُ - مَا بَينَ السَّماوات وَالأَرْضِ، والصَّلاةُ نُورٌ، والصَّدقةُ بُرهَانٌ، والصَّبْرُ ضِياءٌ، والقُرْآنُ حُجةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ.
كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَائعٌ نَفسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُها )) رواه مسلم.
وقال العلاّمة القرطبيّ - رحمه اللَّه تعالى -: وقد اختُلف في معنى قوله - صلى اللَّه عليه وسلم -: "الطهور شطر الإيمان" على أقوال كثيرة:
أَوْلَاها: أن يقال: إنه أراد بالطهور الطهارة من المستخبثات الظاهرة والباطنة، والشطر النصف، والإيمان هنا هو بالمعنى العامّ، كما قد دلّلْنا عليه بقوله - صلى اللَّه عليه وسلم -: "الإيمان تصديق بالقلب، وإقرار باللسان، وعملٌ بالأركان".
ولا شكّ أن هذا الإيمان ذو خصال كثيرة، وأحكام متعدّدة، غير أنها منحصرة فيما ينبغي التنزّه والتطهّر منه، وهي كلّ ما نهى الشرع عنه، وفيما ينبغي التلبّس، والاتصاف به، وهي كلّ ما أمر الشرع به، فهذان الصنفان عُبّر عن أحدهما بالطهارة على مستعمل اللغة، وهو كما قد روي مرفوعًا: "الإيمان نصفان: نصف شكر، ونصف صبر" وقال السنديّ - رحمه اللَّه تعالى -: وَذَكَرُوا في توجيهه وجوهًا لا تناسب رواية الكتاب: منها: أن الإيمان يطهّر نجاسة الباطن، والوضوء يطهّر نجاسة الظاهر، ومن أجل نظافة وطهارة الأبدان شرع الله تعالى سنن الفطرة عن عائشة قالت قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «عشر من الفطرة: قص الشارب وإعفاء اللحية، والسواك والاستنشاق بالماء، وقص الأظفار وغسل البراجم، ونتف الإبط وحلق العانة، وانتقاص الماء». يعنى الاستنجاء بالماء. قال زكريا قال مصعب: ونسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضة. رواه مسلم.
ومن النظافة شرع الله تعالى الوضوء خمس مرات في كل يوم وليلة وجعله شرط في صحة الصلاة عن أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لاَ يَقْبَلُ اللهُ صَلاةَ أَحَدِكُمْ إِذَا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ" أخرجه البخاري.
وقال الله تعالى ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [المائدة: 6].
ومن أجل النظافة شرع غسل الجنابة كما في الآية الكريمة.
ومن كمال النظافة الاغتسال في الأعياد والمناسبات العامة التي يجتمع فيها المسلمون لتكون النظافة والجمال عنوانا على سمو قدرهم ورفعة منزلتهم بين الأمم.
والغسل من الحيض والنفاس ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ﴾ [البقرة: 222].
العناية بنظافة الفم والأسنان:
1- المضمضة للوضوء، فقد اهتم الإسلام بنظافة الفم ونقاء الأسنان فقد روى الشيخان - اللفظ للبخاري - أن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - دعا بإناء فأفرغ على كفيه ثلاث مرات فغسلهما ثم أدخل يمينه في الإناء فمضمض واستنشق ثم غسل وجهه ثلاثا ويديه إلى المرافق ثلاث مرات ثم مسح برأسه ثم غسل رجليه ثلاث مرات إلى الكعبين ثم قال: قال رسول - الله صلى الله عليه وسلم -:" من توضأ نحو وضوئي هذا ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر له ما تقدم من ذنبه".
2- المضمضة بعد أكل الطعام: وحث على المضمضة بعد تناول الطعام حرصا على بقاء الفم طيبا فقد اخرج البخاري بسنده عن سويد بن النعمان:" أنه خرج مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام خيبر حتى إذا كانوا بالصهباء وهي أدنى خيبر فصلى العصر ثم دعا بالأزواد فلم يؤت إلا بالسويق، فأمر به فثري فأكل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأكلنا ثم قام إلى المغرب فمضمض ومضمضنا ثم صلى ولم يتوضأ".
وقد بين الإمام العيني العلة التي من أجلها استحبت المضمضة بعد الأكل فقال:" فإن قلت: ما فائدة المضمضة منه ولا دسم له؟ قلت: يحتبس منه شيء في أثناء الأسنان وجوانب الفم فيشغله تتبعه عن أحوال الصلاة".
وروى الشيخان عن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شرب لبنا فمضمض، وقال:" إن له دسما".
يقول الإمام ابن بطال - رحمه الله -:" وفيه: أن مضمضة الفم عند أكل الطعام من أدب الأكل".
3- الأمر باستعمال السواك وتطيب الفم به: واعلموا عباد الله: أن السواك يعد أداة من أدوات تجميل الأسنان والعناية بها، ولذلك حثّ النبي -صلى الله عليه وسلم- أمته على مداومة استعمال السواك في جميع الأوقات.
عن عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «السواك مطهرة للفم مرضاة للرب». أخرجه أحمد.
وقد أورد الإمام مسلم - رحمه الله - في صحيحه بسنده عن أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - أنها سُئلت: بأي شيء كان يبدأ النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل بيته؟
قالت بالسواك".
العناية بنظافة اليدين:
وقد عرفنا أن غسل اليدين من فرائض الوضوء وقد حث الإسلام على نظافة اليدين في مواضع أخر نذكر منها:
أولا: غسل اليدين ثلاثا قبل إدخالهما في الإناء، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه -، قال: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:" إذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يده قبل أن يدخلها في وضوئه، فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده".
ذلك لأن المتوضأ سيأخذ الماء بيديه إلى فمه وانفه ووجهه، فلا يدري تعيين الموضع الذي باتت فيه يده من جسده، أي هل لاقت محلا طاهرا أم نجسا كبثرة أو جرح أو محل نجو أو غيرها.
ثانيا: غسل اليدين قبل الطعام وبعده، فعن سلمان الفارسي - رضي الله عنه -، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:" بركة الطعام الوضوء قبله، والوضوء بعده "أخرجه الطيالسى، وأحمد، وأبو داود، والترمذي، والمقصود بالوضوء: أي غسل اليدين والفم من الزهومة، إطلاقا للكل على الجزء مجازا أو بناء على المعنى اللغوي، وفي الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه-قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ بَاتَ وَفِي يَدِهِ غَمَرٌ، فَعَرَضَ لَهُ عَارِضٌ، فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ» وأخرجه الدارمي والغَمَرُ - بفتحْ الغين المعجمة، والميم -: الدسم والزهومة من اللحم، كالوضر من السمن وإطلاقه يقتضي حصول السنة بمجرد الغسل بالماء، قال ابن رسلان - رحمه الله -:" والأولى غسل اليد منه بالأشنان والصابون وما في معناهما".
والحكمة في غسل اليدين قبل الطعام وبعده، أن الأكل بعد غسل اليدين يكون أهنأ وأمرأ، ولأن اليد لا تخلو عن التلوث في تعاطي الأعمال فغسلها أقرب إلى النظافة والنزاهة يقول خبراء بريطانيون إنه لو حرص كل شخص على غسل يديه ستتقلص كثيرا إمكانية انتشار عدوى البرد والأنفلونزا وحتى أنفلونزا الطيور، وحذر البروفيسور جون أوكسفورد من كلية طب كوين ماري بلندن من أن الكثيرين لا يقومون بغسل أيديهم ولا يعنون بنظافتهم الشخصية، وان أفضل طريقة لكسر هذه السلسة هي غسل الأيدي.
ثالثا: الاهتمام بتنظيف عقد الأصابع، وقد جاء في حديث سنن الفطرة عن عائشة رضي الله عنها ان النبي صلى الله عليه وسلم قال "عشر من الفطرة - وذكر منهن -" وغسل البراجم". أَخرجه مسلم.
قال الحافظ ابن حجر- رحمه الله:" البراجم: هي عقد الأصابع التي في ظهر الكف"، ويقول الإمام النووي - رحمه الله -:" وأما غسل البراجم فسنة مستقلة، ليست مختصة بالوضوء".
رابعا: الاستنجاء باليد اليسرى: فعن أبي قتادة - رضي الله عنه -، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:" إذا شرب أحدكم فلا يتنفس في الإناء، وإذا أتى الخلاء فلا يمس ذكره بيمينه ولا يتمسح بيمينه" أخرجه البخاري.
يقول الإمام شرف الحق آبادي - رحمه الله:" والنهي عن الاستنجاء باليمين على إكرامها وصيانتها عن الأقذار ونحوها، لأن اليمين للأكل والشرب والأخذ والإعطاء ومصونة عن مباشرة الثفل وعن ممارسة الأعضاء التي هي مجاري الأثفال والنجاسات، وخلقت اليسرى لخدمة أسفل البدن لإماطة ما هنالك من القذارات وتنظيف ما يحدث فيها من الدنس وغيره".
خامسا: تقليم الأظافر: ومن النظافة التي حث عليها الإسلام تقليم الأظافر فعن أبي هريرة- رضي الله عنه-، قال: سمعت النبي- صلى الله عليه وسلم- يقول:" الفطرة خمس، الختان، والاستحداد، وقص الشارب، وتقليم الأظفار، ونتف الآباط".
لذلك حثّ الإسلام على قص الأظافر، فعن أنس بن مالك - رضي الله عنه -، قال:" وقت لنا في قص الشارب، وتقليم الأظفار، ونتف الإبط، وحلق العانة، أن لا نترك أكثر من أربعين ليلة.
المجال الثاني: نظافة الثياب:
ومن الأمور التي اهتم بها الإسلام نظافة الهندام والمظهر الخارجي، فحث على أن يرتدي المسلم ملابس نظيفة جميلة:
قال الله سبحانه وتعالى ﴿ يَابَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾ [الأعراف: 31].
وها هو صلى الله عليه وسلم - يرى رجلاً وعليه ثياب وسخة فعن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما -: قال: «رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلا شَعِثا، فقال: أما كان يجد هذا ما يُسكِّنُ به شعرَه؟ ورأى آخر عليه ثيابٌ وَسِخة، فقال: أما كان هذا يجد ما يغسل به ثوبه؟». أَخرجه أبو داود.
التَّجمُّل وإظهار نِعَمِ الله هو من الشُّكر الذي أمَرَنا اللهُ به، سواء كان ذلك في المَلبس أو المطعم أو المَرْكب، فالله يحبُّ أن يَرى أثرَ نعمتِهِ على عبده عن أبي الأحوص، أن أباه أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو أشعث، سيئ الهيئة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما لك مال؟» قال: من كل المال قد آتاني الله عز وجل، قال: «فإن الله عز وجل، إذا أنعم على عبد نعمة أحب أن ترى عليه» " أخرجه أحمد.
عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " كلوا واشربوا وتصدقوا والبسوا في غير مخيلة، ولا سرف فإن الله سبحانه يحب أن يرى أثر نعمته على عبده".
ونظافة الثياب من الأمور التي يحبها رب الأرباب - جل جلاله - عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: ((لاَ يَدْخُلُ الجَنَّةَ مَنْ كَانَ في قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّة مِنْ كِبْرٍ!)) فَقَالَ رَجُلٌ: إنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَناً، ونَعْلُهُ حَسَنَةً؟
قَالَ: ((إنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمَالَ، الكِبْرُ: بَطَرُ الحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ)) رواه مسلم..
وقد حكم الإسلام بأن طهارة ثياب المصلي كطهارة بدنه شرط في صحة صلاته قال تعالى: ﴿ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ ﴾ [المدثر: 4] سورة المدثر.
وحث على النظافة التامة وحسن الثياب في المناسبات والأعياد فعن محمد بن يحيى بن حبان - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " ما على أحدكم إن وجد، أو ما على أحدكم إن وجدتم أن يتخذ ثوبين ليوم الجمعة سوى ثوبي مهنته ". قال عمرو: وأخبرني ابن أبي حبيب، عن موسى بن سعد، عن ابن حبان، عن ابن سلام أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك على المنبر أخرجه أبو داود وقال عبد القادر الأرناؤوط إسناده صحيح.
وروى ابن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قدم الوفد - أي قدم أناس غرباء لزيارته - لبس أحسن ثيابه وأمر علية أصحابه بذلك.
وقد امتثلَ الصحابةُ - رضوان الله عليهم - ثم السلفُ الصالح من بعدهم نهجَ نبيِّهم - عليه الصلاة والسلام - وتوجيهاته وحُسن التأسِّي به؛ فهذا عُمر - رضي الله عنه - يقول: "مروءةُ الرجل نقاءُ ثوبه".
وكان ابن مسعود يُعجِبُه إذا قام إلى الصلاة الرِّيحُ الطيبة والثيابُ النقيَّة.
وحينما ذهب ابن عباس - رضي الله عنه - لمُجادلة الخوارِج لبِسَ أحسن ما يكونُ من حُلَل اليمن وأتاهم، فقالوا: مرحبًا بك يا ابن عباس، ما هذه الحُلَّة؟ قال: "ما تَعيبُون عليَّ؟ لقد رأيتُ على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحسنَ ما يكونُ من حُلَل".
وقال الميموني - من أصحاب الإمام أحمد -: "ما رأيتُ أحدًا أنظفَ ثوبًا، ولا أشدَّ تعاهُدًا لنفسِه في شاربِه ورأسه وشعر بدنِه ولا أنقَى ثوبًا وأشدَّ بياضًا من أحمد بن حنبل".
وقالت الأدباء: "المروءةُ الظاهرة في الثياب الطاهرة".
ويقول أبو العالية: "كان المُسلِمون إذا تزاوَروا تجمَّلوا".
أقول هذا القول، وأستغفر الله العظيم الكريم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب؛ فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما.
أما بعد:
المجال الثالث: نظافة المسكن:
واعلموا عباد الله أن نظافة المسكن من الأمور التي ركّز عليها الإسلام؛ فالنفس تنشرح عندما ترى مكاناً نظيفاً، وتشمئز عندما ترى مكاناً قذراً، وبيتنا الذي نقيم فيه هو بيت للعبادة والطاعة قبل أن يكون بيتاً للنوم والطعام والشراب أما البيوت فقد قال في حقها صلى الله عليه وسلم:" طهروا أفنيتكم؛ فإن اليهود لا تطهر أفنيتها "حسنه الألباني في صحيح الجامع.
وفي رواية:" طيبوا ساحاتكم؛ فإن أنتن الساحات ساحات اليهود" حسنه الألباني في صحيح الجامع.
فلا يليق بعد ذلك قذارة ونتن وعفونة بعض بيوتات المسلمين، بل وينجر الحديث إلى سياراتهم.
المجال الرابع: نظافة الطريق:
نظافة الطريق دليل على رقي أهل البلد وتعرف سمات المجتمع الخلقية من نظافة الطريق فهي أبهج للنفس وانقى للنسيم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الإيمان بضع وسبعون شعبة أو بعض وستون شعبة، فأفضلها قول لا إله إلا الله وإدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شبعة من الإيمان "رواه مسلم.
عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " بينما رجلٌ يمشي بطريق وجد غصن شوكٍ على الطريق فأخره فشكر الله له فغفر له" رواه البخاري ومسلم، عن أبي ذر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عرضت علي أعمال أمتي حسنها وسيئها فوجدت من محاسن أعمالها الأذى يماط عن الطريق ووجدت من مساوئ أعمالها النخاعة تكون في المسجد لا تدفن" رواه البخاري ومسلم.
وأوجب اللعن والطرد من رحمة الله لمن آذى المسلمين في طرقاتهم فالتسبب في اتساخ الطريق وأذى المارة سيئة تنقص من درجة الإيمان الكامل وخاصة التخلي (قضاء الحاجة) في طريق المارّة أو ظلهم عن أَبي هريرة - رضي الله عنه -: أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: (( اتَّقُوا اللاَّعِنَيْنِ )) قالوا: وَمَا اللاَّعِنَانِ؟
قَالَ: ((الَّذِي يَتَخَلَّى في طَرِيقِ النَّاسِ أَوْ في ظِلِّهِمْ)). رواه مسلم.
العنصر الثالث: العناية بنظافة البيئة من الإسلام:
وإليكم أيها الأحباب حث الإسلام على نظافة البيئة فقد رتب الإسلام الأجر والثواب من الكريم الوهاب لمن حافظ على نظافة البيئة.
• تنظيف البيئة وتنقيتها صدقة من الصدقات: ففي الصحيحين وغيرهما عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كُلُّ سُلاَمَى مِنَ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ، كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ، يَعْدِلُ بَيْنَ الِاثْنَيْنِ صَدَقَةٌ، وَيُعِينُ الرَّجُلَ عَلَى دَابَّتِهِ فَيَحْمِلُ عَلَيْهَا، أَوْ يَرْفَعُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ، وَالكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا إِلَى الصَّلاَةِ صَدَقَةٌ، وَيُمِيطُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ".
• تنظيف البيئة وتنقيتها شعبة من شعب الإيمان: ففي صحيح مسلم عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَانِ".
• تنظيف البيئة وتنقيتها سبب في مغفرة الذنوب: ففي الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ، وَجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ عَلَى الطَّرِيقِ، فَأَخَذَهُ، فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ، فَغَفَرَ لَهُ".
• في تنظيف البيئة وتنقيتها خير كثير ومنافع للناس في الدنيا والآخرة: ففي صحيح مسلم عن أَبي بَرْزَةَ قَالَ: قُلْتُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ؛ عَلِّمْنِي شَيْئًا أَنْتَفِعُ بِهِ؟ قَالَ: "اعْزِلِ الأَذَى عَنْ طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ".
• تنظيف البيئة وتنقيتها سبب في دخول الجنة: ففي صحيح مسلم عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -"مَرَّ رَجُلٌ بِغُصْنِ شَجَرَةٍ عَلَى ظَهْرِ طَرِيقٍ فَقَالَ: وَاللَّهِ لأُنَحِّيَنَّ هَذَا عَنِ الْمُسْلِمِينَ لاَ يُؤْذِيهِمْ. فَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ". وفيه أيضا عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَقَدْ رَأَيْتُ رَجُلاً يَتَقَلَّبُ فِي الْجَنَّةِ فِي شَجَرَةٍ قَطَعَهَا مِنْ ظَهْرِ الطَّرِيقِ، كَانَتْ تُؤْذِي النَّاسَ".
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، اللهم لا تدع لنا ذنبا إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديْناً إلا قضيته...
تعليقات: (0) إضافة تعليق