للتحميل PDF اضغط هنا
للتحميل PDF للطباعة والتصوير اضغط هنا
للتحميل WORD اضغط هنا
للتحميل PDF للطباعة والتصوير اضغط هنا
للتحميل WORD اضغط هنا
الحمد لله الحكيم الرؤوف الرحيم الذي لا تخيب لديه الآمال، يعلم ما أضمر العبد من السر وما أخفى منه مما لم يخطر ببال، ويسمع همس الأصوات وحس دهس الخطوات في وعس الرمال، ويرى حركة الذر في جانب البر وما درج في البحر عند تلاطم الأمواج وتراكم الأهوال، أفلا يستحي العبد الحقير من مبارزة الملك الكبير بقبح الأفعال
واشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد وهو على كل شيء قدير، الكل تحت قهره ونظره في جميع الأحوال، فتبارك من وفق من شاء لخدمته.
يا غافلا والجليل يحرسه من
|
**
|
كل سوء يدب في الظلم
|
كيف تنام العيون عن مَلِكٍ
|
**
|
تأتيـك منـه فوائـد النعـم
|
وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وشفيعنا محمد عبد الله ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه
أنت الذي من نورك البدر اكتسى
|
**
|
والشمس مشرقة بنور بهائك
|
أنت الذي لما رفعك الله إلى السما
|
**
|
بك قد سمت وتزينت للقـاك
|
أنت الذي ناداك ربـك مرحبا
|
**
|
ولقد دعاك لقربـه وحبـاك
|
ماذا يقول المانعون وما عسى
|
**
|
أن تجمع الكتاب مـن معلاك
|
صلى عليك الله يا علم الهدى
|
**
|
ما اشتاق مشتاق إلي مسراك
|
وعلى آله وأصحابه ومن سار على نهجه وتمسك بسنته واقتدى بهديه واتبعهم بإحسان إلى يوم الدين ونحن معهم يا أرحم الراحمين.
العناصر:
أولًا: فضل الصدق ثانيًا: مجالات الصدق
ثالثًا: أقوال السلف والعلماء في الصدق رابعًا: نماذج على الصدق
الموضوع
معنى الصدق لغةً: الصدق ضدُّ الكذب، صَدَقَ يَصْدُقُ صَدْقًا وصِدْقًا وتَصْداقًا، وصَدَّقه: قَبِل قولَه، وصدَقَه الحديث: أَنبأَه بالصِّدْق، ويقال: صَدَقْتُ القوم. أي: قلت لهم صِدْقًا وتصادقا في الحديث وفي المودة. ﴿[1]﴾
معنى الصدق اصطلاحًا: الصدق: ﴿هو الخبر عن الشيء على ما هو به، وهو نقيض الكذب﴾
وقال الباجي: ﴿الصدق الوصف للمخبَر عنه على ما هو به﴾
وقال الراغب الأصفهاني: ﴿الصدق مطابقة القول الضمير والمخبَر عنه معًا، ومتى انخرم شرط من ذلك لم يكن صدقًا تامًّا﴾
أولًا: فضل الصدق
أمر الله به وسوله : قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ [التوبة:].
﴿أي: اصدُقوا والزموا الصدق تكونوا مع أهله، وتنجوا من المهالك، ويجعل لكم فرجًا من أموركم ومخرجًا﴾ ﴿[2]﴾
وعن أبي سفيانَ صَخرِ بنِ حربٍ - t- في حديثه الطويلِ في قصةِ هِرَقْلَ، قَالَ هِرقلُ: فَمَاذَا يَأَمُرُكُمْ -يعني: النَّبيّ r -قَالَ أبو سفيانَ: قُلْتُ: يقولُ: ﴾اعْبُدُوا اللهَ وَحدَهُ لا تُشْرِكوُا بِهِ شَيئاً، وَاتْرُكُوا مَا يَقُولُ آبَاؤُكُمْ، ويَأْمُرُنَا بالصَلاةِ، وَالصِّدْقِ، والعَفَافِ، وَالصِّلَةِ﴾ ﴿[3]﴾
وصف الله به نفسه : قال تعالى: ﴿وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا﴾ [النساء: 87]، وقال: ﴿وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا﴾ [النساء: 122].
من صفات الأنبياء
أ-إبراهيم u: قال تعالى: ﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا﴾ ﴿مريم 41﴾
ب-إسحاق ويعقوب u: قال تعالى: ﴿ فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا ﴿49﴾ وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا﴾ ﴿مريم 50﴾. والمراد باللسان الصدق: الثناء الحسن؛ كما فسره ابن عباس.
ج-إسماعيل u: قال تعالى: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا﴾
د-إدريس u: قال تعالى: ﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا﴾ ﴿مريم 56﴾
ذ-يوسف u: قال تعالى: ﴿ يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ ﴿يوسف 46﴾
ز-جميع الأنبياء عليهم السلام: قال تعالى: ﴿ قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ﴾ ﴿يس 52﴾
من صفات المؤمنين الصادقين المتقين: قال تعالى: ﴿ لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ
وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ﴾ ﴿البقرة 177﴾ ، وقال تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ﴾ ﴿الحجرات 15﴾
وقال تعالى: ﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا﴾ ﴿الأحزاب 23﴾،
وقال تعالى: ﴿ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ ﴿يونس 2﴾
قال الإمام الرازي في تفسيره: حمل بعض المفسرين ﴿قَدَمَ صِدْقٍ﴾ على الأعمال الصالحة؛ وبعضهم حمله على الثواب، ومنهم من حمله على شفاعة محمد عليه الصلاة والسلام، واختار ابن الأنباري هذا الثاني وأنشد: صل لذي العرش واتخذ قدما ... بنجيك يوم العثار والزلل ﴿[4]﴾
مرافقة النبيين والصديقين والشهداء والصالحين: قال تعالى: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا [النساء: 69].
قال الشوكاني: ﴿قوله وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ كلام مستأنف لبيان فضل طاعة الله والرسول، والإشارة بقوله: فَأُولَئِكَ إلى المطيعين، كما تفيده من مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بدخول الجنة، والوصول إلى ما أعدَّ الله لهم، والصدِّيق المبالغ في الصدق، كما تفيده الصيغة، وقيل: هم فضلاء أتباع الأنبياء، والشهداء: من ثبتت لهم الشهادة، والصالحين: أهل الأعمال الصالحة﴾ ﴿[5]﴾
محبة الله تعالى: عن عبد الرحمن بن الحارث بن أبي قراد السلمي t قال كنا عند النبي r فدعا بطهور فغمس يده فتوضأ فتتبعناه فحسوناه فقال النبي r ما حملكم على ما فعلتم قلنا حب الله ورسوله قال فإن أحببتم أن يحبكم الله ورسوله فأدوا إذا ائتمنتم واصدقوا إذا حدثتم وأحسنوا جوار من جاوركم﴾ ﴿[6]﴾
يوم ينفع الصادقين صدقهم: قال تعالى:﴿ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ [المائدة: 119].
لهم مغفرة وأجر عظيم: قال تعالى: ﴿إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: 35].
الهداية إلى البر: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r-﴿ عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِى إِلَى الْبِرِّ وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِى إِلَى الْجَنَّةِ وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِى إِلَى الْفُجُورِ وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِى إِلَى النَّارِ وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا﴾ ﴿[7]﴾.
دخول الجنة: قال تعالى: ﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ﴾ ﴿القمر ﴾
قال تعالى: ﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ * قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ * الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ ﴾ [آل عمران: 15 - 17]
وعن عبادة بن الصامت أن رسول الله r قال: ﴿اضمنوا لي ستا أضمن لكم الجنة: اصدقوا إذا حدثتم وأوفوا إذا وعدتم وأدوا إذا أئتمنتم واحفظوا فروجكم وغضوا أبصاركم وكفوا أيديكم﴾ ﴿[8]﴾
الصدق طمأنينة: عن أبي محمد الحسن بنِ عليِّ بن أبي طالب t، قَالَ: حَفظْتُ مِنْ رَسُول الله -r -: ﴿دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لاَ يَرِيبُكَ؛ فإنَّ الصِّدقَ طُمَأنِينَةٌ، وَالكَذِبَ رِيبَةٌ﴾ ﴿[9]﴾
ومعنى:﴿ ﴿يَريبُكَ﴾ : اتركْ مَا تَشُكُّ في حِلِّهِ وَاعْدِلْ إِلَى مَا لا تَشُكُّ فِيهِ.
خير الناس: عن عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله r ﴿ خير الناس ذو القلب المخموم واللسان الصادق قيل: ما القلب المخموم؟ قال: هو التقي النقي الذي لا إثم فيه ولا بغي ولا حسد قيل: فمن على أثره؟ قال: الذي يشنأ الدنيا ويحب الآخرة قيل: فمن على أثره؟ قال: مؤمن في خلق حسن.﴾ ﴿[10]﴾
بلو غ الشهادة: عن سهل ابن حُنَيْفٍ وَهُوَ بدريٌّ -t -: أنَّ النَّبيّ -r -، قَالَ: ﴾مَنْ سَأَلَ الله تَعَالَى الشَّهَادَةَ بِصِدْقٍ بَلَّغَهُ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ وَإِنْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ﴾ ﴿[11]﴾
كيف يجاهد الإنسان نفسه على تحرى الصدق؟:
أ-استحضار مراقبة الله قال تعالى:﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ
نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾[المجادلة:7].
ب-الخوف من النفاق: لأن النبي r قال: ﴿ أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها...إذا حدث كذب.﴾ ﴿[12]﴾
ج-مصاحبة الصاقين: قال تعالى﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾﴿التوبة 117﴾.
د-الدعاء: قال تعالى: ﴿ وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا﴾ ﴿الإسراء 80﴾ ، وقال تعالى: ﴿ وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآَخِرِينَ ﴾ ﴿مريم 84﴾
عليك بالصدق ولو أنه
|
**
|
أَحْرقَكَ بنار الوعيد
|
وابْغِ رضا المولي، فأَشْقَي الوري
|
**
|
من أسخط المولي وأرضي العبيد
|
ثانيًا: مجالات الصدق
عوِّد لسانك قول الصدق تَحْظَ به
|
**
|
إن اللسان لما عوَّدْتَ معتادُ
|
صدق اللسان: وهو أشهر أنواع الصدق وأظهرها. وصدق اللسان لا يكون إلا في الإخبار، أو فيما يتضمن الإخبار وينبه عليه، والخبر إما أن يتعلق بالماضي أو بالمستقبل، وفيه يدخل الوفاء بالوعد والخلف فيه، وحقٌّ على كلِّ عبد أن يحفظ ألفاظه، فلا يتكلم إلا بالصدق، فمن حفظ لسانه عن الإخبار عن الأشياء على خلاف ما هي عليه فهو صادق، ولهذا الصدق كمالان، فالأول في اللفظ أن يحترز عن صريح اللفظ وعن المعاريض أيضًا، إلا عند الضرورة، والكمال الثاني أن يراعي معنى الصدق في ألفاظه التي يناجي بها ربه، وعن عبد الله بن عمر t: عن النبي r قال: ﴿أربع إذا كان فيك لا يضرك ما فاتك من الدنيا: حفظ أمانة وصدق حديث وحسن خليقة وعفة طعمة﴾﴿[13]﴾
صدق النية والإرادة: ويرجع ذلك إلى الإخلاص، وهو ألا يكون له باعث في الحركات والسكنات إلا الله تعالى، فإن مازجه شوب من حظوظ النفس بطل صدق النية، وصاحبه يجوز أن يسمى كاذبًا.
صدق العزم: فإنَّ الإنسان قد يقدم العزم على العمل؛ فيقول في نفسه: إن رزقني الله مالًا تصدقت
بجميعه أو بشطره، أو إن لقيت عدوًّا في سبيل الله تعالى قاتلت ولم أبال، وإن قتلت، وإن أعطاني الله تعالى ولاية عدلت فيها ولم أعص الله تعالى بظلم وميل إلى خلق، فهذه العزيمة قد يصادفها من نفسه وهي عزيمة جازمة صادقة، وقد يكون في عزمه نوع ميل وتردد وضعف يضاد الصدق في
العزيمة، فكان الصدق هاهنا عبارة عن التمام والقوة.
صدق الوفاء بالعزم: فإنَّ النفس قد تسخو بالعزم في الحال؛ إذ لا مشقة في الوعد والعزم والمؤنة فيه خفيفة، فإذا حقت الحقائق، وحصل التمكن، وهاجت الشهوات انحلت العزيمة، وغلبت الشهوات، ولم يتفق الوفاء بالعزم، وهذا يضاد الصدق فيه، ولذلك قال الله تعالى: ﴿رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ﴾ [الأحزاب: 23].
فعَنْ ثَابِتٍ قَالَ قَالَ أَنَسٌ عَمِّىَ الَّذِى سُمِّيتُ بِهِ لَمْ يَشْهَدْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -r- بَدْرًا - قَالَ - فَشَقَّ عَلَيْهِ قَالَ أَوَّلُ مَشْهَدٍ شَهِدَهُ رَسُولُ اللَّهِ -r- غُيِّبْتُ عَنْهُ وَإِنْ أَرَانِىَ اللَّهُ مَشْهَدًا فِيمَا بَعْدُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -r- لَيَرَانِىَ اللَّهُ مَا أَصْنَعُ - قَالَ - فَهَابَ أَنْ يَقُولَ غَيْرَهَا - قَالَ - فَشَهِدَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -r- يَوْمَ أُحُدٍ - قَالَ - فَاسْتَقْبَلَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ فَقَالَ لَهُ أَنَسٌ يَا أَبَا عَمْرٍو أَيْنَ فَقَالَ وَاهًا لِرِيحِ الْجَنَّةِ أَجِدُهُ دُونَ أُحُدٍ - قَالَ - فَقَاتَلَهُمْ حَتَّى قُتِلَ - قَالَ - فَوُجِدَ فِى جَسَدِهِ بِضْعٌ وَثَمَانُونَ مِنْ بَيْنِ ضَرْبَةٍ وَطَعْنَةٍ وَرَمْيَةٍ - قَالَ - فَقَالَتْ أُخْتُهُ عَمَّتِىَ الرُّبَيِّعُ بِنْتُ النَّضْرِ فَمَا عَرَفْتُ أَخِى إِلاَّ بِبَنَانِهِ، وَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ ﴿رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً﴾ قَالَ فَكَانُوا يُرَوْنَ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِيهِ وَفِى أَصْحَابِهِ﴾ ﴿[14]﴾
صدق في الأعمال:
عن طلحة بن عبيد الله: أن أعرابيا جاء إلى رسول الله r ثائر الرأس فقال يا رسول الله أخبرني ماذا فرض الله علي من الصلاة فقال ﴿الصلوات الخمس إلا أن تطوع شيئا﴾. فقال أخبرني ما فرض الله علي من الصيام فقال ﴿شهر رمضان إلا أن تطوع شيئا﴾. فقال أخبرني بما فرض الله علي من الزكاة فقال فأخبره رسول الله r شرائع الإسلام قال والذي أكرمك لا أتطوع شيئا ولا أنقص مما فرض الله علي شيئا. فقال رسول الله r ﴿أفلح إن صدق أو دخل الجنة إن صدق﴾ ﴿[15]﴾
الصدق في مقامات الدين: وهو أعلى الدرجات وأعزها، ومن أمثلته: الصدق في الخوف والرجاء والتعظيم والزهد والرضا والتوكل وغيرها من الأمور.
الصدق في التجارة: عن أبي خالد حَكيمِ بنِ حزامٍ -t -، قَالَ: قَالَ رسولُ الله -r -: ﴾البَيِّعَانِ
بالخِيَار مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، فَإنْ صَدَقا وَبيَّنَا بُوركَ لَهُمَا في بيعِهمَا، وإنْ كَتَمَا وَكَذَبَا مُحِقَتْ بركَةُ بَيعِهِما﴾ ﴿[16]﴾ ، وعن إسماعيل بن عبيد بن رفاعة عن أبيه عن جده t أنه خرج مع رسول الله r إلى المصلى فرأى الناس يتبايعون فقال يا معشر التجار فاستجابوا لرسول الله r ورفعوا أعناقهم وأبصارهم
إليه فقال إن التجار يبعثون يوم القيامة فجارا إلا من اتقى الله وبر وصدق﴾ ﴿[17]﴾
وعن أَبِي هُرَيْرَةَ t، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ r: اشْتَرَى رَجُلٌ مِنْ رَجُلٍ عَقَارًا لَهُ، فَوَجَدَ الرَّجُلُ الَّذِي اشْتَرَى الْعَقَارَ فِي عَقَارِهِ جَرَّةً فِيهَا ذَهَبٌ، فَقَالَ لَهُ الَّذِي اشْتَرَى الْعَقَارَ: خذْ ذَهَبَكَ مِنِّي، إِنَّمَا اشْتَرَيْتُ مِنْكَ الأَرْضَ وَلَمْ أَبْتَعْ مِنْكَ الذَّهَبَ وَقَالَ الَّذِي لَهُ الأَرْضُ: إِنَّمَا بِعْتُكَ الأَرْضَ وَمَا فِيهَا؛ فَتَحَاكَمَا إِلَى رَجُلٍ فَقَالَ الَّذِي تَحَاكَمَا إِلَيْهِ: أَلَكُمَا وَلَدٌ قَالَ أَحَدُهُمَا: لِي غُلاَمٌ، وَقَالَ الآخَرُ: لِي جَارِيَةٌ؛ قَالَ: أَنْكِحُوا الْغُلاَمَ الْجَارِيَةَ، وَأَنْفِقُوا عَلَى أَنْفُسِهِمَا مِنْهُ وَتَصَدَّقَا﴾ ﴿[18]﴾
ثالثًا: أقوال السلف والعلماء في الصدق
قال أبو بكر الصديق t حينما بويع للخلافة: ﴿أيها الناس، إني قد وليت عليكم، ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوِّموني، الصدق أمانة، والكذب خيانة﴾ ﴿[19]﴾.
قال عمر: ﴿لا يجد عبد حقيقة الإيمان حتى يدع المراء وهو محقٌّ، ويدع الكذب في المزاح، وهو يرى أنَّه لو شاء لغلب﴾ ﴿[20]﴾.
عن عبد الله بن عمرو قال: ﴿ذر ما لست منه في شيء، ولا تنطق فيما لا يعنيك، واخزن لسانك كما تخزن دراهمك﴾ ﴿[21]﴾.
قال ابن عباس t في قوله تعالى: ﴿وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ﴾ [البقرة: 42]: أي لا تخلطوا الصدق بالكذب ﴿[22]﴾.
عن إسماعيل بن عبيد الله قال: ﴿كان عبد الملك بن مروان يأمرني أن أُجنِّب بنيه السمن، وكان يأمرني ألا أطعم طعامًا حتى يخرجوا إلى البراز، وكان يقول: علِّم بنيَّ الصدق كما تعلمهم القرآن، وجنبهم الكذب، وإن فيه كذا وكذا يعني القتل﴾ ﴿[23]﴾.
قال ميمون بن ميمون: ﴿من عُرف بالصدق جاز كذبه، ومن عرف بالكذب لم يجز صدقه﴾ ﴿[24]﴾.
قال الفضيل بن عياض: ﴿ما من مضغة أحب إلى الله من لسان صدوق، وما من مضغة أبغض إلى الله من لسان كذوب﴾ ﴿[25]﴾.
قال الأحنف لابنه: ﴿يا بني، يكفيك من شرف الصدق، أنَّ الصادق يُقبل قوله في عدوه، ومن دناءة الكذب، أن الكاذب لا يُقبل قوله في صديقه ولا عدوه، لكلِّ شيء حِليةٌ، وحليةٌ المنطق الصدق؛ يدلُّ على اعتدال وزن العقل﴾ ﴿[26]﴾.
قال أبو حاتم: ﴿الصدق يرفع المرء في الدارين كما أنَّ الكذب يهوي به في الحالين، ولو لم يكن الصدق خصلة تحمد؛ إلا أنَّ المرء إذا عرف به قُبل كذبه، وصار صدقًا عند من يسمعه؛ لكان الواجب على العاقل أن يبلغ مجهوده في رياضة لسانه حتى يستقيم له على الصدق، ومجانبة الكذب، والعيُّ في بعض الأوقات خير من النطق؛ لأنَّ كلَّ كلام أخطأ صاحبه موضعه، فالعيُّ خير منه﴾ ﴿[27]﴾.
قال بعضهم: ﴿من لم يؤدِّ الفرض الدائم لم يقبل منه الفرض المؤقت، قيل: وما الفرض الدائم؟ قال: الصدق وقيل: من طلب الله بالصدق أعطاه مرآة يبصر فيها الحق والباطل، وقيل: عليك بالصدق حيث تخاف أنه يضرك؛ فإنه ينفعك، ودع الكذب حيث ترى أنه ينفعك؛ فإنه يضرك، وقيل: ما أملق –يعني ما افتقر-تاجر صدوق﴾ ﴿[28]﴾
﴿روي أن بلالًا لم يكذب منذ أسلم، فبلغ ذلك بعض من يحسده، فقال: اليوم أكذبه فسايره، فقال له: يا بلال ما سنُّ فرسك؟ قال عظم، قال: فما جريه؟ قال: يحضر ما استطاع، قال: فأين تنزل؟ قال: حيث أضع قدمي، قال: ابن من أنت؟ قال ابن أبي وأمي، قال: فكم أَتى عليك؟ قال: ليالٍ وأيامٌ، الله أعلم بعدها، قال: هيهات، أعيت فيك حيلتي، ما أتعب بعد اليوم أبدًا﴾ ﴿[29]﴾.
عن إبراهيم بن شيبان قال: سمعت إسماعيل بن عبيد الله يقول: لما حضرت أبي الوفاةُ جمع بنيه، وقال: ﴿يا بَنِيَّ، عليكم بتقوى الله. وعليكم بالقرآن فتعاهدوه. وعليكم بالصدق، حتى لو قَتَلَ أحدُكم قتيلاً ثم سُئل عنه أَقَرَّ به، والله، ما كذبت كذْبةً منذ قرأت القرآن﴾ ﴿[30]﴾.
رابعًا: نماذج على الصدق
كعب بن مالك في تخلُّفه عن تبوك: كما في البخاري ومسلم، وفيها أن النبي -r -قال لكعب: ﴿ما خلَّفك؟ ألم تكن قد ابتعتَ ظهرك؟﴾، قال: قلت: يا رسول الله، إني والله، لو جلستُ عند غيرك من أهل الدنيا، لرأيت أني سأخرج من سخطِه بعذر، ولقد أُعطيتُ جدلاً - أي: فصاحةً وقوة في الإقناع - ولكني والله، لقد علمت لئن حدثتُك اليوم حديث كذب ترضى به عني، ليوشكن الله أن يسخطك عليَّ، ولئن حدثتك حديث صدق تجد عليَّ فيه - أي: تغضب عليَّ فيه - إني لأرجو فيه عفو الله، والله ما كان لي عذر، والله ما كنت قط أقوى ولا أيسر في حين تخلفت عنك، قال رسول الله - r -: ﴿أمَّا هذا، فقد صدق﴾، فلما صدق مع الله ومع رسوله، تاب الله عليه، وأنزل فيه وفي صاحبيه آيات تتلى إلى قيام الساعة، فقال - تعالى -: ﴿لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 117] إلى قوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾ [التوبة: 119] ﴿[31]﴾
رجل من بني إسرائيل: عن أبي هريرة t : عن رسول الله صلى الله عليه و سلم ﴿ أنه ذكر رجلا من بني إسرائيل سأل بعضهم بني إسرائيل أن يسلفه ألف دينار فقال ائتني بالشهداء أشهدهم فقال كفى بالله شهيدا قال فأئتني بالكفيل قال كفى بالله كفيلا قال صدقت فدفعها إليه إلى أجل مسمى فخرج في البحر فقضى حاجته، ثم التمس مركبا يركبها يقدم عليه للأجل الذي أجله فلم يجد مركبا فأخذ خشبة فنقرها فأدخل فيها ألف دينار وصحيفة منه إلى صاحبه ثم زجج موضعها ثم أتى بها إلى البحر فقال اللهم إنك تعلم أني كنت تسلفت فلانا ألف دينار فسألني كفيلا فقلت كفى بالله كفيلا فرضي بك وسألني شهيدا فقلت كفى بالله شهيدا فرضي بك وأني جهدت أن أجد مركبا أبعث إليه الذي له فلم أقدر وإني أستودعكها فرمى بها في البحر حتى ولجت فيه ثم انصرف وهو في ذلك يلتمس مركبا يخرج إلى بلده فخرج الرجل الذي أسلفه ينظر لعل مركبا قد جاء بماله فإذا بالخشبة التي فيها المال فأخذها لأهله حطبا فلما نشرها وجد المال والصحيفة ثم قدم الذي كان أسلفه فأتى بالألف دينار فقال والله ما زلت جاهدا في طلب مركب لآتيك بمالك فما وجدت مركبا قبل الذي أتيت فيه قال هل كنت بعثت إلي بشيء ؟ قال أخبرك أني لم أجد مركبا قبل الذي جئت فيه قال فإن الله قد أدى عنك الذي بعثت في الخشبة فانصرف بالألف دينار راشدا ﴾﴿[32]﴾ [ش ﴿التمس﴾ طلب. ﴿للأجل﴾ الزمن الذي حدده له للوفاء. ﴿فنقرها﴾ حفرها. ﴿صحيفة﴾ مكتوبا. ﴿زجج﴾ سوى موضع النقر وأصلحه من تزجيج الحواجب وهو حلق زوائد الشعر. ﴿تسلفت فلانا﴾ طلبت منه سلفا. ﴿جهدت﴾ بذلت وسعي. ﴿ولجت﴾ دخلت في البحر]
رجل من الأعراب: عن شداد بن الهاد t ﴿ أن رجلا من الأعراب جاء إلى النبي r فآمن به واتبعه ثم قال أهاجر معك فأوصى به النبي r بعض أصحابه فلما كانت غزاته غنم النبي r فقسم وقسم له فأعطى أصحابه ما قسم له وكان يرعى ظهرهم فلما جاء دفعوه إليه فقال ما هذا قالوا قسم قسمه لك النبي r فأخذه فجاء به إلى النبي r فقال ما هذا قال قسمته لك، قال ما على هذا اتبعتك ولكن اتبعتك على أن أرمي إلى هاهنا -وأشار إلى حلقه بسهم- فأموت فأدخل الجنة فقال إن تصدق الله يصدقك فلبثوا قليلا ثم نهضوا إلى قتال العدو فأتي به إلى النبي r يحمل قد أصابه سهم حيث أشار فقال النبي r أهو هو قالوا نعم، قال صدق الله فصدقه ثم كفنه النبي r في جبته التي عليه ثم قدمه فصلى عليه وكان مما ظهر من صلاته اللهم هذا عبدك خرج مهاجرا في سبيلك فقتل شهيدا أنا شهيد على ذلك﴾ ﴿[33]﴾
أصحاب الغار: عن ابن عمر t: أن رسول الله r قال ﴿بينما ثلاثة نفر ممن كان قبلكم يمشون إذ أصابهم مطر فأووا إلى غار فانطبق عليهم فقال بعضهم لبعض إنه والله يا هؤلاء لا ينجيكم إلا الصدق فليدع كل رجل منكم بما يعلم أنه قد صدق فيه، فقال واحد منهم اللهم إن كنت تعلم أنه كان لي أجير عمل لي على فرق من أرز فذهب وتركه وإني عمدت إلى ذلك الفرق فزرعته فصار من أمره أني اشتريت منه بقرا وأنه أتاني يطب أجره فقلت اعمد إلى تلك البقر فسقها فقال لي إنما لي عندك فرق من أرز فقلت له اعمد إلى تلك البقر فإنها من ذلك الفرق فساقها فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك من خشيتك ففرج عنا فانساحت عنهم الصخرة،
فقال الآخر اللهم إن كنت تعلم كان لي أبوان شيخان كبيران فكنت آتيهما كل ليلة بلبن غنم لي فأبطأت عليهما ليلة فجئت وقد رقدا وأهلي وعيالي يتضاغطون من الجوع فكنت لا أسقيهم حتى يشرب أبواي فكرهت أن أوقظهما وكرهت أن أدعهما فيستكنا لشربتهما فلم أزل أنتظر حتى طلع الفجر فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك من خشيتك ففرج عنا فانساحت عنهم الصخرة حتى نظروا إلى السماء، فقال الآخر اللهم إن كنت تعلم أنه كان لي ابنة عم من أحب الناس إلى وأني راودتها عن نفسها فأبت إلا أن آتيها بمائة دينار فطلبتها حتى قدرت فأتيت بها فدفعتها إليها فأمكنتني من نفسها فلما قعدت بين رجليها قالت اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه فقمت وتركت المائة دينار فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك من خشيتك ففرج عنا ففرج الله عنهم فخرجوا﴾ ﴿[34]﴾
صبرٌ جميلٌ ما أسرَعَ الفرجَا
|
**
|
مَن صَدَقَ اللهَ في الأمورِ نَجَا
|
مَن خشِيَ اللهَ لم ينَلْهُ أذًى
|
**
|
ومَن رجا اللهَ كان حيثُ رَجَا
|
الشيخ عبد القادر الجيلاني : يقول: ﴿بنيت أمري على الصدق، وذلك أني خرجت من مكة إلى بغداد أطلب العلم، فأعطتني أمي أربعين دينارًا، وعاهدتني على الصدق، ولما وصلنا أرض ﴿همْدان﴾، خرج علينا عرب فأخذوا القافلة، فمر واحد منهم، وقال: ما معك؟ قلت: أربعون دينارًا، فظن أني أهزأ به، فتركني، فرآني رجل آخر، فقال: ما معك؟ فأخبرته، فأخذني إلى أميرهم، فسألني، فأخبرته، فقال: ما حملك على الصدق؟ قلت: عاهدتني أمي على الصدق، فأخاف أن أخون عهدها، فصاح الأمير باكيًا، وقال: أنت تخاف أن تخون عهد أمك، وأنا لا أخاف أن أخون عهد الله، ثم أمر بردِّ ما أخذوه من القافلة، وقال: أنا تائب لله على يديك، فقال من معه: أنت كبيرنا في قطع الطريق، وأنت اليوم كبيرنا في التوبة؛ فتابوا جميعًا بفضل الله تعالى، ثم ببركة الصدق﴾.
هاربًا لجأ إلى أحد الصالحين: يُحكَى أن هاربًا لجأ إلى أحد الصالحين، وقال له: أَخْفِني عن طالبي، فقال له: نَمْ هنا، وألقى عليه حزمة من خوص، فلما جاء طالبوه وسألوا عنه، قال لهم: ها هو ذا تحت الخوص، فظنوا أنه يسخَرُ منهم فتركوه، ونجا ببركة صدق الرجل الصالح.
صدق رجل أمام الحجاج: يُروَى أن الحجاج بن يوسف خطب يومًا فأطال الخطبة، فقال أحد الحاضرين: الصلاة، فإن الوقت لا ينتظرك، والرب لا يعذرك، فأمر بحبسه، فأتاه قومه وزعموا أن الرجل مجنون، فقال الحجاج: إن أقرَّ بالجنون خلَّصتُه من سجنه، فقال الرجل: لا يسوغ لي أن أجحد نعمة الله التي أنعم بها عليَّ، وأثبت لنفسي صفة الجنون التي نزهني الله عنها، فلما رأى الحجاج صدقه، خلَّى سبيله.
الرجل والعالم: يحكى أن رجلا كان يعصي الله -سبحانه-وكان فيه كثير من العيوب، فحاول أن يصلحها، فلم يستطع، فذهب إلى عالم، وطلب منه وصية يعالج بها عيوبه، فأمره العالم أن يعالج عيبًا واحدًا وهو الكذب، وأوصاه بالصدق في كل حال، وأخذ من الرجل عهدًا على ذلك، وبعد فترة أراد الرجل أن يشرب خمرًا فاشتراها وملأ كأسًا منه، وعندما رفعها إلى فمه قال: ماذا أقول للعالم إن سألني: هل شربتَ خمرًا؟ فهل أكذب عليه؟ ل، لن أشرب الخمر أبدً.
وفي اليوم التالي، أراد الرجل أن يفعل ذنبًا آخر، لكنه تذكر عهده مع العالم بالصدق. فلم يفعل ذلك الذنب، وكلما أراد الرجل أن يفعل ذنبًا امتنع عن فعله حتى لا يكذب على العالم، وبمرور الأيام تخلى الرجل عن كل عيوبه بفضل تمسكه بخلق الصدق.
نسأل الله تعالى أن يجعلنا من الصادقين ويحشرنا مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين
وصلِّ اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
%%%%%%%%
إعداد: الشيخ أحمد أبو عيد
0109 809 58 54
نسألكم الدعاء
تعليقات: (0) إضافة تعليق