الأول : أهم سِمات
المُجتمع الناجِح الثاني : تعريف التَّطوع في اللغة والإصطلاح :
الثالث : لفظ التطوع
ومشتقاته في القرآن الكريم : الرابع : حكم العمل التَّطوعي في الإسلام :
الخامس : صور من
العمل التطوعي في القرآن : السادس : من مجالات العمل التَّطوعي في الإسلام :
السابع : الصحابة
يتألقون روعة وجمالاً في عمل الخير : الثامن : ثواب العمل التطوعى وثمرته :
الموضــــــــــــــــــــــــوع
الحمد لله الذي هدانا لدين الإسلام ، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا ..... الحمد لله
بنعمه تتم الصالحات , وبتوفيقه تتيسر العبادات وبفضله تسهل الطاعات...... أحمد ربي
وأشكره بما هو أهله , أجزل النعم , وأعظم النوال , ومنَّ بالآلاء.... لا مانع لما وهب
, ولا معطي لما سلب ..... ولا ينفع ذا الجد منه الجد .
وأشهد أن لا إله
إلا الله وحده لا شريك له .... شهادة تنفس الكرب يوم الكروب , وتضيء في ظلم الخطوب
, وتقرب الزلفى لدى علام الغيوب .
وأشهد أن سيدنا
ونبينا وشفيعنا وإمامنا محمد عبد الله ورسوله .... بلغ الرسالة , وأوضح الدلالة
.... أدى الأمانة فيما أوحي إليه وسمعه , وخفض جناحه لمن اتبعه .... بشر من والاه ،
وحذر من عداه .... صلى الله وسلم وبارك عليه صلاة وسلاماً دائماً أبداً لا عدَّ لمنتهاه
، وعلى آله وأصحابه.. آمنوا بربهم وجاهدوا مع نبيهم.. صدقوا ما عاهدوا الله عليه فطابت
حياتهم وحسنت عاقبتهم والتابعين ومن تبعهم بإحسان، وسلم تسليماً كثيراً. أما بعــــــــــــــــــــــــــد
الأول : أهم سِمات
المُجتمع الناجِح :
إن من أهم سِمات
المُجتمع الناجِح المُتكامِل ، أن يكون في بُنيانِه مُتماسِكًا، تجمعُه لبِناتٌ مرصوصة
تُمثِّلُ حقيقةَ أفرادِه وبَنِيه، لا تختلِفُ فيه لبِنَةٌ عن أخرى، ولا فرقَ فيها بين
ما يكونُ منها أسفلَ البِناءِ أو أعلاه؛ لأن البِناءَ لن يكون راسِيًا يسنُدُ بعضُه
بعضًا إلا بهذا المجموع، ومتى كان التصدُّع أو الإهمال لأي لبِنَةٍ من لبِنَاته فإنه
التفكُّكُ والانفِطار ما منه بُدٌّ، فضلاً عن أن هذا بدايةُ تساقُطه شيئًا فشيئًا.
وهذه حالُ كل مُجتمع وواقعُه , قال صلى الله عليه وسلم: مثل المومنين في توادهم وتراحمهم
وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد اذا إشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى
) رواه احمد ومسلم . ولذا فإن المُجتمع إذا لم يكن كالأسرة الواحِدة في ترابُطه وتعاهُدِ
بعضِهم بعضًا، وأن يسمعَ الشريفُ للوضيع، والغنيُّ للفقير، والكبيرُ للصغير، وألا يشعُر
أيُّ فردٍ بين المُجتمع أنه إنما يعيشُ وحدَه ، إذا لم يكن المُجتمعُ بهذه الصورة فإنه
يأذَن لنفسِه بالنُّفرة والتفرُّق، ويُمهِّدُ الطريقَ لمعاوِل الأنانِيَّة والأثَرة
وعدم الاكتِراث بالآخرين، وما قيمةُ مُجتمعٍ الهَدمُ فيه أكثرُ من البِناء . وإنه مهما
بلَغَت الدول من العَظَمة والثَّروات والتقدُّم الاقتصاديّ فلن يكون ذلكم وحده كافِيًا
في تلبِيَة جميع رغباتِ أفرادِها، وتحقُّق جميع تطلُّعاتهم لحظةَ الاحتِياج، فضلاً
عن تحقيقها على الدَّوام . وهنا يأتي دورُ المُجتمع المُترابِط المُتماسِك، حينما تُذكَى
بين جَنَبَاته روحُ العمل التطوُّعي الذي يُعدُّ رُكنًا أساسًا من أركان رأبِ صَدع
الشُّعوب المادِّي، والاجتِماعيِّ، والغذائيِّ، والأمنيِّ، والفِكريِّ، وغير ذلكم من
الضرورات والحاجيَّات والتحسينَات . إنه حينما يعُمُّ العملُ التطوُّعيُّ جنَبَات المُجتمع،
ويفرِضُ نفسَه شُعورًا ساميًّا لذَوِيه وبنِي مُجتمعه ليقضِيَنَّ على الأثَرَة والشُّحِّ
والاحتِكار والمَسْكَنة، شريطةَ ألا تغتالَ صفاءَه أبعادٌ مصلحيَّةٌ أو حِزبيَّةٌ ،
وليس هناك حدٌّ لمن يحقُّ له أن يستفيدَ من العمل التطوُّعيِّ؛ فالنبي - صلى الله عليه
وسلم – يقول: «في كل كبدٍ رطبةٍ أجر»؛ رواه البخاري ومسلم . إن كل عاقلٍ يُدرِكُ أن
قيمةَ المُجتمعات في نُهوضِها والحِفاظ على نفسِها من التهالُك والتصدُّع ، ويُدرِكُ
أن العملَ التطوُّعيَّ مطلبٌ منشودٌ في جميعِ الشرائع السماوية والوضعيَّة ، في الإسلام
وقبل الإسلام . وإذا كان حديثنا اليوم عن : (( خدمة المجتمع بين العمل التطوعي والواجب
الكفائي والعيني )) ، كان لزاما توضيح هذه المصطلحات أولا :
الثاني : تعريف
التَّطوع في اللغة والإصطلاح :
في اللغة : طاع
له ، يطوع، ويطاع : انقاد؛ ومنه قوله تعالى: {فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ} , [ سورة
المائدة، الآية 30]: تابعته وطاوعته، أو: شجعته وأعانته
وتطوَّع للشَّيء:
تكلف استطاعته ، والعرب تحذف التاء، فتقول: اسطاع يسطيع؛ مثل قوله تعالى: ﴿ فَمَا اسْطَاعُوا
أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا ﴾ [ سورة الكهف، الآية 97] .
والتَّطوع : ما
تبرَّعت به من ذات نفسك فيما لا يلزمك فرضه ، فكلُّ متنفلِ خيرٍ: متطوع ، مثل قوله
تعالى: ﴿ وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا ﴾ [ سورة البقرة، الآية، 158]، وقوله تعالى: ﴿ فَمَنْ
تَطَوَّعَ خَيْرًا ﴾ [سورة البقرة، الآية 184] .
والتطوع في الاصطلاح
: هو : " كل جهد بدني أو فكري أو عقلي أو قلبي يأتي به الإنسان تطوعًا دون أن
يكون ملزمًا به لا من جهة المشرع ولا من غيره بدافع الرغبة في نيل الثواب من عند الله
سبحانه ، إلى جانب الحس الإيماني والشعور بالآخرين .
والعملُ التطوُّعيُّ
: عباد الله ، لا يُحدُّ بحدٍّ، ولا ينتهِي بزمنٍ، وامتِدادُ حدِّه بامتِدادِ طبيعتِه
؛ فكلُّ عملٍ احتِسابيٍّ لا نظرةَ فيه للأُجرة والمِنَّة فهو تطوُّعيٌّ إذا كان في
وجهِ خيرٍ، وهو مُمتدٌّ ومُتَّسِعٌ بامتِداد واتِّساع كلمةِ "خيرٍ"، وهو
هنا يختلفُ بعضَ الشيء عن العملِ الخيريِّ؛ لأن العملَ التطوُّعيَّ يكونُ بالمُبادَرة
قبل الطلَب، بخلافِ العملِ الخيريِّ؛ فإنه في الغالب ، لا يكون إلا بعد الطلَب وكلا
العَمَلَيْن وجهان لعُملةٍ واحِدةٍ ، مُحصِّلتُهما: بذلُ المعروف للناس دون أُجرةٍ
أو مِنَّةٍ ، وإنما احتِسابًا لما عند الله ، ’’ إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ
لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُوراً ’’ . الإنسان: 9 .
الثالث : لفظ التطوع
ومشتقاته في القرآن الكريم : ورد التَّطوع في القرآن الكريم بصيغة الفعل مرَّتين ،
وورد بصيغة الاسم مرة واحدة :
1- الآية الأولى
: يقول الله سبحانه: ﴿ إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ
حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ
تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ ﴾ [ سورة البقرة، الآية، 158]
. وقد اختصَّ التطوع هنا بالتطوع في العبادة ؛ وهو زيادة الطواف بعد الواجب , كما يدل
ظاهر الآية الكريمة ، وإن كان فريق ومنهم الحسَن وغيره , قد قال: إنَّ المراد التطوع
في سائر الأعمال . 2- الآية الثانية: يقول الله تعالى : ﴿ أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ
كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى
الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ
خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [سورة البقرة،
الآية 184] . وفي هذه الآية : اختص التَّطوع بالبذل والعطاء والتَّصدق بزيادة عدد المساكين
المطعومين، أو إطعام المسكين صاعًا، أو إطعام مساكين عن كل يوم، أو التَّطوع بالصيام
مع الفدية، أو التَّطوع بزيادة المسكين في طعامه، وهي معانٍ كلها تدل على حث الشَّرع
الإسلامي على التَّطوع بجميع صوره ؛ لأنَّ الله تعالى قد عمَّم فلم يخصص معاني الخير
دون بعض ، فيمكن أن تكون المعاني كلها محتملة ومقصودة . 3- الآية الثالثة : فقد وردت
إسماً ، بلفظة " المطَّوِّعين" ؛ إذ يقول الله تعالى: ﴿ الَّذِينَ يَلْمِزُونَ
الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ
إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ
أَلِيمٌ ﴾ ، [ سورة التوبة، الآية 79 ] . وهذه الآية الثالثة : اختصت بهؤلاء الذين
يعيبون على المطوعين الباذلين المتبرعين في مجالات الخير بالكثير أو القليل، فقد سخر
هؤلاء من الذين جادوا بالكثير، كعبدالرحمن بن عوف ، وسخروا أيضا من الذين جادوا بجهدهم
وطاقتهم بالقليل الذي عندهم كالحباب ، فقابلهم ربنا سبحانه وتعالى سخرية بسخرية أشد
، جزاءاً على سوء صنيعهم واستهزائهم بالمتطوعين ، وانتصارًا لمن يتطوعون في التصدق
وفي فعل جميع الخيرات، والجزاء من جنس العمل .
وثمة : غير الآيات
الثلاث السابقة التي ورد فيها ذكر التطوع فعلاً أو اسمًا ، آياتٌ أخرى تشير ضمنًا إلى
معنى التَّطوع في كل ما فيه خير للمصلحة العامة ، وهي معانٍ متعددة مثل : التَّصدُّق،
والأمر بالمعروف ، والنَّهي عن المنكر، وإصلاح ذات البين وذلك في قوله تعالى : ﴿ لَا
خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ
أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ ﴾ ، سورة النساء، الآية 114 وكذلك التَّعاون على البر
والتَّقوى، وذلك في قوله تعالى : ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا
تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ
الْعِقَابِ ﴾ [سورة المائدة، الآية 2] . وكذلك رعاية المحتاجين من ذَوِي القربى واليتامى
والمساكين وأبناء السبيل والتَّصدق عليهم، وذلك في قوله تعالى: ﴿ وَآَتَى الْمَالَ
عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ
وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ ﴾ [سورة البقرة، الآية 177] . وكذلك إدراك أن كل
عمل فيه خير هو خير مهما كان قدره، في قوله : ﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ
خَيْرًا يَرَه ﴾ [سورة الزلزلة، الآية 7] . وكذلك يدخل معنى التَّطوع في كل ما يفعله
المسلم ، من عمل صالح ؛ إذ وعد الله فاعله بالجزاء الحسن في الدنيا والآخرة ، في قوله:
﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ
إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [سورة الزمر، الآية
10] . لأنَّ العمل الصالح يشمل الفرض ويشمل النَّفل كذلك ، وقد طمأن ربنا صاحب هذا
العَمل الصالح ، وذلك في قوله تعالى: ﴿ وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ
مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا ﴾ [سورة طه، الآية: 112] .
الرابع : حكم العمل
التَّطوعي في الإسلام : التَّطوع متصور في المندوبات ، ومتصور كذلك في الواجبات الكفائيَّة
، ويمكن أن ينقلب الواجب الكفائي واجبًا عينيًّا إنِ انحصر الواجب الكفائي في فرد أو
فئة أو فئات ، وتفصيل ذلك فيما يلي :
مفهوم المندوب وأنواعه
: المندوب هو :ما طلب الشرع من المكلف أن يفعله ، وكان طلبه له طلبا غير حتمي ، ويستدل
على عدم حتميَّة الطلب هنا : إمَّا بصيغة الطلب نفسها ، وإما بطريق قرينة تدل على أنَّ
الطلب للندب ، والمندوب عامَّة لا يترتب عليه عقوبة ، ولا يستحق صاحبه العقاب واللوم
.
مفهوم الواجب الكفائي
: الواجب الكفائي أو فرض الكفاية هو: ما طلب الشارع فعله من مجموع المكلفين لا من كل
فرد منهم ، بحيث إذا قام به بعض المكلفين فقد أدَّى الواجب وسقط الإثم والحرج عنِ الباقين
، وإذا لم يقم به أي فرد من المكلفين أثموا جميعًا بإهمال هذا الواجب ؛ كالأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر، والصلاة على الموتى، وبناء المستشفيات، وإنقاذ الغريق، وإطفاء الحريق،
والطب والصناعات ، والقضاء، والإفتاء، ورد السَّلام، والشَّهادة . [علم أصول الفقه:
فضيلة الشيخ/ عبدالوهاب خلاف: ص: 109 ] . كما أنَّ الواجب الكفائي يرشد المكلفين ,
في الوقت ذاته , إلى ضوابط اختيار من يصلح للفعل , بأن تتوفَّر فيه شروط الفعل أولاً،
ويكون به ميل نحو ذلك القصد ، وهو ما يجب أن يلاحظه الذين يختارونه لأداء هذا الفعل
، ويتعهدونه بالتدريب والتأهيل حتى يصلح للقيام به ، وحتى تتحقق المصلحة العامة المرجوة
, فقد رُوِي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنه قال لأبي ذر: ((يا أبا ذر، إني
أراك ضعيفًا، وإني أحب لك ما أحب لنفسي؛ لا تأمرن على اثنين، ولا تَولَّيَنَّ مال يتيم))
؛ رواه مسلم ، وكِلا الأمرين من فروض الكفاية، ومع ذلك فقد نهاه عنهما؛ فلو فرض إهمال
الناس لهما , لم يصح أن يُقال بدخول أبي ذر في حرج الإهمال ، ولا من كان مثله .
مفهوم الواجب العيني
: الواجب العيني: وهو ما طَلَب الشَّرع من كل فرد من أفراد المكلفين فعله، بحيث لا
يجزئ أن يقوم مكلف آخر به، باستثناء ما تدخله أعمال النيابة، وذلك كغالب العبادات،
مثل: الصلاة، والزكاة، والصوم، والحج. وكثير من المعاملات: كالوفاء بالعقود، وغير ذلك
.
انقلاب الواجب الكفائي
واجباً عينيّاً : اتَّفَق علماء الأصول على أنَّ الواجب الكفائي إذا انحصر في شخص
: تعيَّن على هذا الشخص وجوب القيام به ، فكأنه واجب عيني ، فمثلاً: إذا تخصص
" في كل ميدان من الميادين التي تحتاجها الأمَّة مجموعة من الناس ، فإن خلا ميدان
من تلك الميادين أثمت الأمة جميعها لتفريطها في ذلك ، وإذا لم يوجد في ناحية من تلك
النواحي سوى فرد واحد تعيَّن على ذلك الفرد للقيام بذلك الفرض أو الواجب ، وأصبح ذلك
الفرض فرض عين بالنسبة لذلك الذي تفرد وحده بالقيام بذلك الفرض ، فإذا مرض شخصٌ أو
جماعةٌ أو حدث - لا قدر الله - وباء، ولم يكن يستطيع القيام بالعلاج أو مقاومة الوباء
إلاَّ شخص واحد أصبح ذلك الأمر فرض عين بالنسبة له ، وكذلك إذا أشرف فرد على الغرق
, وليس هناك من يستطيع إنقاذه سوى شخصٍ واحدٍ ، فإنَّ إنقاذ ذلك المشرف على الغرق أصبح
واجبًا عينيًّا على ذلك المستطيع إنقاذه . [مغني المحتاج" 1/ 259 , "حواشي
الشرواني" 2/ 358 , أصول الفقه الإسلامي"، فضيلة الأستاذ الدكتور/ عبداللطيف
عامر، ص: 255، 256 ] .
تردد أعمال التَّطوع
بين المندوب والواجب الكفائي أو العين : التَّطوع بمعناه السابق , يتردَّد بين المندوب
والواجب الكفائي أو العيني ، وبذلك تكون أعمال التَّطوع : إما مندوبة ، وإمَّا واجبات
كفائيَّة ، أو عينيَّة ؛ فتكون أعمال التطوع :
فتكون أعمال التطوع
مندوبة : إذا كان طلب الشرع من المكلفين للفعل طلبًا غير حتمي ، ودلَّت الصيغة على
ذلك ، أو دلَّت قرينة ، وهو باب يتَّسع لغالب الصدقات ، والإسهام مع جماهير المجتمع
في الأعمال الخيريَّة ، مثل مساعدة الضعفاء ، والإحسان إلى الأرامل ، والعطف على اليتامى
فعلاً وقولاً ، والإسهام في محو أمية بعض الأميين ، ومساعدة طلبة العلم... وغير ذلك
، من غير أن يكون في أمر خوطب المكلفون جميعا بفعله ، وتعيَّن على المجموع أن تقوم
به فئة ، وهو الواجب الكفائي .
وتكون أعمال التطوع
واجبات كفائيَّة : إذا كان طلب الشَّرع لمجموع المكلفين بفعله طلبًا حتميًّا، ودلَّت
على هذا الحتميَّة الصيغة أو أية قرينة أخرى ، وهذا يكون في كل مسائل الواجبات الكفائيَّة
، مثل: تجهيز الموتى من حيث: الغسل، والتَّكفين، والحمل، والصَّلاة عليهم، والدفن...
وغير ذلك، ومثل: التقاط اللقطاء ورعايتهم وغير ذلك .
وتكون أعمال التَّطوع
واجبات عينيَّة: إذا انحصر الواجب الكفائي في فرد معين أو فئة معيَّنة أو فئات معيَّنة
، فهنا يتعيَّن الواجب إمَّا في هذا الشخص ؛ كالمفتي الوحيد للبلد ، أو الطبيب أو البيطري
الوحيدين بها ، وإما في فئة معينة ؛ كأساتذة الشرع في الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر،
وتعريف الناس بأمور دينهم ، وكجماعة من الناس حال حدوث حريق ، وليس ثمة جهة متخصصة
بإطفاء الحريق ، وانعدمت وسيلة الاتصال بهذه الجهة... وغير ذلك .
الخامس : صور من
العمل التطوعي في القرآن :
موسى وسقيا الغنم
: ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان قال
ما خطبكما قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير. فسقى لهما ثم تولى إلى الظل
فقال رب إني لما أنزلت إلى من خير فقير " } ,[ القصص:23-24 ] . فلما سمع موسى
كلامها رحمهما وسقى لهما أغنامهما، فلما فرغ من السقي لهما تولى إلى الظل أي انصرف
إليه فجلس فيه ونادى ربه " قال رب إني لما أنزلت إلى من خير " أي خير كان
" فقير " أي محتاج إلى ذلك ، قيل أراد بذلك الطعام . وذهب أكثر المفسرين
: إلى أن المرأتين ابنتا شعيب عليه السلام . فكان هذا العمل التطوعي الصالح سبباً وباب
خير له عليه الصلاة والسلام .
الخضر وصنائع المعروف
: قال تعالى : ’’ وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان
أبوهما صالحاً فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك وما فعلته عن
أمري ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا " سورة الكهف . وهذا الأب كان الأب السابع
لهذين الغلامين اليتيمين وفيه دليل على أن الرجل الصالح يحفظ في ذريته وتشمل بركة عبادته
لهم في الدنيا والآخرة بشفاعته فيهم ورفع درجتهم إلى درجة الصالحين في الجنة لتقر عينه
بهم قال ابن عباس: حفظا بصلاح أبيهما ولم يذكر لهما صلاح .
: تطوع ذو القرنين
ببناء السد
قال تعالى :’’حتى
إذا بلغ بين السدين وجد من دونهما قوماً لا يكادون يفقهون قولا , قالوا يا ذا القرنين
إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض فهل نجعل لك خرجاً على أن تجعل بيننا وبينهم سدا،قال
ما مكني فيه ربي خير فأعينوني بقوة أجعل بينكم وبينهم ردما ، آتوني زبر الحديد حتى
إذا ساوى بين الصدفين قال انفخوا حتى إذا جعله نارا قال آتوني أفرغ عليه قطرا،فما اسطاعوا
أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا،قال هذا رحمة من ربي فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء وكان
وعد ربي حقاً ’’ ويأجوج ومأجوج : من ذرية آدم خلق من خلق الله أهل شر وفساد وهم أكثر
أهل النار وقد حال الله بينهم وبين الإفساد في الأرض والإفساد على الخلق بسد ذي القرنين
فإذا جاء وعد الله جعل هذا السد الذي عجزوا عن نقبه والصعود عليه دكاً فيخرجون من كل
حدب ينسلون ويعيثون في الأرض فساداً ويمرون على بحيرة طبرية فيشربون ماءها ويمر بها
آخرهم فيقول كان بهذه ماء فيقتلون ويسلبون وينهبون ويظلمون ويحصر عيسى عليه السلام
ومن معه من المؤمنين في الطور بعد أن يوحي الله إليه إني قد أخرجت عباداً لي لا يدان
لأحد بقتالهم فحرز عبادي إلى الطور ويؤمر عموم الناس بالهرب منهم وعدم مواجهتهم فمن
طغيانهم وبغيهم وفسادهم أنه بعد أن يعيثوا في الأرض قتلاً وتدميراً وإهلاكاً للحرث
والنسل يقولون قتلنا أهل الأرض فلنقتل أهل السماء فيرمون بنشبهم إلى السماء فيرجعها
الله فتنة لهم مخضبة بالدماء فيقولون قتلنا أهل الأرض وقتلنا أهل السماء وتكون نهايتهم
أن يجأر من بقي من أهل الأرض وعلى رأسهم عيسى عليه الصلاة والسلام ومن معه من المؤمنين
بالشكوى إلى الله أن يرفع عنهم البأساء والضراء فيرسل الله على يأجوج ومأجوج دود النَغف
في رقابهم فيصبحون موتى جميعاً في ليلة واحده في كل أصقاع الأرض كموت نفس واحدة . فكان
بناء السد نعمة عظمى للبشرية وسبباً من أسباب هناء العيش على الأرض . حيث أنهم قالوا
لذي القرنين درأ لإفساد يأجوج ومأجوج : " قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج
مفسدون في الأرض فهل نجعل لك خرجا ’’ . قال ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس: " خرجاً
": أي أجراً عظيماً يعني أنهم أرادوا أن يجمعوا له من بينهم مالاً يعطونه إياه
حتى يجعل بينه وبينهم سدا ، فقال ذو القرنين بعفة وديانة وصلاح وقصد للخير : ما مكّني
فيه ربي خير " أي إن الذي ، أعطاني الله من الملك والتمكين خير لي من الذي تجمعونه
كما قال سليمان عليه السلام: " أتمدونن بمال فما آتاني الله خير مما آتاكم ’’
، وهكذا قال ذو القرنين الذي أنا فيه خير من الذي تبذلونه ولكن ساعدوني بقوة أي بعملكم
وآلات البناء " أجعل بينكم وبينهم ردما آتوني زبر الحديد " والزبر: جمع زبرة
وهي : القطعة منه .
السادس : من مجالات
العمل التَّطوعي في الإسلام : قدم الإسلام صورًا كثيرة في جميع المجالات التي تحيط
بحياة الإنسان ، وشرح كيفيَّة تطوع المسلم في حالاته المتعددة ، وكيف يكون دائمًا في
مصلحة أمته ، وقد كانت حياة الصحابة رضي الله عنهم جميعًا ترجمة صادقة لهذا المنهج
الشَّرعي، حتى رأينا نماذج عديدة للصحابة ، فيما يجب أن يكون عليه المسلم في سلوكه
التَّطوعي ، وفيما يلي بعض صورومجالات العمل التطوعي في حياة المسلم ، مدعومة بنماذج
من أفعال الرسول صلى الله عليه ويلم وأقواله ، وأفعال الصحابة رضي الله تعالى عنهم
جميعًا :
أولاً : التَّطوع
في المجال الطبي، والصحي، والإغاثي :
وهذا المجال يشمل
صورًا متعددة منها : 1- تجهيز الموتى : من حيث: الغسل، والتكفين، والحمل، والصلاة عليهم،
والدفن... وغير ذلك ، وفي ذلك قصة دفن الرسول صلى الله عليه وسلم لذي البجادين ، إذ
رُوِي عن عبدالله بن مسعود قال : " والله لكأني أسمع رسول الله - صلى الله عليه
وسلم - في غزوة تبوك وهو في قبر عبدالله ذي البجادين، وأبو بكر وعمر رحمة الله عليهما
، وهو يقول: ((ناولوني صاحبكما)) حتى وسده في لحده ، فلما فرغ من دفنه استقبل القبلة
فقال: ((اللهم إني أمسيت عنه راضيًا فارض عنه))" [رواه البزَّار عن شيخه عباد
بن أحمد العرزمي، وهو متروك ] . 2- تقديم الخدمات الإسعافيَّة وغيرها : لمصابي الحوادث
والكوارث ، وجرحى الحروب ، والأسرى، والغرقى، والهدمى، وغيرهم . وفي ذلك ما رُوِي عنِ
الرُّبَيِّع بنت معوذ قالت: ثم كنا نغزو مع النبي - صلى الله عليه وسلم - نسقي ونداوي
الجرحى، ونرد القتلى إلى المدينة" ، وفي رواية: "فنسقي القوم ونخدمهم ونرد
الجرحى والقتلى إلى المدينة " [صحيح البخاري] . ومن عمل الصحابة في ذلك : ما جاء
عن ثعلبة بن أبي مالك قال: " إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، قسم مروطًا بين
نساء من نساء المدينة فبقي مرط جيِّد ، فقال له بعض من عنده: يا أمير المؤمنين، أعط
هذا ابنةَ رسول الله صلى الله عليه وسلم التي عندك ، يريدون أم كلثوم بنت علي ، فقال
عمر: أم سليط أحق ، وأم سليط من نساء الأنصار، ممَّن بايع رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال عمر: فإنها كانت تزفر يوم أحد ، قال أبو عبدالله: تزفر: تَخِيط" . صحيح
البخاري .
ويلحق بالخدمات
السابقة في المجال الطبي أمور معاصرة مثل: التَّطوع في تعلم ثقافة الوقاية من الأمراض
الخطرة المعاصرة التي انتشرت هذه الأيَّام أو بدأت في الانتشار؛ مثل الإيدز، وأنفلونزا
الطيور... وغير ذلك . ثم التَّطوع بعد التعليم في تعليم هذه الثقافة للآخرين، ونقلها
إليهم، والمشاركة في التَّوعية في هذا المجال . وأيضاً : التَّطوع بالتَّبرع بالدم
، والمشاركة في حملات التَّبرع بالدم من الآخرين، وفي هذا إنقاذ لمرضى محتاجين لهذا
الدم ، والمساعدة في علاجهم .
ثانيًا: التَّطوع
في المجال الاجتماعي وخدمة أفراد المجتمع : وأعمال الخير في هذا الباب كثيرة ومتعددة
بعدد كل أعمال الخير التي يرجى من ورائها النفع للمجتمع والأمة أفراداً وجماعت ومنها
على سبيل المثال لا الحصر :
1- تفريج كرب الدنيا
عن المسلمين : وتفريجها إما بإعطائه من ماله إن كانت كربته من حاجة ، أو بذل جاهه في
طلبه له من غيره ، أو قرضه ، وإن كانت كربته من ظلم ظالم له فرَّجها بالسَّعي في رفعها
عنه أو تخفيفها ، وإن كانت كربة مرض أصابه أعانه على الدواء إن كان لديه ، أوعلى طبيب
ينفعه، وبالجملة تفريج الكرب باب واسع، فإنَّه يشمل إزالة كل ما ينزل بالعبد أو تخفيفه
. وقد أمر النبي بذلك في كثير من الأحاديث منها : ما رُوِي عن أبي هريرة - رضي الله
تعالى عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((مَن نفس عن مسلم كربة من كرب
الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ، ومن يسَّر على معسر يسَّر الله عليه
في الدنيا والآخرة ، ومن ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد
ما كان العبد في عون أخيه)) [صحيح مسلم] . وروي عن عمر رضي الله عنه مرفوعا "
أفضل الأعمال إدخال السرور على المؤمن كسوت عورته أو أشبعت جوعته أو قضيت له حاجة
" رواه الطبراني في الأوسط قال الألباني : ( حسن لغيره ) وانظر صحيح الترغيب
/2621 . وعن أبي مريم الأزدي رضي الله عنه أنه قال لمعاوية رضي الله عنه : سمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من ولاه الله شيئا من أمور المسلمين فاحتجب
دون حاجتهم وخلتهم وفقرهم احتجب الله دون حاجته وخلته وفقره يوم القيامة " فجعل
معاوية رجلا على حوائج الناس . رواه أبو داود والترمذي ،قال الألباني: صحيح وانظر
: الصحيحة رقم ( 62
2- التَّيسيرعلى
المعسر : وهو أيضًا من تفريج الكرب ، وإنَّما خصَّه صلى الله عليه وسلم ، لأنَّه أبلغ
، وهو إنظاره لغريمه في الدين ,أو إبراؤه له منه أو غير ذلك ، فإنَّ الله ييسر له عليه
أموره ويسهلها له لتسهيله لأخيه فيما عنده له ، والتَّيسير لأمور الآخرة , بأن يهون
عليه المشاق فيها ، ويرجح وزن الحسنات ويلقي في قلوب من لهم عنده حق يجب استيفاؤه منه
في الآخرة المسامحة... وغير ذلك وقد ورد في ذلك من الحديث السابق : ’’ ...... ومن يسَّر
على معسر يسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة ....... ’’ ، ويُؤْخَذ منه أنَّ من عسَّر
على معسر عسر عليه، ويؤخذ منه أنَّه لا بأس على من عسَّر على موسر لأنَّ مطله ظلم يحل
عرضه وعقوبته
3- ستر عورات المسلمين
: من ستر مسلما اطلع منه على ما لا ينبغي إظهاره من الزلات والعثرات ، فإنه مأجور بما
ذكره من ستره في الدنيا والآخرة ، فيستره في الدنيا بأن لا يأتي زلة يكره اطلاع غيره
عليها ، وإن أتاها لم يُطلِع الله عليها أحدًا ، وستره في الآخرة بالمغفرة لذنوبه وعدم
إظهار قبائحه ، وفي ذلك قال : ’’ .... ومن ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة
.....’’
4- خدمة المُعاقين،
والمسنين، والعجزة : وهو أمرٌ مهم ، حيث يسَّرت الشَّريعة الإسلاميَّة على هؤلاء على
حين عسَّر عليهم الناس بما نلاحظه من معاملة لهؤلاء المعاقين، والمسنين، والعجزة .
فقد رُوِي عن همام بن منبه ، قال : هذا ما حدثنا أبو هريرة عن محمد رسول الله صلى الله
عليه وسلم ، فذكر أحاديث منها: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( ثم كلُّ سلامِي
من النَّاس عليه صدقةٌ ، كل يوم تطلع فيه الشمس ، قال : تعدل بين الاثنين صدقةٌ ، وتعين
الرجل في دابته فتحمله عليها ، أو ترفع له عليها متاعه صدقة ، قال : والكلمة الطيبة
صدقةٌ ، وكل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقةٌ ، وتميط الأذى عنِ الطريق صدقة )). وقال
أبو ذر : على كل نفس في كل يوم طلعت فيه الشمس صدقة منه على نفسه . قلت : يا رسول الله
، من أين أتصدق وليس لنا أموال ؟ قال : " لأن من أبواب الصدقة التكبير ، وسبحان
الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، وأستغفر الله ، وتأمر بالمعروف ، وتنهى عن
المنكر ، وتعزل الشوكة عن طريق الناس والعظم والحجر ، وتهدي الأعمى ، وتسمع الأصم والأبكم
حتى يفقه ، وتدل المستدل على حاجة له قد علمت مكانها ، وتسعى بشدة ساقيك إلى اللهفان
المستغيث ، وترفع بشدة ذراعيك مع الضعيف ، كل ذلك من أبواب الصدقة منك على نفسك ، ولك
في جماعك زوجتك أجر " قال أبو ذر : كيف يكون لي أجر في شهوتي ؟ فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم : " أرأيت لو كان لك ولد فأدرك ورجوت خيره فمات ، أكنت تحتسب
به ؟ " قلت : نعم . قال : " فأنت خلقته ؟ " قال : بل الله خلقه . قال
: " فأنت هديته ؟ " قال : بل الله هداه . قال : " فأنت ترزقه ؟
" قال : بل الله كان يرزقه . قال : " كذلك فضعه في حلاله وجنبه حرامه ، فإن
شاء الله أحياه ، وإن شاء أماته ، ولك أجر " إسناد صحيح ذكره ابن حبان في صحيحه
, وقال الألباني : إسناده صحيح على شرط مسلم , وقال شعيب الأرناءوط : إسناده صحيح
.
5- إغاثة المستغيثين
في النائبات : ودفع الضرر عن فقراء المسلمين ؛ كسوة وطعامًا وغير ذلك , وفي ذلك ما
رُوِي عن سعيد بن أبي بردة عن أبيه عن جدِّه عنِ النبي صلى الله عليه وسلم قال :
((ثم على كل مسلم صدقة))، قيل: أرأيت إن لم يجد؟ قال : ((يعتمل بيديه فينفع نفسه ويتصدق))
، قال: قيل: أرأيت إن لم يستطع ؟! قال : ((يعين ذا الحاجة الملهوف)) ، قال: قيل له
: أرأيت إن لم يستطع ؟ قال : ((يأمر بالمعروف أو الخير))، قال: أرأيت إن لم يفعل؟ قال:
((يُمسِك عن الشر فإنَّها صدقة)) ، البخارى وهو في صحيح مسلم . ومن عمل الصحابة في
ذلك ، ما جاء في " البداية والنهاية " , قال أسلم : خرجت ليلة مع عمر إلى
ظاهر المدينة فلاح لنا بيت شعر فقصدناه ، فإذا فيه امرأة تمخض وتبكي ، فسألها عمر عن
حالها ، فقالت : أنا امرأة غريبة ، وليس عندي شيء، فبكى عمر وعاد يهرول إلى بيته ،
فقال لامرأته أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب: هل لك في أجر ساقه الله إليك ؟ وأخبرها
بالخبر، فقالت: نعم ، فحمل على ظهره دقيقًا وشحمًا، وحملت أم كلثوم ما يصلح للولادة
وجاءا فدخلت أم كلثوم على المرأة ، وجلس عمر مع زوجها ، وهو لا يعرفه , يتحدَّث ، فوضعت
المرأة غلاما ، فقالت أم كلثوم : يا أمير المؤمنين ، بشر صاحبك بغلام ، فلما سمع الرجل
قولها استعظم ذلك ، وأخذ يعتذر إلى عمر، فقال عمر: لا بأس عليك ، ثم أوصلهم بنفقة وما
يصلحهم وانصرف " .
6- رعاية الأطفال
اليتامى والأرامل وكفالتهم في أسرهم :
لقد وجَّهنا القرآن
الكريم إلى رعاية الأيتام والأرامل , والاعتناء بمصلحتهم، والتطوع لكفالتهم كفالة مادية
ومعنويَّة ، وذلك في كثير من آياته، فربنا سبحانه يقول: ﴿ وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ
إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ
إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً [سورة الإسراء، الآية 34] ، ويقول سبحانه : ﴿ كَلَّا
بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ ﴾ [سورة الفجر، الآية 17] ، وغير ذلك الكثير من الآيات
الدالة على ذلك ، أمَّا السنة :فرُوي عن سهل بن سعد - رضي الله عنه - قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: ((أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا)) ، وأشار بالسبَّابة والوسطى
وفرج بينهما . [صحيح البخاري ] . وعن الحسين بن واقد ، قال : حدثني يحيى بن عقيل ،
قال : سمعت عبد الله بن أبي أوفى ، يقول : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
يكثر الذكر ، ويقل اللغو، ويطيل الصلاة ، ويقصر الخطبة ، ولا يأنف أن يمشي مع الأرملة
، والمسكين فيقضي له الحاجة ’’ ، إسناده حسن حسنه البخاري , وذكره ابن حبان في صحيحه
, وصححه الحاكم , و قال العراقي : إسناده صحيح , و قال الألباني : إسناده صحيح .
ومن عمل الصحابة
في ذلك : ما جاء عن زيد بن أسلم ، عن أبيه ، قال: خرجت مع عمر رضي الله عنه إلى السوق
، فلحقته امرأة شابَّة ، فقالت: يا أمير المؤمنين هلك زوجي وترك صبية صغارًا، والله
ما ينضجون كراعًا، ولا لهم زرع ولا ضرع، وخشيت عليهم الضبع، وأنا بنت خفاف بن إيماء
الغفاري، وقد شهد أبي الحديبية مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فوقف معها عمر ولم
يمضِ، وقال : مرحبًا بنسب قريب، ثم انصرف إلى بعير ظهير كان مربوطًا في الدار فحمل
عليه غرارتين ملأهما طعامًا، وجعل بينهما نفقة وثيابًا ثم ناولها خطامِهِ، فقال: اقتادِيهِ
فلن يَفْنَى حتى يأتيكم الله بخير، فقال رجل: يا أمير المؤمنين، أكثرت لها، قال عمر:
ثكلتك أمك، والله إني لأرى أبا هذه وأخاها قد حاصرا حصنًا زمانًا افتتحناه، ثم أصبحنا
نستفيء سهماهما فيه [البخاري ] . ولا تتوقف رعاية اليتيم في الإسلام على رعاية ماله
وحسن تدبيره وتصريفه ؛ بل يسبق ذلك العناية ببدنه وصحته وأخلاقه وآدابه، والباب في
تأديب اليتيم مفتوح على مصراعيه كأنه ولد من أولاد الوصي , ومن هذا يتبيَّن وجوب رعاية
اليتامى والاهتمام بأحوالهم كأنهم أبناؤنا، وليضع كل مسلم في تقديره عن معاملتهم أنهم
أبناؤه، فماذا يتمنَّى لأبنائه؟ وماذا يجب من أساليب في معاملة الناس لأبنائه؟
7- إقامة المشاريع
الخيريَّة ، ودور العلم وتعليم الطالبين: وذلك لمثل هؤلاءِ اليتامى والذين لا يجدون
عملاً لتعليم الحِرف والصنائع، وما تتم به المعايش أو تعليمهم والقضاء على أميتهم
. ومساعدة طلبة العلم الفقراء، والتَّصدق عليهم، وتوفير وسائل العلم لهم ونشر العلم
النافع، وهي كلها أبواب مهمة للتَّطوع .
8- غرس النخيل والأشجار
المثمرة ، وإطعام الطير أو إنسان أو البهائم : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" ما من مسلم يغرس غرسا ، أو يزرع زرعا ، فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة ، إلا
كان له به صدقة " البخارى وهو في صحيح مسلم . ودخل النبي صلى الله عليه وسلم على
أم معبد حائطا ، فقال : " يا أم معبد ، من غرس هذا النخل ؟ أمسلم أم كافر ؟
" فقالت : بل مسلم ، قال : " فلا يغرس المسلم غرسا ، فيأكل منه إنسان ، ولا
دابة ، ولا طير ، إلا كان له صدقة إلى يوم القيامة " مسلم .
9- القيام على توزيع
الصدقات والسعي في مصالح المسلمين : قال صلى الله عليه وسلم : " العامل على الصدقة
بالحق كالغازي في سبيل الله ، حتى يرجع إلى بيته " ابن ماجة بإسناد حسن وعند أحمد
, وفي سنن الترمذي حسنه الترمذي , و صححه الحاكم , و ذكره ابن خزيمة في صحيحه , و حسنه
الألباني . وقال صلى الله عليه وسلم : " الخازن المسلم الأمين ، الذي ينفذ - وربما
قال : يعطي - ما أمر به كاملا موفرا طيبا به نفسه ، فيدفعه إلى الذي أمر له به أحد
المتصدقين " متفق عليه .
إنَّ ثمة أبوابًا
عديدةً للتَّطوع فيما فيه مصلحة المجتمع : والأدلة الشَّرعيَّة من القرآن والسنة وأفعال
الصحابة رضي الله عنهم جميعًا متضافرة في الحث على التَّطوع في كل ما فيه خير للناس،
ولقد شارك النبي - صلى الله عليه وسلم - في بناء الكعبة ، ووضع الحجر الأسود في مكانه
تطوعًا، وشارك في بناء المسجد النبوي ، والتزم أصحابه نهجه من بعده . فأبواب التطوع
ليست محددة ، منصوصًا عليها نصّا ، وإنما هي أبواب يحدها وصف الخير، فكل باب هو باب
خير، ترغِّب الشريعة الإسلامية فيه، وكل أمر يكون للمجتمع فيه مصلحة تطلبها حياة الناس
وتقتضيها هو أمرٌ تحثُّ المقررات الشَّرعيَّة عليه ومن الالأحاديث التي اشتملت على
الكثير من أعمال الخير التطوعية : قوله صلى الله عليه وسلم :’’ كل سلامى من الناس عليه
صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس ، تعدل بين الناس صدقة , تعين الرجل على دابته فتحمله عليها
صدقة , ترفع المتاع للرجل على دابته صدقة , تتكلم مع الناس بكلام طيب صدقة , إماطة
الأذى عن الطريق صدقة , سلامك على عباد الله صدقة , أمرك بالمعروف صدقة , نهيك عن المنكر
صدقة , تعزل حجراً عن طريق الناس صدقة , تعزل شوكة عن طريق الناس صدقة , تعزل عظماً
عن طريق الناس صدقة , تعين ضائعاً صدقة , تعين صانعاً صدقة , تصنع لأخرق صدقة ’’ .
السابع : الصحابة
يتألقون روعة وجمالاً في عمل الخير : ما أجمل المسابقة التي كانت تجري بين الشيخين
أبي بكر وعمر في طاعة الله ورسوله : روى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: «أمرنا رسول
الله صلى الله عليه وسلم ، أن نتصدق ، فوافق ذلك مالا عندي ، فقلت: اليوم أسبق أبابكر
إن سبقته يوما ، فجئت بنصف مالي ، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما أبقيت
لأهلك؟ قلت : أبقيت لهم مثله ، فأتاه أبو بكر بكل ما عنده ، فقال له : ما أبقيت لأهلك
؟ قال : أبقيت لهم الله ورسوله ! فقلت : لا أسابقك إلى شيء بعده أبدا » (رواه أبو داود
والترمذي وغيرهما)
المؤاخاة بين المهاجرين
والأنصار : ومن أروع صور التضحية والبذل والإيثار المؤاخاة التي أقامها رسول الله
(صلى الله عليه وسلم) بين المهاجرين والأنصار، فقاسموهم أموالهم ودورهم ومتاعهم ، روى
الإمام أحمد عن أنس قال : لما قدم النبي (صلى الله عليه وسلم) المدينة أتاه المهاجرون
فقالوا: يا رسول الله ما رأينا قوما أبذل من كثير ، ولا أحسن مواساة من قليل ، من قوم
نزلنا بين أظهرهم ، لقد كفونا المؤنة ، وأشركونا في المهنأ ، حتى خفنا أن يذهبوا بالأجر
كله !!، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ، لا! ما دعوتم الله لهم ، وأثنيتم بالأجر عليهم»
(سنن الترمذي). وفي الأنصار نزل قوله تعالى : { والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم
يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان
بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون} (الحشر:9). والإيثار ليس فرضا، بل تطوع
وتصدق وإحسان ، خاصة عندما يؤثر من كان به خصاصة ، كالأنصار الذين أثنى الله عز وجل
عليهم ، وقصة ضيف رسول الله (صلى الله عليه وسلم) المشهورة من غرائب هذا الباب .
حلب الخليفة الراشد
أبي بكر الصديق لجواري الحي منائحهم : أخرج ابن سعد عن ابن عمر وعائشة وابن المسيب
وغيرهم رضي الله عنهم دخل حديث بعضهم في حديث بعض وكان مما جاء في الحديث : ’’ وكان
يحلب للحي أغنامهم ، فلما بويع بالخلافة قالت جارية من الحي : الآن لا تحلب لنا منائح
دارنا ، فسمعها أبوبكر رضي الله عنه فقال : بلى والله لأحلبنها لكم ، وإني لأرجوا أن
لا يغيرني ما دخلت فيه عن خلق كنت عليه ، فكان يحلب لهم فربما قال للجارية من الحي
: يا جارية أتحبين أن أرغي لك ( من الإرغاء : الحلب بحيث يأتي عليه الزبد ) أو أصرّح
( من التصريح : الحلب بدون الزبد ) فربما قالت : أرغ وربما قالت : صرح فأي ذلك قالت
فعل .
الرجل الذي تستحي
منه الملائكة : ذوالنورين ، وزوج البنتين لرسول الله ،عثمان بن عفان رضي الله عنه ،
الخليفة الراشد الذي أحبه الله ورسوله والمؤمنون وقريش حال جاهليتها لبذله في كل وجوه
العمل الخيري التطوعي ، حيث كانت المرأة القرشية ترقص طفلها الصغير وتناغيه بقولها
: أحبك والرحمن حب قريش عثمان . قال فيه صلى الله عليه وسلم بعد أن أعطى وأنفق في جيش
العسرة ، وكان يأتي بالمال يحمله بنفسه ، ويضعه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم
، أصفراً وأحمراً وسلاحاً ونوقاً ، قال فيه عليه السلام : ’’ ما ضر عثمان ما فعل بعد
اليوم ، ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم ’’ .
أمير المؤمنين علي
بن أبي طالب رضي الله عنه : رابع الخلفاء الراشدين المهديين ، ابن عم النبي صلى الله
عليه وسلم ، وزوج ابنته فاطمة سيدة نساء العالمين ، ووالد سيدا شباب أهل الجنة الحسن
والحسين رضي الله عنهم أجمعين ، يكنس بيت المال بنفسه بعد أن يفرغه من كل صفراء وبيضاء
. أخرج أبو نعيم في الحلية عن علي بن ربيعة الوالبي ، أن علياً بن أبي طالب رضي الله
عنه ، جاءه ابن النبّاج ، فقال : ( يا أمير المؤمنين امتلأ بيت مال المسلمين من كل
صفراء وبيضاء ، فقال : الله أكبر وقام متوكئاً على ابن النبّاج حتى قام على بيت مال
المسلمين فنودي في الناس فأعطى جميع ما في بيت مال المسلمين حتى ما بقى منه دينار ولا
درهم ، ثم أمر بنضحه وصلى فيه ركعتين )
عبد الرحمن بن عوف
رضي الله عنه : وبذله لماله في خدمة الإسلام والمسلمين في حياة الرسول الكريم صلى الله
عليه وسلم وبعد وفاته . وإذا كانت التجارة والثروات ، إنما تحصى بأعداد رصيدها وأرباحها
، فان ثروة عبد الرحمن بن عوف كانت تعرف مقاديرها وأعدادها بما كان ينفق منها في سبيل
الله رب العالمين.. !! لقد سمع رسول الله يقول له يوما : ’’ يا بن عوف انك من الأغنياء
وانك ستدخل الجنة حبوا ،فأقرض الله يطلق لك قدميك ’’ . باع في يوم أرضا بأربعين ألف
دينار، ثم فرّقها في أهله من بني زهرة ، وعلى أمهات المؤمنين ، وفقراء المسلمين . وقدّم
يوما لجيوش الإسلام خمسمائة فرس، ويوما آخر ألفا وخمسمائة راحلة . وعند موته ، أوصى
بخمسين ألف دينار في سبيل الله ، وأوصى لكل من بقي ممن شهدوا بدرا بأربعمائة دينار،
حتى أن عثمان بن عفان رضي الله عنه ، أخذ نصيبه من الوصية برغم ثرائه وقال :’’ إن مال
عبد الرحمن حلال صفو، وان الطعمة منه عافية وبركة ’’ .
عبد الله بن عمر
: يحدثنا أيوب بن وائل الراسبي عن أحد مكرماته ، فيخبرنا أن ابن عمر جاءه يوما بأربعة
آلاف درهم وقطيفة.. وفي اليوم التالي، رآه أيوب بن وائل في السوق يشتري لراحلته علفا
نسيئة (أي ديناً) ، فذهب ابن وائل إلى أهل بيته وسألهم أليس قد أتى لأبي عبد الرحمن
– يعني ابن عمر – بالأمس أربعة آلاف ، وقطيفة..؟ ،قالوا: بلى..قال: فاني قد رأيته اليوم
بالسوق يشتر علفا لراحلته ولا يجد معه ثمنه ! ، قالوا: انه لم يبت بالأمس حتى فرقها
جميعها، ثم أخذ القطيفة وألقاها على ظهره ، وخرج.. ثم عاد وليست معه ، فسألناه عنها.
فقال: انه وهبها لفقير..!! ، فخرج ابن وائل يضرب كفا بكف. حتى أتى السوق فصاح في الناس
:" يا معشر التجار..ما تصنعون بالدنيا، وهذا بن عمر تأتيه أربعة ألاف درهم فيوزعها،
ثم يصلح فيستدين علفا لراحلته"..؟؟
وليس النساء من
عمل الخير ببعيد : لم تتخلف نساء المسلمات عن ركب العمل التطوعي في سبيل الله تعالي
، وإن صدر الإسلام ليذخر بنماذج مضيئة من أمهات المؤمنين ، ومن المسلمات اللاتي ضربن
أروع الأمثلة في العمل التطوعي نذكر منهن على سبيل المثال لا الحصر :
خديجة بنت خويلد
: أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها ، فقد بذلت جهدها ، ومالها في مؤازرة الرسول صلى
الله عليه وسلم , وقد قال عنها صلي الله عليه وسلم : ’’ وواستني في مالها إذ حرمني
الناس ’’
أم المؤمنين زينب
بنت جحش رضي الله عنها : قال عنهـــا الرسول صلى الله عليه وسلم : ( أسرعكن لحاقاً
بي أطولكن يداً ) ، رواه مسلم . والمقصود بطول اليد : كثرة مدها بالعطاء للفقراء ،
فقد كانت رضي الله عنها تعمل بيدها وتتصدق على الفقراء وتقول عنها عائشة رضي الله عنها
: ( ولم أر أمراة قط خيراً في الدين من زينب بنت جحش ، وأتقى لله ، وأصدق حديثاً ،
وأوصل للرحم وأعظم صدقة ، وأشد ابتذالاً لنفسها في العمل الذي تتصدق به وتتقرب به لله
تعالى ) رواه مسلم ج 7/136 .
وهذه أسماء بنت
أبي بكر رضي الله عنها : تضحي بنطاقها وتشقه نصفين ، وهو أغلى وأثمن ما تملك رضي الله
عنها تقول ( صنعت سفره للنبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر حين أراد المدينة، فقلت لأبي
: ما أجد شيئاً أربطه إلا نطاقي قال : فشقيه ففعلت فسُميت ذات النطاقين ) ، رواه البخاري
أم سليم بنت ملحان
رضي الله عنها : اشتهرت بحبها للخير وخدمة المسلمين فقد كانت يوم أحد هي وعائشة رضي
الله عنهما ، تنقلان القِرَبَ على متونهما ثم تفرغانه في أفواه الصحابة ، ثم ترجعان
فتملانهما ، وهكذا ، ويقول عنها أنس رضي الله عنه : كان رسول الله عليه وسلم يغزو بأم
سليم ونسوة من الأنصار ، إذا غزا يداوين الجرحى .
الثامن : ثواب العمل
التطوعى وثمرته : لأعمال الخير ونفع المجتمع ، ومساعدة أفراد الأمة ، أجرعظيم ومثوبة
كبرى عند الله ومنها :
1- صرف البلاء وسوء
القضاء في الدنيا : قال صلى الله عليه وسلم : ’’ من يسر على معسر يسر الله عليه في
الدنيا والآخرة ’’ . [صحيح مسلم] وقوله : "صدقة السر تطفىء غضب الرب وصلة الرحم
تزيد في العمر وفعل المعروف يقي مصارع السوء" . وقال صلى الله عليه وسلم : ’’
صنائع المعروف تقي مصارع السوء، والصدقة خفيا تطفئ غضب الرب، وصلة الرحم زيادة في العمر،
وكل معروف صدقة، وأهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة، وأهل المنكر في
الدنيا هم أهل المنكر في الآخرة، وأول من يدخل الجنة أهل المعروف ’’. رواه الطبراني
وغيره ، وصححه الألباني .
2- حسن الخاتمة
، وتُصرف ميتة السوء: قال صلى الله عليه وسلم : ((صنائع المعروف تقي مصارع السوء والآفات
والهلكات ، وأهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة)) . رواه ابن حبان ، قال
العلماء: والمراد بميتة السوء أو مصارع السوء : ما استعاذ منه النبي صلى الله عليه
وسلم ، كالهدم والتردي والغرق والحرق وأن يتخبطه الشيطان عند الموت ، وأن يقتل في سبيل
الله مدبرا. وقال بعضهم: هي موت الفجاءة , وقيل ميتة الشهرة كالمصلوب . ومثل ذلك :
الحوادث والكوارث التي تشاهد اليوم في كل مكان .
3- رفع العقوبة
والغضب : قال صلى الله عليه وسلم : ( صنائع المعروف تقي مصارع السوء، والصدقة خفيا
تطفئ غضب الرب، وصلة الرحم زيادة في العمر، وكل معروف صدقة، وأهل المعروف في الدنيا
هم أهل المعروف في الآخرة، وأهل المنكر في الدنيا هم أهل المنكر في الآخرة، وأول من
يدخل الجنة أهل المعروف ’’ . رواه الطبراني وغيره، وصححه الألباني .
4- زيادة المال
والحب من الناس : قال صلى الله عليه وسلم : ’’ من اتقى ربه ووصل رحمه نسئ له في عمره
، وثرى ماله ، وأحبه أهله ’’ وقيل حديث موقوف
5- حفظ الأولاد
: وَفِي فعل الخير ، حِفْظٌ لِلأَوْلاَدِ وَالذُّرِّيَّةِ، وَوِقَايَةٌ لَهُ وَلَهُمْ
مِنَ السُّوءِ وَالْفِتَنِ، فَقَدْ قَيَّضَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ نَبِيَّهُ مُوسَى عَلَيْهِ
السَّلاَمُ وَالْخَضِرَ لِخِدْمَةِ غُلاَمَيْنِ يَتِيمَيْنِ، فَبَنَيَا لَهُمَا الْجِدَارَ
لِيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا، وَذَلِكَ لِصَلاَحِ أَبِيهِمَا، قَالَ تَعَالَى:
"وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً". وَلاَ يُعْرَفُ صَلاَحُ الْمَرْءِ حَتَّى
يَكْثُرَ مَعْرُوفُهُ .
6- له أجر المجاهد
فى سبيل الله : قال صلى الله عليه وسلم : ’’ الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد
في سبيل الله أو القائم الليل الصائم النهار ) . متفق عليه .
7- من افضل من العبادات
: قال صلى الله عليه وسلم : ( من مشى في حاجة أخيه كان خيراً له من اعتكاف عشر سنوات
) . متفق عليه .
8- حفظ النعم من
الزوال : قال صلى الله عليه وسلم : ’’ إِنَّ للهِ قَوْمًا يَخْتَصُّهُمْ بِالنِّعَمِ
لِمَنَافِعِ الْعِبَادِ ، وَيُقِرُّهَا فِيهِمْ مَا بَذَلُوهَا ، فَإِذَا مَنَعُوهَا
, نَزَعَهَا مِنْهُمْ فَحَوَّلَهَا إِلَى غَيْرِهِمْ ’’ . قال الألباني في صحيح الترغيب
والترهيب حسن لغيره . وروي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم : " إن لله عند أقوام نعما أقرهاعندهم ما كانوا في حوائج المسلمين
ما لم يملوهم فإذا ملوهم نقلها إلى غيرهم " رواه الطبراني قال الألباني ( حسن
لغيره ) ، في صحيح الترغيب . وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم : ’’ ما من عبد أنعم الله عليه نعمة فأسبغها عليه ثم جعل من حوائج الناس
إليه فتبرم فقد عرض تلك النعمة للزوال ’’ . رواه الطبراني بإسناد جيد ، وانظر : صحيح
الترغيب
9- عمل الخير من
صفات اهل الايمان : قال عليه الصلاة والسلام : ( الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة
، فأفضلها قول لا اله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق ، والحياء شعبة من الإيمان
) . متفق عليه
10- من خير الناس
ومن أحب الناس والأعمال إلى الله : قال صلى الله عليه وسلم : ((خير النَّاسُ أنفعُهم
للناس)) ؛ حسَّنَه الألبانيُّ رحمه الله في صحيح الجامع . وهذا الحديثُ يُشيرُ إلى
نفعِ الناس أجمعين ، وليس نفع المسلمين فقط . وقال صلى الله عليه وسلم : ’’ المال مال
الله ، والناس عيال الله ، وأحبهم إلى الله أنفعهم للناس ’’ وقال صلى الله عليه وسلم
: ’’ أحب الأعمال إلى الله عز و جل سرور تدخله على مسلم , أو تكشف عنه كربه , أو تقضي
عنه دينا أو تطرد عنه جوعا ’’ . الألباني | المصدر : السلسلة الصحيحة, إسناده ضعيف
جدا لكن قد جاء بإسناد حسن وفيه زيادة [وإن سوء الخلق ...] وعن أبي ذر رضي الله عنه
، قال : سألت النبي صلى الله عليه وسلم أي العمل أفضل ؟ قال : " إيمان بالله ،
وجهاد في سبيله " قلت : فأي الرقاب أفضل ؟ قال : " أعلاها ثمنا ، وأنفسها
عند أهلها " ، قلت : فإن لم أفعل ؟ قال : " تعين ضائعا ، أو تصنع لأخرق
" ، : قال : فإن لم أفعل ؟ قال : " تدع الناس من الشر ، فإنها صدقة تصدق
بها على نفسك " البخارى ومسلم .
11- يجري عليك أجر
عملك في قبرك : قال صلى الله عليه وسلم : ((سبعٌ يجري للعبدِ أجرُهن وهو في قبرِه بعد
موته : مَن علَّمَ علمًا ، أو أجرى نهرًا ، أو حفَر بئرًا أو غرس نخلاً ، أو بنى مسجدًا
، أو ورَّث مصحفًا ، أو ترك ولدًا يستغفرُ له بعد موته ))؛ حسَّنه الألبانيُّ في صحيح
الجامع
12- دخول الجنة
: قال تعال : ’’ وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين
. الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين
’’ . وقال صلى الله عليه وسلم:( لقد رأيت رجلأً يتقلب في الجنة في شجرة قطعها من ظهر
الطريق كانت تؤذي المسلمين) رواه مسلم وعن عبد الله بن سلام ، قال : لما قدم رسول الله
صلى الله عليه وسلم المدينة انجفل الناس إليه ، فجئت في الناس لأنظر إليه ، فلما استبنت
وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب وكان أول شيء تكلم به
أن قال : " يا أيها الناس ، أفشوا السلام ، وأطعموا الطعام ، وصلوا والناس نيام
تدخلون الجنة بسلام " , حديث صحيح , الترمزى والجامع الصحيح . وقال صلى الله عليه
وسلم : " كافل اليتيم له أو لغيره أنا وهو كهاتين في الجنة " وأشار مالك
بالسبابة والوسطى البخارى . وقال : صلى الله عليه وسلم : " وأنا وكافل اليتيم
في الجنة هكذا " وأشار بالسبابة والوسطى، وفرج بينهما شيئا ’’ البخارى . وقال
: ’’ إن أهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة ، وإن أول أهل الجنة دخولاً
أهل المعروف ’’ . صححه الألباني
13- عون الله فى
الدنيا وتفريج الكرب يوم القيامة : قال صلى الله عليه وسلم: المسلم أخو المسلم لا يظلمه
ولا يسلمه ،من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ، ومن فرج عن مسلم كربه من كرب الدنيا
فرج الله عنه كر به من كرب يوم القيامة ومن ستر مسلما سترة الله يوم القيامة ) متفق
عليه . وعن عبد الله بن أبي قتادة ، أن أبا قتادة طلب غريماً له ، فتوارى عنه ثم وجده
، فقال إني معسرٌ ، قال: آلله ، قال: الله ، قال فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم، يقول : ’’ من سره أن ينجيه الله من كرب يوم القيامة فلينفس عن معسرٍ أو يضع عنه
’’ . متفق عليه وعنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من نفس عن مؤمن
كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ومن يسر على معسر يسر الله
عليه في الدنيا والآخرة . ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة والله في عون
العبد ما كان العبد في عون أخيه ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا
إلى الجنة وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا
نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده ومن بطأ
به عمله لم يسرع به نسبه " . رواه مسلم .
14- الأمان فى ارض
المحشر : قال صلى الله عليه وسلم : (( أهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة
وأهل المنكر في الدنيا هم أهل المنكر في الآخرة : إن الله ليبعث المعروف يوم القيامة
في صورة الرجل المسلم فيأتي صاحبه إذا انشق عنه القبر فيمسح عن وجهه التراب ويقول ابشر
يا ولي الله بأمان الله وكرامته لا يهولنك ما ترى من أهوال يوم القيامة فلا يزال يقول
له احذر هذا واتق هذا يسكن بذلك روعه حتى يجاوز به الصراط فإذا جاوز به الصراط عَدَّلَ
وليَّ الله إلى منازله في الجنة ثم ينثني عنه المعروف فيتعلق به فيقول يا عبد الله
من أنت ؟ خذلني الخلائق في أهوال القيامة غيرُك فمن أنت ؟ فيقول أما تعرفني ؟ فيقول
لا فيقول أنا المعروف الذي عملته في الدنيا بعثني الله خلقا لأجازيك به يوم القيامة
)) . رواه البخاري في الأدب المفرد والبيهقي في السنة .
15- العفو عن السيئات
: قال صلى الله عليه وسلم : «أُتِيَ اللَّهُ بِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِهِ آتَاهُ اللَّهُ
مَالًا، فَقَالَ لَهُ: مَاذَا عَمِلْتَ فِي الدُّنْيَا؟ قَالَ: يَا رَبِّ آتَيْتَنِي
مَالَكَ، فَكُنْتُ أُبَايِعُ النَّاسَ، وَكَانَ مِنْ خُلُقِي الْجَوَازُ، فَكُنْتُ
أَتَيَسَّرُ عَلَى الْمُوسِرِ- أَيِ الْغَنِيِّ- وَأُنْظِرُ الْمُعْسِرَ، أَيْ أُمْهِلُهُ،
فَقَالَ اللَّهُ: أَنَا أَحَقُّ بِذَلِكَ مِنْكَ، تَجَاوَزُوا عَنْ عَبْدِي ’’ . مسلم
وفي رواية :’’ تلقت الملائكة روح رجل ممن كان قبلكم فقالوا: أعملت من الخير شيئاً؟
قال: لا. قالوا: تذكر ،قال: كنت أداين الناس فآمر فتياني أن ينظروا المعسر ويتجوزوا
عن الموسر، قال: قال الله : عز وجل تجوزوا عنه ’’ .
وصلي اللهم وسلم
على سيدنا محمد وآله وصحبه والتابعين والمهديين
تعليقات: (0) إضافة تعليق