عناصر الخطبة
1)المقدمة
2)فضل الصدق
وعاقبة الكذب
3)إن تصدق الله
يصدقك
4)عظم شأن الصدق
الموضوع
الحمد لله وحده
والصلاة على من لانبى بعد ,,,,,,,,,,,,,,,,,,,
المقدمة
_____
الصدق منجاة،
من عمل به نجاه، وهو من صفات المؤمنين، ومن خصال المتقين، ومن علامات الصالحين، فالفوز
والفلاح معقود في كل كلمة صدق، والنجاة والخلاص متعلقة بكل كلمة حق.
وقد حث الله
عليه في كتابه الكريم، وحض عليه رسوله المصطفى في غير موضع من سنته المطهرة، والصدق
لا يعني فقط صدق اللسان، وإنما هو صدق الجنان، والجوارح والأركان في جميع الأعمال والأقوال
والأحوال.
فضل الصدق وعاقبة
الكذب
________________
ثم أما بعد:
الصدق أساس هذا الدين، وعمود فسطاط اليقين، به تميز سكان الجنان من سكان النيران، أما
كونه أساس هذا الدين فلا يدخل العبد في الإسلام إلا بتصديق من قلبه حتى وإن نطق بالشهادتين
وخالف النطق قلبه فهو مخلد في النار، فأساس الإسلام: فالمسلم الناجي عند الله عز وجل:
من أتى بالنطق بالشهادتين ثم صدق القلب بما نطق اللسان.
الصدق به الفلاح
في الدنيا والآخرة، قال الله عز وجل: {هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ}
[المائدة:119]، فالصدق هو الذي ينجي في عرصات القيامة، والكاذب كاذب حتى في عرصات القيامة،
فلقد جاء في الحديث الذي يبين كذب قوم نوح يوم القيامة –حيث قال صلى الله عليه وسلم
: " يَجِيءُ نُوحٌ وَأُمَّتُهُ، فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى، هَلْ بَلَّغْتَ؟
فَيَقُولُ نَعَمْ أَيْ رَبِّ، فَيَقُولُ لِأُمَّتِهِ: هَلْ بَلَّغَكُمْ؟ فَيَقُولُونَ
لاَ مَا جَاءَنَا مِنْ نَبِيٍّ، فَيَقُولُ لِنُوحٍ: مَنْ يَشْهَدُ لَكَ؟ فَيَقُولُ:
مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُمَّتُهُ، فَنَشْهَدُ أَنَّهُ قَدْ بَلَّغَ،
وَهُوَ قَوْلُهُ جَلَّ ذِكْرُهُ: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا
شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَالوَسَطُ العَدْلُ "(رواه البخاري)، فيكذب قوم نوح
أمام الله عز وجل، ولكنهم إذا رءوا النار تلتهب صدقوا: {أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ
لا تُبْصِرُونَ} [الطور:15]، وعندما يقول لهم خزنة النار: {أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ
* قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ} [الملك:8 - 9].
يقول رسول الله
صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة الذي رواه الإمام أحمد، وحسنه الحافظ ابن كثير،
وحسن الإسناد الشيخ أحمد شاكر: (إنها ستأتي على الناس سنون خداعة، يصدق فيها الكاذب،
ويكذب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن، ويخون فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة، قيل
لـ أبي هريرة: وما الرويبضة؟ قال: السفيه يتكلم في أمر العامة)، أي: الرجل الحقير التافه
يتكلم في أمر العامة، ولقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عليكم بالصدق فإن الصدق
يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وإن الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند
الله صديقاً، وإياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار،
وإن الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً)(رواه مسلم)، وقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: (أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقاً، وأنا
زعيم ببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحاً، وأنا زعيم ببيت في أعلى الجنة
لمن حسن خلقه)(رواه أبو داوود-حديث حسن)، وقال صلى الله عليه وسلم لأعرابي: (إن تصدق
الله يصدقك)(سنن النسائي –صحيح)، وقد ورد في الحديث أنه قد جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ ثَائِرَ الرَّأْسِ، يُسْمَعُ
دَوِيُّ صَوْتِهِ وَلاَ يُفْقَهُ مَا يَقُولُ، حَتَّى دَنَا، فَإِذَا هُوَ يَسْأَلُ
عَنِ الإِسْلاَمِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خَمْسُ
صَلَوَاتٍ فِي اليَوْمِ وَاللَّيْلَةِ». فَقَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ:
«لاَ، إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ». قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«وَصِيَامُ رَمَضَانَ». قَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُ؟ قَالَ: «لاَ، إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ».
قَالَ: وَذَكَرَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الزَّكَاةَ،
قَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ: «لاَ، إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ». قَالَ: فَأَدْبَرَ
الرَّجُلُ وَهُوَ يَقُولُ: وَاللَّهِ لاَ أَزِيدُ عَلَى هَذَا وَلاَ أَنْقُصُ، قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَفْلَحَ إِنْ صَدَقَ»(صحيح البخاري
)
ضع هذه كلمات
النبي صلى الله عليه وسلم أمام عينك عن الصدق لتكون حافزاً لك على الصدق :
1-(أفلح إن
صدق)يبين النبي صلى الله عليه وسلم أن الفلاح للصادق
2-(ان تصدق
الله يصدقك )
ضع هذه الكلمات
أمام حتى تكون من الناجين الفالحين في الدنيا والآخرة.
إن تصدق الله
يصدقك
_____________
مفتاح الصديقية،
وهي درجة ثانية بعد النبوة، صدق في الأقوال، وصدق في الأحوال وهو الإخلاص وصدق في الأعمال
واستواء السريرة مع العلانية ولقد كان رسول المولى عز وجل يسأله: أن يرزقه مدخل صدق،
ومخرج صدق، فقال تعالى: {وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ
صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا} [الإسراء:80].
وسيدنا إبراهيم
سأل ربه فقال: {وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ} [الشعراء:84]، وقال الله
تبارك وتعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ
مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} [القمر:54 - 55]، وقال الله تبارك وتعالى: {وَبَشِّرِ الَّذِينَ
آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ} [يونس:2].
ومعنى: أدخلني
مدخل الصدق أي: كل دخول في أي أرض يكون بالله ولله، كدخول النبي صلى الله عليه وسلم
المدينة، فقد خرج من دياره تاركاً وراءه كل شيء: الأهل والأحباب والمال، خرج فاراً
بدينه، فلما أتى إلى المدينة وكان دخوله صادقاً بالله وفي الله أثر هذا الدخول في عبد
الله بن سلام زعيم اليهود، قال عن يوم دخول النبي صلى الله عليه وسلم المدينة: (لما
نظرت إليه علمت أنه ليس بوجه كذاب على الله، فكان أول ما سمعته منه: أيها الناس! أطعموا
الطعام، وأفشوا السلام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام)(سنن
الترمذي- صحيح)، هذا مدخل الصدق.
ومخرج الصدق:
كل خروج يكون لله عز وجل، كخروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى بدر، وخروجه أيضاً من
مكة لينشر دعوة الله عز وجل: ويح قوم جفوا نبياً بأرض ألفته ضبابها والظباء
وسلوه وحن جذع
إليه وقلوه ووده الغرباء
ونحا المصطفى
المدينة واشتاقت إليه من مكة الأنحاء
وخروج الكذب:
كخروج أبي جهل في يوم بدر، قالوا له: قد أفلتت العير من محمد فارجع سالماً، قال: لا
والله! والله لا نعود ولا نرجع حتى نمكث ببدر ثلاثة أيام، نشرب الخمور وتعزف لنا القيان،
فتسمع بنا العرب فتهابنا، فأذله الله عز وجل في يوم بدر.
كل خروج من
البيت أو إلى أي مكان تكون لله عز وجل وأنك ستخرج لله وفي الله، فهو خروج الصدق.
ولسان الصدق:
هو الثناء العطر من الناس بعد ممات الرجل، قال الله تبارك وتعالى: {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ
فِي الآخِرِينَ * سَلامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ} [الصافات:108 - 109].
ومقعد صدق أي:
الجنة، وقدم صدق: ما تقدمه من إيمان بالله ورسوله، ولذلك فسروها: بأنها محمد صلى الله
عليه وسلم، أو ما تقدم عليه وهي الجنة.
الدين كله صدق،
فمن زاد عليك في الصدق، فقد زاد عليك في الدين.
قال الله تبارك
وتعالى: {قُلْ صَدَقَ اللَّهُ} [آل عمران:95]، وقال الله تبارك وتعالى: {وَمَنْ أَصْدَقُ
مِنَ اللَّهِ قِيلًا} [النساء:122]، {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا} [النساء:87]،
الصديق سيدنا
أبي بكر
_____________
وقال الله تبارك
وتعالى: ((وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ)) أي: الدين {وَصَدَّقَ بِهِ} [الزمر:33] أي:
الصديق رضي الله عنه.
يقول سيدنا
علي: والذي نفسي بيده! إن الله سمى أبا بكر صديقاً، يعرفه المسلمون بنعته وصفته، وكثير
من المسلمين لا يعرفون اسم أبي بكر الصديق الحقيقي، إنما يعرفونه بكنيته وبصفته
الصدق يرفع
صاحبه حقاً.
صديق الأنصار
سيدنا سعد بن معاذ
_____________________
انظر إلى الصديق
الأنصاري ومنزلته في الأنصار كمنزلة أبي بكر في المهاجرين، وهو سيدنا سعد بن معاذ رضي
الله عنه لما قال: قد آمنا بك وصدقناك، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، وأعطيناك على
ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة، فامض يا رسول الله لما أردت، فو الذى بعثك
بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن
نلقى عدونا، إنا لصبر عند الحرب، صدق عند اللقاء، لعل الله أن يريك منا ما تقر به عينك،
فسر بنا على بركة الله تعالى)(المواهب اللدنية بالمنح المحمدية). ، وكان سيدنا سعد
مريضاً، ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يأتي إلى سعد كل يوم، ويسأل عن أخباره رفيدة،
فلما أتى إلى رفيدة قالت: يا رسول الله! اشتد به الوجع، فأتى قومه بني عبد الأشهل فحملوه
إلى ديارهم، ونزل جبريل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: (يا رسول الله! من
هذا الذي مات من أمتك؟ نزل اليوم إلى الأرض سبعون ألف ملك، ما نزلوا إلى الأرض قبل
يومنا هذا).
فالنبي صلى
الله عليه وسلم أسرع المشي حتى قال الصحابة: (يا رسول الله! تقطعت شسوعنا ونعالنا،
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أخاف أن تسبقنا إليه الملائكة فتغسله كما غسلت حنظلة).
ولما وصل النبي
صلى الله عليه وسلم إلى بيته وجد أمه تنوح عليه، فقال: (كل نائحة تكذب إلا أم سعد،
أو إلا نائحة سعد)، جعلت تقول: ويل أم سعد سعداً صرامة وجداً وفارساً معداً.
ولما حملوه
قال المنافقون: ما وجدنا أخف حملاً منه، فأخبرهم صلى الله عليه وسلم أن الملائكة قد
حملته معهم، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن السرير اهتز فرحاً بموت سعد بن معاذ)،
وفي رواية: (إن عرش الرحمن اهتز فرحاً بموت سعد بن معاذ)(راجع صحيح بن حبان )، وهذه
هي الجائزة العظمى للصدق.
البراء بن مالك
__________
في يوم اليمامة
أغلقت بنو حنيفة -أنصار مسيلمة الكذاب- الباب عليهم، وأحاط بهم الصحابة، فقال البراء
بن مالك: يا معشر المسلمين ألقوني عليهم في الحديقة فاحتملوه على ترس على أسنة رماحهم،
فاقتحم عليهم الحديقة وشد عليهم وقاتل حتى فتح باب الحديقة، فجرح يومئذ بضعة وثمانين
جرحًا، ولذلك قام عليه خالد بن الوليد شهرًا يداوي جرحه.(سير أعلام النبلاء)
سيدنا عاصم
بن ثابت
_____________
شهيد ثار الكون
من أجله:
عن أبي هريرة
- رضي الله عنه -قال: أرسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سرية وأمر عليهم عاصم
بن ثابت -وهو جد عاصم بن عمر بن الخطاب- فانطلقوا حتى إذا كانوا بين عسفان ومكة ذكروا
لحي من هذيل يقال لهم بنو لحيان، فتبعوهم بقريب من مائة رام فاقتفوا آثارهم حتى أتوا
منزلا نزلوه، فوجدوا فيه نوي تمر من المدينة، فقالوا: هذا تمر يثرب، فتبعوا آثارهم
حتى لحقوهم، فلما انتهى عاصم وأصحابه جاء القوم فأحاطوا بهم، فقالوا: لكم العهد والميثاق
إن نزلتم إلينا ألا نقتل منكم رجلاً، فقال عاصم: أما أنا فلا أنزل في ذمة كافر، اللهم
أخبر عنا نبيك، فقاتلوهم حتى قتلوا عاصمًا في سبعة نفر بالنبل وبعثت قريش إلى عاصم
ليأتوا بشيء من جسده يعرفونه، وكان عاصم قتل منهم عظيمًا من عظمائهم يوم بدر، فبعث
الله عليه مثل الظلة من الدبر(النحل) فحمته من رسلهم، فلم يقدروا منه على شيء، وفي
رواية أن عاصم بن ثابت قال: اللهم إني حميت دينك أول النهار فاحمِ لحمي آخره. فجرح
رجلين وقتل واحداً، وقتلوه فأرادوا أن يحتزّوا رأسه فبعث الله الدبر فحمته، ثم بعث
الله إليه سيلاً في الليل فحمله. وذلك يوم الرجيع.(راجع كتابي صفوة الصفوة ,حلية الأولياء
وطبقات الأصفياء)
الصدق في الخوف
___________
الصدق في الخوف:
ليس أن تدمع عيناك وأنت ترتكب المعاصي، ليس الخائف من يبكي ويمسح عينيه، إنما الخائف
من يترك ما يخاف أن يعاقب عليه.
كان مالك بن
دينار يعظ قوماً، ثم بعد أن انتهى من موعظته التفت إلى النعل فلم يجدها، فقال: كلنا
يبكي فمن سرق النعل؟ فالدموع ليست بكافية، ربما تكون دموع تماسيح.
هل أنت صادق
مع الله عز وجل؟ أم أن توبتك كتوبة شيخ ضعفت قوته عن ارتكاب المعصية، أو يدعي التوبة
ويلتفت إلى الذنب الفينة بعد الفينة، ويتذكر حلاوة الذنب؟ فلو صدقت توبتك لصحت.
فكل يوم يمر
عليك ولا تعصي الله عز وجل فهو يوم عيد.
وهذه هاجر أتى
بها إبراهيم إلى جبال فاران موضع مكة الآن، ونظرت حولها فلم تجد إلا هدير الصحراء؛
فقالت: (يا إبراهيم! إلى من تتركنا في مثل هذا المكان القفر، يا إبراهيم! آلله أمرك
بهذا؟ قال: نعم، قالت: إذاً فلن يضيعنا).
هذا الكلام
سهل، لكنه كلام امرأة ومعها رضيعها في الصحراء، وبعد قليل سيفارقها زوجها، ولن تجد
بعد ذلك لا ابن ولا بنت، ولن تجد إلا الموت في الصحراء.
فماذا تفعل
المرأة برضيعها، وهو يتلبط من الجوع والعطش، فتهرول ما بين الصفا والمروة، ولصدقها
يجعل الله عز وجل هذه الخطوات ركن من أركان الحج، فرفعها الله عز وجل بصدقها، ولما
نزل إليها جبريل، قال: من أنت؟ ومن زوجك؟ قالت: أنا أم إسماعيل، وزوج إبراهيم، قال:
إلى من وكلكما؟ قالت: إلى الله، فقال: صدقت، وكلكما إلى خير كافل، لا تخشي الضيعة،
إن الله لا يضيع أهله.
ويزعم أنه منا
قريب وأنا لا نضيع من أتانا
ويسألنا على
الإحسان جوداً كأنا لا نراه ولا يرانا
قال الله عز
وجل: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ
فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ
وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} [القصص:7]، ولما صدقت في المعاملة مع الله عز وجل،
وعلمت أن الله عز وجل هو خير كافل، وهو خير وكيل، ألقت بابنها الرضيع على صفحة النهر،
وقد كانت ترضعه على خوف من فرعون وملئه، والآن تلقيه في اليم، والأم إذا خافت على ولدها
ضمته إلى صدرها، فلم يقل لها: فضميه إلى صدرك بل (فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ
فِي الْيَمِّ)، وهذا من صدق التوكل على الله عز وجل.
سبحان من جعل
من موج البحر لموسى مستراحاً ومأمناً ومناماً، وجعل من النار لإبراهيم برداً وسلاماً.
ويأتي هذا التابوت
إلى قصر فرعون لتكون المعركة على أرضه.
وكأنه يقال
له: جندت كل جندك وكل القافلات من أجل هذا الطفل الرضيع! فسوف نسهل لك المهمة ونأتي
به إلى قصرك.
وتنظر الجواري
فيلتقطن سيدنا موسى عليه السلام، وإنما يؤتى الحذر من مأمنه، ولا يؤتى فرعون إلا من
قبل زوجته التي تعيش معه في غرفة واحدة، قال الله تبارك وتعالى: {وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ
مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} [طه:39]، قالت زوجة فرعون: {لا تَقْتُلُوهُ}
[القصص:9]، ونجاه الله عز وجل بأرق شيء، وهو المحبة التي ألقاها في قلب آسية، فلم تحمه
الملائكة ولا غيرها، وإنما حماه الله بكلمة الحب: لا تقتلوه.
وربي موسى في
حجر فرعون، ولسان القدر يقول: لا نربيه إلا في حجرك.
يجب أن أصدق
النية أولاً في أي عمل أقدم عليه، فإن قلت: سأذهب لزيارة فلان لوجه الله، وربما أجد
عنده فلاناً فهو دائماً يزوره، وأنا لي مصلحة معينة عنده، فحينها لا يوجد صدق نية.
قال تعالى:
{وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا}
[القصص:77].
أي: ولا تنس
نصيبك من الدنيا في زراعة الآخرة فيها، فالدنيا لا تنفصل عن الآخرة، الدنيا مصنع ومزرعة،
وفي الآخرة جني الثمرات، فلابد من صدق النية في العمل فلا مانع من أن نزرع ونصنع ونتاجر،
ولكن بشرط: ألا تشغلنا الدنيا عن الآخرة.
عظم شأن الصدق
مع الله
_________________
إن منزلة الإخلاص
لا بد للعبد أن يحققها؛ ليقبل الله سبحانه وتعالى منه طاعته، وليجيبه، وليجعله من المقبولين
عنده تبارك وتعالى، ولذلك من نوى نية ثم لم يستطع أن يعمل بما نوى من العمل الصالح
كتب الله سبحانه وتعالى له أجر ما نوى، على حد الحديث الذي قَبِلَهُ ابن تيمية في مختصر
الفتاوى: {نية المؤمن خيرٌ من عمله} ولذلك يقول عليه الصلاة والسلام كما في صحيح مسلم
عن أبي هريرة: {من سأل الله الشهادة بصدقٍ بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه}
وهذا من الصدق؛ لأن من طلب الصدق وحققه حقق الله له ما تمنى.
وتعلمون أن
عمر رضي الله عنه وأرضاه لما حج وقف في الأبطح ورفع يديه، وقال: [اللهم انتشرت رعيتي،
ورق عظمي، ودنا أجلي، فاقبضني إليك غير مفرطٍ ولا مفتون، اللهم إني أسألك شهادةً في
سبيلك وموتة في بلد رسولك صلى الله عليه وسلم، فقال له الصحابة: يا أمير المؤمنين!
إن من يطلب الشهادة يخرج إلى الثغور، فقال: هكذا سألت واسأل الله أن يلبي لي ما سألت](حلية
الأولياء وطبقات الأصفياء)
فلمّا وصل إلى
المدينة طعن في صلاة الفجر، وفي أحسن وقت، وفي أجلَّ مقام، وفي أحسن مكان، طُعن بعدما
صلَّى الركعة الأولى ودخل في الثانية بيدٍ غادرة فاجرة، ما تقربت إلا إلى النار بقتله،
وتقرب هو رضي الله عنه إلى الله سبحانه وتعالى، فوقع يقول: [حسبي الله، لا إله إلا
هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم] وعلم أنها الشهادة التي سألها رضي الله عنه وأرضاه،
لما توفي يقول أنس: [والله لقد خفنا خوفاً وحزنا بعد وفاة عمر حزناً ما حزناه أبداً
إلا على وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ووفاة أبي بكر] فلما وضع في بيته، وضعوا
رأسه على مخدة فقال لابنه: [فقال: ضع خدي بالأرض لا أم لك، في الثانية أو في الثالثة،
وسمعته يقول: "ويلي وويل أمي إن لم يغفر الله لي](محض الصواب في فضائل عمر بن
الخطاب) وظل سيدنا عمر على هذا الحال حتى مات .
فالشاهد: أن
عمر رضي الله عنه وأرضاه لما صدق في تمني الشهادة، وصدق في طلب مرضاة الله أعطاه الله
عز وجل، وبلغه الله تلك المنزلة، وهذا مأثور بالاستقراء والنقل، والمشاهدة والأثر من
جميع من أخلص لله سبحانه وتعالى وصدق مع الله.
فالله الله
في الصدق معه، فإنه بقدر صدقك يمنحك الله الثبات في الأقوال والأفعال والتصرفات، ويحرسك
سبحانه وتعالى بعين رعايته.
اللهم ارزقنا
الصدق في الأقوال والأحوال والأعمال، واحشرنا مع الصادقين، واجعلنا مع الصادقين، اللهم
زينا بزينة المهتدين المتقين.
رب اجعلنا لك
ذكارين، لك شكارين، إليك أوابين مخبتين منيبين، اللهم تقبل توبتنا، واغسل حوبتنا، واسلل،
بك نستنصر فانصرنا، وعليك نتوكل فلا تكلنا إلى غيرك، وإياك نسأل فلا تحرمنا، ولجنابك
ننكسر فلا تبعدنا، وببابك نقف فلا تطردنا.
الدعاء,,,,,,,,,,,
أقم الصلاة,,,,,,,,,,,
تعليقات: (0) إضافة تعليق