العناصر
1- المقدمة
2- قُلْ إِنْ كُنْتُمْ
تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ.
3- من المحب ومن
المحبوب .
4- الجزع يحن .
5- حب ابوبكر للرسول
صلى الله عليه وسلم .
6- حب عمربن الخطاب
للرسول صلى الله عليه وسلم .
7- ابن الزبير يشرب
الدم
8- حنظلة غسيل الملائكة
ومحبة الله ورسوله.
9- عبد الله الأنصاري
وحب الشهادة
10- عبد الله بن
جحش وعلامة حبه لله تعالى.
11- خوفهم من فراقه
صلى الله عليه وسلم
12- ادعاء حب النبي
صلي الله عليه وسلم .
المقدمة
الحمد لله رب العالمين,
الحمد لله الذي أراد فقدر, وملك فقهر, وخلق فأمر وعبد فأثاب, وشكر, وعصي فعذب وغفر,
جعل مصير الذين كفرو إلي سقر, والذين اقو ربهم إلي جنات ونهر, ليجز الذين كفرو بما
عملو, والذين امنوا بالحسنى
واشهد إن لا اله
إلا الله, وحده لا شريك له, له الملك, وله الحمد, وهو علي كل شيء قدير
يارب
رضاك خير إلي من
الدنيا وما فيها يا مالك النفس قاصيها ودانيها
فنظرة منك يا سـؤلي
ويـا أملى خير إلى من الدنيـا وما فيها
فليـس للنـفس أمـآل
تحققـها سوى رضاك فذا أقصى أمانيها
وأشهد أن سيدنا
وحبيبنا وشفيعنا محمد عبد الله ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه
بلغ الرسالة وأدى
الأمانة وكشف الظلمة وأحاط به الغمة وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين
يا سيدي يا رسول
الله :
أنت الذي تستوجب
التفضيل فصلوا عليه بكرة وأصيـلا
ملئت نبوته الوـجود
فأظهرا بحسامه الدين الحديد فأسفرا
ومن لم يصلي عليه
كان بخيل فصـلوا عليه وسلموا تسليما
وعلي اله وأصحابه
ومن سار على نهجه وتمسك بسنته واقتدى بهديه واتبعهم بإحسان إلي يوم الدين ونحن معهم
يا أرحم الراحمين
أما بعد
يقول تعالى
(قُلْ إِنْ كُنْتُمْ
تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ
[آل عمران:31] لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ
يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً الأحزاب:21].
حديثنا اليوم عن
الشمس التي أشرقت فعمت بنورها الكون كله و لكن الفرق بينها وبين شمسنا شاسع جداً فشمسنا
تغرب و شمسه صلى الله عليه و سلم لا تغيب قال تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا
أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً *وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ
وَسِرَاجاً مُّنِيراً )الأحزاب46
حديثنا عن السراج
المنير الذي امتن الله به علينا فأنار القلوب بعد ظلمتها و أحياها بعد مواتها و هداها
بعد ضلالتها و أسعدها بعد شِقوتها فكان صلى الله عليه و سلم الصباح بعد ليل طويل مظلم
بهيم :
حديثنا عن الرحمة
المهداة و النعمة المسداة كنا على شفا حفرة من النار فأنقذنا الله به قال تعالى (وَاعْتَصِمُوا
بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ
إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ
إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا
كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) (آل عمران:103
فحبُّه صلى الله
عليه وسلم عبادة، حبه طاعة مفروضة، حبه إيمان وتصديق، يتقرب العبد به إلى الله الواحد
الأحد.
وإذا كانت محبة
رسول الله صلى الله عليه وسلم متوجبة على كل مسلم ومفروضة عليه، فإنها لدى صحابة الرسول
صلى الله عليه وسلم أشد وأقوى؛ فلقد أحب الصحابة رضوان الله عليهم الرسول صلى الله
عليه وسلم حُباً فاق كل حب فآثروه على المال والولد وآية ذلك إتباعهم لتعاليمه صلى
الله عليه وسلم وابتعادهم عن نواهيه، وقد روي أن عمر قال للرسول صلى الله عليه وسلم:
"والله يا رسول الله لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي"؛ فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه»، فقال عمر: "فأنت
الآن والله أحب إلي من نفسي"؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الآن يا عمر(
.
حديثا عن أروع قصص
الحب و لكن من المُحب ؟ و من المحبوب ؟ و ما نوع الحب ؟
أما المُحب فالشجر
و الحجر و والجبل و السهل و الحيوان و الطير , و الحديث عن حب البشر له فشيء آخر و
حديث آخر ما بالكم بحب أعين اكتحلت بالنظر إلى وجهه الكريم و آذان تلذذت بسماح حديثه
ما بالكم بحب من جالسه و عاشره صلى الله عليه و سلم لا شك أنه حبٌ لم يُشهد مثله على
وجه البسيطة.
أما المحبوب فهو
خير من مشى على الأرض و خير من طلعت عليه الشمس بل هو شمس الدنيا و ضياؤها و سرورها
عرقه أطيب الطيب أجمل البشر و أبهى من الدرر انه محمد بن عبد الله صلى الله عليه و
سلم .
أما نوع الحب فيكفي
أنه حب أنطق الحجر و حرك الشجر و أبكى الجذع و أسكب دمع البعير فما بالك بإنسان له
جنان يفيض بالحب و الحنان ؟
فهيا نتجول في بستان
المحبة نختار من قصص الحب أروعها و نقتطف باقة عطرة من ذلك البستان الذي مُلئ بأجمل
الأزهار و أعبقها :
الجذع يحن :
________
عن جابر بن عبد
الله رضي الله عنهما قال : ( كان المسجد مسقوفا على جذوع من نخل فكان النبي صلى الله
عليه وسلم إذا خطب يقوم إلى جذع منها فلما صنع له المنبر وكان عليه فسمعنا لذلك الجذع
صوتا كصوت العشار حتى جاء النبي صلى الله عليه وسلم فوضع يده عليها فسكنت ) رواه البخاري
عن جابر بن عبد
الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوم يوم الجمعة إلى شجرة أو
نخلة فقالت امرأة من الأنصار أو رجل يا رسول الله ألا نجعل لك منبرا قال إن شئتم فجعلوا
له منبرا فلما كان يوم الجمعة دفع إلى المنبر فصاحت النخلة صياح الصبي ثم نزل النبي
صلى الله عليه وسلم فضمها إليه تئن أنين الصبي الذي يسكن قال كانت تبكي على ما كانت
تسمع من الذكر عندها ) رواه البخاري
و زاد في سنن الدارمي
بسند صحيح قال : ( أما و الذي نفس محمد بيده لو لم التزمه لما زال هكذا إلى يوم القيامة
حزناً على رسول الله صلى الله عليه و سلم ) فأمر به فدفن .
كان الحسن رحمه
الله يقول : يا معشر المسلمين الخشبة تحن إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم شوقاً
إلى لقائه فأنتم أحق أن تشتاقوا إليه .
أبو بكر الصديق
رضي الله عنه
_________________
خليل رسول الله
صلى الله عليه وسلم بينما هو جالس في ناحية من نواحي المسجد الحرام إذا به يبصر عقبة
بن أبي معيط أحد رؤوس الكفر متجها صوب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورسول الله صلى
الله عليه وسلم يصلي؛ فأخذ أبو بكر يترقبه فإذا هو يخلع ثوبه ويضعه حول عنق رسول الله
صلى الله عليه وسلم ليخنقه، فما أن رأى ذلك حتى انطلق كالسهم تجاه هذا الكافر، ثم أخذ
بمنكبه ودفعه دفعة شديدة، ونجا رسول الله صلى الله عليه وسلم من كيده، ثم أخذ يردد
الآية الكريمة: «أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّي اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ
بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ» [ غافر: 28].
عمر بن الخطاب وحب
النبي صلى الله عليه وسلم
____________________________
أتى عليه الصلاة
والسلام فلقنهم حب الله عز وجل، وحبه صلى الله عليه وسلم، يقول في حوار مكشوف وعمر
يقول له: {يا رسول الله! والله إنك أحب إلي من مالي ومن أهلي ومن ولدي إلا من نفسي،
فقال: لا ياعمر حتى أكون أحب إليك من نفسك، قال: فوالله -يا رسول الله- إنك أحب إلي
حتى من نفسي}.
وفي سنن الترمذي
بسند حسنه بعض أهل العلم: أن عمر لما أراد العمرة، قال له صلى الله عليه وسلم: {لا
تنسنا من دعائك يا أخي}.
قائد عظيم وزعيم
عملاق يقول لأحد تلاميذه: أخي، قال عمر -معلقاً-: كلمة ما أريد أن لي بها الدنيا وما
عليها، وذهب عمر إلى العمرة، لكن كأنه ترك قلبه مع الرسول عليه الصلاة والسلام وأشواقه
وأحاسيسه وإشراقه.
بنتم وبنا فما ابتلت
جوانحنا شوقاً إليكم ولا جفت مآقينا
نكاد حين تناجيكم
ضمائرنا يقضي علينا الأسى لولا تأسينا
هذا هو الحب، والحب
أثبت أصالته في المعركة، من الذي دفع أنس بن النضر أن يهب بسيفه من المدينةإلى أحد؟
فيقول له سعد بن معاذ: [[عد، عد يا أنس، قال: إليك عني يا سعد، والله الذي لا إله إلا
هو، إني لأجد ريح الجنة من دون أحد]] ويموت ويضرب بثمانين ضربة، أليس هذا حباً صادقاً؟!
بل وضوح والله، بل فداء معناه الحب لله ولرسوله.
ابن الزبير يشرب
الدم
_____________
كان النبي صلى الله
عليه وسلم قد احتجم في طست فأعطاه عبد الله بن الزبير ليريقه فشربه فقال له:
(لا تمسك النار إلا تحلة القسم، وويل لك من الناس، وويل للناس منك).
وفي رواية: أنه
قال له: ( يا عبد الله اذهب بهذا الدم فأهريقه حيث لا يراك أحد ) فلما بعُد
عمد إلى ذلك الدم فشربه، فلما رجع قال: (ما صنعت بالدم؟ ) قال: إني شربته
لأزداد به علماً وإيماناً، وليكون شيء من جسد رسول الله صلى الله عليه وسلم في جسدي،
وجسدي أولى به من الأرض فقال: (ابشر لا تمسك النار أبداً، وويل لك من الناس
وويل للناس منك) رواه الحاكم و الطبراني وقال الهيثمي : رجاله رجال الصحيح غير
هنيد بن القاسم و هو ثقة.
حنظلة غسيل الملائكة
ومحبة الله ورسوله
________________________
من الذي دفع حنظلة
الغسيل- وحديثه صحيح- أن يترك زوجته في أول ليلة وهو عروس ويهب وعليه جنابة، فيقتل
نفسه في سبيل الله، ويقدم دمه علامة على الحب، حتى يقول عليه الصلاة والسلام وهو يلتفت
إلى السماء ويشيح بوجهه: {والذي نفسي بيده! إني لأرى الملائكة تغسل حنظلة بين السماء
والأرض} أليس حباً هذا؟! بل والله من أعظم الحب وأرقى الحب.
عبد الله الأنصاري
وحب الشهادة
__________________
ويأتي ابن عمرو
- عبد الله الأنصاري والد جابر - فيتكفن بعد أن يغتسل ويتطيب ويكسر غمد سيفه على ركبته
ويلتفت، ويقول: [[اللهم خذ من دمي هذا اليوم حتى ترضى]].
يجود بالنفس إن
ضن البخيل بها
والجود بالنفس أغلى
غاية الجود
ويذهب فيقتل، فيبكي
ابنه جابر، فيقول صلى الله عليه وسلم: {ابك أو تبك، والذي نفسي بيده! ما زالت الملائكة
تظل أباك بأجنحتها حتى رفعته، والذي نفسي بيده لقد كلم الله أباك كفاحاً بلا ترجمان،
قال: تمنّ -واسمع إلى الأمنية والطموح وعلو الهمة- قال: أتمنى أن تعيدني إلى الدنيا
فأقتل فيك ثانية، قال: إني كتبت على نفسي أنهم إليها لا يرجعون، فتمنّ قال: أتمنى أن
ترضى عني فإني قد رضيت عنك، فقال الله: فإني أحللت عليك رضواني لا أسخط عليك أبدا}.
عبد الله بن جحش
وعلامة حبه لله تعالى
_______________________
هم أصحاب محمد عليه
الصلاة والسلام رباهم على الحب، فيأتي عبد الله بن جحش أول من سمي بالأمير يوم أحد،
فيقول: [[يا رب اللهم إنك تعلم أني أحبك - وهذا مهر البيعة- اللهم إن كنت تعلم ذلك
فلاق بيني وبين عدو لك شديد حرده، قوي بأسه، فيقتلني فيك -ما قال: أقتله- فيبقر بطني
ويجدع أنفي ويفقع عيني ويقطع أذني، فإذا قلت لي: يا عبدي لِمَ فُعِل بك هذا؟ فأقول:
فيك يا رب]].
رسولنا عليه الصلاة
والسلام قاد القلوب إلى الحي القيوم وهي تقيه من جراحات الأسهم وتحوطه بسياج من النور
في أحد حتى تقع الأسهم فيها، وأحدهم يقول: نفسي لنفسك الفداء يا رسول الله.
فيجب على المسلم
حب الله عز وجل وحب رسوله عليه الصلاة والسلام حباً صادقاً أكثر من الزوجة والأهل والمال
والولد، ولذلك أحباب الله يسارعون إلى محاب الله، وفي حديث عند الطبراني من قوله عليه
الصلاة والسلام: {يضحك ربك إلى ثلاثة -ولله ضحك يليق بجلاله لا نكيفه ولا نمثله ولا
نشبهه ولا نعطله- أحد الثلاثة رجل حمله الحب سافر في قافلة وتعب في السفر، فلما نزل
أصحابه قبل الفجر ناموا على الأرض، وأما هو فما نام، قام إلى الماء البارد فتوضأ واستقبل
القبلة يبكي ويدعو ويناجي الواحد الأحد، فيقول الله لملائكته: يا ملائكتي! انظروا لعبدي
هذا ترك فراشه الوثير ولحافه الدفيء وقام إلى الماء البارد يتوضأ ويدعو ويتملقني، أشهدكم
أني غفرت له وأدخلته الجنة} أليس بحب؟ بل أعلى من كل حب.
وفي مذكرات لبعض
الدعاة:
______________
أن شاباً مسلماً
من بلاد الجزيرة العربية سافر إلى بلاد الإنجليز إلى لندن وهناك أعلن توحيده وأعلن
صموده وأعلن إيمانه، لأنه خرج من بلاد الحرمين، من جزيرة التحدي ، من جزيرة الإبداع
والسمو والجمال والروعة والصفاء، وهناك سكن في بيت إنجليزي مع عجوز اضطر لذلك اضطراراً،
وكان يقوم مع صلاة الفجر في البرد القارس المثلج إلى صنبور الماء فيتوضأ، وتلاحظه عجوز
إنجليزية في البيت كل صباح، فتقول له: أمجنون أنت؟ قال: لا. قالت: وكيف تقوم في هذه
الساعة لتتوضأ؟ قال: ديني يأمرني بذلك، قالت: ألا تتأخر؟ قال: لو تأخرت لما قبل الله
مني، فهزت رأسها وقالت: هذه إرادة تكسر الحديد.
من الذي أتى بهذه
الإرادة وزرعها في القلوب؟ إنه محمد عليه الصلاة والسلام.
وهو رسول الله صلى
الله عليه وسلم تعاليمه لا تزال كالفجر لامحة لمن أراد أن يستفيد من تعاليمه.
خوفهم من فراقه
صلى الله عليه وسلم
_____________________
ومن حبهم رضوان
الله عليهم له خوفهم من فراقه، ومن يألفه عليه الصلاة والسلام ويتعامل معه فلا شك أنه
سيجزع لفراقه فهو مصدر أمن وأمان لأصحابه؛ كيف لا وهو الذي قد أنقذهم من جاهليتهم العمياء
إلى نور الإسلام المبين، وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يعاملهم كل حسب طبعه وسنه
فهو الأب الحاني لكل طفل، وهو الأخ لكل مسلم، وهو النصير المساعد لكل محتاج، وهو السند
لكل يتيم.
أخرج أحمد عن معاذ
بن جبل رضى الله عنه قال: لما بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن خرج معه
رسول الله صلى الله عليه وسلم يوصيه ومعاذ راكب ورسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي
تحت راحلته فلما فرغ قال: «يا معاذ إنك عسى أن لا تلقاني بعد عامي هذا، ولعلك أن تمر
بمسجدي هذا وقبري»، فبكى معاذ جزعاً لفراق رسول الله صلى الله عليه وسلم
عباد الله أقول
ماتسمعون واستغفروا الله إن الله غفور رحيم.
الخطبة الثانية
________
الحمد لله رب العالمين،
ولي الصالحين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وإمام
المتقين، وقدوة الناس أجمعين، وعلى آله وأصحابه والتابعين.
عباد الله:
_____
إن من ادعى شيئاً،
طولب بالبينة، فإذا لم يأت بها فهو كاذب.
قال تعالى: ﴿ قُلْ
هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾ [البقرة: 111]. وقد ادعى نفر من الناس،
وفئام من البشر، محبة الرسول صلى الله عليه وسلم فطولبوا بالبينة، فلم تكن لهم بينة،
ولو أعطى الناس بدعواهم، لادعى الخليُّ حُرقة الشجي، ولذهب قوم بأموال قوم وبدمائهم
لكن جعل الله البينة على المدعي واليمين على من أنكر.
﴿ قُلْ هَلْ عِندَكُم
مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا ﴾ [الأنعام: 148.
أما هؤلاء الذين
يدعون المحبة والقربة، ثم تنظر في أحوالهم، فتجدهم، لا سلوك، ولا عبادة، ولا استقامة،
ولا خشوع، إنما هو القول باللسان فقط، ويشهد الله على ما في قلبه، أنه كذب، ودجل، وخرافة.
إن نفراً من اليهود
زعموا محبة الله عزَّ وجلَّ إلا أنهم لا يتبعون النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله
تبارك وتعالى قوله: ﴿ قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ
اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ [آل عمران: 31]
فخرسوا، وما قامت لهم قائمة.
فمن علامات حبه
صلى الله عليه وسلم: اتباع سنته، واقتفاء طريقته، والسير على هديه، فمن لم يتبع سنته
صلى الله عليه وسلم قولاً، وعملاً، وسلوكاً، وحالاً، وظاهراً، وباطناً، وسرّاً، وعلانية،
فهو من أكبر الكذابين، وهو من أعظم الدجاجلة، إذا ادعى محبة الرسول عليه الصلاة والسلام،
فمثل هذا لا تسمع له ولا تلتفت إليه، واعلم أنه خائن للشريعة، لا ينظر الله إليه يوم
القيامة، ولا يزكيه، وله عذاب أليم.
﴿ لَقَدْ جَاءكُمْ
رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ
رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ﴾ [التوبة: 128]. ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ
حَسَنَةٌ ﴾ [الأحزاب: 21.
ومن علامات حبه
صلى الله عليه وسلم: الشوق إليه، والحنين إلى رؤياه، والمسارعة إلى تنفيذ أوامره، ولو
كلف ذلك فَقْدِ النفس والمال والولد.
ذكر ابن القيم وغيره
من أهل العلم أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى لينحر هديه في حجة الوداع، فأخذ الحربة؛
لينحر النوق وكانت مائة، فأخذت تتسابق إليه أيتها ينحر أولاً!! حبٌّ يكلف النفس، ولكن
لا ضير ما دام المحبوب محمداً - صلى الله عليه وسلم.
وهذا الحب عرفه
الصحابة رضوان الله عليهم، عرفه الصديق، يوم هاجر مع النبي صلى الله عليه وسلم فأخذ
يمشي أمامه تارة، وخلفه تارة، وعن يمينه تارة، وعن شماله تارة، حتى إذا كان هناك شيء
أو خطر أصابه هو، ولم يُصَب النبي صلى الله عليه وسلم بشيء!!
ومن علامات حبه
صلى الله عليه وسلم: عدم الاعتراض على شريعته، أو الاستهانة بشيء من سنته؛ كإماطة الأذى
عن الطريق، أو تقصير الثياب، أو إعفاء اللحية، أو الأكل باليمين، أو الشرب جالساً،
أو دخول المسجد باليمنى، والخروج باليسرى، أو غير ذلك.
ومن استهزأ بشيء
من سنته صلى الله عليه وسلم بعد أن علم أنها سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم فهو كافر،
حلال الدم.
﴿ قُلْ أَبِاللّهِ
وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤونَ * لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم
بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَآئِفَةً بِأَنَّهُمْ
كَانُواْ مُجْرِمِينَ ﴾ [التوبة: 65 - 66. ﴿ فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ
يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً
مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً ﴾ [النساء: 65.
﴿ لَا تَجْعَلُوا
دُعَاء الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاء بَعْضِكُم بَعْضاً قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ
يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذاً فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ
أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [النور: 63.
ومن علامات حبه
صلى الله عليه وسلم: كثرة الصلاة والسلام عليه، فالصلاة عليه نور، وإيمان وبرهان لك
عند الله يوم القيامة، فضوع بها مجلسك، وعطر بها لسانك، ونور بها قلبك.
يأتي أُبي بنُ كعب
إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيقول: يا رسول الله، إني أكثر الصلاة عليك، فكم أجعل
لك من صلاتي - يعني من دعائي - فقال: ((ما شئت)) قلت: الربع؟ قال: ((ما شئت، فإن زدت
فهو خيرٌ لك)). قلت: النصف؟ قال: ((ما شئت، فإن زدت فهو خيرٌ لك)). قلت: أجعل لك صلاتي
كلها؟ قال: ((إذاً تُكفى هَمَّك ويُغْفَر لك ذنبُك[17].
فأحسن الدعاء، ما
مزج بالصلاة والسلام عليه، فصلى الله وسلم وبارك عليه، ما تعاقب الليل والنهار، وما
سالت بوجه الأرض الأنهار، وما تهطلت من السماء الأمصار، وما فاحت في ربُاها الأزهار،
وما ذكره الذاكرون، وما غفل عن ذكره الغافلون.
عباد الله: إن الله
تعالى قد أمرنا بأمر بدأ فيه بنفسه فقال سبحانه: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ
عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا
﴾ [الأحزاب: 56.
هذا
وما كان من توفيقٍ فمن الله وحده، وما كان من خطأٍ، أو سهوٍ، أو نسيانٍ، فمني ومن الشيطان،
وأعوذ بالله أن أذكركم به وأنساه، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمدٍ وعلى آله وأصحابه
الأطهار الأخيار ومَن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
تعليقات: (0) إضافة تعليق