الخطبة الأولى
الحمد لله الذي أطلع للإسلام في شهر ربيع الأول
سعده، ونظم فيه للهدى عقده، حيث أبرز للوجود نبيه وعبده، وأفض عليه من الكمالات مالا
يمكن لحاسب أن يعده، وحلاه بالرسالة فبذل في أدائها جهده، أضاء الوجود بالدعوة إلى
الله وحده، أحمده أن جعل أمتنا [ آخر الأمم ] وخير أمة، وبعث فينا رسولا منا يتلو
علينا آياته ويزكينا ويعلمنا الكتاب والحكمة، أحمده على نعمه الجمّة وأشهد أن لا
إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تكون لمن اعتصم بها خير عصمة، وأشهد أن محمدا
عبده ورسوله، أرسله للعالمين رحمة، [ فدعا إلى كلمة التوحيد وتوحيد الكِلْمَة،
فكشف الله به الغمّة، ومحا بنور سنته الظلمة ] صلى الله عليه، صلاة تكون لنا [
طريقا إلى الجنة ]، وسلم تسليما كثيرا على آله وصحبه0أما بعد، فاتقوا الله عباد
الله، وتمسكوا بسنة الحبيب –صلى الله عليه وسلم-، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم
ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار
أما بعد:
يا أل طه لنا في
حيكم قمر ***** له الحصى ناطق والبدر منقسم
طه البشير له أسماء
أربعة ***** محمد أحمد هادي ومعتصم
وله على وجنتي خديه
أربعة **** الورد والياسمين ثم الأس والنعم
أمنت برسول الله
أربعة ***** الإنس والجن ثم العرب والعجم
انطق لرسول الله
أربعة ***** الضب والظبي والثعبان والصنم
ولولاه ما كان في
الإسلام أربعة **** حج ومنى ثم بيت الله والحرم
صلى على خير الله
أربعة **** العرش والكرسي ثم اللوح والقلم
حديثنا اليوم عن
سيد البشر عن صاحب الوجه الأنور والجبين الأزهر والحوض والكوثر
حديثنا عن حبيب
القلوب خليل علام الغيوب، من حجبت أنواره أنوار الشمس والقمر
حديثنا عن شمس الحقائق
و ضياها، ولفظ الرسالة ومعناها، ومرآة العلوم و مجلاها، اصطفاه الله من بحر لا
يخاف كدره، و من شجر لا يَخْلُف ثمره ،فغسل به من الكفر جوها مسودة، والأن به
للتقى قلوبا مشتدة، و جعله للدين ظَهِيرا و ظَهْرا ،وللحق ظَهِيرة و ظُهرا، فكف به كف الظلم، ورفع به لواء
السلم ،و زين به سماء العلم ،-صلى الله عليه وسلم
أولا: هو من ثبتت
له صلى الله عليه وسلم النبوة وختمها وآدم عليه السلام منجدل في طينته
إخوة الإسلام نبينا
الحبيب هو من هو من ثبتت له النبوة وختمها و آدم عليه السلام منجدل في طيته – عليه
السلام
وفتحت ختم الفيض من
كنز العما والكون لم تفتح له أغلاق
أيروم مخلوقٌ ثناءك
بعد ما كنت الثناء وشأنك
الإطلاق
وظهرت من حمد
الوجود بمظهرٍ أثنى على أخلاقك
الخلّاق
عَنِ الْعِرْبَاضِ
بْنِ سَارِيَةَ صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ , صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ , صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , يَقُولُ:
إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ وَخَاتَمُ النَّبِيِّينَ، وَإِنَّ آدَمَ لَمُنْجَدِلٌ فِي
طِينَتِهِ، وَسَأُخْبِرُكُمْ عَنْ ذَلِكَ؛ أَنَا دَعْوَةُ أَبِي إِبْرَاهِيمَ،
وَبِشَارَةُ عِيسَى، وَرُؤْيَا أُمِّي الَّتِي رَأَتْ، وَكَذَلِكَ أُمَّهَاتُ
النَّبِيِّينَ تَرَيْنَ.
وَإِنَّ أُمَّ
رَسُولِ اللَّهِ , صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , رَأَتْ حِينَ وَضَعَتْهُ
نُورًا أَضَاءَتْ لَهُ قُصُورُ الشَّامِ. ([1])
قوله : ” لمنجدل ”
أي : مطروح على وجه الأرض صورة من طين ، لم يجر فيه الروح بعد.
عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَتَى
وَجَبَتْ لَكَ النُّبُوَّةُ؟ قَالَ: «بَيْنَ خَلْقِ آدَمَ وَنَفْخِ الرُّوحِ
فِيهِ» ([2])
أي: كتبت خاتم
الأنبياء في الحال التي آدم مطروح على الأرض حاصل في أثناء خلقته، لما يفرغ من
تصويره وتعلق الروح به، كذا ذكره الشراح.
ثانيا: هو دعوة
إبراهيم وبشارة عيسى عليه السلام.
فها هو خليل الرحمن
وابنه إسماعيل -عليهم الصلاة والسلام -بعدما فرغا من بناء البيت يتوجه خليل الرحمن
إلى الله تعالى بتك الدعوة التي يسال الله فيها أن يرسل اليهم نبي فيقول﴿ رَبَّنَا
وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ
الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾
[البقرة: 129].
وقال ابن كثير عند
هذه الآية: والمراد بذلك محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -وقد بعث فيهم
كما قال تعالى (هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم) ومع هذا لا ينفي رسالته إلى
الأحمر والأسود لقوله تعالى ﴿ قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ
إِلَيْكُمْ جَمِيعًا ﴾ [الأعراف: 158].([3])
عَنِ الْعِرْبَاضِ
بْنِ سَارِيَةَ صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ , صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ , صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , يَقُولُ
أَنَا دَعْوَةُ أَبِي إِبْرَاهِيمَ، وَبِشَارَةُ عِيسَى، وَرُؤْيَا أُمِّي الَّتِي
رَأَتْ، وَكَذَلِكَ أُمَّهَاتُ النَّبِيِّينَ تَرَيْنَ ،وَإِنَّ أُمَّ رَسُولِ
اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رَأَتْ حِينَ وَضَعَتْهُ نُورًا
أَضَاءَتْ لَهُ قُصُورُ الشَّامِ. ([4])
ثالثا: وهو بشارة
عيسى عليه السلام.
و من العناية
الربانية بخير البرية أنه بشر به في التوراة والإنجيل قال الله تعالى ﴿ الَّذِينَ
يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا
عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ
وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ
عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي
كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ
النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾
[الأعراف:157].
رابعا : وهو بشارة
التوراة به -صلى الله عليه وسلم -.
جاء في التوراة؛ في
سفر التثنية الإصحاح (17 – 18 – 19) على لسان موسى: “قال لي الرب: قد أحسَنوا فيما
تكلموا، أُقيم لهم نبيًّا من وسط إخوتهم مثلك، وأجعل كلامي في فمِه، فيُكلمهم بكل
ما أوصيه به، ويكون أن الإنسان الذي لا يسمع لكلامي الذي يتكلم به باسمي، أنا
أطالبه”. ([5])
والنَّص يصف كما
ترَون تبشير الله -تعالى -لموسى -عليه السلام -بنبيٍّ سوف يَبعثه من وسط إخوة بني
إسرائيل، وأن هذا النبي سيكون مثل موسى، ويُخبر النص أيضًا: أن الذي لا يتبع هذا
النبي ولا يسمع لكلامه، فإن الله – تعالى – سوف يعاقبه.
إن البشارة تشترط
شرطين: الأول أن ذلك النبي من وسط إخوة بني إسرائيل، والثاني أنه مثل موسى.
والشرطان السابقان
لا ينطبقان إلا على رسول الإسلام – صلى الله عليه وسلم – فهو من أبناء إسماعيل بن
إبراهيم – عليهما السلام – وأبناء إسرائيل (يعقوب) هم أبناء إسحاق بن إبراهيم؛
لذلك فالنبي – صلى الله عليه وسلم – من وسط إخوة بني إسرائيل.
خامسا: بشارات من
الإنجيل:
و هو بشارة عيسى
عليه السلام بشارة عيسى – عليه السلام -:
أخبرنا الله – تعالى – أن عيسى – عليه السلام – بشَّر برسولنا محمد – صلى الله
عليه وسلم -: ﴿ وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي
رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ من التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا
بِرَسُولٍ يَأْتِي من بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ
بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ ﴾ [الصف: 6].
وفي إنجيل يوحنا
(14 – 15): “إن كنتم تحبوني، فاحفظوا وصاياي، وأنا أطلب من الأب فيعطيكم مُعزيًا
آخَر؛ ليمكث معكم إلى الأبد”.([6])
سادسا: أنه-صلى
الله عليه وسلم-ولد من نكاح ولم يولد من سفاح
ومن العناية
الربانية به -صلى الله عليه وسلم -أن الله تعالى طيب نسبه في وقت قد انتشرت فيه
الرذيلة واصبح تامرا عاديا فحفظ الله تعالى نسمته الطاهرة فجاء من نكاح ولم تأت من
سفاح.
من عهد آدم لم يزل
تحمي له في نسلها الأصلاب والأرحام
حتى تنقل في نكاح
طاهر ما ضم مجتمعين فيه حرام
فبدا كبدر التّمّ
ليلة وضعه ما شان مطلعه المنير قتام
فانجابت الظّلماء
من أنواره والنّور لا يبقى عليه ظلام
شكرا لمهديه إلينا
نعمة ليست تحيط بكنهها الأوهام
قال الله سبحانه
وتعالى: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ}.
وعن عكرمة عن ابن
عباس رضي الله تعالى عنهما في قوله تعالى: ﴿ وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ ﴾
[الشعراء: 219] قال: من صلب نبيّ إلى صلب نبي حتى صرت نبياً. رواه البزار،
والطبراني. رجاله ثقات. ([7])
وعن عطاء عنه في
الآية قال: «ما زال نبي الله صلى الله عليه وسلم يتقلب في أصلاب الأنبياء حتى
ولدته أمه» رواه أبو نعيم ([8])
عن ابن عباس – رضي
الله عنهما – قال رسول الله صلى الله عليه وسلم – ” خرجت من لدن آدم من نكاح غير
سفاح”. ([9])
وتأملوا قول الشاعر
الحكيم وهو يتحدث عن نبينا الأمين – صلى الله عليه وسلم – ويبن طهارة نسبه فيقول:
حفظ الإله كرامة
لمحمد آباءه الأمجاد صوناً لاسمه
تركوا السفاح فلم
يصبهم عاره من آدم وإلى أبيه وأمه
سابعا: أنه-صلى
الله عليه وسلم-خيار من خيار من خيار:
والله سبحانه
وتعالى اختاره من خيار الأمم ومن خيار البشر فهو خير مخلوق خلقه الله تعالى.
عن أبي هريرة أن
رسولَ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – قالَ: “بُعِثْتُ مِن خيرِ قرونِ بني آدَمَ
قرناً فقَرْناً، حتى كنتُ مِن القَرْنِ الذي كنتُ فيه”. ([10])
عَنْ وَاثِلَةَ
بْنِ الْأَسْقَعِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى كِنَانَةَ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ،
وَاصْطَفَى مِنْ كِنَانَةَ قُرَيْشًا، وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ،
وَاصْطَفَانِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ». ([11])
تقلب في الأصلاب
نورا مقدسا ففاح له عطر يبوح به الظهر
فمن آدم قد سار في
موج اعصر إلى عصر عبد الله يزهو به
الدهر
محمد المختار أشرق
عهده إلى النور يهدينا وطلعته البدر
ثامنا: هو سيد ولد
آدم-عليه السلام-أكرم ولد آدم على ربه – صلى الله عليه وسلم –
عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ وَلَا فَخْرَ، وَأَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ
اَلْأَرْضُ، وَأَوَّلُ شَافِعٍ، وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ.([12])
قال الحافظ النووي
ـ رحمه الله تعالى ـ: ((قال العلماء: وقوله ـ ? ـ: أنا سيد ولد آدم، لم يقله فخرا،
بل صرح بنفي الفخر في الحديث المشهور: ((أنا سيد ولد أدم ولا فخر)) وانما قاله
لوجهين:
أحدهما: امتثال
قوله تعالى: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} (الضحى، آية (11)).
والثاني: أنه من
البيان الذي يجب عليه تبليغه إلى أمته؛ ليعرفوه ويعتقدوه ويعملوا بمقتضاه ويوقروه
ـ? ـ بما تقتضي مرتبته كما أمرهم الله ـ تعالى)) ([13]).
وقال العز بن عبد
السلام ـ رحمه الله تعالى ـ: ((وإنما قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: أنا سيد
ولد آدم، لتعرف أمته منزلته من ربه ـ عز وجل)) ([14]).
أقول ما تسمعون،
وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله ذي
الجلال والإكرام، شرع الشرائع وأحكم الأحكام، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك
له، الملك القدوس السلام، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، سيد الأنام، صلى الله عليه
وعلى آله وصحبه البررة الكرام، ما تعاقبت الشهور والأيام، وسلَّم تسليما كثيرا.
أما بعد :
تاسعا : وهو –صلى
الله عليه وسلم -من كرامته على ربه أن جعل وزنه يرجح على الأمة بأكملها
عَنْ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ
، قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، كَيْفَ عَلِمْتَ أَنَّكَ نَبِيٌّ
أَوَّلَ مَا عَلِمْتَ ذَلِكَ وَاسْتَيْقَنْتَ ؟ قَالَ : ” يَا أَبَا ذَرٍّ ،
أَتَانِي مَلَكَانِ وَأَنَا بِبَطْحَاءِ مَكَّةَ ، فَوَقَعَ أَحَدُهُمَا فِي
الأَرْضِ وَالآخَرُ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا
لِصَاحِبِهِ : أَهُوَ هُوَ ؟ قَالَ : هُوَ هُوَ ، قَالَ : زِنْهُ بِرَجُلٍ ،
فَوُزِنْتُ بِرَجُلٍ فَرَجَحْتُهُ ، ثُمَّ قَالَ : زِنْهُ بِعَشَرَةٍ ،
فَوَزَنُونِي بِعَشَرَةٍ فَرَجَحْتُهُمْ ، ثُمَّ قَالَ : زِنْهُ بِمِائَةٍ ،
فَوَزَنُونِي بِمِائَةٍ فَرَجَحْتُهُمْ ، ثُمَّ قَالَ : زِنْهُ بِأَلْفٍ ،
فَوَزَنُونِي بِأَلْفٍ فَرَجَحْتُهُمْ ، فَجَعَلُوا يَنْثُرُونَ عَلَيَّ مِنْ
كِفَّةِ الْمِيزَانِ ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِلآخَرِ : لَوْ وَزَنْتَهُ
بِأُمَّتِهِ رَجَحَهُمْ ، قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ : “([15]).
عاشرا: أنه –صلى
الله عليه وسلم-جعله الله إماما لجميع الأنبياء والمرسلين وخطيبهم وصاحب شفاعتهم
في الآخرة
عَنِ الطُّفَيْلِ
بْنِ أُبَيٍّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَلَيه وسَلم:
إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ كُنْتُ إِمَامَ النَّبِيِّينَ وَخَطِيبَهُمْ
وَصَاحِبَ شَفَاعِتِهِمْ غَيْرُ فَخْرٍ. ([16])
وذلك لأنه –صلى
الله عليه وسلم- لما كان أفضل الأولين
والآخرين كان أمامهم فهم به مقتدون وتحت لوائه داخلون أي لما خصه الله به من
الفصاحة والبلاغة فهو المتكلم بين الناس إذا سكنوا عن الاعتذار فيعتذر لهم عند
ربهم فيطلق اللسان بالثناء على الله بما هو أهله، ولم يؤذن لأحد في التكلم
غيره أي الشفاعة العامة بينهم، وصاحب
الشفاعة لهم
الحادي عشر: هو من
جعل الله محبته صلى الله عليه وسلم أغلى شيء في الحياة وأعزه
عن أنس بن مالك رضى
الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ
وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ» ([17]) .
يخبر -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-أن أحداً لن يؤمن الإيمان الكامل الذي تبرأ به ذمته
ويستحق به دخول الجنة حتى يقدم محبة الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
على محبة أقرب الناس إليه، وعلى محبة كل مخلوق، لأن بسببه -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-حصول الحياة الأبدية، والإنقاذ من الضلال إلى الهدى، ومحبته
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تقتضي طاعته واتباع ما أمر به وتقديم قوله
على قول كل مخلوق.
أن فيه دليلاً على
وجوب تقديم محبة الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-على محبة كل مخلوق،
وأن تحقيق الإيمان مشروط بذلك.
الثاني عشر:هو من
أحبه الشجر واشتياق لرؤيته والقرب منه
عَنْ يَعْلَى بْنِ
مُرَّةَ الثَّقَفِيِّ، قَالَ: ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ رَأَيْتُهَا مِنْ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ………قَالَ: ثُمَّ سِرْنَا، فَنَزَلْنَا
مَنْزِلًا، فَنَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَاءَتْ
شَجَرَةٌ تَشُقُّ الْأَرْضَ حَتَّى غَشِيَتْهُ، ثُمَّ رَجَعَتْ إِلَى مَكَانِهَا،
فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرْتُ لَهُ،
فَقَالَ: «هِيَ شَجَرَةٌ اسْتَأْذَنَتْ رَبَّهَا فِي أَنْ تُسَلِّمَ عَلَى رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَذِنَ لَهَا» ([18])
قَالَ جَابرٌ – رضي
الله عنه -: كَانَ النَّبيُّ – صلى الله عليه وسلم – إذا خَطَبَ اسْتَنَد إِلى
جِذْعِ نَخلةٍ منْ سَوارِي المَسْجدِ، فَلَمَّا صُنِعَ لهُ المِنَبُر فاستَوَى
عليهِ، صَاحَت النَّخلةُ الَّتي كَانَ يَخطُبُ عِندَها حتَّى كَادَتْ أَنْ
تَنشَقَّ، فنزَلَ النَّبيّ – صلى الله عليه وسلم – حتَّى أخذَهَا فضَمَّها إليهِ،
فجَعَلَتْ تَئِنُّ كَمَا يَئِنُّ الصَّبيُّ الذي يُسَكَّتُ حتَّى استقرَّتْ،
قَالَ: “بَكَتْ على مَا كانتْ تَسمَعُ مِنَ الذِّكْرِ”. ([19])
قال لي الشافعي: (
ما أعطى الله تعالي نبيا ما أعطي محمّدًا صلّى الله عليه وآله وسلّم أعطي عيسى
إحياء الموتى فقال : أعطى محمّدًا حنين الجذع فهي أكبر من ذاك ) .
الثالث عشر : أنه
صاحب الوسيلة والفضيلة صلى الله عليه
وسلم. ( الوسيلة: أعلى منزلة في الجنة ).جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله –
صلى الله عليه وسلم -: « من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة،
والصلاة القائمة، آت محمدا الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته، حلت
له شفاعتي يوم القيامة»([20]).
♦ أنه صاحب عطاؤه
الكوثر – صلى الله عليه وسلم-( وهو نهر في الجنة ).عن أنس رضي الله عنه قال لما
عرج بالنبي- صلى الله عليه وسلم – إلى السماء قال أتيت على نهر حافتاه قباب اللؤلؤ
مجوفا فقلت ما هذا يا جبريل قال هذا الكوثر ([21]).
الدعاء
………………………………………….
تعليقات: (0) إضافة تعليق