----------------الحمد
لله رب العالمين … جعل القوة في الشباب فقال تعالي (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ
ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ
ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ ) الروم
(54) . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحي ويميت وهو
علي علي شيئ قدير .. مدح الشباب في القرآن الكريم فقال تعالي (إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا
بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى ) الكهف (13). وأشهد أن سيدنا محمد رسول الله صلي
الله عليه وسلم أوصي بالشباب خيرا فقال صلي الله عليه وسلم ( أوصيكم بالشباب خيرا فإنهم
أرق أفئدة ، لقد بعثني الله بالحنفية السمحة فحالفني الشباب وخالفني الشيوخ ) رواه
البخاري . فاللهم صل وسلم علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه ومن والاه إلي يوم الدين
.. أما بعـــــــــد :ــ فيا أيها المؤمنون …. إن الحديث مع الشباب وعن الشباب وإلى
الشباب حبيب إلى النفس قريب إلى القلب ، إن الشباب في كلِّ زمان ومكان – وفي جميع أدوار
التاريخ إلى زماننا هذا – عماد أُمة الإسلام وسِرُّ نَهضتها، ومَبعث حضارتها، وحاملُ
لوائها ورايتها، وقائدُ مَسيرتها إلى المجد والنصر. إن الإسلام لَم ترتفع في الإنسانية
رايتُه، ولَم يمتدَّ على الأرض سُلطانه، ولَم تَنتشر في العالمين دعوته – إلاَّ على
يد هذه الطائفة المؤمنة التي تَربَّت في مدرسة النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – وتخرَّجت
في جامعته الشاملة.
والحديث عن الشباب يتناول عدة عناصر وهي :ـ 1ـ حديث القرآن الكريم عن الشباب
. 2ـ تعامل النبي صلي الله عليه وسلم مع الشباب . 3ـ دور الشباب في بناء الأمة. 4ـ
نماذج مشرقة من شباب الإسلام في بناء الأمة. 5ـ نصائح عملية للشباب .
العنصر الأول :ـ حديث القرآن الكريم عن الشباب :ــ تعتبر أيام الشباب من
أعز الأيام التي تبقى عالقة بذاكرة الإنسان، مهما عاش، لأنه كان فيها طليق الحرية..
روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال: ما بعث الله نبيا إلا شابا، ولا أوتي
العلم عالم إلا شابا، ثم تلا هذت الآية:(قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم) وقد
أخبر الله تعالى به ثم أتى يحيى بن زكريا الحكمة قال تعالى: (وآتيناه الحكـم صـبيا)مريم.
وقال تعالى: (إذ أوى الفتية إلى الكهف)وقال جل شأنه: ( إنهم فتية آمنوا بربهم) وقال
جل من قائل: (وإذ قال موسى لفتاه) الكهف. ولقد ضرب القرآن الكريم المثل بالشباب ..
*فكان المثال الأول هوسيدنا النبي إبراهيم عليه السلام ، فإنه كان يتطلّع إلى الآفاق
الواسعة ، ويفتش عن الحقائق الناصعة ، ويملك الشجاعة العالية ، فيتأمل ويفكر في ملكوت
السموات والأرض ، حتى أدله الله تعالى على الحقيقة ، فآمن بالله وتبرأ من الأصنام ومن
كل المشركيـن . فقال الله تعالى في كتابه الكريم : ( وَكَذلكَ نُري إِبرَاهِيمَ مَلَكُوتَ
السَمَاوَاتِ وَالأرضَ وَلِيَكونَ مِنَ المُوقِنِيـنَ ) الأنعام: 78. وبهذا يصبح سيدنا
إبراهيم عليه السلام القدوة لكل الفتيان والشباب الموحدين الشجعان الرافضين للوثنية
والشرك والانحراف والضلال .
**والمثال الثاني الذي يضربه القرآن الكريم للفتيان والشباب هو النبي يوسف
عليه السلام ، وهو الذي آتاه الله العلم والحكمة عندما بلغ أشده ، وأصبح الفتـى ، القوي
، الصابر ، الصامد أمام عواصف الشهوة ، والإغراء بالجنس ، والاغراء بالمال والجاه ،
وأمام ضغوط الاضطهاد ، والقمع ، والمطاردة ، والتهديد بالسجن ، والنفي ، والفتى الثائر
، المكسر لكل القيود ، وأغلال العبودية ، وأغلال الشهوات ، وكذلك أغلال المجتمع الفاسد
.
قال تعالى : ( وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَينَاهُ حُكماً وَعِلماً وَكَذَلِكَ
نَجزِي المُحسِنِينَ ) يوسف : 22 . ( وَرَاوَدَتهُ التي هُوَ فِي بَيتِهَا عَن نَفسِهِ
وَغَلَّقَتِ الأَبوَابَ وَقَالَت هَيتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحَسنَ
مَثوايَ إِنَّهُ لا يُفلِحُ الظالِمُونَ ) يوسف : 23 . لماذا لم يستجب يوسف لهوى المرأة؟؟
وكان يمكن أن يستجيب وربما عذره الكثيرون، قالوا إنه شاب والشباب شعلة من الجنون، وهو
عبد والعبد يفعل ما يستحي منه الأحرار، وهو عزب ليس له زوجة تعفه، وهو غريب عن وطنه،
والغريب يفعل ما لا يفعل الإنسان في بلده، وهو .. وهو ..، هناك أكثر من سبب كان يجعل
يوسف يستجيب للمرأة ولكنه أبى كما ظهر ذلك. إنه نموذج للشاب الطاهر العفيف . ***
والمثال الثالث هوسيدنا موسى عليه السلام الذي عاش في أحضان البيت الفرعوني
والفرعونية ، وتربى في محيط الطاغوت والجبروت والتـرف الجاه والدلال ، فإن فرعون كان
قد اتَّخَذَهُ ولداً له . ولكنه عليه السلام بقي متمسكاً بجذوره الرسالية ومرتبطاً
بأصله الإلهي الرباني ، يتجنب معونة الظالمين ، وينتصر للمظلومين ويدافع عنهم ، ويَمُدُّ
يَدَ العَونِ والمساعدة للضعفاء والمحتاجين ، وكان يتحمل الآلام والمعاناة والمطاردة
والهجرة من أجل ذلك ، ويؤثر على نفسه ولو كان به خصاصة . قال الله عزّ وجل : ( وَلَمَّا
بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاستَوَى آتَينَاهُ حُكماً وَعِلماً وَكَذَلِكَ نَجزِي المُحسِنِينَ
) القصص : 14. ****
والمثال الرابع هم أهل الكهف ، فقال الله تعالى فيهم : ( إِنَّهُم فِتيَةٌ
آمَنُوا بِرَبِّهِم وَزِدنَاهُم هُدىً وَرَبَطنَا عَلَى قُلُوبِهِم إِذ قَامُوا فَقَالُوا
رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضَ لَن نَدعُوَ مِن دُونِهِ إِلَهاً لَقَد قُلنَا
إِذاً شَطَطاً ) الكهف : 13-14 . إن هذه الصور والأمثلة الواقعية الجميلة والمعبِّرة
عن الأبعاد المختلفة تنطلق من مفهوم صحيح للفتوة ، والشباب ، والقوة ، وهو التوحيد
في العبودية ورفض العبوديات الأخرى ، والسيطرة على الشهوات والرغبات ، ونصرة المظلومين
والدفاع عنهم ، ومساعدة الضعفاء والمحتاجين ، والتمرد على الواقع الفاسد ورفضه بشجاعة
وتضحية . **وفي المقابل نجد القرآن الكريم يضرب أمثلة أخرى للشباب المنحرف والتائه
والمغرور والضال والجاهل ، وأورد ذلك في قصة ابن نوح حيث قال تعالى : ( وَنَادَى نُوحٌ
ابنَهُ وَكَانَ فِي مَعزِلٍ يَا بُنَيَّ اركَب مَعَنَا وَلا تَكُن مَعَ الكَافِرِين
* قَالَ سَآوي إِلَى جَبَلٍ يَعصِمُنِي مِنَ المَاءِ قَالَ لا عَاصِمَ اليَومَ مِن
أَمرِ اللهِ إِلا مَن رَحِمَ وَحَالَ بَينَهُمَا المَوجُ فَكَانَ مِنَ المُغرَقِينَ
) هود : 42-43 . ومثال آخر يتحدث عنه القرآن الكريم، يعبر عن حالة الانحراف في الشباب
حيث العقوق للوالدين والتمرد على الله تعالى والتوغل في الجهل والغي ، فقال تعالى
: ( وَالذِي قَالَ لِوَالِدَيهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَن أُخرَجَ وَقَد خَلَت
القُرُونُ مِن قَبلِي وَهُمَا يَستَغِيثَانِ اللهَ وَيلَكَ آمِن إِنَّ وَعدَ اللهِ
حَقٌّ فَيَقُولُ مَاهَذَا إِلا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ ) الأحقاف : 17.
العنصر الثاني:تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع الشباب :ــ لقد أعطي
النبي صلى الله عليه وسلم الشباب الثقة ومنحهم المسئولية خلافاً لما يعيشه كثيرٌ من
الناس اليوم. إن النبي صلى الله عليه وسلم قد منح زيد بن حارثة وهو شاب وجعفر بن أبي
طالب وهو شاب وعبد الله بن رواحة وهو شاب منحهم الثقة، وسلمهم قيادة جيش مؤتة وما أدراك
ما مؤتة ! أول معركة بين المسلمين والرومان! بل إن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى أسامة
بن زيد قيادة جيش فيه رجال من كبار الصحابة أمثال أبي بكر وعمر رضي الله عنهم، وقد
كان عمر أسامة آنذاك ثماني عشرة سنة. ويرسل معاذاً إلى بلاد بعيدة وفي مهمة عظيمة ومسئولية
جسيمة يرسل معاذاً إلى اليمن ومعاذ لا يزال بعد في ريعان شبابه ويرسله على قومٍ ليسوا
على مذهبه وملته وديانته ويقول له: (إنك ستأتي قوماً أهل كتاب -يعني ليسوا بمسلمين-
فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فإن هم أجابوا
لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة) إلى آخر توجيه النبي
صلى الله عليه وسلم لـمعاذ ، وهذا ابن مسعود رضي الله عنه يقول فيما رواه الإمام أحمد
في مسنده : (كنا نغزو مع النبي صلى الله عليه وسلم ونحن شباب ليس لنا نساء) يعني: لم
نتزوج بعد، لا نزال فتية، لا نزال في بداية الشباب وفي مستهل حياة الشباب. لذا أوصي
النبي صلي الله عليه وسلم بالشباب فقال صلي الله عليه وسلم ( اغتنم خمسا قبل خمس:
“شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك”.
أخرجه الحاكم في المستدرك وقال صلي الله عليه وسلم ( إن الله ليعجب من الشاب الذي ليست
به صبوة” وقال صلي الله عليه وسلم ( إن الله يحب الشباب الذي يفني شبابه في طاعة الله”
البخاري. وقال صلي الله عليه وسلم ( من يدخل الجنة ينعم، لا ييأس لا تبلى ثيابه ولا
يفنى شبابه” مسلم, وعن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
“يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرح، ومن
لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء” متفق عليه.
العنصر الثالث:دور الشباب في بناء الأمة :ـ لقد كان للشباب المسلم الدورالأعظم
في بناء الأمم والشعوب فعلي أكتافهم قامت الحضارات ، وكان لهم أثر كبير في نهضة الأمة
الإسلامية على مر العصور واختلاف المجالات، فحُق لهم أن يكونوا نماذج حسنة وقدوة صالحة
لشباب الأمة في كل العصور.
1ـ الشباب هم أسبق الأمم إلي قبول الدعوات الإصلاحية :ــ الشباب قديما
وحديثا هم من واجهوا الباطل وكانوا أسرع إلي قبول الحق لأن أرق قلوبا وأهدأ نفسا وليس
لهم أطماع في الحياة كحال الكبراء والسادة كلما جاءهم رسول كذبوه قال تعالي في شأن
المترفون (وَكَذَٰلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا
قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِمْ
مُقْتَدُونَ(23) قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَىٰ مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ
آبَاءَكُمْ ۖ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ(24) الزخرف . أما
الشباب هم من تصدوا للباطل بإيمان وثبات كما حدث من سيدنا إبراهيم عليه السلام مع قومه
. وكما حدث من أصحاب الكهف مع الملك الظالم.
2ـ أنهم عنوان تقدم الأمة ودعامة نهضتها:ـ الشباب أغلي ماتمتلك الأمة ،
الأمة تمتلك كثير من المقدرات .. مقدرات اقتصادية ، ومقدرات عسكرية ، ومقدرات جغرافية
، ومقدرات إنسانية وأغلي ما تمتلك الأمة المقدرات الإنسانية وأغلي المقدرات الإنسانية
هم الشباب . و إذا أردت أن تعرف مستقبل أي أمة فلا تسل عن ذهبها ورصيدها المالي، فانظر
إلي شبابها واهتماماته ، فإذا رأيته شباباً متديناً فاعلم أنها أمة جليلة الشأن قوية
البناء ، وإذا رأيته شباباً هابط الخلق ، منشغلاً بسفاسف الأمور ، يتساقط على الرذائل
فاعلم أنها أمة ضعيفة مفككة ، سرعان ما تنهار أمام عدوها ، فالشباب عنوان الأمة. كان
الشباب قديمًا وحديثًا في كل أُمَّةٍ عِمَادُ نهضتها، وفي كل نهضةٍ سِرُّ قُوَّتها،
وفي كل فكرة حَامِلُ رَايتها: (إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ
هُدىً) (الكهف: 13)”. هم الذين حمَلوا راية الدعوة إلى الله، ورَفَعوا لواءَ الجهاد
المقدَّس، فحقَّق الله على أيديهم النصر الأكبر ودولة الإسلام الفتيَّة. لوتصفحنا السيرة
النبوية لوجدنا كل من واجهوا جبابرة مكة وكسري وقيصر هم الشباب ، السابقون السابقون
هم الشباب ، انظر إلي الزبير ابن العوام رضي الله عنه من العشرة المبشرين بالجنة كم
عمره 15 سنة ، وطلحة ابن عبيد الله من العشرة المبشرين بالجنة كم عمره 16 سنة ، سعد
ابن أب وقاص 17 سنة ، الأرقم ابن أبي الأرقم 16 سنة وهو بني مخزوم يجعل بيته مقرا لرسول
الله صلي الله عليه وسلم يعلم فيه المسلمين ويربيهم علي الإسلام لمدة 13 سنة رغم أنبني
مخزوم كانت تنازع بني هاشم الشرف . الدعامة الأساسية لدين الإسلام علي وجه الأرض هم
الشباب أعمارهم تتراوح من 17 :30 . نعم الواحد منهم صغير السن ولكنه كبير في العقل
والهدف وكل شيئ.
العنصر الرابع :ـ نماذج مشرقة من شباب الإسلام في بناء الأمة :ـ وإليكم
بعض القدوات الشبابية التي قدمت للأمة البطولات الرائعة :ــ أحبتنا في الله! نخاطب
الشباب لأنهم المعنيون، عليهم تنعقد الآمال، وبهم نصعد إلى قمم الجبال.
الشباب في ميدان العلم والدعوة :ـ 1ـ الإمام الشافعي :ـ طفل أحب العلم
والعلماء، كم بحثت أمه له عن علماء يجلس تحت أرجلهم فيتربى بتربيتهم، وينهل من معينهم!
فشاء الله وقدر أن يتحقق حلم الأم الحنون، فانتهى الأمر بكونه من أعظم فقهاء المسلمين
في التاريخ، وإلى أن تقوم الساعة. إنه الإمام الشافعي -رحمه الله- فقد كان يكتب على
الألواح، ويتنقل بين العلماء بهمة عالية بحثًا عن العلم، وقد حباه الله بإمكانيات هائلة،
حتى إنه حفظ الموطأ وهو في العاشرة من عمره، وليس ذلك فحسب بل إنه جلس على كرسي الفتيا
وهو في الثانية عشرة من عمره، فانتشر مذهبه وذاع صيته في العالم الإسلامي أجمع، فهو
أول من أصَّل علم أصول الفقه.
2ـ الإمام البخاري :ـ صبي فَقَد بصره في الخامسة من عمره، فظلت أمه تدعو
الله أن يرد إليه بصره، ليس ليكون كبقية الصبيان والأطفال، وإنما ليكون عالمًا متعلمًا،
فشاء الله وقدر واستجاب لدعوات أمه، فصار شيخًا للمحدثين في تاريخ الإسلام العظيم.
وهو جبل الحفظ وإمام وقته أمير أهل الحديث، الذي لم يشهد تاريخ الإسلام مثله في قوة
الحفظ ودقة الرواية والصبر على البحث مع قلة الإمكانات، حتى أصبح منارة في الحديث،
وفاق تلامذته وشيوخه على السواء، هو الإمام البخاري، صاحب أصح كتاب بعد القرآن الكريم،
والذي صنفه في ست عشرة سنة، وجعله حجة فيما بينه وبين الله تعالى، فلا يكاد يستغني
أحد عنه، لقد كان -رحمه الله- يحفظ أكثر من مائة ألف حديث، دوّن منها في صحيحه سبعة
آلاف فقط، وكان ذا منهج متميز في تخيُّر أحاديثه وقبولها. في أواخر القرن الثاني الهجري
في مشرق العالم – في نيسابور – جلس محمد بن إسماعيل البخاري وعمره 17سنة بين يدي أستاذه
إسحاق بن راهويه حاول الأستاذ أن يحدث تلامذته عن احتياجات الأمة فقال “والله لو أن
واحدا منكم يجمع صحيح السنة في كتاب لانتفع به الناس أيما انتفاع . يقول البخاري فوقعت
في نفس هذه المهمة وأقسمت أن أكون هذا الرجل فقعدت في بيتي ونمت ورأيت النبي صلى الله
عليه وسلم في المنام وهو جالس على منبره الشريف ويأتيه بعض الذباب فأذهب وأهش الذباب
عنه فأقمت من نومي وحكيت الرؤيا لأستاذي فأولها أنى أذب كذب الحديث عن حديث النبي صلى
الله عليه وسلم ،فبدأت أجمع حديث النبي صلي الله عليه وسلم في كتاب (والبخاري ما كتب
حديثا إلا اغتسل وصلى ركعتين. وكانت له تجارة ينفق من ريعها في هذه المهمة من ماله)
.
3ـ زيد ابن ثابت :ــ نموذج غاية في الروعة والجمال إنه زيد ابن ثابت ابن
الضحاك الأنصاري من بني النجار يبلغ من العمر ثلاثة عشر عاما ، سمع أن جيش المسلمين
خارج إلي بدر تحركت في قلبه مشاعر نصرة الإسلام فحمل سيفه وكان أطول منه ، وع ذلك خرج
لينضم إلي جيش المسلمين وهو ليس بمكلف بعد لكن الرسول الرحيم بأمنه رفض زيد وقال لا
زلت صغيرا يا بني. عاد الطفل حزينا إلي بيته يبكي !! لماذا البكاء ؟ لأن رسول الله
صلي الله عليه وسلم منعه من الجهاد ، لكن الأم المربية العاقلة قالت لا تحزن تستطيع
أن تخدم الإسلام بصورة أخري .كانت خدمة الإسلام هي هدفه وطموحه ، قالت له أنت تحسن
الكتابة وتحفظ كثيرا من سور القرآن ، تستطيع أن تخدم الإسلام في هذا المجال ، فذهبت
به إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم وأوصاه أن يتعلم اللغة السريانية . يقول زيد عن
ثابت بن عبيد عن زيد بن ثابت قال: قال لي رسول الله : “أتحسن السريانية؟” قلت: لا.
قال: “فتعلمها فإنه تأتينا كتب”. قال فتعلمتها في سبعة عشر يومًا. قال الأعمش: كانت
تأتيه كتب لا يشتهى أن يطلع عليها إلا من يثق به، من هنا أطلق عليه لقب ترجمان الرسول
. ترجمان الرسول صلي الله عليه وسلم كم عمره 13 سنة !! وبعد ذلك يكلف بجمع القرآن في
عهد سيدنا أبو بكر. بعد وفاة الرسول شغل المسلمون بحروب الردة، وفي معركة اليمامة كان
عدد الشهداء من حفظة القرآن كبير، فما أن هدأت نار الفتنة حتى فزع عمر بن الخطاب إلى
الخليفة أبو بكر الصديق راغبًا في أن يجمع القرآن قبل أن يدرك الموت والشهادة بقية
القراء والحفاظ…واستخار الخليفة ربه، وشاور صحبه ثم دعا زيد بن ثابت وقال له:(إنك شاب
عاقل لانتهمك)…وأمره أن يبدأ بجمع القرآن مستعينا بذوي الخبرة. ونهض زيد بالمهمة وأبلى
بلاء عظيما فيه، يقابل ويعارض ويتحرى حتى جمع القرآن مرتبا منسقا…وقال زيد في عظم المسئولية:
(والله لو كلفوني نقل جبل من مكانه، لكان أهون علي مما أمروني به من جمع القرآن)…كما
قال: (فكنتُ أتبع القرآن أجمعه من الرّقاع والأكتاف والعُسُب وصدور الرجال). وأنجز
المهمة على أكمل وجه وجمع القرآن في أكثر من مصحف. وجمعه مرة أخري عهد سيدنا عثمان
رضي الله عنهم جميعا.
4ـ الإمام ابن تيمة :ـ شيخ الإسلام ابن تيمية عليه رحمة الله، هذا الشيخ
كان صغيراً، وكان يحمل ألواحاً كبيرة، تخيل كيف كان يمشي مسافات بعيدة على رجليه! ما
عنده دفاتر ولا ألواح خشب يحملها من أجل أن يكتب عليها الدرس، في يوم من الأيام رآه
شيخ سمع أن هذا الولد نابغة -أي: عقلية جبارة، تقول له الجملة مباشرة يحفظها، هل هذا
موجود فينا؟ إذا عملت اختباراً يتبين من النابغة؟ أما شيخ الإسلام فهو نابغة من نوع
ثاني- جاء إليه هذا الشيخ فقال له: أنت ابن تيمية؟ قال: نعم. أنا ابن تيمية وكان صبياً
صغيراً، قال: أعطني اللوح؟ قال: تفضل، فكتب عليه ثلاثة عشر حديثاً، فقال له: اقرأ،
فقرأ عليه، يقول: فأخذت اللوح منه، فقلت: أسمعه عليّ، فقرأ الثلاثة عشر حديثاً كلها
قراءة واحدة، حفظ الثلاثة عشر حديثاً، الآن لو أقول لكم: رددوا حديثاً واحداً عشر مرات
هل تحفظونه؟ هذا قرأ ثلاثة عشر حديثاً حفظها مرة واحدة بقراءة واحدة. الشباب في ميدان
الإمامة :ـ عمرو ابن سلمة :ــ عن عمرو بن سلمه رضي الله عنه كما في صحيح البخاري كان
عمره ست سنين أو سبع سنين ” لما كان عام الفتح سارعت القبائل بإعلان إسلامها بين يدي
النبي صلي الله عليه وسلم فذهب أبوه “من قبيلة جرم ” إلي النبي صلي الله عليه وسلم
ليعلنوا إسلامهم فأمرهم بالصلاة والزكاة وغيرهما فرجع أبوه من عند النبي صلي الله عليه
وسلم واستقبله القوم وفيهم عمرو بن سلمه فقال أبوه “جئتكم من عند النبي صلي الله عليه
وسلم وأمرنا أن نصلى صلاة كذا في وقت كذا وصلاة كذا في وقت كذا فسألناه من يؤمنا فقال
أقرؤكم للقرآن فنظروا فلم يجدوا أحدا أكثر حفظا منى لما كنت أتلقى الركبان ( وقبيلة
جرم كانت استراحة القبائل التي تقصد النبي صلي الله عليه وسلم تمرعليهم وتعود عليهم
ليتزودوا ,كان يسألهم عمرو بن سلمه ماذا نزل على النبي من القرآن فيحفظ منهم ). فقدموني
للإمامة وعمري 6أو7سنوات وكانت على بردة قصيرة إذا سجدت تقلصت عنى فظهرت عورتي ، فنادت
امرأة من خلف الصفوف داروا عنى إست إمامكم . فاشتروا لي ثوبا عمانيا فما فرحت بشيء
بعد الإسلام فرحى بهذا الثوب ” ظل إماما للقبيلة أكثر من 50سنة.
الشباب في ميدان الجهاد :ـ 1 ـ صقرين يقتلان فرعون هذه الإمة :ــ غلامين
صغيرين كان لهما في معركة بدر موقف لا ينتهي منه العجب وهما معاذ بن عمرو بن الجموح
ومعاذ بن عفراء رضي الله عنهما ونترك الحديث عن هذا الموقف العجيب للصحابي الجليل عبد
الرحمن بن عوف رضي الله عنه كما في صحيح البخاري قال : بينما أنا في الصف يوم بدر إذ
نضرت عن يميني وعن شمالي فإذا بغلامين من الأنصار حديثة أسنانهما فتمنيت لو أن غيرهما
كان بجواري ليحميني فغمزني احدهما فقال يا عم أتعرف أبا جهل قلت نعم وما حاجتك إليه
قال سمعت انه يسب رسول الله والذي نفسي بيده لأن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت
الأعجل منا ثم غمزني الأخر فقال لي مثل مقالة صاحبه ثم لم أنشب أن نظرت إلى أبي جهل
يجول في الناس فقلت هذا صاحبكما فانقضا عليه كالصقرين فابتدراه بسيفيهما فضرباه حتى
قتلاه ثم انصرفا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخبراه فقال أيكما قتله قال كل
منهما أنا قتلته قال هل مسحتم سيفيكما قالا لا فنظر في السيفين فقال صلى الله عليه
وسلم : كلاكما قتله .( البخاري، ومسلم). سبحان الله فرعون هذه الأمة وطاغية زمانه يكون
مصرعه على يدي غلامين شابين من شباب الصحابة الكرام !! لماذا؟ حتى تكون الصورة واضحة
جلية يتبين من خلالها إلى أي حد وصل مستوى أولئك الشباب الأفذاذ.
2 ـ عمير بن أبي وقاص رضي الله عنه : أخو سعد بن أبي وقاص رضي الله عنهما
، أسلم قديماً ، ويقول عنه سعد رضي الله عنه : رأيت أخي عميراً ، قبل أن يعرضنا رسول
الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر ، يتوارى فقلت : مالك يا أخي ؟ قال : إني أخاف أن
يراني رسول الله صلى الله عليه وسلم فيستصغرني فيردني ، وأنا أحب الخروج لعل الله أن
يرزقني الشهادة . قال سعد : فعرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستصغره فرده ،
فبكى فأجازه ، فكان سعد يقول : كنت أعقد حمائل سيفه من صغره ، أي أن قامته قصيرة لذلك
يعقد حمائل السيف كي لا يلامس الأرض عندما يمشي عمير رضي الله عنه. وعندما نشبت معركة
بدر الكبرى ، استشهد عمير رضي الله عنه ، قتله أحد فرسان قريش وصناديدها وهو عمرو بن
عبد ود العامري الذي قتله علي رضي الله عنه يوم الخندق . وعندما يستشهد عمير على يد
فارس من قريش يعني ذلك أن عميراً رضي الله عنه كان في مقدمة الصف يصول ويجول ، حتى
اهتم به ذلك الفارس الصنديد فعرج عليه فقتله . الشباب في ميدان القيادة :
1ـ قاهر التتار:ـ ذلك الطفل الصغير الذي تربى تربية أبناء الأمراء، ولكن
ما لبث إلا أن خطفه الأعداء وبِيع بَيع العبيد، يتناقله تجار الرقيق من بلدة إلى أخرى،
حتى انتهى به المقام إلى العيش وسط العبيد، يأكل كما يأكلون ويشرب كما يشربون، ولكن
الطفل كان ذا طموح جارف، وثقة بربه، وهدف جليل؛ مما قاده ليكون من أعظم القادة في التاريخ
الإسلامي ،إنه سيف الدين قطز توفاه الله وهو دون الأربعين، ولكنه استطاع بهمته وتقواه
أن يحقق ما عجز عنه الكثيرون، حتى قال عنه العز بن عبد السلام: لو قلت ليس هناك من
هو أفضل من قطز من زمان عمر بن عبد العزيز لكنت صادقًا. إنه سيف الدين قطز الذي قال
قولته الشهيرة: (من للإسلام إن لم نكن نحن).
2ـ أصغر فاتح في الإسلام:ـ هو محمد بن القاسم الثقفي مؤسس أول دولة إسلامية
في الهند؛ ولذلك يبقى اسمه شامخًا في سجل الفاتحين الأبطال. أودع الله بين جنبيه نفسًا
بعيدة المطامح لخدمة الإسلام، والمسلمين . بدت عليه أمارات النجابة والشجاعة وحسن التدبير
في الحرب منذ نعومة أظفاره؛ مما جعل الحجاج بن يوسف الثقفي يعينه أميرًا على ثغر السند
وهو لم يتجاوز 17 عامًا، وكان محمد بن القاسم راجح الميزان في التفكير والتدبير، وفي
العدل والكرم، إذا قورن بكثير من الأبطال، وهم لا يكادون يبلغون مداه في الفروسية والبطولة،
ولقد شهد له بذلك الأصدقاء والأعداء، وقد سحر الهنود بعدالته وسماحته، فتعلقوا به تعلقًا
شديدًا. وكان يتصف بالتواضع الرفيع، فكان في جيشه من يكبر أباه سنًّا وقدرًا، فلم تجنح
نفسه معهم إلى الزهو والمباهاة، ولكنه لم يكن يقطع أمرًا إلا بمشورتهم، بَنَى المساجد
في كل مكان يغزوه، وعمل على نشر الثقافة الإسلامية مبسطة ميسرة. اتجه نحو بلاد السند،
فبدأ بفتح مدينة بعد مدينة لمدة سنتين، ثم زحف إلى الديبل، فخندق الجيش بخيوله وأعلامه
واستعد لمقاتلة الجيش السندي بقيادة الملك “الراجة داهر” حاكم الإقليم، في معركة مصيرية
سنة 92هـ، وكان النصر للحق على الباطل، فقد انتصر المسلمون، وقُتل ملك السند في الميدان،
وسقطت العاصمة السندية في أيدي المسلمين. واستمر محمد بن القاسم الثقفي في فتوحاته
لبقية أجزاء بلاد السند ليطهرها من الوثنية المشركة، فنجح في بسط سلطانه على إقليم
السند، وفتح مدينة الديبل في باكستان، وامتدت فتوحاته إلى ملتان في جنوب إقليم البنجاب،
وانتهت فتوحاته سنة 96هـ عند الملقان، وهي أقصى ما وصل إليه محمد بن القاسم من ناحية
الشمال، فرفرف عليها علم الإسلام وخرجت من الظلمات إلى النور، وبذلك قامت أول دولة
إسلامية في بلاد السند والبنجاب (باكستان حاليًّا) قال حمزة الحنفي فيه:
إن المــــروءة والسماحة والنـدى *** لمحمد بن القاسـم بن محمـد ساس الجيوش
لسبع عشرة حجّة *** يا قرب ذلك سؤددًا من مولد
3 ـ أقوي ملوك أوربا :ـ عبدالرحمن الناصر :ـ سيرته مليئة بالمواقف الرائعة
، استلم دولة ضعيفة مترهلة مشتتة تموج بالثورات والفتن يطمع فيها أهل الأرض جميعا وليس
فيها أمل فيما يبدو للناس أن تقوم من جديد فإذا به بصبر عجيب وثبات وعزيمة وجهد وإخلاص
يعيد ترتيب الأوراق من جديد في بلاد الأندلس ، يعيد للعلماء هيبتهم ويعيد للجيش الإسلامي
رهبته ، يوحد الصفوف ، يطهر البلاد من المشركين والمنافقين، يبني حضارة عظيمة جدا في
بلاد الأندلس تتفوق في كل المجالات ، حتي أصبحت الأندلس في زمانه أقوي دولة بلا منازع
علي وجه الأرض ، وجاء زعماء أوربا جميعا يطلبون وده وليفوزوا برضاه . عبدالرحمن الناصر
أقوي ملوك أوربا في القرون الوسطي ، استلم الحكم وهو يبلغ من العمر 22 سنة فقط . هذه
رسالة عظيمة أن الشباب عندهم مؤهلات وطاقات وإمكانات وقدرات عالية , وكأن التاريخ يقول
لنا لا تسهينوا بقدرات الشباب ، فالشباب أمل الأمة ، الشباب أساس النهضة لهذه الأمة
، ولنعلم جميعا أن المقومات الحقيقية للشاب الناجح تكمن أساس في دين الشاب في عقله
، في علمه ، وتدريبه ، ولم تكن أبدا في عرق أو نسب أ ومال أو عنصر أو جمال صورة . هذا
هو شباب الإسلام .
شبابنا هيا إلى المعـالي هيا اصعدوا شوامخ الجبال هيا اهتفوا يا معشر الرجال
قولوا لكل الناس لا نبالي
أحبتنا في الله! واقع شبابنا اليوم إذا قارناه بالصدر الأول والسلف الصالح
وجدنا ما نخجل لذكره وما نطأطىء الرءوس خجلاً مما نراه، بل لا نستطيع أن نقارن بين
أولئك وهؤلاء: لا تعرضن لذكرنا في ذكرهـم ليس الصحيح إذا مشى كالمقعد بل ربما من العبث
أن نقول: إن الرعيل الأول والجيل المتقدم كانوا أفضل من هؤلاء: ألم تر إن السيف ينقص
قـدره إذا قيل إن السيف أمضى من العصا . العنصر الخامس :ـ نصائح للشباب :ــ لا بد أن
يعلم الشباب أن الإسلام فيه الخير والعطاء والبناء لهم ، وهم بغير الإسلام تعاسة وبلاء
ولا قيمة لهم، فالشباب طاقة يسخرها الله في إصلاح البشرية ، فإليك أخي الشاب هذه النصائح
التي يمليها عليك دينك حتي تستطيع أن تقوم بدورك المنوط بك. . 1- على الشاب أن يعرف
دينه ، ويمتثله في سلوكه وعمله ، ويكون على قناعة تامة به ، ولا يلتفت لأقوال الحاقدين
والمشكيين ، ولعلم أن دينه أفضل دين ، وأن كل ما سواه فهو زور وباطل ، عليه أن يسخر
ما أودعه الله من قوة ونشاط في خدمة هذا الدين . وليكن هذا شعارك دائما ( دينك دينك
لحمك دمك ) . 2- على الشاب أن يعلم أن أمته هي خير أمة ، وأن هذه الخيرية ثابتة لها
ما دامت متمسكة بدينها ، ويعلم أن أمته بقيت دهراً طويلاً رائداً للعالم ، وأنه يجب
أن تبقى لها هذه الريادة ، وذلك لا يتحقق إلا بالالتزام بتعاليم الإسلام. 3- على الشاب
أن تكون همته بعد إصلاح نفسه إصلاح الآخرين ، وتعبيد الناس لرب العالمين ، وليحذر أن
يكون داعية سوء ، يكون عليه وزر نفسه ، ومن أوزار الآخرين. 4- على الشاب أن يكون دائماً
الارتباط بالله تعالى ، من خلال أداء الصلاة في وقتها ، وكثرة الذكر والدعاء ، والاستعانة
به في جميع الأمور ، والتوكل عليه ، والمحافظة على الأوراد المشروعة كأذكار الصباح
والمساء ، والدخول والخروج ، والركوب ، ونزول المكان ، وغير ذلك . 5- على الشاب أن
يعلم أن قدوته الحقيقة هو محمد صلى الله عليه وسلم ، وليحذر من التقليد الأعمى الذي
يفقده شخصيته وتميزه . 6- على الشاب أن يحافظ على رجولته ، ويتجنب كل ما من شأنه أن
يضعفها من ميوعة وتكسر ، وتشبه بالنساء ، وغير ذلك . 7- على الشاب أن يصبر على مشقة
فعل الطاعة ، وترك المعصية ، حتى تستقيم نفسه على ذلك وتستلذ به ، وكن من أهل الخير
حتى يصبح الخير عادة لك فلا تريد بأعمالك إلا وجه الله وابتعد عن الشر فلا تدخله إلى
قلبك ولا تشرح له صدرك لأنه لا يكون إلا بلجاجة الشيطان والنفس الأمارة بالسوء وقد
قال صلى الله عليه وسلم ” الخير عادة والشر لجاجة ومن يرد الله به خيراً يفقه في الدين
. 9- على الشاب إذا أراد أن يروح عن نفسه أن يلتزم بالحلال ، ويتجنب الحرام ، فإن في
الحلال غنية عن غيره ، وإن عاقبة الحرام وخيمة ، وليكن من دعائه ( اللهم اكفني بحلالك
عن حرامك ، واغنني بفضلك عمن سواك ). (رواه الترمذي قال حديث حسن ).
10- على الشباب أن يكونوا حذرين من الأفكار الهدامة حتى ولو كان ظاهرهاً
الصلاح والإصلاح فلا يقبلوا فكرة إلا بعد عرضها على العلماء والأساتذة حتى لا يقعوا
فريسة في أيدي دعاة الباطل. وأخيرا :ـ أيها الشباب عليكم أن تعلموا أن أهمية مرحلة
الشباب تكمن في السؤال عنها مرتين يوم القيامة؛ فعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ ، رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ”
لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعِ خِصَالٍ
: عَنْ عُمُرِهِ ، فِيمَ أَفْنَاهُ ؟ وعَنْ شَبَابِهِ ، فِيمَ أَبْلَاهُ ؟ وَعَنْ مَالِهِ
، مِنْ أَيْنَ ؟ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ ؟ وَعَنْ عِلْمِهِ ، مَاذَا عَمِلَ فِيهِ ؟ “
.( سنن الدارمي) فليعمل الشباب وليجتهدوا، وليشحذوا هممهم؛ فنهضة الأمة لن تقوم إلا
على أكتافهم. ونسأل الله أن يحفظ شبابنا من الفتن ماظهر منها وما بطن وأن يعصمهم من
الخطأ والزلل ويهديهم إلي طريق الهدي والرشاد إنه ولي ذلك ومولاه
----------------------------------------------------------------------.
والآن إلى نبذ يسيرة من أخبار
بعض شباب الصحابة رضي الله عنهم. علي بن أبي طالب رضي الله عنه: بدأ يعيش في كنف الحبيب
صلى الله عليه وسلم، وهو في السادسة من عمره، يتأدب على يديه، ويتعلم منه معالي الأخلاق...
ونزل الوحي، وكان علي في العاشرة من عمره، فسابق إلى الإيمان. لم يعرف اللهو واللعب،
فضلاً عن السجود لصنم... لقد اختاره الله لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم على التوحيد
والطهر والسمو. ومنذ أيام البعثة الأولى كان علي يصحب النبي صلى الله عليه وسلم إلى
شعاب مكة يصليان معاً في خفية عن أعين قريش. وعرف دخائل حياة النبي صلى الله عليه وسلم
فأحبه كل حب، وأُعجب به كل إعجاب! وقد منحه الله تعالى قلباً زكياً، وعقلاً متفتحاً،
وذاكرة قوية، وذكاءً وقّاداً. واعتاد على الزهد والتقشّف... حتى إنه بعد زواجه من فاطمة
رضي الله عنها، شكت فاطمة ما تلقى من أثر الرحى، وأُتي النبي صلى الله عليه وسلم بسبْي،
فجاءت تطلب منه من يخدمها من السبايا... وجاء النبي صلى الله عليه وسلم عليّاً وفاطمة
وقال لهما: «ألا أعلمكما خيراً مما سألتماني؟ إذا أخذتما مضاجعكما تكبران أربعاً وثلاثين،
وتسبحان ثلاثاً وثلاثين، وتحمدان ثلاثاً وثلاثين...» (رواه أحمد والشيخان). ويوم خيبر
قال صلى الله عليه وسلم: «لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله...»،
ودفع الراية إلى علي، ففتح الله عليه. (رواه أحمد ومسلم والترمذي). ويوم الهجرة كان
الفدائيَّ الذي نام في فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان عمره يومئذ (23) سنة،
وعرّض نفسه للقتل ونقمة قريش، ثم أكرمه الله بأن جعل على فراشه فاطمة. وجاهد في بدر
وكان علي أحد الثلاثة الذين بدؤوا المبارزة (هو وعمه حمزة، وابن عمه عبيدة بن الحارث)،
فقتل خصمه شيبة بن ربيعة. وفي الخندق، هو الذي بارز كبش الكتيبة عمرو بن ود العامري،
فقتله. وكان عمرو قد شهد بدراً ونذر ألا يمس رأسه دهناً حتى يقتل محمداً!!. ولازم علي
أبا بكر وعمر وعثمان في الحكم فكان المستشار والوزير والمعين.. ولطالما قال عمر:
"لولا علي لهلك عمر"! عُرف عليّ بالذكاء الحاد، لا سيما في شأن القضاء. وكان
صاحب فصاحة نادرة، وبلاغة عالية، وخطابة فذّة، وشجاعة تُضرب بها الأمثال. وَلِيَ لرسول
الله صلى الله عليه وسلم القضاء في اليمن. وكان زاهداً، كريماً جواداً، شاكراً لأنعم
الله. قتله عبد الرحمن بن ملجم في الكوفة. عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: ولد عبد
الله قبل الهجرة بعشر سنين، وهاجر مع أبيه عمر، وكان كأبيه قوياً، ذكياً، حريصاً على
العلم، حريصاً على الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم. حاول أن يشترك في غزوة
بدر، لكن النبي صلى الله عليه وسلم ردّه لصغره، وكذلك حدث في غزوة أحد، ولكنه أذن له
في غزوة الخندق، ولم يكن يغيب عن غزوة بعد ذلك... وحضر معارك اليرموك والقادسية وجلولاء
وحروب الفرس وفتح مصر... وكان كثير الحفظ والرواية لحديث النبي صلى الله عليه وسلم،
فكان ثاني السبعة المكثرين للرواية. وكان كريم اليد، كريم النفس. أصبح ضريراً آخر حياته.
توفي وهو ابن (84) سنة. الزبير بن العوام رضي الله عنه: أسلم وهو ابن ست عشرة سنة.
إنه حواريّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن عمته صفية... وأول من سلّ سيفه في سبيل
الله. وكان فارساً مغواراً، لم يتخلف عن غزوة واحدة! وكان يسمي أبناءه بأسماء الشهداء
من الصحابة. تلقى التعذيب على دينه، من عمه، فكان يصبر ويقول: "لا أرجع إلى الكفر
أبداً". وهاجر إلى الحبشة. كان في صدره مثل العيون، من كثرة الطعن والرمي. وقَتَلَ
يوم بدر عمه نوفل بن خويلد بن أسد. وفي أحد وفي قريظة يقول له النبي صلى الله عليه
وسلم: «فداك أبي وأمي»! وفي الخندق قال صلى الله عليه وسلم: «من يأتيني بخبر القوم»؟
فقال الزبير: "أنا"، فذهب على فرس فجاء بخبرهم، ثم قال الثانية ففعل، ثم
الثالثة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لكل نبي حواري، وحواريّ الزبير» (رواه الشيخان).
وكانت له شجاعة نادرة في اختراق صفوف المشركين يوم حنين ويوم اليرموك واليمامة، وكان
له دور عظيم في فتح حصن بابليون، وتمكين عمرو بن العاص من استكمال فتح مصر. وكان كريماً
سخيّاً، يكثر الإنفاق في سبيل الله. رضي الله عنه وأرضاه. الصحابية المجاهدة ذات النطاقين:
إنها أسماء بنت أبي بكر الصدّيق، صحابية بنت صحابي، وحفيدة صحابي، وزوج صحابي (هو الزبير)،
وأم صحابي (عبد الله)، وأخت صحابية (زوج النبي صلى الله عليه وسلم عائشة الصّدّيقة)،
رضي الله عنهم أجمعين. كان عمرها يوم أسلمت أربع عشرة سنة، ولم يكن قد سبقها إلى الإسلام
إلا ستة عشر صحابياً وصحابية. عندما تزوج منها الزبير كان فقيراً، فكانت تعينه على
خشونة العيش، حتى فتح الله عليه وصار من أغنياء الصحابة. وعندما هاجرت إلى المدينة
كانت حاملاً، وحين وصلت إلى قُباء وضعت ابنها عبد الله، فكان أول مولود للمهاجرين في
المدينة، وكان أول ما دخل جوفه ريقُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد حنّكه ودعا
له! وكانت من الجود والكرم بما يضرب به المثل، فكانت لا تمسك شيئاً إلى الغد. وكانت
عاقلة مضحّية، فحين خرج أبوها مهاجراً بصحبة النبي صلى الله عليه وسلم حمل معه ماله
كله، ومقداره (6000) درهم، ولم يترك لعياله شيئاً، فلما علم والده أبو قحافة برحيله
وكان لا يزال مشركاً، وكان كفيف البصر جاء إلى بيته وقال: "والله إني لأراه فجعكم
بماله بعد أن فجعكم بنفسه"، فقالت: "كلا يا أبتِ، إنه قد ترك لنا مالاً".
ثم أخذت حصى، ووضعته في الكوّة التي كانوا يضعون فيها المال وألقت عليه ثوباً، وأخذت
بيد جدّها وقالت: "انظر كم ترك لنا"! والموقف الذي اشتهرت به حملُها الزاد
لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في طريق الهجرة، ولما أرادت أن تربط المِزْوَد لم
تجد خيطاً مناسباً فشقّت نطاقها نصفين، وربطت المزود بأحدهما وربطت السقاء بالآخر،
فسُمّيت ذات النطاقين، ودعا لها النبي صلى الله عليه وسلم أن يبدلها الله بهما نطاقين
في الجنة. وموقفها الجليل الآخر هو حضّها ابنها عبد الله على مقاومة الحَجَّاج وقولها:
"إن الشاة لا يضرّها سلخها بعد ذبحها..."، وذلك حين قال لها: "أخاف
أن يمثّلوا بي". ثم دعت لابنها: "اللهم ارحم طول قيامه، وشدّة نحيبه في سواد
الليل والناس نيام، اللهم ارحم جوعه وظمأه وهو صائم، اللهم ارحم برّه بأبيه وأمه".
وقد قُتِل في يوم وداعه لأمه، ثم صلبه الحَجَّاج... وبعد ثلاثة أيام مرّت أمام جثّته
المصلوبة وقالت: "أما آن لهذا الفارس أن يترجَّل"!! فأمر الحجاج بدفنه. توفّيت
أسماء عن مئة عام، ولم يسقط لها سنّ ولا ضرس، ولم يغب من عقلها شيء! سعد بن أبي وقاص
رضي الله عنه: إنه أحد السابقين إلى الإسلام وأحد العشرة المبشّرين، وبطل القادسية
وفاتح المدائن... أسلم وهو في السابعة عشرة من عمره. ولم يكن ينصرف إلى اللهو الذي
يحبه الفتيان، بل يصرف همّه إلى بري السهام والتمرس بالرماية.. وحين أسلم تعرّض لأقسى
التجارب، وهو الذي قال: "كنت برّاً بأمي فلما أسلمتُ قالت: يا سعد ما هذا الدين
الذي أحدثت؟ لتدعنَّ دينك هذا أو لا آكل ولا أشرب حتى أموت فتعيَّرَ بي، فيقال: يا
قاتل أمه... وأصبحتْ وقد جُهدت... فقلتُ: يا أمّه! تعلمين والله لو كان لك مئة نفس،
فخرجت نفساً نفساً، ما تركت ديني. إن شئت فكلي أو لا تأكلي! فأكلت". (رواه أحمد
ومسلم والترمذي). وقد بذل سعد نفسه ووقته وماله في سبيل الله. وكان أول من رمى بسهم
في سبيل الله، وكان مستجاب الدعوة، فقد دعا له النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم استجب
لسعد إذا دعاك» (رواه الترمذي والحاكم، وصححه ووافقه الذهبي). وحدث أن رجلاً شهد عليه
شهادة زور في عهد عمر بن الخطاب، وكان سعد والياً على الكوفة، فقال سعد: "اللهم
إن كان عبدك هذا كاذباً فأطِلْ عمره، وأطل فقره، وعَرّضه للفتن"، فكان الرجل يقول
بعدئذ: "شيخ كبير مفتون أصابته دعوة سعد". وكان بعد أن سقط حاجباه على عينيه
من الكبر يتعرّض للجواري في الطرق يغمزهن!. (أخرجه البخاري). جهاده: وقد شهد سعد المشاهد
كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبلى فيها بلاءً حسناً. ففي بدر كان يرمي بين
يدي النبي صلى الله عليه وسلم، فيضع السهم في كبد القوس ثم يقول: "اللهم زلزل
أقدامهم، وأرعب قلوبهم، وافعل بهم وافعل"، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم
استجب لسعد». وفي أحد كان سعد ممن ثبت مع النبي صلى الله عليه وسلم، حتى كان صلى الله
عليه وسلم يناوله النبل وهو يقول: «ارم فداك أبي وأمي»، حتى إنه ليناوله السهم ماله
من نصل، فيقول: «ارمِ به» (رواه البخاري ومسلم). وهكذا في كل معركة أيام النبي صلى
الله عليه وسلم، وأيام أبي بكر وعمر رضي الله عنهما. لكن المعركة العظمى التي ارتبط
ذكرها بذكر سعد هي معركة القادسية التي قادها سعد ضد الفرس المجوس. فقد نظّم سعد الجيش،
وجعل على كل عشرة عريفاً، وأمّر على الرايات رجالاً من أهل السابقة، وعيّن مسؤولاً
عن القضاء والفيء، وآخر عن الوعظ والإرشاد، ومترجماً يتقن الفارسية، وكاتباً، وعيوناً،
ومجموعات للإغارة، ورسلاً للمفاوضة. واستمرت المعركة ثلاثة أيام ونصفاً، لقي المسلمون
فيها مقاومة شرسة من الفرس، واستشهد ربع جيش المسلمين، وكان النصر المبين. وكان عدد
جيش المسلمين (35) ألفاً، وجيش الفرس (120) ألفاً. وبعدها فتح سعد المدائن في معركة
حاسمة أخرى. وحين حضرت سعد الوفاة، كان في العقيق بجوار المدينة المنورة، فدعا بخَلَقِ
جبة صوف فقال: "كفّنوني فيها، فإني لقيت المشركين فيها يوم بدر، وإنما خبأتها
لهذا اليوم..."، ودُفن في البقيع. رضي الله عنه وأرضاه. عبد الله بن عباس رضي
الله عنهما: ولد قبل الهجرة بثلاث سنين، وحين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم
يزد عمره على الثالثة عشرة، ومع ذلك حفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم (1660) حديثاً،
وكان ترتيبه الخامس من بين السبعة المكثرين لرواية الحديث الشريف. حنّكه الرسول صلى
الله عليه وسلم بريقه، فكان أول ما دخل جوفه ريق النبي صلى الله عليه وسلم. ومنذ بلغ
السابعة من عمره لازم النبي صلى الله عليه وسلم... يُعدّ له ماء وضوئه، ويصلّي خلفه،
ويكون رديفه في السفر. وكان يحمل بين جنبيه قلباً واعياً، وذهناً صافياً، وحافظة قوية..
وكان قوي الحجّة، سريع البديهة، ودعا له النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم فقّهه في
الدين، وعلّمه التأويل». وبعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم تابع عبد الله بن
عباس طلب العلم من الصحابة... قال: "كان إذا بلغني الحديث عند رجل من الصحابة
أتيتُ بابه وقت قيلولته، وتوسّدتُ ردائي عند عتبة داره، فيَسْفي عليَّ الريح... ولو
شئت أن أستأذن عليه لأذِن لي... فإذا خرج ورآني قال: يا بن عم رسول الله، ما جاء بك؟!
هلا أرسلتَ إليّ فآتيك؟! فأقول: أنا أحق بالمجيء إليك، فالعلم يؤتى ولا يأتي"!
وكان يمسك بركاب دابة زيد بن ثابت فقيه الصحابة، ويأخذ بزمامها فيقول له زيد:
"دع عنك يا بن عم رسول الله"، فيقول: "هكذا أُمرنا أن نفعل بعلمائنا"،
فيأخذ زيد يد ابن عباس ويقبّلها ويقول: "هكذا أُمرنا أن نفعل بأهل بيت نبيّنا
صلى الله عليه وسلم". قال مسروق بن الأجدع -أحد كبار التابعين-: "إذا رأيتَ
ابن عبّاس قلتَ: أجمل الناس، فإذا نطق قلت: أفصح الناس، فإذا تحدّث قلت: أعلم الناس".
وكان له مجلس يجيب فيه من سأله في القرآن وقراءاته، وفي التفسير والتأويل، وفي الفقه
والفرائض، وفي العربية والشعر. وقد يعقد مجلساً للتفسير، وآخر للفقه، وثالثاً للمغازي،
ورابعاً للشعر، وخامساً لأيام العرب، وسادساً للمواعظ والتذكير. وكان عمر بن الخطاب
رضي الله عنه يدنيه في مجلسه الذي يعقده لحل المعضلات، والاستشارة في الأمور الجليلة،
ويقول عنه: "إنه فتى الكهول، له لسان سؤول، وقلبٌ عَقول". من أقواله:
"إن فرحك بالذنب إذا ظفرت به أعظمُ من الذنب، وإن حزنك على الذنب إذا فاتك أعظم
من الذنب". وكان كثير العبادة صوّاماً قوّاماً. وكان يحضر مجالس أبي بكر وعمر
رضي الله عنهما، تلك المجالس التي يحضرها كبار الصحابة. وحين وجد هؤلاء في أنفسهم،
من حضور عبد الله معهم، ولهم أولاد في مثل سنه ولا يؤذن لهم بالحضور، أراد عمر أن يريهم
مقام ابن عباس، فسألهم جميعاً عن معنى سورة النصر... وكان تفسير ابن عباس لها: أنها
أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم! فقَدَ ابن عباس بصره في أواخر حياته، ثم توفي وهو
ابن إحدى وسبعين سنة. النعمان بن بشير رضي الله عنهما: هو أول مولود للأنصار بعد الهجرة.
ولد في جمادى الأولى في السنة الثانية. وحين توفي الرسول صلى الله عليه وسلم كان عمر
النعمان تسع سنين. من الأحاديث التي رواها: «إن الحلال بيّن، وإن الحرام بيّن، وبين
ذلك أمور مشتبهات...». كان مجدّاً في طلب العلم. واشتُهر بالفتوى والقضاء. ولاه معاوية
رضي الله عنه على الكوفة، تسعة أشهر، ثم عيّنه قاضياً في الشام. وكان كريماً سخيّاً
يُحسن إلى الفقراء والمساكين. توفي سنة (65) شهيداً في بعض المعارك. الغلامان البطلان
معاذ بن عمرو ومعوذ بن عفراء رضي الله عنهما: إنهما فتيان من أبناء الصحابة، بلغهما
أن أبا جهل كان يسبُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فعزما على قتله، انتصاراً للنبي
صلى الله عليه وسلم. قال عبد الرحمن بن عوف: "إني لفي الصف يوم بدر، إذ التفتُّ
فإذا عن يميني وعن يساري فتيان حديثا السن، فكأني لم آمن بمكانهما، إذ قال لي أحدهما
سرّاً من صاحبه: يا عم، أرني أبا جهل. فقلت: يا بن أخي، فما تصنع به؟ قال: أُخبرتُ
أنه يسبّ رسول الله صلى الله عليه وسلم. والذي نفسي بيده لئن رأيته لا يفارق سوادي
سواده حتى يموت الأعجل منا، فتعجّبت لذلك. قال: وغمز لي الآخر، فقال لي مثلها. فلم
أنشب أن نظرت إلى أبي جهل فقلت: هذا صاحبكما! فابتَدَراه بسيفيهما فضرباه حتى قتلاه،
أي أصاباه إصابةً بالغة، ثم جاءه عبد الله بن مسعود فأجهز عليه". وابن مسعود نفسه
أسلم وكان عمره دون العشرين، وكان ضئيل الجسم، ذكي العقل، زكي النفس، محبّاً للعلم،
وملازماً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ملتزماً بسنّته...وكان من فقهاء الصحابة.
تعليقات: (0) إضافة تعليق