الخطبة الأولى
أما بعد:
فيا أحباب رسول الله صلى الله عليه
وسلم –
يا شباب الأمة أنتم
أملها المنشود
يا شباب الأمة أنتم
مستقبلها المزهر الموعود
يا شباب الأمة أنتم
بناة صرحها المشيد
يا شباب الأمة أنتم سواعدها القوية
يا شباب الأمة أنتم
صمام أمانها
يا إخوتي يا شباب
الحق همتكم *** تسمو بكم عن دروب الطيش والصخب
أحبكم يا شباب الحق
محتسباً *** ولن يضيع ربي أجر محتسبي
أدعو لكم بصلاح الأمر
في زمنٍ *** سواد ظلمته يطغى على الشهب
أقول لا تفتحوا باب
العقول لمن *** يدعو إلى اللهو والتهريج واللعب
لا يجرمنكم شنآن من
فسقوا *** على سلوك طريق العنف والشغب
هذه أيها الشباب صيحات
تحذير وتنبيه لكل شاب وفتاة إلى كل سائر على الطريق يبتغي السعادة في الدنيا
والأخرة
يا شباب إن بحار الشهوات متلاطمة
الأمواج من دخل فيها قل أن ينجو من الهلكة والغرق إلا من استعصم بالله
احذروا يا شباب من مركب الشهوات
ومركب الفتن
بحره دماء الأبرياء وربانه الصغار
والسفهاء
ليله بهيم ونهاره جحيم
ومرساه على شفا جرف هار على شفير
جهنم .
هذه الشهوة يا شباب
ليست محصورة في صورة واحدة، من
الناس من شهوته في بطنه، ومنهم من شهوته في فرجه، ومنهم من شهوته في نفسه أن يكون
ذا منصب ذا مكانة ذا منزلة، ومنهم من يكون في كذا أو في كذا، ألوان وأصناف من
الشهوات.
إليكم بيان تلك البحار وكيف النجاة
من أهوالها ومن أمواجها ا
أولا: شهوة الفرج
يقول الله موضحا لنا بحار
الشهوات في محكم الآيات -: ﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ
النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ
وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ
مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (14) قُلْ
أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ
جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ
مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (15) ﴾ [آل
عمران: 14، 15].
وجاء ترتيبُ الشهوات في الآية،
فبدأ بالنِّساء؛ لأنهنَّ أشدُّ فتنةً من التي تَليها؛ كما ثبت في الصحيح: أنَّه –
صلَّى الله عليه وسلَّم – قال: ((ما تركتُ بعدي فِتنةً أضرَّ على الرِّجال من
النِّساء))، حيث إنَّ جميع هذه الشهوات من الشهوات المباحة، ولكنَّها تتحوَّل إلى
معاصٍ وآثام، إذا تغيَّر المقصود من التمتُّع بها.
إن شهوة الفرج من أخطر الشهوات
التي يتعرض لها الشباب والفتيات في عصر التفلت وفي عصر أصبحت الرذيلة في متناول
الجميع بل يستطيع الشاب والفتاة ممارستها عبر الشبكات والهواتف النقالة في عصر
أصبحت الرذيلة سلاح فتاك يقضي على المجتمعات ويقضي على الأخلاق
يا شباب الأمة (إننا نحتاج إلى
مبشرين بالفضيلة في زمن تفتحت فيه أبواب الشهوات، وتسهلت الطرق إلى المعاصي، وجاءت
الفتن من كل جانب، ودخلت على الناس في كل مكان، دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم
إليها قذفوه فيها، أفلام وروايات وصور وإعلانات ومواقع في الشبكات، تهييج للغرائز
وإثارة للشهوات وإيقاع في المحرمات.
أصبح المؤمن الصابر على دينه
كالقابض على الجمر خائفًا يكبح جماح الشهوة وينهى النفس عن الهوى، يقاوم ضعفه
الفطري وشهوته الطبيعية ويجاهد نفسه الأمارة بالسوء؛ الشيطان يعده ويمنيه ويسول له
ويزين، ويريد الذين يتبعون الشهوات أن يميلوا به ميلاً عظيمًا، فكيف يسلم؟! كيف
يسلم من له عدو لا ينام عن معاداته، ونفس أمارة بالسوء، وهوى مردٍ، وشهوة غالبة،
وشيطان مزين، وضعف مستولٍ عليه؛ فإن تولاه الله نجا وسلم، وإن تخلى عنه ووكله إلى
نفسه اجتمعت عليه هذه القوى فكانت الهلكة.([1])
علاج نبوي عظيم
إن من صفات عباد الرحمن أنهم يغضون
أبصارهم و يحفظون فروجهم قال الله تعالى {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ
إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا
بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68)
يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69)
إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ
اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الفرقان:
68 – 70]
وأمرك الله أيها الشاب أن تحص أن
تغض بصرك وتحصن فرجك {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ
وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا
يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ
وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ } [النور: 30، 31]
روى الأمام أحمد في مسنده عَنْ
أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: إِنَّ فَتًى شَابًّا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، ائْذَنْ لِي بِالزِّنَا،
فَأَقْبَلَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ فَزَجَرُوهُ وَقَالُوا: مَهْ. مَهْ. فَقَالَ: ”
ادْنُهْ، فَدَنَا مِنْهُ قَرِيبًا “. قَالَ: فَجَلَسَ قَالَ: ” أَتُحِبُّهُ
لِأُمِّكَ؟ ” قَالَ: لَا. وَاللهِ جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ. قَالَ: ” وَلَا
النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأُمَّهَاتِهِمْ “. قَالَ: ” أَفَتُحِبُّهُ لِابْنَتِكَ؟ ”
قَالَ: لَا. وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ قَالَ: ” وَلَا
النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِبَنَاتِهِمْ “. قَالَ: ” أَفَتُحِبُّهُ لِأُخْتِكَ؟ ”
قَالَ: لَا. وَاللهِ جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ. قَالَ: ” وَلَا النَّاسُ
يُحِبُّونَهُ لِأَخَوَاتِهِمْ “. قَالَ: ” أَفَتُحِبُّهُ لِعَمَّتِكَ؟ ” قَالَ:
لَا. وَاللهِ جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ. قَالَ: ” وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ
لِعَمَّاتِهِمْ “. قَالَ: ” أَفَتُحِبُّهُ لِخَالَتِكَ؟ ” قَالَ: لَا. وَاللهِ
جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ. قَالَ: ” وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِخَالَاتِهِمْ
“. قَالَ: فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ وَقَالَ: ” اللهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ
وَطَهِّرْ قَلْبَهُ، وَحَصِّنْ فَرْجَهُ ” قَالَ: فَلَمْ يَكُنْ بَعْدُ ذَلِكَ
الْفَتَى يَلْتَفِتُ إِلَى شَيْءٍ. ([2]).
ارض للناس جميعا .. ..
مثلما ترضى لنفسك
إنـمـا النـاس جميعـا
.. .. كلــهم أبـنـاء جنسك
غير عدل أن توخى .. ..
وحشة الناس بأنسك
فلــهم نــفس كنفسك ..
.. ولهـم حـس كـحسك
شباب ملكوا زمام أنفسهم أمام
الشهوات
يا شباب انظروا إلى من هو في سنكم
تجري الشهوة في عروقه وتتعرض لهم المعصية دون جهد أو مراودة كيف كبح جماح شهواته
إنه يوسف عليه السلام: شاب أعطي
نصف الجمال تشتهيه أي امرأة تراه ولكنه كان يراقب ربه ومولاه
قال الله تعالى {وَرَاوَدَتْهُ
الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ
هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا
يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23) وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ
رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ
إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ (24) وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ
قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ
مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (25)
قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ
قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (26) وَإِنْ
كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ (27)
فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ
كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (28) يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ
إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ} [يوسف: 23 – 29]
إن الواقع الذي عاشه يوسف عليه
السلام هو في الحقيقة أشد من أي واقع يقابله شاب منا، فلقد تهيأت له كل أسباب
الفاحشة ودواعيها:
فالشباب والقوة والشهوة متوفرة؛
فقد كان في عنفوان شبابه، وهو يحتاج لتصريف شهوته وهو عزب، ولا مصرف له حلال، وقد
بذلت له ولم يسع إليها..
والمرأة جميلة؛ فهي زوجة العزيز
ومثله لا يتزوج إلا بأجمل النساء.
ولا خوف من العقوبة؛ فالمرأة هي
الطالبة والراغبة، وقد طلبت وأرادت بل وراودت، فكفته مؤنة التلميح أو التصريح
بالرغبة.
وقد أغلقت الأبواب عليهما ليكونا
في مأمن، ولترفع عنه حرج الخوف من الفضيحة.
ثم هو غريب في بلد لا يعرفه أحد؛
فلا خوف من أن يفتضح، وهو خادم وهي سيدته، فهو تحت سلطانها وقهرها، فيخاف إن لم
يجبها أن يطوله أذاها.
وقد عانى عظم الفتنة وشدة
الإغراء.. فالمرأة لا شك قد أعدت للأمر عدته وبيتته بليل وخططت له، فدخلت وأغلقت
الأبواب كل الأبواب، وبدأت في المراودة، ومثل هذه لابد أنها تزينت بكل زينة وجمعت
كل فتنة، فما ملك إلا الهرب، وأنقذه هذه المرة وجود سيده لدى الباب رغم أن ردة
فعله كانت مخيبة للآمال.
و لكن كيف نجا يوسف من تلك المحنة
كيف قاوم ثورة الشهوة و النزة و هو من اكمل اهل زمانه رجولة و فحولة ؟
الجواب أيها الشباب في النقاط
الأتية أحفظوها واستحضروها دائما وأبدا
أولها: خوف الله ومراقبته
في هذا المشهد المثيرة للشهوة
استحضر يوسف عليه السلام عظمة الله و مراقبته له في خطراته استحضر عظمة القيوم جل
جلاله الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض و لا في السماء فردد تلك الكلمات و قال :
{معاذ الله}، {إنه لا يفلح الظالمون}.
فحقق بذلك مقام الإحسان الذي هو
اعلى درجات الأيمان بالرحيم الرحمن
فيا شباب ما أجمل الخوف من الجليل
وما أجمل الخشية من الكبير المتعال فهي تورث العبد القرب من الله وتجعله ممن يستظل
بظل الله يوم لا ظل إلا ظله
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ
اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ
إِمَامٌ عَادِلٌ وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَرَجُلٌ
ذَكَرَ اللَّهَ فِي خَلَاءٍ فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ وَرَجُلٌ كَانَ قَلْبُهُ
مُعَلَّقًا فِي الْمَسْجِدِ وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ
وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ إِلَى نَفْسِهَا فَقَالَ
إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا
حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا صَنَعَتْ يَمِينُهُ([3])
استحضروا يا شباب الأمة دائما أن
الله يراكم ويسمع كلامكم ومطلع على ما احتوته نياط قلوبكم
{وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو
مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ
شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ
ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا
أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ } [يونس: 61]
إذا
ما خلوْتَ، الدّهرَ، يوْماً، فلا
تَقُلْ خَلَوْتَ ولكِنْ
قُلْ عَلَيَّ رَقِيبُ
ولاَ
تحْسَبَنَّ اللهَ يغفِلُ ساعة وَلا أنَ مَا يخفَى عَلَيْهِ يغيب
ثانيها: من حفظ الله
حفظه الله جلا في علاه:
قوله: (يحفظك) مراده من حفظ حدود
الله وراعى حدوده حفظه الله فإن الجزاء من جنس العمل كما قال تعالى: (وأوفوا
بعهده)
حفظ الله للعبد في دينه
وإيمانه فيحفظه في حياته من الشبهات ومن الشهوات المحرمة ويحفظ عليه دينه عند موته
فيتوفاه على الإيمان ففي الصحيحين عن البراء بن عازب عن النبي صلى الله عليه وسلم
أنه أمره أن يقول عند منامه: (إن قبضت نفسي فارحمها وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ
به عبادك الصالحين). والله يحول بين العبد وبين ما يفسد عليه دينه بأنواع من الحفظ
وقد لا يشعر العبد بذلك وقد يكون كارها له كما قال في حق يوسف عليه السلام:
(كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا
الْمُخْلَصِينَ).
عَنْ عُقْبَةَ بْنِ
نَافِعٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ:
«إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ عَبْدًا حَمَاهُ الدُّنْيَا كَمَا يَحْمِي أَحَدُكُمْ
مَرِيضَهُ الْمَاءَ لِيُشْفَى»([4])
ثالثا: الفرار من مواطن المعصية
والبعد عن أسبابها
هل تأملتم يا شباب الأمة في قوله
تعالى {وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا
سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ} [يوسف: 25]
تخيلوا يوسف عليه السلام وهو
يهرول نحو الباب و امرأة العزيز في طلبه إنه الفرار يا شباب فلا تجلسوا ولا
ترتادوا مواطن الشهوات فروا بدينكم من جلسة الشهوات إلى مواطن الطاعات و تسلحوا
بذكر رب الأرض و السماوات عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ الْحَلَالَ بَيِّنٌ
وَالْحَرَامَ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ
النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ فَقَدِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ،
وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ، كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ
الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ، أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلَكٍ حِمًى، أَلَا
وَإِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ، أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا
صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ
أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ»([5])
يا شباب الأمة فروا من مشاهدة
الأفلام والمسلسلات التي توقد نار الشهوات وتورث المرء الحسرات
يا شباب الأمة فروا من أمام
المواقع الإباحية التي تهتك الأستار وتدعوا إلى معصية العزيز الغفار ويكون نهايتها
جهنم وبس القرار
يا شباب الأمة فروا من المنتزهات و
من شواطئ العراة الذين تعروا من كل فضيلة و تلبسوا بكل رذيلة
كل الحوادث مبدأهـــا
من النظــر *** ومعظم النار من مستصغر الشرر
كم نظرة بلغت من قلب
صاحبها *** كمبلغ السهم بين القــــــوس والوتر
يســــر مقلته ما
ضــــــر مهجته *** لا مرحـــــبا بسرور جاء بالضرر
رابعها: الدعاء والالتجاء إلى
الله:
اللجوء إلى الله صمام أمان وركن
شديد يأوي إليه العبد في الفتن والأزمات وعند اشتعال نار الشهوات تخيلوا يا شباب
الأمة تضرع يوسف عليه السلام إلى الله يطلب من العون والمدد ويطلب منه الحفظ من
كيد الشطان ومن كيد النساء {قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا
يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ
وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ (33) فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ
كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [يوسف: 33، 34]
فيا شباب الأمة اذا أردتم العصمة
فاعتصموا بربكم {وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ
مُسْتَقِيمٍ } [آل عمران: 101].
قال الإمام ابن القيم -رحمه الله-:
“وأما الاعتصام به: فهو التوكل عليه والامتناع به والاحتماء به وسؤاله أن يحمي
العبد ويمنعه ويعصمه ويدفع عنه فإن ثمرة الاعتصام به: هو الدفع عن العبد والله
يدافع عن الذين آمنوا فيدفع عن عبده المؤمن إذا اعتصم به كل سبب يفضي به إلى العطب
ويحميه منه فيدفع عنه الشبهات والشهوات وكيد عدوه الظاهر والباطن وشر نفسه” ([6]).
ثانيا: شهوة لمال:
ومن أخطر الفتن التي
تهدد الشباب وتسبب الانحراف والانجراف شهوة المال فالمال له شهوة وله بريق وله زغل
في عيون كثير من الشباب قال الله تعالى (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ
مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ
وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ
مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) [سورة آل عمران الآية: 14]
فالمال أحد أكبر الشهوات التي
أودعها الله فينا، والمال أحد أكبر أسباب التقرب من الله عز وجل.
والحقيقة الكبرى أن شهوة المال هي
سبب كل بلاء وأصل كل داء فهل ما نراه من تقاتل الأمم والشعوب إلا من أجل الثروات
وهل ما نره من اختلاف بين الإخوة
والأخوات وقطيعة الأرحام إلا بسبب فتنة المال
وهل ما نراه من إراقة للدماء ومن
سطو على بيوت الضعفاء إلا بسبب المال
وهل ما نراه من تهافت كثير من
الشباب على تجارة المخدرات وترويج الممنوعات إلا بسبب فتنة المال
يا شباب الأمة احذروا من شهوة
المال القاتلة
فكم من شاب خسر مستقبله بسبب الجري
وراء الثراء
وكم من شاب قضى حياة خلف القضبان
بسبب اللهث وراء المال
وكم من شاب حرم من عروسه وفرحه
بسبب البحث عن الغنى من أبواب ممنوعة
عَنْ خَوْلَةَ بِنْتِ
ثَامِرٍ الأَنْصَارِيَّةِ، أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللهِ صَلى الله عَلَيه
وسَلم يَقُولُ: إِنَّ الدُّنْيَا خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ، وَإِنَّ رِجَالاً سَيخُوضُونَ
فِي مَالِ اللهِ بِغَيْرِ حَقٍّ لَهُمُ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.([7])
أن عمرو بن عوف، وهو حليف بني عامر
بن لؤي وكان شهد بدرا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخبره أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم بعث أبا عبيدة بن الجراح فقدم بمال من البحرين، فسمعت الأنصار
بقدوم أبي عبيدة، فوافوا صلاة الفجر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما صلى
رسول الله صلى عليه وسلم انصرف، فتعرضوا له، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم
حين رآهم، ثم قال: «أظنكم سمعتم أن أبا عبيدة قدم بشيء؟» قالوا: أجل يا رسول الله،
قال: «فأبشروا وأملوا ما يسركم، فوالله ما الفقر أخشى عليكم، ولكني أخشى أن تبسط
الدنيا عليكم كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها فتهلككم كما
أهلكتهم» ([8])
وهذا ما استشرفه عمر بن الخطاب رضي
الله عنه ، حتى لم يؤثِّر في بصيرته الفرح بالغنيمة والانشغال بالنصر ، فقد أورد
ابن حجر أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أُتي بمال من المشرق يُقال له نفل كسرى ،
فأَمر به فصُبَّ وغُطِّي ، ثم دعا الناس فاجتمعوا ، ثم أمر به فكُشِف عنه ، فإذا
حُلي كثير وجوهر ومتاع ، فبكى عمر ، وحمد الله عز وجل ، فقالوا له : ما يبكيك يا
أمير المؤمنين؟! هذه غنائم غنمها الله لنا ونزعها من أهلها ، فقال : ” ما فُتِح من
هذا على قوم إلا سفكوا دماءهم واستحلوا حرمتهم ” .
قال ابن المبارك:
أرى أناسا بأدنى
الدين قد قنعوا ** ولا أراهم رضوا في العيش بالدون
فاستغنِ بالدين
عن دنيا الملوك كما ** استغنى الملوك بدنياهم عن الدين
ثالثا: شهوة الشهرة:
ومن لجج الشهوات لجة الشهرة والشرف
فيا شباب الأمة: لقد رأينا من
يتملص من دينه و يطعن في ثوابت الدين و يجرى وراء الشاشات و الفضائيات بائعا دينه
بأزهد الأثمان يبيع دينه من أجل شهرة وإن خسر دينه و أخراه
فطلب الشهرة مذموم بكل حال،
والمؤمن مخبت متواضع، لا يحب أن يشار إليه بالأصابع، ومن أعظم ما يفسد على المرء
سعيه إلى ربه: حبه للشهرة، والشرف في الناس، والرئاسة عليهم .
سلوا الفضائيات كم أضلت من عالم
سلوا الفضائيات كم أغرت من داعية
سلوا الفضائيات كم رفعت من جاهل
سلوا الفضائيات كم أعلت من ساقط
سلوا الفضائيات كم لمعت من لاعب
عن كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ :
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَا ذِئْبَانِ
جَائِعَانِ أُرْسِلَا فِي غَنَمٍ بِأَفْسَدَ لَهَا مِنْ حِرْصِ الْمَرْءِ عَلَى
الْمَالِ وَالشَّرَفِ لِدِينِهِ ) ([9])
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه
الله :
” فَبَيَّنَ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الْحِرْصَ عَلَى الْمَالِ وَالشَّرَفِ فِي
فَسَادِ الدِّينِ لَا يَنْقُصُ عَنْ فَسَادِ الذِّئْبَيْنِ الْجَائِعَيْنِ
لِزَرِيبَةِ الْغَنَمِ وَذَلِكَ بَيِّنٌ ؛ فَإِنَّ الدِّينَ السَّلِيمَ لَا
يَكُونُ فِيهِ هَذَا الْحِرْصُ وَذَلِكَ أَنَّ الْقَلْبَ إذَا ذَاقَ حَلَاوَةَ عُبُودِيَّتِهِ
لِلَّهِ وَمَحَبَّتِهِ لَهُ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ أَحَبَّ إلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ
حَتَّى يُقَدِّمَهُ عَلَيْهِ وَبِذَلِكَ يُصْرَفُ عَنْ أَهْلِ الْإِخْلَاصِ
لِلَّهِ السُّوءُ وَالْفَحْشَاءُ ” انتهى من ([10])”
وهذه المحبة للشرف والشهرة هي من
الأمراض الخفية في النفوس ، ومهلكات القلب التي لا يكاد يتفطن إليها العبد إلا بعد
أن تمضي به شوطا بعيدا ، يشق عليه استدراكه ، وإصلاح ما أفسدته منه .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه
الله :
” كَثِيرًا مَا يُخَالِطُ
النُّفُوسَ مِنْ الشَّهَوَاتِ الْخَفِيَّةِ مَا يُفْسِدُ عَلَيْهَا تَحْقِيقَ
مَحَبَّتِهَا لِلَّهِ وَعُبُودِيَّتِهَا لَهُ وَإِخْلَاصِ دِينِهَا لَهُ كَمَا
قَالَ شَدَّادُ بْنُ أَوْسٍ : يَا بَقَايَا الْعَرَبِ إنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ
عَلَيْكُمْ الرِّيَاءُ وَالشَّهْوَةُ الْخَفِيَّةُ ، قِيلَ لِأَبِي دَاوُد
السجستاني : وَمَا الشَّهْوَةُ الْخَفِيَّةُ ؟ قَالَ : حُبُّ الرِّئَاسَةِ “([11])
عن عَامِر بْن سَعْدٍ قَالَ :
كَانَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ فِي إِبِلِهِ فَجَاءَهُ ابْنُهُ عُمَرُ فَلَمَّا
رَآهُ سَعْدٌ قَالَ : أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّ هَذَا الرَّاكِبِ ، فَنَزَلَ
فَقَالَ لَهُ : أَنَزَلْتَ فِي إِبِلِكَ وَغَنَمِكَ وَتَرَكْتَ النَّاسَ
يَتَنَازَعُونَ الْمُلْكَ بَيْنَهُمْ ؟ فَضَرَبَ سَعْدٌ فِي صَدْرِهِ فَقَالَ :
اسْكُتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : (
إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعَبْدَ التَّقِيَّ الْغَنِيَّ الْخَفِيَّ ) .
قال النووي رحمه الله :
” ( الْخَفِيّ ) : الْخَامِل الْمُنْقَطِع
إِلَى الْعِبَادَة وَالِاشْتِغَال بِأُمُورِ نَفْسه ” انتهى .
ولهذا قال إبراهيم بن أدهم : ” ما
صدق الله عبد أحب الشهرة ” .
وقال إبراهيم النخعي والحسن البصري
: ” كفى فتنة للمرء أن يشار إليه بالأصابع في دين أو دنيا إلا من عصمه الله “([13])
عالم الشهرة الآن يدخل فيه كثيرٌ
من أهل السوء والباطل كما هو معروف وواضح جداً.
وهؤلاء الذين يحبون الأضواء
والكاميرات ويحبون أن تسلط إليهم الأنظار، كثيرٌ منهم تافهون جداً، إنما يعملون
على الإضرار بالمجتمع ويعملون في حقل المعصية وخطوات الشيطان وسبيل إبليس، كثير من
المشهورين الآن لاشك ولا يخفى عليكم هذا الحال فيه، وهؤلاء أمرهم واضح، ولا
يحتاجون إلى تبيين لكن نحن نلتفت الآن إلى مسألة حب الشهرة وحب الصيت عند الأوساط
التي يكون فيها شيءٌ من التدين أو الدين والعلم، فلا شك أنه يخترق هذه الأوساط شيءٌ
من هذه النوازع، حب الشهرة وحب الصيت.([14])
أقول قولي هذا و استغفر الله لي
والكم
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكر له
على عظم نعمه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، تعظيما لشأنه،
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وخليله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم
بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد:
فاتقوا الله – عباد الله – حق
التقوى، واستمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى، واعلموا أن أجسادكم على النار لا
تقوى.
أيها الشاب هيا لنتأمل في أحوال
وسير سلف الأمة كيف أنهم كانوا يهربون من الشهرة والأضواء وكيف كانوا أخفيا
أتقياء؟
سلف الأمة والهروب من عالم الشهرة والأضواء
أويس القرني وإخفاء نفسه
عن أسير بن عمرو ، ويقال : ابن
جابر وهو – بضم الهمزة وفتح السين المهملة – قال : كان عمر بن الخطاب – رضي الله
عنه – إذا أتى عليه أمداد أهل اليمن سألهم : أفيكم أويس بن عامر ؟ حتى أتى على
أويس – رضي الله عنه – ، فقال له : أنت أويس ابن عامر ؟ قال : نعم ، قال : من مراد
ثم من قرن ؟ قال : نعم . قال : فكان بك برص ، فبرأت منه إلا موضع درهم ؟ قال : نعم
. قال : لك والدة ؟ قال : نعم . قال : سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ،
يقول : (( يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن من مراد ، ثم من قرن كان به
برص ، فبرأ منه إلا موضع درهم ، له والدة هو بها بر لو أقسم على الله لأبره ، فإن
استطعت أن يستغفر لك فافعل )) فاستغفر لي فاستغفر له ، فقال له عمر : أين تريد ؟
قال : الكوفة ، قال : ألا أكتب لك إلى عاملها ؟ قال : أكون في غبراء الناس أحب إلي
، فلما كان من العام المقبل حج رجل من أشرافهم ، فوافق عمر ، فسأله عن أويس ، فقال
: تركته رث(([15]))
البيت قليل المتاع … ([16])
ابن المبارك وإخفاء
عمله
كان السلف رحمهم الله حريصين على
إخفاء أعمالهم، ويكرهون الشهرة، فعن عبدة بن سلمان المروزي ، قال: كنا في سرية مع
ابن المبارك في بلاد الروم، فصادفنا العدو فلما التقى الصفان خرج رجل من العدو
فدعا إلى البراز، فخرج إليه رجل- يعني: من المسلمين- فقتله، ثم آخر خرج من الكفار
خرج إليه نفس الرجل من المسلمين فقتله، ثم دعا إلى البراز فخرج إليه رجل فطارده
ساعة فطعنه فقتله -المسلم قتل ثلاثة- تحدٍ أمام الجيشين فازدحم إليه الناس -إلى
هذا المسلم- فنظرت فإذا هو عبد الله بن المبارك ، وإذا هو يكتم وجهه بكمه -يخفي
وجهه بكمه- فأخذت بطرف كمه فممدته فإذا هو ابن المبارك ، فقال عبد الله بن المبارك
للرجل هذا: وأنت يا أبا عمر ممن يشنع علينا.([17])
صاحب النقب يخفي عمله
وعن أبي عمر الصفار قال: حاصر
مسلمة حصناً فندب الناس إلى نقب منه، من يدخل ليفتح لنا؟ فما دخله أحد، فجاءه رجل
من عرض الجيش فدخله ففتح الله عليهم، فنادى مسلمة أين صاحب النقب؟ أين صاحب النقب؟
فما جاءه أحد، فنادى القائد بالجيش: إني قد أمرت الآن بإدخاله ساعة يأتي، فعزمت
عليه إلا جاء، فجاء رجل فقال: استأذن لي على الأمير، فقال له: أنت صاحب النقب؟
قال:أنا أخبركم عنه، فأتى مسلمة فأخبره عنه، فأذن له، فقال له: إن صاحب النقب يأخذ
عليكم ثلاثاً: ألا تسود اسمه في صحيفة الخليفة، ولا تأمروا له بشيء -يعني: من
المال- ولا تسألوه ممن هو ولا تستخبروا عن اسمه، قال القائد مسلمة : فذلك له، فقال
الرجل: أنا هو، هذا الرجل لأن أمر القائد لابد أن يطاع، القائد قال: عزمت عليه أن
يأتي، لابد أن يطاع، فكان مسلمة لا يصلي بعدها صلاةً إلا قال: اللهم اجعلني مع
صاحب النقب.([18])
الدعاء ……………………………………….
[2] – أخرجه
أحمد (5/256 ، رقم 22265) ، والطبراني (8/162 ، رقم 7679) . قال الهيثمى (1/129) :
رجاله رجال الصحيح . , الصحيحة: 370 , وقال الأرنؤوط: إسناده صحيح.
تعليقات: (0) إضافة تعليق